886- وعن أبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، فَبَاتَ غَضْبَانَ، لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)). مُتَّفَقٌ عليهِ، واللفظُ للبخارِيِّ.
ولمسلمٍ: ((كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا)).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفرداتُ الحديثِ:
- دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ: أي: طَلَبَها.
- إلى فِرَاشِهِ: بكسرِ الفاءِ، وهو هنا كِنايةٌ عن الجِماعِ.
* ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- الحديثُ يَدُلُّ على عِظَمِ حقِّ الزوجِ على زَوْجَتِه، كما قالَ تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
2- ويَجِبُ له عليها السَّمْعُ والطاعَةُ في المَعْروفِ، فقَدْ جَاءَ في (المُسْنَدِ) و(سُننِ ابنِ مَاجَهْ) عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لا تُؤَدِّي المَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا، حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، ولَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ)).
3- أنه يَحْرُمُ على المرأةِ أنْ تَمْنَعَ، أو تُماطِلَ، أو تَتَكَرَّهَ على زَوْجِها إذا دعَاها إلى فراشِه مِن أجْلِ الجِماعِ، وأنَّ امْتناعَها هذا يُعْتَبَرُ كبيرةً من كبائرِ الذنوبِ، فإنه يَتَرَتَّبُ عليه أنَّ الملائكةَ تَلْعَنُها حَتَّى تُصْبِحَ.
واللَّعْنُ لا يَكُونُ إلاَّ لفِعْلِ مُحَرَّمٍ كَبيرٍ، أو تَرْكِ واجِبٍ مُحَتَّمٍ.
4- أنَّ العِشْرَةَ الحَسَنَةَ والصُّحْبَةَ الطَّيِّبَةَ هي أنْ تَسْعَى المرأةُ في قَضاءِ حُقوقِ زَوْجِها الواجبةِ عليها، وتَلْبِيةِ رغباتِه، وأنْ تُؤَدِّيَها على أَكْمَلِ وَجْهٍ مُمْكِنٍ.
5- الشارِعُ الحكيمُ لَمْ يُرَتِّبْ هذا الوَعِيدَ على الزوجةِ العَاصِيَةِ لزَوْجِها، إلاَّ لِمَا يَتَرَتَّبُ على عصيانِها من شُرورٍ، فإنَّ الرجلَ لا سِيَّمَا الشابُّ إذا لم يَجِدْ حَلالاً، أغواهُ الشيطانُ بالوُقوعِ في الحَرامِ، فضَاعَ دِينُه وخُلُقُه، وفَسَدَ نَسْلُه، وخَرِبَ بيتُه وأُسرتُه.
6- الزوجةُ الصالحةُ هي التي وَصَفَها اللهُ تعالى بقولِه: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ} [النساء: 34] ووَصَفَها النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقولِه: ((خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي نَفْسِهَا ومَالِكَ)).
7- وفي الحديثِ دَلِيلٌ علَى جَوازِ لَعْنِ العُصاةِ ولو كانوا مُسلِمِينَ، وفي الإخبارِ عن لَعْنِ الملائكةِ: زَجْرٌ لها في(1) الاستمرارِ في العِصْيانِ، ورَدْعٌ لغَيْرِها عن الوُقوعِ في مِثْلِه.
8- الحديثُ فيهِ وُجوبُ طَاعَةِ الزوجةِ زَوْجَها عندَ طَلَبِها لفِراشِه من غَيْرِ تحديدٍ بوَقْتٍ ولا عَدَدٍ، وإنما يُقَيَّدُ بما يَضُرُّها، أو يَشْغَلُها عن وَاجِبٍ.
فأَمَّا الوَقْتُ فَقَدْ رَوَى أحمدُ وابنُ مَاجَهْ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((لاَ تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ)).
قالَ في (الروضِ) وغَيْرِه: ويَلْزَمُه الوَطْءُ إنْ قَدَرَ عليهِ ثُلُثَ سَنَةٍ مَرَّةً بطَلَبِ الزوجةِ؛ لأنَّ اللهَ قَدَّرَ ذلك في أَرْبَعَةِ أشْهُرٍ في حقِّ المُولِي، فكذلك في حَقِّ غيرِه، واختارَ الشيخُ أنَّ الوَطْءَ الواجِبَ يكونُ بقَدْرِ حاجتِها، وقُدْرَتِه، كما يُطْعِمُها بقَدْرِ حَاجَتِها، وقُدْرَتِه، وحُصولُ الضَّرَرِ للزوجةِ بتَرْكِ الوَطْءِ مُقْتَضٍ بكلِّ حَالٍ للفَسْخِ.
وقالَ الشيخُ مُحمدُ بنُ إبراهيمَ: وله الإكثارُمِن ذلك، لا يَتَحَدَّدُ بحَدٍّ، ولا يُقَيَّدُ، ما لم يَضُرَّ بها، فإنْ أَضَرَّ بها فلا؛ لحديثِ: ((لاَ ضَرَرَ، وَلاَ ضِرَارَ)) أخْرَجَه أحمدُ وابنُ مَاجَهْ، ولحديثِ: ((مَنْ ضَارَّ، ضَارَّهُ اللهُ)) رواهُ الأربعةُ.
(1) لعلها : " عن ".