القارئ :
عَنْ نعيم المجمر عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين مِن آثار الوضوء , فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) .
وفي لفظ لمسلم: رَأَيْتُ أبا هُرَيْرَةَ يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين , ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساعدين ثم قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء , فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)) .
وفي لفظ لمسلم: سَمِعْتُ خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:((تبلغ الحلية مِنَ المؤمن حيث يبلغ الوضوء)) .
الشيخ :
أما حديث نعيم , ذكر في هذا الحديث نعيم المجمر , نعيم مِنَ التابعين , وسمي المجمر لأنه يجمر المسجد يعني يطيبه بالدخنة , يأتي بالجمر وبالدخنة التي تطيب بها المسجد فاشتهر بهذا نعيم المجمر , أحد علماء التابعين , روى عَن أبي هُرَيْرَةَ ورأى أبا هريرة يتوضأ فنقل أن أبا هُرَيْرَةَ لما توضأ وغسل يديه غسل العضد حتى كاد أن يبلغ إلى المنكب في كلا اليدين , وغسل الرجلين فرفع إلى الساقين يعني حتى غسل نصف الساق أو نحو ذلك .
واستدل أبوهريرة بهذا الحديث وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين)) .
الغرة: بياض الوجه . والتحجيل: بياض اليدين والرجلين . صح هذا الحديث عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عدة طرق , أخبر بأن أمته تعرف بين الأمم ببياض الوجوه وببياض اليدين والرجلين , يعني الذين يحافظون على الوضوء يحافظون على الطهارة ويحافظون على الصلاة _ تكون لهم علامة وميزة يتميزون بها , وهو أنهم يأتون بيض الوجوه وهومعنى الغرة .محجلين أي بيض الأيدي والأرجل .
فأخذ مِنْ ذلك أبو هُرَيْرَةَ أنه يستحب أن تطول الغرة ويطول التحجيل , لكن الغرة لا يمكن تطويلها ؛ لأن الوجه كله يغسل فلا يمكن أن يزاد فِيهِ , , والرأ س يمسح والرقبة لا تمسح ولا تغسل على الصحيح , فإذن الوجه كله فهو الذي يكون بياضه غرة , فلا يمكن إطالة الغرة ولا الزيادة فيها , ولا يجوز النقص منها , لا يجوز أن يقتصر على بعض الوجه ولا أن يغسل الرأس , فالرأس فرضه المسح كما هو معروف .
وأما اليدان فأبو هريرة اجتهد وغسل بعض العضد وغسل بعض الساق وقصد بذلك أن يكون البياض في اليدين أطول , لا يقتصر البياض على بياض الذراع وبياض القدم بل يكون العضد أبيض , وكذلك يكون الساق أبيض , هذا فعله أبو هُرَيْرَةَ .
واستدل أيضا بقوله عيله الصلاة والسلام: ((تبلغ الحلية مِنَ المؤمن حيث يبلغ الوضوء))
والحلية: هي الزينة التي يحلى بها أهل الجنة , فقد ذكر الله أنهم: {يحلون فيها من أساور مِنْ ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير} , فمعناه أن أهل الجنة يحلون يعني يلبسون حليا للزينة وللكرامة , وذلك الحلي يكون في اليد وفي العضد ونحو ذلك , {يحلون فيها مِنَ أساور مِنْ ذهب} .
فالحلية تكون إلى منتهى الوضوء , فاستحب بعض العلماء أنه إذا توضأ يغسل بعض العضد ويغسل بعض الساق حتى يكون البياض أفضل . وأبو هُرَيْرَةَ يَقُولُ..على الصحيح أن آخر الحديث من كلام أبي هُرَيْرَةَ وهو قوله: "من استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" هذا مدرج مِنْ كلام أبي هُرَيْرَةَ , الحديث المرفوع انتهى عند قوله.. في قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين)) يعني علامة لهم .
تأتي هذه الأمة يعرفهم نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه العلامة إذا وردوا عَلَيْهِ الحوض وإذا علامتهم بارزة ظاهرة يعرفهم ويميزهم من بين من ليسوا أمة له , سواء كانوا ممن لَمْ يدخل في الاسلام مِنْ هذه الأمة , أولم يطبق شريعة الإسلام ولم يأت بهذه الطهارة أو من الأمم غيرهم ، فيتميزون عَنْ غيرهم بالغرة والتحجيل فهو عَلَيْهِ السلام قائد الغر المحجلين .
وبكل حال نقول إن هذه الأمة تميزت في هذه الميزة الظاهرة فمن استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل.
ذهب بعض مِنَ العلماء إلى أنه يستحب أن يزيد في غسل الأعضاء , فيغسل بعض العضد ويغسل بعض الساق ؛ حتى يكون البياض أكثر . وذهب آخرون إلى أنه لا حاجة إلى الزيادة وأن الرسول عَلَيْهِ الصلاة والسلام ما ذكر الزيادة ولا فعلها ولا قَالَ زيدوا في غسل الأعضاء , وإنما أخبر بعلامة أمته في الآخرة وأنهم يكرمهم الله بأن يجعل لهم ميزة يتميزون بها وهي الغرة والتحجيل , ويكرمهم أيضا إذا دخلوا الجنة بأن يحليهم مِنَ الذهب , هذا الحلي الذي يبلغ إلى منتهى الوضوء , يعني تحلى يده إلى منتهى الوضوء سواء إلى العضد أو إلى منتهى الذراع وأشبه ذلك .
فهذه ميزة وكرامة ميز الله بها هذه الأمة . ومعنى ذلك أن من لم يكن مِنَ المحافظين على هذه الطهارة فلا حظ لَهُ في هذه العلامة , من لم يكن محافظا على هذه الصلاة لم يكن مِنَ الذين يحظون بالعلامة الأخرى , فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من دخل النار من أهل الصلاة لم تأكل النار مواضع السجود , حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فمن لم يكن من أهل السجود في الصلاة لم يحظ بهذه العلامة , وهذا دليل على أهمية هذه الطهارة وهذه الصلاة أن الذين يحافظون على الطهارة يحظون بعلامة بارزة ظاهرة , وأن الذين يحافظون على الصلاة يعتق الله أعضاءهم مِنَ النار حتى ولو عذبوا , ثم يكون بعد ذلك سبيلهم إلى النجاة ولو دخلوا النار يسيئات وبأعمال اقترفوها.
فإذن يستحب عند بعض العلماء أن يرفع إلى الساقين ، أن يغسل فوق الكعبين إلى نصف الساق أو ربع الساق وأن يغسل إلى نصف العضد أو نحو ذلك , وإذا لم يفعل واقتصر على ما أمر الله بِهِ مِنْ قوله: {إلى الكعبين} ومنتهى الكعب هو مستدق الساق , وإلى المرفقين: يعني يغسل المرفقين ويدير الماء عليهما , فإذا فعل ذلك فقد كفى إن شاء الله وحصل على المطلوب الذي هو ما يرتفع بِهِ الحدث .
الوجه الثاني
فالواجب على المسلم أن يفعل المأمور بِهِ ويحرص على المندوب فعندنا مأمور بِهِ وهو مفروض واجب , وعندنا مسنون يعني من سنن الوضوء فالحرص عَلَيْهِ والعمل بِهِ يكون إن شاء الله مِنْ تمام العبادة ومِن أسباب مضاعفة العمل وأسباب قبوله .