دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 11:52 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حروف المعاني


الحروف
أَحَدُهَا: (إذَنْ) قال سيبويه: للجواب والجزاء قَالَ الشَّلَوْبِينُ دَائِمًا وقال الْفَارِسِيُّ غَالِبًا.
الثَّانِي: (إنْ) لِلشَّرْطِ وَالنَّفْيِ وَالزِّيَادَةِ.
الثَّالِثُ: (أَوْ) لِلشَّكِّ وَالْإِيهَامِ وَالتَّخْيِيرِ، وَمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَالتَّقْسِيمِ، وَبِمَعْنَى (إلَى) وَالْإِضْرَابِ كَـ(بَلْ) قَالَ الْحَرِيرِيُّ: وَالتَّقْرِيبُ نَحْوُ: (مَا أَدْرِي أَسَلَّمَ أَوْ وَدَّعَ).
الرَّابِعُ: (أَيْ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ لِلتَّفْسِيرِ، وَلِنِدَاءِ الْقَرِيبِ، أَوْ الْبَعِيدِ، أَوْ الْمُتَوَسِّطِ أَقْوَالٌ.
وبِالتَّشْدِيدِ لِلشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَمَوْصُولَةٌ وَدَالَّةٌ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ، وَوَصْلَةٌ لِنِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ.
الخامس: إذْ اسْمٌ للماضي ظرفًا وَمَفْعُولًا بِهِ وَبَدَلًا مِنْ الْمَفْعُولِ وَمُضَافًا إلَيْهَا اسْمُ زَمَانٍ، وَلِلْمُسْتَقْبَلِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ حَرْفًا أَوْ ظَرْفًا وَلِلْمُفَاجَأَةِ وِفَاقًا لِسِيبَوَيْهِ.
السادس: إذَا لِلْمُفَاجَأَةِ حَرْفًا وِفَاقًا لِلْأَخْفَشِ وَابْنِ مَالِكٍ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ عُصْفُورٍ ظَرْفُ مَكَانٍ. وَالزَّجَّاجُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَتَرِدُ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا وَنَدَرَ مَجِيئُهَا لِلْمَاضِي وَالْحَالِ.
السَّابِعُ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَالتَّعَدِّيَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَالظَّرْفِيَّةِ وَالْبَدَلِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُجَاوَزَةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالْقَسَمِ وَالْغَايَةِ وَالتَّوْكِيدِ وَكَذَا التَّبْعِيضُ وِفَاقًا لِلْأَصْمَعِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ.
الثَّامِنُ: بَلْ لِلْعَطْفِ وَالْإِضْرَابِ إمَّا لِلْإِبْطَالِ أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ.
التَّاسِعُ: بَيْدَ بِمَعْنَى غَيْرَ وَبِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَعَلَيْهِ بيد أني من قريش.
الْعَاشِرُ: ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ لِلتَّشْرِيكِ وَالْمُهْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِلتَّرْتِيبِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ.
الحادي عَشَرَ: حَتَّى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ غَالِبًا وَلِلتَّعْلِيلِ وَنَدَرَ لِلِاسْتِثْنَاءِ.
الثاني عَشَرَ: رُبَّ لِلتَّكْثِيرِ وَلِلتَّقْلِيلِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: عَلَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ اسْمًا بِمَعْنَى فَوْقَ وَتَكُونُ حَرْفًا لِلِاسْتِعْلَاءِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَالْمُجَاوَزَةِ كـ (عن) وَالتَّعْلِيلِ وَالظَّرْفِيَّةِ وَالِاسْتِدْرَاكِ وَالزِّيَادَةِ، أَمَّا عَلَا يَعْلُو فَفِعْلٌ.
الرَّابِعَ عَشَرَ: الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِلتَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَالذِّكْرِيِّ وَلِلتَّعْقِيبِ فِي كُلٍّ شيء بِحَسَبِهِ وَلِلسَّبَبِيَّةِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي لِلظَّرْفَيْنِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَالتَّعْلِيلِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّوْكِيدِ وَالتَّعْوِيضِ وَبِمَعْنَى الْبَاءِ وَإِلَى وَمِنْ.
السَّادِسَ عَشَرَ: كَيْ لِلتَّعْلِيلِ وَبِمَعْنَى أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ.
السَّابِعَ عَشَرَ: كُلُّ اسْمٍ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ الْمُنَكَّرِ وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ وَأَجْزَاءِ الْمُعَرَّفِ الْمُفْرَدِ.
الثَّامِنَ عَشَرَ: اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَالِاخْتِصَاصِ، وَالْمِلْكِ وَالصَّيْرُورَةِ: أَيْ الْعَاقِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَشَبَهِهِ، وَتَوْكِيدِ النَّفْيِ، وَالتَّعْدِيَةِ وَالتَّأْكِيدِ، وَبِمَعْنَى إلَى وَعَلَى وَفِي وَعِنْدَ وَبَعْدَ وَمِنْ وَعَنْ.
التَّاسِعَ عشر: لَوْلَا حَرْفٌ مَعْنَاهُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ امْتِنَاعُ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَفِي الْمُضَارعةِ التَّحْضِيضُ، وَالْمَاضِيَةِ التَّوْبِيخُ، وَقِيلَ وتَرِدُ لِلنَّفْيِ.
الْعِشْرُونَ: لَوْ شَرْطٍ لِلْمَاضِي، وَيَقِلُّ لِلْمُسْتَقْبَلِ قَالَ سِيبَوَيْهِ: حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ وَقَالَ الشَّلَوْبِينُ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ، وَالصَّحِيحُ وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ امْتِنَاعُ مَا يَلِيهِ وَاسْتِلْزَامُهُ لِتَالِيهِ، ثُمَّ يَنْتَفِي التَّالِي إنْ نَاسَبَ وَلَمْ يَخْلُفْ الْمُقَدِّمُ غَيْرَهُ كَـ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، لَا إنْ خَلَفَهُ كَقَوْلِك لَوْ كَانَ إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا، وَيَثْبُتُ التالي إنْ لَمْ يُنَافِ وَنَاسَبَ بِالْأَوْلَى كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ، أَوْ الْمُسَاوَاةُ كَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَةً لَمَا حَلَّتْ لِلرَّضَاعِ أَوْ الْأَدْوَنِ، كَقَوْلِك لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ لَمَا حَلَّتْ لِلرَّضَاعِ، وَتَرِدُ لِلتَّمَنِّي وَالْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ وَالتَّقْلِيلِ نَحْوُ ولو بظلف محرق.
الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ: لَنْ حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ، وَلَا تُفِيدُ تَوْكِيدَ النَّفْيِ، وَلَا تَأْبِيدَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، وَتَرِدُ لِلدُّعَاءِ وِفَاقًا لِابْنِ عُصْفُورٍ.
الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: مَا تَرِدُ اسْمِيَّةً وَحَرْفِيَّةً مَوْصُولَةً وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَلِلتَّعَجُّبِ واستفهامية وَشَرْطِيَّةً زَمَانِيَّةً وَغَيْرَ زَمَانِيَّةٍ وَمَصْدَرِيَّةً كَذَلِكَ وَنَافِيَةً وَزَائِدَةً كَافَّةً وَغَيْرَ كَافَّةٍ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ غَالِبًا وَلِلتَّبْعِيضِ وَالتَّبْيِينِ وَالتَّعْلِيلِ وَالْبَدَلِ وَالْغَايَةِ وَتَنْصِيصِ الْعُمُومِ وَالْفَصْلُ وَمُرَادِفُةُ الْبَاءُ وَعَنْ وَفِي وَعِنْدَ وَعَلَى.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: مَنْ شَرْطِيَّةٌ واستفهامية وَمَوْصُولَةٌ. وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَنَكِرَةٌ تَامَّةٌ.
الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: هَلْ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ الْإِيجَابِيِّ لَا التصوري وَلَا لِلتَّصْدِيقِ السَّلْبِيِّ. السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَقِيلَ لِلتَّرْتِيبِ، وَقِيلَ لِلْمَعِيَّةِ.


  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


الثالث عشر: ما تقرير كلامكم في حرف (لو)؟
. . .
الكلام على (لو):
وأما تقرير كلامنا في حرف (لو) فنقول: قلنا في هذا الكتاب ما نصه: (لو شرط للماضي ويقل للمستقبل: قال سيبويه) حرف لما كان سيقع لوقوع غيره).
وقال غيره: حرف امتناع لامتناع. وقال الشلوبين: لمجرد الربط. والصحيح وفاقا للشيخ الإمام (امتناع ما يليه واستلزمه لتاليه) ثم ينتفي التالي إن ناسب ولم يخلف المقدم غيره، كـ: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لا إن خلفه، كقولك لو كان إنساناً لكان حيواناً، ويثبت إن لم يناف وناسب بالأولى، كلو لم يخف لم يعص؛ أو المساواة كلو لم تكن ربيبة لما حلت للرضاع، أو الأدون، كقولك لو انتفت أخوة النسب لما حلت للرضاع، وترد للتمني والعرض، والتقليل؛ نحو (ولو بظلف محرق) انتهى.
فأما قولنا: (لو شرط للماضي) فمعناه أن (لو) تفيد عقد السببية والمسببية بين الجملتين بعدها. وبهذا تجامع (إن) الشرطية، وتقيد الشرط بالزمن الماضي، وبهذا تفارق (إن) فإنها للمستقبل وإنما قلنا (شرط) ولم نقل حرف شرط، لأن كلام سيبويه الذي حكيناه بعد تضمن كونها حرفاً.
فلو قلنا (حرف شرط)، ثم قلنا: وقال سيبويه حرف إلى آخره: لكررنا لفظ الحرف بلا فائدة. ولو بدأنا بلفظ الحرف مع مراعاة عدم التكرار لأسقطناه من كلام سيبويه ولم نكن قد حكيناه بلفظه مع أن كونها حرفاً من الواضحات.
فإن قلت: (إذا كانت مراعاتكم للاختصار تصل إلى هذا المنتهى فلا حاجة إلى ذكركم لفظ الحرف في هذا الباب لأنه معقود للحروف، فذكر الحرف مستغنى عنه: قلت هذه غفلة عما نعنيه بالحروف.
فاعلم أنا لا نعني بها مقابل الاسم والفعل، وإنما المعني بها الكلمات المفردة المتضمنة معنى إفراديًّا في نفسها أو غيرها مما تشتد حاجة الفقيه إلى معرفته، فدخلت الأسماء والظروف التي بهذه المثابة. ثم إنا لم نهمل الجانب النحوي في هذا الباب، بل حيث كانت الحرفية واضحة في الكلمة أطلقنا اللفظ، كما أطلقنا: أو، وأي، والباء، واللام. وحيث تردد الحال فيها قيدنا اللفظ، كما عملنا في إذ، وإذا، فإذا تحققت الاسمية صرحنا بها كما قلنا في (كل).
وأما قولنا (ويقل للمستقبل) فقد ذكر النحاة من أقسام (لو) أن تكون حرف شرط في المستقبل، ونصوا على قلته: وعليه قول الشاعر:
ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا = ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
لظل صدى صوتي وإن كنت رمة = لصوت صدى ليلى يهش ويَطْرَبُ
وقول توبة:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت = علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشائة أوزقا = إليها صدى من جانب القبر صائح
وأغبط من ليلى بما لا أناله = ألا كل ما قرت به العين صالح
وقول آخر:
لا يلفك الراجوك إلاَّ مظهراً = خلق الكرام ولو تكون عديماً
وأما قولنا: (قال سيبويه) إلى آخره، فهذه مخاضة (لو) الامتناعية، وقد أكثر الخائضون فيها القول، وعبارة سيبويه مقتضية أن التالي فيها كان بتقدير وقوع المقدم قريب الوقوع، لإتيانه بالسين في قوله سيقع.
وذهب قوم إلى أنها حرف امتناع لامتناع، وهي عبارة المعربين، وردها جماعة من المحققين، منهم: الشيخ أبو العباس القرافي، والشيخ الإمام الوالد، وغيرهما.
قال الوالد رحمه الله (دعوى دلالتها على الامتناع مطلقاً منقوضة بما لا قبل به) ثم نقض هو وغيره بمثل قوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله}.
قالوا: فلو كانت حرف امتناع لامتناع، لزم نفاد الكلمات، مع عدم كون كل ما في الأرض من شجرة أقلاماً تكتب الكلمات، وكون البحر الأعظم بمنزل الدواة، وكون السبعة الأبحر مملوءة مداداً وهي تمد ذلك البحر: وقول عمر رضي الله عنه (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه) قالوا: فيلزم ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف وهو عكس المراد ثم اضطربت عباراتهم وكان أقربها إلى التحقيق كلام الوالد في كتابه (كشف القناع عن (لو) للامتناع) وفي (النوادر الهمدانية)، فإنه ذكر ما نصه: (تتبعت مواقع (لو) من الكتاب العزيز والكلام الفصيح فوجدت أن المستمر فيها انتفاء الأول وكون وجوده لو فرض مستلزماً لوجود الثاني).
وأما الثاني: فإن كان الترتيب بينه وبين الأول مناسباً ولم يخلف الأول غيره فالثاني منتف في هذه الصورة كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، وكقول القائل: لو جئتي لأكرمتك، لكن المقصود الأعظم في المثال الأول نفي الشرط ردًّا على من ادعاه، وفي المثال الثاني أن الموجب لانتفاء الثاني هو انتفاء الأول لا غير، وإن لم يكن الترتيب بين الأول والثاني مناسباً لم يدل على انتفاء الثاني، بل على وجوده من باب أولى، مثل (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)، فإن المعصية منتفية عند عدم الخوف، فعند الخوف أولى. وإن كان الترتيب مناسباً ولكن للأول عند انتفائه شيء آخر يخلفه مما يقتضي وجود الثاني. كقولنا لو كان إنساناً لكان حيواناً، فإنه عند انتفاء الإنسانية قد يخلفها غيرها مما يقتضي وجود الحيوانية). قال: (وهذا ميزان مستقيم مطرد (حيث وردت) لو، وفيها معنى الامتناع) انتهى.
وقد لخصناه نحن في (جمع الجوامع) كما رأيت، وجعلنا المناسب مراتب:
إحداها: أن يكون بالأولى: ومثاله (لو لم يخف لم يعص).
والثانية: أن يكون بالمساواة: أي تكون مناسبة التالي مساوية لمناسبة المقدم، كقوله صلى الله عليه وسلم في بنت أم سلمة: ((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة)) فإن حلها له عليه الصلاة والسلام منتف من جهتين، كونها ربيبة في حجره، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة.
والثالثة: أن تكون مناسبة ولكن دون مناسبة المقدم فيلحق به أيضاً للاشتراك في المعنى كما تقول في القياس الأدون، كقياس البطيخ على البر. وذلك كما لو قلت في أختك من النسب والرضاع: لو انتفت أخوة النسب لما كانت حلالاً، لأنها أخت من الرضاعة، فتحريم أخت الرضاعة دون تحريم أخت النسب ولكنها علة مقتضية للتحريم كاقتضاء النسب، ولو انتفت أقوى العلتين لاستقلت الضعيفة إذا كانت في نفسها صالحة للتعليل، وهذه المراتب لم أر من ذكرها غيري. لكنها مساق كلام الشيخ الإمام، فلذلك ذكرتها في أثناء كلامه.
وإنما قلنا في هذا المثال الثالث كقولك: لأنه لا يوجد له. وهو كقولك لو كان إنساناً لكان حيواناً، فكلاهما ليس في كلام الشارع ولا العرب، وإنما ذكرناه مثالاً لأنه قد يوجد شبيهه.
وهذا بخلاف: (نعم العبد صهيب) فإنه أثر معروف عن عمر، وبخلاف: ((لو لم تكن ربيبتي في حجري لما حلت)) فإنه حديث صحيح.
ومن عادتي أن ما أضربه مثلاً، إن كان موجوداً في الكتاب أو السنَّة أو كلام العرب أو حملة الشريعة أطلقه، وإن كان غير موجود. أقول: كقولك أو كما قيل ونحوه.
وأما مذهب الشلوبين ودعواه: أنها لمجرد الربط (و) لا دلالة لها على الامتناع، فقال الوالد رحمه الله: إنه جحد للضروريات، قلت: ولا شك في هذا.
فهذا تقرير كلام سيبويه وكلام المعربين، وكلام الشلوبين، وكلام الشيخ الإمام، مع الزيادات التي زدناها.
واعلم أنا كتبنا هذا ونحن نوفق الوالد إذ ذاك على ما رآه، ولذلك عبرنا عنه بلفظ الصحيح.
وأما الذي أراه الآن وأدعي ارتداد عبارة سيبويه إليه وإطباق كلام العرب عليه فهو قول المعربين. وقول الوالد: (إنه منقوض بما لا قبل به) مما لا يظهر لي. وللشيخ الإمام رحمه الله الباع الواسع في مضائق الفهوم، والتحقيقات الباهرة إذا تحاجت الخصوم، ولكنا هنا نحيد عنه فإن كان خطأ فمنا ومن الشيطان، وإن كان صواباً فمن الله وببركته رحمه الله.
فأقول: مدلول (لو) الشرطية:امتناع التالي لامتناع المقدم مطلقاً. وهذا هو مفهوم من قوله تعالى: {ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم}، فالمعنى والله أعلم: ولكن حق القول فلم أشأ، أو: لم أشأ فحق القول.
{ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم}، أي: فلم يريكموهم.
كذلك: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض}.
{ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيانات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.
{ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم}.
{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون}.
{ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}.
{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
{ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً}.
{لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}.
{لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة}.
{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدةً ولكن كره الله انبعاثهم}.
{ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمىً}.
{ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ٍ ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمىً}، وغير ذلك من الآيات.
وفي الحديث: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي))، وفي رواية: ((ولكن أخوة الإسلام)).
((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)).
وقول الشاعر:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة = كفاني ولم أطلب قليل من المال
ولكنما أسعى لمجد مؤثل = وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وقال آخر:
فلو كان حمد يُخلد الناس لم تمت = ولكن حمد الناس ليس بمخلد
وقال آخر:
فلو كان مولاي امرءاً هو غيره = لفرج كربي أو لأنظرني غدي
ولكن مولاي امرؤ هو خانقي = على الشكر والتسآل أو أنا مفتدي
وقال الحماسي:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي = بنو اللقيطة من ذهل ابن شيبانا
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد = ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
وقال آخر:
رأين فتى لا صيد وحشي يهمه فلو صافحت إنساً لصافحنه معا
ولكن أرباب المخاض يشفهم إذا افتقروه واحداً أو مشيعاً
وقال آخر:
ولو خفت أني إن كففت تحيتي = تنكب عني رمت أن يتنكبا
ولكن إذا ما حل كره فسامحت = به النفس يوماً كان للكره أذهبا
فهذه الأماكن وأمثاله صريحة في أنها للامتناع، لأنها عقبت بحرف الاستدراك، داخلاً على فعل الشرط، منفيا ًلفظاً أو معنى، فهي بمنزلة: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى...}.
فإذا كانت دالة على الامتناع ويصح تعقبها بحرف الاستدراك دلَّ على أن ذلك عام في جميع مواردها، وإلاَّ يلزم الاشتراك، وعدم صحة تعقبها بالاستدراك، وذلك هو ظاهر أو صريح كلام سيبويه. فلم يخرج عنه، وقول الشيخ الإمام: إن ذلك ينتقض لما لا قبل به. نقول عليه: لا نراه منتقضاً بشيء، وقوله: قال الله تعالى: {لو أن لهم ما في الأرض...} الآية، وقال عمر: (لو لم يخف الله...) الأثر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تكن ربيبتي في حجري لمل حلت لي)) قلت: {يمكن رد ذلك كله إلى الامتناع، ونحن نوضح لك هذا قائلين: إذا قلنا: (امتنع طلوع الشمس لوجود الليل)، فليس معناه انتفاء طلوع الشمس رأساً، بل انتفاؤه لوجود الليل، وفرق بين انتفائه لذلك، وانتفائه المطلق؛ فإن الأول أخص من الثاني، ولا يلزم من ارتفاع الخاص ارتفاع العام.
فإذا قلنا: (لو) حرف امتناع لامتناع، كان المعنى به: أن التالي يمتنع امتناعاً مضافاً إلى امتناع المقدم، وليس المعنى به أنه يمتنع مطلقاً، وإذا قلت في من قيل لك: انتقض وضوءه لأنه مس من ذكره، لم ينتقض لأنه مس، فإنه لم يمس، ولكن لناقض آخر غير المس، صح. وكذلك لك أن تقول: لم ينتقض، لأنه لم يمس، كل هذا كلام صحيح، وإن كان وضوءه منتقضاً عندك بناقض آخر، فإن حاصل كلامك أن الانتقاض بالنسبة إلى المس لم يحصل، ولا يلزم من ذلك انتفاء أصل الانتقاض.
وإنما يلزم مطلق الامتناع في لو الشرطية لو قلنا: إن مقتضاه الامتناع مطلقاً. ونحن لم نقل ذلك، وإنما قلنا: يقتضي امتناعاً منكراً لامتناع منكرٍ، فالنفي خاص لا عام. وأنت إذا نظرت ما حررناه في منع التعليل بعلتين في (شرح المختصر)، و(التعليقة) وغيرهما من كتبنا ظهر لك هذا ظهورا ًقويًّا.
إذا عرفت هذا، فنقول: قد يؤتي بلو مسلطة على ما يحسب العقل، كونه إذا وجد مقتضيا ًلوجود شيء آخر مراداً بها أن ذلك لا يلزم تحقيقاً؛ لاستحالة وجود ذلك الشيء الآخر، الذي ظن أنه يوجد عند وجود ما يحسبه العقل مقتضياً، كما تقول لعابد الشمس: (لو عبدتها ألف سنة ما أغنت عنك من الله شيئاً)، فإن مرادك أن عبادتها لا تغني، وفي الحقيقة: الازدياد من عبادتها ازدياد من عدم الإغناء، ولكن لما كان الكلام خطاباً لمن يعتقدها مغنية حسن إخراجه في هذا القالب. وكذلك تقول للسائل، إذا أحكمت أمر منعه: لو تضرعت إلي بألف شفيع ما قضيت لك سؤالاً. ولذلك إذا جاء بصيغة (إن) الشرطية لم يكن له مفهوم عنه المعترفين بمفهوم الشرط، كما في قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم}؛ لأن المراد قطع الإياس، فإن الإتيان بصيغة (لو) فيما ضربناه مثلاً لتحقيق الامتناع لا للمقابلة. إذا فهمت هذا جئنا بك إلى ما أوردوه نقضاً.
وقولهم: (يلزم نفاد الكلمات عند انتفاء كون ما في الأرض من شجرة أقلاماً وهو الواقع فيلزم النفاد، وهو مستحيل).
جوابه: أن عدم النفاد إنما يلزم انتفاؤه لو كان المقدم مما لا يتصور العقل أنه مقتض للانتفاء. أما إذا كان مما قد يتصوره العقل مقتضياً، فأن لا يلزم عند انتفائه أولى وأحرى. وهذا لأن الحكم إذا كان لا يوجد مع وجود المقتضى، فأن لا يوجد عند انتفائه أولى. فمعنى (لو) في الآية: أنه لو وجد المقتضى لما وجد الحكم، لكن لم يوجد، فكيف يوجد؟ وليس المعنى: لكن لم يوجد فوجد؛ لامتناع وجود الحكم بلا مقتضى.
فالحاصل أن ثمَّ أمرين:
أحدهما:امتناع الحكم لامتناع المقتضي وهو مقرر في بدائه العقول.
وثانيهما: وجوده عند وجوده، وهو الذي أتت (لو) للتنبيه على انتفائه مبالغة في الامتناع، فلولا تمكنها في الدلالة على الامتناع مطلقاً لما أتي بها، فمن زعم أنها والحالة هذه لا تدل عليه، فقد عكس ما تقصده العرب بها، فإنها إنما تأتي بلو هنا للمبالغة في الدلالة على الانتفاء لما للو من التمكن في الامتناع.
وأنت إذا فهمت ما ألقيته إليك في الآية من المعنى نقلته إلى الأثر وغيره، فتقول: لو لم يخف صهيب لم يعص؛ لما عنده من إجلال الله تعالى، المانع له من وقوع المعصية، فكيف إذا خاف؟ فإنه إذا خاف يجتمع مانعان: الإجلال والخشية، وإذا لم يخف يكون المانع واحداً وهو الإجلال. فالمعصية منتفية على التقديرين.
وجيء بلو تنبيهاً على الامتناع بالطريقة التي قدمناها: لا على مطلق الامتناع، وقد كان يمكن رد كلام الشيخ الإمام ومن معه إليها، لولا تصريحهم بأنها تدل على خلاف الامتناع في مثل ما ذكرناه.
وقولنا في (جمع الجوامع): (ثم يثبت إن لم يناف وناسب بالأولى...إلى آخره) أحسن مما لو قيل: ثم تدل على الإثبات إن لم يناف، وهذا لأن الثبوت والحالة هذه ليس مأخوذاً منها، بل من دليل آخر.
فإن قلت: أوضح لي، كيف تنزيل الأمر على ما تدعيه من الامتناع؟ فإن قوله: (لو لم يخف لم يعص) إذا جعلنا فيه (لو) للامتناع صريح في وجود المعصية مستنداً إلى وجود الخلاف. وهذا لا يقبله العقل.
قلت: المعنى لو انتفى خوفه انتفى عصيانه: لكن لم ينتف خوفه فلم ينتف عصيانه، مستنداً على أمر وراء الخوف، ووراء هذا صورتان:
إحداهما: أن لا ينتفي أصلاً، وهو مستحيل؛ لأنه إذا انتفى مع انتفاء الخوف، المقتضي لعدم انتفائه فيما يحسبه العقل، فَلأن ينتفي مع وجوده أولى وأحرى.
والثانية: أن ينتفي انتفاءً مستنداً إلى الخوف نفسه وهو الواقع. ونظير هذا قولك: لو انتفى مس الذكر انتفى انتقاض الوضوء المستند إليه. ولا يلزم انتفاء أصل الانتقاض، بل قد يحصل بطريقة أولى، بالبول مثلاً.
فإن قلت: فما السر في إطلاق انتفاء الانتقاض وهو مقيد بانتفاء خاص؟ قلت: المبالغة كما أوضحناه، والمعنى مفهوم من ترتيب الحكم على الوصف: وما قلناه يزداد إيضاحاً بما ادعيناه من تعدد الأحكام تبعاً لإمام الحرمين في مسألة تعدد العلل.
ثم اعلم أن ما قلناه في الآية الكريمة والأثر لا ندعي أنه ظاهر كل الظهور.
وإنما نقول إنه محتمل يمكن معه جريان (لو) على أسلوب واحد: فلم يعدل عنه؟ وإذا كان الشيخ الإمام يدعي أن جحد فهم الامتناع منها جحد للضروريات فلم ينفيه في هذه الأماكن؟ هذا تمام تقرير ما قلناه في (لو) مع هذه الزيادة التي زدناها هنا من قبلنا على (جمع الجوامع).
وأما قولنا: (وترد للتمني) فشاهده قوله تعالى: {فلو أن لنا كرةً}، أي: فليت لنا كرة.
ولهذا نصب (فنكون) في جوابها كما انتصب (فأفوز) في جواب ليت في قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً}. وأما العرض فقد ذكره في التسهيل. ومثاله لو تنزل عندنا فتصيب خيراً. وأما التقليل فذكره بعض النحاة وكثر استعمال الفقهاء له، وشاهده قوله تعالى: {ولو على أنفسكم}.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أولِم ولو بشاة)).
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، وقوله عليه السلام: ((التمس ولو خاتماً من حديد))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((تصدقوا ولو بظلف محْرَق)) وقد ذكرناه في الكتاب وخصصنا هذه الصورة بالتمثيل لقلة من ذكرها، وكثرة استعمال الفقهاء والأصوليين (للو) في هذا المعنى، و(جمع الجوامع) نفسه مشحون باستعمالها لذلك، وكذلك الحاوي الصغير وغيره من المختصرات. وذكر الفراء، وأبو علي، وجماعة آخرهم ابن مالك: من موارد (لو) أن تكون حرفاً مصدرياً بمنزلة (أن) إلاَّ أنها لا تنصب. نحو: {ودوا لو تدهن}، {يود أحدهم لو يعمر}، ولكن الأكثرون لم يثبتوا ذلك، وتأولوا ما ذكر؛ ولذلك لم نذكره في (جمع الجوامع)؛ مع أن جدوى معرفة كونها مصدرية في الأصول قليلة.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


الحروف
أَيْ هَذَا مَبْحَثٌ مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْفَقِيهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِيهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا فِي الْأَدِلَّةِ لَكِنْ سَيَأْتِي مِنْهَا أَسْمَاءٌ فَفِي التَّعْبِيرِ بِهَا تَغْلِيبٌ لِلْأَكْثَرِ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ عَدَّهَا بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ اخْتِصَارًا فِي الْكِتَابَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْقَلَمِ الْمُعْتَادِ وَلْنَمْشِ عَلَيْهِ لِوُضُوحِهِ (أَحَدُهَا إذَنْ مِنْ نَوَاصِبِ الْمُضَارِعِ) قَالَ سِيبَوَيْهِ لِلْجَوَابِ وَالْجَزَاءِ إلَخْ (قَالَ الشَّلَوْبِينُ دَائِمًا وَ) قَالَ (الْفَارِسِيُّ غَالِبًا) وَقَدْ تَتَمَحَّضُ لِلْجَوَابِ فَإِذَا قُلْت لِمَنْ قَالَ أَزُورُك إذَنْ أُكْرِمَك فَقَدْ أَجَبْته وَجَعَلْت إكْرَامَك جَزَاءَ زِيَارَتِهِ أَيْ إنْ زُرْتنِيأَكْرَمْتُك وَإِذَا قُلْت لِمَنْ قَالَ أُحِبُّك إذَنْ أُصَدِّقُكَ فَقَدْ أَجَبْته فَقَطْ عِنْدَ الْفَارِسِيِّ وَمَدْخُولُ إذَنْ فِيهِ مَرْفُوعٌ لِاخْتِفَاءِ اسْتِقْبَالِهِ الْمُشْتَرَطِ فِي نَصْبِهَا وَيَتَكَلَّفُ الشَّلَوْبِينُ فِي جَعْلِ هَذَا مِثَالًا لِلْجَزَاءِ أَيْضًا أَيْ إنْ كُنْت قُلْت ذَلِكَ حَقِيقَةً صَدَّقْتُك وَسَيَأْتِي عَدُّهَا مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِلَّةٌ لِلْجَزَاءِ. (الثَّانِي إنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (لِلشَّرْطِ) أَيْ لِتَعْلِيقِ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ أُخْرَى نَحْوُ {إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (وَالنَّفْيِ) نَحْوُ {إنْ الْكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ} {إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى} أَيْ مَا (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ مَا إنْ زَيْدٌ قَائِمٌ مَا إنْ رَأَيْت زَيْدًا. (الثَّالِثُ أَوْ) مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ (لِلشَّكِّ) مِنْ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوُ قَالُوا {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (وَالْإِيهَامِ) عَلَى السَّامِعِ نَحْوُ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (وَالتَّخْيِيرِ) بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نَحْوُ خُذْ مِنْ مَالِي ثَوْبًا أَوْ دِينَارًا أَمْ جَازَ نَحْوُ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ أَوْ الْوُعَّاظَ وَقَصَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ التَّخْيِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ وَسَمَّوْا الثَّانِي بِالْإِبَاحَةِ (وَمُطْلَقِ الْجَمْعِ) كَالْوَاوِ نَحْوُ:
وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ = لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا
أَيْ وَعَلَيْهَا (وَالتَّقْسِيمِ نَحْوُ: الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ) أَيْ مُقَسَّمَةٌ إلَى الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمَ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (وَبِمَعْنَى إلَى) فَيُنْصَبُ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ نَحْوُ لَأَلْزَمَنك أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي أَيْ إلَى أَنْ تَقْضِينِيهِ (وَالْإِضْرَابِ كَبَلْ) نَحْوُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} أَيْ بَلْ يَزِيدُونَ (قَالَ الْحَرِيرِيُّ وَالتَّقْرِيبُ نَحْوُ مَا أَدْرِي أَسَلَّمَ أَوْ وَدَّعَ) هَذَا يُقَالُ لِمَنْ قَصَرَ سَلَامَهُ كَالْوَدَاعِ فَهُوَ مِنْ تَجَاهُلِ الْعَارِفِ وَالْمُرَادُ تَقْرِيبُ السَّلَامِ لِقَصْرِهِ مِنْ الْوَدَاعِ وَنَحْوِهِ وَمَا أَدْرِي أَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ يُقَالُ لِمَنْ أَسْرَعَ فِي الْأَذَانِ كَالْإِقَامَةِ. (الرَّابِعُ أَيْبِالْفَتْحِ) لِلْهَمْزَةِ (وَالسُّكُونِ) لِلْيَاءِ (لِلتَّفْسِيرِ) بِمُفْرَدٍ نَحْوُ عِنْدِي عَسْجَدٌ أَيْ ذَهَبٌ وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ أَوْ بِجُمْلَةٍ نَحْوُ:
وَتَرْمِينَنِي بِالطَّرْفِ أَيْ أَنْتَ مُذْنِبٌ = وَتَقْلِينَنِي لَكِنْ إيَّاكِ لَا أَقْلِي
فَأَنْتَ مُذْنِبٌ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ إذْ مَعْنَاهُ تَنْظُرُ إلَيَّ نَظَرَ مُغْضَبٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ وَاسْمُ لَكِنْ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ مِنْ خَبَرِهَا لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ أَيْ أَتْرُكُك بِخِلَافِ غَيْرِك (وَلِنِدَاءِ الْقَرِيبِ أَوْ الْبَعِيدِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ أَقْوَالٌ) وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي {آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا وَأَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَيْ رَبِّ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِنِّي قَرِيبٌ} وَقِيلَ لَا يَدُلُّ لِجَوَازِ نِدَاءِ الْقَرِيبِ بِمَا لِلْبَعِيدِ تَوْكِيدًا (الْخَامِسُ أَيَّ) بِالْفَتْحِ وَ (بِالتَّشْدِيدِ) اسْمٌ (لِلشَّرْطِ) نَحْوُ {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْت فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} (وَالِاسْتِفْهَامِ) نَحْوُ {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا} (وَمَوْصُولَةٌ) نَحْوُ {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} أَيْ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ (وَدَالَّةٌ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ) بِأَنْ يَكُونَ صِفَةً لِنَكِرَةٍ أَوْ حَالًا مِنْ مَعْرِفَةٍ نَحْوُ مَرَرْت بِرَجُلٍ أَيَّ رَجُلٍ أَوْ بِعَالِمٍ أَيَّ عَالِمٍ أَيْ كَامِلٍ فِي صِفَاتِ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ الْعِلْمِ وَمَرَرْت بِزَيْدٍ أَيَّ رَجُلٍ أَوْ أَيَّ عَالِمٍ أَيْ كَامِلًا فِي صِفَاتِ الرُّجُولِيَّةِ أَوْ الْعِلْمِ (وَوَصْلَةٌ لِنِدَاءِ مَا فِيهِ أَلْ) نَحْوُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ. (السَّادِسُ إذْ اسْمٌ) لِلْمَاضِي ظَرْفًا نَحْوُ وَجِئْتُك إذْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا (وَمَفْعُولًا بِهِ) نَحْوُ {وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} أَيْ اُذْكُرُوا حَالَتَكُمْ هَذِهِ (وَبَدَلًا مِنْ الْمَفْعُولِ) بِهِ نَحْوُ {اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ} إلَخْ أَيْ اذْكَرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي هِيَ الْجَعْلُ الْمَذْكُورُ (وَمُضَافًا إلَيْهَا اسْمُ زَمَانٍ) نَحْوُ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا} (وَلِلْمُسْتَقْبَلِ فِي الْأَصَحِّ) نَحْوُ {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَالْمَاضِي (وَتَرِدُ لِلتَّعْلِيلِ حَرْفًا) كَاللَّامِ (أَوْ ظَرْفًا) بِمَعْنَى وَقْتٍ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ قَوْلَانِ نَحْوُ ضَرَبْت الْعَبْدَ إذْ أَسَاءَ أَيْ لِإِسَاءَتِهِ أَوْ وَقْتَ إسَاءَتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الضَّرْبَ وَقْتَ الْإِسَاءَةِ لِأَجْلِهَا (وَلِلْمُفَاجَأَةِ) بِأَنْ تَكُونَ (بَعْدَ بَيْنَا أَوْ بَيْنَمَا وِفَاقًا لِسِيبَوَيْهِ) حَرْفًا كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ ظَرْفُ مَكَانٍ وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ ظَرْفُ زَمَانٍ وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ حِكَايَةِ هَذَا الْخِلَافِ بِحِكَايَةِ مِثْلِهِ فِي إذَا الْأَصْلِيَّةِ فِي الْمُفَاجَأَةِ مِثَالُ ذَلِكَ بَيْنَا أَوْ بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَيْ فَاجَأَ مَجِيئُهُ وُقُوفِي أَوْ مَكَانَهُ أَوْ زَمَانَهُ وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلْمُفَاجَأَةِ وَهِيَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا كَمَا لَوْ تَرَكَهَا مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَرَبِ. (السَّابِعُ إذَا لِلْمُفَاجَأَةِ) بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا ابْتِدَائِيَّةٌ (حَرْفًا وِفَاقًا لِلْأَخْفَشِ وَابْنِ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَابْنُ عُصْفُورٍ ظَرْفُ مَكَانٍ وَالزَّجَّاجُ وَالزَّمَخْشَرِيُّ ظَرْفُ زَمَانٍ) مِثَالُ ذَلِكَ خَرَجْت فَإِذَا زَيْدٌ وَاقِفٌ أَيْ فَاجَأَ وُقُوفُهُ خُرُوجِي أَوْ مَكَانَهُ أَوْ زَمَانَهُ وَمَنْ قَدَّرَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَفِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ وُقُوفُهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الظَّرْفِ وَتَرَكَ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ وَهَلْ الْفَاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ قَوْلَانِ (وَتَرِدُ ظَرْفًا لِلْمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا) فَتُجَابُ بِمَا يُصَدَّرُ بِالْفَاءِ نَحْوُ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَالْجَوَابُ فَسَبِّحْ إلَخْ وَقَدْ لَا تُضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ آتِيكَ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ (وَنَدَرَ مَجِيئُهَا لِلْمَاضِي) نَحْوُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالِانْفِضَاضِ (وَالْحَالِ) نَحْوُ {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى} فَإِنَّ الْغَشَيَانَ مُقَارِنٌ لِلَّيْلِ (الثَّامِنُ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً) نَحْوُ بِهِ دَاءٌ أَيْ أُلْصِقَ بِهِ (وَمَجَازًا) نَحْوُ مَرَرْت بِزَيْدٍ أَيْ أَلْصَقْت مُرُورِي بِمَكَانٍ يَقْرُبُ مِنْهُ (وَالتَّعَدِّيَةِ) كَالْهَمْزَةِ نَحْوُ {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} أَيْ أَذْهَبَهُ (وَالِاسْتِعَانَةِ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ كَتَبْت بِالْقَلَمِ (وَالسَّبَبِيَّةِ) نَحْوُ {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} (وَالْمُصَاحَبَةِ) نَحْوُ {قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} أَيْ مُصَاحِبٍ لَهُ (وَالظَّرْفِيَّةِ) الْمَكَانِيَّةِ أَوْ الزَّمَانِيَّةِ نَحْوُ {وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ} {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} (وَالْبَدَلِيَّةِ) كَمَا فِي {قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِك فَقَالَ كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا أَيْ بَدَلَهَا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَأُخَيَّ ضُبِطَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا لِتَقْرِيبِ الْمَنْزِلَةِ (وَالْمُقَابَلَةِ) نَحْوُ اشْتَرَيْت الْفَرَسَ بِأَلْفٍ (وَالْمُجَاوَزَةِ) كَعَنْ نَحْوُ {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أَيْ عَنْهُ (وَالِاسْتِعْلَاءِ) نَحْوُ {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أَيْ عَلَيْهِ (وَالْقَسَمِ) نَحْوُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (وَالْغَايَةِ) كَإِلَى نَحْوُ {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي} أَيْ إلَيَّ (وَالتَّوْكِيدِ) نَحْوُ {كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا} {وَهُزِّي إلَيْك بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} وَالْأَصْلُ كَفَى اللَّهُ، وَهُزِّي جِذْعَ (وَكَذَا التَّبْعِيضُ) كَمِنْ (وِفَاقًا لِلْأَصْمَعِيِّ وَالْفَارِسِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ) نَحْوُ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أَيْ مِنْهَا وَقِيلَ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ وَيَشْرَبُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى يُرْوَى أَوْ يَلْتَذُّ مَجَازًا وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. (التَّاسِعُ بَلْ لِلْعَطْفِ) فِيمَا إذَا وَلِيَهَا مُفْرَدٌ سَوَاءٌ أُولِيَتْ مُوجَبًا أَمْ غَيْرَ مُوجَبٍ فَفِي الْمُوجَبِ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا تَنْقُلُ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ إلَى الْمَعْطُوفِ وَفِي غَيْرِ الْمُوجَبِ نَحْوُ مَا جَاءَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو وَلَا تَضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا تُقَرِّرُ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَجْعَلُ ضِدَّهُ لِلْمَعْطُوفِ (وَالْإِضْرَابِ) فِيمَا إذَا وَلِيَهَا جُمْلَةٌ (أَمَّا لِلْإِبْطَالِ) لِمَا وَلِيَتْهُ نَحْوُ {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} فَالْجَائِي بِالْحَقِّ لَا جُنُونَ بِهِ أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ) نَحْوُ {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} فَمَا قِيلَ بَلْ فِيهِ عَلَى حَالِهِ. (الْعَاشِرُ بَيْدَ) اسْمٌ مُلَازِمٌ لِلنَّصْبِ وَالْإِضَافَةِ إلَى أَنَّ وَصِلَتُهَا (بِمَعْنَى غَيْرَ) ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ يُقَالُ إنَّهُ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ (وَبِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ) ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ (وَعَلَيْهِ) حَدِيثُ {أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ} أَيْ الَّذِينَ هُمْ أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِهَا وَأَنَا أَفْصَحُهُمْ وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِعُسْرِهَا عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِ وَالْمَعْنَى أَنَا أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ أَوْرَدَهُ أَهْلُ الْغَرِيبِ وَقِيلَ أَنَّ بَيْدَ فِيهِ بِمَعْنَى غَيْرَ وَأَنَّهُ مِنْ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ. (الْحَادِيَ عَشَرَ ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ لِلتَّشْرِيكِ) فِي الْإِعْرَابِ وَالْحُكْمِ (وَالْمُهْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِلتَّرْتِيبِ خِلَافًا لِلْعَبَّادِيِّ) تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو إذَا تَرَاخَى مَجِيءُ عَمْرٍو عَنْ مَجِيءِ زَيْدٍ وَخَالَفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي إفَادَتِهَا التَّرْتِيبَ كَمَا خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي إفَادَتِهَا الْمُهْلَةَ قَالُوا لِمَجِيئِهَا لِغَيْرِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وَالْجَعْلُ قَبْلَ خَلْقِنَا وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
جَرَى فِي الْأَنَابِيبِ ثُمَّ اضْطَرَبَ = كَهَزِّ الرُّدَيْنِيِّ تَحْتَ الْعَجَاجِ
وَاضْطِرَابُ الرُّمْحِ يَعْقُبُ جَرْيَ الْهَزِّ فِي أَنَابِيبِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوَسَّعَ فِيهَا بِإِيقَاعِهَا مَوْقِعَ الْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَاءِ فِي الثَّانِي وَتَارَةً يُقَالُ إنَّهَا فِي الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْعَبَّادِيِّ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْهُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَقَفْت هَذِهِ الضَّيْعَةَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهُ لِلْجَمْعِ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيمَا لَوْ أَتَى بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ قَائِلِينَ أَنَّ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فِيهِ بِمَعْنَى مَا تَنَاسَلُوا أَيْ لِلتَّعْمِيمِ وَإِنْ قَالَ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ. (الثَّانِي عَشَرَ حَتَّى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ غَالِبًا) وَهِيَ حِينَئِذٍ إمَّا جَارَّةٌ لِاسْمٍ صَرِيحٍ نَحْوُ {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أَوْ مَصْدَرٍ مُؤَوَّلٍ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى} أَيْ إلَى رُجُوعِهِ وَإِمَّا عَاطِفَةٌ لِرَفِيعٍ أَوْ دَنِيءٍ نَحْوُ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْعُلَمَاءُ وَقَدِمَ الْحُجَّاجُ حَتَّى الْمُشَاةُ، وَإِمَّا ابْتِدَائِيَّةٌ بِأَنْ يُبْتَدَأَ بَعْدَهَا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ نَحْوُ:
فَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا = بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلَ
أَوْ فِعْلِيَّةٌ نَحْوُ مَرِضَ فُلَانٌ حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ (وَلِلتَّعْلِيلِ) نَحْوُ أَسْلِمْ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَأَيْ لِتَدْخُلَهَا (وَنَدَرَ لِلِاسْتِثْنَاءِ) نَحْوُ:
يْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً = حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلُ
أَيْ إلَى أَنْ تَجُودَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَجِيئَهَا لِلتَّعْلِيلِ لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا نَادِرٍ. (الثَّالِثَ عَشَرَ رُبَّ لِلتَّكْثِيرِ) نَحْوُ {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} فَإِنَّهُ يَكْثُرُ مِنْهُمْ تَمَنِّي ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا عَايَنُوا حَالَهُمْ وَحَالَ الْمُسْلِمِينَ (وَلِلتَّقْلِيلِ) كَقَوْلِهِ:
أَلَا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ = أَلَا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ
أَرَادَ عِيسَى وَآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ (وَلَا تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ دَائِمًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَذَا الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ وَآخَرُ أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ دَائِمًا وَقَرَّرَهُ فِي الْآيَةِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ تُدْهِشُهُمْ أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُفِيقُونَ حَتَّى يَتَمَنَّوْا مَا ذُكِرَ إلَّا فِي أَحْيَانٍ قَلِيلَةٍ وَعَلَى عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ قَالَ بَعْضُهُمْ التَّقْلِيلُ أَكْثَرُ وَابْنُ مَالِكٍ نَادِرٌ. (الرَّابِعَ عَشَرَ عَلَى الْأَصَحُّ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ) أَيْ بِقِلَّةٍ (اسْمًا بِمَعْنَى فَوْقَ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوُ غَدَوْت مِنْ عَلَى السَّطْحِ أَوْ مِنْ فَوْقِهِ (وَتَكُونُ) بِكَثْرَةٍ (حَرْفًا لِلِاسْتِعْلَاءِ) حِسًّا نَحْوُ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} أَوْ مَعْنًى نَحْوُ {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (وَالْمُصَاحَبَةِ) كَمَعَ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أَيْ مَعَ حُبِّهِ (وَالْمُجَاوَزَةِ) كَعَنْ نَحْوُ رَضِيت عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} أَيْ لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ (وَالظَّرْفِيَّةِ) كَفِي نَحْوُ {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} أَيْ وَقْتَ غَفْلَتِهِمْ (وَالِاسْتِدْرَاكِ) كَلَكِنَّ نَحْوُ فُلَانٌ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لِسُوءِ صَنِيعِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أَيْ لَكِنَّهُ (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ أَيْ يَمِينًا، وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ أَبَدًا لِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ حَرْفٌ أَبَدًا وَلَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ حَرْفِ جَرٍّ عَلَى آخَرَ (أَمَّا عَلَا يَعْلُو فَفِعْلٌ) وَمِنْهُ {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} فَقَدْ اسْتَكْمَلَتْ عَلَى فِي الْأَصَحِّ أَقْسَامَ الْكَلِمَةِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ الْفَاءُ الْعَاطِفَةُ لِلتَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَالذِّكْرِيِّ وَلِلتَّعْقِيبِ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ) تَقُولُ قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو إذَا عَقَبَ قِيَامُ عَمْرٍو قِيَامَ زَيْدٍ وَدَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ إذَا لَمْ تُقِمْ فِي الْبَصْرَةِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَ فُلَانٌ فَوُلِدَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالْوِلَادَةِ إلَّا مُدَّةُ الْحَمْلِ مَعَ لَحْظَةِ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَتِهِ وَالتَّعْقِيبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْنَوِيِّ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لِيَعْطِفَ عَلَيْهِ الذِّكْرِيَّ وَهُوَ فِي عَطْفٍ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ {إنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا} {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} (وَلِلسَّبَبِيَّةِ) وَيَلْزَمُهَا التَّعْقِيبُ نَحْوُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} وَاحْتَرَزَ بِالْعَاطِفَةِ عَنْ الرَّابِطَةِ لِلْجَوَابِ فَقَدْ تَتَرَاخَى عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ إنْ يُسْلِمْ فُلَانٌ فَهُوَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْ الشَّرْطِ نَحْوُ {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (السَّادِسَ عَشَرَ فِي لِلظَّرْفَيْنِ) الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ نَحْوُ {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (وَالْمُصَاحَبَةِ) كَمَعَ نَحْوُ {قَالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ} أَيْ مَعَهُمْ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} أَيْ لِأَجْلِ مَا (وَالِاسْتِعْلَاءِ) نَحْوُ {وَلِأَصْلُبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أَيْ عَلَيْهَا (وَالتَّوْكِيدِ) نَحْوُ {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} وَالْأَصْلُ ارْكَبُوهَا (وَالتَّعْوِيضِ) عَنْ أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ نَحْوُ زَهِدْت فِيمَا رَغِبْت وَالْأَصْلُ زَهِدْت مَا رَغِبْت فِيهِ (وَبِمَعْنَى الْبَاءِ) نَحْوُ {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنْ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أَيْ يُكْثِرُكُمْ بِسَبَبِ هَذَا الْجَعْلِ (وَإِلَى) نَحْوُ {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أَيْ إلَيْهَا لِيَعَضُّوا عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ (وَمِنْ) نَحْوُ هَذَا ذِرَاعٌ فِي الثَّوْبِ أَيْ مِنْهُ يَعْنِي فَلَا يُعَيِّنُهُ لِقِلَّتِهِ. (السَّابِعَ عَشَرَ كَيْ لِلتَّعْلِيلِ) فَيُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَهَا بِأَنْ مُضْمَرَةٍ نَحْوُ جِئْت كَيْ أَنْظُرَكَ أَيْ لِأَنْ (وَبِمَعْنَى أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ) بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهَا اللَّامُ نَحْوُ جِئْت لِكَيْ تُكْرِمَنِي أَيْ لِأَنْ. (الثَّامِنَ عَشَرَ كُلُّ اسْمٍ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ) الْمُضَافِ إلَيْهِ (الْمُنَكَّرِ) نَحْوُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (وَالْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ) نَحْوُ كُلُّ الْعَبِيدِ جَاءُوا وَكُلُّ الدَّرَاهِمِ صَرْفٌ وَمِنْهُ {إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (وَ) لِاسْتِغْرَاقِ (أَجْزَاءِ) الْمُضَافِ إلَيْهِ (الْمُفْرَدِ الْمُعَرَّفِ) نَحْوُ كُلُّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ حَسَنٌ أَيْ كُلُّ أَجْزَائِهِ. (التَّاسِعَ عَشَرَ اللَّامُ) (الْجَارَّةُ لِلتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تُبَيِّنَ لَهُمْ (وَالِاسْتِحْقَاقِ) نَحْوُ النَّارُ لِلْكَافِرِينَ (وَالِاخْتِصَاصِ) نَحْوُ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (وَالْمِلْكِ) نَحْوُ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.(وَالصَّيْرُورَةِ أَيْ الْعَاقِبَةِ) نَحْوُ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْتِقَاطِهِمْ لَا عِلَّتُهُ إذْ هِيَ التَّبَنِّي (وَالتَّمْلِيكِ) نَحْوُ وَهَبْت لِزَيْدٍ ثَوْبًا أَيْ مَلَّكْته إيَّاهُ (وَشَبَهِهِ) نَحْوُ {وَاَللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (وَتَوْكِيدِ النَّفْيِ) نَحْوُ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} {لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} فَهِيَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لِتَوْكِيدِ نَفْيِ الْخَبَرِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ الْمَنْصُوبِ فِيهِ الْمُضَارِعُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ (وَالتَّعْدِيَةِ) نَحْوُ مَا أَضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو وَيَصِيرُ ضَرَبَ بِقَصْدِ التَّعَجُّبِ بِهِ لَازِمًا يَتَعَدَّى إلَى مَا كَانَ فَاعِلَهُ بِالْهَمْزَةِ وَمَفْعُولَهُ بِاللَّامِ. (وَالتَّأْكِيدِ) نَحْوُ {إنَّ رَبَّك فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} الْأَصْلُ فَعَّالٌ مَا (وَبِمَعْنَى إلَى) نَحْوُ {فَسُقْنَاهُ إلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} أَيْ إلَيْهِ (وَعَلَى) نَحْوُ {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} أَيْ عَلَيْهَا. (وَفِي) نَحْوُ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَيْ فِيهِ (وَعِنْدَ) نَحْوُ " بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لِمَا جَاءَهُمْ " بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فِي قِرَاءَةِ الْجَحْدَرِيِّ أَيْ عِنْدَ مَجِيئِهِ إيَّاهُمْ (وَبَعْدَ) نَحْوُ {أَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أَيْ بَعْدَهُ (وَمِنْ) نَحْوُ سَمِعَتْ لَهُ صُرَاخًا أَيْ مِنْهُ (وَعَنْ) نَحْوُ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إلَيْهِ} أَيْ عَنْهُمْ وَفِي حَقِّهِمْ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ لِتَبْلِيغٍ لَقِيلَ مَا سَبَقْتُمُونَا وَضَمِيرُ كَانَ وَإِلَيْهِ لِلْإِيمَانِ أَمَّا اللَّامُ غَيْرُ الْجَارَّةِ فَالْجَازِمَةُ نَحْوُ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} وَغَيْرُ الْعَامِلَةِ كَلَامِ الِابْتِدَاءِ نَحْوُ {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً} (الْعِشْرُونَ لَوْلَا حَرْفٌ مَعْنَاهُ فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ امْتِنَاعُ جَوَابِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ) نَحْوُ لَوْلَا زَيْدٌ أَيْ مَوْجُودٌ لَأَهَنْتُك امْتَنَعَتْ الْإِهَانَةُ لِوُجُودِ زَيْدٍ فَزَيْدٌ الشَّرْطُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ لُزُومًا. (وَفِي الْمُضَارِعِيَّةِ التَّحْضِيضُ) أَيْ الطَّلَبُ الْحَثِيثُ نَحْوُ {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} أَيْ اسْتَغْفِرُوهُ وَلَا بُدَّ (وَالْمَاضِيَةِ التَّوْبِيخُ) نَحْوُ {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} وَبَّخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَدَمِ الْمَجِيءِ بِالشُّهَدَاءِ بِمَا قَالُوهُ مِنْ الْإِفْكِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحَلُّ التَّوْبِيخِ. (وَقِيلَ تَرِدُ لِلنَّفْيِ) كَآيَةِ {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} أَيْ فَمَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ أَيْ أَهْلُهَا عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا إلَّا قَوْمَ يُونُسَ وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا هِيَ فِي الْآيَةِ لِلتَّوْبِيخِ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَذَابِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ فَلَوْلَا آمَنَتْ قَرْيَةٌ قَبْلَ مَجِيئِهِ فَنَفَعَهَا إيمَانُهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُنْقَطِعٌ فَإِلَّا فِيهِ بِمَعْنَى لَكِنْ (الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ لِلْمَاضِي) نَحْوُ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ (وَيَقِلُّ لِلْمُسْتَقْبَلِ) نَحْوُ أَكْرِمْ زَيْدًا وَلَوْ أَسَاءَ أَيْ وَإِنْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْكَثِيرُ (قَالَ سِيبَوَيْهِ) هُوَ (حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ) فَقَوْلُهُ سَيَقَعُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِانْتِفَاءِ مَا كَانَ يَقَعُ (وَقَالَ غَيْرُهُ) وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ (حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ) أَيْ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ السَّابِقُ ظَاهِرٌ أَيْضًا فَإِنَّ انْتِفَاءَ مَا كَانَ يَقَعُ وَهُوَ الْجَوَابُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ وَهُوَ الشَّرْطُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي أَمْثِلَةٍ مِنْ بَقَاءِ الْجَوَابِ فِيهَا عَلَى حَالِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَقَالَ الشَّلَوْبِينُ) هُوَ (لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ) لِلْجَوَابِ بِالشَّرْطِ كَانَ وَاسْتِفَادَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ انْتِفَائِهِمَا أَوْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ مِنْ خَارِجٍ (وَالصَّحِيحُ) فِي مُفَادِهِ نَظَرًا إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِسْمَيْنِ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (امْتِنَاعُ مَا يَلِيهِ) مُثْبَتًا كَانَ أَوْ مَنْفِيًّا (وَاسْتِلْزَامُهُ) أَيْ مَا يَلِيهِ (لِتَالِيهِ) مُثْبَتًا كَانَ أَوْ مَنْفِيًّا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ (ثُمَّ يَنْتَفِي التَّالِي) أَيْضًا (إنْ نَاسَبَ) الْمُقَدِّمَ بِأَنْ لَزِمَهُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا (وَلَمْ يَخْلُفْ الْمُقَدِّمُ غَيْرَهُ كَ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ}) أَيْ غَيْرُهُ ({لَفَسَدَتَا}) أَيْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَفَسَادُهُمَا خُرُوجُهُمَا عَنْ نِظَامِهِمَا الْمُشَاهَدِ مُنَاسِبٌ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ لِلُزُومِهِ لَهُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْحَاكِمِ مِنْ التَّمَانُعِ فِي الشَّيْءِ وَعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُخْلِفْ التَّعَدُّدُ فِي تَرْتِيبِ الْفَسَادِ غَيْرَهُ فَيَنْتَفِي الْفَسَادُ بِانْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ الْمُفَادِ بِلَوْ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْآيَةِ الْعَكْسَ أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ (لَا إنْ خَلَفَهُ) أَيْ خَلْفَ الْمُقَدِّمُ غَيْرَهُ أَيْ كَانَ لَهُ خُلْفٌ فِي تَرَتُّبِ التَّالِي عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ انْتِفَاءُ التَّالِي (كَقَوْلِك) فِي شَيْءٍ (لَوْ كَانَ إنْسَانًا لَكَانَ حَيَوَانًا) فَالْحَيَوَانُ مُنَاسِبٌ لِلْإِنْسَانِ لِلُزُومِهِ عَقْلًا لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ وَيَخْلُفُ الْإِنْسَانُ فِي تَرَتُّبِ الْحَيَوَانِ غَيْرَهُ كَالْحِمَارِ فَلَا يَلْزَمُ بِانْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ عَنْ شَيْءٍ الْمُفَادِ بِلَوْ انْتِفَاءُ الْحَيَوَانِ عَنْهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حِمَارًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَجَرًا أَمَّا أَمْثِلَةُ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ فَنَحْوُ لَوْ لَمْ تَجِئْنِي مَا أَكْرَمْتُك لَوْ جِئْتَنِي مَا أَهَنْتُكَ لَوْ لَمْ تَجِئْنِي أَهَنْتُك (وَيَثْبُتُ) التَّالِي بِقِسْمَيْهِ عَلَى حَالِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمُقَدِّمِ بِقِسْمَيْهِ (إنْ لَمْ يُنَافِ) انْتِفَاءَ الْمُقَدِّمِ (وَنَاسَبَ) انْتِفَاءَهُ أَمَّا (بِالْأَوْلَى كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَوِّلْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ} رَتَّبَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ وَهُوَ بِالْخَوْفِ الْمُفَادِ بِلَوْ أَنْسَبُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى مُطْلَقًا أَيْ لَا مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا مَعَ انْتِفَائِهِ إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ يَعْصِيَهُ. وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهَذَا الْأَثَرُ أَوْ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ. (أَوْ الْمُسَاوَاةُ كَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَةً لَمَا حَلَّتْ لِلرَّضَاعِ) الْمَأْخُوذُ مِنْ {قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُرَّةَ - بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ - بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنِ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا كَمُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ لِمُسَاوَاةِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرُمَتْ لَهُ كَوْنُهَا رَبِيبَةً وَكَوْنُهَا ابْنَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالنِّسَاءُ حَيْثُ تَحَدَّثْنَ لَمَّا قَامَ عِنْدَهُنَّ بِإِرَادَتِهِ نِكَاحَهَا جَوَّزْنَ أَنْ يَكُونَ حِلُّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ فِي حِجْرِي عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ فِي اسْمِهَا مِنْ أَنَّهُ دُرَّةُ وَبَيْنَ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْهَا {كَانَ اسْمِي بَرَّةَ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ وَقَالَ لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ بِأَنَّ لَهَا اسْمَيْنِ قَبْلَ التَّغْيِيرِ} (أَوْ الْأَدْوَنِ كَقَوْلِك) فِيمَنْ عُرِضَ عَلَيْك نِكَاحُهَا (لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ) بَيْنِي وَبَيْنَهَا (لَمَا حَلَّتْ) لِي (لِلرَّضَاعِ) بَيْنِي وَبَيْنَهَا بِالْأُخُوَّةِ وَهَذَا الْمِثَالُ لِلْأُولَى انْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ سَهْوًا وَصَوَابُهُ لِيَكُونَ لِلْأَدْوَنِ لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ الرَّضَاعِ لَمَا حَلَّتْ لِلنَّسَبِ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُبَيَّنِ بِأُخُوَّتِهَا مِنْ النَّسَبِ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِهِ عَلَى أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُفَادِ بِلَوْ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا لَكِنْ دُونَ مُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ أَدْوَنُ مِنْ حُرْمَةِ النَّسَبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَرُمَتْ لَهُ أُخُوَّتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَأُخُوَّتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَإِنَّمَا قَالَ كَقَوْلِك كَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ لَمْ يَجِدْ نَحْوَهُ فِيمَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ أُسْلُوبِهِ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ الْمُسَاوَاةِ الْمُسَاوِي لَكَانَ أَنْسَبَ بِقِسْمَيْهِ وَلَوْ أَسْقَطَ لَامَ لَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَوَافَقَ الِاسْتِعْمَالَ الْكَثِيرَ مَعَ الِاخْتِصَارِ. وَقَدْ تَجَرَّدَتْ لَوْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْثِلَةِ عَنْ الزَّمَانِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهَا، أَمَّا أَمْثِلَةُ بَقِيَّةِ أَقْسَامِ هَذَا الْقِسْمِ فَنَحْوُ لَوْ أَهَنْت زَيْدًا لَأَثْنَى عَلَيْك أَيْ فَيُثْنِي مَعَ عَدَمِ الْإِهَانَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ تَرَكَ الْعَبْدُ سُؤَالَ رَبِّهِ لَأَعْطَاهُ أَيْ فَيُعْطِيهِ مَعَ السُّؤَالِ مِنْ بَابِ أَوْلَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} إلَى {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} أَيْ فَمَا تَنْفُذُ مَعَ انْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَتَرِدُ) لَوْ (لِلتَّمَنِّي وَالْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ) فَيُنْصَبُ الْمُضَارِعُ بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا لِذَلِكَ بِأَنْ مُضْمِرَةٍ نَحْوُ لَوْ تَأْتِينِي فَتُحَدِّثَنِي، لَوْ تَنْزِلُ عِنْدِي فَتُصِيبَ خَيْرًا، لَوْ تَأْمُرُ فَتُطَاعَ، وَمِنْ الْأَوَّلِ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ لَيْتَ لَنَا وَتَشْتَرِكُ الثَّلَاثَةُ فِي الطَّلَبِ وَهُوَ فِي التَّحْضِيضِ بِحَثٍّ. وَفِي الْعَرْضِ بِلِينٍ وَفِي التَّمَنِّي لِمَا لَا طَمَعَ فِي وُقُوعِهِ (وَالتَّقْلِيلِ نَحْوُ) حَدِيثِ {تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ} كَذَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ {رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ} وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ بِظِلْفٍ وَالْمُرَادُ الرَّدُّ بِالْإِعْطَاءِ وَالْمَعْنَى تَصَدَّقُوا بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ كَبِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ وَلَوْ بَلَغَ فِي الْقِلَّةِ الظِّلْفَ مَثَلًا فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْعَدَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ وَالْخُفِّ لِلْجَمَلِ وَقُيِّدَ بِالْإِحْرَاقِ أَيْ الشَّيْء كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النِّيء قَدْ لَا يُؤْخَذُ وَقَدْ يَرْمِيهِ آخِذُهُ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ الْمَشْوِيِّ. (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ لَنْ حَرْفُ نَفْيٍ وَنَصْبٍ وَاسْتِقْبَالٍ) لِلْمُضَارِعِ (وَلَا تُفِيدُ تَوْكِيدَ النَّفْيِ وَلَا تَأْبِيدَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ) أَيْ زَعَمَ إفَادَتَهَا مَا ذُكِرَ كَالزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ كَالْكَشَّافِ هِيَ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَفِي الْأُنْمُوذَجِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِهِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْبِيدُ نِهَايَةُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ النَّفْيَ قَالَ فِي الْكَشَّافِ مُفَرِّقًا فَقَوْلُك لَنْ أُقِيمَ مُؤَكَّدٌ بِخِلَافِ لَا أُقِيمُ كَمَا فِي إنِّي مُقِيمٌ وَأَنَا مُقِيمٌ وَقَوْلُهُ فِي شَيْءٍ لَنْ أَفْعَلَهُ مُؤَكَّدٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْبِيدِ كَقَوْلِك لَا أَفْعَلُهُ أَبَدًا وَالْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ يُنَافِي حَالِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} أَيْ خَلْقُهُ مِنْ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِيلٌ مُنَافٍ لِأَحْوَالِهِمْ ا ه. وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ زَعَمَهُ تَضْعِيفٌ لَهُ لِمَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَاسْتِفَادَةُ التَّأْبِيدِ فِي آيَةِ الذُّبَابِ وَغَيْرِهَا {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} مِنْ خَارِجٍ كَمَا فِي {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} وَكَوْنُ أَبَدًا فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا قِيلَ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَقَدْ نُقِلَ التَّأْبِيدُ عَنْ غَيْرِ الزَّمَخْشَرِيِّ وَوَافَقَهُ فِي التَّأْكِيدِ كَثِيرٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ مَنْعَهُ مُكَابَرَةٌ وَلَا تَأْبِيدَ قَطْعًا فِيمَا إذَا قُيِّدَ النَّفْيُ نَحْوُ {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} (وَتَرِدُ لِلدُّعَاءِ وِفَاقًا لِابْنِ عُصْفُورٍ) كَقَوْلِهِ:
((لنْ تَزَالُوا كَذَلِكُمْ ثُمَّ لَا زِلْ = تُ لَكُمْ خَالِدًا خُلُودَ الْجِبَالِ))
وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ وَقَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي الْبَيْتِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَفِيهِ بُعْدٌ. (الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ مَا تَرِدُ اسْمِيَّةً وَحَرْفِيَّةً) فَالِاسْمِيَّةُ تَرِدُ (مَوْصُولَةً) نَحْوُ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدْ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} أَيْ الَّذِي (وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً) نَحْوُ مَرَرْت بِمَا مُعْجَبٍ لَك أَيْ بِشَيْءٍ (وَلِلتَّعَجُّبِ) نَحْوُ مَا أَحْسَنَ زَيْدًا فَمَا نَكِرَةٌ تَامَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهَا خَبَرُهُ (واستفهامية) نَحْوُ {فَمَا خَطْبُكُمْ} أَيْ شَأْنُكُمْ (وَشَرْطِيَّةً زَمَانِيَّةً) نَحْوُ {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} أَيْ اسْتَقِيمُوا لَهُمْ مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ لَكُمْ (وَغَيْرَ زَمَانِيَّةٍ) نَحْوُ {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (وَ) الْحَرْفِيَّةُ تَرِدُ (مَصْدَرِيَّةً كَذَلِكَ) أَيْ زَمَانِيَّةً نَحْوُ {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ وَغَيْرَ زَمَانِيَّةٍ نَحْوُ {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ} أَيْ بِنِسْيَانِكُمْ (وَنَافِيَةً) عَامِلَةً نَحْوُ {مَا هَذَا بَشَرًا} وَغَيْرَ عَامِلَةٍ نَحْوُ {وَمَا تُنْفِقُونَ إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} (وَزَائِدَةً كَافَّةً) عَنْ عَمَلِ الرَّفْعِ نَحْوُ قَلَّمَا يَدُومُ الْوِصَالُ أَوْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ نَحْوُ {إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ} أَوْ الْجَرِّ نَحْوُ رُبَّمَا دَامَ الْوِصَالُ (وَغَيْرَ كَافَّةٍ) عِوَضًا نَحْوُ افْعَلْ هَذَا إمَّا لَا أَيْ إنْ كُنْت لَا تَفْعَلُ غَيْرَهُ فَمَا عِوَضٌ عَنْ كُنْت أُدْغِمَ فِيهَا النُّونُ لِلتَّقَارُبِ وَحُذِفَ الْمَنْفِيُّ لِلْعِلْمِ بِهِ وَغَيْرَهُ عِوَضٌ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْت لَهُمْ} وَالْأَصْلُ فَبِرَحْمَةٍ. (الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ) فِي الْمَكَانِ نَحْوُ {مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَالزَّمَانِ نَحْوُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَحْوُ {إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} (غَالِبًا) أَيْ وُرُودُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى أَكْثَرُ مِنْ وُرُودِهَا لِغَيْرِهِ (وَلِلتَّبْعِيضِ) نَحْوُ {حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} أَيْبَعْضَهُ (وَالتَّبْيِينِ) نَحْوُ {مَا نَنْسَخْ مِنْ أَيَّةٍ} {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ} أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ (وَالتَّعْلِيلِ) نَحْوُ {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ} أَيْ لِأَجْلِهَا وَالصَّاعِقَةُ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ (وَالْبَدَلِ) نَحْوُ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ أَيْ بَدَلَهَا (وَالْغَايَةِ) كَإِلَى نَحْوُ قَرُبْت مِنْهُ أَيْ إلَيْهِ (وَتَنْصِيصِ الْعُمُومِ) نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ رَجُلٍ فَهُوَ بِدُونِ مِنْ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِ الْوَاحِدِ فَقَطْ (وَالْفَصْلُ) بِالْمُهْمَلَةِ بِأَنْ تَدْخُلَ عَلَى ثَانِي الْمُتَضَادَّيْنِ نَحْوُ {وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ}، {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ} (وَمُرَادِفُهُ الْبَاءُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لِمَعْنَاهَا نَحْوُ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ أَيْ بِهِ. (وَعَنْ) نَحْوُ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أَيْ عَنْهُ (وَفِي) نَحْوُ {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أَيْ فِيهِ (وَعِنْدَ) نَحْوُ {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا} أَيْ عِنْدَهُ (وَعَلَى) نَحْوُ وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ أَيْ عَلَيْهِمْ. (الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (شَرْطِيَّةٌ) نَحْوُ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (واستفهامية) نَحْوُ {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} (وَمَوْصُولَةٌ) نَحْوُ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}. (وَنَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ) نَحْوُ مَرَرْت بِمَنْ مُعْجَبٌ لَك أَيْ بِإِنْسَانٍ (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ) الْفَارِسِيُّ (وَنَكِرَةٌ تَامَّةٌ) كَقَوْلِهِ: "وَنِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٍّ وَإِعْلَانِ" فَفَاعِلُ نِعْمَ مُسْتَتِرٌ وَمَنْ تَمْيِيزٌ بِمَعْنَى رَجُلًا وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْمَدْحِ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ مِنْ قَوْلِهِ:
وَكَيْفَ أَرْهَبُ أَمْرًا أَوْ أُرَاعُ لَهُ = وَقَدْ زَكَأْتُ إلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ
نِعْمَ مَزْكَأً مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ وَنِعْمَ مَنْ إلَخْ وَفِي سِرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِنِعْمَ، وَغَيْرُ أَبِي عَلِيٍّ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ وَقَالَ مَنْ مَوْصُولَةٌ فَاعِلُ نِعْمَ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ رَاجِعٌ إلَيْهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ هُوَ مَحْذُوفٌ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي سِرٍّ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ كَمَا سَيَظْهَرُ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَنْ وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى بِشْرٍ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ نِعْمَ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِشْرٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ. (السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ هَلْ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ الْإِيجَابِيِّ لَا لِلتَّصَوُّرِ وَلَا لِلتَّصْدِيقِالسَّلْبِيِّ) التَّقْيِيدُ بِالْإِيجَابِيِّ وَنَفْيُ السَّلْبِيِّ عَلَى مِنْوَالِهِ أَخْذًا مِنْ ابْنِ هِشَامٍ فَهُوَ يَرَى أَنَّ هَلْ لَا تَدْخُلُ عَلَى مَنْفِيٍّ فَهِيَ لِطَلَبِ التَّصْدِيقِ أَيْ الْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ أَوْ الِانْتِفَاءِ كَمَا قَالَهُ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِي جَوَابِ هَلْ قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا نَعَمْ أَوْ لَا وَتُشْرِكُهَا فِي هَذَا الْهَمْزَةُ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِطَلَبِ التَّصَوُّرِ نَحْوُ أَزَيْدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو أَوْ فِي الدَّارِ زَيْدٌ أَمْ فِي الْمَسْجِدِ فَتُجَابُ بِمُعَيَّنٍ مِمَّا ذُكِرَ وَبِالدُّخُولِ عَلَى مَنْفِيٍّ فَتَخْرُجُ عَنْ الِاسْتِفْهَامِ إلَى التَّقْرِيرِ أَيْ حَمْلِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ نَحْوُ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَك صَدْرَك} فَيُجَابُ بِبَلَى كَمَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ {بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُك عَمَّا تَرَى قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك}. وَقَدْ تَبْقَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِك لِمَنْ قَالَ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا أَلَمْ تَفْعَلْهُ أَيْ أَحَقٌّ انْتِفَاءُ فِعْلِك لَهُ فَتُجَابُ بِنَعَمْ أَوْ لَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ: " أَلَا اصْطِبَارٌ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ إذَا أُلَاقِي الَّذِي لَاقَاهُ أَمْثَالِي " فَتُجَابُ بِمُعَيَّنٍ مِنْهُمَا. (السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ الْوَاوُ) مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ (لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ) بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ بِمَعِيَّةٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ تَقَدُّمٍ نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو إذَا جَاءَ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ فَتُجْعَلُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَمْعِ حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَمْعٌ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقِيٌّ (وَقِيلَ) هِيَ (لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ التَّأَخُّرِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ فَهِيَ فِي غَيْرِ مَجَازٍ (وَقِيلَ لِلْمَعِيَّةِ) لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَعِيَّةُ فَهِيَ فِي غَيْرِهَا مَجَازٌ فَإِذَا قِيلَ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْمَعِيَّةِ وَالتَّأَخُّرِ، وَالتَّقَدُّمُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَالتَّأَخُّرُ عَلَى الثَّانِي وَفِي الْمَعِيَّةِ عَلَى الثَّالِثِ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ قَالَ لِإِيهَامِهِ تَقْيِيدَ الْجَمْعِ بِالْإِطْلَاقِ وَالْغَرَضُ نَفْيُ التَّقْيِيدِ.


  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: الحروفُ.
ش: المرادُ بالحروفِ التي يُحْتَاجُ إلى معرفتِها الفَقَيهُ، وليسَ المرادُ هنا ما هو قَسَيمُ الاسمِ والفِعْلِ، بل أسماءُ وظروفٌ وحروفٌ يَكْثُرُ تداولُها، فأُطْلِقَ الحَرْفُ على ذلك؛ لأنَّها أجزاءُ الكلامِ، من بابِ إطلاقِ الجزءِ وإرادةِ الكلِّ، هذا مُصْطَلَحُ الأصولِيِّينَ والفقهاءِ، فجَرَى المُصَنِّفُ عليه وليسَتْ الكلماتُ التي سَرَدَها كلَّها حروفاً، ولهذا عَدَا إمامُ الحرمَيْنِ في (البُرْهانِ) (مَا) في الحروفِ معَ تصريحِه بأنَّها اسمٌ، وكذلك فَعَلَ القاضِي الحُسَيْنِ في مسألةٍ: أي: عَبْدِي ضَرَبَكَ، قلتُ: بل عَبَّرَ بذلك سِيبَوَيْه إمامُ الصناعةِ.
قالَ الصَّفَّارُ في (شَرْحِ سِيبَوَيْه) يُطْلِقُه سيبويه على الاسمِ والفعلِ بدليلِ قولِه: ولم يَسَكِّنُوا آخَرَ الحرفِ، يعني: فِعْلٌ؛ لأنَّ فيه بعضُ ما في المُضارَعَةِ، أَرَادَ بالحرفِ الفِعْلَ المَاضِي، وقالَ في قَوْلِهِ تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقِهِمْ}. فمَا لم يَمْنَعِ الباءَ من العمَلِ في الحرفِ نَقْصاً وهو اسمٌ. انتهى.
ص: أحدُها: إذن، قالَ سِيبَوَيْه: للجوابِ والجزاءِ، قالَ الشَّلَوْبِينَ: دائماً، وقالَ الفارسيُّ: غالباً.
ش: إذن: مَعنَاها: الجوابُ والجزاءُ، فإذا قالَ: أنا صَدِيقُكَ، فقلتَ: إذن أُكْرِمَكَ، فقد أَجَبْتَه وصَيَّرْتَ إِكْرَامَك إيَّاهُ جزاءً على قَصْدِه.
قالَ الزجاجُ: تأويلُها: إنْ كانَ الأمْرُ كما ذَكَرْتَ فأنَا أُكْرِمُكَ، فأَغْنَتْ إذنْ عن ذِكْرِ الشَّرْطِ في الجوابِ كما أَغْنَتْ نَعَمْ عن ذِكْرِ المسؤولِ عنه في الجوابِ، فهي كذلك تُفِيدُ معنيَيْنِ:
أحدُهما: جوابُ كلامِه.
والثاني: جزاءُ فِعْلِه.
واعْلَمْ أنَّ مُجِيبَها لهما هو نصُّ سِيبَوَيْه، واخْتُلِفَ فيه، فحَمَلَه قومٌ منهم الشَّلَوْبِينَ على ظاهرِه، وقالَ: إنَّها لهُما في كلِّ مَوْضِعٍ. وتَكَلَّفَ تَخْرِيجَ ما خَفِيَ فيه ذلك، وذَهَبَ الفارسيُّ إلى أنَّها قد تَرِدُ لهُما وهو الأكثرُ، وقد تَتَمَحَّضُ للجوابِ وَحَدَه، نحوَ قولِك: أُحِبُّكَ. فتقولُ: إذنْ أَظُنَّكَ صَادِقاً. فلا يُتَصَوَّرُ هنا الجزاءُ، وحُمِلَ كلامُ سَيبَوَيْه على ذلك كما قالَ في (نَعَمْ): إنَّها عُدَّةٌ= وتصديقٌ باعتبارِ حالَيْنِ.
وقالَ بعضُ المُتَأَخِّرِينَ: (إذن) وإنْ دَلَّتْ على أنَّ ما بعدَها مُتَسَبِّبٌ عمَّا قَبْلَها ـ على وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُما: أنْ تَدُلَّ على إنشاءِ الارتباطِ والشَّرْطِ بحيثُ لا يُفْهَمُ الارتباطُ من غيرِها في ثاني الحالِ، فإذا قلتَ: أَزُورُك. فقلتَ: إذنْ أَزُورَكَ. فإنْ أَرَدْتَ أنْ تَجْعَلَ فِعْلَه شَرْطاً لفِعْلٍ، وإنشاءُ السبَبِيَّةِ في ثاني حالٍ من ضرورتِه إنَّها تكونُ في الجوابِ وبالفِعْلِيَّةِ في زمانٍ مُسْتَقْبَلٍ.
والثاني: أنْ تكونَ مُؤَكِّدَةُ جوابٍ ارْتَبَطَ بمُتَقَدِّمٍ، أو مُنَبِّهَةٍ على سببٍ حَصَلَ في الحالِ، نحوَ: إنْ آتَيْتَنِي إذنْ آتِكَ، وواللهِ إذنْ أفَعْلَ، وإذنْ أُظُنَّكَ صادقاً، تقولُه لمَنْ حَدَّثَكَ، فلو حَذَفْتَ (إذنْ) فُهِمَ الرَّبْطُ، وإذا كانَ بهذا المعنَى ففي دُخُولِها على الجُمْلَةِ الصريحةِ، نحوَ: إنْ يَقُمْ زيدٌ إذنْ عمرٌو قائمٌ، نظرٌ، والظاهرُ الجوازُ.
ص: الثاني: إنَّ للشروطِ والنَّفْيِ والزيادَةِ.
ش: مَجِيئَها للشرْطِ هو الغالبُ: وهي أمُّ أدواتُ الشرْطِ، ومجيئَها للنَّفْيِ بمعنَى (مَا) نحوَ: إنْ زيدٌ قائماً، وهي تارةٌ تكونُ معه عاملَةٌ، تَرْفَعُ الاسمُ وتَنْصِبُ الخَبَرَ عندَ الكُوفِيِّينَ، كقراءَةِ سعيدِ بنَ جُبَيْرٍ: (إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَاداً أَمْثَالُكُمْ). وتارةً تكونُ غيرُ عاملَةٍ، وهو كثيرٌ كقولِه تعالى: {إِنِ الكَافِرُونَ إلاَّ فِي غُرُورٍ}، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حَافِظٌ} وادَّعَى بَعْضُهم أنَّها لا تَجِيءُ نافِيَةٌ إلاَّ بعدَها (إلاَّ) أو (لمَّا) المُشَدَّدَةُ التي بمعنَى (إلاَّ) ويَرُدُّه قولُه تعالى: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا}، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ}.
ومَجِيئِها للزيادَةِ أَكْثَرُه بعدَ (مَا) النافيةِ لتَوْكيدِ النَّفْيِ نحوَ: ما إنْ زيدٌ قائمٌ، وزَعَمَ ابنُ الحَاجِبِ: أنَّها تُزادُ بعدَ (لمَّا) الإيجابِيَّةِ، وغَلَطَ فيه، وإنَّما تلك المَفْتُوحَةِ.
تنبيهٌ: لم يَذْكُرْ (إنَّ) المُشَدَّدَةَ ومَجِيئِهَا للتعليلِ، وذَكَرَه في بابِ القياسِ في مَسَالِكِ العِلَّةِ، وكأنَّه اسْتَغْنَى عنه كذلك، وقد أنْكَرَهُ ابنُ الأنْبَارِيِّ في مَسائِلِ سُئِلَ عنها في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّهَا مِنَ الطَّوَافِينَ عَلَيْكُمْ)) فقالَ: لم تَأْتِ للتَّعْلِيلِ بالإجماعِ، وإنَّما هي للتأْكِيدِ، وبمعنَى نَعَم لا غيرُ، والتعليلُ إنَّما اسْتُفِيدَ من الطوافِ لا من إنَّ.
ص: الثالثُ: أو للشَّكِّ والإبْهامِ والتخْييرِ ومُطْلَقُ الجَمْعُ والتَّقْسِيمُ وبمعنَى إلِى والإضْرابُ كـ (بَلْ) قالَ الحَرِيرِيُّ: والتقريبُ نحوَ: ما أَدْرِي أَسَلَّمَ أو وَدَّعَ.
ش: مثالُ الشَّكِّ: قامَ زيدٌ أو عَمْرٌو، وإذا لم تَعْلَمْ أيُّهما قَامَ، ومنه: {لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} والفرقُ بينها وبينَ إمَّا، إذا اسْتُعْمِلَتْ للشَّكِّ، أنَّ الكلامَ معَ إمَّا لا يكونُ إلاَّ مبنيًّا على الشَّكِّ، و (أو) بخلافِه، وقد يُبْنَى الكلامُ أولاً على الشَّكِّ فتكونُ كإمَّا، وقد يُبْنَي المُتَكَلِّمُ كلامُه أولاً على اليقينِ ثمَّ يُدْرِكُه الشَّكُّ.
ومثالُ الإبْهامِ: قَامَ زَيدٌ أو عَمْرٌو، إذا كُنْتَ تَعْلَمُ القائمَ منهما، إلاَّ أنَّك قَصَدْتَ الإيهامَ على المُخاطَبِ، ومنه قولُه تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} والفرْقُ بينَهُما: أنَّ الشَّكَّ من جِهَةِ المُتَكَلِّمِ والإبْهامِ من جِهَةِ السامِعِ، وجَوَّزَ القِرَافِي في الإبِهامِ قراءَتَه بالمُوَحَدَّةِ والمُثَنَّاةِ؛ لأنَّ المقصودَ التلْبِيسُ على السامِعِ، ومثالُ التخْييرِ وهي الواقعةُ بعدَ الطَّلَبِ، وقيلَ: ما يُمْنَعُ فيه الجَمْعُ نحوَ: تَزَوَّجْ هنداً أو أُخْتَها، وخُذْ من مالِي دِرْهَماً أو دِيناراً.
واسْتُشْكِلَ على التفسيرِ الثاني تَمْثِيلُ الأَئِمَّةِ بآيَتِي الكفَّارَةِ والفِدْيَةِ، للتَّخْييرِ معَ إمْكانِ الجَمْعِ، وأَجَابَ صاحبُ (البسيطِ) من النحْويينَ بأنَّه إنَّما يَمْتَنِعُ الجَمْعُ بينَهما في المحظورِ؛ لأنَّ أحدَهما يَنْصَرِفُ إليه الأمَرُ، والآخَرُ يَبْقَى محظوراً لا يَجُوزُ له فِعْلُه، ولا يَمْتَنِعُ في خِصالِ الكفَّارَةِ؛ لأنَّه يأتِي بمَا عدا الواجبُ مُتَبَرِّعاً ولا مَنَعَ من التبَرُّعِ، ولم يَذْكُرْ المُصَنِّفُ الإبَاحَةَ، ومنهم مَن غَايَرَ بينَهما وبينَ التخييرِ، ومثلُ الإبَاحَةِ بما يَجُوزُ الجَمْعُ بينَهما نحوَ: أَصْحَبَ العلماءُ أو الزهادُ، والتخييرُ بما يُمْنَعُ الجمعُ نحو: خُذْ الثوْبَ أو الدينارَ، والظاهرُ أنَّهما قِسْمٌ واحدٌ؛ لأنَّ حقيقةَ الإباحةِ هي التخييرُ،وإنَّما امتنع الجمع في الثوب أو الدينار للقرينة العرفية لا من مدلول اللفظ، كما أن الجمع بينَ صحبة العلماء والزهاد وصف كمال لا نقص فيه، والفرق بينَ الإباحةِ والتخييرِ، وبقيةُ معانِي (أَوْ) أنَّ الإباحةَ والتخييرِ في الطَلَبِ والشَّكِّ والإيهامِ والتنْويعِ في الخَبَرِ، فإنْ جَاءَتْ (أو) بعدَ النهْيِ وَجَبَ اجْتِنابُهُما معاً كقولِه تعالى: {وَلاَ تُطِعْ فيهِم آثِماً أَوْ كَفُوراً}؛ أي: لا تُطِعْ أحدُهما، فلو جَمَعَ بينَهما لفِعْلِ المَنْهِيِ عنه مَرْتَيْنِ، وفي (الارْتِشافِ) إذا نَهَيْتَ عن المُبَاحِ اسْتَوْعَبْتَ ما كانَ مُباحاً، باتفاقِ النُّحَاةِ، منه، ولا تُطِعْ منهم آثماً أو كَفُوراً، وإذا نَهَيْتَ عن المُخَيَّرِ فيه، فذَهَبَ السِّيرَافِيُّ إلى أنَّه يَسْتَوْعِبُ الجميعَ، وذَهَبَ ابن كَيْسَانَ إلى جوازِ أنْ يكونَ النَّهْيُ عن واحدٍ وأنْ يكونَ عن الجميعِ. انتهى.
ومثال: مُطْلَقُ الجمْعِ كالواوِ، قولُه تعالَى: {أَوْ يَزِيدُونَ} وهذا قولٌ كُوفِيٌّ.
ومثالُ التقسيمِ: الكَلِمَةُ اسمٌ أو فِعْلٌ أو حرفٌ، وأَبْدَلَ ابنُ مالِكٍ التقسيمُ بالتفريقِ المُجَرَّدِ، يعني من المعانِي السابِقَةِ، ومثلُه بقولِه تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}. قالَ: والتعبيرُ عنه بالتفريقِ أوْلَى من التقسيمِ؛ لأنَّ استعمالَ الواوِ فيما هو تَقْسيمٌ أَجْوَدٌ من اسْتِعِمَالِ (أو)، ونُوَزِّعُ في ذلك بأنَّ مَجِيءَ الواوِ في التقْسيمِ أكْثَرُ، لا يَقْتَضِي أنَّ (أو) لا يَأْتِي له، بل يَقْتَضِي ثُبُوتُ ذلك غيرَ أكثرَ.
ومثالُ (إلى): لأَلْزَمَنَّكَ أو تَقْضِي حَقِّي، وجَعَلَ منه بعضُهم قولِه تعالى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةٌ} إذا قُدِّرَ تَفْرِضُوا مَنْصُوباً بأنْ مُضْمَرَةً، ويَكونُ غايةٌ لنَفْي الجناح=.
ومثالُ الإضرابِ قولُه تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ}. قالَ الفَرَّاءُ هنا: (أو) بمعنَى بل، وقد تَجِيءُ للإضرابِ مُطْلَقاً، وعن سِيبَوَيْه بشرْطَيْنِ، تَقَدَّمَ نَفْيٌ أو نَهْيٌ، وإعادةُ العامِلُ، نحوَ: ما قَامَ زيدٌ أو ما قَامَ عَمْرٌو، ولا يَقُمْ زَيدٌ أو لا يَقُمْ عمرٌو.
ومثالُ التقْريبِ ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ: ما أَدْرِي أَسْلَمَ أو وَدَّعَ؛ أي: لسُرْعَتِه، وإنْ كانَ يَعْلَمُ أنَّه سَلَّمَ أولاً، وجَعَلَ مثلَه: ما أَدْرِي أَذَّنَ أو أَقَامَ، وحكايتُه عن الحَرِيرِيِّ تَابَعَ فيه الشيخُ في (المُغْنِي)، وقد ذَكَرَهُ أَبُو البَقاءِ أيضاًً، وجَعَلَ منه قولَه تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}. ثمَّ قالَ الشيخُ: وهو بَيَّنَ الفسادَ، و (أو) فيه إنَّما هي للشَّكِّ، وإنَّما اسْتُفِيدَ التقريبُ من: إثباتِ اشتباهِ السلامِ بالتوْدِيعِ، إذ حصولُ ذلك معَ تَبَاعُدِ ما بينَ الوقتَيْنِ مُمْتَنِعٌأو مُسْتَبْعِدٌ، قلتَ: وهذا لا يَتَأَتَّى في الآيةِ إلاَّ برجوعِه إلى الإبْهامِ على المُخاطَبِ، وأمَّا دَعْوَى إسنادِه ذلك فيما بعدَ (أو)، فلا خُصوصِيَّةٍ له بهذا المعنَى، ولهذا ذَهَبَ قومٌ إلى أنَّها موضوعةٌ للقَدْرِ المُشْتَرَكِ بينَ المعانِي السابِقَةِ، وهي لأحَدِ الشيئَيْنِ أو الأشياءِ، وإنَّما فُهِمَتْ هذه المعانِي من القرائنِ.
ص: الرابعُ: أي: بالفتحِ والسكونُ للتَّفْسيرِ والنداءِ القريبِ أو البعيدِ أو المتوسطِ، أقوالٌ:
ش: معنى التفسيرُ: أنْ تكونَ تفسيراً لِمَا قَبْلَها وعبارَةٌ عنه، وهي أَعَمٌّ من (أنْ) المُفَسِّرَةِ؛ لأنَّ (أي) تَدْخُلُ على الجُمْلَةِ والمُفْرَدِ، ويَقَعُ بعدَها القولُ وغيرُه.
مثالُ المُفْرَدِ: عندَي عَسْجَدُ، أي: ذَهَبَ.
ومثالُ الجُمْلَةِ: قولُ الشاعرِ:
=وتَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ أي أَنْتِ مُذْنِبٌ وتقلينني لَكِنْ إيَّاكِ لاَ أَقلي.
فجَعَلَ (أنت مُذْنِبٌ) تفسيراً لـ (تَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ) إنْ كانَ (تَرْمِينَنِي بالطَّرْفِ) معناهُ: تَنْظُرُ إلى نَظَرٍ مُغْضِبٍ، ولا يكونُ ذلك إلاَّ عن ذَنْبٍ.
وأَغْرَبَ ابنُ أَبِي الفَتْحِ في (شَرْحِ الجُمَلِ) فقالَ: شَرْطُها أنْ يكونَ ما قَبْلَها جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مُسْتَغْنِيَةٌ بنَفْسِها يَقَعُ بعدَها جُمْلَةٌ أُخْرَى تَامَّةٌ أيضاًً، تكونُ الثانيةُ هي الأولَى في المعنَى مُفَسِّرَةً لهَا، فتَقَعُ بينَهما (أي) وادَّعَى بعضُهم أنَّها اسمُ فِعْلٍ بمعنَى: عُوا= أو فهموا=، وُضِعَتْ لِعَدَمِ دلالَتِها على معنًى في نَفْسِه بغيرِ إضَافَةٍ.
وحَكَى ابنُ مالِكٍ عن صاحبِ (المُسْتَوْفِي) أنَّها حَرْفُ عَطْفٍ، ثمَّ قالَ: والصحيحُ أنَّها حَرْفُ تفسيرٍ تَابِعٍ يَتْبَعُ ما بعدَها الأجْلَى الأخْفَى، وهو عَطْفُ بيانٍ يُوافِقُ ما قَبْلَها في التعريفِ والتنكيرِ.
ومثالُ النداءِ: أي زيدٌ، وفي الحديثِ: ((أي رَبُّ))، وعلى هذا فهل يُنَادَى بها القريبُ أو البعيدُ مسافةً أو حُكْماً، أو المُتَوَسِّطُ، أقوالٌ:
وبالأوَّلِ قالَ المُبَرِّدُ والزَّمَخْشَرِيُّ، وبالثالثِ قالَ ابنُ بُرْهانٍ، وفيه إثباتُ رُتْبَةٍ ثالثةٍ وهو التَّوَسُّطُ ولا يَعْرِفُه الجمهورُ، والراجحُ الثاني، ونَقَلَه ابنُ مالِكٍ عن سِيبَوَيْه؛ لأنَّه صَرَّحَ بأنَّها مثلُ (هنا) و(أيا) في البعيدِ، وعَلْلَّ القَوَّاسُ الأوَّلَ بقلَّةِ لفظِها وعَدَمِ الحاجةِ لمَدِّ الصوتِ، وتَظْهَرُ فائدَةُ العِلَّتَيْنِ في الأُولَى، فعَلَى الأوَّلِ هي مُساوِيَةٌ لها وعلى الثاني فلا، وفي كتابِ (الأدَواتِ)؛ أي: للقريبِ حاضراً إذا كانَ مُعْرِضاً عنك، والألِفُ للقريبِ المُقْبِلِ عليك، و(يا) للجَمْعِ.
ص: وبالتشديدِ: الشرْطُ والاستفهامُ ومَوصولَةٌ ودَالَّةٌ على معنَى الكمالِ ووصْلَةٌ لنداءٍ ما فيه (أل).
ش: أي: بالفتحِ والتشديدِ، مثالُ الشرْطِ: أيُّهم يُكْرِمُنِي أَكْرِمْه.
والاستفهامُ {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً}. قالَ الآمِدِيُّ: ولا تكونُ اسْتِفْهَامِيَّةً أو شَرْطِيَّةً إلاَّ مَعْرِفَةً وهو مردودٌ، بل يَجُوزُ أنْ تكونَ مَعْرِفَةً أو نَكَرِةً حسَبِ ما تُضَافُ إليه.
ومثالُ الموصولةِ: أي: بمعنَى (الذي)، قولُه تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}. التقديرُ: لِنَنْزِعَنَّ الذي هو أَشَدُّ، قالَه سِيبَوَيْه وخَالَفَه الكُوفِيُّونَ، والدالَّةُ على معنَى الكمالِ هي الصفَةُ.
وتَقَعُ تَارَةً صِفَةً للنَّكِرَةِ: نحوَ: زيدٌ رجلٌ أيَّ رَجُلٍ؛ أي: كاملٌ في صفاتِ الرجالِ.
وحالاً للمَعْرِفَةِ: كمَرَرْتُ بعَبْدِ اللهِ أيَّ رَجُلٍ.
واعْلَمْ إنَّها إذا وَقَعَتْ صِفَةٍ، فإنَّ أُضِيفَتْ إلى مُشْتَقٍّ كانَتْ للمَدْحِ بالمُشْتَقِّ منه خاصَّةً، وإنْ أُضِيفَتْ إلى غيرِ المُشْتَقِّ، كانَتْ للمَدْحِ بكلِّ صِفَةٍ يُمْكِنُ أنْ يُثَنَّي بها، فالأوَّلُ: كمَرَرْتُ بعالِمٍ أيَّ عَالِمٍ، فالثناءُ عليه بالعِلْمِ خَاصَّةً، والثاني: كمَرَرْتُ برجُلٍ أيَّ رجُلٍ، فالثناءُ عليه بكلِّ ما يُمْدَحُ به الرَّجُلُ، وكلامُ المصنِّفِ شاملٌ للضرْبَيْنِ.
ومثالُ الوَصْلَةِ: يا أَيُّها الرجلُ، وزَادَ بَعْضُهم مَجيئِها للتَّخْصِيصِ، نحوَ: اللَّهُمَ اغْفِرْ لنا أيَّتُها العِصَابَةُ.
والتَّعَجُّبِ كقولِه: أيَّ فَتَى الهَيْجَاءِ أنت، وجَارَةٌ وهذا رَاجِعٌ إلى الاسْتِفْهامِ.
تنبيهٌ: كانَ يَنْبَغِي أنْ يَذْكُرَ (إيْ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الياءِ، ليَسْتَوْفِي جميعِ أقْسامِها، وهي حَرْفُ جَوابٍ بمعنَى نَعَمْ، ولا يُجَابُ بها إلاَّ معَ القِسْمِ في جوابِ الاسْتِفْهامِ نحوَ: {ويَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي}.
ص: الخامسُ: إذ: اسمٌ للماضِي ظَرْفاً، ومفعولاً به، وبَدَلاً من المفعولِ، ومُضَافاً إليها اسمُ زمانٍ والمستقبلُ في الأصَحِّ، وتُرَدُّ للتَّعْلِيلِ حرفاً، وقيلَ: ظرفاً وللمُفَاجَأَةِ وفاقاً لسِيبَوَيْه.
ش: أَجْمَعُوا على سبَبِيَّةِ (إذ) بدليلِ تَنْوينِها في نحوَ: يومَئذٍ، والإضافةُ إليها نحوَ: {إِذْ هَدَيْتَنَا}. وهي اسمٌ للمَاضِي نحوَ: قُمْتُ إِذ قَامَ زَيدٌ، سواءٌ دَخَلَتْ على الماضِي أو غيرِه.
ومثالُ اسْتِعْمَالِها ظَرْفاً: {فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَقَدَّمَه المُصَنِّفُ؛ لأنَّه الغَالِبُ فيها.
ومثالُ المَفْعُولِيَّةِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}.
ومثالُ البدلَيَّةِ: {اذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ}، فإذ: بَدَلُ اشْتِمالٍ من مريمَ على حدِّ البَدَلِ في قَوْلِهِ تعالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}.
ومثالُ المُضَافِ إليها الزمانُ: أي: سواءٌ صَلُحَ الاسْتِغْنَاءُ عنه نحو: يومَئذٍ، أو لا، نحوَ: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}.
ومثالُ المستقبلِ: بمعنَى إذا: {يَوْمَئذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارِهَا} وهذا ما اخْتَارَهُ ابنُ مالِكٍ وجَمْعٍ من المُتَأَخِّرِينَ مُحْتَجِّينَ بقولِه تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}. ولكنَّ الأكثرِينَ على المَنْعِ، وأَجَابُوا عمَّا تَمَسَّكَ به الأوَّلُونَ بأنَّ الأمورَ المُسْتَقْبَلَةَ لمَّا كانَتْ في أَخْبَارِ اللهِ مُتَيَقِّنَةٍ مَقْطُوعاً بها، عَبَّرَ عنها بلفْظِ المَاضِي، وبِهذا أَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وابنُ عَطِيَّةَ، وغيرُهما.
ومثالُ التعْلِيلِ: {لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا}. ثمَّ اخْتَلَفَ النحْويُّونَ في أنَّها حينَئذٍ هل تَكونُ حَرْفاً بمَنْزِلَةِ لامِ العِلَّةِ ـ ونُسِبَ لسِيبَوَيْه، وصَرَّحَ به ابنُ مالِكٍ في بَعْضِ نُسَخِ (التسْهيلِ) ـ أو ظَرْفاً؟ والتعليلُ مُسْتَفَادٌ من قوَّةِ الكلامِ لا من اللفظِ.
والمرادُ بالمُفاجأةِ: الواقعةُ بعدَ (بينا) و(بينما)، قالَ سِيبَوَيْه: بيْنَا أنَا كذا إذ جَاءَ زَيدٌ، فهو لمَّا تَوَقَّعَه ويهجم= عليه، والخلافُ السابقُ آتٍ هنا: هل هي حرفٌ بمعنَى المفاجأةِ، أو باقيةٌ على ظرْفِيَّتِها الزمانيَّةِ، ويَزِيدُ هنا قولُ: إنَّها ظرفُ مكانٍ كما قيلَ به في إذا الفُجَائِيَّةِ.
ص: السادسُ: إذا للمُفَاجَأَةِ.
ش: وهي التي يَقَعُ بعدَها المبتدأُ، فرقاً بينها وبينَ الشرْطِيَّةِ، نحو: خَرَجْتُ فإذا الأسدُ بالبابِ، ومنه قولُه تعالى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}. قالَ صاحبُ (الكَشَّافِ) إنَّها إذا الكائنَةُ بمعنَى الوقْتِ، الطالِبَةُ ناصِباً لها وجُمْلَةٌ تُضَافُ إليها، خَصَّتْ في بَعْضِ المَواضِعِ بأنْ يكونَ ناصِبُها فِعْلاً مَخْصُوصاً، وهو فعْلُ المفاجأةِ، والجملةُ ابتدائيَّةٌ لا غيرَ، نحو قولِه تعالى: {حِبَالُهُمْ وعِصِيُّهُمْ} وفَاجَأَ مُوسَى وقْتَ تَخَيُّلِ سَعْيِّ= حِبَالِهم.
وقالَ ابنُ الحَاجِبِ: معنَى المفاجأةِ: حضورُ الشيءِ معَكَ في وصْفٍ من أوصافِك الفِعْليَّةِ، وتصويرُه في المثالِ حضورُ السبْعِ معَك في زَمَنِ وصفِك بالخروجِ، أو في مكانِ خروجِك؛ لأنَّ حَصْرَ ذاتِكَ في مكانِ فِعْلِك حينَ تَلَبُّسِكَ به أَمَسُّ من حَصْرِكَ في زَمَنِ فِعْلِكَ حينَ تَلَبَّسَكَ به؛ لأنَّ ذلك المكانَ يَخُصُّكَ ذلك الحينُ دونَ مَن أشْبَهَك، وذلك الزمانُ لا يَخُصُّكَ دونَ مَن أَشْبَهَكَ، وكلمَّا كانَ الفاجِئُ ألَصَفُ بالمُفَاجَأِ، كانَتْ المُفَاجَأَةِ أَقْوَى.
ص: حرفاً، وِفَاقاً للأخْفَشِ وابنِ مالِكٍ، وقالَ المُبَرِّدُ وابنُ عُصْفُورٍ ظَرْفُ زمانٍ، والزجَّاجُ والزَّمَخْشَرِيُّ: ظرْفُ مكانٍ.
ش: اخْتَلَفُوا فيها على ثلاثةِ مذاهبَ: أَصَحَّهَا: أنَّها حَرْفٌ؛ لأنَّ المُفاجأةَ معنًى من معانِي الكلامِ كالاسْتفهامِ والنفْيِ، والأصْلُ في المعانِي أنْ تُؤَدِّي بالحروفِ نحوَ: (لم) و (قد) و (ما) ورَجَّحَ قولُهم: فإذا إنَّ زيداً بالبابِ بكَسْرِ إنَّ، إذ لا يُعْمَلُ ما بعدَ إنَّفيما قبْلَها.
والثاني: أنَّها ظَرْفُ زمانٍ.
والثالثُ: أنَّها ظرفُ مكانٍ بدليلِ وُقوعِها خَبَراً عن الجُثَّةِ بدليلِ: خَرَجْتُ فإذا زَيدٌ، وظرفُ الزمانِ لا يَقَعُ خَبَراً عن الجُثَّةِ، وأَجَابَ الثاني بأنَّه على حَذْفِ مُضافٍ؛ أي: حضورُ زيدٍ، ونَسَبَ هذا وما قَبْلَه لسِيبَوَيْه.
وفائدةُ الخلافِ تَظْهَرُ إذا قُلْتَ: خَرَجْتُ فإذا الأسدُ، فعَلَى الأوَّلُ لا يَصِحُّ كونُها خبراً؛ لأنَّ الحرْفَ لا يُخْبَرُ به ولا عنه، وكذا على الثاني؛ لأنَّ الزمانَ لا يُخْبَرُ به عن الجُثَّةِ، ويَصِحُّ على الثالثِ؛ أي: فبالحَظِيرَةِ الأسدُ.
ص: وتَرِدُ ظَرْفاً للمُسْتَقْبَلِ مُضَمَّنَةً معنَى الشرطِ غالباً.
ش: ولذلِكَ تُجَابُ بمَا يُجابُ به أَدَواتُ الشرْطِ، نحوَ: إذا جَاءَ زيدٌ فَقُمْ إليه، قالُوا: واخْتُصَّتْ من بينَ أدواتِ الشرْطِ بأنَّها لا تكونُ إلاَّ في المُحَقَّقِ، نحوَ: إذا طَلَعَتِ الشمْسُ فأْتِنِي.
أمَّا (إنَّ) ونحوها فتكونُ للمَشْكُوكِ فيه، ولهذا قالَ تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ} لمَّا كانَ المَسُّ في البحرِ مُحَقَّقاً، بخلافِ قولِه: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} فإنَّه لم يُقَيِّدْ مَسُّ الشَّرِّ بل أَطْلَقَه، ولمَّا قَيَّدَه بالبحرِ الذي يَتَحَقَّقُ ذلك أَتَى بهذا، وهذا يُضْعِفُ التأْويلَ الذي حَكَاهُ البُخَارِيُّ عن إِسْحَاقَ بنِ رَاهُويَهْ في الحديثِ الذي حَسَّنَه التِّرْمِذِيِّ: ((أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ، كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ)) أنَّ معناهُ: إنِ اشْتَهَى الولَدَ كانَ ولكنْ لا يَشْتَهِيهِ، فقيلَ: ليسَ هذا طبيعَةُ (إذا)، بل طبيعةُ غيرِها من أدواتِ الشرْطِ، واسْتَظْهَرَ بقولِه: غالباً إلى مَجِيئِهَا مُجَرَّدَةً من معنَى الشرْطِ كما سَيَأْتِي.
ص: ونَدَرَ مَجيئُها للماضِي والحالِ.
ش: أمَّا المَاضِي فعَلامَتُها أنْ تَقَعَ مَوْقِعَ إذ، كقولِه تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُم} وقولِه: {وَإِذَا رَأَوُا تِجَارَةُ أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} خَبرٌ أَثْبَتَه بعضُهم، وتَابَعَه ابنُ مالِكٍ، والجمهورُ مَنَعُوهُ، وتَأَوَّلُوا ما أَوْهَمَ ذلك.
وأمَّا الحالُ وعَلامَتُها بعدَ القَسَمِ نحوَ: {وَالْلَيْلِ إِذَا يَغْشَى}، {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}؛ لأنَّها لو كانَتْ للاسْتِقْبَالِ لم تَكُنْ ظَرْفاً لفِعْلِ القَسَمِ؛ لأنَّه إنشاءٌ لا إخْبارٌ عن قِسْمٍ ثانٍ؛ لأنَّ قَسَمَه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى قديمٌ، ولا يكونُ محذوفٌ هو حالٌ من الليلِ والنجمِ؛ لأنَّ الاستقبالَ والحالَ مُتنافِيانِ، وإذا بَطُلَ هذانِ تَعَيَّنَ أنَّه ظَرْفٌ لأحدِهما على أنَّ المُرَادَ به الحالُ.
وقالَ ابنُ الحَاجِبِ في (شَرْحِ المُفَصَّلِ): قد تَأْتِي لمُجَرَّدِ الظرفيَّةِ دونَ الشرطيَّةِ، نحوَ: {وَالْلَيْلِ إِذَا يَغْشَى}؛ لأنَّها لو كانَتْ شَرطيَّةٌ لاحْتَاجَتْ إلى جوابٍ، وليسَ في اللفظِ، فيكونُ مُقَدَّراً يَدُلُّ عليه فِعْلُ القَسَمِ، وهو فَاسِدٌ؛ لأنَّه يَصِيرُ المعنَى: إذا يَغْشَى أَقْسَمَ، فيكونُ القسمُ مُتَعَلِّقاً بالشرطِ وهو ظاهرُ الفسادِ، وإذا ثَبَتَ أنَّها لمُجَرَّدِ الظرفيَّةِ فليسَتْ مُتَعَلِّقَةٌ بفِعْلِ القَسَمِ؛ لأنَّه يَصِيرُ المَعْنَى: أَقْسَمَ في هذا الوَقْتِ بالليلِ، فيَصِيرُ القسمُ مبتدأً، والمعنَى على خلافِه، بل يَتَعَلَّقُ بفِعْلٍ محذوفٍ؛ أي: أَقْسَمَ بالليلِ حاصلاً في هذا الوقْتِ، فهي إذاً في مَوْضِعِ الحالِ من الليلِ. انتهى. وقد وقع في محذورٍ آخَرَ، وهو أنَّ الليلَ عبارَةٌ عن الزمانِ المعروفِ، فإذا جَعَلْتَ إذا مَعْمُولَةٌ لفِعْلٍ هو حالٌ من الليلِ لَزِمَ وقوعُ الزمانِ في الزمانِ وهو مُحالٌ، والحقُّ أنَّ (إِذَا) كما تَجَرَّدَ عن الشرْطِ تَجَرَّدَ كذلك عن الظرْفِ، فهي هنا لمُجَرَّدِ الوقْتِ من دونِ تَعَلُّقِها بشيءٍ تَعَلُّقَ الظرفيَّةِ، وهي مجرورَةُ المَحَلِّ هَهنا لكونِها بَدَلاً عن الليلِ، كما جَرَتْ بحتى في قَوْلِهِ تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا} والتقديرُ: أَقْسَمَ بالليلِ وقتَ غَشَيَانِه؛ أي: أَقْسَمَ بوقَتِ غَشيانِ الليلِ.
ص: السابعُ: الباءُ للإلصاقِ حقيقةً أو مجازاً.
ش: معنَى الإلصاقِ: أنْ تُضِيفَ إلى ما كانَ لا يُضافُ إليه وتُلْصِقُه به لولاَ دُخُولُها نحوَ: خُضْتُ الماءَ برِجْلِي، ومَسَحْتُ برَأْسِي، وهو أَصْلُ مَعانِيها، ولم يَذْكُرْ لها سِيبَوَيْه غيرَه، ولهذا قالَ المَغَارِبَةُ: لا تَنْفَكَّ عنه إلاَّ أنَّها قد يَتَجَرَّدَ له، وقد يُدْخِلُها معَ ذلك معنًى آخَرَ.
وقالَ عبدُ القاهرِ: قولُهم الباءُ للإلصاقِ إنْ حَمْلْنَاهُ على ظاهرِه اقْتَضَى إفادتُها في كلِّ ما تَدْخُلُ عليه وهذا محالٌ؛ لأنَّها تَجِيءُ معَ الإلصاقِ نَفْسُه كقولِنَا: أَلْصَقَتْهُ به ولُصِقَتْ به، وحينَئذٍ فلا بُدَّ من تَأْويلِ كلامِهم، والوجْهُ فيه أنْ يكونَ غَرَضَهُمْ من ذلك أنْ يقولُوا للمُتَعَلِّمِ: انْظُرْ إلى قولِك: أَلْصَقَتْهُ به، وتَأَمَّلِ المُلابَسَةَ التي بينَ المُلْصِقِ والمُلْصَقِ به، واعْلَمْ أنَّ الباءَ أينَما كانَت، كانَت المُلابَسَةُ التي تَحْصُلُ بها شَبِيهَةً بهذِه المُلابَسَةِ التي تَرَاهَا في قولِك: أَلْصَقَتْه به. انتهى.
ثمَّ الإلصاقُ قد يكونُ حقيقةً وهو الأكثرُ، نحوَ: أَمْسَكْتُ الحَبْلَ بِيَدِي، قالَ ابنُ جِنِّي: أي أَلْصَقْتُها به، وقد يكونُ مجازاً، نحوَ: مَرَرْتُ بزيدٍ، فإنَّ المرورَ لم يُلْصَقْ بزَيدٍ، وإنَّما التصورُ بمكانٍ يَقْرُبُ منه.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: المعنَى: أَلْصَقْتُ مُرُورِي بمَوْضِعٌ يَقْرُبُ منه، كأنَّه يَلْتَصِقُ به، فهو على الاتساعِ.
ص: والتَّعْدِيَةُ.
ش: وهي التي يُقالُ لها: باءُ النقْلِ؛ لأنَّها تَنْقُلُ الفاعلَ ليَصِيرَ مَفْعُولاً، نحوَ: قُمْتُ بزيدٍ؛ أي: أَقَمْتُهُ، وذَهَبْتُ بزَيدٍ؛ أي: أَذْهَبْتُه، وإنْ كَانَتْ التَّعْدِيَةُ لا يُفَارِقُها، ولكنَّ المرادَ بالتعدِيَةِ هذا النوعُ الذي في مُقَابَلَةِ الهمْزَةِ.
قالَ ابنُ مالكٍ: وهي القائِمَةُ مُقامَ النَّقْلِ في إيصالِ معنَى الفِعْلِ اللازمِ إلى المَفْعُولِ به، نحوَ: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} و {لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} واعْتَرَضَهُ الشيخُ أَبُو حَيَّانٍ بأنَّها قد وَرَدَتْ معَ المُتَعَدِّي نحوَ: صَكَكْتُ الحَجَرَ بالحَجَرِ، ودَفَعْتُ بعضَ الناسِ ببَعْضٍ، فلهذا كانَ الصوابُ قولَ غيرِه، هي الداخلةُ على الفاعلِ فيَصِيرُ مفعولاً، ليَشْمَلَ المتعدِيَ واللازمَ.
وغَلِطَ الشيخُ في ذلك؛ لأنَّ الباءَ في المثالَيْنِ إنَّما دَخَلَتْ على ما كانَ مفعولاً، والمُغَلَّطُ غالطٌ، بل إنَّما دَخَلَتْ على ما كانَ فاعلاً، والأصلُ: دَفْعُ بعضِ الناسِ بعضاً، وَصَكُّ الحجرِ الحجرَ بتَقْدِيم المفعولِ؛ لأنَّ المعنَى أنَّ المُتَكَلِّمَ صَيَّرَ البعضُ الذي دَخَلَتْ عليه الباءُ واقعاً للبعضِ المُجَرَّدِ عنها.
ولكنْ قولُه: وأَصْلُه دَفْعُ بعضِ الناسِ بعضاً، وصَكُّ الحجرِ الحجرَ ـ ليسَ بجَيِّدٍ؛ لأنَّه قَدَّمَ الفاعلَ، فأَوْهَمَ كونُ الباءِ دَخَلَتْ على ما كانَ مفعولاً، كما فَهِمَ المُعْتَرِضُ.
وهنا فوائدُ: أحدُها: مَذْهَبُ الجمهورِ أنَّ باءَ التعديةِ بمعنَى همزةِ النقلِ لا تَقْتَضِي مُصَاحَبَةَ الفاعلِ للمفعولِ في الفعلِ، فإذا قلتَ: قُمْتُ بزَيدٍ، فالمعنَى: جَعَلْتُه يَقُومُ، ولا يَلْزَمُ أنْ يَقُومَ معه، وذَهَبَ المُبَرِّدُ والسُّهَيْلِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ إلى اقْتِضائِها المُصاحبةُ بخلافِ الهمزةِ.
قالَ السُّهَيْلِيُّ: إذا قلتََ: قَعَدْتُ به، فلا بُدَّ من مشاركةٍ، ولو باليدِ، وَرَدَّ عليهما بقولِه: ذَهَبَالله بِنُورِهِم؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى لا يُوصَفُ بالذهابِ معَ النورِ، وأُجِيبَ بأنَّه يَجُوزُ على معنًى يَلِيقُ به، كما وَصَفَ نفسَه بالمجيءِ في قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ} وهو ظاهرُ البُعْدِ، ويُؤَيَّدُ بأنَّ باءَ التعديةِ بمعنَى الهمزةِ.
قَرَأَ اليَمَانِيُّ: (أَذْهَبَ اللهُ نُورَهُمْ) الثانيةُ: إنْ قيلَ: كيفَ جَاءَ قولُه تعالَى {تُنْبِتُ بِالدُّهْنِ} في قراءةٍ: ضَمُّ الباءِ، وتُنْبِتُ: مضارعُ أنْبَتَ، والهمزةُ في أَنْبَتَ للنقلِ، فكيفَ جَازَ الجَمْعُ بينَهما وبينَ الباءِ وهي للنقلِ، بل حَقُّهُ أنْ يَقُولَ: تُنْبِتُ بالدُّهْنِ أو تُنْبِتُ الدُّهْنَ؟ فالجوابُ أنَّها تَخْرُجُ على ثلاثةِ أوجِهٍ:
أحدُها: أنَّ الباءَ للحالِ؛ أي: تُنْبِتُ ثَمَرِها، وفيه الدُّهْنُ أو في هذه الحالِ.
ثانيها: أنَّ أَنْبَتَ ونَبَتَ بمعنًى واحدٍ، فكما يُقالُ نَبَتَ بالدُّهْنِ فكذا أَنْبَتَ بالدُّهْنِ.
ثَالِثُها: أنَّها زَائِدَةٌ.
الثالثةُ: نَازَعَ ابنُ الخَبَّازِ وغيرُه في جَعْلِ التعديةِ قَسِيماً للإلصاقِ؛ لأنَّ الإلصاقَ تعديةٌ، وجوابُه: أنَّ المرادَ بها نوعٌ خاصٌّ على ما تَقَدَّمَ، والإلصاقُ أَعَمٌّ منها؛ ولهذا قالَ الشيخُ أَبُو الفَتْحِ إذا قُلْتَ: أَمْسَكْتُ زَيْداً، احْتَمَلَ أنْ يكونَ باشَرْتُه بِيَدِكَ، وأنْ تكونَ مَنَعَتْهُ من التصرُّفِ من غيرِ مُبَاشَرَةٍ، فإذا قلتَ: أَمْسَكْتُ بزيدٍ، دَلَّتْ على أنَّ مُبَاشَرَتِكَ له بِيدِكَ، فالباءُ مُلْصَقَةٌ غيرُ مُتَعَدِّيَةٍ.
ص: والاستعانةُ والسبَبِيَّةُ.
ش: باءُ الاستعانةِ هي الداخلةُ على آلَةِ الفعلِ، نحوَ: كَتَبْتُ بالقلمِ وبَرَيْتُ بالسكينِ، ومنه: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}. والسَّبَبِيَّةُ، نحوَ: {فُكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ومنهُ: لَقِيتُ بزيدٍ الأسدَ؛ أي: بسببِ لِقائِي إِياهُ، ولم يَذْكُرْ في (التسهيلِ) باءُ الاستعانةِ وأَدْرَجَها في السبَبِيَّةِ.
وقالَ في شرحِه: باءُ السببِيَّةِ هي الداخلةُ على صريحٍ؛ للاستعانَةِ عن فاعلٍ يَتَعَدَّاها مجازاً، نحوَ: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} فلو قَصَدَ إسنادَ الإخراجِ إلى الباءِ لحُسُنَ، ولكنَّه مَجازٌ.
قالَ: ومنه: كَتَبْتُ بالقَلَمِ، وقَطَعْتُ بالسكينِ، والنحْويُّونَ يُعَبِّرونَ عن هذه الباءِ باءَ الاستعانةِ، =وأوثرتْ على ذلك التعبيرِ بالسببِيَّةِ من أجلِ الأفعالِ المنسوبةِ إلى اللهِ تعالى، فإنَّ استعمالَ السببِيَّةِ فيها يَجُوزُ، واستعمالُ الاستعانةِ فيها لا يَجُوزُ، ولم يَذْكُرِ المُصَنِّفُ باءَ التعليلِ استغناءً عنه بالسببِيَّةِ؛ لأنَّ العِلَّةَ والسببَ واحدٌ، وابنُ مالكٍ غايَرَ بينهما، ومثلُ التعْلِيلِيَّةِ بقولِه تعالى: {ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} {فَبُظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا} وقالَ بعضُهم: إذا قلتَ: ضَرَبْتُه بسوءِ أَدَبِه، احْتُمِلَ العِلِيَّةَ والسببِيَّةَ، والفرقُ بينَهما: أنَّ العِلَّةَ مُوجِبَةٌ لمَعْلُولِها، بخلافِ السببِ لمُسَبِّبِه فهو للأمَارَةِ عليها، ومن هنا اخْتَلَفَ أهلُ السُّنَّةِ والمُعْتَزل‍َةِ في أنَّ الأعمالَ طاعةٌ ومعصيةٌ هل هي عِلَّةٌ للجزاءِ ثواباً وعقاباً أو سببٌ؟ فقالَت المعتزلةُ بالأوَّلِ وأهلُ السُّنَّةِ بالثاني، واخْتُلِفَ في الحجِّ عن الغيرِ، فمَنْ رَأَى العملُ عِلَّةً، قالَ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ عَمَلَ زيدٌ لا يكونُ عِلَّةٌ لبِرَاءَةِ ذِمَّةِ عَمْرٍو=، ومَن رَآهُ سَبَباً، قالَ: يَصِحُّ، لجوازِ أنْ يكونَ سبباً للبراءةِ وعَلَماً عليها.
ص: وللمُصاحَبَةِ.
ش: وهي التي يَصْلُحُ في مَوْضِعِها (معَ) أو تُغْنِي عنها وعن مصحوبِها الحالُ، كقولِه تعالَى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ}؛ أي: معَ الحقِّ أو مُحِقًّا، ولهذا يُسَمِّيهَا كثيرٌ من النحويِّينَ باءُ الحالِ؛ لأنَّ ما تَدْخُلُ عليه يَصْلُحُ أنْ يكونَ حالاً، فمَنْ لاحَظَ المَوْضِعَعَبَّرَ عنها بما تَقِعُ فيه، فسَمَّاهَا باءُ الحالِ، ومَن لاحَظَ معنَى المعيَّةِ الموجودِ معها، عَبَّرَ عنها بالمُصَاحَبَةِ، إذ مَعنَى (مع) المصاحَبَةُ.
ص: والظَّرْفِيَّةُ.
ش: وهي التي يَصْلُحُ مَوْضِعُها (في) وتكونُ معَ اسمِ الزمانِ، كقولِه تعالَى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِالْلَيْلِ}، ومعَ المكانِ نحوَ: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} ونحوَ: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ} ويَنْبَغِي أنْ يُقَيَّدَ هذا بالظرفيَّةِ الحقيقَةِ، وإلاَّ فحينَئذٍ يَدُخُلُ مجازانِ في الكلامِ، وهي كونُها للظرفيَّةِ والتوَسُّعُ في الظرفيَّةِ.
ص: والبَدَلُ.
ش: بأنْ يَجِيءَ مَوْضِعُهَا بَدَلٌ، وفي الحديثِ: ((مَا يَسُرُّنِي بِهَا حُمْرُ النَّعَمْ)، أي: بَدَلَها.
ص: والمُقَابَلَةُ.
ش: قالَ ابنُ مالِكٍ: هي الباءُ الداخلةُ على الأثمانِ والأعراضِ، نحوَ: اشْتَرَيْتُ الفَرَسَ بأَلْفٍ، وقالَ بعضُهم: تَرْجِعُ وما قَبْلَها إلى السببِ، فإنَّ التقديرَ: هذا مُسْتَحَقٌّ بذلك أي: بسبَبِه، واسْتَشْكَلَ الفارِسِيُّ دخولَ الباءِ على الآياتِ في قَوْلِهِ تعالَى: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً}. وقالَ: مُشْكَلٌ؛ لأنَّ الباءَ دَخَلَتْ على المُثْمَنِ دُونَ الثَّمَنِ، فلا بُدَّ أنْ يُضْمَرَ الثمَنُ حتى يكونَ الثمنُ هو المُشْتَرَى، وعلى رَأْي الفَرَّاءِ لا يَحْتَاجُ إلى المُضْمَرِ؛ لأنَّه قالَ: إذا كانَ المُتَقابِلاتُ في العُقودِ نَقْدَيْنِ جَازَ دخولَ الباءِ على كلِّ واحدٍ منهما، وكذا كانَا معنَيَيْنِ، نحوَ: {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} والباءُ تَدْخُلُ على المَتْروكِ المرغوبِ عنه في بابِ الشراءِ بخلافِ البَيْعِ.
ص: والمُجَاوَزَةُ.
ش: وعَبَّرَ عنه بَعْضُهم بمُوافَقَةِ عن، وتَكْثُرُ بعدَ السؤالِ نحوَ: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}، {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} وقليلٌ بعدَ غيرِه، نحوَ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} وهذا منقولٌ عن الكُوفِيِّينَ وتَأَوَّلَ الشَّلَوْبِينُ على أنَّها للسببِيَّةِ؛ أي: فاسْأَلْ بسبَبَلشافِعِيِّ، ويُؤَيِّدُه قولَه تعالى: {هَلْ آمَنَكُمْ عَلَيْهِ}.
ص: والقَسَمُ، والغَايَةُ، والتَّوْكِيدُ.
ش: فالأوَّلُ نحوَ: باللهِ لأفَعْلَنَّ، وهي أصْلُ حروفِ القَسَمِ.
والثاني نحوَ: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}؛ أي: إليَّ.
والثالثُ وهي الزائِدَةُ إمَّا معَ الفاعلِ، نحوَ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجْذِعِ النَّخْلَةِ} أو المُبْتَدَأِ نحوَ: بحَسْبِكُ زيدٌ، أو الخَبَرِ نحوَ: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدُهُ}.
ص: وكذا التَّبْعِيضُ، وِفَاقاً للأصْمَعِيِّ، وابنِ مالِكٍ.
ش: مُسْتَدِلِينَ بقولِه تعالَى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ}؛ أي: منْها، وخَرَجَ عليه: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ولم تَرِدْ باءُ التَّبْعِيضِ عندَ مُثْبِتِها إلاَّ معَ الفعلِ المُتَعَدِّي، وأَنْكَرَهُ قومٌ، منهم ابنُ جِنِّي وتَأَوَّلُوا أَدِلَّةَ المُثْبَتِينَ على التَّضْمِينِ، أو أنَّ التَّبْعِيضِ اسُتِفيدَ من القرائنِ، واعْتَرَضَ الإمامُ فَخْرُ الدِّينِ على كلامِ ابنِ جِنِّي، فقالَ: شهادةٌ على النَّفْي وهي غيرُ مَقْبُولَةٍ، هذا معَ أنَّه قبلَ هذا قالَ: إنَّها للسببِيَّةِ وهو ضعيفٌ؛ لأنَّه لم يَقُلْ به أَحَدٌ من أهْلِ اللُّغَةِ، فقد وَقَعَ فيما أَنْكَرَهُ، وأَجَابَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ فيما كَتَبَهُ على (فُروعِ ابنِ الحَاجِبِ): بأنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّها شهادةٌ، بل هي إخْبَارٌ مَبْنِيٌّ على ظَنٍّ غالبٍ مُسْتَنَداً إلى الاستقراءِ مَن أُهِّلَ لذلك، مُطَلِّعٌ على لسانِ العَرَبِ فيَسْمَعُ كسائِرِ أَحْكَامِهِم في نَفْي ما دَلَّ الاستقراءُ على نَفْيهِ كقولِهم: ليسَ في كلامِ العَرَبِ: اسمٌ آخِرَهُ واوٌ قَبْلَها ضَمَّةٌ، وإنَّ تركيبَ (ق ب ش)، و (ق ب ع)، مُهْمَلٌ. نَعَمْ إنْ وَقَعَ نَقْلٌ إثْبَاتِيٌّ من مُعْتَبَرٍ في الصنْعَةِ، أنَّها للتَّبْعِيضِ قُدِّمَ على هذا النفْيِ، فمَن ادَّعَى هَهُنا، فَعَلَيْه إظْهَارُه. انتهى.
وذَكَرَ ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ الكافيَةِ) أنَّ الفارسيَّ في (التَّذْكِرَةِ) أَثْبَتَ مَجِيئِها للتَّبْعِيضِ، وكذا الأصمعيِّ في قولِ الشاعرُ:
شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعْتْ مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئيجٌ.
قالَ في (شَرْحِ الإِلْمَامِ) المُثْبِتُونَ للتَّبْعِيضِ فَرَّقُوا بينَ الفِعْلِ المُتَعَدِّي بنفسِه وبحَرْفِ الجَرِّ، فقالَ: إنَّ المُتَعَدِّيَ بنفسِه تكونُ الباءُ فيه للتبعيضِ؛ لأنَّها لو لم تَكُنْ كذلك لكانَتْ زائدَةٌ، والأصْلُ عَدَمُ الزيادةِ، واعْتُرِضَ بوجْهَيْنِ: أحدُهما: مَنَعَ المُلازَمَةَ بينَ عدَمِ كونِها للتبعيضِ وكونِها زائدةً، وهذا ما قالهُ ابنُ العَرَبِي، وهي كونِها تُفِيدُ فائدَةُ الدلالَةِ على مسموحٍ به، وجَعَلَ الأصْلُ فيه امْسَحُوا رُؤُوسَكُمْ بالماءِ، فيكونُ من بابِ المقلوبِ؛ أي: امْسَحُوا بالماءِ رُؤُوسَكُم.
الثاني: أنْ يُقالَ: سَلَّمْنَا أنَّ الأصْلَ عَدَمُ الزيادةِ، فنَقُولُ: الأصلُ مَتْروكٌ إذا دَلَّ الدليلُ على تَرْكِه، وقد دَلَّ، وهو عَدَمُ ثُبُوتِ الباءِ للتبعيضِ في اللغةِ ثُبُوتاً يَرْجِعُ إليه في قولِ مَن يَجِبُ الرجوعَ إليه، قولُه: وأيضاًً فالزيادةُ في الحروفِ كثيرةٌ، وطريقُ إثباتِ اللغةِ النَّقْلُ.
فائدةٌ: ذَكَرَ العِبَادِيُّ في زِيادَاتِه مَجِيءُ الباءِ للتعْلِيقِ كانَ، فإنْ قالَ: أنْتَ طَالِقٌ بمشيئَةِ اللهِ أو بِإرَادَتِه أو بِرِضَاهُ ـ لم تُطَلَّقْ، قالَ: لأنَّ الباءَ في كلِّ هذا في ظاهرِ اللغةِ تُحْمَلُ على التعليقِ، ألاَ تَرَاهُ يقولُ: أَخْرَجُ بمَشِيئَةِ اللهِ، معناهُ: إنْ شاءَ اللهُ، وأَنْتِ طَالِقٌ بدُخولِ الدَّارِ؛ أي: إنْ دَخْلَتْ، ثمَّ قالَ: ولو قالَ: أنتِ طالقٌ بأَمْرِ اللهِ، أو بقَدَرِ اللهِ، أو بِحُكْمِ اللهِ، أو بِعِلْمِ اللهِ ـ طُلِّقَتْ في الحالِ؛ لأنَّه لا يَتَعَارَفُ كونُه شَرْطاً يُرِيدُونَ به التحْقِيقَ، انتهى.
وهذا يَدُلُّ على أنَّ التفْرِقَةَ أَخَذَهَا من العُرْفِ لا مِن اللغةِ، ومَسائِلُ الفِقْهِ لا تُبْنَى على دقائقِ النَّحْوِ.
ص: الثامنُ: بل للعَطْفِ والإضرابِ، إمَّا للإبْطالِ أو الانْتقالِ من غَرَضٍ إلى آخَرَ.
ش: (بل) إمَّا أنْ يَقَعَ بَعْدَها المُفْرَدُ أو الجُمْلَةُ، فإنْ وَقَعَ بَعْدَها مُفْرَدٌ كانَتْ للعَطْفِ ثمَّ إمَّا أنْ يُعْطَفَ بها في الإثباتِ أو النفْيِ، فالأوَّلُ نحوُ: جَاءَ زَيدٌ بل عَمْرٌو، فهي لنَقَلِ الحُكْمِ عمَّا قَبْلَهَا وجَعْلِهُ لَمَّا بَعْدَهَا قَطْعاً، ولا نَعْنِي بذلك أنَّها تَنْفِيَه عمَّا قَبْلَها، وتُجْعَلُ ضِدَّهُ لِمَا بَعْدَها فتُقَرِّرُ نَفْيَ القيامِ عن زيدٍ وتُثْبِتُه لعَمْرٍو، وأَجَازَ المُبَرِّدُ وابنُ عَبْدِ الوارثِ، وتلميذُه الجُرْجَانِيُّ معَ ذلك أنْ تكونَ نَاقِلَةً حُكْمَ النَّفْيِ لِمَا بعدَها، كما في الإثباتِفتَحْتَمِلُ عندَهم في نحوِ: ما قَامَ زيدٌ بل عمرٌو، أنْ يكونَ التقديرُ: بل ما قَامَ عمرٌو، وإذا لا يَضْرِبْ زيدٌ عمراً، يكونُ ناهياً عن ضربِ كلِّ واحدٍ منهما، وإذا قالَ: ما له عليَّ دِرْهَمٌ بل دِرْهَمَانِ، لا يَلْزَمَه شيءٌ؛ لأنَّ الدرهمَ مَنْفِيٌّ صريحاً، وعُطِفَ عليه الدرْهَمَانِ مَنْقُولاً النفْيُ إليهما، فصَارَ كأنَّه قالَ: ما له عَلَيَّ‌ دِرْهَمٌ وما له عَلَيَّ دِرْهَمَانِ.
قالَ القَوَّاسُ في (شرحِ الدرَّةِ) وأَوْجَبُوا تقديرَ حَرْفِ النَّفْيِ بعدَها لتحقيقِ المُطَابَقَةِ في الإضرابِ عن مَنْفِيٍّ، كما يَتَحَقَّقُ عن مُوجَبِ إلى مُوجَبٍ، قالَ: ويَجِبُ أنْ يُقالَ: إنْ كانَ المعطوفُ غَلَطاً، قَدَّرَ حَرْفَ النفْيِ، ليَشْتَرِكَا في نَفْيِ الفِعْلِ عنْهُما، وإنْ لم يَكُنْ غَلَطاً لم يُقَدَّرْ حَرْفَ النَّفْي؛ لأنَّ الفِعْلَ ثَابِتٌ له، فلا يُنْفَى عنه انْتَهَى.
وضَعَّفَ مَذَهْبَ المُبَرِّدِ ما قالَه الفَارِسِيُّ في (الإيِضاحِ) في مسألةِ: ما زيدٌ خارجاً بل ذاهبٌ، لا يَجُوزُ إلاَّ الرَّفْعُ؛ لأنَّ الخَبَرَ مُوجَبٌ، وما الحِجَازِيَّةُ لا تَعْمَلُ في الخبرِ إلاَّ مَنْفِيًّا، فلو كانَتْ لنَقْلِ حُكْمِ الأوَّلِ لجَازَ النَّصْبِ بتقديرٍ: بل هو ذاهباً، والإجْماعُ مُنْعَقِدٌ على مَنْعِه، وإنَّما لم تُجِزِ العربُ ذلك لئلاَّ يُلْتَبِسُ أَحَدُ المعنيَيْنِ بالآخَرِ، فإذا أَرَادُوا أنَّ ما بَعَدَ بل مَنْفِيٍ، أَتَوُا بحَرْفِ النَّفْيِ، فقالُوا: ما قَامَ زَيدٌ بل ما قَامَ عَمْرٌو.
وإنْ وَقَعَ بعدَها الجُمْلَةُ، لم تَكُنْ حرْفَ عطْفٍ بل حرفَ ابتداءٍ، نحوَ: ما قَامَ زيدٌ بل عمرٌو قِائمٌ، ومعناها الإضرابُ أيضاًً، لكنِ الإضرابُ تَارَةً يكونُ لإبطالِ السابقِ نحوَ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنَ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وتَارَةً تكونُ للانتقالِ من غَرَضٍ إلى آخَرَ من غيرِ إبطالٍ، كقولِه تعالى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ}، قولِه: {بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.
لم يُبْطِلْ شيءٌ ممَّا أَخْبَرَ عنه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، بل المعنَى: بل يَكْفِي الحديثُ في هذه القصةِ ولنَّدْخُلَ في أُخْرَى، فهو لقَطْعِ الخَبَرِ لا المُخْبَرِ عنه، ووَهَمَ ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ الكافِيَةِ) فزَعَمَ أنَّها لا تَقَعُ في القرآنِ إلاَّ على هذا الوجْهِ.
وسَبَقَه إلى ذلك صَاحِبُ (البسيطِ)، وبَالَغَ فقالَ: ولا في كلامِ فصيحٍ. إذا عَلِمْتَ هذا فكلامُ المُصَنِّفِ يَقْتَضِي أموراً: أَحدُها: إذا كانت للعَطْفِ لا يكونُ معناها الإضرابُ وليسَ كذلك.
ثانيها: أنَّها إذا كانَتْ للإضْرابِ لا تكونُ عاطفةٌ، وهو ما عليه الجمهورُ، وظاهرُ كلامِ ابنِ مالكٍ أنَّها عاطفَةٌ، وصَرَّحَ به وَلَدُه، في (شَرْحِ الخُلاصَةِ) وكانَ بعضُ الأكَابِرِ يقولُ: لِمَ لمْ تكنْ عاطفَةٌ إذا وَقَعَتْ بعد الجُمَلِ، وما الفرقُ بينَها وبينَ الواوِ، فإنَّها تكونُ عاطفةٌ للجُمَلِ، وإنْ كانَ الحُكْمُ مَنْفِيًّا أو مُثْبَتاً تقولُ: ما قَامَ زَيدٌ ولم يَخْرُجُ عَمْرٌو، وما قَامَ بَكْرٌ وخَرَجَ خَالِدٌ، والذي يَظْهَرُ في الفرقِ أنَّ أصْلَهَا للإضْرَابِ، صَارَ ما قَبْلَها كأنَّه لم يَذْكُرْ، فكأنَّه لا شيءٌ يَعْطُفَ، وكانَ مُقْتَضَى هذا أنَّ لاَ يَعْطِفَ المُفْرَدَاتَ، لكنْ لمَّا حَصُلَ التشْرِيكُ في الإعرابِ وكانَ ما بعدَها معْمُولاً لِمَا قبْلَها ـ لم يكنْ إلغاؤهُ من هذا الوجْهِ، فلمَّا بَقِيَ تَعَلَّقَ ما قَبْلَها لِمَا بَعْدَها لم يَحْصُلُ الإضرابُ إلاَّ في نِسْبَةِ الحُكْمِ لِمَا قَبْلَها فقط، لكنْ كانَ مُقْتَضَى هذا أنْ تكونَ (حتى) عاطفةٌ إذا وَقَعَ بعدَها الجُمْلَةُ، إلاَّ أنَّها لم يكنْ أصْلَها العطفُ، بل أصْلَها الغايَةُ والانْتِهاءُ= كـ (إلى) فلمَّا وَقَعَ بعدَها الجُمَلُ لم يَتَعَّدَ بقاؤُهُا على أصَالَتِها، ولما وَقَعَ بعدَها المُفْرَدُ معَ عَدَمِ صلاحِيَّتِها للغَايَةِ، جُعِلَتْ حَرْفَ عطفٍ؛ ولهذا يُدَّعَى فيها معَ كونِها عاطفةً معنَى الغايةِ.
ص: التاسعُ: بَيْدَ بمعنى غيرَ، وبمعنَى: من أجْلٍ، وعليه، بَيْدَ أنِّي من قريشٍ.
ش: بَيْدَ ويُقالُ: مَيْدَ بالمِيمِ: اسمٌ مُلازمٌ للإضافةِ إلاَّ إنْ وصْلَتَها، ولها مَعْنِيانِ:
أَحَدُهما: بمعنَى غيرَ، ومنه الحديثُ: (نَحْنُ الآخَرُونَ السَّابِقُونَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا).
وثانيهما: بمعنَى مِن أَجْلِ، قالَه الشافِعِيُّ فيما رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ في صحيحِه عنهُ عَقَبَ الحديثُ= المُتَقَدِّمِ، وعلى هذا الحديثُ الآخَرِ: ((أنَّا أفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ) وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في (الفائقِ) هو من تأكيدِ المدْحِ بمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ.
ص: العاشرُ: ثمَّ: حَرْفُ عطْفٍ للتشْرِيكِ والمُهْلَةُ على الصحيحِ.
ش: ينْبَغِي أنْ يكونَ الخلافُ رَاجِعاً إلَيْهِما،ـ فأمَّا التشْرِيكُ فالمُخَالِفُ فيه الكُوفِيِّونَ، قالُوا: قد تَتَخَلَّفُ بِوقُوعِها زائدةً، فلا تكونُ عاطفةً البَتَّةَ، كقولِه تعالَى: {وَظَنَّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}.
وأمَّا المُهْلَةُ والمُرادُ به الترَاخِي، ولذلك قالَ سِيبَوَيْه: إذا قُلْتَ: مَرَرْتُ بِرجُلٍ ثمَّ امرأةٍ، فالمرورُ هنا مرورَانِ، يُريدُ أنَّ المرورَ الثانِيَ لم يَقَعْ إلاَّ بعدَ انْقضاءِ المُرورِ الأوَّلِ، والمخالفُ فيه الفَرَّاءُ.
قالَ: قد يَتَخَلَّفُ، بدليلِ: أَعْجَبَنِي ما صَنَعْتَ اليومَ ثمَّ ما صَنَعْتَ أَمْسِ أَعْجَبُ؛ لأنَّ (ثمَّ) في ذلك لترتيبِ الأخبارِ، ولا تَراخِي بينَ الإخبارَيْنِ، ووَافَقَهُ ابنُ مالِكٍ وقالَ: تَقَعُ (ثمَّ) في عَطْفِ المُتَقَدِّمِ بالزمانِ اكتفاءً بترتيبِ اللفْظِ وجَعَلَ منه قولَه تعالَى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} والصحيحُ الأوَّلُ، قالَ الشيخُ في (شَرْحِ الإلمامِ) ولأجْلِ إفادَةَ (ثمَّ) التَّراخِي امْتَنَعَ أنْ يَقَعَ في جوابٍ، فلا تَقولُ: إنْ تُعْطِنِي ثمَّ أنَّا أَشْكُرَكَ، كما تَقولُ: فأنَّا أَشْكُرُكَ لأنَّ الجزاءَ لا يَتراخَى عن الشرطِ، فالمعنيانِ مُتَنافِيَانِ، وكذلك أيضاًً لا يَقَعُ في بابِ الافْتِعالِ والتفاعُلِ لمُنَافَاةٍ معناها.
وقالَ ابنُ عُصْفُورٍ فيما قَيَّدَه على (الجَزُولِيَّةِ): من الدليلِ على أنَّ (ثمَّ) ليسَتْ كالواوِ، إجماعُ الفقهاءِ على أنَّه لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: يمينُ اللهِ ويَمِينُكَ، وأَجَازُوا: هذا بيَمِينِ الله ثمَّ بيمينِكَ، ولو كانَتْ بمعنَى الواوِ ما فَرُّوا إليها، وفي الحديثِ: أنَّ بعضَ اليهودِ قالَ لبعضِ أصْحَابِه: أَنْتُمْ تَزْعُمونَ أنَّكُم لا تُشْرِكُونَ باللهِ شيئاً، وأَنْتُم تَقُولُونَ: شَاءَ اللهُ وشِئْتُ، ذُكِرَ ذلك للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((لا تَقُولُوهَا، ولكنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثمَّ شِئتُ))، رَوَاهُ قَاسِمُ بنُ أَصْبَغَ، في مُسْنَدِه واعْلَمْ أنَّ الراغِبَ ذَكَرَ في (ثمَّ) عبارَةً جَامِعَةً، فقالَ: حَرْفُ عَطْفٍ يَقْتَضِي تَأَخُّرَ ما بَعْدَه عمَّا قبلَه، إمَّا تَأَخُّراً بالذاتِ أو بالمَرْتَبَةِ أو الوَضْعِ.
ص: والترتيبُ، خلافاً للعَبَّادِيِّ.
ش: في إطلاقِ حكايةِ هذا عن العَبَّادِيِّ نَظَرٌ، فإنَّه إنَّما قالَه في مَوْضِعٍ خَاصٍّ، لا في مَدْلُولِ ثمَّ، نَقَلَ القَاضِي الحُسَيْنُ عنه في بابِ الوقفِ، أنَّه لو قالَ: وَقَفْتُ على أولادِي ثمَّ على أولادِ أولادِي بَطْناً بعدَ بطْنٍ ـ فهي للترْتيبِ.
وقالَ العَبَّادِيُّ: هو للجَمْعِ. انتهى. ولعلَّ مَأْخَذَهُ أنْ (وَقَفْتُ) إنشاءٌ، فلا مَدْخَلَ للترتيبِ فيه، كقولِكِ: بِعْتُكَ هذا ثمَّ هذا، بل عَدَاهُ القاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ إلى بعضِ الأخبارِ، فقالَ في بابِ الإقْرارِ من تَعْليقِه: لو قالَ: له عَلَيَّ درْهَمٌ ثمَّ دِرْهَمٌ لزِمَه دِرْهَمَانِ؛ لأنَّ ثمَّ مِن حروفِ العَطْفِ الخالصِةِ كالواوِ غيرَ أنَّه للفَصْلِ والمُهْلَةِ ولا فائِدَةَ للفَصْلِ والمُهْلَةِ هنا، فيكونُ كقولِه: دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ. انتهى.
وهو المذهبُ، نَعَمْ، القولُ بأنَّها كالواوِ لا تَرْتِيبَ فيها ـ منقولٌ عن الفَرَّاءِ، حكاهُ السِّيَرَافِيُّ وعَزَاهُ غيرُه للأَخْفَشِ مُحْتَجًّا بقولِه: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ومعلومٌ أنَّ هذا الجَعْلَ كانَ قبلُ خَلْقِنَا، والجمهورُ تَأَوَّلُوُهُ على الترتيبِ الإخْباريِّ، وفيها مذهبٌ ثالثٌ: أنَّها للترتيبِ في المفرداتِ نحوَ: قَامَ زيدٌ ثمَّ عَمْرٌو.
ودونَ الجُمَلِ، كقولِه تعالَى: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}؛ إذ شهادةُ اللهِ تعالى مُقَدَّمَةٌ على المرْجِعِ، قالَه ابنُ بُرْهَانَ ومِثْلُه قولُ ابنِ السَّمْعَانِيِّ في (القواطعِ) تُسْتَعْمَلُ في موضعِ الواوِ مجازاً، كقولِه: {ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ}، والصحيحُ أنَّها للترتيبِ مُطْلَقاً لكنَّها في المفردِ ترتيبُ الواقعِ نحوَ: قَامَ زَيدٌ ثمَّ قَامَ عَمْرٌو، ومعَ الجُمَلِ تَدُلُّ على ترتيبِ خَبَرٍ، على خَبَرٍ لا على ترتيبِ خَبَرٍ على المُخْبَرِ عنه، كقولِه:
إِنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدَّهُ.
ص: الحادِي عَشْرٌ: حتى لانْتَهاءِ الغايَةِ غالباً، وللتعليلِ، ونَدَرَ للاستثناءِ.
ش: حتى: على أرْبَعَةِ أقْسَامٍ:
جَارَةٌ نحوَ: سِرْتُ حتى الليلِ، ومنه قولُه تعالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، وخَالَفَ فيه الكِسَائِيُّ، وقالَ: الجَرُّ بـ (إِلَى) مُضْمَرَةٌ بعد حتَّى؛ أي: حتى انْتَهَى التَّسْلِيمُ إلى مَطْلَعِ الفجْرِ.
وعَاطِفَةٌ كالواوِ، نحوَ: قَدِمَ الحُجَّاجُ حتَّى المُشَاةُ، وخَالَفَ فيه الكُوفِيُّونَ، ويُعْرِبُونَ ما بَعْدَها على إضْمَارِ عَامِلٍ.
وابتدائِيَّةٌ؛ أي: مُسْتَأْنِفٌ بعدَها الجُمَلُ، إمَّا الاسْمِيَّةِ نحوَ: حتى مَاءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ، أو الفعليَّةُ نحوَ: {حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} على قَراءَةِ الرَّفْعِ، وناصبِةً للفعلِ عندَ الكُوفِيِّينَ نحوَ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} ومَذْهَبُ البَصْرِيِّينَ، أنَّها الجَارَةُ والناصبُ (أنَّ) مُضْمَرَةً بعدَها.
إذا عَلِمْتَ هذا فإطْلاقُ المُصنِّفِ يَقْتَضِي، الغَايَةِ تَشْمَلُ جميعَ أقْسَامِها، فنَقُولُ: أمَّا الجارةُ فلا شَكَّ أنَّ معناها الغايَةُ.
واخْتُلِفَ في المجرورِ بها: هل يَدْخُلُ فيما قَبْلَها أو لا؟ على مذاهبَ:
أحدُها: وهو قولُ الجمهورِ منهم المُبَرِّدُ، وابنُ السَّرَّاجِ، والفَارِسِيُّ، والزَّمَخْشَرِيُّ، وابنُ الحاجِبِ وغيرَهم، أنُّه دَاخِلٌ، فإنَّ غايةَ الشيءِ بعضُه، واسْتَثْنَى بعضُهم ما إذا دَلَّتْ قرينَةٌ على خُروجِهِ، نحوَ: صُمْتُ حتى الفِطْرَةِ، وذَكَرَ صاحِبُ (الإيضاحِ): أنَّ سِيبَوَيْه صَرَّحَ بِأَنَّ ما بَعْدَها دَاخِلٌ فيما قَبْلَها ولا بُدَّ، لكنَّه مَثَّلَ بما هو بَعْضٌ.
والثاني: لا يَدْخُلُ ورَجَّحَهُ ابنُ عُصْفُورٍ.
والثالثُ: قد يَدْخُلُ وقد لا، وحُكِيَ عن ثَعْلَبٍ، وقالَ ابنُ مالِكٍ: حتى لانتهاءِ الغايَةِ بمَجْرُورِها أو عندَه يعني: أنَّه يُحْتَمَلُ أنْ يَكونَ دَاخلاً فيما قَبْلَها أو غيرُ داخِلٍ، فإذا قلتَ: ضَرَبْتُ القومَ حتى زيدٍ، فيُحْتَمَلُ أنْ يكونَ زيدٌ مَضْرُوباً انْتَهَى الضرْبُ به، ويَجُوزُ أنْ يكونَ غيرُ مضروبٍ انْتَهى الضرْبُ عندَه.
وذَكَرَ أنَّ سِيبَوَيْه والفَرَّاءَ أَشَارَا إلى ذلك، وتَحَصَّلَ أنَّ الجمهورَ على الدخولِ بخلافِ (إلى)، وزَعَمَ القِرَافِيِّ أنَّه لا خِلافَ في وجوبِ دُخُولِ ما بَعْدَ حتى، وأنَّه لا يَجْرِي فيها الخِلافُ الذي في (إلى) لاتِّفاقِ النُّحاةِ على أنَّ شرطَ (حتى) أنْ يكونَ ما بَعْدَها من جِنْسِ ما قَبْلَها ودَاخِلاً في حُكْمِه، وليسَ كما قالَ، بل الخلافُ فيها مشهورٌ وإنَّما الاتِّفاقُ في (حتى) العاطفةِ لا الخافضةِ، والفرقُ أنَّ العَاطِفَةَ بمنزلَةِ الواوِ فتَفَطِّنْ له، وأمَّا العاطفةُ فيَلْزَمُ أنْ يكونَ ما بعدَها غايةٌ لما قَبْلَها في زيادةٍ أو نَقْصٍ.
قالَ النَّحَّاسُ في كتابِ (الكَافِيِ) اعْلَمْ أنَّ حتى فيها معنى الغايةِ وإنْ عُطِفَ بها، ولهذا وُجِبَ أنْ تكونَ لإخراجِ شيءٍ من شيءٍ انْتَهَى، يَعْنِي: أنْ يُؤْتَى بها لِدَفْعِ ما يُتُوَّهَمُ إِخْرَاجُه معَ صِحَّةِ شُمُولِ الأدِلَّةِ له وهذا عَكْسُ إلاَّ، فإنَّه يُؤْتَى بها لإخْراجِ ما يُظَنُّ دُخُولُه، وأمَّا الاستثناءُ به فأَثَرُها واضِحٌ، وأمَّا الناصِبَةُ: فالمشهورُ أنَّ لها معنيَيْنِ:
أحدُهما: الغايةُ.
والثاني: التعليلُ، نحوَ: كَلَّمْتُه حتى يَأْمُرَنِي بشيءٍ، وعلامُة كونِها للغايةِ أنْ يَجِيءَ مَوْضِعُها (إلى أنْ)، وكونُها للتعليل أنْ يَجِيءَ مَوْضِعُها (كي) وزَادَ ابنُ مالِكٍ في (التسهيلِ) معنى ثالثاً وهو معنَى (إلاَّ)؛ أي: تكونُ للاستثناءِ المُنْقَطِعُ، لقولِ الشاعرِ:
ليسَ العطاءَ من الفضولِ سَمَاحَةٌ حتَّى تَجُودَ وما لَدَيْكَ قليلٌ
ويمكنُ جَعْلَهُ بمعنَى (إلى).
فائدةٌ: من المُهِمِّ البحثِ عن حُكْمِهِا في الترتيبِ، وكانَ يَنْبَغِي للمُصَنِّفِ التَّعَرَّضَ له، واخُتُلِفَ فيه، فقالَ ابنُ الحَاجِبِ، حتى مِثْلُ الفاءِ، يعني: في الترتيبِ، وقالَ الخفافُ= والصَّيْمَرِيُّ=: هي في العطفِ كالواوِ، وجَرَى عليه ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ العُمْدَةِ) قالَ: وزَعَمَ بعضُ المُتَأَخِّرِينَ أنَّها تَقْتَضِي الترْتِيبَ. وليسَ بصحيحٍ، بل يَجُوزُ أنْ تقولَ: حَفِظْتُ القرآنَ حتى سورةَ البَقَرَةِ، وإنْ كانَتْ أوَّلَ ما حَفِظْتَه أو مُتَوَسِّطَ، وفي الحديثِ: ((كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ حَتَّى الْعَجَزُ والكَيْسُ)). ولا ترتيبَ في تَعَلُّقِ القضاءِ بالمُقْضَياتِ، إنَّما الترتيبُ في كونِها، وتوسَّطَ ابنُ أَبَانٍ فقالَ: الترتيبُ الذي تَقْتَضِيهِ (حتى) ليسَ على تَرْتِيبِ الفاءِ، وثمَّ، وذلِك أنَّهما يُرَتِّبانِ أَحَدَ الفِعْلَيْنِ على الآخَرِ في الوجودِ، وهي تُرَتَّبُ ترتيبَ الغايةِ والنهايَةِ، ويُشْتَرَطُ أنْ يكونَ ما بَعْدَها من جِنْسِ ما قَبْلَها، ولا يَحْصُلُ ذلك إلاَّ بذِكْرِ الكُلِّ قبلَ الجُزْءِ.
قالَ الجُرْجَانِيُّ: الذي أَوْجَبَ ذلك أنَّها للغَايَةِ والدلالَةِ على أَحَدِ طَرَفِي الشيءِ، وطَرَفُ الشيءِ لا يكونُ من غيرِه؛ ولهذا كانَ فيها معنَى التعظيمِ والتحقيرِ؛ وذلك لأنَّ الشيءَ إنْ أَخَذْتَه من أعلاهُ فأَدْنَاهُ غايَتُه وهي التحقيرُ، وإنْ أَخْذَتَه من أَدْنَاهُ فأَعْلاهُ غايَتُه وهي التعظيمُ، قلتَ: وقد يَرِدُ على القائلِينَ أنَّها لَيسَتْ للترتيبِ قولُهم: إنَّها للغايةِ إمَّا في نَقْصٍ أو زيادةٍ، نحوَ: غَلَبَكَ الناسُ حتى النائِيَ، وسُبْحَانَ مَنْ يُحْصِي الأشْياءَ حتى مَثاقِيلَ الذَّرِّ، والجمْعُ بينَ الكلامَيْنِ مُشْكَلٌ، فإنَّها لو لم تكنْ للترتيبِ، لم يكنْ لاشتراطِ القوَّةِ والضعْفِ فائدَةٌ، ولو لم يَقْتَضِ التأخِيرَ عقلاً أو عَادَةً لم يُحْسِنْ ذلك، فإنَّ قلت: فائدتُه فائدةُ العمومِ، قلتُ ذلك مُسْتَفادٌ من اللفظِ قَبْلَها.
وقالَ القَّوَّاسُ: تُفِيدُ معَ الترتيبِ المُهْلَةُ، إلاَّ أنَّ المُهْلَةَ فيها أقلُّ من ثمَّ، وقيلَ: لا مُهْلَةَ فيها كالفاءِ، وقيلَ: هي بمنزلَةِ الواوِ، قالَ: والأوَّلُ أظْهَرُ لأنَّ شَرْطَها في العَطْفِ أنْ يكونَ ما بَعْدَها جُزْءاً ممَّا قَبْلَها، فلو لم تُفِدْ الترتيبَ للَزِمَ جَوَازُ تَقَدُّمِ خَبَرُ الشيءِ المُتَأَخِّرِ عليه وهو مُحَالٌ.
ص: الثانِي عَشَرَ: رُبَّ للتَّكْثِيرِ والتَّقْلِيلِ، ولا يُخْتَصُّ بأَحدِهما، خلافاً لِمَنِ ادَّعَى ذلك.
ش: اخْتُلِفَ في رُبَّ على مذاهبَ:
أحدُها: أنَّها للتقليلِ دائماً، وعليه الجمهورُ، ونَسَبَه صاحبُ (البَسِيطِ) لسِيبَوَيْه.
والثاني: للتَّكْثيرِ دائماً، وبه قالَ صَاحبُ (المُعينِ) واخْتارَهُ ابنُ دِرْسَتَوَيْه والجُرْجَانِيُّ والزَّمَخْشَرِيُّ، وعَزَاهُ ابنُ خَروفٍ وابنُ مالِكٍ إلى سِيبَوَيْه، مُسْتَدَلِّينَ بقولِه: في بابِ لم، ومعنَاها معنَى رُبَّ.
والثالثُ: أنَّها تَرِدُ لهُما، فمِنَ التَّكْثِيرِ قولِه تعالى: {رُبَمَا يُوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} وقولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا رَبُّ كَاسِيَةٍ فِي الْدُّنْيَا عَارِيَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ))، ومنَ التقْلِيلِ قولُ الشاعِرِ:
ألاَ رُبَّ مَوْلُودٍ ولَيسَ لَهُ أَبٌ وذِي وَلَدٍ لَمْ يَلَدْهُ أَبَوانٍ
ومُقْتَضَى تعبيرِ المُصنِّفِ: أنَّها تَرِدُ لهما على السواءِ فيَكُونُ مِن الأضدادِ، وهو قولُ الفارِسِيِّ في كتابِ (الحُروفِ)، لكنَّ المُختارَ عندَ ابنِ مَالكٍ أنَّها أَكثَرُ ما تَكُونُ للتكثيرِ، والتقليلُ بها نادرٌ، وهو المختارُ، ويَتَحَصَّلُ مِن ذلك أَربعةُ مَذَاهبَ، ويَخرجُ مِن كلامِ جمعٍ مِن المَغَاربةِ.
خَامسٌ: وهو أنَّها للتكثيرِ في مواضعِ المُبَاهاةِ والافتخارِ.
وسادسٌ: وهو أنَّها حرفُ إثباتٍ لم تُوضَعْ لتقليلٍ ولا تكثيرٍ، وإنَّما يُستَفَادُ ذلك مِن القَرائنِ، واختَارَهُ أَبُو حَيَّانَ، وفيه بُعْدٌ؛ للُزومِه وجودَ حرفٍ لا يُفيدُ معنًى أصلاً إلاَّ بالقَرائنِ المُصَحِّحَةِ.
ص: الثَّالثَ عَشَرَ: على الأصحِّ أنَّها قد تكونُ اسماً بمعنَى فوقَ، وتكونُ حَرْفاً.
ش: ذَهَبَ ابنُ طَاهِرٍ وابنُ خَرُوفٍ .....
وابنُ الطَّرَاوَةَ والآمِدِيِّ والشَّلَوْبِينَ إلى أنَّها اسمٌ أبداً، وزَعِمُوا أنَّه مَذْهُبُ سيِبَوَيْه، ومشهورُ مذهبُ البصريِّينَ أنَّها حَرْفُ جرٍّ، إلاَّ إذا دَخَلَ عليها حَرْفُ جرٍّ كقولِ الشاعرِ:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بعدَما تَمَّ ظَمَؤُهَا....
وزَادَ الأَخْفَشَ مَوْضِعاً آخَرَ، وهو أنْ يكونَ مجرورُها، وفاعلُ مُتَعَلِّقِها ضَمَيرَيْنِ لمُسَمٍّى واحدٍ، كقولِه تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجُكَ}.
وقالَ الفَرَّاءُ: حَرْفٌ ولو دَخَلَ عليها حَرْفُ الجَرِّ، فهذه أربعةُ مذاهبَ: حَرْفُ مُطْلَقاً، اسم مُطْلَقاً إلاَّ في مَوْضِعِ حَرْفٍ إلاَّ في موضعَيْنِ كالأخَفْشِ.
ص: للاسْتِعْلاءِ، والمصاحَبَةِ، والمجاوزَةِ، والتعليلِ والظرفيَّةِ، والاسْتِدْراكِ، والزيادَةِ.
ش: الاستعلاءُ إمَّا حِسِيٌّ، كقولِه تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}. أو معنويٌّ، كقولِه: {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} ونحوَ: عليه دَيْنٌ، كأنَّ بلُزُومِه له عَلاَ علَيْهِ؛ ولهذا يُقالُ: رَكِبَهُ الدَّيْنُ، وهذا المعنَى يُطْرَقُ أَوْجُهُهَا الثلاثَةُ، فإنَّك إذا قلتَ: زَيدٌ على الحائطِ فقد دَلَلْتَ على استعلائِه عليه، وكذا عَلاَ زيدٌ على الحائطِ، وكذا سِرْتُ مِن عليهِ، فإنَّ السائِرَ من فوقٍ مُسْتَعْلٍ على السائِرِ من أسْفَلِ، ولم يُثْبِتْ لها أكثرُ البصريِّينَ غيرَ هذا المعنَى، وأَوَّلُوا ما أَوْهَمَ خلافَه؛ ولهذا قَدَّمَهُ المُصَنِّفُ.
وأمَّا نحوُ: تَوَكَّلْتُ على اللهِ واعْتَمَدْتُ عليه، وقولُه: {وَتَوْكَّلْ عَلَى الْحَيِّ} فهي بمعنَى الإضافَةِ والإسنادِ؛ أي: أَضَفْتَ تَوَكُّلِي وأَسْنَدْتُه إلى اللهِ تَعَالَى، لا للاسْتِعْلاءِ، فإنَّها لا تُفِيدُه هَهنا حقيقةً ولا مجازاً.
ومثالُ المُصاحَبَةِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} والمُجَاوَزَةِ بمعنَى (عن) كقولِه:
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ لعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
وخَرَّجَ عليه المُزَنِيُّ وابن خُزَيْمَةَ قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ))؛ أي: عنه فلا يَدْخُلُها، والتعليلُ: {وَلُتَكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}. والظرفيَّةُ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينَ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانِ} والاسْتِدَراكِ، فلانٌ لا يَدْخُلُ الجنَّةَ لسُوءِ صُنْعِه، على أنَّه لا يَيْأَسُ من رحْمَةِ اللهِ، والزيادةُ كقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَلِفَ عَلَى يَمِينٍ) أي: يَمِيناً، وقد تُزَادُ للتَّعْويضِ من أُخْرَى محذوفَةٌ كقولِ الشاعرِ:
............. إنْ لَمْ يَجِدْ يَوْماً عَلَى مَنْ يَتَّكِلْ
أي: عَلَيْه، وفي هذا خلافُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْه أنَّ (على) و (عن) لا يُزَادَانِ.
ص: أمَّا عَلاَ يَعْلُو، فَفََعَلَ.
ش: ومنه قولُه تعالَى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} فإنَّها لو كانَتْ حَرْفاً لمَّا دَخَلَتْ على (فِي) وقد اجْتَمَعَتْ الفِعْلِيَّةِ والظَّرْفِيَّةِ في قَوْلِهِ تعالَى: {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وأَشَارَ المصنِّفُ بذلك إلى أنَّها تَأْتِي اسماً وفِعْلاً وحَرْفاً.
ونَبَّهَ بقولِه: (يَعْلُو) على أنَّ الفعليَّةَ تُفَارِقُ الاسميَّةَ بتَصَرُّفِها، قالَ لبيدُ:
يَعْلُو بِهَا حَدَبَ الإكَامِ مُسَحَّجٌ قدْ رَابَهُ عِصْيَانُها ووحَامُها
ص: الرابعَ عَشَرَ: الفَاءُ عاطفَةٌ للترتيبِ المعنويِّ والذِكْرِيِّ.
ش: مثالُ المعنويُّ: قَامَ زَيْدٌ فعَمْرٌو، والذِكْرِيُّ: هو عَطْفٌ مُفَصَّلٌ على مُجْمَلٍ هو هو في المعنَى، نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانَ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}، ونحوُ: تَوَضَّأَ فغَسَّلَ وجْهَهُ ويَدَيْهِ ومَسَحَ برَأْسِه، ورِجْلَيْه.
وقالَ الفَرَّاءُ: لا تُفِيدُ الترتيبَ، واسْتُنْكِرَ هذا منهُ معَ قولِه بأنَّها تُفِيدُ الترتيبَ، واحْتَجَّ بقولِه: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} وأُجِيبَ بأنَّها للترتيبِ الذِكْرِيُّ أو على حَذْفٍ؛ أي: أَرَدْنَا إِهْلاكُهَا، واقْتِصارُ المُصنِّفُ على هَذَيْنِ النوعَيْنِ يَخْرُجُ الترْتِيبُ في الأخْبارِ، وذَكَرَ جماعةٌ أنَّ الفاءَ تُشَارِكُ (ثمَّ) في الترتيبِ الإخْبارِيِّ كما تُشَارِكُهَا في الترتيبِ الوجُودِيِّنحو: مُطِرْناً بمَكانِ كذا فمَكانِ كذا، ورُبَّمَا لم نَذْكُرْ كيفَ نَزَلَ بها، ورُبَّمَا ذَكَرْتُ الذي كانَ أولاً وآخِراً، ونَقَلَ الشيخُ في (شَرْحِ الإلمامِ) فَصْلاً عمَّن يَرَى في الترتيبِ بثُمَّ ضَعْفاً، والقولُ بالترتيبِ الإخْبارِيِّ، قالَ بعدَ أنْ قَرُبَ أنَّ ثمَّ للترتيبِ الثاني على الأوَّلِ في الوجودِ بمُهْلَةٍ: ثمَّ تَأْتِي لتِفَاوُتِ الترتيبِ، ثمَّ قالَ: ومَجِيءُ هذا المعنَى أيضاًً مقصودٌ بالفاءِ العاطفةِ، نحوَ: خُذِ الأفْضَلَ فالأكْمَلَ، واعْمَلِ الأحْسَنَ فالأجْمَلَ، ونحوَ: يَرْحَمُ اللهُ المُحْلِقِينَ فالمَقْصِّرِينَ، فالفاءُ في الأوَّلِ لتفاوُتِ مَرْتَبَةِ الأفْضَلِ من الكمَالِ والحَسَنُ من الجَمَالِ، وفي الثاني لتِفَاوُتِ رُتَبِ المُحْلِقينَ من المُقَصِّرِينَ بالنِّسْبَةِ إلى تَحْلِيقِهِم وتَقْصِيرِهِم.
وقولِه تعالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفَّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً} تُحْتَمَلُ فيه الفاءُ المَعْنَيَيْنِ معاً، فيَجُوزُ أنْ يُرَادَ بها تَفَاوُتِ رُتْبَةِ الصَّفِّ من الزَّجْرِ،ورُتْبَةُ الزَّجْرِ من التلاوةِ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بها تفاوُتُ رُتْبَةِ الجِنْسِ للزاجرِ بالنسبةِ إلى صَفِّهِم وزَجْرِهم.
ص: وللتَّعْقِيبِ في كلِّ شيءٍ بحَسْبِه.
ش: معنَى التَّعْقِيبِ في المشهورِ كونِ الثانِي بعدَ الأوَّلِ من غيرِ مُهْلَةٍ، بخلافِ ثمَّ؛ ولهذا قالَ بعضُهم: (ثمَّ) لمُلاحَظَةِ أوَّلِ زَمَنِ المعطوفِ عليه، والفاءُ لملاحظةِ آخِرِهِ، قالَ ابنُ جِنِّي في خَاطِرِيَّاتِهِ، وقد أَجَادَ العِبَارَةَ أَبُو إِسْحَاقَ في قَوْلِهِ: الفاءُ للتَّفْرِيقِ على مُواصَلَةٍ، فقولُه: للتفْرِيقِ؛ أي: ليسَتْ كالواوِ في أنَّ ما عُطِفَ بها معَ ما قَبْلَهُ بمَنْزِلَةِ المُتَّبَعِ في لفظٍ واحدٍ.
وقولُه: على مواصَلَةٍ؛ أي: لِمَا فيها من قُوَّةِ الاتْباعِ وأنَّه لا مُهْلَةَ بينَهُما، انْتَهى، وصَارَ المُحَقِّقُونَ إلى أنَّ التعْقِيبَ في كلِّ شيءٍ بحَسَبِه؛ ولهذا يُقالُ: تَزَوَّجَ فُلانٌ فَولِدَ لهُ، إذا لم يكنْ بينَهما إلا مُدَّةَ الحَمْلِ، وإنْ كانَتْ مُتَطَاوِلَةً، ودَخَلَتِ البَصْرَةَ فالكُوفَةَ، إذا لم يُقِمْ في البصرةِ ولا بينَ البلدَيْنِ، وفي هذا انْفِصالٌ عمَّا أَوْرَدَهُ السِّيرَافِيُّ على قولِ البصرِيِّينَ: أنَّ الفاءَ للتعقيبِ في هذه الأمثلَةِ، فإنَّا نقولُ: هي للتعقيبِ على الوجْهِ الذي يُمْكِنُ.
قالَ ابنُ الحاجِبِ: المرادُ بالتعقيبِ: ما يُعَدُّ في العادَةِ تَعْقِيباً لا على سَبيلِ المُضَايَقَةِ، قَرُبَ الفِعْلَيْنِ بعدَ الثانِي عَقِبَ الأوَّلِ عادَةً، وإنْ كانَ بينَهما أزمانٌ كثيرةٌ كقولِه تعالى: {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً} الآيةَ، ونَصَّ الفارسيُّ في (الإيضاحِ) على أنَّ ثمَّ أَشَدَّ تَراخِياً من الفاءِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ الفاءَ فيها تَرَاخٍ، ووجْهُهُ ابنُ أَبِي الرَّبِيعِ بأنَّ الاتصالَ يكونُ حقيقةً ومجازاً، فإذا كانَ حقيقةً فلا تَرَاخِي فيه وإذا كانَ مجازاً ففيه تراخٍ بلا شَكَّ، نحوَ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ فالكوفةَ، وقد يكونُ التراخِي قليلاً، فيكونُ كالمُسْتَهْلَكِ، وتَوَسَّعَ ابنُ مَالِكٍ فذَهَبَ إلى أنَّها تَكونُ مَعهَا مُهْلَةٌ، كـ (ثمَّ) كقولِه تعالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فُتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةٌ} والأَحْسَنُ أنَّها للتعقيبِ على ما سَبَق.
تنبيهٌ: قضيةُ كلامِ المصنِّفِ اختصاصُ التعقيبِ بالعاطفةِ فتَخَرَّجَ الرابِطَةِ للجوابِ، وبه صَرَّحَ القاضِي أَبُو بَكْرٍ في (التقريبِ) وقالَ: إنَّها لا تَقْتَضِي التعقيبَ في الأجوبَةِ فِرَاراً من مذَهْبِ المُعْتَزَلَةِ في أنَّ الكلامَ حروفٌ وأصواتٌ، فقالُوا في قَوْلِهِ تعالَى: {كُنْ فَيَكُونَ}: إنَّ الكلامَ عندَهم القديمُ هو الكافُ والنونُ، فإذا تَعَقَّبَهُ الكائنُ فإمَّا أنْ يُؤَدِّي إلى قِدَمِ الحادثِ أو حَدَثُ القَدِيمِ.
ص: وللسَّبَبِيَّةِ.
ش: نحوَ: {فَتَلَّقَى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} وجَعَلَ منه العَبْدَرِيُّ في شَرْحِ الجُمَلِ: طَلَعَتِ الشمْسُ فوُجِدَ النهَارُ، وحديثُ: ((فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا)). فالتَّقَدُّمُ هنا بالسبَبِيَّةِ، فإنَّ لم يَتَقَدَّمْ طلوعُ الشمْسِ لوجودِ النهارِ بالزمانِ، فقد تَقَدَّمَ بأنَّه سَبَبُ وجودِ النهارِ، وكذلك الإمامُ فإنْ لم يَتَقَدَّمْ رُكُوعَه ولا سُجُودَه بالزمانِ سُجودَ المأمومِ ورُكُوعِه، فقد تَقَدَّمَاهُما بالسَّبَبِيَّةِ، وجَعَلَهُ السُّهَيْلِيُّ حقيقةً في التَّعْقِيبِ، وَرَدَ الترتيبُ والسببِيَّةُ إليه؛ لأنَّ الثانيَ بعدَها إنَّما يَجِيءٌ في عَقِبِ الأوَّلِ.
ص: الخامِسَ عَشَرَ: في للظَّرْفَيْنِ.
ش: أي: المَكَانِيُّ والزَّمَانِيُّ، واجْتَمْعَا في قَوْلِهِ تعالَى: {الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ}. والمرادُ بالظرفِيَّةِ أنْ يَكُونَ مَحَلاًّ لوقوعِ الشَّيءِ إمَّا حقيقةٌ كما سَبَقَ؛ لأنَّ الأجْسامِ هي القابِلَةُ للحُلولِ، أو مَجازاً نحوَ: نَظَرَ في الكتابِ وسَعَى في الحاجَةِ؛ لأنَّ العَلَمَ قد صَارَ وِعَاءً لنَظَرِه، ومنه قولُه تعالَى: {لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}؛ لأنَّ الرَّحْمَةَ كَأَنَّهَا صَارَتْ مُحِيطَةٌ بالمُؤْمِنِينَ إِحَاطَةَ الجِسْمِ بالجِسْمِ، وفي هذا تأكيدٌ للتفصيلِ، حيثُ أَخَرَجَ العَرَضَ إلى حُكْمِ الجَوْهَرِ، والضابطُ أنَّ الظَّرْفَ والمَظْرُوفَ إنْ كانَا جِسْمَيْنِ كزيدٍ في الدارِ، أو الظرفُ جسماً والمظروفُ عَرَضاً كالصَّبْغِ في الثوابِ، فالظَّرْفِيَّةِ حقيقةٌ، وإنْ كانا عَرَضَيْنِ كالنجاةِ في الصِّدْقِ أو الظَّرْفُ عَرَضاً والمظروفُ جِسْماً نحوَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلٍ فَاكِهُونَ} كانَتِ الظَّرْفِيَّةِ مَجَازاً
فائدة: لو قال: أَنْتِ طالِقٌ اليومَ وفي الغَدِ وفيما بعد الغَدِ، وَقَعَ في كُلِّ يومٍ طَلْقَةً؛ لأنَّ حَرْفَ (في) للظرفِيَّةِ، والظَّرْفُ لا بُدَّ له من مظروفٍ، كذا قالَهُ المُتَوَلِيُّ، قالَ الرَّافِعِيُّ: وليسَ هذا التوْجِيهُ بواضِحٍ، إذ يَجُوزُ أنْ يَخْتَلِفَ الظَّرْفُ ويَتَّحِدَ المظروفُ.
ص: وللمُصَاحَبَةِ والتَّعْلِيلِ والاسْتِعْلاءِ.
ش: مثالُ المصاحَبَةِ: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} والتعْلِيلِ: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} والاستعلاءِ: {لأَصْلِبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وهذا قولٌكُوفِيٌّ، ومَنَعَهُ بعضُهم؛ لأنَّه يَلَزَمُ منه المجازُ، فيَكُونُ مَجَازَانِ: اسْتِعْمالُ (فِي) بمَعْنَى (عَلَى) وكَوْنِ (على) ليسَ فيها العُلُوُّ على حقيقَتِه، وإنَّما هي على بابِها، وهو اختيارُ صَاحِبُ (المُفَصَّلِ) فقالَ: وقولُهم: لأنَّها في الآيةِ بمعنَى (على) يُحْمَلُ على الظاهرِ.
ص: والتوكيدُ والتَّعْويضُ وبمعنَى الباءِ، وإلى، ومِنْ.
ش: مثالُ التوكيدِ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا}.
والتَّعْويضِ؛ هي الزائدةُ عِوَضاً مِن أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ، كقولِك: ضَرَبْتُ فيمَنْ رَغِبْتُ؛ أي: فيه، قالَهُ ابنُ مالِكٍ.
والباءِ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}؛ أي: يَلْزَمُكُمْ به.
وإلى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}.
ومِنْ: كقولِ امْرُئ القَيْسِ.
وهلْ يعمن مَن كانَ أَحْدَثَ عَهْدَهُ ثلاثِينَ شَهْراً في ثلاثةِ أَحْوالٍ.
أي: مِن ثلاثةِ أَحْوالٍ، وفيه رَدَّ على ابنِ مالِكٍ حيثُ زَعَمَ أنَّه لا يُسْتَعْمَلُ (عِمْ) إلاَّ فِعْلُ أَمْرٍ.
ص: السادسَ عَشَرَ: كِي للتَّعْلِيلِ.
ش: أي: بمَنْزِلَةِ اللامِ، قالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ طَلْحَةَ: كَي: حَرْفُ سَبَبٍ وعِلَّةٍ، كذا يقولُ النَّحْوِيُّونَ، وإذا تَأَمَلَّتْ وَجَدَّتَها حرفاً يَقَعُ بينَ فِعْلَيْنِ، الأوَّلُ سببٌ للثانِي، والثانِي عِلَّةٌ للأوَّلِ، وكذا قولُك: جِئْتُكَ كي تُكْرُمُنِي فالمَجِيءُ سببٌ لوجودُ الكرامَةِ، والكرامَةُ عِلَّةٌ في وجودِ المَجِيءِ.
ص: وبمَعْنَى أنْ المَصْدَرِيَّةِ.
ش: لقولِه تعالَى: {لِكَيْلاَ تَأْسُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} فإنَّها لو كَانَتْ حَرْفَ تعليلٍ لم يَدْخُلْ عليها حَرْفُ تعليلٍ، ويَلْزَمُ اقْتِرَانُها باللاَّمِ لَفْظاً، أو تَقْديراً فإذا قلتَ: جِئْتُ لكِي تُكْرِمُنِي، فكَي هنا نَاصِبَةٌ للفِعْلِ بنَفْسِها؛ لأنَّ دخولَ اللاَّمِ عليها يُعَيَّنُ أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، وإذا قلتَ: جِئْتُ كي تُكْرِمُنِي، احْتَمَلَ أنْ تكونَ مَصْدِرِيَّةً بنَفْسِها، واللاَّمُ قَبْلَها مُقَدَّرَةٌ، وأنْ تَكُونَ حَرْفُ جَرٍّ، و (أنْ) بَعْدَها مُقَدَّرَةٌ هي الناصِبَةُ.
ص: السَّابِعَ عَشَرَ: (كلُّ) اسمٍ لاستغراقِ أفرادِ المُنْكَرِ والمُعَرَّفِ المجموعُ، وأجْزاءِ المُفْرَدِ المُعْرَّفِ.
ش: لـ (كلٍّ) ثلاثةُ أحوالٍ؛ لأنَّها إمَّا أنْ تُضَافَ إلى نَكِرَةٍ فهي للاستغراقِ في جُزْئياتِ ما دَخَلَتْ عليه، نحوَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وإمَّا أنْ تُضَافَ إلى مَعْرِفَةٍ، وتَحْتَهُ قِسْمَانٍ:
أحدُهما: أنْ يَكونَ مَجْمُوعاً نحوَ: كلُّ الرجالِ.
والثاني: أنْ يكونَ مُفْرَداً، نحوَ: كلُّ زيدٍ حَسَنٍ، فيُفِيدُ العمومَ في أجزائِه ولا خِلافَ في هذا القِسْمِ.
وأمَّا الذي قَبْلَه، فهل يَقُولُ الألِفَ واللاَّمَ تُفِيدُ العمومَ، و (كلُّ) تأكيدٌ لها، أو لِبِيانِ الحَقِيقَةِ، و (كلُّ) تأسيسٌ؟ فيه احتمالانِ لوالِدِ المُصَنِّفِ، ثمَّ قالَ: ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: أنَّ الألِفَ واللاَّمَ تُفِيدُ العُمُومَ في مَراتِبٍ ما دَخَلَتْ عليه، و (كلُّ) تُفِيدُ العُمُومَ في أجزاءِ كُلِّ من تلكِ المراتِبِ، فإذا قلتَ: كلُّ الرجالِ، أَفَادَتِ الألِفُ واللاَّمُ استغراقَ كلِّ مَرْتَبَةٍ من مَرَاتِبِ جميعِ الرجالِ، وأَفَادَتِ (كُلُّ) استغراقَ الآحادِ، وكما قيلَ في أجْزاءِ العَشَرَةِ، فيَصِيرُ لِكُلٍّ منهُما معنًى وهو أَوْلَى من التَّأْكِيدِ.
قالَ: ومِن هُنَا يُعْلَمُ أنَّها لا تَدْخُلُ على المُفْرَدِ المُعَرَّفِ بالألِفِ واللاَّمِ إذا أُرِيدَ بكُلٍّ منْهُما العمومَ، وقد نَصَّ عليه ابنُ السَّرْاجِ في (الأصولِ) قلتُ: لم لا يَجُوزُ على أنَّ (كُلَّ) مُؤَكِّدَةٌ كما هو أَحَدُ الاحْتمالَيْنِ السابقَيْنِ عندَه في المُعَرَّفِ المجموعِ، ويُمْكِنُ الفَرْقُ، وذَكَرَ أَخُو المُصَنِّفِ، أنَّ مِن دُخُولِها على المُفْرَدِ المُعْرَّفِ قولَه تعالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}. وقولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ الطَّلاَقِ وَاقِعٌ إِلاَّ طَلاقَ المَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ)). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قلتُ: وكأنَّه نَظَرَ إلى صورةِ اللفْظِ، وإلاَّ فهو في الحقيقةِ من قِسْمِ المجموعِ؛ لأنَّ المقصودَ به الجِنْسِ، ونظيرُه: كلُّ الناسِ يَغْدُو.
ص: الثامنَ عَشَرَ: اللاَّمُ للتَّعْلِيلِ، والاسْتِحْقَاقِ، والاخْتِصَاصِ والمُلْكِ.
ش: مثالُ التَّعْلِيلِ: زُرْتُكَ لشَرَفِكَ، ومنهُ قولُه تعالَى: {لَتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ}، {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلْنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وخَرَّجَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا: أَنْتِ طالِقٌ لرِضَا زيدٍ، إذا طُلِّقَ فإنَّه يَقَعُ في الحالِ رَضِيَ فُلانٌ أو سَخِطَ؛ لأنَّ اللاَّمَ للتَّعْلِيلِ.
ومثالُ الاسْتِحْقَاقِ، النَّارُ للكافرِينَ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}. قالَ بعضُهم: وهو معنَاها العامُّ لا يُفَارِقُها، ومنه الثوبُ.
ومثالُ الاختصاصِ، نحوَ: الجَنَّةُ للمؤمنِينَ، وفَرَّقَ القِرَافِيُّ بينَ الاستحقاقِ والاختصاصِ، بأنَّ الاستحقاقَ أَخَصُّ، فإنَّ ضابطَه ما شَهِدَتْ به العادةُ، كما شَهِدَتْ للفَرَسِ بالسَّرْجِ وللدارِ بالبابِ، وقد يَخْتَصُّ الشيءُ بالشيءِ من غيرِ شهادةٍ عادةً، نحوَ: هذا ابنُ زيدٍ، فإنَّه ليسَ من لوازمِ البشرِ أنْ يكونَ له وَلَدٌ، كما تَقُولُ في الفَرَسِ معَ السَّرْجِ.
ومثالُ المُلْكِ: المالُ لِزَيدٍ، قالَ الرَّاغِبُ: ولا نَعْنِي بالمُلْكِ مُلْكُ العَيْنِ، بل قد يَكونُ مُلْكاً لبَعْضِ المَنَافِعِ، أو لضَرْبٍ من التَّصَرُّفِ، فمُلْكُ العَيْنِ نحوَ: قولُه تعالَى: {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ومُلْكُ التَّصَرُّفِ، كقولِكِ لِمَنْ يَأْخُذُ مَعَكَ خَشَباً، خُذْ طَرْفُكَ لاخذ= طَرْفِي، قُلتُ: كذا جَعَلُوا المُلْكَ والاستحقاقَ قَسِيماً للاختصاصِ، والظاهرُ أنَّ أَصْلَ مَعانِيهَا الاختصاصُ، ولهذا لم يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيُّ في مُفَصَّلِهِ غيرَه، وأمَّا المُلْكُ فهو نَوْعٌ من أنواعِ الاختصاصِ وهو أَقْوَى أنْواعُه وكذلكَ الاستحقاقُ؛ لأنَّ مَن اسْتَحَقَّ منهما، فقد حَصَلَ له نَوْعُ اختصاصٍ، وحَكَى ابنُ السَّمْعَانِيِّ عن بعضِ النَّحْوِيِّينَ إنْكارَ مجيءِ اللاَّمِ للمُلِكِ، وقالُوا: إذا قيلَ: هذا أَخٌ لِعَبْدِ اللهِ، فاللاَّمُ لمُجَرَّدِ المُقَارَبَةِ، وليسَ أحدُهما في مُلْكِ الآخَرِ، وفي قَوْلِهِم: وهذا الغلامُ لعَبْدِ اللهِ، فإنَّما عَرَفْتَ المُلْكَ بدلَيلٍ آخَرَ، قالَ: وزَعَمَ هذا القائلُ أنَّ لاَمَ الإضَافَةِ تَحْتَمِلُ الأوَّلَ لاصِقاً بالثانِي فحَسْبٌ، قالَ: والذي ذَكَرْنَاهُ هذا الذي يَعْرِفُه الفقهاءُ.
ص: والصَّيْرُورَةِ؛ أي: العَاقِبَةِ.
ش: أي: تُسَمَّى لامُ العَاقِبَةِ، ولامُ المآلِ، نحوَ: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُّوًّا وَحَزَناً}. وقالَ ابنُ السَّمْعَانِيِّ في (القواطعِ) عندَي أنَّ هذا على طريقِ التَّوَسُّعِ والمجازِ، فإنَّ هذه مثالٌ لِمَا يَزْعَمُه المعتزلِةُ من تَأْوِيلِ قولِه تعالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كِثِيراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ}. قلتُ: وكذا قالَه الزَّمَخْشَرِيُّ: التحقيقُ أنَّها لامُ العِلَّةِ وأنَّ التعليلَ فيها وَارِدٌ على طريقِ المَجَازِ دُونَ الحقيقةِ، فإنَّه لم تَكُنْ داعيةُ الالتقاطِ، أنْ يَكُونَ لهم عَدُوًّا، بل المَحَبَّةُ والتَّبَنِّي، غيرَ أنَّ ذلِكَ لمَّا كانَ نَتِيجَةَ الْتِقَاطِهِم له وثَمَرَتَه، شَبَّهَ بالدَّاعِي الذي مُعَدُّ الفِعْلِ لأجْلِه، فاللاَّمُ مُسْتَعَارَةٌ لِمَا يُشْبِه التعليلُ، كما اسْتُعِيرَ الأَسَدُ لِمَنْ يُشْبِه الأَسَدُ.
وقالَ ابنُ عَطِيَّةَ: قيلَ اللاَّمُ في قَوْلِهِ تعالَى: {لِجَهَنَّمَ} لامُ العَاقِبَةِ؛ أي: مآلِهِمْ، وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ لامَ العَاقِبَةِ إنَّما تَتَصَوَّرُ إذا كانَ فِعْلُ الفاعلِ لم يُقْصَدْ ما يَصِيرُ الأمْرُ إليه، وأمَّا هنا فالفِعْلُ قًُصِدَ به ما يَصِيرُ الأمْرُ إليه من سُكْنَاهِم، واعْلَمْ أنَّ بعضَهم حَكَى عن البصريَّينَ إنْكارَ لامِ العاقبةِ، لكنْ رَأَيْنَا في كتابِ (المُبْتَدَى) لابنِ خَالَوَيْه: فأمَّا قولُه: {لِيَكُونَ لَهُمْ عُدَوًّا وَحَزَناً} فهي لامُ (كِي) عندَ الكُوفِيِّينَ، ولامُ الصَّيْرُورَةِ عندَ البصريِّينَ، انتهى.
ص: والتَّمْلِيكُ وشِبْهُهُ.
ش: مثالُه: وَهَبْتُ لزيدٍ ديناراً، وقولُه تعالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}. وشِبْهُهُ نحوَ: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} وكانَ يَنْبَغِي للمُصَنِّفِ أنْ يَذْكُرَ ممَّا سَبَقَ شِبْهُ المُلْكِ، نحوَ: أَدْوَمَ لكَ ما دُمْتَ لي.
ص: وتوكيدُ النَّفْي.
ش: نحوَ: {مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} {مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} وتُسَمَّى لامُ الجُحُودِ، لِمَجِيئِهَا بعدَ النَّفْيِ؛ لأنَّ الجَحْدَ عبارةٌ عن نَفْيِ ما سَبَقَ ذِكْرُه.
قالَ ابنُ الحَاجِبِ: وهي كلَفْظِ لامِ كي، وفَرَّقَ غيرُه بأنَّ تلكَ للتَّعْلِيلِ بخلافِ هذه، ولأنَّ هذه لو أُسْقِطَتْ لا يَخْتَلُّ المعنَى، بخلافِ المرادِ، وتلكَ لو أُسْقِطَتْ اخْتَلَّ، وبأنَّ هذه بعدَ نَفْيٍ دَاخِلٍ على (كانَ) بخلافِ تلكَ، وكانَ يَنْبَغِي للمصنِّفِ تَقْييدِ النَّفْيِ بالدَّاخِلِ على (كانَ)، لِمَا سَبَقَ.
ص: والتَّعْدِيَةُ.
ش: نحوَ: مَا أَضْرَبْ زيداً لِعَمْرٍو، وجَعَلَ منه ابنُ مالِكٍ قولُه تعالَى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}. والظاهرُ أنَّها لشِبْه التَّمْلِيكِ، وقَسَّمَ الرَّاغِبُ المُتَعَدِيَّةَ للفِعْلِ على ضربَيْنِ: ما يَمْتَنِعُ خلافُه، نحوَ: {وَتَلَّهُ لِلْجَبَينِ}. وما يَجُوزُ، نحوَ: {يُرِيدُ اللهُلِيُبَيِّنَ لَكُمْ}، وقالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ}. فأَثْبَتَ في مَوْضِعٍ وحَذَفَ في مَوضِعٍ آخَرَ.
ص: والتَّأْكِيدُ.
ش: وهي إمَّا لِتَقْوِيَةُ عَامِلٍ ضُعِّفَ بالتَّأْخِيرِ، نحوَ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلْرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}. فإنَّ الأصْلَ: إنْ كُنْتُم تُعَبِّرُونَ الرُّؤيا، فلمَّا قَدَّمَ المفعولَ، زَادَ اللاَّمَ، أو لكونِه فَرْعاً في العَمَلِ، نحوَ: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}. وهذان يَجُوزُ القياسُ علَيْهِما.
وغيرُ المَقِيسَةِ: أنْ يُزَادَ معَ المفعولِ في غيرِ ذلكَ، نحوَ: {رَدِفَ لَكُمْ}، ولم يَذْكُرْ سِيبَوَيْه زيادَةَ اللاَّمِ، وتَابَعَه الفَارِسِيُّ، وقد أَوَّلَ بعضُهم (رَدِفَ لَكُمْ) على التَّضْمِينِ، أي: اقْتَرَبَ، ويُشْهَدُ لهُ مَا في الْبُخَارِيِّ: رَدِفَ بمعنَى قَرُبَ.
ص: وبمعنَى: إِلَى، وعَلَى، وفِي، وعِنْدَ، ومِن، وعَن.
ش: مِثالُ إلَى: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}، {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}. وَأَنْكَرَ الرَّاغِبُ ذلكَ؛ لأنَّ الوَحْيَّ للنَّحْلِ، جَعَلَ ذلكَ لهُ بالتَّسْخِيرِ والإلْهَامِ، وليسَ ذلك كالوَّحْيِ المُوحَى إلى الأنْبياءِ، فنَبَّهَ باللاَّمِ على جَعْلِ ذلكَ الشيءِ لهُ بالتَّسْخِيرِ. انتهى.
وكانَ نَظِيرُه انْتَقَلَ مِن آيةِ الزَّلْزَلَةِ إلى آيةِ النَّحْلِ، وآيةُ النَّحْلِ إنَّما هي بـ (إلَى) لا باللاَّمِ، وعلى قولِه: {يُخَّرُونَ لِلأَذْقَانِ}.
وحَكَى البَيْهَقِيُّ، عَن حَرْمَلَةَ، عن الشَّافِيِّ في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاءَ))؛ أي: عليهِم، وفي: {نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
وعندَ: والمرادُ بها التَّأْقِيتُ إذا قُرِنَ بالوَقْتِ أو بما يَجْرِي مَجْرَاهُ، مثلَ: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ)). ومنهُ: كَتَبْتُهُ لخَمْسِ ليالٍ، وجَعَلَ منهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}. وجَعَلَ منه ابنُ جِنِّي قِراءَةَ الجَحْدَرِيِّ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ}؛ أي: عندَما جَاءَهُم.
ومثالُ (مِن): سَمِعْتُ له صُرَاخاً؛ أي: منهُ.
و (عَن): وهي الجارَةُ، اسمٌ مَن غَابَ حقيقةً أو حُكْماً عَن قولِ قائِلٍ يَتَعَلَّقُ به، نحوَ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}؛ أي: عَن الذينَ آمَنُوا، وإلاَّ لَقِيلَ: ما سَبَقْتُمُونَا، ولم يَخُصَّهُم بعضَهم بما بعدَ القولِ، ومثلَهُ تَقُولُ العَرَبُ: لَقِيتُهُ كفهُ؛ لأنَّهم قالُوا: لَقِيتُهُ كفه لكفِّه؛ أي: عن كَفِّه؛ لأنَّهم قالُوا: لَقِيتُهُ عن كَفِّه، والمعنَى واحدٌ، واعْلَمْ أنَّ مَجَيئِهَا لهذه المعانِي مذهبٌ كُوفِيٌّ، وأمَّا حُذَّاقُ البَصْرِيِّينَ فهي عندَهم عَلَى بابِها ثمَّ يُضَمِّنُونَ الفِعْلَ ما يَصْلَحُ معها، ويَرَوْنَ التَّجَوُّزَ في الفِعْلِ أَسْهَلُ من الحَرْفِ.
ص: التاسعَ عَشَرَ: لولاَ: حَرْفٌ معناهُ في الجُمْلَةِ الاسمِيَّةِ: امْتِنَاعُ جَوابِه لوُجودِ شَرْطِه.
ش: نحوَ: لولاَ زيدٌ لأَكْرَمْتُكَ؛ أي: لولاَ زيدٌ موجودٌ، ولا يَرِدُ قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهْمْ)). التقديرُ: لولاَ مَخَافَةَ أنْ أَشُقَّ لأَمَرْتُهُم، أَمْرُ إيجابٍ وإلاَّ انْعَكَسَ المعنَى، إذ المُمْتَنِعُ المَشَقَّةُ، والموجودُ الأمْرُ.
ص: وفي المُضَارِعَةِ التحضيضِ.
ش: نحوَ: {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ}.
والتحضيضُ: طَلَبُ بَحْثٍ، وكذا للعَرْضِ، وهو الطَلَبُ بلِينٍ، نحوَ: {لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}. وكأنَّ المُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عنه بالتحضيضِ؛ لأنَّه يُفْهَمُ من بابٍ أوْلَى، (وَأَخَّرْتَنِي) معناهُ الاستقبالُ.
ص: وفي الماضِيَةِ التَّوْبِيخُ.
ش: نحوَ: {لَوْلاَ جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}، {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ}.
ص: وقيلَ تَرِدُ للنَّفْيِ.
ش: بمَنْزِلَةِ (لم) قالَ الهَرَويُّ في (الأَزْهِيَةِ): وجَعَلَ منهُ: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ}، والجمهورُ: أنَّها للتَّوْبِيخِ؛ أي: فهلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ واحدَةٌ من القُرَى المُهْلَكَةِ تَابَتْ عندَ الكُفْرِ قبلَ مَجِيءِ العذابِ، فنَفَعَها ذلك.
ص: العشرونَ: لو شُرِطَ للمَاضِي.
ش: أي: وإنْ دَخَلَتْ على المضارعِ فإنَّها تُصْرِفُه للمِضِيِّ، والقَصَدُ أنَّها تُفِيدُ الشَّرْطُ في الماضِي، وبهذا فَارَقَتْ إنِ الشَّرْطِيَّةَ، فإنَّها تَصْرِفُ الماضِيَ إلى الاستقبالِ، وما صَرَّحَ به المُصَنِّفُ هو قولُ ابنُ مالِكٍ والزَّمَخْشَرِيِّ وغيرِهما، وأَبَى قَومٌ تَسْمِيتُها حَرْفاً؛ لأنَّ حقيقةَ الشرْطِ إنَّما تَكُونُ في الاستقبالِ، و (لو) إنَّما هي للتَّعْلِيقِ في الماضِي، فليسَتْ من أدواتِ الشرْطِ، وقيلَ: إنَّ النزاعَ لَفْظِيٌّ، فإنَّ أُرِيدَ بالشرْطِ الرَّبْطُ المَعْنَوِيُّ الحُكْمِيُّ، فلا شَكَّ أنَّها تَقَعُ شَرْطاً، وإنْ أُرِيدَ به ما يَعْمَلُ في الجُزْءَيْنِ، فلا.
ص: ويَقِلُّ للمُسْتَقْبَلِ.
ش: أي: قد يَرِدُ بمعنَى إنِ الشَّرْطِيَةَ يَلِيهَا المُسْتَقْبَلُ ويَصْرِفُ الماضِي إلَى الاسْتِقْبَالِ، كقولِه تعالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلُوْ كُنَّا صَادِقِينَ} وقولِه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاًَ خَافُوا عَلَيْهِمْ} كذا قالَهُ جماعةٌ.
وخَطَّأَهُم ابنُ الحَاجِّ في نَقْدِه على (المُقَرَّبِ) قالَ: والقاطِعُ بذلكَ أنَّكَ لا تَقُولُ: لو يَقُومُ زيدٌ فعَمْرٌو مُنْطَلِقٌ.
وقالَ بَدْرُ الدِّينِ بنُ مَالِكٍ: عندِي أنَّها لا تَكُونُ لغيرِ الشَّرْطِ في الماضِي، ولا حُجَّةَ فيمَا تَمَسَّكُوا به، لصِحَّةِ حَمْلِه على المِضِيِّ.
ص: قالَ سِيبَوَيْهِ: حَرْفٌ لِمَا كانَ سَيَقَعُ لوقوعِ غيرِه، وقالَ غيرُه: حَرْفُ امْتِناعٍ لامتناعٍ، وقالَ الشَّلَوْبِينُ: لمُجَرَّدِ الرَّبْطِ، والصحيحُ وِفَاقاً للشيخِ الإمامِ: امتناعُ ما يَلِيهِ واسْتِلْزِامُه لتَالِيه، ثمَّ يَنْتَفِي التَّالِي إنْ نَاسَبَ، ولم يَخْلُفْ المُتَقَدِّمُ غيرَه، كـ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهَ لَفَسَدَتَا} لا إنْ خَلَفَه غيرُه، كقولِكَ: لو كانَ إنساناً لكانَ حيواناً، ويُثْبِتُ التالِيَ إنْ لم يُنَافِ، ونَاسَبَ بالأوْلَى كـ (لو) لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِه، أو بالمُسَاوَاةِ كـ (لو) لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتُه لِمَا حَلَّتْ للرضاعِ، أو الأَدُونَ كقولِكَ: لو انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسْبِ لما حَلَّتِ للرضَاعِ.
ش: حَاصِلُه أنَّ في (لو) أربعُ مقالاتٍ:
أحدُها: قولُ سِيبَوَيْهِ: حَرْفٌ لِمَا كانَ سَيَقَعُ لوقوعِ غيرِه، ومعناه كما قالَ البَدْرُ بنُ مَالِكٍ: أنَّها تَقْتَضِي فِعْلاً ماضياً كانَ يَتَوَقَّعُ ثُبُوتَه لثُبُوتِ غيرِه، والتَّّوَقُّعُ غيرُ واقِعٍ، فكأنَّه قالَ: (لو): حَرْفٌ يَقْتَضِي فِعْلاً، امْتَنَعَ لامتناعِ ما كانَ يَثْبُتُ لثُبُوتِه.
والثاني: حَرْفُ امتناعٍ لامتناعٍ؛ أي: يَدُلُّ على امْتِناعِ الثاني لامتناعِ الأوَّلِ، فإذا قُلْتَ: لو جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ، أَفَادَ أنَّه مَا حَصَلَ المَجِيءُ ولا الإكرامُ، وهي عبارةُ الأكثرِينَ المُعَرَّبِينَ، وظاهِرُها غيرُ صحيحٍ لأنَّها تَقْتَضِي كونُ جوابُ (لو) مُمْتَنِعاً غيرُ ثَابِتٍ دائماً، وذلك غيرُ لازمٍ؛ لأنَّ جوابَها قد يَكُونُ ثَابِتاً في بعضِ المواضعِ، كقولِكِ لطَائِرٍ، لو كانَ إنْساناً لكانَ حيواناً فإنْسانِيَّتُه مَحْكُومٌ بامْتِنَاعِها وحَيَوانِيَّتُه ثَابِتَةٌ، وكذا قولُه في صُهَيْبٍ: ((لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ)) فَعَدَمِ المعصيَةِ مَحْكومٌ بثبوتِه؛ لأنَّه إذا كانَ ثَابِتاً على تقديرِ عَدَمِ الخَوْفِ، فالحُكْمُ بثبوتِه معَ تقديرِ ثبوتِ الخَوْفِ أَوْلَى، وكذا قولُه: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةِ أَقْلامٌ} الآيةَ، مُقَدَّمُ النَّفَاذِ ثابتٌ على تقديرِ كونِ ما في الأَرْضِ من شَجَرَةٍ =أقلام، والبَحْرِ =مداد، أو سَبْعَةِ أمثالِه، فثُبُوتُ عَدَمَ النفاذِ على تقديرِ عَدَمِ ذلكَ أوْلَى، وكذا قولُه تعالَى: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْؤ} يَقْتَضِيِ أَنَّه مَا عَلِمَ فيهِم خيراً وما أَسْمَعَهُم، ثمَّ قولُه: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ} فيَكُونُ معناهُ أنَّه ما أَسْمَعَهُم، وأنَّهم ما تَوَلَّوْا، لكنْ عَدَمُ التَّوَلِّي خَيْرٌ من الخَيْرَاتِ، فأوَّلُ الكلامِ يَقْتَضِي نَفْيَ الخَيْرِ، وآخِرُه يَقْتَضِي حصولَه، وهما مُتَنَافِيَانِ ولهذا الإشكالُ صَارَ قومٌ إلى المَذْهَبَيْنِ الآتِيَيْنِ:
والثالثُ: قولُ الشَّلَوْبِينُ: إنَّها لِمُجَرَّدُ الرَّبْطِ؛ أي: إنَّما تَدُلُّ على التَّعْلِيقِ في الماضِي كما دَلَّتْ على التَّعْلِيقِ في المُسْتَقْبَلِ، ولا تَدُلُّ على امتناعِ الشَّرْطِ ولا امتناعِ الجوابِ، وتَابَعَه ابنُ هِشامٍ الخَضْرَاوِيُّ، وهو ضعيفٌ بل جَحَدٌ للضَّرُورِيَّاتِ، فإنَّ كلَّ مَن سَمِعَ (لو فَعِلَ) فَهِمَ عَدَمُ وقوعِ الفِعْلِ من غيرِ تَرَدُّدٍ، ولهذا جَازَ اسْتِدْراكُه فتَقُولُ: لو جَاءَنِي أَكْرَمْتُه لكنَّه لم يَجِئْ.
الرابعُ: أنَّها تَقْتَضِي امتناعَ ما يَلِيهِ واسْتِلْزَامِه لتالِيهِ، وحَكَاهُ المُصَنِّفُ عن والِدِه، وهذه العبارَةُ وَقَعَتْ في بعضِ نُسَخِ (التَّسْهِيلِ) وانْتُقِدَتْ بأنَّها لا تُفِيدُ أنَّ اقْتِضَاءَها للامْتِناعِ في الماضِي، فلو قالَ: تَقْتَضِي في المَاضِي امْتِناعَ ما يَلِيهِ، كانَ أَوْضَحَ. وحَاصِلُهُ أنَّها تَدُلُّ على أَمْرَيْنِ:
أحدُهما: امْتِناعُ شَرْطِهَا، والأُخْرَى: كونُه مُسْتَلْزِماً لجَوابِها, ولا يَدُلُّ على امتناعِ الجوابِ في نَفْسِ الأمْرِ، ولا بثُبُوتِه، فإذا قلتَ: لو قَامَ زيدٌ لقَامَ عَمْرٌو. فقِيامُ زيدٍ مَحْكومٌ بانْتِفَائِه فيمَا مَضَى، وبِكَوْنِه مُسْتَلْزِماً ثُبُوتَ قِيامِ عَمْرٍو، وهل لِعَمْرٍو قيامٌ آخَرَ غيرُ اللاَّزمِ عن قيامِ زيدٍ، أو ليسَ له؟ لا تَعَرُّضَ في الكلامِ لذلك، ولكنَّ الأكْثَرَ كونُ الأوَّلِ والثاني غيرَ واقِعَيْنِ، وقولُه: ثمَّ يَنْتَفِي التالِي؛ أي: وأَمَّا التالِي فإمَّا أنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ بَيْنَه وبَيْنَ الأوَّلِ تَنَاسُباً، أو لا، فإنْ كانَ مُنَاسِباً نُظِرَ إنْ لم يَخْلُفِ المُقَدَّمُ غيرَه فالتالِي مُنْتَفٍ في هذه الصورةِ، نحوَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهَ لَفَسَدَتَا}. وقولُك: لو جِئتَنِي لأَكْرَمْتُكَ، لكنَّ المقصودَ الأعظمَ في المثالِ الأوَّلِ: نَفْيُ الشَّرْطِ رَدًّا على مَن ادَّعَاهُ، وفي الثاني: أنَّ المُوجِبَ لانْتِفاءِ الثاني هو الأوَّلُ لا غيرَ، وإنْ كانَ للأوَّلِ عندَ انتفاءِ شيءٍ آخَرَ يَخْلُفُه ممَّا يَقْتَضِي وجودَ الثانِي نحوَ: لو كانَ إنساناً لكانَ حيواناً، فإنَّه عندَ انتفاءِ الإنْسانِيَّةِ قد يَخْلُفُها غيرُها ممَّا يَقْتَضِي وجودَ الحيوانِيَّةِ، وإنْ لم يكنِ الترتيبُ بينَ الأوَّلِ والثانِي مُنَاسِباً لم يَدُلُّ على انتفاءِ الثاني بل على وجودِه من بابِ أَوْلَى، نحوَ: ((نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٍ لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ)). فإنَّ المَعْصِيَةَ مُنْتَفِيَةٌ عندَ عَدَمِ الخوفِ فعِنْدَ الخوفِ أوْلَى، ثمَّ جَعَلَ المُصَنِّفُ للمُناسِبِ مَراتِبَ:
أَحدُها: أنْ يكونَ بالأوْلَى كـ (لو) لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِه.
وثانِيها: بالمساواةِ؛ أي: تكونُ مُنَاسِبَةَ التالي مُساويَةً لمناسبةِ المُقَدَّمِ. كقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ: ((إِنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتَي فِي حِجْرِي، مَا حُلَّتْ لِي، إِنَّهَا لابْنَةَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعِ)). فإنَّ حِلَّها له عليه الصلاةُ والسلامُ مُنْتَفٍ من وَجْهَيْنِ، كونُها رَبِيبَتُه، وكونُها ابنةُ أَخِيهِ من الرضاعِ.
ثالثُها: أنْ تكونَ المُناسبَةُ في ذلك دونَ مُناسبَةِ المُقَدَّمِ، فيَلْحَقُ به أيضاًً، للاشتراكِ في المَعْنَى، كقولِكِ في أُخْتِكَ من النَّسَبِ والرَّضاعِ: لو انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ لَمَا كانَتْ حَلالاً؛ لأنَّها أُخْتٌ من الرَّضاعةِ، فتُحْرَمُ أُخْتٌ من الرَّضاعَةِ دونَ تَحْريمِ أُخْتُ النَّسَبِ، ولكنَّها عِلَّةٌ مُقْتَضِيَةٌ للتَّحْرِيمِ كاقْتِضاءِ السَّبَبِ ولو انْتَفَتْ أَقْوَى العِلَّتَيْنِ، لاسْتَقَلَّتْ الضعِيفَةُ بالتعليلِ، إذا كانَتْ في نَفْسِها صالِحَةً له، وإنَّما قالَ المُصَنِّفُ: كقولِك؛ لأنَّه لا وُجودَ له في كلامِ الشارعِ ولا العُرْفِ، وكذا قولُه: لو كانَ إنساناً لكانَ حيواناً، بخلافِ الأمْثِلَةِ الباقِيَةِ، وحاصلُ الخلافِ في إفَادَتِها الامتناعُ، أقوالٌ:
أحدُها: لا تُفِيدُه أبداً، وهو قولُ الشَّلَوْبِينِ.
والثاني: تُفِيدُ امْتِناعَ الشرْطِ وامتناعَ الجوابِ جميعاً، وهو قولُ البَصْرِيِّينَ.
والثالثُ: تُفِيدُ امتناعَ الشرطِ خاصَّةً، ولا دلالَةَ لها على امتناعِ الجوابِ ولا على ثُبُوتِه، ولكنَّه إنْ كانَ مُساوياً للشرْطِ في العمومِ، نحوَ: لو كَانَتِ الشَّمْسُ طالِعَةً كانَ النهارُ موجوداً ـ لَزِمَ انْتِفَاؤُه؛ لأنَّه يَلْزَمُ من انْتفاءِ السَّبَبِ المُسَاوِي انْتِفاءَ مُسَبِّبِه، وإنْ كانَ أَعَمٌّ، نحوَ: لو كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً كانَ الضوءُ موجوداً، فلا يَلْزَمُ انتفاءَ القَدَرِ المُساوِي فيه للشرْطِ، وعَزَاهُ بعضُ الأَئِمَّةِ المُحَقِّقِينَ، وهو ظاهرُ عبارةِ سِيبَوَيْهِ، فإنَّ قولَه: لَمَّا كانَ سَيَقَعُ، دليلٌ على أنَّه لم يَقَعْ، وهذا تصريحٌ بأنَّها دالَّةٌ على امتناعِ شَرَاطِها، وقد اعْتَنَى بَدْرُ الدِّينِ بنُ مَالِكٍ بكلامِ المُعَرَّبِينَ، وَرَدَّهُ لكلامِ سِيبَوَيْهِ، وقالَ: إنَّه يَسْتَقِيمُ على وَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ المُرادُ أنَّ جوابَ (لو) مُمْتَنِعٌ لامتناعِ الشرطِ غيرُ ثَابِتٍ لثبوتِ غيرِه، بِنَاءٌ منهُم على مفهومِ الشرطِ في حُكْمِ اللُّغَةِ لا في حُكْمِ العَقْلِ.
الثاني: أنْ يكونَ المرادُ أنَّ جوابَ (لو) امْتَنَعَ لامتناعِ شرْطِه، وقد يكونُ ثابتاً لثبوتِ غيرِه؛ لأنَّها إذا كانَتْ تَقْتَضِي نَفْيَ تالِيهَا واسْتِلْزَامِه لتالِيه، فقد دَلَّتْ على امتناعِ الثاني لامتناعِ الأوَّلِ؛ لأنَّه متى انْتَفَى شيءٌ انْتَفَى مُساوِيهُ في اللُّزومِ، معَ احتمالِ أنْ يَكُونَ ثَابِتاً لثبوتِ أَمْرٍ آخَرَ، فإذا قلتَ: لو كانَتِ الشمسُ طالعِةً، كانَ الضوءُ موجوداً، فلا بُدَّ من انتفاءِ القَدْرِ المُساوِي منه للشَّرْطِ، فصَحَّ أنْ يُقالَ: (لو) حَرْفٌ يَدُلُّ على امتناعِ الثاني لامتناعِ الأوَّلِ.
ص: وتَرِدُ للتَّمَنِّي.
ش: نحوَ: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}؛ أي: فلَيْتَ لنَا، ولهذا نَصَبَ (نكونَ) في جوابِها، كما انْتَصَبَ (فأَفُوزَ) في جوابِ ليْتَ في: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} وهل هي الامْتِنَاعِيَّةُ، أُشْرِبَتْ معنَى التَّمَنِّي لكونِها لا تَقَعُ غالباً إلاَّ بعدَ مُفْهَمِ تَمَنٍّ؟ ثلاثةُ أقوالٍ، وإلى الأخيرِ صَارَ ابنُ مالِكٍ، وغَلَّطَ الزَّمَخْشَرِيُّ في عَدِّهَا حَرْفُ تَمَنٍّ لمَجِيئِها معَ فِعْلِ التَّمَنِّي في قَوْلِهِ: {وَدُّوا لَوُ تُدْهِنُ} ولو كانَتْ لِلتَّمَنِّي لَمَا جَمَعَ بينَهما كما لم يَجْمَعْ بينَ لَيْتَ وفِعْلَ تَمَنَّ، وهذا مَرْدُودٌ؛ لأنَّ حَالَةَ دخولِ فِعْلَ التَّمَنِّي عليها لا تكونُ حَرْفُ تَمَنٍّ، بل مُجَرَّدَةٌ عنه، فمرادُ الزَّمَخْشَرِيُّ وغيرَه ممَّنْ أَثْبَتَها للتَّمَنِّي حيثُ لم تَلِ فِعْلَ تَمَنٍّ.
ص: ولِلْعَرْضِ والتَّحْضِيضِ.
ش: فالأوَّلُ: نحوَ: لو تَنْزِلُ عندَنا فتُصِيبُ خيراً، والثاني: لو فَعَلْتَ كذا يا هذا، بمعنَى افْعَلْ، والفرقُ بينَهما أنَّ العَرْضَ طَلَبٌ بلِينٍ، والتحضيضُ طَلَبٌ بِحَثٍّ، وقَلَّ مَن ذَكَرَ التحضيضَ، وقد ذَكَرَهُ العَكْبَرَاوِيُّ في (الشامِلِ) ومثلُه بما ذَكَرَنَا، قالَ: وأكثرُ ما تَجِيءُ معَ ما.
ص: والتقليلُ نحوَ: ولو بِظُلْفٍ مُحْرَقٍ.
ش: أَثْبَتَهُ ابنُ هِشَامٍ الخَضْرَاوِيُّ، وابنُ السَّمْعَانِيِّ في (القواطعِ)، والحقُّ أنَّه مُسْتَفَادٌ ممَّا بعدَها لا مِن الصِّيغَةِ، والظَّلَفُ بالكَسْرِ: للبَقَرِ والغَنَمِ، كالحافِرِ للفَرَسِ، وإنَّما لم يُمَثِّلِ المُصَنِّفُ: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوُ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، ((الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتِماً مِنْ حَدِيدٍ)). معَ أنَّهما أَصَحُّ ممَّا ذَكَرَه، لإفَادَتِه النهايةُ في التقليلِ بخلافِ التَّمَرَةِ والخَاتَمِ.
ص: الحَادِي والعشرونَ: (لَنْ) حَرْفُ نَفْيٍ ونَصْبٍ واسْتِقْبَالٍ، ولا تُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ ولا تَأْبيدِه، خلافاً لِمَا زَعَمَه.
ش: (لَنْ) تَنْصِبُ المضارعَ وتُخْلِصُه للاستقبالِ، نحوَ: لَنْ يَقُومَ زَيدٌ، وهي تُفِيدُ مُطْلَقُ النَّفْيِ، وزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ في (الكَشَّافِ) أنَّها تُفِيدُ تَأْكِيدَ النَّفْيِ، وفي (الأَنْمُوذَجِ) تُفِيدُ تَأْبيدِه، قالَ ابنُ مَالِكٍ: وحَمَلَه على ذلك اعتقادُه أنَّ اللهَ تعالَى لا يُرَى، وهو اعتقادٌ باطلٌ.
وقالَ ابنُ عُصْفُورٍ، ما ذَهَبَ إليه دَعْوَى بلا دليلٍ عليها، بل قد يكونُ النَّفْيُ بـ (لا) آكِدٌ من النَّفْيِ بـ (لن)؛ لأنَّ المَنْفِيَّ بـ (لا) قد يكونُ جواباً للقَسَمِ، والمَنْفِيَّ بـ (لن) لا يكونُ جواباً له، ونَفْيُ الفِعْلِ إذا أَقْسَمَ عليه آكِدٌ، ورَدَّهُ غيرَه بأنَّها لو كانَتْ للتَّأْبيدِ لم يُقَيَّدْ مَنْفِيهَا باليومِ في قَوْلِهِ تعالَى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}، ولكانَ ذَكَرَ الأبَدُ في قَوْلِهِ تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} تِكْرَاراً، إذِ الأصْلُ عَدَمُه، بقولِه تعالَى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} ولو كَانَتْ للتَّأْبيدِ لَمَا صَحَّ أنْ يُوَقِّتَ.
قلتُ: ووافَقَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الثاني ابنُ عَطِيَّةَ، واقْتَضَى كلامُه أنَّها مَوْضُوعَةٌ في اللُّغَةِ لذلكَ، حتى قالَ: ولو بَقِينَا على هذا النَّفْيِ بمُجَرَّدِه لتَضَمَّنَ أنَّ مُوسَى لا يَرَاهُ أَبَداً ولا في الآخِرَةِ، لكنْ وَرَدَ من جِهَةٍ أُخْرَى في الحديثِ المُتَواتِرُ أنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَرَوْنَهُ.
قلتُ: ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرادُه أنَّ نَفْيَ المُسْتَقْبَلِ بعدَها يَعُمُّ جميعَ الأزْمِنَةِ المُسْتَقْبَلَةِ من جِهَةِ أنَّ الفِعْلَ نَكِرَةٌ، والنكرةُ في سِياقِ النَّفْيِ تَعُمُّ.
وَوَافَقَ الزَّمَخْشَرِيُّ في الأوَّلِ جماعَةٌ منهم ابنُ الخَبَّازِ في (شَرْحِ الإيضاحِ) فقالَ: (لن) لِنَفْيِ المُضَارِعُ على جِهَةِ التَّأْكِيدِ، ونَفْيهُ أَبْلَغُ من نَفْيِ (لا) ألاَ تَرَى أنَّه يُسْتَعْمَلُ في المواضِعِ التي يَسْتَمِرُ عَدَمِ الاتصالِ فيها كقولِه: {لَنْ تَرَانِي} ليسَ لا يَرَاهُ في الدُّنْيَا، وقولُه: {وَلَنْ يَخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ}؛ لأنَّ خُلْفُ= الوَعْدِ على اللهِ مُحَالٌ، ومنهم صَاحِبُ (التِّبْيَانِ) فقالَ: إنْ (لن) لنَفْيِ المَظْنُونِ حُصوله= ولا لنَفِي المَشْكُوكِ فيه، فـ (لن) آكِدٌ، وأنَّ (لن) تَنْفِي ما قَرُبَ، ولا يَمْتَدُّ معنَى النَّفْيِ فيها كما يَمْتَدُّ في (ما)؛ لأنَّ ما آخِرُه ألِفٌ يَمْتَدُّ معه الصُّوْتُ بخلافِ ما في آخِرِه نُونٌ، وقد رَدَّ عليه ابنُ عَمِيرَةَ في (التَّنْبِيهَاتِ) هذا الكلامُ وقيلَ: إنَّ السُّهَيْلِيَّ ذَكَرَهُ في (نَتَائِجِ الفِكْرِ).
ص: وتَرِدُ للدُّعاءِ وِفَاقاً لابنِ عُصْفُورٍ.
ش: أي: كَمَا أنَّ (لا) لذلكَ حَكَاهُ ابنُ السَّرَّاجِ عن قَوْمٍ، وخَرَّجَ عليه.
قولَه تعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} والصحيحُ عندَ ابنِ مالِكٍ وغيرِه، أنَّه يُسْتَعْمَلُ في الدُّعاءِ من حروفِ النَّفْيِ إلاَّ (لا) خاصَّةً، ولا حُجَّةَ فيما اسْتَدَلُّوا به لاحْتِمَالِ أنْ يَكُونَ خَبَراً، ولأنَّ الدُّعاءَ لا يَكُونُ للمُتَكَلِّمِ، اعْلَمْ أنَّ عِبَارَةَ (التَّسْهِيلِ) ولا يَكُونُ الفِعْلُ مَعَها دعاءً خلافاً لبعضِهم، وبه ظَهَرَ أنَّ تَعْيينِ المُصَنِّفِ مُنْتَقِدٌ.
ص: الثاني والعِشْرونَ: (ما) تَرِدُ اسْمِيَّةٌ وحَرْفِيَّةٌ مَوْصُولَةٌ، ونَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وللتَّعَجُّبِ واسْتِفْهَامِيَّةٌ وشَرْطِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ وغيرُ زَمَانِيَّةٍ.
ش: تَرِدُ (ما) اسماً وحَرْفاً، فالاسْمِيَّةُ: هي التي يَكُونُ لها مَوْضِعٌ من الإعْرابِ، والحَرْفِيَّةُ خلافَ ذلك، وللاسِمِيَّةُ مَوارِدٌ:
أحدُها: أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةٌ، وهي ما صَلَحُ في مَوْضِعِها (الذي) نحوَ: يُعْجِبُنِي ما عندَك، ونحوَ: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}.
ثانيها: نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، وتُقَدَّرُ بشيءٍ نحوَ: مَرَرْتُ بِمَا مُعْجَبٌ لكَ؛ أي: بشيءٍ، وأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
رُبَّمَا تَكْرُه النُّفُوسَ من الأمْرِ لَهُ فُرْجَةً كَحَلِّ العِقَالِ
أي: رُبَّ شَيءٍ وتَكْرَهُ النُّفوسَ، صِفَةً لَهُ، والعَائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أي: تَكْرَهُهُ.
ثالثُها: تَعَجُّبِيَّةٌ، نحوَ: مَا أَحْسَنَ زَيداً؛ أي: شيءً، والفِعْلُ بعدَها في مَوْضِعِ خَبَرِها، كأنَّه قيلَ: شيءٌ أَحَسَنَ زيداً؛ أي: صَيَّرَهُ حَسَناً عندِي، وجَازَ الابْتِدَاءُ بالنَّكِرَةِ لمَكانِ التَّعَجُّبِ، كما جَازَ في قَوْلِهِم: عَجَبٌ لزيدٍ، وهذا على مذهبِ سِيبَوَيْهِ.
وقالَ الأخْفَشُ: مَوْصُولَةٌ، والفِعْلُ بعدَها صِلَةٌ، والخَبَرُ محذوفٌ لازِمُ الحَذْفِ، وحَمَلَهُ على ذلكَ اعْتِقَادَه أنَّه لم تُوجَدْ (ما) نَكِرَةٌ غيرَ مَوْصُوفَةٍ إلاَّ في شَرْطٍ أو اسْتِفْهَامٍ، وهو باطلٌ، بدليلِ قولِهم: غَسْلَته غسلاً نعما=، وممَّا يُفْسِدُ قولُه: إنَّ التَّعَجُّبَ إنَّما يكونُ من شيءٍ خَفِيِّ السَّبَبِ، واعْلَمْ أنَّ هذه لَيْسَتْ قَسِيماً للنَّكَرَةِ كما يُوهِمُ= كلامُ المُصَنِّفِ، بل النَّكِرَةُ قِسمَانِ: نَاقِصَةٌ وهي المَوْصُوفَةٌ، وتَامَّةٌ وهي التَّعَجُّبِيَّةٌ، نحوَ: ما أَحَسَنَ زيداً؛ أي: شيءٌ حَسَنُ زيداً.
رابعُها: اسْتِفْهَامِيَّةٌ: نحوَ: {وَمَا تِلْكَ بِيمَينِكِ يَا مُوسَى} ثمَّ إمَّا أنْ يُسْتَفْهَمَ بها مُسْتَثْبِتاً أو غيرَ مُسْتَثْبِتٍ، فإنْ كُنْتَ غيرَ مُسْتَثْبِتٍ لم يَجُزْ حَذْفُ إلاَّ معَ الخوافضِ، نحوَ: بِمَ جِئْتَ وعَمَّ سَأَلْتَ؟ وإلامَ سِرْتَ؟ قالَ تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} {وَبِمَ تُبَشِّرُونَ} ولا تُحْذَفُ معَ غيرِ الخَافِضِ إلاَّ في ضرورةٍ، وإنْ كُنْتَ مُسْتَثْبِتاً حَذَفْتَ أَلَفَها معَ الخافضِ، فإذا قلتَ: رَأَيْتُ شيئاً حَسَناً، قلتَ له: مَا رَأَيْتُ أو رَأَيْتُ بهِ.
خامِسُها: الشَّرْطِيَّةُ، نحو: ما تَصْنَعُ وأَصْنَعُ؛ أي: إنْ تَصْنَعَ شيئاً أَصْنَعَه، وهي تَنْقَسِمُ إلى زَمَانِيَّةٍ، نحوَ: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ}؛ أي: اسْتَقِيمُوا لهم مُدَّةَ اسْتِقامَتِهم لَكُم. وقد أَثْبَتَ ذلك الفَارِسِيُّ وابنُ مالِكٍ.
وإلى غيرِ زَمانِيَّةٍ: {مَا نَنْسَخُ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}. وذَكَرَ إمامُ الحَرَمَيْنِ في بابِ الطلاقِ من (النهايةِ) قَوْلُ الأصحابِ في: كُلَّمَا لم أُكَلِّمُكِ فأَنْتِ طالِقٌ، إنَّه لِلْفَوْرِ، وليسَ فيه تَعَرُّضٌ للوَقْتِ، وأَجَابَ بأنَّ أهلَ العَرَبِيَّةِ أَجْمَعُوا على أنَّ (ما) في (كُلَّمَا) ظَرْفُ زَمانٍ؛ يعنِي بمَثَابَةِ إذا قلتَ: وإنَّما الذي أَجْمَعُوا عليه انْتِصابَ (كلَّ) في (كلَّما)، على الظرفِيَّةِ، وجَاءَتِ الظَّرْفِيَّةُ من جِهَةِ ما، فإنَّها مُحْتَمِلَةٌ؛ لأنَّ تَكُونَ اسْماً نَكِرَةً بمعنَى وَقْتٌ، أو حَرْفاً مَصْدَراً، والأصْلُ: كُلُّ وقْتٍ لم يَحْصُلْ كَلامٌ، ثمَّ عَبَّرَ عن معنَى المَصْدَرِ بمَا والفِعْلِ، ثمَّ أَنْبَأَ عن الزمانِ.
ص: ومَصْدَرِيَّةٌ كذلك، ونَافِيَةٌ كذلك وزَائِدَةٌ كَافَّةٌ، وغيرُ كَافَّةٍ.
ش: للحَرْفِيَّةِ اسْتعْمَالاتٍ:
أحدُها: أنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةٌ؛ أي: يَكُونُ ما بَعْدَها في تَأْويلِ المَصْدَرِ، نحوَ: أَعْجَبَنِي ما قُلْتَ؛ أي: قَوْلُكَ، وأَشَارَ بقولِه: {كَذَلِكَ} إلى أنَّها تَجِيءُ ظَرْفِيَّةً وغيرُ ظَرْفِيَّةٍ، فغيرُ الظَّرْفِيَّةِ: يُعْجِبُنِي ما تَقُومُ؛ أي: قِيامُكَ، وقولُه تعالى: {لَمَا تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمْ}؛ أي: لوَصْفٍ.
والظَّرْفِيَّةُ؛ أي: تَقَعُ مَوْقِعَ الظَّرْفِ، نحوَ: {مَا دُمْتُ حَيًّا}؛ أي: مُدَّةَ دَوَامِي حياًّ {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وتَقْسِيمُ المَصْدَرِيَّةِ كذلك ذَكَرَهُ الجَزُولِي، ونَازَعَ فيه ابنُ عُصْفُورٍ؛ لأنَّ الظرفِيَّةَ، ليْسَتْ من معانِي (ما) بل معَ الفِعْلِ بمَنْزِلَةِ المَصْدَرِ، والمَصَادِرُ قد تُسْتَعْمَلُ ظُروفاً؛ لقولِهم: أَتَيْتُكَ خُفُوقَ= النَّجْمِ أو خِلافَةَ= فُلانٍ؛ أي: مُدَّةَ خُفُوقِ النَّجْمِ ومُدَّةَ خَلافَتِه، فلا يَنْبَغِي أنْ تُعَدَّ قَسِيماً للمَصْدَرِ.
ثانيها: نَافِيَةٌ، إمَّا عَامِلَةٌ، كقولِه تعالَى: {مَا هُنَّ أُمْهَاتِهِمْ} أو غيرَ عَامِلَةٍ، نحوَ: مَا قَامَ زَيدٌ ومَا يَقُومُ عَمْرٌو.
ثالثُها: الزَّائِدَةُ، وهي إمَّا كَافَّةٌ أو غيرَ كَافَّةٍ، فالكَافَّةُ إمَّا عَن عَمَلِ الرَّفْعِ، نحوَ: (قَلَّمَا) و (طَالَمَا).
أو النَّصْبِ والرَّفْعِ، وهي المُتَّصِلَةُ بإنَّ وأَخَواتِها، نحوَ: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.
أو الجَرِّ، وهي المُتَّصِلَةُ بُرُبَّ، وغيرُ الكافَّةِ، إمَّا عِوَضاً، أمَّا أنتَ مُنْطَلِقاً انْطَلَقْتُ، أو غيرُه نحوَ: شَتَّانَ ما بينَ زَيدٍ وعَمْرٍو.
ص: الثالثُ والعشرونَ: (مِن) لابْتِداءِ الغَايَةِ غَالِباً.
ش: أي: ويُعْرَفُ بأنْ يُذْكَرَ معَها (إلى) التي للغَايَةِ لَفْظاً، نحوَ: سِرْتُ مِن البَصْرَةِ إلى بَغْدَادَ.
أو تَقْدِيراً، بأنْ يَتَعَرَّضَ للابْتِداءِ من غيرِ قَصْدٍ إلى انْتِهاءٍ مَخْصُوصٍ، إذا كانَ المعنَى لا يَقْتَضِي إلاَّ المُبْتَدَأَ منه، نحوَ: أَعُوذُ باللهِ من الشيطانِ الرَّجِيمِ، وزَيدٌ أَفْضَلُ من عمرٍو ونحوِه.
وقالَ الخَفَافُ: معنى الابتداءُ به التي يَقَعُ بعدَها المَحَلُّ الذي ابْتَدَأَ منه الفِعْلُ، نحوَ: جِئْتُ من المَسْجِدِ؛ أي: ابْتِداءُ المَجِيءِ منه، ولا بُدَّ بعدَها من ذِكْرِ مَوْضِعِ الانْتِهاءِ، وقد يُحْذَفُ للعِلْمِ به، وقد يَقَعُ بعدَها المَحَلُّ الذي وُجِدَ فيه ابتداءُ الفِعْلِ وانْتِهاؤُهُ كأَخَذْتُ المَالَ من الكيسِ.
وأَشَارَ المُصَنِّفُ بقولِه (غالباً) إلى أنَّه الغالبُ عليها، حتى قالَ بعضُهم: إنَّها حيثُ وُجِدَتْ كانَتْ لابتداءِ الغَايَةِ، وسائِرِ مَعانِيهَا تَرْجِعُ إليه، تَقُولُ: أَخَذْتُ من الدَّراهِمِ، فقد جَعَلَ مالَه ابتداءَ غايةِ ما أَخَذَ، إنَّما دَلَّ على البَعْضِ من حيثُ صَارَ ما بَقِيَ انْتِهاءٌ له، قالَ ابنُ السَّمْعَانِيُّ: هذا قولُ النَّحْوِيِّينَ، وأمَّا الذي يَعْرِفُه الفقهاءُ، فهو لابتداءِ الغايَةِ والتَّبْعِيضِ جميعاً، وكلُّ واحدٍ في مَوضِعِه حقيقةٌ، ثمَّ هي لابتداءِ الغايَةِ في المكانِ اتِّفاقاً، نحوَ: {مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ}.
وفي الزمانِ عندَ الكُوفِيِّينَ، نحوَ: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، {وَمِنَ الْلَيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ}، و {للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}. وصَحَّحَهُ ابنُ مالِكٍ وغيرُه لكَثْرَةِ شَواهِدِه، وتَأَوْيلُ البَصْرِيِّينَ مُتَعَسِّفٌ، لكنْ ذَكَرَ ابنُ أَبِي الرَّبِيعِ أنَّ مَحَلَّ الخِلافِ بينَ الفريقَيْنِ في أنَّ (مِن) هل يَجُوزُ أنْ تَقَعَ مَوْقِعَ مُدَّةَ، فإنَّها لابتداءِ غايةِ الزمانِ بلا خلافٍ، فالبَصْرِيُّونَ يَمْنَعُونَ ذلك، والكُوفِيِّونَ يُجِيزُونَهُ، وما وَرَدَ في القرآنِ لا يُحْتَجُّ به على البَصْريِّينَ؛ لأنَّه لم يَرِدْ مُدَّةً، قبلُ وبعدُ.
(ص) وللتَّبْعِيضِ.
(ش) نحوَ: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ}، وعلامَتُها جَوازُ الاسْتِغْنَاءِعنها بـ (بعضِ)، وهنا بَحْثَانِ:
أحدُهُما: أنَّه يَظُنُّ تَساوِي الصِّيغَتَيْنِ، أَعْنِي، (بعضَ) و (مِن) قالَ ابنُ أَبِي الرَّبِيعِ: كانَ بعضُهم يقولُ ذلك، وليسَ كما قالَ. قالَ: فإذا قُلْتَ: أَكَلْتُ من الرَّغِيفِ دَلَّتْ (مِن) على أنَّ الأكْلَ وَقَعَ بالرَّغِيفِ على جِهَةِ التَّبْعِيضِ، أو مُتَعَلِّقُ الأكْلِ بالرَّغِيفِ على وَجْهَيْنِ؛ إمَّا على أنَّها عَمَّهُ أو خَصَّ بعضَه، فدَخَلَتْ (مِن) لِبَيانِ ذلك.
وإذا قلتَ: أَكَلْتُ بعضَ الرَّغِيفِ، فليسَ الرَّغِيفُ مُتَعِلِّقُ الأكْلِ، وإنَّما مُتَعَلِّقُ البَعْضِ، وسِيقَ الرَّغِيفُ لتَخْصِيصِ ذلك البعضِ وزَوالِ= شِياعِه.
وإذا قلتَ: أَكَلْتُ من الرَّغِيفِ، فالرَّغِيفُ مُتَعَلِّقُ الأكْلِ، ودَخَلَتْ للتَّبْيينِ؛ إنَّه لم يَتَعَلّ‍َقْ به على أنَّه عَمَّه، بل تَعَلَّقَ به على أَنَّه وَقَعَتْ به على جِهَةِ التَّبْعِيضِ.
الثاني: في صِدْقِ البَعْضِ على النِّصْفِ أو ما دُونَه قولانٍ لأهلِ اللُّغَةِ، وقياساً جَرَيانُه هنا، ويَدُلُّ للثاني قولُه تعالَى: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرَهُمُ الْفَاسِقُونَ}. وقالَ الإمِامُ في كتابِ (الوَكَالَةِ من النِّهايَةِ) لو قالَ: بِعْ من عَبِيدِي مَن شِئْتَ، ليسَ للوَكِيلِ أنْ يَبِيعَ جَمِيعَهم، فإنَّ (مِن) تَقْتَضِي التَّبْعِيضِ، فلو بَاعَ جَمِيعَهم إلاَّ واحداً نَفُذَ باتفاقِ الأصحابِ، وإن كانَ التَّبْعِيضُ في النَّظَمِ= المَعْرُوفِ، رُبَّمَا يُورَدُ على النِّصْفِ ممَّا دُونَه قالَ: وهذا يُنَاظِرُ الاسْتِثْنَاءَ، فإنَّ الغَالِبَ اسْتِثْنَاءُ الأقَلِّ واسْتِبْقَاءُ الأكْثَرِ، ولكنْ لو قالَ: على عَشْرَةٍ إلاَّ تِسْعَةٍ، صَحَّ وجُعِلَ مُقِرًّا بِدِرْهَمٍ.
ص: ولِلتَّبْيينِ:
ش: نحوَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}. فإنَّ الأوثانَ كلُّها رِجْسٌ، فجَاءَ التَّبْيينُ بمَا بَعْدَها لجِنْسِ الذي قَبْلَها، وقولُه: {خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ}، وقولُه {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}؛ أي: الذي هُمْ أَنْتُمْ؛ لأنَّ الخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فلا يُتَصَوَّرُ أنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةٌ.
وعلامَتُها أنْ يَصِحَّ جَعْلَ= الذي مكانَها، فإنَّه لو قيلَ: اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الذي مِن الأوثانِ لصَحَّ‌، أو أنْ يَكُونَ ما بعدَها وَصْفاً لِمَا قَبْلَها، لصِحَّةِ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الوَثَنِيَّ، وجَعَلَ منه صَاحِبُ (الأَزْهِيَةِ) قولُ سِيبَوَيْهِ: هذا بابُ علم ما الكلم من العربِيَّةِ=؛ لأنَّ الكَلِمَ قد يَكُونَ عَرَبِيًّا وعَجْمِيًّا، فبَيَّنَ المُرادُ وهو العربِيَّةُ، كأنَّه قالَ: ما الكَلِمُ، الذي هو العربِيَّةُ.
وحَكَى الصيمريُّ من أَصْحَابِنَا عن الشَّافِعِيِّ فيما لو قالَ له: من هذا المَالُ ألْفٌ، فكانَ المالُ كلُّه أَلْفاً، إنَّه إقرارٌ بجَميعِه حَمْلاً، لـ (مِن) على التَّبْيينِ.
ص: والتَّعْلِيلُ والبَدَلُ.
ش: مثالُ الأوَّلِ: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ}. والثاني: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ}.
ص: والغَايَةُ:
ش: يُحْتَمَلُ تَعْبِيرُهُ بالغايَةِ دونَ انتهاءِ الغايةِ؛ أمَرَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ الغايةَ كلُّها، وحَكَاهُ ابنُ أَبِي الرَّبِيعِ عن قوم،ٍ نحوَ: أَخَذْتُ من الياقوتِ، فالياقوتُ مُبْتَدَأُ الأَخْذِ ومُنْتَهاهُ، فدَخَلَتْ (مِن) الغايَةُ كلَّها، قالَ: وهذا إذا حُقِّقَ رَجَعَ لابتداءِ الغايَةِ؛ لأنَّها دَخَلَتْ، ولَمَّا لم يكنْ لِلْفِعْلِ امتدادٌ، وَجَبَ أنْ يكونَ المبتدأُ والمُنْتَهَى واحدٌ، ألاَ تَرَى مِن لا يَجِدُها للانتهاءِ خاصَّةً، وإنَّما تكونُ للابتداءِ وما زَادَ على ذلك فبالانْجرارِ.
والثاني: وهو الظاهرُ أنَّه على حَذْفِ مُضَافٍ؛ أي: انتهاءِ الغَايَةِ، منزلَة= (إلى) فتَكُونُ لابتداءِ الغايَةِ من الفاعَلِ، ولانتهاءِ غايةَ الفِعْلِ من المفعولِ، مثلَ: رَأَيْتُ الهِلالَ مِن دَارِي من خَلَلِ السحابِ؛ أي: مِن مَكانِي إلى خَلَلِ السحابِ، فابتداءُ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ من الدارِ وانْتِهاؤُها في خللِ السحابِ.
وذَكَرَ ابنُ مالِكٍ أنَّ سِيبَوَيْهِ أَشَارَ إلى هذا المعنَى، وأَنْكَرَهُ جماعةٌ، وقالُوا: لم يَخْرُجْ عن ابتداءِ الغايَةِ، لكنَّ الأوْلَى ابتداؤُها في حقِّ الفاعلِ، والثانيةَ في حقِّ المفعولِ؛ لأنَّ الرؤيةَ إنَّما وَقَعَتْ بالهِلالِ، وهو في خَلَلِ السحابِ، ومنهم مَن جَعَلَها في الثانيةِ لابتداءِ الغايَةِ أيضاًً، إلاَّ أنَّه جَعَلَ العامِلَ فيها فِعْلاً، كأنَّه قالَ: رَأَيْتُ الهلالَ من دَارِي ظاهِراً من خَلَلِ السحابِ، وَرَدَ بأنَّ الخَبَرَ المحذوفَ الذي يَقُومُ المجرورُ مَقَامَه، إنَّما يَكُونُ بما يُنَاسِبُ معنَاهُ الحَرْفُ، و (مِن) الابتدائِيَّةُ لا يُفْهَمُ منها معنَى الكَوْنِ ولا الظهورِ، فلا يَنْبَغِي أنْ يُحْذَفَ، ومنهم مَن جَعَلَها بَدَلاً من الأُولَى.
ص: وتَنْصِيصُ العُمُومِ.
ش: وهي الدَّاخِلَةُ على نَكِرَه=، لا تَخْتَصُّ بالنَّفْيِ، نحوَ: مَا جَاءَنِي مِن رَجُلٍ، فإنَّه قَبْلَ دُخُولِها تَحْتَمِلُ نَفْيَ الجِنْسِ ونَفْيَ الواحِدِ؛ ولهذا يَصِحُّ أنْ تَقُولَ: بل رَجُلانِ، ويَمْتَنِعُ ذلك بعدَ دُخولِ (مِن)، أمَّا الواقِعَةُ بعدَ الأسماءِ العامَّةِ التي لا تُسْتَعْمَلُ إلاَّ في النَّفْيِ فتُفِيدُ معنَى التَّأْكِِيدِ لا غيرَ، نحو: ما جَاءَنِي مِن أَحَدٍ، فهو كقولِك: ما جَاءَنِي أَحَدٌ سِواهُ، قالَهُ الخَفَافُ والصَّيْمَرِيُّ وابنُ بَابَشَاذٍ وغيرُهم، أمَّا الواقعةُ في الإثباتِ، فلا يَجُوزُ زِيادَتُها خلافاً للكوفيِّينَ: ولا حجه= لهم فيه {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} لجَوازِ إرادَةِ البعْضِ، فإنَّ من الذنوبِ حُقوقاً لعِبادِه، واللهُ لا يَغْفِرُها بل يَسْتَوْهِنُها، وما نُقِلَ أنَّ قولَه: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ} إنَّما وَرَدَ في قومِ نُوحٍ، ولو سَلَّمَ أنَّها في هذه الآيةِ الأمَّةُ، فلا بُدَّ أنْ يَغْفِرَ بعضُ الذنوبِ لقومٍ، وجميعُها لآخَرِينَ.
ص: والفَصْلُ.
ش: نحوَ: {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحَ} وتَعَرَّفْ بدُخولِها على ثانِي المُتَضَادَيْنِ.
ص: ومُرادَفَةُ (الباءُ) و (في) و (عندَ) و (على).
ش: فالأوَّلُ: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}. قالَ يُونُسُ: أي بطَرْفٍ خَفِيٍّ، وتُحْتَمَلُ ابتداءُ الغايَةِ.
والثاني: نحوَ: {مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} كذا قالُوا، والظاهرُ أنَّها على بابِها، والمعنَى صحيحٌ، والأَحْسَنُ التَّمْثِيلُ بما حَكَاهُ ابنُ الصَّبَّاغِ في (الشاملِ) عن الشَّافِعِيِّ في قَوْلِهِ تعالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} أنَّها بمعنَى (في) بدليلِ قولِه تعالى: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}.
والثالثُ: نحوَ: {لَنْ تُغْنِي عَنْهُمْ أَمْوَالِهِمْ وَلاَ أَوْلاَدِهِمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً}، قالَه أَبُو عُبَيْدَةَ.
والرابعُ: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}. وقيلَ: على التَّضْمِينِ؛ أي: مَنَعْنَاهُ.
ص: الرابعُ والعشرونَ من شَرْطِيَّةٍ واسْتِفْهَامِيَّةٍ ومَوْصُولَةٍ ونَكِرَةٍ مَوْصُوفَةٍ، قالَ أَبُو عَلِيٍّ: ونَكِرَةٌ تَامَّةٌ.
ش: (مَن) بالفَتْحِ تَأْتِي شَرْطِيَّةً، نحوَ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}.
واسْتِفْهَامِيَّةً، نحوَ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}.
ومَوْصُولَةً، نحوَ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}.
ونَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، نحوَ: مَرَرْتُ بمَن مُعْجَبٌ لك، تُرِيدُ بإنسانٍ مُعْجَب=، فوصْفُكَ لـ (مَن) بمُعْجَبٍ، وهو نَكِرَةٌ، دليلٌ على أنَّ (مَن) نَكِرَةٌ، ولا تُسْتَعْمَلُ مَوْصُوفَةٌ إلاَّ في حالِ التَّنْكِيرِ، سواءٌ كانَ المَوضِعُ صالحاً؛ لأنْ تَقَعُ فيه المَعْرِفَةُ أو لم تَكُنْ، خِلافاً للكِسائِيِّ، فإنَّه زَعَمَ أنَّ العَرَبَ لا تَسْتَعْمِلُها نَكِرَةً مَوْصُوفَةً إلاَّ بِشَرْطِ وُقُوعِها في مَوْضِعٍ لا تَقَعُ فيه إلاَّ النَّكِرَةُ، نحوَ: رُبَّ مَن عَالِمٍ أَكْرَمْتُ، ورُبَّ مَن أَتَانِي أَحْسَنْتُ إليه، وهذا ضعيفٌ، وقد أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
فكَفَى بِنَا فَضْلاً على مَن غيرنا= حُبُّ النبيِّ مُحَمَّدٍ إِيَانَا
بخَفْضِ غيرَ؛ أي: على أُنَاسٍ غَيْرَنَا، وأَثْبَتَ أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيٍّ مَجِيئِهَا نَكِرَةً تَامَّةً، قالَه في قَوْلِهِ: ونِعْمَ مَنْ في سِرٍّ وإعْلانٍ، فزَعَمَ أنَّ الفَاعِلَ مُسْتَتِرٌ، و(مَنْ) تَمْييزُه، وقولُه: هو، مَخْصُوصٌ بالمَدْحِ، وقالَ غيرُه، مَنْ مَوصُولُ فاعلٍ، وعُلِمَ من ذِكْرِ المُصَنِّفِ الزيادَةُ فيما دونَ (مَنْ) أنَّها لا تَجِيءُ زائدَةً، وهو مذهبُ البَصْرِيِّينَ؛ لأنَّ الأسْمَاءَ لا تُرادُ بالقياسِ خلافاً للكِسَائِيِّ.
ص: الخامسُ والعشرونَ: (هَلْ) لطَلَبِ العِلْمِ= التصديقُ الإيجابيُّ لا التصوريُّ ولا للتصديقِ السلبيِّ.
ش: (هَلْ) حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ، ولا يُسْتَفْهَمُ بها عن التَّصَوُّرِ، وهو العِلْمُ بالمُفْرَدَاتِ؛ أي: لا يُسْأَلُ بها عن مَاهِيَّةِ الشيءِ، وإنَّما يُسْتَفْهَمُ بها عن التَّصْدِيقِ الإيجَابِيِّ كقولِك: هل قَامَ زَيْدٌ.
ص: السادسُ والعشرونَ: (الواو) لمُطْلَقِ الجَمْعِ، وقيلَ: للتَّرْتِيبِ، وقيلَ: لِلْمَعِيَّةِ.
ش: في الواوِ العَاطِفَةِ مذاهِبَ، أَصَحُّهَا: أنَّها لمُطْلَقِ الجَمْعِ؛ أي: لا تَدُلُّ على تَرْتِيبٍ ولا مَعِيَّةٍ، فإذا قلتَ: قَائمٌ زيدٌ وعَمْرٌو، احْتَمَلَ ثلاثةَ معانٍ، قيامُها في وقتٍ واحدٍ، وكونُ المُتَقَدَّمِ قَامَ أوْلاً، وكونُ المُتَأَخِّرِ قَامَ أوْلاً.
قالَ ابنُ مالِكٍ: لكنْ تَأْخِيرَ‌ العَاطِفَ كثيرٌ وتَقَدَّمَه قليلٌ والمَعِيَّةُ احْتِمَالٌ رَاجِحٌ، وهذا مُخَالِفٌ لكلامِ سِيبَوَيْه فإنَّه قالَ: وكذلك قولُك: مَرَرْتُ برَجُلٍ وحمارٍ، وكأنَّك مَرَرْتَ بأحدِهما، وليسَ في هذا دليلٌ أنَّه بَدَأَ بشيءٍ قبلَ شيءٍ ولا شيءٍ بعدَ شيءٍ. انتهى.
واسْتَدَّلَ ابنُ مالِكٍ بقولِه تعالَى: عَن مُنْكِرِي البَعْثِ {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}. فالموتُ بعدَ الحياةِ معَ أنَّهم قَدَّمُوه لِمَا كانَ الغَرَضُ نَفْيُ الجَمْعِ لا التَّرْتِيبِ. وإنَّما عَبَّرَ المُصَنِّفُ بمُطْلَقِ الجَمْعِ دونَ الجَمْعِ المُطْلَقِ كما عَبَّرَ ابنُ الحَاجِبِ؛ تَنْبِيهاً على صوابِ العِبَارَةِ، فإنَّ الجَمْعَ المُطْلَقُ هو الجَمْعُ المَوْصُوفُ بالإطْلاقِ؛ لأنَّا نَقُولُ بالضَّرُورَةِ بينَ الماهيَّةِ بلا قَيْدٍ، والمَاهِيَّةُ المُقَيَّدَةُ ولو بقَيْدِ= لا، والجَمْعُ المَوْصُوفُ بالإطْلاقِ لا يَتَنَاولُ غيرُ صُورَةٍ وهي قولُنا مَثَلاً: قَامَ زَيدٌ وعَمْرٌ، ولا يَدْخُلُ فيه المُقَيَّدُ بالمَاهِيَّةِ ولا بالتَّقْدِيمِ ولا بالتَّأْخِيرِ لخُروجُهِمِا بالتَّقْييدِ عن الإطْلاقِ، وأمَّا مُطْلَقُ الجَمْعُ فعَامٌّ في؛ أي: جَمْع= كانَ، سواءٌ كانَ مُرَتَّباً أو غيرَ مُرَتَّبٍ، فتَدْخُلُ فيه الصُّوَرُ الثلاثةُ، ونَظِيرُه قولُهم: مُطْلَقُ الماءِ، والماءُ المُطْلَقُ.
والقولُ الثاني: أنَّها تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، ونُقِلَ عن الفَرَّاءِ وثَعْلَبٍ وأَنْكَرَهُ السِّيرَافِيُّ وقالَ: لم أَرَهُ في كتابِ الفَرَّاءِ، وعَزَاهُ المَاوَرْدِيُّ في بابِ الوضوءِ للجُمْهُورِ من أصْحَابِنَا.
والثالثُ: أنَّها للمَعَيِّةِ: ونسبهُ الإمامُ في (البُرْهَانِ) للحَنَفِيَّةِ، وعَلِمَ بذلك أنَّ ما ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ والفَارِسِيُّ والسُّهَيْلِيُّ من إجماعِ النُّحاةِ بَصْرِيِّهُمْ وكُوفِيِّهِم على أنَّ (الواو) لا تُرَتَّبَ، غيرُ صحيحٍ، وعَزَى ابنُ الخَبَّازِ وغيرُه من النَّحْوِيِّينِ التَّرْتِيبُ للشَّافِعِيِّ، وهو غَلَطٌ وقد اشْتَّدَ نَكِيرَ ابنُ السَّمْعَانِيُّ والأستاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وغيرُهما على مَن نَسَبَ ذلك إلى الشَّافِعِيِّ.
وقالَ ابنُ عُصْفُورٍ في (شَرْحِ الإيضاحِ): الخِلافُ في أنَّ (الواو) للتَّرْتِيبِ، مَحَلَّه إذا كانَ الفِعْلُ يُمْكِنُ صُدُورُه من واحدٍ، فأمَّا نحوَ: اخْتَصَمَ زيدٌ وعمرٌو، فلا خِلافَ أنَّها لا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وذَكَرَ في (شرحِ الجُمَلِ) مُحْتَجًّا على القائلِ بالتَّرْتِيبِ، بأنَّ هذه الأفعالَ لا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ، فكذا غيرُها.

  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: الحروف.
ش: المراد الحروف التي يحتاج الفقيه إلى معرفتها، وليس المراد هنا قسيم الاسم والفعل بخصوصه، فقد ذكر معها كثير من الأسماء كـ (إذا) و(كل) وأطلق عليها حروفاً تغليباً باعتبار الأكثر، وقال الصفار: الحرف يطلقه سيبويه على الاسم والفعل.
ص: الأول: (إذن) قال سيبويه: للجواب والجزاء، قال الشلوبين: دائماً وقال الفارسي: غالباً.
ش: معنى (إذن) الجواب والجزاء كما نص عليه سيبويه، فإذا قيل لك: أنا أقصدك، فقلت: إذن أكرمك، فقد أجبته وصيرت إكرامك جزاء على قصده، فحمله قوم منهم الشلوبين على ظاهره، وقال: إنها لهما دائماً، ويكلف تخريج ما خفي فيه ذلك، وقال الفارسي: هذا هو الغالب، وقد تتمحض للجواب وحده، نحو قولك: أحبك، فتقول: إذن أظنك صادقاً، فلا يتصور هنا الجزاء، وهذا كما قال سيبويه في (نعم) إنها عدة وتصديق وهو باعتبار حالين.
ص: الثاني: (إن) للشرط والنفي والزيادة.
ش: مجيء (إن) ـ بكسر الهمزة وتخفيف النون ـ للشرط هو الأكثر، والمراد به تعليق حصول مضمون جملة بحصوله بمضمون جملة أخرى فقط، أي من غير اعتبار ظرفية ونحوها، وهي أم أدوات الشرط.
ومجيئها للنفي بمعنى (ما) نحو إن زيد قائم، ومذهب الكوفيين أنها ترفع الاسم وتنصب الخبر، وعليه قراءة سعيد بن جبير: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} والأكثر إهمالها كما في قوله تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور}.
والأكثر في زيادتها أن تكون بعد (ما) النافية لتأكيد النفي نحو: ما إن زيد قائم، واستغنى المصنف عن ذكر (إن) المشددة هنا بذكرها في مسالك العلة.
ص: الثالث: (أو) للشك والإبهام والتخيير ومطلق الجمع والتقسيم وبمعنى (إلى) والإضراب كـ (بل) قال الحريري: والتقريب نحو: ما أدري أسلم أو ودع.
ش: مثال الشك: قام زيد أو عمرو، إذا لم يعلم) أيهما قام، والفرق بينها وبين (إما) التي للشك أن الكلام مع (إما) لا يكون إلا مبنياً على الشك بخلاف (أو) فقد يبني المتكلم كلامه على اليقين، ثم يدركه الشك، فيأتي بها.
ومثال الإبهام: (قام زيد أو عمرو) إذا علمت القائم منهما، ولكن قصدت الإبهام على المخاطب فالشك من جهة المتكلم والإبهام من جهة السامع.
ومثال التخيير: (خذ ديناراً أو درهماً)
ولم يذكر المصنف الإباحة، وقد مثلها من غاير بينها وبين التخيير بقولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، وفرق بينهما بامتناع الجمع في التخيير، وجوازه في الإباحة.
وقال الشارح: الظاهر أنهما قسم واحد لأن حقيقة الإباحة هي التخيير، وإنما امتنع في: (خذ ديناراً أو درهماً) للقرينة العرفية لا من مدلول اللفظ، كما أن الجمع بين صحبة العلماء والزهاد وصف كمال لا نقص فيه، انتهى.
والتخيير أو الإباحة لا يكونان إلا في الطلب بخلاف الشك أو الإبهام، فإنهما في الخبر.
ومثال مطلق الجمع كالواو قوله تعالى: {أو يزيدون} وهذا قول كوفي.
ومثال التقسيم الكلمة اسم أو فعل أو حرف، وعبر ابن مالك بالتفريق المجرد أي عن المعاني السابقة، ومثله بقوله تعالى: {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى} قال: والتعبير عنه بالتفريق أولى من التقسيم، لأن استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو).
واعترض عليه بأن استعمال الواو في التقسيم أكثر لا يقتضي أن (أو) لا تأتي له بل يقتضي ثبوت ذلك، غير أكثر.
ومثال كونها بمعنى (إلى): لألزمنك أو تقضي حقي.
ومثال الإضراب قوله تعالى: {أو يزيدون} على قول الفراء.
ومثال التقريب ما ذكره المصنف أي: لسرعته، وإن كان يعلم أنه سلم أو لا وذكره أبو البقاء أيضاً وجعل منه قوله تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}.
وذهب بعضهم في (أو) إلى أنها موضوعة للقدر المشترك بين المعاني السابقة، وهو لأحد الشيئين أو الأشياء وإنما فهمت هذه المعاني من القرائن.
ص: (أي) بالفتح والسكون للتفسير ولنداء القريب أو البعيد أو المتوسط أقوال، وبالتشديد للشرط والاستفهام وموصولة ودالة على معنى الكمال ووصلة لنداء ما فيه أل.
ش: (أي) بفتح الهمزة، وإسكان الياء لها معنيان.
أحدهما: التفسير، ومعناه أن يكون ما بعدها مفسراً لما قبلها وعبارة عنه وهو أعم من (أن) المفسرة لدخولها على الجملة والمفرد ووقوعها بعد القول وغيره.
قال ابن مالك: والمذكور بعدها عطف بيان، يوافق ما قبلها في التعريف والتنكير.
ثانيها: النداء، وهل هي لنداء القريب أو البعيد أو المتوسط؟
فيه أقوال، والراجح الثاني، ونقله ابن مالك عن سيبويه، لأنه صرح بأنها مثل هيا وأيا في البعد.
أما (أي) بفتح الهمزة والتشديد فلها معان:
أحدها: الشرط نحو: (أيهم يكرمني أكرمه).
ثانيها: الاستفهام، نحو: {أيكم زادته هذه إيماناً}.
ثالثها: أن تكون موصولة بمعنى الذي نحو: {ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً} التقدير: لننزعن الذي هو أشد. قاله سيبويه.
رابعها: أن تكون دالة على معنى الكمال، وهي الصفة، وقد تكون صفة لنكرة، نحو: (زيد رجل) أي كامل في صفات الرجال، وتكون حالاً للمعرفة، كمررت بزيد أي رجل.
ثم الواقعة صفة إن أضيفت إلى مشتق فهي للمدح بالمشتق منه خاصة، نحو: مررت بعالم أي عالم، وإن أضيفت إلى غير مشتق فهي للمدح بكل صفة يمكن أن يثنى بها كمررت برجل أي رجل، فالثناء عليه بكل ما يمدح به الرجل.
خامسها: أن تكون وصلة لنداء ما فيه (أل) كقوله: {يا أيها النبي} وقال الشارح: كان ينبغي ذكر (إي) بكسر الهمزة وسكون الياء، ليستوفي جميع أقسامها، وهي حرف جواب بمعنى نعم، ولا يجاب بها إلا مع القسم في جواب الاستفهام كقوله: {أحق هو قل إي وربي}.
قلت: احتياج الفقيه لهذه اللفظة نادر فلذلك لم يذكرها.
ص: الخامس (إذ) اسم للماضي ظرفا ومفعولا به وبدلا من المفعول ومضافاً إليها اسم زمان وللمستقبل في الأصح وترد للتعليل حرفاً وقيل ظرفاً وللمفاجأة وفاقاً لسيبويه.
ش: (إذ) اسم بالإجماع، لتنوينها في نحو: (يومئذ)، والإضافة إليها نحو: {بعد إذ هديتنا} ولها معان أغلبها أن تكون ظرفاً للزمان الماضي، نحو قوله تعالى: {فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا}.
والثاني: أن تكون مفعولاً به نحو: {واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم} الثالث: أن تكون بدلاً من المفعول نحو: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت} فـ (إذ) بدل اشتمال من مريم.
الرابع: أن يضاف إليها اسم الزمان، سواء صلح للاستغناء عنه نحو: يومئذ، أو لا نحو: {بعد إذ هديتنا}.
الخامس: أن تكون ظرفاً للزمان المستقبل، مثل (إذا) كذا صححه المصنف تبعاً لابن مالك وطائفة ومثاله قوله تعالى: {فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم} ومنع الأكثرون ذلك، وأجابوا عن هذه الآية ونحوها بأن ذلك نزل منزلة الماضي لتحقق وقوعه مثل {أتى أمر الله}.
السادس: أن تكون للتعليل مثل قوله: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم} {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون} ثم اختلف في أنها حينئذ تكون حرفاً بمنزلة لام العلة، ونسب لسيبويه، وصرح به ابن مالك في بعض نسخ (التسهيل) أو ظرفاً والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ.
السابع: أن تكون للمفاجأة الواقعة بعد بينا وبينما نحو قولك (بينا أنا كذا إذ جاء زيد) نص عليه سيبويه، ويعود هنا الخلاف في أنها حينئذ حرف أو باقية على ظرفيتها الزمانية، ويريد هنا قول إنها ظرف مكان كما قيل به في إذا الفجائية.
ص: السادس (إذا للمفاجأة حرفاً وفاقاً للأخفش وابن مالك وقال المبرد وابن عصفور ظرف مكان والزجاج والزمخشري ظرف زمان وترد ظرفاً للمستقبل مضمنة معنى الشرط غالباً وندر مجيئها للماضي والحال.
ش: لـ (إذا) معان.
أحدها: أن تكون للمفاجأة، وهي التي يقع بعدها المبتدأ فرقاً بينها وبين الشرطية نحو: (خرجت فإذا الأسد) ومنه قوله تعالى: {فألقاها فإذا هي حية تسعى} قال ابن الحاجب: ومعنى المفاجأة: حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية، وتصويره في هذا المثال: حضور السبع معك في زمن وصفك بالخروج أو في مكان خروجك، وحضوره معك في مكان خروجك ألصق بك من حضوره في زمن خروجك، لأن ذلك المكان يخصك دون من أشبهك، وكذلك الزمان لا يخصك دون من أشبهك، وكلما كان ألصق كانت المفاجأة فيه أقوى.
واختلف فيها على ثلاثة مذاهب، أصحها: أنها حرف، وبه قال الأخفش وابن مالك.
والثاني: أنها ظرف مكان، وبه قال المبرد وابن عصفور.
والثالث: ظرف زمان، وبه قال الزجاج والزمخشري، ونسب القولان الأخيران لسيبويه، وتظهر فائدة الخلاف في أنه لا يصح إعرابها خبراً في قولك: (خرجت فإذا الأسد) لا على الحرفية ولا على ظرفية الزمان، لأن الزمان لا يخبر به عن الجثة، ويصح على ظرفية المكان أي فبالحضرة الأسد.
ثانيها: أن تكون ظرفاً للمستقبل متضمنة معنى الشرط غالباً، وكذلك يجاب بما يجاب به أدوات الشرط نحو: إذا جاء زيد فقم إليه، فهي باقية على ظرفيتها إلا أنها ضمنت معنى الشرط، ولذلك لم يثبت لها سائر أحكام الشرط، فلم يجزم بها المضارع ولا تكون إلا في المحقق، ومنه: {وإذا مسكم الضر في البحر} لأن مس الضر في البحر محقق، و لما لم يقيد بالبحر أتى بـ (أن) التي تستعمل في المشكوك فيه نحو: {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض}.
ثالثها: أن تكون ظرفاً للماضي مثل (إذ) كقوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك} قاله ابن مالك، وأنكره الجمهور، وتأولوا ما أوهم ذلك.
رابعها: أن تكون ظرفًا للحال كقوله تعالى: {والليل إذا يغشى} قاله ابن الحاجب وقال غيره: كما جردت هنا عن الشرط جردت عن الظرف، وهي هنا لمجرد الوقت من غير أن تكون ظرفاً.
ص: السابع الباء للإلصاق حقيقة ومجازاً والتعدية والاستعانة والسببية والمصاحبة والظرفية والبدلية والمقابلة والمجاوزة والاستعلاء والقسم والغاية والتوكيد وكذا التبعيض وفاقاً للأصمعي والفارسي وابن مالك.
ش: للباء معان.
أحدها: أن تكون للإلصاق، وهو أصل معانيها، ولم يذكر لها سيبويه غيره، ولهذا قالت المغاربة، لا تنفك عنه إلا أنها قد تتجرد له، وقد يدخلها مع ذلك معنى آخر، ثم قد يكون حقيقة نحو: أمسكت الحبل بيدي، وقد يكون مجازاً نحو: مررت بزيد، فإن المرور لم يلصق بزيد، وإنما التصق بمكان يقرب منه.
ثانيها: التعدية، وتسمى بالنقل أيضاً وهي القائمة مقام الهمزة في تصيير الفاعل مفعولاً: نحو {ذهب الله بنورهم} أي أذهب الله نورهم، وأصله ذهب نورهم.
ثالثها: الاستعانة وهي الداخلة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم.
رابعها: السببية نحو قوله تعالى: {فكلا أخذنا بذنبه} ولم يذكر في (التسهيل) باء الاستعانة، وأدرجها في السببية، وقال في شرحه: النحويون يعبرون عن هذه بالاستعانة، وأثرت التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى، فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز انتهى.
واستغنى المصنف بذكر باء السببية عن باء التعليل، لأن العلة والسبب واحد، وغاير ابن مالك بينهما، ومثل التعليلية بقوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا} والفرق بينهما أن العلة موجبة لمعلولها بخلاف السبب لمسببه فهو كالأمارة عليها.
خامسها: المصاحبة وهي التي تصلح في موضعها (مع) أو يغني عنها، وعن مصحوبها الحال، كقوله تعالى: {قد جاءكم الرسول بالحق} أي مع الحق، أو محقاً.
سادسها: الظرفية بمعنى (في) للزمان في قوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} والمكان في قوله تعالى: {ولقد نصركم الله ببدر}.
سابعها: البدل بأن يجيء موضعها بدل كقوله في الحديث: ((ما يسرني بها حمر النعم)) أي بدلها.
ثامنها: المقابلة، وهي الداخلة على الأثمان والأعراض، نحو: اشتريت الفرس بألف.
تاسعها: المجاورة بمعنى (عن) وتكثر بعد السؤال نحو: {فاسأل به خبيراً} وتقل بعد غيره، نحو: {ويوم تشقق السماء بالغمام} وهذا مذهب كوفي، وتأوله الشلوبين على أنها باء السببية، أي: فاسأل بسببه أو تضمن (اسأل) معنى (اطلب) لأن السؤال طلب في المعنى.
عاشرها: الاستعلاء كقوله: {ومنهم من إن تأمنه بدينار} أي عليه، وحكاه إمام الحرمين في البرهان عن الشافعي.
حادي عشرها: القسم وهي أصل حروفه نحو: (بالله لأفعلن)
ثاني عشرها: الغاية، نحو: {وقد أحسن بي} أي إلي.
ثالث عشرها: التوكيد، وهي الزائدة إما مع الفعل نحو: أحسن بزيد، على قول البصريين أنه فاعل، أو مع المفعول نحو: {وهزي إليك بجذع النخلة} أو مع المبتدأ نحو (بحسبك زيد) والخبر نحو: {أليس الله بكاف عبده}.
رابع عشرها: التبعيض قال به الكوفيون وجماعة من غيرهم كالأصمعي وأبي علي الفارسي وغيرهما، واختاره ابن مالك مثل قوله تعالى: {عيناً يشرب بها عباد الله} ومنه قوله:
شربن بماء البحر ثم ترفعت.........
وقوله:
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج..........
وخرج عليه قوله تعالى {وامسحوا برؤوسكم} وأنكره قوم منهم ابن جني، ورد عليه البيضاوي تبعاً للإمام بأنها شهادة نفي، فهي غير مسموعة، وقال ابن دقيق العيد: بل هي إخبار مبني على ظن غالب مستند إلى الاستقراء من أهل ذلك، مطلع على لسان العرب متتبع لسائر أحكامهم في نفي ما دل الاستقراء على نفيه، نعم إن وقع نقل إثبات من معتبر في الصنعة أنها للتبعيض قدم على هذا النفي، انتهى.
ص: الثامن (بل) للعطف والإضراب إما للإبطال أو للانتقال من غرض إلى آخر.
ش: إما أن يقع بعد (بل) مفرد أو جملة، فإن وقع بعدها مفرد فهي للعطف، ثم إن كانت في الإثبات نحو: جاء زيد بل عمرو، فهي لنقل الحكم عما قبلها، وجعله لما بعدها قطعاً، وليس المراد بذلك أنها تنفيه عما قبلها، بل تصيره كالمسكوت عنه، وإن كانت في النفي نحو ما قام زيد بل عمرو، فهي لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها، فتقرر نفي القيام عن زيد وتثبته لعمرو، وأجاز المبرد وعبد الوارث وتلميذه الجرجاني مع ذلك أن تكون ناقلة حكم النفي لما بعدها، كما في الإثبات، فيحتمل عندهم في نحو: ما قام زيد بل عمرو، أن يكون التقدير بل ما قام عمرو، وقال القواس في (شرح الدرة): وأوجبوا تقدير حرف النفي بعدها لتتحقق المطابقة في الإضراب عن منفي إلى منفي، كما تتحقق في الإضراب عن موجب إلى موجب، ويخالف كلام المبرد هذا قول أبي علي الفارسي في (الإيضاح): في (ما زيد خارجاً بل ذاهب) ـ: لا يجوز إلا الرفع، لأن الخبر موجب و(ما) الحجازية لا تعمل في الخبر إلا منفياً، انتهى.
وإن وقع بعدها جملة لم تكن حرف عطف بل حرف ابتداء، ومعناها الإضراب ثم هو قسمان.
أحدهما: أن يكون لإبطال السابق نحو: {يقولون به جنة بل جاءهم بالحق}.
ثانيهما: أن يكون للانتقال من غرض إلى آخر كقوله تعالى: {بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون}.
تنبيه:
مقتضى كلام المصنف أنها إذا كانت للعطف لا تكون للإضراب وليس كذلك، وأنها إذا كانت للإضراب لا تكون عاطفة وبه قال الجمهور، وظاهر كلام ابن مالك أنها عاطفة وصرح به ولده في شرح الألفية.
ص: التاسع: (بيد) بمعنى (غير) وبمعنى من أجل وعليه بيد أني من قريش.
ش: (بيد) اسم ملازم للإضافة إلى (أن) وصلتها، وله معنيان:
أحدهما: بمعنى (غير) كقوله عليه الصلاة والسلام: ((نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)).
وثانيهما: بمعنى (من أجل) قاله الشافعي فيما حكاه عنه ابن حبان في صحيحه وعليه الحديث الآخر: ((أنا أفصح العرب بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر)) وقال الزمخشري في الفائق: هو من تأكيد المدح بما يشبه الذم.
ص: العاشر: (ثم) حرف عطف للتشريك والمهلة على الصحيح وللترتيب خلافاً للعبادي.
ش: (ثم) حرف عطف يدل على أمور.
أحدها: التشريك، أي بين المعطوف والمعطوف عليه، وخالف فيه الكوفيون فقالوا: قد تقع زائدة فلا تكون عاطفة أصلاً كقوله تعالى: {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم}.
ثانيها: المهلة، أي: التراخي، وخالف فيها الفراء فقال: قد تتخلف بدليل: أعجبني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، لأن (ثم) في ذلك لترتيب الإخبار، ولا تراخي بين الإخبارين، ووافقه ابن مالك فقال: قد تقع (ثم) في عطف المتقدم بالزمان، اكتفاء بترتيب اللفظ، وجعل منه قوله تعالى: {ثم آتينا موسى الكتاب} فقول المصنف: (على الصحيح) عائد عليهما.
ثالثها: الترتيب وخالف فيها العبادي.
وقال الشارح: إنما قاله العبادي في بعض التراكيب الخاصة ففي فتاوى القاضي حسين: لو قال: وقفت على أولادي، ثم أولاد أولادي، بطناً بعد بطن، فهو للترتيب، وقال العبادي: للجمع.
قال الشارح: فلم يقل ذلك في الاقتصار على وقفت على أولادي، ثم أولاد أولادي، بل فيما إذا أضاف إليها بطناً بعد بطن، فإن ذلك يقتضي الجمع عنده، فلما اقتضى صدر الكلام الترتيب لـ (ثم) وآخره الجمع ـ وذلك تناقض مبطل للفظ ـ حمل (ثم) على مجازها، وهو الجمع بدون ترتيب، فنقل الكلام من الحقيقة إلى المجاز بقرينة قوله: بطناً بعد بطن.
قلت: لم يقل أحد إن قوله: بطناً بعد بطن يدل على الجمع، بل قال فريق: إنه يدل على الترتيب، وقال آخرون: إنه يدل على استيعاب البطون وعدم الاقتصار على بعضها، ولا دلالة له على ترتيب، ولا معية، فإذا استفيد الترتيب من لفظ آخر لم يكن في قوله: بطنا بعد بطن معارضة له، فلولا مخالفة العبادي في (ثم) لما قال هنا: بالجمع بدون ترتيب، والله أعلم.
نعم، القول بأنها لا تدل على الترتيب كالواو حكاه السيرافي عن الفراء وعزاه غيره للأخفش.
ص: الحادي عشر: (حتى) لانتهاء الغاية غالباً وللتعليل وندر للاستثناء.
ش: لـ (حتى) معان.
أحدها وهو الغالب: أن تكون لانتهاء الغاية، نحو قوله تعالى: {حتى مطلع الفجر}.
ثانيها: التعليل نحو: (كلمته حتى يأمر لي بشيء) وعلامتها أن يصلح موضعها (كي).
ثالثها: أن تكون للاستثناء وهذا نادر، ذكره ابن مالك في التسهيل والمراد الاستثناء المنقطع كقول الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة حتى تجود وما لديك قليل ويمكن جعلها هنا بمعنى إلى.
ومن المهم البحث عن حكمها في الترتيب، وقد قال ابن الحاجب: إنها في ذلك مثل الفاء، وقال ابن مالك في (شرح العمدة) تبعاً لطائفة: هي كالواو، وأنكر على القائل: بأنها للترتيب، فإنك تقول: حفظت القرآن حتى سورة البقرة، وإن كانت أول ما حفظت أو متوسطاً، وقال ابن أبان: ليس ترتيبها كالفاء وثم، فإنهما يرتبان أحد الفعلين على الآخر في الوجود وهي ترتب ترتيب الغاية، وبشرط أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء.
وقال القواس: تفيد المهلة، إلا أن المهلة فيها أقل من (ثم).
ص: الثاني عشر: (رب) للتكثير وللتقليل ولا تختص بأحدهما خلافاً لزاعمي ذلك.
ش: اختلف في (رب) على مذاهب.
أحدها: أنها للتقليل وعليه الجمهور.
الثاني: أنها للتكثير، ونسب كل منهما إلى سيبويه.
الثالث: أنها ترد لهما ولا تختص بأحدهما، وظاهر تعبير المصنف ورودها لهما على السواء، وهو قول الفارسي، واختار ابن مالك أن أكثر ورودها للتكثير، وندرت للتقليل، واختار أبو حيان أنها حرف إثبات لم توضع لتقليل ولا تكثير، وإنما يستفاد ذلك من القرائن.
ص: الثالث عشر: (على) الأصح أنها قد تكون اسماً بمعنى (فوق) وتكون حرفاً للاستعلاء والمصاحبة والمجاوزة والتعليل والظرفية والاستدراك والزيادة أما علا يعلو ففعل.
ش: اختلف في (على) هل تكون اسماً أم لا؟ على مذاهب.
أحدهما: أنها اسم دائماً، وبه قال ابن طاهر، وابن خروف وابن الطراوة والآمدي والشلوبين، وحكي عن سيبويه.
ثانيها: أنها لا تكون اسماً إلا إذا دخل عليها حرف جر كقوله:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها.......
وهو المشهور عند البصريين.
ثالثها وبه قال الأخفش ـ: أنها تكون اسما في موضع آخر، وهو أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد كقوله تعالى: {أمسك عليك زوجك}.
رابعها وبه قال الفراء: أنها لا تكون اسماً أبداً، والظاهر أن الثاني هو الذي صححه المصنف.
فأما إذا كانت حرفاً فلها معان.
أحدها ـ ولم يثبت لها أكثر البصريين سواه ـ: الاستعلاء، سواء كان حسياً كقوله تعالى {كل من عليها فان} أو معنوياً كقوله تعالى: {ولعلا بعضهم على بعض}.
ثانيها: المصاحبة نحو: {وأتى المال على حبه}.
ثالثها: المجاورة بمعني (عن) كقوله:
إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها.
رابعها: التعليل نحو: {ولتكبروا الله على ما هداكم}.
خامسها: الظرفية نحو: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان}.
سادسها: الاستدراك نحو: فلان لا يدخل الجنة، على أنه لا ييأس من رحمة الله.
سابعها: الزيادة، كقوله عليه الصلاة والسلام: ((من حلف على يمين)) أي يمينا، وأنكر سيبويه وقوعها زائدة.
أما مثل قوله تعالى: {إن فرعون علا في الأرض} فإنها فعل إذ لو كانت حرفاً لما دخلت على (في) وقد اجتمعت الفعلية والحرفية في قوله تعالى: {ولعلا بعضهم على بعض} ونبه المصنف بذكر المضارع في قوله: (يعلو) إلى أن الفعلية تفارق الاسمية والحرفية بتصرفها.
ص: الرابع عشر: الفاء العاطفة للترتيب المعنوي والذكري وللتعقيب في كل شيء بحسبه وللسببية.
ش: للفاء معنيان:
أحدهما: الترتيب والتعقيب.
فالترتيب معنوي، نحو: قام زيد فعمرو، وذكري وهو عطف مفصل على مجمل هو في المعنى، نحو: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} ونحو: توضأ فغسل وجهه إلى آخره، والمشهور أن معنى التعقيب كون الثاني بعد الأول بغير مهلة.
وقال المحققون: تعقيب كل شيء بحسبه، فيقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن طالت.
ونقل الإمام فخر الدين وأتباعه الإجماع على أنها للترتيب والتعقيب، لكن قال الفراء: إنها لا تدل على الترتيب بل قد تستعمل مع انتفائه كقوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسناً} مع أن مجيء البأس متقدم على الإهلاك، وأجيب بأنها للترتيب الذكري أو فيه حذف تقديره أردنا إهلاكها.
وقال الجرمي: إنها لا تدل على الترتيب إن دخلت على الأماكن والمطر، وقال ابن مالك: إنها تكون للترتيب بمهلة كـ (ثم) بدليل قوله: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} وقال غيره: هذا من تعقيب كل شيء بحسبه.
ثانيهما: أن تكون للسببية نحو: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} ورد السهيلي ذلك إلى التعقيب.
تنبيه:
تقييد المصنف الفاء بالعاطفة ليخرج الرابطة للجواب، وبه صرح القاضي أبو بكر في (التقريب) فقال: إنها لا تقتضي التعقيب
ص: الخامس عشر: في للظرفين والمصاحبة والتعليل والاستعلاء والتوكيد والتعويض وبمعنى الباء وإلى ومن.
ش: لـ (في) معان:
أحدها: أن تكون للظرفين أي المكان والزمان، ومثالهما قوله تعالى: {ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} وقد تكون مجازاً نحو: (نظر زيد في الكتاب) لأنه قد صار وعاء لنظره.
ثانيها: المصاحبة نحو: {فخرج على قومه في زينته}
ثالثها: التعليل نحو: {فذلكن الذي لمتنني فيه} أثبته ابن مالك وغيره وأنكره الإمام وتبعه البيضاوي.
رابعها: الاستعلاء نحو: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} كذا ذكره الكوفيون وتبعهم ابن مالك، وأنكر ذلك سيبويه والجمهور، وجعلها الزمخشري والبيضاوي في هذه الآية للظرف مجازاً، كأن الجذع ظرف للمصلوب، لما تمكن عليه تمكن المظروف من الظرف.
خامسها: التأكيد نحو: {وقال اركبوا فيها}.
سادسها: التعويض وهي الزائدة عوضاً من أخرى محذوفة كقولك: (رغبت فيمن رغبت أي فيه).
سابعهاً: أن تكون بمعنى (الباء) نحو: {يذرؤكم فيه} أي يلزمكم به.
ثامنها: أن تكون بمعنى (إلى) نحو: {فردوا أيديهم في أفواههم}.
تاسعها: أن تكون بمعنى (من) كقول امرئ القيس:
وهل يعمن من كان أحدث عهده ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال.
أي: من ثلاثة.
ص: السادس عشر: (كي) للتعليل وبمعنى أن المصدرية.
ش: (كي) لها معنيان:
أحدهما: أن تكون للتعليل بمعنى اللام، قال أبو بكر بن طلحة: (كي) حرف سبب وعلة، كذا يقول النحويون، وإذا تأملتها وجدتها حرفاً يقع بين فعلين: الأول سبب للثاني، والثاني علة للأول، وذلك قولك: (جئتك كي تكرمني) فالمجيء سبب لوجود الكرامة، والكرامة علة في وجود المجيء.
قلت: المجيء سبب الكرامة في الخارج، والكرامة علة المجيء في الذهن فاختلفت الجهة، والله أعلم.
ثانيهما: أن تكون بمعنى (أن) المصدرية كقوله تعالى: {لكيلا تأسوا} فإنها لو كانت للتعليل لم يدخل فيها حرف تعليل.
ص: السابع عشر: (كل) اسم لاستغراق أفراد المنكر والمعرف المجموع وأجزاء المفرد المعرف.
ش: لـ (كل) ثلاثة أحوال:
أحدها: أن تضاف إلى نكرة، فهي دالة على استغراق أفراده نحو: {كل نفس ذائقة الموت}.
ثانيها: أن يضاف إلى معرف مجموع نحو: (كل الرجال قاموا) فهي لاستغراق أفراده أيضاً، لكن أبدى السبكي احتمالين في أن الألف واللام أفادت العموم، و(كل) تأكيد لها، أو لبيان الحقيقة و(كل) تأسيس، ثم قال: ويمكن أن يقال: إن الألف واللام تفيد العموم في مراتب ما دخلت عليه، وكل تفيد العموم في أجزاء كل من تلك المراتب، فلكل منهما معنى وهو أولى من التأكيد.
ثالثها: أن يضاف إلى معرف مفرد، نحو: كل زيد حسن، فيفيد التعميم، في أجزائه، وجعل بعضهم منه قوله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} وقوله عليه الصلاة والسلام: ((كل الطلاق واقع إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله)) رواه الترمذي وقال بعضهم: بل هذان المثالان من قسم المجموع لأن المقصود به الجنس، ونظيره: (كل الناس يغدو).
ص: الثامن عشر: اللام للتعليل والاستحقاق والاختصاص والملك والصيرورة أي العاقبة والتمليك وشبهه وتوكيد النفي والتعدية والتأكيد وبمعنى إلى وعلى وفي وعند وبعد ومن وعن.
ش: لللام معان:
أحدها: التعليل نحو: زرتك لشرفك، ومنه قوله: {لتحكم بين الناس} وقوله: (أنت طالق لرضى زيد) فيقع عند الإطلاق رضي أم سخط.
ثانيها: الاستحقاق نحو: النار للكافرين.
ثالثها: الاختصاص نحو: الجنة للؤمنين، وفرق القرافي بين الاستحقاق والاختصاص بأن الاختصاص أخص، فإن ضابطه ما شهدت به العادة كما شهدت للفرس بالسرج، وللدار بالباب، وقد يختص الشيء بالشيء من غير شهادة عادة نحو: هذا ابن لزيد، فإنه ليس من لوازم الإنسان أن يكون له ولد.
رابعها: الملك نحو: {ولله ملك السماوات والأرض} قال الراغب: وقد يطلق على ملك نوع من التصرف كقولك لمن يأخذ معك خشبة: خذ طرفك لآخذ طرفي.
قال الشارح: كذا جعلوا الملك والاستحقاق قسيماً للاختصاص، والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، ولهذا لم يذكر الزمخشري في مفصله غيره، وأما الملك فهو نوع من أنواع الاختصاص، وهو أقوى أنواعه، وكذا الاستحقاق لأن من استحق شيئاً فقد حصل له نوع اختصاص.
خامسها: أن تكون للصيرورة وهي لام العاقبة، والمآل نحو: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزناً}.
سادسها: التمليك نحو: وهبت لزيد ديناراً ومنه: {إنما الصدقات للفقراء.}.
وشبه التمليك نحو: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}.
سابعها: تأكيد النفي نحو قوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم} وتسمى لام الجحود لمجيئها بعد النفي.
ثامنها: التعدية نحو: ما أضرب زيداً لعمرو! وجعل منه ابن مالك قوله: {فهب لي من لدنك ولياً}
قال الشارح: والظاهر أنها لشبه التمليك.
تاسعها: التوكيد إما لتقوية عامل ضعف بالتأخير نحو: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} أو لكونه فرعاً في العمل نحو: {إن ربك فعال لما يريد}.
عاشرها: أن تكون بمعنى إلى نحو: {فسقناه إلى بلد ميت}.
حادي عشرها: أن تكون بمعنى (على) نحو قوله: {يخرون للأذقان} وحكى البيهقي عن حرملة، عن الشافعي في قوله صلى الله عليه وسلم: ((واشترطي لهم الولاء)) أن المراد عليهم.
ثاني عشرها: أن تكون بمعنى (في) نحو: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}.
ثالث عشرها: تكون بمعنى (عند) والمراد بها التأقيت إذا قرن بها الوقت أو بما يجري مجراها مثل ((صوموا لرؤيته)).
رابع عشرها: أن تكون بمعنى (بعد) كذا رأيته في نسخة مقروءة على المصنف ولم يذكرها الشارح، ويمكن أن يكون منه قراءة الجحدري {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بتخفيف اللام، أي: بعد ما جاءهم، وجعلها الزمخشري في هذه القراءة بمعنى (عند).
خامس عشرها: أن تكون بمعنى (من) نحو سمعت له صراخاً، أي: منه.
سادس عشرها: أن تكون وهي الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكماً عن قول قائل يتعلق به نحو: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً} أي عن الذين آمنوا، وإلا لقيل: ما سبقتمونا إليه.
قال الشارح: واعلم أن مجيئها لهذه المعاني مذهب كوفي، وأما حذاق البصريين فهي عندهم على بابها ثم يضمنون الفعل ما يصلح معها، ويرون التجوز في الفعل أسهل من التجوز في الحرف، انتهى.
ص: التاسع عشر: (لولا) حرف مقتضاه في الجملة الاسمية امتناع جوابه لوجود شرطه، وفي المضارعة التحضيض، وفي الماضية التوبيخ، وقيل: ترد للنفي.
ش: (لولا) له أحوال:
أحدها: أن يدخل على جملة اسمية فيكون معناه امتناع جوابه لوجود شرطه، نحو: (لولا زيد لأكرمتك) أي لولا زيد موجود، فامتنع الإكرام لوجود زيد.
ثانيها: أن تدخل على جملة فعلية مصدرة بفعل مضارع نحو: {لولا تستغفرون الله} فهو للتحضيض وهو طلب بحث وفي معناه العرض، وهو طلب بلين نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}.
قال الشارح: وكأن المصنف استغنى عنه بالتحضيض، لأنه يفهم من باب أولى.
ثالثها: أن تدخل على مصدرة بماض نحو: {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} فهو للتوبيخ، وذكر الهروي أنها ترد للنفي مثل (لم) وجعل منه قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت} وقال الجمهور: هي هنا للتوبيخ أيضاً، أي فهلا كانت قرية من القرى المهلكة آمنت قبل حلول العذاب فنفعها ذلك.
ص: (لو) حرف شرط للماضي، ويقل للمستقبل، قال سيبويه: حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وقال غيره: حرف امتناع لامتناع، وقال الشلوبين: لمجرد الربط، والصحيح وفاقاً للشيخ الإمام: امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه ثم ينتفي التالي إن ناسب ولم يخلف المقدم وغيره كـ {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لا إن خلفه كقولك لو كان إنساناً لكان حيواناً ويثبت التالي إن لم يناف وناسب بالأولى كـ (لو لم يخف الله لم يعصه) أو بالمساواة كـ (لو لم تكن ربيبته لما حلت للرضاع أو الأدون كقولك: لو انتفت أخوة النسب لما حلت للرضاع وترد للتمني وللعرض والتحضيض والتقليل نحو: (ولو بظلف محرق).
ش: (لو) حرف شرط للماضي، وإن دخلت على مضارع صرفته للمضي وهذا عكس (إن) الشرطية، فإنها تصرف الماضي إلى الاستقبال، كذا قال الزمخشري وابن مالك وغيرهما، وأنكر قوم كونها حرف شرط، لأن الشرط في الاستقبال، و(لو) للتعليق في الماضي.
وقال بعضهم: النزاع لفظي، فإن أريد بالشرط الربط المعنوي الحكمي فهي شرط، وإن أريد به ما يعمل في الجزأين فلا.
وقد ترد للمستقبل مثل (إن) فتصرف في الماضي إلى الاستقبال كقوله: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} قاله جماعة وخطأهم ابن الحاج، فإنك لا تقول: لو يقوم زيد فعمرو منطلق، كما تقول: إن لا يقم زيد فعمرو منطلق، وكذا قال بدر الدين بن مالك: عندي أنها لا تكون لغير الشرط في الماضي.
ولا حجة فيما تمسكوا به لصحة حمله على المضي.
واختلف في معناها على أربعة أقوال:
أحدها وبه قال سيبويه: أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، أي أنها تقتضي فعلاً ماضياً كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره، والمتوقع غير واقع فكأنه قال: حرف يقتضي فعلاً امتنع لامتناع ما كان ثبت بثبوته.
الثاني ـ وبه عبر الأكثرون ـ: أنها حرف امتناع لامتناع، أي: يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول، فقولك: لو جئتني لأكرمتك، دال على انتفاء المجيء والإكرام، واعترض على هذا بأن جوابها قد لا يكون ممتنعاً، بل يثبت كقولك لطائر: لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً، فإنسانيته منتفية وحيوانيته ثابتة، وكذا قول عمر في صهيب رضي الله عنهما إن ثبت: (لو لم يخف الله لم يعصه) فعدم المعصية محكوم بثبوته لأنه إذا ثبت مع عدم الخوف فثبوته مع الخوف أولى.
وأشرت بقولي: (إن ثبت) إلى أني لا أعلم لهذا الكلام إسناداً، ويغني عنه ما رواه أبو نعيم في الحلية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سالم مولى أبي حذيفة: ((إنه شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله ما عصاه)) أي لانتفاء المعصية، سببين: المحبة والخوف، فلو انتفى الخوف لم توجد المعصية لوجود السبب الآخر لانتفائها وهو المحبة.
الثالث ـ وبه قال الشلوبين ـ: أنها لمجرد الربط، أي: إنما تدل على التعليق في الماضي، كما تدل على التعليق في المستقبل، ولا تدل على امتناع شرط ولا جواب، وضعف بأنه جحد للضرورات، إذ كل من سمع (لو فعل) فهم عدم وقوع الفعل، ولهذا جاز استدراكه فتقول: لو جاءني زيد لأكرمته، لكنه لم يجئ.
الرابع: أنه يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه، أي: يقتضي أمرين.
أحدهما: امتناع ما يليه وهو شرطه.
والثاني: كون ما يليه مستلزماً لتاليه وهو جوابه، ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته، فإذا قلت: لو قام زيد لقام عمرو، فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى، فيكون ثبوته مستلزماً لثبوت قيام عمرو، وهل لعمرو قيام أو لا؟ ليس في الكلام تعرض له، وصحح المصنف هذه العبارة، وحكاها عن والده، ووقعت في بعض نسخ التسهيل، واعترضت بأنها لا تفيد لأن اقتضاءها للامتناع في الماضي.
فكان ينبغي التصريح به.
ثم قسم صاحب هذه المقالة الجواب، وهو مراده بالتالي إلى أقسام:
أحدها: أن يكون منتفياً، وذلك فيما إذا كان الترتيب بينه وبين الأول مناسباً ولم يخلف الأول غيره نحو: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
ثانيها: أن يكون مع مناسبه خلفه غيره، كقولنا لطائر: لو كان إنسانا لكان حيواناً فإنه خلف الإنسانية شيء آخر يدل على الحيوانية فثبتت.
ثالثها: أن لا يكون الترتيب بين الأول والثاني مناسباً، فيثبت التالي.
ثم قسم المصنف ثبوته إلى أقسام:
أحدها: أن يكون بالثبوت أولى من الأول، نحو: لو لم يخف الله لم يعصه.
الثاني: أن يكون مساوياً كقوله عليه الصلاة والسلام في بنت أم سلمة:
((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة)) فإن لتحريمها سببين: كونها ربيبته، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة.
الثالث: أن تكون أدون منه ولكن يلحق به لمشاركته في المعنى، كقولك في أخت النسب والرضاعة: لو انتفت أخوة النسب لما كانت حلالاً، لأنها أخت من الرضاعة، فتحريم أخت الرضاعة دون تحريم أخت النسب، لكنه مستقل بالتعليل لصلاحيته له، ثم ذكر المصنف لها معاني أخر غير معناها المشهور.
الأول: التمني نحو {فلو أن لنا كرة} أي: فليت، ولهذا نصب {فنكون} في جوابها، وهل هي الامتناعية أشربت معنى التمني، أو قسم برأسه، أو هي المصدرية أغنت عن التمني؟
ثلاثة أقوال: وبالأخير قال ابن مالك.
الثاني: العرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيراً.
الثالث: التحضيض نحو لو فعلت كذا بمعنى افعل، وتقدم أن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث.
الرابع: التقليل نحو: في قوله في الحديث: ((ردوا السائل ولو بظلف محرق)).
قال الشارح: أثبته ابن هشام الخضراوي وابن السمعاني في (القواطع) والحق أنه مستفاد مما بعدها لا من الصيغة.
ص: الحادي والعشرون: لن حرف نفي ونصب واستقبال ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافاً لمن زعمه وترد للدعاء وفاقاً لابن عصفور.
ش: (لن) حرف يدل على النفي، وتنصب الفعل المضارع، وتخلصه للاستقبال، وزعم الزمخشري في (الكشاف) أنها تفيد تأكيد النفي، وفي (الأنموذج) تأبيده، وقال ابن مالك: وحمله على ذلك اعتقاده أن الله لا يرى، وهو باطل.
وقال ابن عصفور: ما ذهب إليه دعوى لا دليل عليها، بل قد يكون النفي (بلا) آكد من (لن) لأن المنفي بـ (لا) قد يكون جواباً للقسم، والمنفي بـ (لن) لا يكون جواباً له، ونفي الفعل إذا أقسم عليه آكد، ورده غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فلن أكلم اليوم إنسيا} ولكان ذكر الأبد في قوله تعالى: {ولا يتمنونه أبداً} تكراراً، والأصل عدمه، ولما صح التوقيت في قوله: {لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} ووافق الزمخشري على التأكيد جماعة، منهم ابن الخباز، وعلى التأبيد ابن عطية، وقالوا: لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبداً ولا في الآخرة، لكن في الحديث المتواتر: أن أهل الجنة يرونه.
وأثبت لها المصنف معنى آخر، وهو الدعاء مثل: (لا) وحكاه ابن السراج عن قوم، وخرج عليه قوله تعالى: {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} ورده ابن مالك وغيره وقالوا: هذا خبر، والدعاء لا يكون للمتكلم، وفي تعبير المصنف تجوز، والمراد أن الفعل المقترن بها يكون في الدعاء، كما عبر به في التسهيل فقال: ولا يكون الفعل معها دعاء خلافاً لبعضهم.
ص: الثاني والعشرون: (ما) ترد اسمية وحرفية موصولة ونكرة موصوفة وللتعجب واستفهامية وشرطية زمانية وغير زمانية ومصدرية كذلك ونافية وزائدة كافة وغير كافة.
ش: قد تكون (ما) اسمية، وهي التي لها وحدها موضع من الإعراب، وقد تكون حرفية وهي بخلافها وللإسمية موارد.
أحدها: أن تكون موصولة، وهي التي يصلح موضعها (الذي) نحو: يعجبني ما عندك، ومنه: {ما عندكم ينفد}.
ثانيها: نكرة موصوفة، وتقدر بشيء نحو: مررت بما معجب لك أي: بشيء.
ومنه:
ربما تكره النفوس من الأمــر له فرجة كحل العقال.
أي رب شيء، (وتكره النفوس) صفة له، والعائد محذوف أي تكرهه.
ثالثها: تعجبية، نحو: ما أحسن زيداً أي: شيء أحسن زيداً، أي صيره حسناً.
وجاز الابتداء بالنكرة للتعجب، وعبارة المصنف توهم أن التعجبية قسيمة للنكرة، وقال الشارح: وليس كذلك، بل النكرة قسمان: ناقصة وهي الموصوفة وتامة وهي التعجبية.
رابعها: استفهامية نحو: {وما تلك بيمينك يا موسى}
خامسها: الشرطية وهي تنقسم إلى: زمانية نحو: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، وغير زمانية نحو: {ما ننسخ من آية أو ننسها}.
وأما الحرفية فلها استعمالات: أحدها: أن تكون مصدرية، أي تكون مع ما بعدها في تأويل المصدر نحو قولك: أعجبني ما قلت، أي: قولك.
وأشار بقوله: (كذلك) إلى أنها قد تكون زمانية أي ظرف زمان وهي الواقعة موقع الظرف نحو: {ما دمت حياً} أي مدة دوامي، وقد تكون غير زمانية نحو: يعجبني ما تقوم، أي قيامك، ومنه قوله تعالى: {لما تصف ألسنتكم الكذب} أي: لوصف، كذا قسمه الجزولي ونازع فيه ابن عصفور، لأن الظرفية ليست من معاني (ما) بل (ما) مع الفعل بمنزلة المصدر والمصادر، قد تستعمل ظروفاً نحو: أتيتك خفوق النجم، أي: وقت خفوقه، فلا ينبغي أن يعد قسماً للمصدر.
ثانيها: أن تكون نافية إما عاملة كقوله تعالى: {ما هن أمهاتهم} أو غير عاملة نحو: ما قام زيد.
ثالثها: أن تكون زائدة، إما كافة، إما عن عمل الرفع، نحو: قلما وطالما، أو الرفع والنصب وهي المتصلة بـ (إن) وأخواتها، نحو: {إنما الله إله واحد} أو الجر، وهي المتصلة بـ (رب) وإما غير كافة نحو شتان ما بين زيد وعمرو.
تنبيه:
لا يفهم أن الموصولة وما بعدها إلى المصدرية أقسام الإسمية وأن قوله: (ومصدرية) إلى آخر كلامه أقسام الحرفية إلا بتوقيف.
ص: الثالث والعشرون (من) لابتداء الغاية غالباً، وللتبعيض والتبيين والتعليل والبدل والغاية وتنصيص العموم والفصل ومرادفة الباء وعن وفي وعند وعلى.
ش: لـ (من) معان:
أحدها: ابتداء الغاية في المكان اتفاقاً، نحو: {من المسجد الحرام} وفي الزمان عند الكوفين نحو: من أول يوم، وصححه ابن مالك لكثرة شواهده.
وأشار المصنف بقوله: (غالباً) إلى أنه الغالب عليها، حتى رد بعضهم سائر معانيها لابتداء الغاية فإذا قلت: أخذت من الدراهم، فقد جعلت الدراهم ابتداء غاية الأخذ.
ثانيها: التبعيض نحو: {تلك ... منهم من كلم الله}، وعلامتها صحة أن يوضع موضعها بعض.
ثالثها: التبيين نحو: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} وعلامتها أن يصلح موضعها الذي هو.
رابعها: التعليل، نحو: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق}.
خامساً: البدل نحو: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}.
سادسها: الغاية، أي انتهاء الغاية، مثل (إلى) فيكون لابتداء الغاية من الفاعل ولانتهاء غاية الفعل من المفعول نحو: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب، أي من مكاني إلى خلل السحاب.
فابتداء الرؤية واقع من الدار وانتهاؤها في خلل السحاب، ذكر ابن مالك أن سيبويه أشار إلى هذا المعنى وأنكره جماعة، وقالوا: هي لابتداء الغاية لكن في حق المفعول، ومنهم من جعلها في هذا المثال لابتداء الغاية في حق الفاعل بتقدير: رأيت الهلال من داري ظاهراً من خلل السحاب، ويحتمل أن يريد المصنف الغاية كلها ابتداء وانتهاء حكاه ابن أبي الربيع عن قوم فيما إذا دخلت (من) على فعل ليس له امتداد فيكون المبتدأ والمنتهى واحداً.
سابعها: تنصيص العموم، وهي الداخلة على نكرة لا تختص بالنفي، نحو ما جاءني من رجل، فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الوحدة، ولهذا يصح معه بل رجلان، فإذا دخلت تعين لنفي الجنس.
أما الداخلة على نكرة تختص بالنفي نحو: ما جاءني من أحد، فهي للتأكيد، وهذا كله في النفي ولا يجوز زيادتها في الإثبات خلافاً للكوفيين، ولا حجة لهم في قوله تعالى: {يغفر لكم من ذنوبكم} لجواز إرادة البعض.
ثامنها: الفصل نحو: {والله يعلم المفسد من المصلح} وتعرف بدخولها على ثاني المتضادين.
تاسعها: مرادفة الباء، نحو: {ينظرون من طرف خفي}، قال يونس: بطرف، ويحتمل ابتداء الغاية.
عاشرها: مرادفة (عن) كقوله تعالى: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} أي عن.
حادي عشرها: مرادفة (في) نحو: {ماذا خلقوا من الأرض} كذا قيل: والظاهر أنها على بابها، وينبغي تمثيله بما في (الشامل) لابن الصباغ عن الشافعي رضي الله عنه في قوله: {فإن كان من قوم عدو لكم} أنها بمعنى (في) بدليل قوله وهو {مؤمن}.
ثاني عشرها: مرادفة (عند) نحو: {لن} تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار} قاله أبو عبيدة.
ثالث عشرها: مرادفة (على) نحو: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا} وقيل: ضمن قوله: (نصرناه) معنى (منعناه).
ص: الرابع والعشرون: من شرطية واستفهامية وموصولة ونكرة موصوفة قال أبو علي ونكرة تامة.
ش: (من) بالفتح تكون شرطية نحو: {من يعمل سوءا يجز به} واستفهامية نحو: {فمن ربكما يا موسى} وموصوله نحو: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض} ونكرة موصوفة نحو: مررت بمن معجب لك، أي: بإنسان معجب لك، فوصفك لـ (من) بمعجب وهو نكرة، دليل على أن (من) نكرة.
وقال أبو علي الفارسي: تكون نكرة تامة لقوله:
(ونعم من هو في سر وإعلان).
فقال: إن الفاعل مستتر، ومن تمييز، وقوله: (هو) مخصوص بالمدح، وقال غيره: من موصول فاعل.
ص: الخامس والعشرون: (هل) لطلب التصديق الإيجابي لا للتصور ولا للتصديق السلبي.
ش: (هل) حرف استفهام، ولا يستفهم بها عن التصور، وهو العلم بالمفردات، أي لا يسأل بها عن ماهية الشيء، وإنما يستفهم بها عن التصديق وهو النسبة أي إسناد شيء إلى شيء، ولا يستفهم بها عن النفي فلا يقال: (هل لم يقم زيد؟) وإنما يستفهم بها عن التصديق الإيجابي، كقولك: هل قام زيد؟ وقد ترك الشارح هذا فلم يذكره ولم يشرحه؟
ص: السادس والعشرون الواو لمطلق الجمع وقيل للترتيب وقيل للمعية.
ش: في (الواو) العاطفة مذاهب: أصحها: أنها لمطلق الجمع، أي لا تدل على ترتيب ولا معية، فإذا قلت: قام زيد وعمرو، احتمل قيامهما معاً، وتقدم قيام زيد وتقدم، قيام عمرو، والتعبير بهذا أحسن من تعبير ابن الحاجب والبيضاوي وغيرهما بالجمع المطلق، فإن الجمع المطلق هو الجمع الموصوف بالإطلاق، فلا يتناول المقيد بمعية، ولا بتقديم ولا بتأخير، بخلاف مطلق الجمع، فإنه يتناول الصور كلها، وهذا كمطلق الماء، والماء المطلق، وقد ادعى إجماع النحاة على هذا المذهب السيرافي والسهيلي والفارسي، ووافقهم الإمام فخر الدين والبيضاوي وهو مردود بما سنحكيه من الخلاف.
الثاني: أنها تفيد الترتيب، حكي عن الفراء، وثعلب وقطرب وهشام، وأبي جعفر والدينوري، وأبي عمر الزاهد، وأنكره السيرافي عن الفراء وقال: لم أره في كتابه، وعزاه ابن الخبار وغيره للشافعي، وأنكر أصحابنا نسبته إليه، ونقله الماوردي عن جمهور أصحابنا.
الثالث: أنها للمعية، نسبه الإمام في (البرهان) للحنفية.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, حروف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:28 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir