دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 شوال 1443هـ/17-05-2022م, 11:12 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضحى الحقيل مشاهدة المشاركة
القسم الرابع من مقرر أصول التفسير البياني


أدّ تطبيقين من تطبيقات كلّ درس من الدروس التالية:


تطبيقات الدرس السادس عشر:


بيّن معاني الشرط في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به:


4: قول الله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
القارئ لسورة يوسف، لا يكاد يغفل عن أداة الشرط {لما} تأخذ قلبه معها مرارا وتكرارا، تسرح بخياله مع أحسن القصص، تأتي مقرونة بالفاء مرة فيكون لها دلالات ومعانٍ، وتأتي مجردة مرة لتشير إلى دلالات ومعانٍ أخر، وتترك الحفاظ يبتكرون الطرق للتفريق وإتقان الحفظ ملتفتين إلى الفرق البياني تارة وذاهبين وراء الفروق الإحصائية والمادية – إن صح التعبير- تارات

في كل مرة تطالعك فيها {لما} تشحذ همتك وسمعك وبصرك لمتابعة جوابها، مشتاقا إلى نتيجة شرطها إذ أنها كما يقول النحويين أداة وجود لوجود تستدعي جوابا، وفي كل مرة يأتي معها جواب تابع للشرط ومفسر له يكشف فصلا مهما من فصول القصة..

إلا أن جواب لما اختفى في موضعين من السورة جاء فيها حرف الشرط وفعله ولم يذكر الجواب!

الموضع الأول لا شك أنه من أهم فصول القصة وبه بدأت معاناة يعقوب عليه السلام بفقد ابنه الأول

قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. [يوسف، 15].


والموضع الثاني وهو الآية المقصودة بالدراسة هنا يحتاج إلى نظر لكنه كان مقدمة لفقد الابن الثاني...

قال تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا}. [يوسف: 68]

لا يخفى أن {لما} حرف شرط فيه معنى الظرفية، فعلها في هذه الآية دخلوا، لكن أين الجواب؟

أطلك لفكرك العنان..

{ولما دخلوا} أمنوا مما خاف عليهم منه أبوهم فوصلوا لمبتغاهم بسلام.
{ولما دخلوا} تفرقوا فأخذ منهم إعادة التجمع وقتا.
{ولما دخلوا} أدركوا حكمة أبيهم حيث تجنبوا بهذا التفرق المساءلة والمراقبة والحسد والترصد.
{ولما دخلوا} ضربوا موعدا محددا للتجمع بذكائهم وخبرتهم السابقة في المكان.
{ولما دخلوا} أناخوا مطاياهم، وبلغوا سلام والدهم للملك، وقالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به وقد فعلنا...

جمل كثيرة يمكن أن يدل عليها جواب الشرط المحذوف..
لكنه لم يذكر منها شيئا..
بل انتقل بك إلى المعنى الأهم وهو أن فعلهم هذا كان سببا لا يقدم ضررا ولا يؤخر قضاء إلا بإذن الله، وأن فعلهم هذا لم يكن لينجيهم لولا أن الله قدر سلامتهم {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}..

جمل يتركها لك السياق لتأخذ بمجامع قلبك تغدو معها أفكارك خماصا وتروح بطانا..
فهنا حدث.. أعقبته أحداث ذات شأن..

حذف يعكس صورة من صور بلاغة القرآن وجمال اللغة، ويترك للقارئ فرصة للتلذذ باستنباط المعنى المحذوف بألفاظ قليلة تدل على معان عظيمة.

حذف جواب لما ثابت متكرر في اللغة، وقد ذكره بعض المفسرين وأهل اللغة تحديدا في هذه الآية، مع ذكر بعضهم لغيره من الأقوال، ولعل أكثرهم فصل الأمر في حذف جواب لما في قوله تعالى: {فلما ذهبوا به..} الآية {يوسف: 15]، وفي قوله: {فلما أسلما وتله للجبين}، [الصافات: 103] بسبب الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين بشأن زيادة الواو في الجواب، ثم أنهم لم يتعرضوا لمسألة جواب لما هنا.

وسأذكر فيما يلي بحول الله ما مر بي من أقوال:
1. أن الجواب كما ذكرنا محذوف يمكن تقديره بعدد من الجمل، قال ابن عاشور "وَقَدْ أَغْنَتْ جُمْلَةُ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ عَنْ جُمَلٍ كَثِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمُ ارْتَحَلُوا وَدَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ، وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ سَلِمُوا مِمَّا كَانَ يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ"، كما ذكر هذا القول ابن عطية، وأبو حيان في البحر المحيط، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، وأشارت إليه بعض الكتب المؤلفة في إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان في إعراب القرآن.

فأفاد الشرط بيان حالهم

2. أن الجواب دلت عليه جملة {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قال ابن عطية: " فجواب لَمَّا في معنى قوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ"، وذكر هذا القول في بعض كتب إعراب القرآن مثل: الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد، والتبيان، والجدول في إعراب القرآن،
ونص بعضهم على أن الجواب هو قوله {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} كما جاء في فتح القدير، وفتح البيان، وذكر بعضهم أن هذا الجواب يدل على أن لما هنا حرف وجوب لوجوب وليست ظرف زمان أمثال أبو حيان في البحر المحيط، ورجحه صاحب اللباب في علوم الكتاب

ذكر الشيخ عبد العزيز الداخل حفظه الله بأن جملة {ما كان يغني عنهم} اعتراضية وليست جواب "لمّا".

3. أن الجواب هُوَ {آوَى}، في الآية التي تليها من قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} قال صاحب التبيان في إعراب القرآن وهو يعرض الأقوال: "وَهُوَ جَوَابُ «لَمَّا» الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ ; كَقَوْلِكَ: لَمَّا جِئْتُكَ وَلَمَّا كَلَّمْتُكَ أَجَبْتَنِي، وَحَسَّنَ ذَلِكَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى يُوسُفَ يَعْقُبُ دُخُولَهُمْ مِنَ الْأَبْوَابِ". وذكره صاحب الكتاب الفريد، وصاحب اللباب في علوم الكتاب، كما أشير إلى هذا القول في حاشية الجدول في إعراب القرآن.

لو قسمت الأقوال من جهة القول بوجود جواب الشرط والقول بحذفه.

إذا تأملنا في هذه الأقوال نجد أن القول الثالث بعيد، وأن كون جملة ما كان يغني عنهم من الله من شيء جوابا أيضا فيه نظر، أما كونه دلالة على أحد احتمالات جواب الشرط فقد يكون مقبولا
حيث إن دخولهم على الصفة التي أمرهم بها أبوهم لم تمنع عنهم ما نسب إليهم من السرقة وأخذ بنيامين ومضاعفة المصيبة على والدهم لأن الحذر لا يغني من القدر.
ولكن الأولى والله أعلم هو القول الأول وهو الإقرار بأن الجواب محذوف وهو أمر سائغ متكرر له دلالاته اللغوية والبيانية، وذلك ليعمّ الجواب كلَّ تقدير صحيحٍ يحتمله السياق، ويبلغه التفكّر.

والله أعلم وأحكم

تابع : تطبيقات الدرس السادس عشر:

5: قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
حوت هذه الآية الكريمة أسلوب شرط دل على معان بيانية ولطائف بديعية، جاء فيه اسم الشرط (من)
وفيما يلي استعراض لبعض المسائل المتعلقة به:

أولا/ الإعراب
من: اسم شرط وهو مبتدأ، أو موصولة والأول أرجح.
كان: فعل ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط.
فليمدد: (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اللام) لام الأمر، وفاعل (يمدد) يعود على اسم الشرط (من)،
فتكون بذلك جملة ليمدد في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء

ثانيا/ اقتران جواب الشرط بالفاء
يلاحظ أن جواب الشرط هنا اقترن بالفاء وهو مطابق لأحد المواضع التي ذكر فيها جواز اقترانه بالفاء
إذ أن الجواب وهو {ليمدد} يتضمن طلبا جاء على صيغة فعل مضارع مقرون بلام الأمر.

ثالثا/ العطف على جواب الشرط
قوله {ثم ليقطع}
وقوله: {فلينظر}
معطوفة على جواب الشرط ليمدد ومجزومة في القرآن مثلها

رابعا/ المعنى البياني:
المعنى البياني الذي يفيده الشرط هنا له ارتباط بأقوال المفسرين في معنى قوله: {فليمدد بسبب إلى السماء ثم لقطع}

القول الأول: أن معنى: {فليمدد بسبب إلى السماء} يقصد بها فليربط حبلا في سقف بيته وليشنق به نفسه، أو ليربط حبلا في أعلى مكان يصل إليه وليقطع الحبل ليسقط ويتمزق.

فعلى هذا يفيد الشرط هنا الاستهزاء والتهكم، وقد تكرر ذلك في عبارات المفسرين

قال في أضواء البيان: "وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِحَاسِدِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِهِ الدَّوَائِرَ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ رَبَّهُ لَنْ يَنْصُرَهُ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، فَهُوَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِكُمْ"
ونقل عن الزَّمَخْشَرِيُّ قوله: وَسُمِّيَ فِعْلُهُ كَيْدًا ; لِأَنَّهُ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الْكَيْدِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكِدْ بِهِ مَحْسُودَهُ، إِنَّمَا كَادَ بِهِ نَفْسَهُ".

قال ابن عاشور: "فَامْدُدُوا حَبْلًا بِأَقْصَى مَا يُمَدُّ إِلَيْهِ حَبْلٌ، وَتَعَلَّقُوا بِهِ فِي أَعْلَى مَكَان ثمَّ اقطعوه تَخِرُّوا إِلَى الْأَرْضِ، وَذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ"

وقال ابن كثير مرجحا لهذا القول: " وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى، وَأَبْلَغُ فِي التَّهَكُّمِ؛ فَإِنَّ الْمَعْنَى: مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِنَاصِرٍ مُحَمَّدًا وَكِتَابَهُ وَدِينَهُ، فَلْيَذْهَبْ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ غَائِظَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ"

ويحتمل أيضا معنى التعجيز لأنه لا يقع:
قال ابن عاشور: " وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ لِلتَّعْجِيزِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْجَوَابِ عَلَى حُصُولِ شَرْطٍ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرَّحْمَن: 33]".

قال ابن عطية: "قال هذا المعنى قتادة وهذا على جهة المثل السائر قولهم دونك الحبل فاختنق، يقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه"

القول الثاني: هو أن معنى: {فيمدد بحبل إلى السماء} أي السماء المعروفة يصعد إليها إن استطاع ليقطع الوحي عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويمنع عنه النصر.

فيكون مقصد الشرط هنا التعجيز:

قال في أضواء البيان: "وَقَوْلِهِ: ثُمَّ لِيَقْطَعْ لِلتَّعْجِيزِ فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ الْحَاسِدُ الْعَاجِزُ عَنْ قَطْعِ النَّصْرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ يُذْهِبُ كَيْدُهُ إِذَا بَلَغَ غَايَةَ جَهْدِهِ فِي كَيْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

وكلا المعنيين صحيح سائغ والله أعلم وإن كان للمفسرين آراء في ترجيح أحدهما على الآخر

وقد ذكر الطبري وابن عطية قصد ثالث للآية هو التوبيخ:

قال الطبري: "ذكر قومًا يعبدونه على حرف وأنهم يطمئنون بالدين إن أصابوا خيرا في عبادتهم إياه، وأنهم يرتدّون عن دينهم لشدّة تصيبهم فيها، ثم أتبع ذلك هذه الآية، فمعلوم أنه إنما أتبعه إياها توبيخا لهم على ارتدادهم عن الدين، أو على شكهم فيه نفاقهم، استبطاء منهم السعة في العيش، أو السبوغ في الرزق".

وقال ابن عطية: "ثم أخذت الآية في توبيخ أولئك الأولين"

واستنبط السعدي من الآية معنى آخر حين قال:
"فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون، أي: وسعوا مهما أمكنهم".

ومعاني الاستهزاء والتعجيز والتوبيخ ودلالة النصر في الآية واضحة، فسبحان من أنزل كتابه {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}
والله أعلم وأحكم

نذكر القراءات

تطبيقات الدرس السابع عشر:

3. اشرح المسائل المتعلقة بجواب الطلب وجواب النفي واقتران خبر المبتدأ بالفاء في الآيات التاليات:

قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله

آية عظيمة..
تخاطب العقول وتحرك القلوب، تعظ الغافل وتذكر الناسي صيغت بأسلوب بياني بديع

قال عنها ابن عاشور: " فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَفَانِينُ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ وَبَدَاعَةِ النَّظْمِ".

جاءت بعد آيات فيها مرور سريع خاطف على خبر تكذيب أقوام لأنبيائهم وما أعقب هذا التكذيب من هلاك..
مرور يقرع القلب بثلاث آيات قصيرة:
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
{ فكيف كان نكير} ..يارب السلامة

ثم أنه الحقها بقوله:
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)

{فكأين من قرية..} فالقرى الهالكة كثيرة، وسبب الهلاك معروف معلوم، ولكن من يعتبر؟!

ثم جاءت الآية المعنية:

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}

لتعجب من حال أقوام مروا بمواقع الأمم الهالكة وسمعوا أخبارهم فلم يتعظوا!

تحث الناس على النظر في حال من هلك قبلهم وتحرضهم على تجنب أسباب الهلاك...

ومما ورد فيها من بيان ما يتعلق بأسلوب الطلب محل الدراسة، حيث افتتحت الآية باستفهام ظاهره سؤال {أفلم يسيروا؟} لكن حقيقته الإنكار والتعجب والحث...

وفيما يلي تفصيل لبعض ما تيسر مما له علاقة بالدرس:

{أفلم يسيروا فِي الْأَرْضِ}:

(الهمزة): للاستفهام
(الفاء): عاطفة على مقدر يقتضيه المقام بمعنى (أغفلوا فلم يسيروا؟) أو (أسافروا فلم ينتفعوا؟)
(لم): حرف نفي وقلب وجزم
(يسيروا): فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعله
(في الأرض): متعلقان بيسيروا

ودلالة الاستفهام هنا الإنكار عليهم والتعجب من حالهم إن كانوا سافروا ولم يعتبروا، أو سمعوا أخبار من سافر ولم يتأثروا
وفيها معنى الأمر والحث لمن لم يسافر ولم يسمع، وذلك ليكون لهم عبرة في رؤية مصارع الأمم المكذبة لأنبيائها

والآية لا تنفي عنهم السفر وإنما تتعجب من حال من سافر منهم ولم يعتبر
قال ابن عاشور: "المقصود بالتعجيب هُوَ حَالُ الَّذِينَ سَارُوا فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ جُعِلَ الِاسْتِفْهَامُ دَاخِلًا عَلَى نَفْيِ السَّيْرِ لِأَنَّ سَيْرَ السَّائِرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا لَمْ يُفِدْهُمْ عِبْرَةً وَذِكْرَى جُعِلَ كَالْعدمِ فَكَانَ التعجيب مِنِ انْتِفَائِهِ، فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِر"ِ.

{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}

(فَتَكُونَ) الفاء سَبَبِيَّةٌ، وتكون فعل مضارع ناسخ منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية وهو جواب الاستفهام، ومعلوم أن جواب الطلب ينصب متى ما اقترن بالفاء.

والمعنى لَمْ يَسِيرُوا سَيْرًا تَكُونُ لَهُمْ بِهِ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا وَآذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا.

قال ابن عاشور: " وَنُزِّلَتْ عُقُولُهُمْ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ كَمَا نُزِّلَ سَيْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ مَنْزِلَةَ الْمَعْدُومِ".

وقد أكمل ابن عاشور بقية الآية مسلطا الضوء على أنواع من البلاغة في تفاصيلها لكنه مما يتعلق بدروس أخرى فأتركه هنا اختصارا

ثم ختم بقوله:
"فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ نَظْمِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَنْعَامِ لَهُمْ آلَاتُ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ انْعَدَمَتْ مِنْهُمْ آثَارُهَا فَلَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَة: 171]" .

اللهم اجعلنا ممن سمع وعقل واتعظ وانتهى..

تابع تطبيقات الدرس السابع عشر

(5) قول الله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
تخبر الآية الكريمة عن زعم كل من اليهود والنصارى أن دينهم هو الحق، وادعاء كل فريق أن الهداية في اتباع دينهم، وترد عليهم بأن الحق هو في اتباع دين إبراهيم الحنيف الموحد عليه السلام.

وقد ورد في هذه الآية أسلوب طلب بصيغة الأمر وفيه معنى الشرط، جاء على لسان اليهود والنصارى حيث قالوا: {كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا}

(كونوا) فعل أمر ناقص مبنيّ على حذف النون، والواو اسمها
(هودا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (نصارى) معطوف على (هودا) منصوب مثله وعلامة النصب الفتحة المقدّرة
(تهتدوا) مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للطلب..
وفي الجملة شرط تقديره: إن تكونوا تهتدوا، أي أنهم حصروا الهداية في دينهم

قال ابن عاشور: " بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إِعْرَاضِهِمْ وَمِقْدَارَ غُرُورِهِمْ بِأَنَّهُمْ حَصَرُوا الْهُدَى فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ حَصَرَ الْهُدَى فِي دِينِهِ.
وَوَجْهُ الْحَصْرِ حَاصِلٌ مِنْ جَزْمِ تَهْتَدُوا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ شَرْطٍ فَيُفِيدُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا لَا يَرَاهُ الْيَهُودُ مُهْتَدِيًا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ نَصْرَانِيًّا لَا يَرَاهُ النَّصَارَى مُهْتَدِيًا أَيْ نَفَوُا الْهُدَى عَنْ مُتَّبِعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَهَذَا غَايَةُ غُرُورِهِمْ.

والله أعلم

تطبيقات الدرس الثامن عشر:
بيّن معاني الاستثناء في الآيات التاليات:

2: قول الله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ} [ الدخان: 56]
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
لا شك أن من نعيم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم من أهلها- أنهم لا يموتون وأن الآخرة هي دار الخلود، وقد اتفق من قرأت له ممن فسر هذه الآية الكريمة بأن معنى الآية نفي الموت عن أهل الجنة، وأن الموتة الأولى هنا هي الموتة الذي ختمت بها حياتهم الدنيوية.

ولكن الأقوال تعددت في نوع الاستثناء هنا وفائدته وسببه وحل الإشكال الوارد عليه، والمعنى البياني لاستثناء موتة الدنيا في هذا الموضع.

قال الألوسي بعد أن عدد الأقوال في الآية:
"والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هاهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟
وقيل: إن السؤال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثنى الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة.
وأما على قول من جعله تكلما بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأول من الموت فلا إشكال فتأمل".

إذا نظرنا للاستثناء في الآية فهو تام منفي.
والأقوال إنما جاءت في اتصاله وانقطاعه فقد بنيت أقوال المفسرين على الحالتين وأثرت على المعنى البياني للآية، جاء في الدرس أن التفريق بين الاستثناء المتصل والمنقطع هو: "واسطة عقد هذا الباب ومجتنى ثمراته، وفائدته لطالب علم التفسير كبيرة، فهو باب مهم من أبواب توجيه أقوال المفسرين والجمع بينها".

وفيما يلي أحاول نقل ما تيسر من أقوال مع التلخيص والتبسيط راجية من الله التوفيق والسداد ومنكم التكرم بالتصحيح والتصويب:

الحالة الأولى/ أن الاستثناء هنا متصل، ومعلوم أن الاستثناء المتصل هو ما كان فيه المستثنى من جنس المستثنى منه، فالموت هنا واحد.
قال الألوسي: "الأصل اتصال الاستثناء"
فيكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاتباع للمستثنى منه ويجوز نصبه على الاستثناء.
لكن في هذه الحالة يظهر الإشكال الذي ذكرناه كيف ينفي ذوق الموتة الأولى عن أهل الجنة بقوله ( فيها) وهو مما مضى، وكيف يبرر الاستثناء من النفي الذي هو في الأصل إثبات؟

مما ذكره المفسرون من المعاني المرتبطة باتصال المستثنى:
القول الأول: أن ذلك من باب التعليق بالمحال، ذكره الزمخشري والرازي في مفاتح الغيب نقلا عنه وذكره الألوسي والطنطاوي في الوسيط نقلا عنه، وذكره ابن عجيبة، وذكر الزجاج وابن عاشور والسعدي قريبا منه.
قال الزمخشري: "أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها"
وقال ابن عاشور: مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ انْتِفَاءِ ذَوْقِ الْمَوْت عَن أجل الْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ أَلْبَتَّة.
وقال السعدي: أي ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا.
قال الألوسي: "ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى

قال الألوسي "فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة".
قال صاحب إعراب القرآن وبيانه: "مبني على أن الموتة بدل على طريقة البدل المجوز فيها البدل من غير الجنس وأما على طريقة الحجازيين فانتصبت الموتة استثناء منقطعا، وسرّ اللغة التميمية بناء النفي المراد على وجه لا يبقي للسامع مطمعا في الإثبات، فيقولون ما فيها أحد إلا حمار على معنى إن كان الحمار من الأحدين ففيها أحد فيعلقون الثبوت على أمر محال حتما بالنفي".

قال الشهاب السمين: "وهذا عند علماءِ البيانِ يُسَمَّى نَفْيَ الشيء بدليلِه. ومثلُه قول النابغةِ:
لا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ ... بهنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ
يعني: إنْ كان أحدٌ يَعُدُّ فُلولَ السيوفِ مِنْ قِراع الكتائب عَيْباً فهذا عيبُهم، لكنَّ عَدَّهُ من العيوبِ مُحالٌ، فانتفى عنهم العيبُ بدليل تعلُّقِ الأمرِ على مُحال".

القول الثاني: أن إلا هنا بمعنى سوى ومعنى الآية على هذا القول: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى، وهو قول الفراء، وذكر الزجاج نحوه، وذكره الطبري واعترض عليه، وذكره ابن عطية وأنكر على الطبري تضعيفه، كما ذكره الجوزي والقرطبي والشوكاني، وأبو حيان، وابن عجيبة، والشهاب السمين، والألوسي وقال إن فائدة الوصف في هذه الحالة تكون تذكير حال الدنيا.
ومفاد اعتراض الطبري:
أن معنى قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم، يعني أنه سيلتزم بأكل ما أكله سابقا، وهذا هو الأغلب فيكون معنى الآية على هذا القول إنهم سيذوقون موتة من نوع ما ذاقوه سابقا وهذا لا شك أنه لا يقع لأن أهل الجنة أمنوا من الموت

قال ابن عطية: "وضعف ذلك الطبري، وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق"

القول الثالث: ذكر بعضهم أقوالا أخرى مبنية على اتصال المستثنى مثل:
- أن المؤمن في الدنيا بمنزلته في الجنة ليقينه بها، أو لمعرفته بالله، أو أنه عند موته بمنزلته في الجنة لمعاينته ما يعطاه بها. ذكر نحوه ابن قتيبة وربطه بحال الشهداء وبقوله تعالى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. ونقله عدد ممن فسر الآية.
- أن المعنى الذوق الحاصل بتذكر الموتة الأولى.
- أن ضمير فيها يعود للآخرة والموت أول أحوالها.
وهي تأويلات ضعيفة ذكر بعضها الرازي والشهاب السمين ونقل بعضها الألوسي وقال عنه: "ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز"

الحالة الثانية/ أن الاستثناء منقطع لأن الموت الأول غير الثاني، فليس الاستثناء هنا حقيقيا يخرج به بعضٌ من كلٍ كان داخلا فيه، ومعلوم أن الاستثناء المنقطع يعرف بأحد أمرين:
- أن يصح وضع لكن مكان ألا
((لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى، قد ذاقوها في الدنيا))
- أن يكون الحكم على المستثنى موافقاً للحكم على المستثنى منه
((لا يذوقون فيها الموت، ولا يذوقون فيها الموتة الأولى))
وعلى هذا يكون الغرض من الاستثناء هنا بياني
ويكون إعراب المستثنى {الموتة} هنا: منصوب على الاستثناء وجوبا عند أهل الحجاز، وتميم تتبعه المستثنى منه وهو هنا منصوب.
وممن قال بأن الاستثناء منقطع: النحاس، وابن كثير.
وممن كتب في إعراب القرآن محي الدين في كتاب إعراب القرآن وبيانه، وصاحب الجدول مع الإشارة إلى احتمال الاتصال.
كما ذكره في الأقوال القرطبي والرازي وأبو حيان، والشهاب السمين، والشوكاني، وابن عجيبة، والألوسي

أما الطبري فقد رجح قولا آخر هو أن إلا بمعنى بعد.
وضرب له مثلا قول القائل: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو، فلو قلت لا أكلم اليوم رجلا بعد رجل عند عمرو، فيكون أوجب على نفسه ألا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
واستدل بأنه من شأن العرب أن تضع الكلمة مكان غيرها إذا تقارب معنياهما وضرب لذلك شواهد
فيكون معنى الآية: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى، وقد نقل هذا القول عن الطبري عدد من المفسرين دون ترجيح ولا إنكار.

قال الألوسي: والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها
وقال الشهاب السمين: واختاره الطبريُّ، وأباه الجمهورُ؛ لأنَّ «إلاَّ» بمعنى بعد لم يَثْبُتْ.

الخلاصة:
ما ذكره الزمخشري أن الاستثناء هنا من باب التعليق بالمحال صحيح في اللغة وله وجه بياني واضح ولم يذكر ابن عاشور والسعدي غير هذا قول يبنى على هذا القول وهو صحيح في حال اعتبار الاستثناء متصلا.
والمعنى يستقيم أيضا بوضع سوى مكان إلا.
وإذا كان الاستثناء منقطعا فلكن تحل محل إلا ولا إشكال في هذه الحالة.

وعلى كل حال لابد من تدبر المعنى البياني للآية، إذ أن معناها الحقيقي بين ولا خلاف فيه

قال أبو حيان:
"وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخُلُودِ السَّرْمَدِيِّ، وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمُفَارَقَةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ الْبَاقِيَةِ".

والمتأمل ..
يجد أن الآية الكريمة على وجازتها جمعت بين بشرى ذات قيمة لأهل التقوى والإيمان بأنهم آمنون في الجنة من الموت الذي يمكن أن ينغص متعتهم، وبين تذكير لهم بأن حياتهم الكاملة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالخلود لا يعتريها سوى موتة واحدة تنتهي بها المدة المتاحة لهم للتزود، وهو حدث ذو شأن على المؤمن ألا يغفل عن تذكره قال صلى الله عليه وسلم " أكثروا من ذكر هادم اللذات"
هذا الجمع بين موت الدنيا وخلود الآخرة يقلل من تعلق القلب بهذه الدنيا الزائلة ويذكره بأن الحياة الدنيا قصيرة نسبة لما ينتظره بعدها، كما أنه إذا انعصر قلبه حزنا على ألم الفقد، وخوفا من النهاية انشرح صدره لهذا النعيم المقيم الذي لا يعتريه خوف من الفقد أو الموت فتأمل.

والله أعلم والحمد لله رب العالمين

تابع تطبيقات الدرس الثامن عشر

4. {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
في الآية الكريمة أسلوب استثناء، استخدمت فيه أداة الاستثناء إلا.
جاء في الدرس أن الراجح من تعريف أهل اللغة للاستثناء هو: "إخراج جزء من كلّ بأداة ظاهرة" وأن له أنواعا ودلالات وأن "أسلوب الاستثناء من الأساليب البيانية التي تكرر استعمالها كثيراً في القرآن الكريم لأغراض بيانية بديعة واسعة الدلالات".
وفيما يلي محاولة لتطبيق ما يسر الله فهمه من الدرس على الآية راجية من الله المعونة ومنكم التفضل بالتصويب.

ملاحظة: أقتصر بإذن الله على قراءة ظُلِم بضم الظاء وكسر اللام لأن القراءة الأخرى ليست من العشر ولا من الشواذ لأربع المشهورة.

نذكر ما ذكر في الآية من قراءات

هل الاستثناء هنا مثبت أم منفي؟
الاستثناء هنا منفي بلا النافية، حيث وقع نفي محبة الله سبحانه وتعالى على الجهر بالسوء، أو على من جهر بالسوء، وهو المستثنى منه.

هل الاستثناء هنا تام أو ناقص؟
يمكن أن يكون تاما باعتبار أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} والمستثنى محذوف تقديره إلا جهر من ظلم.
ويمكن أن يكون ناقصا باعتبار أن المستثنى منه مقدر وهو (أحد) فتكون الجملة: "لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء من القول إلا من ظلم"، أو "لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء إلا من ظلم".

هل الاستثناء هنا متصل أو منقطع؟
يمكن أن يكون متصلا إذا:
- قدرنا محذوف في المستثنى: (جهر من ظلم) ليوافق المستثنى منه {الجهر}
- قدرنا محذوف في المستثنى منه: (من أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}، أو قدرنا فاعل المصدر {الجهر} بــ: (أن يجهر أحد) ليوافق المستثنى: {من ظلم}
ويمكن أن يكون منقطعا إذا:
قلنا إن المستثنى وهو {من ظلم} مخالف لجنس المستثنى وهو {الجهر بالسوء} والجملة في معنى الاستدراك.

نخلص إلى أن الاحتمالات في أسلوب الاستثناء في الآية:
- منفي تام متصل
- منفي تام منقطع
- منفي ناقص متصل
- أما كونه منفي ناقص منقطع فلا يتأتى لأن تقدير المستثنى يجعله متوافقا مع المستثنى منه.

وكل حالة تعطي معنا مختلفا يدل على سعة المعاني المحتملة لهذه الآية الكريمة على وجازة لفظها
قال ابن عطية بعد أن فسر هذه الآية والتي تليها: ففي هذه الألفاظ اليسيرة معان كثيرة لمن تأملها.
وقال ابن عاشور: وَالْمَقْصُودُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ قُضِيَ فِي الْكَلَامِ حَقُّ الْإِيجَازِ.

وفيما يلي بيان لمعنى الآية وإعراب المستثنى وفقا لكل حالة:

الحالة الأولى: أن يكون الاستثناء منفي تام متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى بتقدير {جهر من ظلم}.
فيكون المعنى: أنه سبحانه لا يحب هذا الفعل وهو الجهر بالسوء إلا في حال الحاجة لدفع الظلم.
ومن حيث الإعراب: فالإتباع أولى مع جواز النصب على الاستثناء، فيكون إعراب{من} اسم موصول مبني في محل جر بالإضافة، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاستثناء.

الحالة الثانية: منفي تام منقطع:
وهي الحالة التي نقدر فيها أن المستثنى منه مذكور وهو {الجهر} فيكون الاستثناء تاما، ولكن المستثنى {من ظلم} ليس من جنس المستثنى منه.
فلا يكون الاستثناء هنا حقيقيا، وإنما جاء على سبيل الاستدراك، ويصح وضع لكن مكان إلا
فيكون المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ولكن من ظلم فله أن يجهر.
ومن حيث الإعراب: فالنصب فيه لازم عند الحجازيين ولا يجيزون الإتباع، وأما تميم فتتبعه، فيكون إعراب {من} هنا اسم موصول مبني في محل نصب على الاستثناء.

الحالة الثالثة: منفي ناقص متصل:
وهي الحالة التي نقدر فيها المستثنى باعتباره غير مذكور فيكون: (لا يحب الله الجهر من أحد بالسوء)، أو: (لا يحب الله أن يجهر بالسوء أحد) وهو في الوقت نفسه متوافق مع المستثنى منه الذي يقدر ب(إلا أحد ظلم) أو يبقى على معناه (من ظلم).
فيكون المعنى: أن سبحانه لا يحب الانسان الذي يجهر بالسوء من القول إلا في حالة كونه يدفع الظلم عن نفسه.
ومن حيث الإعراب: فله وجه واحد هو الإتباع فيعرب بحسب العامل فيه فيكون {من} في محل جر على البدلية من المستثنى منه المقدر (من أحد)، أو في محل رفع على البدلية من الفاعل المقدر(أحد).

وللمفسرين كلام وتفصيل حول معنى الظلم المستثنى هنا، وحدود دفعه، وما يجوز منه ومالا يجوز والأولى من ذلك وخلافه، كما أن لهم ولمن ألف في إعراب القرآن تفصيلات في إعراب المستثنى وأقوال في حالات إعرابه فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
أحسنت جدا نفع الله بك
أ+

ملاجظة: أرجو أم يكون حل المجلس في المرات المقبلة في مشاركة واحدة مراعاة لتيسير عملية التصحيح.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir