الحَمْدُ للَّهِ الذي قَصُرَتْ عِبارةُ البُلَغَاءِ عن الإحاطَةِ بِمَعَانِي آياتِهِ، وعَجَزتْ ألْسُنُ الفُصَحَاءِ عنْ بَيانِ بَدائِعِ مَصْنُوعاتِهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى مَنْ مَلَكَ طَرَفي البلاغَةِ إطْنابًا وإيجازًا، وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِه الفَاتِحِينَ بِهَدْيهِم إلى الحَقِيقَةِ مَجَازًا.
وبَعْدُ، فهَذَا كتابٌ في فُنونِ البَلاغَةِ الثلاثةِ، سَهْلُ المَنالِ، قَرِيبُ المَأْخَذِ، بَرِيءٌ مِنْ وَصْمَةِ التَّطْوِيلِ المُمِلِّ، وعَيبِ الاخْتِصَارِ المُخِلِّ؛ سَلَكْنَا في تَأْلِيفِهِ أسْهَلَ التَّرَاتِيبِ، وأوْضَحَ الأَسَاليبِ، وجَمَعْنا فِيهِ خُلاصةَ قَواعِدِ البلاغَةِ، وأمَّهاتِ مَسَائِلِهَا، وتَرَكْنَا مَا لا تَمَسُّ إليهِ حَاجَةُ التلامذةِ مِن الفَوائِدِ الزَّوائِدِ؛ وقُوفًا عِندَ حَدِّ اللازِمِ؛ وحِرْصًا عَلَى أوْقاتِهِم أنْ تَضِيعَ في حَلِّ مُعقَّدٍ، أوْ تَلْخِيصِ مُطَوَّلٍ، أوْ تَكْمِيلِ مُخْتَصَرٍ، فَتَمَّ بهِ معَ كُتُبِ الدُّروسِ النَّحْويَّةِ سُلَّمُ الدِّراسَةِ العَرَبيَّةِ، في المَدَارِسِ الابْتِدَائيَّةِ والتجْهِيزيَّةِ.
والفَضْلُ في ذَلكَ كُلِّهِ للأميريْنِ الكَبِيريْنِ نُبلًا، والإنْسَانَينِ الكَامِلَينِ فَضْلًا، نَاظِرِ المَعَارِفِ، المُتَجَافِي عَن مِهَادِ الرَّاحَةِ فِي خِدْمَةِ البلادِ، الواقِفِ فِي مَنْفَعَتِهَا عَلَى قَدَمِ الاسْتِعْدَادِ، صَاحِبِ العَطُوفَةِ مُحَمَّدِ زكي باشا، ووكِيلِهَا ذِي الأيادِي البَيْضَاءِ فِي تَقَدُّمِ المَعَارِفِ نَحْوَ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وإدارَةِ شُئُونِهَا عَلَى المِحْوَرِ القَوِيمِ، صَاحِبِ السَّعادَةِ يَعْقُوبَ أرتينَ باشا. فَهُمَا اللذَانِ أَشَارَا عَلَيْنَا بِوَضْعِ هذا النِّظامِ المُفِيدِ، وسُلوكِ سَبِيلِ هذا الوَضْعِ الجَدِيدِ؛ تَحْقِيقًا لرَغَائِبِ أَمِيرِ البلادِ، ووليِّ أَمْرِهَا النَّاشِئ فِي مَهْدِ المَعَارِفِ، العَارِفِ بِقَدْرِهَا، مُجَدِّدِ شُهْرَةِ الدِّيارِ المِصْرِيَّةِ، ومُعِيدِ شَبِيبَةِ الدَّولَةِ المُحَمَّدِيَّةِ العَلَوِيَّةِ، (مَوْلاَنَا الأَفْخَمِ عَبَّاسِ حِلْمي باشا الثاني)، أدامَ اللَّهُ سُعُودَ أمَّتِهِ، وأقرَّ بِهِ عُيونَ آلِهِ ورِجَالِهِ وسَائِرِ رَعَيَّتِهِ، آمِينَ.
حفني ناصفٍ - محمَّدُ ديابٍ - سلطانُ محمَّدٍ - مصطفى طَمُومٍ.