دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 04:11 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

وقَوْلُهُ: ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ )( 80)
وقَوْلُهُ: ( فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ).( 81)وقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ )، وقَوْلُهُ: ( فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمونَ ).( 82)
وقوله ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ ).( 83)


قَولُهُ: (تَبَارَكَ): أي تعاظَمَ، وهو فعلٌ ماضٍ لا يتصرَّفُ، وهو خاصٌّ باللهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى، والبركةُ لغةً: النَّماءُ والزِّيادةُ، والتَّبريكُ: الدُّعاءُ بذلك،
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ تعالى: البركةُ نَوعانِ:
أحدُهما: بركةٌ هي فِعلُه، والفعلُ منها باركَ، والمفعولُ منها مُباركٌ، وهو ما جَعلَ فيها ذلك، فكانَ مُباركًا بجعلِه سُبْحَانَهُ.
والثَّاني: بركةٌ تُضافُ إليه إضافةَ الرَّحمةِ والعزَّةِِ، والفعلُ منها تبَاركَ، ولهذا لا يُقالُ لغيرِهِ ذلك ولا يصلحُ إلا له سُبْحَانَهُ، فهو المتبارِكُ ورسولُه مُبارَكٌ. كما قالَ المسيحُ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ) وأمـَّا صِفتهُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- تباركَ فمختصـَّةٌ به -سُبْحَانَهُ-، كما أطْلقَها على نفسِه. انتهى، مُلخَّصًا مِن ((البدائعِ)).

(81) قَولُهُ: (فَاعْبُدْهُ): أي أَفْرِدْهُ بالعبادةِ ولا تعبدْ معه غيرَه، وهذا أمرٌ بإفرادِه -سُبْحَانَهُ- بالعبادةِ، ويتضمَّنُ النَّهْيَ عن عبادةِ ما سِواه، وعبادتُه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- هي أعظمُ واجبٍ، والإشراكُ به هو أعظمُ محرَّمٍ على الإطلاقِ،
والعبادةُ لغةً: الذُّلُّ، يُقالُ طريقٌ معبَّدٌ إذا كان مذلَّلاً قد وطئَتهُ الأقدامُ كما قالَ الشَّاعرُ:
تباري عتاقًا ناجياتٍ وأَتْبَعَتْ وضيفًا وضيفًا فوقَ مورٍ معبَّدِ
والعبادةُ شرعًا: "ما أُمرَ به شرعًا من غيرِ اطِّرادٍ عُرفيٍّ ولا اقتضاءٍ عقليٍّ"،
وعرَّفَها الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ تعالى بقَولِه: "العبادةُ اسمٌ جامِعٌ لكلِّ ما يحبُّه اللهُ وَيَرضَاه، مِن الأقوالِ والأعمالِ الباطنةِ والظَّاهرةِ، كالصَّلاةِ، والصَّومِ، والحجِّ، ونحوِ ذلك،" وفيها دليلٌ على أنَّ العبادةَ تجبُ على كلِّ مكلَّفٍ، وأنَّه مهما بلغَ فلنْ يصلَ إلى حدٍّ تسقطُ عنه التَّكاليفُ الشَّرعيَّةُ، ومَن زعَمَ ذلك فهو كافرٌ باللهِ العظيمِ، فإنَّ قَولَهُ: (فَاعْبُدْهُ) خِطابٌ لنبيِّه، وأمَّتُهُ تبعٌ له، فإذا كانَ هذا في حقِّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فغيرُه مِن بابِ أوْلى وأحَرْى،
وللعبادةِ شروطٌ لا تصِحُّ إلا بها:
الأوَّلُ: الإخلاصُ، وهو أنْ يكونَ العملُ للهِ سُبْحَانَهُ وتعالى.
الثَّاني: المُتابعةُ، وهو أنْ يكونَ العملُ على سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كما قالَ تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)
فقَولُهُ: (مَنْ) إشارةٌ إلى الإخلاصِ،
وقَولُهُ: (وَهُوَ مُحْسِنٌ) إشارةٌ إلى المُتابعةِ، وقال الفُضَيْلُ بنُ عياضٍ في قَولِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال: أخلصُه وأصوبُه، قيل: يا أبا عليٍّ، ما أخلصُه وأصوبُه؟ قال: إنَّ العملَ إذا كانَ خالِصًا ولم يكنْ صوابًا لم يُقبلْ، وإذا كانَ صوابًا ولم يكنْ خالصًا لم يُقبلْ حتَّى يكونَ خالصًا صوابًا،
والخالصُ أنْ يكونَ للهِ، والصَّوابُ أنْ يكونَ على سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وللعبادةِ ثلاثةُ أركانٍ وهي: المحبَّةُ والخوفُ والرَّجاءُ.
قَولُهُ: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا): أي هل تعلمُ له مُساميًا ومُشابهًا ومُماثلاً من المَخلُوقين؟ وهذا استفهامٌ بمعنى النَّفيِ المعلومِ بالعقلِ، أي: لا تعلمُ له مُشابهًا؛ لأنَّه الرَّبُّ وغيرُه المربوبُ، الغَنِيُّ مِن جميعِ الوجوهِ، وغيرُه الفقيرُ، الكاملُ الَّذي له الكمالُ المُطلقُ من جميعِ الوجوهِ، وغيرُه ناقِصٌ من جميعِ الوجوهِ، فهذا بُرهانٌ قاطِعٌ على أنَّه هو المُستحِقُّ للعبادةِ، وأنَّ عِبادةَ غيرِه باطِلةٌ، وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّه لا مِثلَ له ولا شبيهَ ولا نظيرَ، لا في ذاتِه ولا في صِفاتِه، ولا في أسمائِه ولا في أفعالِه، وهذا النَّفيُ متضمِّنٌ لإثباتِ جميعِ صفاتِ الكمالِ على وجهِ الإكمالِ، وهذا هو المعقولُ في فِطَرِ النَّاسِ، فإذا قالوا: فلانٌ لا مِثْلَ له ولا شبهَ له، فإنَّهم يُريدون: أنَّه تفرَّدَ في الصِّفاتِ والأفعالِ والمجدِ فلا يلحقُه فيه غيرُه، وفي الآيةِ دليلٌ على إثباتِ الصِّفاتِ للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- كما يليقُ بجلالِ اللهِ وعظمتِه، وفيه دليلٌ على كثرةِ الصِّفاتِ وعظمتِها، فلو كان المرادُ به نفيَ صفاتِه لكان ذلك وصفًا بغايةِ الذَّمِّ، فإنَّ النَّفيَ المحضَ عدمٌ، والعدمُ لا يُمدحُ به أحدٌ، وإنَّما يكونُ النَّفيُ كمالاً إذا تضمَّنَ الإثباتَ، كقَولِهِ تعالى: (لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)، أي لكمالِ حياتِه وقيُّوميَّتهِ.
وفيه دليلٌ على نفيِ المثليَّةِ، فاتِّفاقُ اسمِ الخالقِ واسمِ المخلوقِ لا يَقْضي بتماثُلِهما، فصفاتُ الخالقِ تُناسبهُ وتليقُ بذاتِه، وصفاتُ المخلوقِ تناسبُه.

(82) قَولُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ): قد تقدَّم الكلامُ على ذلك.

وقَولُهُ: (فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدادًا): أي أمثالاً ونظراءَ تَعبدونهم كعبادتِه وتُساوونَهم به في المحبَّةِ والتَّعظيمِ، فلا نِدَّ له في ذاتِه ولا في صفاتِه، ولا في أفعالِه ولا في عبادتِه،
والنِّدُّ في اللغةِ: المِثلُ والنَّظيرُ والشَّبيهُ، يُقالُ فلانٌ نِدُّ فلانٍ، أي شبيهُه ونظيرُه، كما قال حسَّانُ بنُ ثابتٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ:
أتهجُوهُ ولستَ له بندٍّ فشرُّكُما لخيرِكُمَا الفِدَاءُ
واتِّخاذُ النِّدِّ ينقسمُ إلى قِسمينِ:
قسمٍ من الشِّركِ الأكبرِ، كاتِّخاذِ ندٍّ يدعوُه أو يرجُوه أو يخافُه أو يذبحُ له أو ينذرُ له ونحوِ ذلك، كما في الصَّحيحينِ عن ابنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: ((أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)) الحديثَ. قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ في كتابِه ((الكافيةِ الشَّافيةِ)):
والشِّركُ فاحذرْهُ فشركٌ ظاهرٌ ذا القسمُ ليسَ بقابلِ الغُفرانِ
وهو اتِّخاذُ النِّدِّ للرَّحمنِ أيـْ يَّا كانَ مِنْ حَجَرٍ ومِن إنسانِ
يدْعُوهُ أو يرجوهُ ثمَّ يخافُــهُ ويحبُّه كمحَبَّةِ الرَّحمــنِ
القسمِ الثَّاني: ما هو مِن نوعِ الشِّركِ الأصغرِ كقولِ الرَّجلِ: ما شاء اللهُ وشئتَ، ولولا اللهُ وأنتَ. لم يكنْ كذا، والحلفُ بغيرِ اللهِ ونحوِ ذلك، كما في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ما شاءَ الله وشئتَ، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وحدَهُ)) أخرجه النَّسائيُّ وابنُ ماجةَ.
قَولُهُ: (وَأنتمْ تَعْلَمونَ): أي إنَّهُ ربُّكم وخالقُكم وخالقُ كلِّ شيءٍ، فهو المُستحقُّ للعبادةِ، فكيفَ تجعلونَ له أندادًا وقد عَلِمتم أنَّه لا نِدَّ له يشارِكُهُ في فعلِه؟!
ففي هذه الآيةِ: الرَّدُّ على جميعِ فرقِ الضَّلالِ، ففيه الرَّدُّ على المشبِّهةِ الَّذين يشبِّهون اللهَ بخلقِه، والَّذين يشبِّهون خلقَه به، كعبَدَةِ الأوثانِ، وفيها الرَّدُّ على القَدَرِيَّةِ الَّذين يزعُمونَ: أنَّ العبدَ يخلقُ فعلَ نفسِه استقلالاً بدونِ مشيئةِ اللهِ، فيكونُ شريكًا للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- وندًّا، وفيها الرَّدُّ على المعطِّلَةِ الَّذين نفَوا صفاتِ اللهِ فرارًا مِن التَّشبيهِ فشبَّهوه بالمعدوماتِ والنَّاقصاتِ، وفيها دليلٌ على أنَّ معرفةَ اللهِ والإقرارَ به فِطريٌّ ضروريٌّ، فطرَ اللهُ عليه العبادَ، كما في الحديثِ: ((مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ وَيُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)).
وإنْ كانَ بعضُ النَّاسِ قد يحصلُ له ما يُفسِدُ فطرتَه حتَّى يحتاجَ إلى نظرٍ تحصلُ به المعرفةُ، كما قالَ تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ)، أي أَيُشَكُّ في اللهِ حتَّى يُطلبَ إقامةُ الدَّليلِ على وجودِهِ؟، وأيُّ دليلٍ أصحُّ وأظهرُ مِن هذا المدلولِ، قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ: وسمعتُ شيخَ الإسلامِ يقولُ: كيف يُطلبُ الدَّليلُ على مَنْ هو دليلٌ على كلِّ شيءٍ؟ وكانَ كثيرًا يتمثَّلُ بهذا البيتِ:
ولَيْسَ يَصِحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتَاجَ النَّهارُ إلى دَليلِ
وقد تكلَّمَ الشَّيخُ ابنُ تَيْمِيةَ رحمهُ اللهُ على قولِ مَن قالَ: إنَّ أوَّلَ واجبٍ هو النَّظرُ أو القصدُ إلى النَّظرِ أو الشَّكِ، وبيَّن أنَّها كلَّها غلطٌ مخالفٌ للكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلفِ والأئمَّةِ، وباطلةٌ بالعقلِ أيضًا، وقرَّرَ هو وغيرُه أنَّ أوَّلَ واجبٍ على العبدِ هو التَّوحيدُ، كما في حديثِ معاذٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، حيثُ بعثه النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى اليمنِ وقال: ((فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُم إِلَيْهِ شَهَادَةَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) وفي روايةٍ: ((إِلَى أنْ يوحِّدُوا اللهَ)) وكذلك جميعُ الرُّسلِ أوَّلُ ما يَفْتَتِحُون دعوتَهُم بالدَّعوةِ إلى التَّوحيدِ.
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ: أولُّ مَن أنكرَ معرفةَ اللهِ الفطريَّةَ هم أهلُ الكلامِ الَّذين اتَّفقَ السَّلفُ على ذَمِّهمْ من الجهميَّةِ والقَدَريَّةِ، وهم عندَ سلفِ الأمَّة مِن أجهلِ الطَّوائفِ وأضلِّهم. انتهى. وفيها الرَّدُّ على مَن زعَم أنَّ القرآنَ مخلوقٌ بقَولِهِ: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) ويزعمُ: أنَّ جَعَلَ بمعنى خَلَقَ، فردَّ أحمدُ عليهم بقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا) فليستْ جعلَ بمعنى خَلَقَ هنا. وفيها أنَّه -سُبْحَانَهُ- يحتجُّ على المُشركينَ بإقرارهِم بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ على إثباتِ توحيدِ الألوهيَّةِ. وفيها الاستدلالُ بهذه المخلوقاتِ على وجودِه سُبْحَانَهُ، فهي دليلٌ وآيةٌ على توحيدِ اللهِ -سُبْحَانَهُ- وإثباتِ أسمائِه وصفاتِه وكمالِه وصدقِ رُسلِه عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويُروى أنَّه سُئِلَ بعضُ الأعرابِ: ما الدَّليلُ على وجودِ الرَّبِّ؟ فقالَ للسَّائلِ: يا سبحانَ اللهِ إنَّ البَعْرَ ليدلُّ على البعيِرِ وإنَّ أثرَ الأقدامِ لَيدلُّ على المسيرِ، فسماءٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ فجاجٍ، وبحرٌ ذاتُ أمواجٍ، ألاَ يدلُّ ذلك على وجودِ اللطيفِ الخبيرِ؟!


(83) قَولُهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا): أي نظراءَ وأمثالاً يُساويهم في اللهِ بالعبادةِ والمحبَّةِ والتَّعظيمِ، وهؤلاء لا يُساوونهم باللهِ في الرِّزقِ والتَّدبيرِ، وإنَّما يسوُّونهم باللهِ في المحبَّةِ، فيعبُدونَهم ليقرِّبوهم إلى اللهِ زُلفى، فأخبَر -سُبْحَانَهُ- أنَّ مَن أحبَّ من دونِ اللهِ شيئًا كما يُحبُّ اللهَ فهو ممَّن اتَّخذَ من دونِ الله أندادًا، ففيها دليلٌ على أنَّه -سُبْحَانَهُ- لا نِدَّ له، وإنَّما المُشركون جعلوا بعضَ المخلوقاتِ أندادًا له تسميةً مجرَّدةً ولفظًا فارغًا من المعنى، كما قال تعالى: (وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ) الآيةَ، والمذكورُ في الآيةِ هو المحبَّةُ الشِّركيَّةُ المستلزمةُ للخوفِ والتَّعظيمِ والإجلالِ والإيثارِ على مُرادِ النَّفسِ، فمحبَّةُ اللهِ -سُبْحَانَهُ- هي أصلُ دينِ الإسلامِ وبكمالِها يكملُ، فهي أعظمُ الفروضِ، فصرفُها لغيرِ اللهِ شِركٌ أكبرُ، كما قال سُبْحَانَهُ: (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ).
قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ: فتوحيدُ المحبوبِ أنْ لا يتعدَّدَ محبوبُه، أي مع اللهِ بعبادتِه له، وتوحيدُ الحبِّ أنْ لا يَبْقى في القلبِ بِقِيَّةُ حُبٍّ حتَّى يبذلَهَا له.
وقَولُهُ: (وَالَّذِينَ آمَنواْ أَشَدُّ حُبًّا للَّهِ): أي من أصحابِ الأندادِ لأندادِهِم، فمحبَّةُ المؤمِنين لربِّهم لا تُساويها محبَّةٌ، والمعنى والَّذين آمَنوا أشدُّ حُبًّا للهِ من محبَّةِ أهلِ الأندادِ للهِ؛ لأنَّ محبَّةَ المؤمِنين للهِ خالِصةٌ ومحبَّةَ المُشركينَ لله مُشتركةٌ، قد أخَذت أندادُهُم قِسطًا من محبَّتِهم، والمحبَّةُ الخالصةُ أشدُّ من المُشتركةِ، ففي هذه الآياتِ أنَّ مَن أشركَ معَ اللهِ غيرَه في المحبَّةِ فقد جعلَهُ شريكًا للهِ، واتَّخذَ نِدًّا للهِ، وأنَّ ذلك هو الشِّركُ الأكبرُ،
فالمحبَّةُ تَنْقَسِمُ إلى أقسامٍ، كما ذكره ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ وغيرُه.
الأوَّلِ: محبَّةُ اللهِ سُبْحَانَهُ، ولا تَكفي وحدَها بالنَّجاةِ من النَّارِ والفوزِ بالجنَّةِ، فإنَّ المُشركين يُحبُّون اللهَ سُبْحَانَهُ.
الثَّاني: محبَّةُ ما يُحبُّه اللهُ، وهذه المحبَّةُ هي الَّتي تُدخِلُ في الإسلامِ وتُخرِجُ من الكُفرِ، وأحبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أقومُهم بهذه المحبَّةِ.
الثَّالثِ: المحبَّةُ في اللهِ وللهِ، وهي فرضٌ كمحبَّةِ أولياءِ اللهِ وبغضِ أعداءِ اللهِ، وهي مِن مُكَمِّلاتِ محبَّةِ اللهِ ومِن لوازمِها، فالمحبَّةُ التَّامَّةُ مستلزمةٌ لموافقةِ المحبوبِ في محبوبِه ومكروهِه وولايتِه وعداوتِه، ومِن المعلومِ أنَّ مَن أحبَّ اللهَ المحبَّةَ الواجبةَ فلا بُدَّ أنْ يَبغضَ أعداءَ اللهِ ويُحبَّ أولياءَه.
الرَّابعِ: المحبَّةُ مع اللهِ المحبَّةَ الشِّركيَّةَ، وهي المستلزمةُ للخوفِ والتَّعظيمِ والإجلالِ فهذه لا تصلحُ إلا للهِ سُبْحَانَهُ، ومتى أحبَّ العبدُ بها غيرَ اللهِ فقد أشركَ الشِّركَ الأكبرَ.
الخامسِ: المحبَّةُ الطَّبيعيَّةُ وهي ميلُ الإنسانِ إلى ما يُلائِمُ طبعَه، كمحبَّةِ المالِ والولدِ ونحوِ ذلك، فهذه المحبَّةُ لا تُذَمُّ إلا إنْ أشغلتْ وألهتْ عن طاعةِ اللهِ كما قال سُبْحَانَهُ: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ).

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بأسماء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir