قال المؤلفون:(مواضعُ الفصْلِ
يَجبُ الفصْلُ في خمسةِ مواضعَ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ بينَ الجملتينِ اتِّحادٌ تامٌّ، بأنْ تكونَ الثانيةُ بَدَلًا من الأُولى، نحوَ: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}.
أوْ بأنْ تكونَ بيانًا لها: نحوُ: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ}.
أوْ بأنْ تكونَ مؤكِدَّةً لها، نحوَ: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}. ويُقالُ في هذا الموضِعِ: إنَّ بينَ الجملتينِ كمالَ الاتِّصالِ.
الثاني: أنْ يكونَ بينَ الجملتينِ تَبَايُنٌ تامٌّ، بأنْ يَختلِفَا خَبَرًا وإنشاءً، كقولِه:
وقالَ رائدُهمْ: أَرْسُوا نُزَاوِلُها ...... فَحَتْفُ كلِّ امرئٍ يَجْرِي بِمِقدارِ
أوْ بأنْ لا يكونَ بينَهما مناسَبةٌ في المعنى، كقولِك: (عليٌّ كاتبٌ، الحمامُ طائرٌ)؛ فإنَّهُ لا مناسَبَةَ في المعنى بينَ كِتابةِ عليٍّ وطَيرانِ الْحَمامِ. ويُقالُ في هذا الموضِعِ: إنَّ بينَ الْجُملتينِ كمالَ الانقطاعِ.
الثالثُ: كونُ الجملةِ الثانيةِ جوابًا عنْ سؤالٍ نَشَأَ من الجملةِ الُأولى، كقولِه:
زَعَمَ العَوازِلُ أنَّنِي في غَمْرَةٍ صَدَقُوا ولكِنْ غَمْرَتي لا تَنْجَلِي
كأنَّهُ قيلَ: أَصَدَقُوا في زعمِهم أَمْ كَذَبَوا؟ فقالَ: صَدَقُوا.
ويقالُ: بينَ الجُمْلتينِ شِبْهُ كمالِ الاتِّصالِ.
الرابعُ: أنْ تُسبَقَ جملةٌ بجُمْلَتينِ يَصِحُّ عطْفُها على إحداهما لوجودِ المناسَبةِ، وفي عطفِها على الأخرى فسادٌ، فيُترَكُ العطْفُ دَفْعًا للوَهْمِ، كقولِه:
وتَظنُّ سَلْمى أنَّنِي أَبْغِي بها ...... بَدَلًا أُرَاها في الضَّلالِ تَهِيمُ
فجملةُ (أُراها) يَصِحُّ عطْفُها على (تَظُنُّ)، لكنْ يَمْنَعُ منْ هذا تَوَهُّمُ العطْفِ على جملةِ (أَبْغِي بها)، فتكونُ الجملةُ الثالثةُ منْ مَظنوناتِ سَلْمَى، معَ أنَّهُ ليسَ مُرادًا. ويُقالُ: بينَ الْجُملتينِ في هذا الموضِعِ شِبْهُ كمالِ الانقطاعِ.
الخامسُ: أنْ لا يُقصَدَ تشريكُ الجملتينِ في الحكْمِ لقيامِ مانعٍ، كقولِه تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، فجملةُ (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) لا يِصِحُّ عطْفُها على (إِنَّا مَعَكُمْ)؛ لاقتضائِه أنَّهُ منْ مَقُولِهم؛ ولا على جملةِ: (قَالُوا)؛ لاقتضائِه أنَّ اسْتِهْزاءَ اللَّهِ بهم مقيَّدٌ بحالِ خُلُوِّهِم إلى شياطينِهم. ويُقالُ: بينَ الجملتينِ في هذا الموضِعِ تَوسُّطٌ بينَ الكمالَيْنِ.)(دروس البلاغة)