دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م, 01:40 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب عشرة النساء

بابُ عِشرةِ النساءِ
يَلزمُ للزوجينِ العِشرةُ بالمعروفِ، ويَحْرُمُ مَطْلُ كلِّ واحدٍ بما يَلزَمُه للآخَرِ والتكَرُّهُ لبَذْلِه، وإذا تَمَّ العَقْدُ لَزِمَ تَسليمُ الْحُرَّةِ التي يُوْطَأُ مِثْلُها في بيتِ الزوجِ إن طَلَبَه ولم تَشْتَرِطْ دَارَها أو بَلَدَها، وإذا اسْتَمْهَلَ أحدُهما أُمْهِلَ العادةَ وُجوبًا، لا لِعَمَلِ جِهازٍ، ويَجِبُ تَسليمُ الأَمَةِ ليلاً فقط، ويُباشِرُها ما لم يَضُرَّ بها أو يَشغَلْها عن فَرْضٍ، وله السفَرُ بالْحُرَّةِ ما لم تَشتَرِطْ ضِدَّه، ويَحْرُمُ وَطؤُها في الْحَيْضِ والدُّبُرِ، وله إجبارُها على غَسْلِ حَيْضٍ ونَجاسةٍ، وأَخْذِ ما تَعَافُه النفسُ من شَعْرٍ وغيرِه ولا تُجْبَرُ الذِّمِّيَّةُ على غُسْلِ الْجَنابةِ.

  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 12:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.......................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


بابُ عِشْرَةِ النساءِ
العِشْرَةُ بكَسْرِ العينِ: الاجتماعُ، يُقَالُ لكلِّ جماعةٍ: عِشْرَةٌ ومَعْشَرٌ. وهي هنا ما يكونُ بينَ الزوجيْنِ من الأُلْفَةِ والانضمامِ، (يَلْزَمُ) كلاًّ مِن (الزوجيْنِ العِشْرَةُ)؛ أي: مُعَاشَرَةُ الآخَرِ (بالمعروفِ)، فلا يَمْطُلُه بِحَقِّهِ ولا يَتَكَرَّهُ لِبَذْلِهِ، ولا يُتْبِعُه أَذًى ومِنَّةً؛ لقولِه تعالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. وقولِهِ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. ويَنْبَغِي إِمْسَاكُها معَ كَرَاهَتِه لها؛ لقولِه تعالَى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}. قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رُبَّمَا رُزِقَ مِنها وَلَداً، فجَعَلَ اللهُ فيها خَيْراً كثيراً، (ويَحْرُمُ مَطْلُ كلِّ واحدٍ) من الزوجيْنِ (بما يَلْزَمُه) للزوجِ (الآخَرِ، والتكَرُّهُ لِبَذْلِهِ)؛ أي: بذلِ الواجبِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وإذا تَمَّ العقدُ لَزِمَ تسليمُ) الزوجةِ (الحُرَّةِ التي يُوطَأُ مِثْلُها)، وهي بنتُ تِسْعٍ، ولو كانَتْ نِضْوَةَ الخِلْقَةِ، ويَسْتَمْتِعُ بِمَن يُخْشَى عليها؛ كحائِضٍ (في بيتِ الزوجِ) مُتَعَلِّقٌ بتسليمٍ (إنْ طَلَبَهُ)؛ أي: طَلَبَ الزوجُ تَسْلِيمَها، (ولم تَشْتَرِطْ) في العقدِ (دارَها أو بلدَها)، فإنِ اشْتَرَطَتْ عُمِلَ بالشروطِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
ولا يَلْزَمُ ابتداءُ تسليمِ مُحْرِمَةٍ ومريضةٍ وصغيرةٍ وحائضٍ، ولو قالَ: لا أَطَأُ. وإنْ أَنْكَرَ أنَّ وَطْأَهُ يُؤْذِيها، فعليها البَيِّنَةُ، (وإذا اسْتَمْهَلَ أَحَدُهما)؛ أي: طَلَبَ المُهْلَةَ؛ لِيُصْلِحَ أَمْرَه، (أُمْهِلَ العادةَ وُجُوباً)؛ طلباً لليُسْرِ والسُّهولةِ، (لا لعملِ جَِهَازٍ) بفتحِ الجيمِ وكَسْرِها، فلا تَجِبُ المُهْلَةُ له، لكِنْ في الغَنِيَّةِ تُسْتَحَبُّ الإجابةُ لذلكَ، (ويَجِبُ تسليمُ الأَمَةِ) معَ الإطلاقِ (ليلاً فَقَطْ)؛ لأنَّه زَمَانُ الاستمتاعِ للزوجِ، وللسيِّدِ اسْتِخْدَامُها نهاراً؛ لأنه زَمَنُ الخِدْمَةِ، وإنْ شَرَطَ تَسْلِيمَها نَهَاراً أو بَذَلَه سَيِّدٌ، وَجَبَ على الزوجِ تَسْلِيمُها نهاراً أيضاًً.
(ويُبَاشِرُها)؛ أي: الزوجُ، للاستمتاعِ بزوجتِهِ في قُبُلٍ، ولو مِن جِهَةِ العَجِيزَةِ، (ما لم يَضُرَّ) بها (أو يَشْغَلْها عن فَرْضٍ) باستمتاعِه، ولو على تَنُّورٍ أو ظَهْرِ قَتَبٍ، (وله)- أي: للزوجِ- (السفرُ بالحُرَّةِ) معَ الأمنِ؛ لأنَّه عليهِ السلامُ وأصحابَه كانوا يُسافِرُونَ بنسائِهم، (ما لم تَشْتَرِطْ ضِدَّهُ)؛ أي: أنْ لا يُسَافِرَ بها، فيُوَفِّي لها بالشروطِ، وإلاَّ فلها الفسخُ، كما تَقَدَّمَ.
والأَمَةُ المُزَوَّجَةُ ليسَ لِزَوْجِها ولا سَيِّدِها سَفَرٌ بها بلا إِذْنِ الآخرِ، ولا يَلْزَمُ الزوجَ لو بَوَّأَهَا سَيِّدُها مَسْكَناً أنْ يَأْتِيَها فيه، ولِسَيِّدٍ سَفَرٌ بِعَبْدِهِ المزوَّجِ واستخدامُه نهاراً.
(ويَحْرُمُ وَطْؤُها في الحَيْضِ)؛ لقولِهِ تعالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآيةَ. وكذا بعدَه قبلَ الغُسْلِ، (و) في (الدُّبُرِ)؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ)) رَوَاهُ ابنُ ماجَهْ.
ويَحْرُمُ عَزْلٌ بلا إذنِ حُرَّةٍ أو سَيِّدِ أَمَةٍ. (وله إِجْبَارُها)؛ أي: للزوجِ إجبارُ زَوْجَتِه (على غُسْلِ حَيْضٍ) ونِفَاسٍ وجَنَابَةٍ إذا كانَتْ مُكَلَّفَةً، (و) غُسْلِ (نَجَاسَةٍ) واجتنابِ مُحَرَّمَاتٍ وإزالةِ وَسَخٍ ودَرَنٍ، (وأخذِ ما تَعَافُهُ النفسُ مِن شَعَرٍ وغيرِهِ)؛ كظُفْرٍ، ومَنْعِها من أكلِ ما له رائحةٌ كريهةٌ؛ كبَصَلٍ وكُرَّاثٍ؛ لأنَّه يَمْنَعُ كمالَ الاستمتاعِ، وسواءٌ كانَتْ مُسْلِمةً أو ذِمِّيَّةً، ولا تُجْبَرُ على عَجْنٍ أو خَبْزٍ أو طَبْخٍ أو نحوِهِ، (ولا تُجْبَرُ الذِّمِّيَّةُ على غُسْلِ الجَنَابةِ) في روايةٍ، والصحيحُ من المذهبِ له إِجْبَارُها عليهِ؛ كما في (الإنصافِ) وغيرِهِ، وله مَنْعُ ذِمِّيَّةٍ مِن دُخُولِ بِيعَةٍ وكَنِيسَةٍ وشُرْبِ ما يُسْكِرُها، لا ما دُونَه، ولا تُكْرَهُ على إفسادِ صَوْمِها أو صلاتِها أو سَبْتِها.

  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 01:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب عشرة النساء([1])

العشرة بكسر العين الاجتماع([2]) يقال لكل جماعة: عشرة ومعشر([3]) وهي هنا: ما يكون بين الزوجين، من الأُلفة والانضمام([4]) (يلزم) كلا من (الزوجين العشرة) أي معاشرة الآخر (بالمعروف)([5]) فلا يمطله بحقه([6]) ولا يتكره لبذله([7]) ولا يتبعه أذى ومنة([8]).

لقوله تعالى ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[([9]) وقوله ]وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ[([10]) وينبغي إمساكها مع كراهته لها، لقوله تعالى ]فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[([11]).
قال ابن عباس: ربما رزق منها ولدا فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا([12]) (ويحرم مطل كل واحد) من الزوجين (بما يلزمه لـ) لمزوج ا(لآخر([13]) والتكره لبذله) أي بذل الواجب، لما تقدم([14]) (وإذا تم العقد لزم تسليم) الزوجة (الحرة التي يوطأُ مثلها)([15]) وهي بنت تسع([16]) ولو كانت نضوة الخلقة([17])

ويستمتع بمن يخشى عليها، كحائض([18]) (في بيت الزوج) متعلق بتسليم([19]) (إن طلبه) أي طلب الزوج تسليمها([20]) (ولم تشترط) في العقد (دارها، أو بلدها) فإن اشترطت عمل بالشرط، لما تقدم([21]) ولا يلزم ابتداء تسليم محرمة، ومريضة، وصغيرة، وحائض، ولو قال لا أطأ([22]) وإن أنكر أن وطأه يؤذيها، فعليها البينة([23]).

(وإذا استمهل أَحدهما) أي طلب المهلة ليصلح أَمره (أُمهل العادة وجوبًا)([24]) طلبا لليسر والسهولة([25]) (لا لعمل جهاز) بفتح الجيم وكسرها([26]) فلا تجب المهلة له([27]) لكن في الغنية: تستحب الإجابة لذلك([28]) (ويجب تسليم الأَمة) مع الإطلاق (ليلا فقط)([29]) لأنه زمان الاستمتاع للزوج([30]) وللسيد استخدامها نهارا، لأنه زمن الخدمة([31]) وإن شرط تسليمها نهارًا، أو بذله سيد، وجب على الزوج تسلمها نهارا أيضًا([32]).

(ويباشرها) أي: للزوج الاستمتاع بزوجته في قبل، ولو من جهة العجيزة([33]) (ما لم يضر) بها([34]) (أو يشغلها عن فرض) باستمتاعه([35]) ولو على تنور، أو ظهر قتب([36]) (وله) أي للزوج (السفر بالحرة) مع الأَمن([37]) لأنه عليه السلام وأصحابه كانوا يسافرون ينسائهم([38]) (ما لم تشترط ضده) أي أن لا يسافر بها، فيوفي لها بالشرط([39]).

وإلا فلها الفسخ كما تقدم([40]) والأَمة المزوجة ليس لزوجها ولا سيدها سفر بها بلا إذن الآخر([41]) ولا يلزم الزوج لو بوأَها سيدها مسكنا أن يأتيها فيه([42]) ولسيد سفر بعبده المزوج، واستخدامه نهارا([43]) (ويحرم وطؤها في الحيض)([44]) لقوله تعالى ]فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ[ الآية([45]) وكذا بعده قبل الغسل([46]) (و) في (الدبر)([47]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأْتوا النساء في أَعجازهن» رواه ابن ماجه([48]).
ويحرم عزل بلا إذن حرة([49]) أو سيد أمة([50]) (وله إجبارها) أي للزوج إجبار زوجته (على غسل حيض) ونفاس([51]) وجناية، إذا كانت مكلفة([52]).

(و) غسل (نجاسة)([53]) واجتناب محرمات([54]) وإزالة وسخ ودرن (وأَخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره) كظفر([55]) ومنعها من أكل ما له رائحة كريهة، كبصل وكراث([56]) لأنه يمنع كمال الاستمتاع([57]) وسواء كانت مسلمة أو ذمية([58]) ولا تجبر على عجن، أو خبز، أو طبخ، أو نحوه([59]) (ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة) في رواية([60]).

والصحيح من المذهب له إجبارها عليه، كما في الإنصاف وغيره([61]) وله منع ذمية من دخول بيعة، وكنيسة([62]) وشرب ما يسكرها([63]) لا ما دونه([64]) ولا تكره على إفساد صومها، أو صلاتها، أو سبتها([65]).



([1]) والقسم، وما يتعلق بهما، وقوله: عشرة النساء. أي عشرة النساء الرجال، أو عشرة الرجال النساء، ليصح تفسيره بقوله: وهي ... الخ.

([2]) والمخالطة، وعاشره معاشرة؛ وتعاشروا تخالطوا.

([3]) كمسكن، وعشرة بكسر العين، وفي الآية الكريمة ]يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ[ وقال عليه الصلاة والسلام «يا معشر قريش».

([4]) الألفة بالضم، أي والعشرة المبوب لها: هي ما يكون بين الزوجين من الائتلاف، والاجتماع، وقال الحارث المحاسبي: ثلاثة أشياء قليلة، أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.

([5]) من الصحبة الجميلة, وكف الأذى.

([6]) مع قدرته على أدائه.

([7]) أي بما عليه من حق الآخر، بل ببشر وطلاقه.

([8]) لأن هذا من المعروف المأمور به.

([9]) أي طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم، قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله» وكان من أخلاقه أنه جميل العشر، دائم البشر. وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيكم.

([10]) قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، وحقه عليها أعظم من حقها عليه، لقوله تعالى ]وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ[ وقوله صلى الله عليه وسلم «لو كنت آمرا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» لعظم حقه عليها؛ وقال «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
ويسن لكل منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، لقوله تعالى ]وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ[ قيل: هو كل واحد من الزوجين، ولقوله صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم» وقوله «خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته».
وقال ابن الجوزي: معاشرة المرأة بالتلطف، مع إقامة هيبة، ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله، ولا يفشي إليها سرًا، يخاف إذاعته، ولا يكثر من الهبة لها، وليكن غيورا من غير إفراط، لئلا ترمى بالشر من أجله. اهـ. وعليها أن تبدي له كل ما يدعوه إليها، ويزيدها في مودته، وتصطاد به قلبه.

([11]) أي فعسى أن يكون صبركم، في إمساككم لهن مع الكراهة، فيه خير
كثير لكم، في الدنيا والآخرة، ندب تعالى إلى إمساك المرأة مع الكراهة، لأن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودا، أو محمود عاد مذموما، ولا تكاد تجد محبوبًا ليس فيه ما تكره، فليصبر على ما يكره لما يحب.


([12]) وفي الصحيح «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن سخط منها خلقا رضي منها آخر».

([13]) المطل الدفع عن الحق، بوعد، وبابه قتل.

([14]) أي من وجوب المعاشرة بالمعروف، وعدم التكره لبذله، للآيات والأخبار.

([15]) إن طلبه، لأنه بالعقد يستحق الزوج تسليم العوض، كما تستحق تسليم الصداق إن طلبته، ونصه: التي يمكن الاستمتاع بها. واعتبار الحرية، لما يأتي في الأمة.

([16]) لأنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع، وليس على التحديد، وإنما ذكروه لأنه الغالب، وفي هذا الوقت لا يمكن تقييدها بالتسع، بل التي يوطأ مثلها.

([17]) أي مهزولة الجسم، لكن إن خافت على نفسها بالإفضاء من عظمه، فلها منعه من جماعها، وعليه النفقة، ولا يثبت له خيار الفسخ.

([18]) أي يستمتع بها كما يستمتع من الحائض بما دون الفرج، ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها، وعبالة ذكره، ونحو ذلك، ويجوز أن تنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة.

([19]) أي وإذا تم العقد، لزم تسليم الزوجة الحرة، في بيت الزوج.

([20]) لأن الحق له، فلا يجب بدون طلبه.

([21]) أي في الشروط في النكاح، ولم يكن له طلبها إلى بيته، وفي المبدع: فإن شرطته لزم الوفاء به، وإنما يلزم على قول الشيخ، وعليه فله طلبها، ولها الفسخ بمخالفته، ويجب تسليم نفسها في دارها، ويلزم الزوج تسلمها إن بذلته إذا كانت ممن يجب تسليمها، وتلزمه النفقة، تسلمها أو لا.

([22]) لم يقبل قوله، وذلك لأن هذه الأعذار تمنعه الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، وإن كانت غير مرجوة الزوال وجب التسليم، لئلا يؤدي إلى عدم التسليم، بخلاف ما لو كانت عنده أولا، ثم مرضت، أو حاضت، فإنه يلزم تسليمها إليه، ويلزمه تسليمها إذا طلبته.

([23]) لأن الأصل عدم ذلك، أشبه سائر الدعاوي، وهذا فيما إذا كانت ممن يجب تسليمها.

([24]) كاليومين والثلاثة، كذا ذكره في الإقناع وغيره، والمرجع في ذلك إلى العرف، لأنه لا تقدير فيه، فيرجع فيه إلى العادة.

([25]) لأن ذلك من حاجتهما، فإذا منعا منه كان تعسيرا، فوجب إمهالهما.

([26]) ما تجهز به إلى بيت الزوج.

([27]) أي لعمل الجهاز، وكذا لو سأل هو ذلك.

([28]) إن استمهلت هي أو أهلها ما تتهيأ به، من شراء جهاز وتزين، أو استمهل هو وولي من به صغر أو جنون مثله، إذا طلب المهلة، على التفصيل السابق.

([29]) حيث لم يكن هناك شرط.

([30]) أي لأن الليل هو زمن الاستمتاع في الغالب.

([31]) ولأنها مملوكته، عقد الزوج على إحدى منفعتيها، فلم يجب تسليمها في غير وقتها، كما لو آجرها لخدمة النهار.

([32]) لأن الزوجية تقتضي وجوب التسليم والتسلم مع البذل ليلاً ونهارًا، وإنما منع منه في حق الأمة نهارا لحق السيد، فإذا بذله فقد ترك حقه، فعاد إلى الأصل في الزوجية.

([33]) لقوله تعالى ]نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[ فجاز كل وقت، على أي صفة كانت، وإنما التحريم مختص بالدبر دون ما سواه.

([34]) أي باستمتاعه بها، لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف، ومن زاد عليها في الجماع صولح على شيء، لأنه غير مقدر، فرجع إلى اجتهاد الحاكم، قال الشيخ: فإن تنازعا فينبغي أن يفرضه الحاكم، كالنفقة وكوطئه إذا زاد. اهـ. وجعل ابن الزبير أربعا بالليل، وأربعا بالنهار، وصالح أنس رجلا على ستة.

([35]) فليس له ذلك، وحيث لم يضرها، ولم يشغلها عن فرض، فله الاستمتاع بها، ولا يجوز لها تطوع بصوم، ولا صلاة، وهو شاهد إلا بإذنه.

([36]) أي وله الاستمتاع بها، ما لم يضرها أو يشغلها، ولو كانت على تنور، لما رواه أحمد وغيره «أو كانت على ظهر قتب» يعني راكبة.

([37]) بلا إذنها إذا كان الطريق، أو البلد الذي يريده غير مخوف.

([38]) كما هو مستفيض عنه صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه رضي الله عنهم.

([39]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج».

([40]) أي فيما إذا شرطت بلدها.

([41]) لما في ذلك من تفويت حقه عليه.

([42]) أي الزوج في ذلك المسكن، لأن السكنى للزوج، لا لها.

([43]) ولو منعه من التكسب، لتعلق المهر والنفقة بذمة سيده.

([44]) وكذا نفاس إجماعًا، وتقدم في باب الحيض.

([45]) فدلت الآية على تحريم وطء الحائض حال جريان دم الحيض، وهو إجماع.

([46]) لقوله تعالى ]فَإِذَا تَطَهَّرْنَ[ أي اغتسلن أو تيممن لعدم الماء، أو عجز عن استعماله.

([47]) أي ويحرم وطؤها في الدبر، بالإجماع.

([48]) وله عن أبي هريرة «لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها»
وعنه «من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد» قال الشيخ: وطء المرأة في الدبر حرام، بالكتاب والسنة، وقول جماهير السلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى، وقوله تعالى
]أَنَّى شِئْتُمْ[ أي في صمام واحد كما تقدم، فإن فعل عزر إن علم تحريمه، وإن تطاوعا فرق بينهما، قال الشيخ: كما يفرق بين الرجل الفاجر، وبين من يفجر به من رقيقه.


([49]) قال الوزير وغيره: أجمعوا على أنه ليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها، ولأحمد: نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وثبت عن ابن عباس نحوه، ولمسلم عن عائشة قال «ذلك الوأد الخفي» ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها، والجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل، ومعناه أن ينزع إذا قرب الإنزال، فينزل خارجا عن الفرج.

([50]) أي ويحرم عزل عن أمة، إلا بإذن سيدها عند الجمهور، لأن الحق في الولد له، وله أن يعزل عن سريته بلا إذنها، ويعزل وجوبا عن الكل بدار حرب بلا إذن.

([51]) سواء كانت زوجة، أو أمة، أو سرية، لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه.

([52]) لا إجبار من دون البلوغ، ولا ذمية كما سيأتي، لأن الوطء لا يقف عليه، لإباحته بدونه، جزم به في الإقناع، وصحح في الإنصاف إجبار الذمية المكلفة، وهو مقتضى المنتهى.

([53]) أي وللزوج إجبار زوجته، على غسل نجاسة، لأنه واجب عليها.

([54]) أي وله إجبارها على اجتناب المحرمات، وأداء الواجبات، فلو امتنعت عن الصلاة أدبها، فإن صلت وإلا حرم عليه الإقامة معها، كما سيأتي.

([55]) فإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه، لأنه لحقه.

([56]) وثوم، ونتن، إذا تأذى به.

([57]) فكان له منعها منه.

([58]) فهما سواء في حقه.

([59]) كطحن، وكنس بيت، وغير ذلك، وقال الشيخ: يجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف، من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، وقاله طائفة من الأصحاب.

([60]) وهو ما جزم به في الإقناع، وقدمه غير واحد.

([61]) وهو مقتضى المنتهى وغيره.

([62]) فلا تخرج إلا بإذن الزوج.

([63]) لأنه محرم عليها، وله منعها من تناول محرم.

([64]) أي ولا تمنع من دون ما يسكرها، لاعتقادها حله في دينها، وأقرت عليه، وله إجبارها على غسل فمها من سائر النجاسات، لأنه يمنع من القبلة.

([65]) بوطء أو غيره، لأنه يضر بها، ولأنها بذلت الذمة، وعقدت على إقرارها على دينهم، ولا يشتري لها ولا لأمته الذمية زنارا، لأنه إعانة على إظهار شعارهم، بل إن أرادت فتشتري هي لنفسها.


  #5  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 03:59 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ

يَلْزَمُ الزَّوْجَيْنِ العِشْرَةُ بِالمَعْرُوفِ،..........
قوله: «عشرة» : العِشْرة مأخوذة من المعشر، والعشيرة، وما أشبه ذلك، وأصلها في اللغة الاجتماع، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الشباب» [(263)] يخاطب الجمع، ومنه العشيرة؛ لأنها مجتمعة على أب واحد.
لكن المراد هنا غير ما يراد في اللغة، فالمراد بالعشرة هنا المعاملة والالتئام بين الزوجين.
قوله: «النساء» : المراد بالنساء هنا الزوجات، وليس عموم الإناث؛ لقول الله تعالى: {{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}} أي: الزوجات، {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاََّّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}} [النساء: 23] أي: الزوجات، أما قوله: {{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}} [النساء: 24] ، فالمراد بالنساء هنا الإناث، وعلى هذا فكلمة «النساء» تارة يراد بها الزوجات، وتارة يراد بها عموم النساء، حسب ما يقتضيه السياق.
فقول: «باب عشرة النساء» المراد به كيف يعاشر الرجل زوجته؟ وكيف تعاشر المرأة زوجها؟
والحقيقة أنه باب عظيم تجب العناية به؛ لأن تطبيقه من أخلاق الإسلام، ولأن تطبيقه تدوم به المودة بين الزوجين، ولأن تطبيقه يحيا به الزوجان حياة سعيدة، ولأن تطبيقه سبب لكثرة الولادة، لأنه إذا حسنت العشرة بين الزوجين ازدادت المحبة، وإذا ازدادت المحبة ازداد الاجتماع على الجماع، وبالجماع يكون الأولاد، فالمعاشرة أمرها عظيم.
ثم اعلم أن معاملتك لزوجتك يجب أن تقدر كأن رجلاً زوجاً لابنتك، كيف يعاملها؟ فهل ترضى أن يعاملها بالجفاء والقسوة؟ الجواب: لا، إذاً لا ترضى أن تعامل بنت الناس بما لا ترضى أن تعَامَل به ابنتك، وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل إنسان.
وقد روى الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في مسنده أن رجلاً سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الزنا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أترضى أن يزني أحد بأختك، أو بنتك، أو أمك؟ قال: لا، فلم يزل يقول: بكذا وكذا، كل ذلك يقول: لا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: فاكره ما كره الله، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك» [(264)].
وهذا مقياس عقلي واضح جداً، فكما أن الإنسان لا يرضى أن تكون ابنته تحت رجل يقصر في حقها، ويهينها، ويجعلها كالأمة يجلدها جلد العبد، فكذلك يجب أن يعامل زوجته بهذا، لا بالصلف، والاستخدام الخارج عن العادة.
وعلى الزوجة ـ أيضاً ـ أن تعامل زوجها معاملة طيبة، أطيب من معاملته لها؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال في كتابه: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}} [البقرة: 228] ، ولأن الله تعالى سمَّى الزوج سيداً، فقال ـ عزّ وجل ـ في سورة يوسف: {{وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}} [يوسف: 25] ، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم سمى الزوجة أسيرة فقال: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم» [(265)] «وعوانٍ» جمع عانية وهي الأسيرة.
فعلى كل حال الواجب على الإنسان إذا كان يحب أن يحيا حياة سعيدة، مطمئنة، هادئة أن يعاشر زوجته بالمعروف، وكذلك بالنسبة للزوجة مع زوجها، وإلا ضاعت الأمور، وصارت الحياة شقاء، ثم هذا ـ أيضاً ـ يؤثر على الأولاد، فالأولاد إذا رأوا المشاكل بين أمهم وأبيهم سوف يتألمون وينزعجون، وإذا رأوا الألفة فسيسَرُّون، فعليك يا أخي بالمعاشرة بالمعروف.
ولهذا قال المؤلف:
«يلزم الزوجين العشرة بالمعروف» ، «يلزم» بمعنى يجب و «الزوجين» الرجل والمرأة «العشرة» فاعل يلزم يعني المعاشرة بالمعروف، أي: بما يعرف شرعاً، وعرفاً؛ لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب وقال: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 228] .
فأثبت أن عليهن عشرة، فيجب على الزوج والزوجة، كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف.
وقوله: «بالمعروف» يحتمل أن المراد به ما عرفه الشرع وأقره، ويحتمل أن المراد به ما اعتاده الناس وعرفوه، ويمكن أن نقول بالأمرين جميعاً، ما عرفه الشرع وأقره، وما اعتاده الناس وعرفوه، فلو اعتاد الناس أمراً محرماً فإنه لا يجوز العمل به، ولو كان عادة؛ لأن الشرع لا يقره، وما سكت عنه الشرع، ولكن العرف يلزم به فإنه يلزم؛ لأن هذا من تمام العقد، إذ العقود الجارية بين الناس تتضمن كل ما يستلزمه هذا العقد شرعاً، أو عرفاً، فلو قالت الزوجة: أنت ما شرطت علي أني أفعل كذا، نقول: لكن مقتضى العقد عرفاً أن تفعلي هذا الشيء.
ولو قال الزوج: يا فلانة اصنعي طعاماً فإن معي رجالاً، فقالت: لا أصنع، أنا ما تزوجت إلا للاستمتاع فقط، أما أن أخدمك فلا، فهل يلزمها أو لا؟ نعم، يلزمها؛ لأن هذا مقتضى العرف، وما اطرد به العرف كالمشروط لفظاً، وبعضهم يعبر بقوله: الشرط العرفي كالشرط اللفظي.
وقوله: «يلزم» أي لزوماً شرعياً، وينبغي للإنسان في معاشرته لزوجته بالمعروف أن لا يقصد السعادة الدنيوية، والأنس والمتعة فقط، بل ينوي مع ذلك التقرب إلى الله ـ تعالى ـ بفعل ما يجب، وهذا أمر نغفل عنه كثيراً، فكثير من الناس في معاشرته لزوجته بالمعروف، قصده أن تدوم العشرة بينهما على الوجه الأكمل، ويغيب عن ذهنه أن يفعل ذلك تقرباً إلى الله تعالى، وهذا كثيراً ما ينساه، ينسيه إياه الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تنوي بهذا أنك قائم بأمر الله: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} وإذا نويت ذلك حصل لك الأمر الثاني، وهو دوام العشرة الطيبة، والمعاملة الطيبة، وكذلك بالنسبة للزوجة.
وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة، ففي الوضوء ـ مثلاً ـ إذا أردنا أن نتوضأ نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة، لا بد من القيام به، ونستحضر أننا نقوم بأمر الله ـ تعالى ـ في قوله: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] قد نذكره أحياناً، ولكننا ننساه كثيراً، وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كأنه أمامنا، وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحياناً، ولكنه يفوتنا كثيراً، فينبغي للإنسان أن يكون حازماً لا تفوته الأمور والأجور بمثل هذه الغفلة.
وينبغي للإنسان أن يصبر على الزوجة، ولو رأى منها ما يكره لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}} [النساء: 19] سبحان الله، ما أبلغ القرآن، فلم يقل جل وعلا: فعسى أن تكرهوهن، بل قال: {{فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا}} أي شيء يكون، فقد يكره الإنسان أن يذهب إلى بيت صاحبه ويجعل الله في هذا الذهاب خيراً كثيراً، وقد يكره الإنسان أن يشتري شيئاً، ويشتريه وهو كاره، فيجعل الله فيه خيراً كثيراً، ولقول ـ النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»[(266)] ، ونبَّه الرسول صلّى الله عليه وسلّم على هذا بقوله: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها» [(267)].
والمرأة كما هو معلوم ناقصة عقل ودين، وقريبة العاطفة، كلمة منك تبعدها عنك بُعد الثريا، وكلمة تدنيها منك حتى تكون إلى جنبك، فلهذا ينبغي للإنسان أن يراعي هذه الأحوال بينه وبين زوجته، ولكن نسأل الله السلامة، الآن لما كان عند الناس شيء من ضعف الإيمان، صار أقل شيء يوجد بينه وبين زوجته، وأقل غضب، ولو على أتفه الأشياء تجده يغضب، ويطلِّق، وليته يطلق طلاقاً شرعياً، بل تجده يطلق زوجته وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه، أو بدعياً بعدده، وبعضهم يزيد على هذا، فيظاهر منها، نسأل الله السلامة، كل هذا من ضعف الإيمان، وقلة التربية الإسلامية.
وينبغي للإنسان أن لا يغضب على كل شيء؛ لأنه لا بد أن يكون هناك قصور، حتى الإنسان في نفسه مقصر، وليس صحيحاً أنه كامل من كل وجه، فهي ـ أيضاً ـ أولى بالتقصير.
وأيضاً: يجب على الإنسان أن يقيس المساوئ بالمحاسن، فبعض الزوجات إذا مرض زوجها قد لا تنام الليل، وتطيعه في أشياء كثيرة، ثم إذا فارقها فمتى يجد زوجة؟! وإذا وجد يمكن أن تكون أسوأ من الأولى، لهذا على الإنسان أن يقدر الأمور حتى يكون سيره مع أهله على الوجه الأكمل، والإنسان إذا عود نفسه حسن الأخلاق انضبط، وبذلك يستريح.

وَيَحْرُمُ مَطْلُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَلْزَمُهُ لِلآخَرِ، وَالتَّكَرُّهُ لِبَذْلِهِ، وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ لَزِمَ تَسْلِيمُ الحُرَّةِ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ إِنْ طَلَبَهُ، وَلَمْ تَشْتَرِطْ دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا،........
قوله: «ويحرم مطل كل واحد بما يلزمه للآخر» المطل، أي: التأخير، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مطل الغني ظلم» [(268)]، أي: تأخير الغني وفاء الدين ظلم، فيحرم أن يمطل بحق الآخر، فتقول له زوجته: أنا أريد كسوة، يقول: إن شاء الله، ثم تمضي الأيام ولم يأتها بشيء، والمرأة محتاجة، فهذا حرام عليه، يجب أن يسد حاجتها، صحيح أنه ليس عليه أنه كلما نزل في السوق زِيٌّ من الأزياء، وقالت: إيتني به، أن يأتيها به، فبهذا لا يطيعها؛ لأن المرأة لا حد لها، ولكن الشيء الذي لا بد منه يجب عليه أن يبادر ولا يماطل.
فإن منع أحدهما ما يلزمه بالكلية يحرم من باب أولى؛ لأنه إذا كان التأخير حراماً فالمنع من باب أولى.
قوله: «والتكره لبذله» كأن يأتيها بما تطلبه وتحتاجه، ولكنه يعطيها إياه بعنف ومِنَّة، فهذا ـ أيضاً ـ محرم، فما دام أن الأمر واجب عليك فلا تمن، وفي حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه&#146>;ـ في صحيح مسلم[(269)] عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفِّق سلعته باليمين الكاذبة».
كذلك بالنسبة للزوجة يحرم عليها أن تمطل بحق زوجها، فإذا أمرها بما يجب عليها لم يجز لها أن تؤخر، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «إذا دعا الرجل زوجته فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح» [(270)] والعياذ بالله، فالمسألة ليست هينة، كذلك يحرم عليها التكره في بذله، كأن تبذل له ما يجب، لكن مع الكراهة والعبوس، وعدم انطلاق الوجه، وإذا بُلي الإنسان بامرأة كهذه يعظها، ويهجرها، ويضربها حتى تستقيم، كما قال تعالى: {{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً}} [النساء: 34] ، فيعظها وينصحها ويرشدها، والله مع النية الطيبة ييسر الأمر.
فلدينا ثلاثة أشياء: منع ما يجب، والمماطلة به، والتكره لبذله، وكل هذا محرم؛ لأن الحقوق يجب أن تؤدى لأهلها بدون أي توقف.
مسألة: إذا كان مقصراً في النفقة، وهي قادرة على أن تأخذ من ماله بغير علمه، فلها أن تأخذ، أفتاها بذلك سيد المفتين من البشر محمد صلّى الله عليه وسلّم حين جاءت هند بنت عتبة ـ رضي الله عنه ـ إليه، وقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك من ماله بالمعروف»[(271)].
قوله: «وإذا تم العقد» والعقد يتم بالإيجاب والقبول.
قوله: «لزم تسليم الحرة» أي: وجب تسليم الحرة.
وقوله «الحرة» احترازاً من الأمة، وسيأتي حكمها.
وهذه المسألة لها أحوال أربعة:
أولاً: أن يطلب الزوج حضورها إلى بيته، فيجب أن تحضر إلى البيت من حين العقد.
ثانياً: أن لا يطلب بلسانه، لكن يطلب بحاله، بمعنى أن توجد قرائن تدل على أنه يرغب أن تأتي إلى بيته، فيلزم؛ لأنه قد يكون الرجل يستحي أن يقول: أعطوني البنت، لكن حاله تدل على هذا، إما أن يشكو التردد إلى بيت أهلها، أو يقول مثلاً: إلى متى ننتظر؟ وما أشبه ذلك.
ثالثاً: أن يطلب أهلها أن يستلمها؛ لأنه زوجها، وسكناها ونفقتها عليه.
رابعاً: أن يكون هناك سكوت من الزوج ومن أهلها، فالأمر إليه، فمتى شاء طلب.
قوله: «التي يوطأ مثلها» قال العلماء: وهي بنت تسع، والحقيقة أن التقييد بالسن في هذا المقام فيه نظر؛ لأن من النساء من تبلغ تسع سنين، ولا يمكن وطؤها لصغر جسمها، أو نحافتها وما أشبه ذلك، ومن النساء من يكون لها ثمان سنين، وتكون صالحة للوطء، فالصواب أنه لا يقيد بالسن، بل يقال: هي التي يمكن وطؤها، والاستمتاع بها، فهذه يجب تسليمها.
وظاهر كلام المؤلف: ولو كانت حائضاً فإنه يجب تسليمها، والمذهب لا يجب، ولكن هذا مشروط بأن لا يُخشى من الزوج، فإن خشي منه، بحيث نعرف أن الرجل ليس بذاك المستقيم، وأننا لو سلمنا المرأة له ربما يطؤها، فهذه لا نسلمها حتى تطهر، كذلك لو فرض أن المرأة مريضة، والزوج ممن لا يخاف الله، ونخشى عليها أن يجامعها وهي مريضة، فيضرها ذلك، فإننا لا نسلمها.
قوله: «في بيت الزوج» أي يجب أن تسلم في بيت الزوج، وهذا يوافق عرف بعض البلاد، فإذا قال الزوج: دعوها تأتي للبيت، قلنا: يلزم تسليمها له في بيته، ولكن هذا الكلام مقيد بما إذا لم يخالف العادة، فإن خالفها نرجع إلى القاعدة المستقرة وهي {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} فإذا كان من عادة الناس أن الزوج هو الذي يأتي لبيت الزوجة، فيلزمه ذلك.
فالمؤلف اشترط لوجوب تسليم المرأة لزوجها أربعة شروط:
الأول: أن تكون حرة.
الثاني: أن يوطأ مثلها.
الثالث: قوله: «إن طلبه» أي: يطلب الزوج تسليمها.
الرابع: قوله: «ولم تشترط دارها أو بلدها» إذا كان بيت الزوج في بلد آخر.
فإذا تمت هذه الشروط وجب تسليمها، ويجب على زوجها ـ أيضاً ـ أن يتسلمها، فإن عقد عليها وصار كل يوم يقول: اليوم أدخل، اليوم أدخل، فإنه إذا تم لها أربعة أشهر، ولم يدخل فإن لها الفسخ.
وقوله: «ولم تشترط دارها أو بلدها» عُلم منه أنها إذا اشترطت دارها لم يلزم أن تسلم في بيت الزوج، وقد سبق لنا أن هذا من الشروط الجائزة؛ لقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» [(272)]؛ لأن وجودها في بيت الزوج من حقه، فإذا أسقطه سقط، وكذلك إذا اشترطت بلدها، كأن يكون الزوج في بلد آخر وطلب تسليمها فإنه لا يلزم؛ لأنها اشترطت بلدها، وقد التزم بهذا الشرط فلا يلزمها.

وَإِذَا اسْتَمْهَلَ أَحَدُهُمَا أُمْهِلَ العَادَةَ وُجُوباً، لاَ لِعَمَلِ جِهَازٍ، وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الأمَةِ لَيْلاً فَقَطْ، وَيُبَاشِرُهَا مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا أَوْ يَشْغَلْهَا عَن فَرْضٍ، وَلَهُ السَّفَرُ بِالْحُرَّةِ مَا لَمْ تَشْتَرِطْ ضِدَّهُ،.........
قوله: «وإذا استمهل أحدهما أمهل العادة وجوباً» أي: طلب الإمهال من الآخر، فمثلاً قال الزوج: أريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة، فقالت: أمهلني حتى أصلح من أمري، أو قالوا: نريد أن يكون الدخول الليلة المقبلة، فقال: أمهلوني حتى أصلح أمري، يقول المؤلف: «أمهل العادة» أي: أمهل إمهال العادة.
وقوله: «وجوباً» نعت لمصدر محذوف أي: إمهالاً وجوباً، أو عامله محذوف، والتقدير يجب وجوباً.
والمعنى أنه يجب أن ينظر بما جرت به العادة، يوماً أو يومين، أو ثلاثة، بحسب ما جرى به العرف، وإنما وجب ذلك؛ لأنه من العشرة بالمعروف، وقد قال الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [النساء: 19] .
قوله: «لا لعمل جهاز» يعني لو طلب الإمهال ليجهز بيته لزوجته فإنه لا تجب إجابته؛ لأن هذا شيء لا يتعلق بالنكاح؛ لأن تجهيز البيت يمكن ولو بعد الدخول، ومثله ـ أيضاً ـ لو كان الجهاز منها هي، تريد أن تأتي معها بأواني البيت وما يصلحه، وطلبت أن تمهل وأبى الزوج؛ فإنها لا تمهل؛ لأن هذا يمكن شراؤه بعد الدخول، فإذا جرت العادة أن هذا يكون مصاحباً للمرأة فإنها تمهل؛ لأنه لا فرق بين ما يتعلق بذاتها، وما يتعلق بشؤون البيت.
قوله: «ويجب تسليم الأمة ليلاً فقط» هذا مفهوم القيد الأول وهو قوله: «لزم تسليم الحرة» ، فالأمة يجب تسليمها في الليل فقط؛ لأنها في النهار مشغولة بخدمة سيدها، وما يتعلق بالنكاح عماده الليل دون النهار، فالسيد يقول: أنا أحتاج هذه الأمة في النهار لشغل البيت، والزوج يتمتع بها بالليل، هذا ما لم يشترط الزوج أن تسلم له ليلاً ونهاراً، فإذا اشترط ذلك، وقبل السيد، فهما على شرطهما.
والصحيح في هذه المسألة أنه يلزم تسليمها؛ وذلك لأن حق الزوج طارئ على حق السيد، فهو مقدم عليه، وأن سيدها متى زوجها فقد انقطعت منافعه منها، فالزوج هو السيد، وإلا لقلنا: حتى الحرة إذا كان لها أب وأم يحتاجان إلى رعاية فإنه لا يجب تسليمها؛ لأن حق الوالدين واجب!! فنقول: متى تزوجت المرأة فسيدها زوجها تسلم إليه، سواء كانت حرة أو أمة.
لكن لو اشترط السيد على الزوج أن الأمة تبقى في النهار عنده فعلى ما شرط؛ لحديث: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج» [(273)].
استأنف المؤلف بيان شيء من الحقوق فقال: «ويباشرها» الواو للاستئناف، والجملة خبر بمعنى الإباحة، والمعنى يباح له أن يباشرها بالاستمتاع، إلا في الأماكن والأحوال التي حرمها الشرع؛ فمثلاً لا يطؤها في الدبر، ولا يطؤها في حال الحيض والنفاس، ولا يطؤها وهي صائمة صوماً واجباً، أو تطوعاً بإذنه، وإلا فله أن يباشرها متى شاء ليلاً أو نهاراً.
وهل له أن يباشرها وإن لم يحصل الدخول الرسمي؟ فلو عقد عليها ـ مثلاً ـ وهي في بيت أهلها، ولم يحصل الدخول الرسمي الذي يحتفل به الناس، فذهب إلى أهلها وباشرها جاز؛ لأنها زوجته، إلا أننا لا نحبذ أن يجامعها؛ لأنه لو جامعها ثم حملت اتهمت المرأة، فالناس يقولون: كيف تحمل وهو لم يدخل عليها؟ ثم لو جامعها، وقدر الله أن مات من يومه، ثم حملت بهذا الجماع، ماذا يقول الناس؟! لكن له أن يباشرها بكل شيء سوى الجماع؛ لأنها زوجته، ومن ثَمَّ فأنا أفضل أن يكون العقد عند الدخول.
قوله: «ما لم يضر بها» فإن أضر بها فإنه يحرم عليه لقوله تعالى: {{وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}} [البقرة: 231] وهذا في الرجعيات، فإذا كان الإمساك بها محرماً في حال الإضرار، فكذلك الاستمتاع بها في حال الإضرار، ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار» [(274)]، وكيف يضرها؟ لو فرضنا أن المرأة حامل، والاستمتاع بها يشق عليها مشقة عظيمة، إما على نفسها، أو جنينها، أو ما أشبه ذلك، أو فرضنا أنها أجرت عملية جراحية، فإنه في هذه الحال لا يجوز له مباشرتها؛ لأنه يحرم عليه الإضرار بها، والواجب تجنب ما يضر بها.
قوله: «أو يَشغَلْها عن فرض» مثلا طلب منها الاستمتاع وهي لم تصلِّ، وقد ضاق الوقت، أو طلب الاستمتاع بها قبل طلوع الشمس، وهي ما صلت الفجر، فنقول: هذا لا يجوز لك؛ لأنك تشغلها عن فرض، وهو الصلاة في وقتها، وكذلك لو شغلها عن فرض آخر غير الصلاة، مثل أن يمنعها من صيام قضاء رمضان مع ضيق الوقت، وذلك بأن يبقى من شعبان بقدر ما عليها من الصيام.
ولو فرضنا أنه طلب الاستمتاع والمباشرة، وهي على التنور، فقالت له: انتظر حتى لا يحترق الخبز، فله أن يفعل، ولا يجوز لها أن تتأخر.
وكذا المكان فله الاستمتاع بها في أي مكان، إلا إذا أضر بها، كما لو كان هناك برد، بل قال الفقهاء: ولو على ظهر قتب، أي: رحل البعير، والمعنى أنه في أي مكان، وفي أي زمان، إلا إذا أضر بها، أو شغلها عن فرض.
كل هذا تحقيقاً للسيادة من الزوج على زوجته، وتحقيقاً لكونهن عواني عندنا، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنهن عوانٍ عندكم»[(275)]، ولهذا كثر حث النبي صلّى الله عليه وسلّم على الرفق بالنساء؛ لأن الزوج قد يستعلي عليها؛ لأنه سيدها، فحثه الله ـ عزّ وجل ـ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم على المعاشرة بالمعروف والرفق، استمع قول الله ـ عزّ وجل ـ {{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ}} أي فيما يجب {{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}} [النساء: 34] يعني اذكروا بِعُلُوِّكم عليهن علوَّ الله ـ عزّ وجل ـ، وبكبريائكم عليهن كبرياء الله ـ عزّ وجل ـ.
وهل يشمل الضرر بها الضرر بمالها؟ الظاهر أنه يدخل في ذلك، مثل ما لو كانت المرأة لها غنم، وقد ضاعت غنمها أو هربت، وتحتاج أن تلحق الغنم لتردها، وهو يريد الاستمتاع بها، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن فيه إضراراً بها، إلا إذا كنت تختار أن تضمن لها هذا المال إذا تلف، فلا بأس.
وهل لها أن تباشره وتستمع به؟ نعم؛ لأنها كما أنه يريد منها ما يريد، فهي ـ أيضاً ـ تريد منه ذلك، وإنما قال المؤلف: «يباشرها» لأن الزوج هو الذي له الولاية والقوامة عليها، كما قال تعالى: {{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}} [النساء: 34] .

وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ وَالدُّبُرِ، وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنَجَاسَةٍ، وَأَخْذِ مَا تَعَافُهُ النَّفْسُ مِنْ شَعْرٍ، وَغَيْرِهِ،.......
قوله: «وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده» ، «له» الضمير يعود على الزوج، «بالحرة» أي بالمرأة الحرة، ما لم تشترط ضده، فإن اشترطت ضده فلا حق له أن يسافر بها، لما سبق من الأدلة على وجوب الوفاء بالشروط، ولو سافر بها لكن بعد ما سافر بها أصابها مرضٌ نفسي من هذا السفر، هل يلزمه أن يردها إلى بلدها، أو لا؟
الجواب: نعم يلزمه قياساً على ما سبق في قوله: «ويباشرها ما لم يضر بها» ، فإذا أوجب هذا السفر لها المرض، فإن عليه أن يعيدها إلى بلدها، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا ضرر ولا ضرار»[(276)].
وهل له أن يسافر بالأمَة؟ ليس له أن يسافر بها إلا إذا اشترط السفر بها؛ لأن الأمة مشغولة بخدمة سيدها، بخلاف الحرة، وعلى هذا فيكون الأصل في الحرة أن يسافر بها ما لم تشترط ضده، والأصل في الأمة أن لا يسافر بها ما لم يشترط هو أن يسافر بها.
وقوله: «وله السفر بالحرة ما لم تشترط ضده» أي: تشترطه باللفظ، وكذلك بالعرف، فلو كان من المطرد عند أهل هذا البلد أن الرجل لا يسافر بامرأته إلا بشرط فإنه يؤخذ بالشرط، وتقدم لنا في باب الشروط أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن جميع الشروط المباحة في النكاح لازمة، وواجب الوفاء بها، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالعهود، وبالعقود، وبالشروط.
أما إذا اضطر إلى السفر بها وأبت، فهل له أن يقول: إما أن تسافري وإما أن أطلقك؟ هذه مشكلة؛ لأنه إذا قال هذا الكلام، فمقتضاه أن يلزمها بإسقاط الشرط وهي كارهة، فإذا كان يريد تهديدها حتى تسقط هذا الشرط، فإن هذا لا يجوز، أما إذا قال هذا عن جِدٍّ، وليس عن تحدٍّ، وقال: إنه لا يملك نفسه، ولا بد له من زوجة إذا سافر، وقال لها: إما أن تسافري معي وإلا فسأتزوج وأطلقك، أي: ليس قصده إجبارها وإكراهها، فهنا نقول: لا بأس.
قوله: «ويحرم وطؤها في الحيض» أي: يحرم وطء الزوجة في الحيض؛ لقول الله تعالى: {{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}} أي: يطهرن من الحيض {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} أي: اغتسلن {{فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}} [البقرة: 222] والآية نص صريح، وفيها ذِكْر التعليل قبل الحكم؛ من أجل إيقاظ الذهن للعلة؛ حتى يكون الإنسان كارهاً للفعل قبل أن يعرف حكمه، وهذا أسلوب من أساليب البلاغة، وإلا فالغالب أنه يُذكَر الحكم ثم تذكر العلة، لكن هنا ذكرت العلة من أجل أن يرد الحكم على نفس كارهة للمخالفة؛ لأن أي إنسان يعرف أنه أذى سوف يتجنبه.
وقوله تعالى: {{هُوَ أَذىً}} أي: على الزوجين جميعاً، فالزوج يتضرر، والزوجة تتضرر أيضاً، ثم هو دم نجس وليس طاهراً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر الحائض إذا أصاب دمها ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه[(277)].
وإذا حرم الوطء في الحيض فيجوز ما سواه، من المباشرة والجماع دون الفرج، وما أشبه ذلك؛ لأنه إذا كان الأصل الحل فإنه لا يخرج عن الأصل إلا ما قُيِّد بالوصف فقط، وهو الجماع.
فإذا قال قائل: كيف تقول: إنه الجماع، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}}، وهذا يقتضي أن الزوج يعتزلها حتى يكون فراشه غير فراشها، وأن لا يقربها أيضاً؟
فالجواب: أن هذا من باب التوكيد؛ لأن السنة بينت ذلك، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» [(278)]، وأخبرت عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأمرها، فتتزر، فيباشرها وهي حائض[(279)]، فالتعبير بالعبارتين: {{فَاعْتَزِلُوا}}، {{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}} من باب التوكيد والتنفير، وذلك واضح؛ لأن النفس تدعو إلى جماع الزوجة، لا سيما إذا كان شاباً وهي شابة، فيحتاج الحكم بالتحريم إلى عباراتٍ جزلة، توجب النفور من هذا العمل، ومن رحمة الله ـ عزّ وجل ـ أنه لا يمنع شيئاً إلا أحل ما يقوم مقامه، ولو من بعض الوجوه، وهو المباشرة دون الفرج.
لكن ينبغي لمن أراد ذلك أن يأمر زوجته فتتزر، وأن لا يبقى محل المباشرة مكشوفاً؛ لأنه ربما يرى منها ما يكره من الدم ونحوه، فتتقزز نفسه منها، ويؤثر ذلك على نفسيته، حتى في المستقبل، ولهذا كان من حكمة النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه يأمر المرأة أن تتزر.
فإذا جامع في الحيض ترتب عليه: الإثم، والمعصية، والعقوبة.
وهل تجب عليه كفارة أم لا؟
هذا ينبني على صحة الحديث الوارد في هذا، والعلماء مختلفون فيه، فمن صح عنده الحديث أوجب الأخذ به، والكفارة دينار، أو نصفه، إما على التخيير، أو باعتبار حال الحيض، بمعنى أنه يفرق بين الوطء في آخر الحيض وخفته، وتوقان النفس إلى الجماع، فيكون نصف دينار، وبين أن يكون الحيض في أوله وفوره، فيكون ديناراً.
والتخيير فيه إشكال، وهو أنه جرت العادة في الكفارات أنه لا يمكن أن تكون كفارة واجبة من جنس واحد، كاملة أو ناقصة؛ لأن التخيير إنما يكون بين شيئين مختلفين، كالإطعام، والكسوة، وتحرير الرقبة، في كفارة اليمين، وأما بين شيئين هما من جنس واحد ـ إلا أن هذا كثير وهذا قليل ـ فهذا لم يرد.
ولكن الجواب عن هذا أن نقول: إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ له أن يحكم بما شاء، فإذا خير العبد بين دينار أو نصفه، فهذا من الرحمة، فمن ابتغى الفضل تصدق بدينار، ومن ابتغى الواجب تصدق بنصف دينار.
والمرأة إن وافقت زوجها على الوطء حال الحيض اختياراً فهي مثله، وإن أكرهها فلا شيء عليها، لا إثم ولا كفارة.
قوله: «والدبر» أي: ويحرم وطؤها ـ أيضاً ـ في الدبر، بمعنى أن يولج الذكر في الدبر لقوله تعالى: {{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}} [البقرة: 223] ، والدبر ليس محلاً للحرث، ولأحاديث متعددة وردت في التحذير منه، ومجموعها يقضي أن تصل إلى درجة الحسن العالي، ومنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن» [(280)].
ثم إن القياس الصحيح يقتضي هذا، فالغائط أخس من الدم بلا شك، فإذا كان الله ـ تعالى ـ حرم وطء الحائض للأذى من الدم، فإن وطء الدبر أشد وأقبح؛ لأن هذا يشبه اللواط، وهو جماع الذكر والعياذ بالله، ولهذا أسماه بعض العلماء باللوطية الصغرى، فلا شك في تحريم وطء المرأة في دبرها.
أما أن يستمتع بها فيما بين الأليتين فلا بأس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ومن عُرف بالوطء في الدبر وجب أن يفرق بينه وبين زوجته، أي: أن يفسخ النكاح؛ لأن الإصرار على هذه المعصية التي هي من كبائر الذنوب لا يمكن إقراره أبداً.
وأما قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *}} [المؤمنون] فبعض الناس يقول: هذه الآية عامة، فإننا نقول: إذا عممت الاستمتاع بالنسبة للأزواج، فعمم الاستمتاع بالنسبة لما ملكت اليمين، وقل: يجوز للرجل أن يجامع بعيره؛ لأنها مما ملكت يمينه!! فالمطلق يحمل على المعروف المعهود، فيكون قوله: {{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}} أي: فيما أبيح لهم من الاستمتاع بهن لا مطلقاً، كما أنك لا تقول بالتعميم في قوله تعالى: {{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} مع أن الآية واحدة.
فالوطء في الدبر محرم، ومن سوَّلت له نفسه ففعل فلا كفارة عليه، لكنه آثم.
فإن قال قائل: ألست تقول: إنه يقاس على الوطء في الحيض؟
فالجواب: بلى، لكن لا يلزم من التساوي في الحكم التساوي في الكفارة، فالكفارة حكم جديد مستقل، ولا يمكن أن نقيس، ولهذا نص أصحاب أصول الفقه أنه لا قياس في الكفارات.
قوله: «وله إجبارها على غُسل حيض» ، مثلاً امرأة طهرت من الحيض بعد طلوع الشمس، وقالت لزوجها: إنها لن تغتسل إلا عند الظهر، وزوجها ينتظر بفارغ الصبر أن تطهر وتغتسل ليستمتع بها، فقالت: لا يجب عليَّ الغسل إلا إذا أردت القيام للصلاة لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] وعلى هذا فلا أغتسل إلا إذا زالت الشمس، فهنا يجبرها على الغسل.
فإذا أجبرها واغتسلت إجباراً وهي غير مريدة، فهل يرتفع حدثها مع أنها لم تنوِ؟
الجواب: لا يرتفع حدثها بالنسبة لها، فإذا جاء وقت الصلاة يجب عليها الغسل، لكن بالنسبة للزوج ليس له إلا الظاهر فإنه يرتفع، على أن ابن حزم ـ رحمه الله ـ شذ في هذه المسألة وقال: إن معنى قوله: {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} أي: غسلن فروجهن، وليس المعنى اغتسلن، لكن قوله هذا ضعيف بلا شك؛ لأن الله تعالى قال: {{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}} والتطهر الاغتسال لقوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}}.
قوله: «ونجاسة» هذه الكلمة ليست معطوفة على «حيض» بل تحتاج إلى تقدير، وهو: وغَسْلِ نجاسة؛ لأن النجاسة ليس لها غُسْل بل غَسْل، فإن قلت: أُقَدِّر الأولى: على غَسْل حيض، قلنا: لا يستقيم؛ لأنها لو غسلت الحيض لم يجز أن يجامعها حتى تغتسل، وعلى هذا فلا بد من تقدير: وغَسْل نجاسة.
فإن رأى في قدمها قذراً فقال لها: اغسليه، فقالت: لا أغسله، فله أن يجبرها على غسل النجاسة؛ لأن النفس تعاف النجاسة، لا سيما إذا كان لها جرم، أو كان لها لون، فالإنسان ربما لو يرى على وجه واحد منا نقطة حمراء من صبغ، ربما يتقزز، يظنها دماً، وظاهر كلام المؤلف: سواء كانت على بدنها أو على ثيابها.
وهذا الذي ذكره المؤلف فيه نظر، فإنه لا يجبرها على غسل النجاسة إلا في حالين:
الأولى: إذا كانت تفوِّت عليه كمال الاستمتاع.
الثانية: إذا كان وقت صلاة لأجل أن تصلي طاهرة، ففي هاتين الحالين له أن يجبرها على غسل النجاسة، أما فيما عدا ذلك فليس له أن يجبرها عليه؛ لأنه لا يفوت بذلك لا حق الله ولا حق الزوج، مثل لو أصابها في ثوبها شيءٌ من البول، وهذا ليس وقت صلاة، والبول يبس، وليس له لون ولا شيء، فإنه ليس له الإجبار، نعم يشير عليها أن تغسله؛ لأن الأفضل أن يبادر الإنسان بغسل النجاسة.
قوله: «وأخذ ما تعافه النفس من شعر» أي: كذلك له أن يجبرها على أَخذ ما تعافه النفس من شعر مثل ما لو نبت لها شارب، وهذا قد يحصل، بعض النساء ينبت لهن شارب، وبعضهن شارب ولحية أيضاً، فلو حصل هذا الأمر فله أن يجبرها على أن تأخذه، فإذا قالت له: قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ «اعفوا اللحى وأحفوا الشوارب»[(281)] ، نقول: هذا خاص بالرجال، أما النساء فيعتبر هذا عيباً فيهن، ولهذا جاز إزالته، وإذا طلب الزوج ذلك وجب إزالته.
كذلك لو كان في وجهها شامةٌ فيها شعر تعافها نفسه، فله إجبارها على إزالتها، وكذلك شعر العانة، وشعر الإبط له أن يجبرها على إزالتها، أما شعر ساق المرأة، فيقال: إذا كثر شعره حتى صار ساقها كساق الرجال فلا بأس، وأما إذا كان طبيعياً فهذا ينبني على قاعدة، وهي أن إزالة الشعور لها ثلاث حالات: مأمور به، ومنهي عنه، ومسكوت عنه، فالمأمور به العانة، والإبط، والشارب، وهذه تزال ولا إشكال، والمنهي عنه اللحية بالنسبة للرجال، والنمص بالنسبة للرجال والنساء، والنمص هو نتف شعر الوجه، سواء الحاجبان أو غيرهما، والمسكوت عنه اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يجوز، أو يكره، أو يحرم؟
فمنهم من قال: إنه يجوز؛ لأن ما سكت الله عنه فهو عفو، وما دمنا أمرنا بشيء ونهينا عن شيء، يبقى هذا المسكوت عنه، بين أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه، فإذا تساوى الطرفان ارتفع هذا وهذا، وصار من باب المباح.
وقال بعضهم: إنه يحرم؛ لأنه من تغيير خلق الله، والأصل في تغيير خلق الله المنع؛ لأن تغيير خلق الله من أوامر الشيطان، قال الله عنه: {{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}} [النساء: 119] فيكون حراماً.
وقال بعضهم: إنه مكروه؛ نظراً لتعادل الأدلة المبيحة والمانعة، والذي أراه أنه لا بأس به؛ لأنه مسكوت عنه، لكن الأولى ألا يزال إلا إذا كان مشوهاً؛ لأن الله لم يخلق هذا إلا لحكمة، فلا تظن أن شيئاً خلقه الله إلا لحكمة، لكن قد لا تعلمها.
وهذا يجرنا لمسألة التبرع بالكلية، هل يجوز أو لا؟ قال بعضهم: يجوز؛ لأن الإنسان قد يحيا على كلية واحدة، وهذا غلط، أولاً: لأنه أزال شيئاً خلقه الله عزّ وجل، وهذا من تغيير خلق الله، وإن كان ليس تغييراً ظاهراً، بل هو في الباطن.
ثانياً: أنه لو قدر مرض هذه الكلية الباقية، أو تلفها، هلك الإنسان، لكن لو كانت الكلية التي تبرع بها موجودة لسلم.
ثالثاً: أن الإقدام على التبرع بها معصية، فإذا ارتكبها الإنسان فقد ارتكب مفسدة محققة، وإذا زرعت في إنسان آخر فقد تنجح وقد لا تنجح، فنكون ارتكبنا مفسدة محققة لمصلحة غير محققة، ولهذا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه مطلقاً حتى بعد الموت، وقد نص على هذا فقهاؤنا، ذكر في الإقناع في باب تغسيل الميت: أنه لا يجوز أن يقطع شيء من أعضاء الميت، ولو أوصى به.
قوله: «وغيره» كظفر، فله أن يجبرها على تقليم الأظفار، أو قصها، فلو قالت: أنا أريد أن أطول ظفر الخنصر؛ لأن هذا هو علامة التقدم فله أن يجبرها على إزالته؛ لأن إطالة الأظفار من شيم الحبشة، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أما الظفر فمدى الحبشة» [(282)].
ومن العجب أن الشيطان لعب على بعض النساء حتى أصبحن يطلن ظفر الخنصر، فهذا حرام؛ لأن هذا تشبه بالكفار؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وقت في الظفر، والشارب، والإبط، والعانة أن لا تترك فوق أربعين يوماً[(283)].
فالمهم أن له أن يجبرها على قص الأظفار وتقليمها؛ لأن هذا مما تعافه النفس، ولو كانت شعثاء لا تصلح شعرها ولا تهتم به، فله أن يجبرها على إصلاحه.
وبالعكس، هل لها أن تجبره على ذلك؟
الظاهر: لا، لكن يجب عليه هو؛ لأنها ليس لها سلطة، فهي بمنزلة الأسير عنده، لكن لها الحق أن تقول له: أزل هذا؛ لأنه يؤذيني إلا اللحية، فإنها ليس لها الحق في أن تقول له: احلقها، وإن كان بعض الناس إذا خاطبناهم وقلنا لهم: يجب إعفاؤها، قال: إن زوجته ما ترضى، فهذا لا يقبل.
فنقول: ولو كانت لا ترضى، فلا بد أن تنفذ ما أمر الله به ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، لكن لو طلبت منه إزالة الأظفار، والعانة، والإبطين، فهذا لا شك أنه يجب عليه لقوله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}، وقوله: {{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}} [البقرة: 228] وقال بعض السلف: إني أحب أن أتجمل لزوجتي، كما أحب أن تتجمل لي، ولعل هذا يدخل في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[(284)].
ولا يجوز له أن يطلب منها الوشر، وهو إصلاح الأسنان بمبرد حتى تكون صغيرة وأنيقة، ولو قال: لا بد من هذا، فنقول: لا طاعة له؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومعلوم أن الوشر من كبائر الذنوب.
ولو قال: لا بد أن تقصي شعر الرأس إلى شحمة الأذن، وهي تقول: لا، أنا أريد أن يبقى رأسي كالنساء المستقيمات، فليس له أن يجبرها؛ لأن هذا يخالف قول الله تعالى: {{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}}.

وَلاَ تُجْبَرُ الذِّمِّيَّةُ عَلَى غُسْلِ الجَنَابَةِ.
قوله: «ولا تجبر الذمية على غُسل الجنابة» ، هذه المسألة خالف فيها الماتنُ المشهورَ من المذهب، والماتن ـ أحياناً ـ يخرج عن المذهب، فالمذهب أن الذمية تجبر على غسل الجنابة، والمؤلف يرى أنها لا تجبر، ولكلٍّ وجهة، أما المؤلف فيرى أنها لا تجبر على غسل الجنابة؛ لأنها ليست ممن يصلي حتى تجبر على غسل الجنابة.
وأما المذهب فيقولون: إن بقاء الجنابة عليها مرة بعد أخرى يؤثر في نفسية الزوج، وربما يحصل روائح كريهة بسبب تجمع الجنابات عليها، فله أن يجبرها على غسل الجنابة، وإن كان لا يقع منها تطوعاً لله؛ لأنه لا يقبل منها هذا الغسل، وليس عليها صلاة حتى تغتسل لها، فالصواب ما عليه المذهب أن الذمية تجبر على غسل الجنابة؛ لأن هذا شيء يتعلق بالاستمتاع، ولهذا أمر بالاغتسال عند إعادة الجماع، ولأنها إذا لم تغتسل بقيت فاترة بالنسبة للجماع، كما تجبر على غُسل الحيض؛ وذلك لأن الحيض يتعلق بمحل الاستمتاع، ولا يخفى أن له رائحة منتنة تكرهها النفس.
وقوله: «الذمية» لو أن المؤلف ـ رحمه الله ـ قال «الكتابية» لكان أولى من وجهين:
الأول: أن الكتابية يجوز نكاحها وإن لم تكن ذمية.
الثاني: أن غير الكتابية لا يجوز نكاحها ولو كانت ذمية.



[263] سبق تخريجه ص(6).
[264] أخرجه أحمد (5/256)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/129): «رجاله رجال الصحيح».
[265] أخرجه الترمذي في الرضاع/ باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (1163)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب حق المرأة على الزوج (1851) عن عمرو بن الأحوص ـ رضي الله عنه ـ وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
[266] أخرجه مسلم في النكاح/ باب الوصية بالنساء (1467) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[267] أخرجه البخاري في النكاح/ باب ما يكره من ضرب النساء (5204)؛ ومسلم في الجنة ونعيمها/ باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (2855) عن عبد الله بن زمعة ـ رضي الله عنه ـ واللفظ للبخاري.
[268] أخرجه البخاري في الحوالات/ باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة؟ (2287)؛ ومسلم في البيوع/ باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة (1564) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[269] في الإيمان/ باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية (106).
[270] أخرجه البخاري في بدء الخلق/ باب إذا قال أحدكم آمين.. (3237)؛ ومسلم في النكاح/ باب تحريم امتناعها من فراش زوجها (1436) (122) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[271] أخرجه البخاري في النفقات/ باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه... (5364)؛ ومسلم في الأقضية/ باب قضية هند (1714) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[272] سبق تخريجه ص(165).
[273] سبق تخريجه ص(165).
[274] أخرجه الإمام أحمد (5/326)؛ وابن ماجه في الأحكام باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2340) عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه مالك (2/745) مرسلاً، وللحديث طرق كثيرة يتقوى بها، ولذلك حسنه النووي في الأربعين (32)؛ وابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/210)؛ والألباني في الإرواء (876).
[275] سبق تخريجه ص(382).
[276] سبق تخريجه ص(392).
[277] أخرجه البخاري في الوضوء/ باب غسل الدم (227)؛ ومسلم في الطهارة/ باب نجاسة الدم وكيفية غسله (291) عن أسماء ـ رضي الله عنها ـ.
[278] أخرجه مسلم في الحيض/ باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله... (302) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[279] أخرجه البخاري في الحيض/ باب مباشرة الحائض (300)؛ ومسلم في الطهارة/ باب مباشرة الحائض فوق الإزار (293) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، واللفظ للبخاري.
[280] أخرجه الإمام أحمد (39/468) ط/الرسالة؛ والترمذي في الرضاع/ باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164) عن علي بن طلق ـ رضي الله عنه ـ، وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد (5/213)؛ وابن ماجه في النكاح/ باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهن (1924) عن خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ، انظر: التلخيص (1542)، والإرواء (2005).
[281] أخرجه البخاري في اللباس/ باب إعفاء اللحى (5893)؛ ومسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (259) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ واللفظ لمسلم.
[282] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب التسمية على الذبيحة... (5498)؛ ومسلم في الأضاحي/ باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم... (1968) عن رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ
[283] أخرجه مسلم في الطهارة/ باب خصال الفطرة (258) عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[284] سبق تخريجه ص(370).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, عشرة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir