دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:27 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي رواية المبتدع

مَسْأَلَةٌ: المُبْتَدِعُ إِنْ كَفَرَ مِن بِدْعَتِهِ فلَا إِشْكَالَ في رَدِّ رِوَايَتِهِ، وإذا لم يَكْفُرْ، فَإِنِ استَحَلَّ الكَذِبَ رُدَّتْ أَيْضًا، وإن لم يَسْتَحِلَّ الكَذِبَ فهَلْ يُقْبَلُ أَمْ لا؟ أو يُفَرَّقُ بينَ كَوْنِه دَاعِيَةً أو غيرَ دَاعِيَةٍ؟ في ذلك نِزاعٌ قديمٌ وحَدِيثٌ، والذي عليه الأكثرونَ التَّفْصِيلُ بينَ الدَّاعِيَةِ وغَيْرِه، وقد حُكِيَ عن نَصِّ الشافعيِّ. وقد حَكَى ابنُ حِبَّانَ عليه الاتِّفاقَ، فقالَ: لا يَجُوزُ الاحتجاجُ به عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً، لا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلافًا، قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وهذا أَعْدَلُ الأقوالِ وأَوْلَاهَا، والقولُ بالمنعِ مُطْلقًا بَعيدٌ، مُبَاعِدٌ للشائِعِ عن أئمةِ الحديثِ، فإنَّ كُتبَهُمْ طَافِحَةٌ بالروايةِ عنِ المبتَدِعةِ غيرِ الدُّعَاةِ، ففِي الصحيحينِ مِن حَدِيثِهِمْ فِي الشَّوَاهِدِ والأُصولِ كَثِيرٌ. واللهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ الشافِعِيُّ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إلا الخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهُم يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بالزُّورِ لِمُوافِقِيهِمْ، فلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيُّ في هذا النصِّ بينَ الدَّاعِيَةِ وغَيْرِه.
ثم ما الفَرْقُ فِي المَعْنَى بَيْنَهُما؟! وهذا البُخَاريُّ قد خَرَّجَ لِعِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ الخارِجِيِّ مَادِحِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُلْجِمٍ قَاتِلِ عَلِيٍّ، وهذا مِن أَكْبَرِ الدُّعَاةِ إلى البدعَةِ، واللهُ أَعْلَمُ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

مَسْأَلَةٌ: المُبْتَدِعُ إِنْ كَفَرَ مِن بِدْعَتِهِ فلَا إِشْكَالَ في رَدِّ رِوَايَتِهِ، وإذا لم يَكْفُرْ، فَإِنِ استَحَلَّ الكَذِبَ رُدَّتْ أَيْضًا، وإن لم يَسْتَحِلَّ الكَذِبَ فهَلْ يُقْبَلُ أَمْ لا؟ أو يُفَرَّقُ بينَ كَوْنِه دَاعِيَةً أو غيرَ دَاعِيَةٍ؟ في ذلك نِزاعٌ قديمٌ وحَدِيثٌ، والذي عليه الأكثرونَ التَّفْصِيلُ بينَ الدَّاعِيَةِ وغَيْرِه، وقد حُكِيَ عن نَصِّ الشافعيِّ. وقد حَكَى ابنُ حِبَّانَ عليه الاتِّفاقَ، فقالَ: لا يَجُوزُ الاحتجاجُ به عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً[1]، لا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلافًا.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وهذا أَعْدَلُ الأقوالِ وأَوْلَاهَا، والقولُ بالمنعِ مُطْلقًا بَعيدٌ، مُبَاعِدٌ للشائِعِ عن أئمةِ الحديثِ، فإنَّ كُتبَهُمْ طَافِحَةٌ (بالروايةِ) عنِ المبتَدِعةِ غيرِ الدُّعَاةِ، ففِي الصحيحينِ مِن حَدِيثِهِمْ فِي الشَّوَاهِدِ والأُصولِ كَثِيرٌ. واللهُ أَعْلَمُ.
(قُلْتُ): وَقَدْ قَالَ الشافِعِيُّ: أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الأَهْوَاءِ إلا الخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهُم يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بالزُّورِ لِمُوافِقِيهِمْ[2]، فلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيُّ في هذا النصِّ بينَ الدَّاعِيَةِ وغَيْرِه، ثم ما الفَرْقُ فِي المَعْنَى بَيْنَهُما؟ وهذا البُخَاريُّ قد خَرَّجَ لِعِمْرَانَ بنِ حِطَّانَ الخارِجِيِّ مَادِحِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُلْجِمٍ قَاتِلِ عَلِيٍّ، وهذا مِن أَكْبَرِ الدُّعَاةِ إلى البدعَةِ، واللهُ أَعْلَمُ[3].

[1] يعني المبتدع الذي يدعو إلى بدعته.

[2]في الأصل (لا يرون) بالنفي، وهو خطأ، ففي، ابن الصلاح والتدريب: (يرون) بالإثبات، وهو الصحيح، فلذا صححنا ما هنا على الإثبات.

[3] أهل البدع والأهواء، إذا كانت بدعتهم مما يحكم بكفر القائل بها، لا تقبل روايتهم بالاتفاق، فيما حكاه النووي ورد عليه السيوطي في التدريب دعوى الاتفاق ونقل قولا آخر بأنها تقبل روايتهم مطلقا، وقولا آخر بأنها تقبل إن اعتقد حرمة الكذب ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال: (التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفتها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. والمعتمد: (أن الذي ترد روايته من أنكر أمرًا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة، أو اعتقد عكسه. وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه، مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله، وهذا الذي قاله الحافظ هو الحق الجدير بالاعتبار، ويؤيده النظر الصحيح.
وأما من كانت بدعته لا توجب الكفر، فإن بعضهم لم يقبل روايته مطلقا، وهو غلو من غير دليل، وبعضهم قبل روايته إن لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، وروي هذا القول عن الشافعي، فإنه قال: (أقبل شهادة أهل الأهواء إلى الخطابية، لأنهم يروون الشهادة بالزور لموافقيهم). وقال أيضًا ما رأيت في أهل الأهواء قوما أشهد بالزور من الرافضة). وهذا القيد -أعني عدم استحلال الكذب- لا أرى داعيا له لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راو، فإنا لا نقبل رواية الرواي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة، فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور.
وقال بعضهم: تقبل رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولا تقبل إن كان داعية، ورجح النووي هذا القول، وقال: (هو الأظهر الأعدل) وقول: (الكثير أو الأكثر). وقيد الحافظ أبو إسحاق الجوزجاني -شيخ أبي داود والنسائي- هذا القول بقبول روايته إذا لم يرو ما يقوي بدعته.
وهذه الأقوال كلها نظرية. والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه. والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرا من أهل البدع موضعا للثقة والاطمئنان، وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيرا منهم لا يوثق بأي شيء يرويه ولذلك قال الحافظ الذهبي في الميزان (ج1 ص4) في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: (شيعي جلد، لكنه صدوق، فلنا صدقه، وعليه بدعته)، ونقل توثيقه عن أحمد وغيره، ثم قال: (فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلا وهو صاحب بدعة؟) وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى، كغلو التشيع، أو التشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضًا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله؟ حاشا وكلا. فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم: هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنهم، وتعرض لسبهم، والغالي في زماننا وعرفنا: هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضًا، فهذا ضال مفتر).
والذي قاله الذهبي مع ضميمة ما قاله ابن حجر فيما مضى- هو التحقيق، المنطبق على أصول الرواية. والله أعلم.



  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: الحمد لله رب العالمين,وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين,وآله وصحبه أجمعين,أما بعد
قال المصنف رحمه الله تبارك وتعالى,ونفعنا بعلمه وعلم شيخنا,وأجزل لهما المثوبة في الدارين, قال:
مسألة: المبتدع إن كفر ببدعته,فلا إشكال في رد روايته,وإن لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضا, وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟
في ذلك نزاع قديم وحديث, والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره, وقد حكي عن نص الشافعي,وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق,فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة,لا أعلم بينهم فيه خلافا.
قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها,والقول بالمنع مطلقا بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث؛فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة,ففي الصحيحين من حديثهم في الشواهد والأصول كثير.والله أعلم.
قال:قلت: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛لأنهم يروون الشهادة بالزور لموافقيهم.فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره, ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم,قاتل علي,وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة.والله أعلم.

الشيخ:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله هذا المبحث أيها الإخوة مبحث مهم جدا,وينفعنا أيضا في حياتنا العملية,وفي تعاملنا مع المخالفين؛لأنه عبارة عن تقعيد علمي يفيد جدا في التعامل مع من قد يوصف ببدعة.
لكن قبل أن نخوض في هذه المسألة,أذكر بأن علم الحديث وتلقيه ودراسته ينبغي أن تؤثر تأثيرا إيجابيا على طالب علم الحديث, فجميع هذه المباحث التي نتلقاها,وبالذات الكلام في الرواة ومنهج الأئمة فيهم على ما سبق التفصيل,فيه كله, ينبغي أن يكون منهجا يسير عليه طالب العلم,فينظر أولا في ثبوت الجرح عن المجروح,هل يثبت أو لا؟.
وهذه مسـألة مهمة,ولا يعتمد على مجرد النقل فقط,بل لا بد من التوثق؛حتى يتبين له الأمر عن وضوح وجلاء,فإن تبين أقدم على الحكم وفق الضوابط الشرعية,وإن لم يتضح له أوشك في الأمر فاسلم يا عبد الله على دينك, فإطلاق القول بتبديع أو تفسيق أو تكفير هذا على الإنسان فيه مؤاخذات كثيرة, وعند الله تجتمع الخصوم,وكونك تخطئ فيما بينك وبين الله أهون من أن تخطئ فيما بينك وبين العباد؛لأن حق الباري جل وعلا مبني على المسامحة,وبخاصة إذا علم منك صدق التوبة,وأما حقوق العباد فمبنية على المشاحة,فلا بد من القصاص إلا أن يعفو الذي ظلم,أو يكون هناك من الحسنات الماحية ما يدرأ ذلك الظلم وتلك المعاصي التي جنيتها من جراء كلامك في الناس.
لذلك هذا اللسان قد يجر على صاحبه العطب,وآفات اللسان في الحقيقة كثيرة,وبالذات في مثل عصرنا هذا الذي كثرت فيه الفرقة,وكثر فيه الاختلاف,وتشعبت الأهواء.والله المستعان.
فطالب العلم ينبغي له أن يقدم على ما فيه صلاح نفسه وتزكيتها,وعلى ما فيه نفع من طلب العلم وحفظه وتلقيه وعبادة الله وطاعته, ويذر عنه ما سوى ذلك من الفتن المهيجة,التي تودي به يمينا وشمالا,فربما أودت به في الدنيا قبل الآخرة,وأما في الآخرة فالله الموعد,وسيجد كل إنسان ما جنته يداه وما حصده لسانه في صحيفة مخطوط فيها كل شيء: { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها }.
فالتثبت أيها الإخوة لابد منه, ثم إنه إذا تثبت ووجد أن النقل الصحيح لا مرية فيه,فعند ذلك تأتي مراحل أخرى,تأتي مرحلة معرفة: هل هذا القول الذي صدر من فلان في حق فلان,مع كون فلان ثقة,وصح النقل عنه, هل بينه وبين فلان شيء من الحسد؟ شيء من العداء؟
فتجد علماء الحديث خدموا هذه المسألة,خدموها في الكلام على رواية الأقران,وفي كلام الأقران بعضهم في بعض, ثم هب أن ذلك الجارح ليس قرينا,فهل يمكن أن يحمل ذلك الجرح على محمل صحيح,ويدرأ الجرح عن ذلك الإنسان؟ إذا أمكن فإحسان الظن بالمسلم مطلوب.
ثم هب أنه لم يمكن حمل ذلك الجرح على هذا المحمل الذي ذكرت,وإنما الجرح لا بد أن يكون مؤثرا؛فإنهم يلتفتون أيضا إلى ما للراوي من محاسن أخرى,فينزل الجرح في منزلته,ولكن لا يهدر بقية محاسن ذلك الرجل,إلا أن يكون ذلك الجرح مما يستوجب فعلا إهدار تلك المحاسن.
عبد الله بن المبارك رحمه الله لما تطرق لهذه المسألة قال: من غلبت مساوئه محاسنه فذلك هو الذي تذكر عنه المساوئ,ولا تذكر عنه المحاسن,ومن غلبت محاسنه مساوئه فهو الذي تذكر محاسنه ولا تذكر مساوئه إلا يعني: في حدود الضرورة,كجرح الرواة في الرواية.
فعلى كل حال، هذا المنهج ينبغي أن نطبقه في مثل هذه المسائل, قد يأتي النقل عن راو من الرواة أو عن أحد من الناس كائنا من كان؛لأنه تلبس بكذا وكذا مما نستطيع أن نحكم عليه ببدعة, فإذا طبقنا ما ذكرت تثبتنا ووجدنا النقل صحيحا,ووجدنا أيضا أنه ليس في المسألة هوى لذلك الناقل لذلك الجرح.
ووجدنا أيضا أن هذا لا يمكن أن يحمل على محمل صحيح,كأن يكون عنده دليل يمكن أن يعذر لأجله, فإننا في هذه الحال ينبغي أن ننظر: هل هذا الراوي من الرواة الذين أطلق الأئمة مثلا القول بتوثيقهم ووصف بهذه البدعة أولا؟
كل هذا وفق هذا المنهج الذي سنتكلم عليه الآن, فالبدعة أيها الإخوة على ضربين: بدعة مكفرة,وبدعة غير مكفرة, فالبدعة المكفرة ينبغي أن يحتاط فيها أيضا؛لأنه كما يقول الحافظ ابن حجر,وتجدون النقل عنه عندكم: إنه ما من فرقة إلا وهي تبدع وتكفر مخالفيها.
ولكن هذا التبديع وهذا التكفير قد يكون صحيحا,وقد يكون غير صحيح,وبالذات الحكم على البدعة بأنها بدعة مكفرة يكفر لأجلها الإنسان, فإذا حكم على البدعة بأنها مكفرة قطعا,بحيث لا يمكن أن يمتري إنسان في ذلك, وهذا كما يقول الحافظ ابن حجر: كأن يكون أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة,أو أمرا متواترا,أو خالف نصا متواترا,فإنه في هذه الحال يحكم على ذلك الفعل بأنه فعل مكفر أو تلك البدعة بأنها بدعة مكفرة, وما سواها حتى وإن وجد الإطلاق من بعض الأئمة بأن ذلك الفعل يعتبر فعلا مكفرا, لكن لا ينبغي أن يؤخذ هذا الإطلاق على عمومه.
فأولا لا ينزل على معين ثم ينظر ذلك الإطلاق هل هو في محله أو في غير محله, فهناك من العلماء مثلا من كفر الأشاعرة,مع العلم أن غالبية أهل السنة يرون أنهم لا يكفرون, وهذا هو الحق أنهم لا يكفرون,حتى وإن كان عندهم بعض المخالفات التي من وجهة نظرنا أنها مخالفات صريحة لبعض النصوص الشرعية,ولكن لا يجوز إطلاق القول بكفرهم؛لأنهم لو كفروا لكفرت طائفة من العلماء الأجلاء الذين خدموا علوم الشريعة.
فهذا بالنسبة لصحة الإطلاق من عدمه, لا يصح في مثل هذه الحال, وإذا وجدنا الإطلاق صحيحا,كقول أهل السنة عن الجهمية: إن من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. هذا لا يجوز تنزيله على معين إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع؛فهناك ضوابط لهذه المسألة فإذن الحكم على البدعة بأنها بدعة مكفرة وبأن الراوي قد يكفر بتلك البدعة,هذا أمر فيه حيطة شديدة.
لكن نحن الآن نشرح ما أمامنا من المعاني, فرضنا أن هناك بدعة مكفرة لا يمترى فيها,فإن صاحبها حينذاك تهدر روايته ولا تقبل,ولا كرامة.
فإذن البدع عندنا على ضربين: بدعة مكفرة وبدعة غير مكفرة.
فالبدعة المكفرة لا تقبل رواية صاحبها, فرغنا منه, نأتي للبدعة غير المكفرة: البدعة غير المكفرة هذه فيها هذا التفصيل الطويل,فهذا الراوي الذي تلبس بتلك البدعة,إما أن يكون ممن يستحل الكذب أو لا, وإذا كان لا يستحل الكذب فإما أن يكون رأسا في بدعته داعية إليها أو لا, وإذا لم يكن رأسا في بدعته ولا داعية إليها فإما أن يكون الحديث الذي رواه مما يؤيد بدعته أو لا.
هذه كلها مسائل تحتاج إلى مناقشة:
فأولا: إذا كان ممن يستحل الكذب,فهذا سواء كان مبتدعا أو غير مبتدع, حتى ولو لم يكن ذلك عن استحلال,وإنما عرف عنه الكذب ولو في حديثه, فإن هذا فسق ترد لأجله الرواية,ولسنا الآن مضطرين لأن نقول: هل يكون مبتدعا أو لا يكون مبتدعا ونبحث في هذه المسألة
وتلبس الراوي به فضلا عن استحلاله؛فإنه يكون في هذه الحال مهدر الرواية ساقط الرواية,وعليه يتنزل كلام الشافعي رحمه الله حينما قبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة,قال: لأنهم يستحلون الكذب.
والحقيقة أن الرافضة جميعهم يستحلون الكذب,وليس الخطابية فقط, فكما يقول الذهبي رحمه الله: فالكذب شعارهم والتقية دثارهم.
أما إذا لم يكن الراوي المتلبس بالبدعة ممن يكذب,أو يستحل الكذب,فإنه قد يكون رأسا في بدعته, فإذا كان رأسا في بدعته أو داعية,وإن لم يكن رأسا هل ترد روايته حينذاك؟ تجدون النقل عن مثل ابن حبان وغيره, أن الإجماع المعقد على حد قوله على أن رواية هؤلاء الناس ترد ولا كرامة, ولكن هذا الإجماع غير صحيح.
ولذلك نحن ينبغي أن نتوقى في إطلاق الإجماع على بعض المسائل؛لأن الإطلاق بهذه الصورة لا يكون منضبطا.
ولعلكم تعرفون إجماعات ابن المنذر رحمه الله: أجمعوا على كذا وأجمعوا على كذا وحكى مسائل كثيرة جدا, إذا ما بحثنا في تلك المسائل وجدنا هناك من خالف, وأحيانا قد يكون الخلاف قويا بين العلماء,فلا يصح إطلاق الإجماع حينذاك.
كذلك أيضا ههنا في حكاية ابن حبان الإجماع على هذه المسألة الحقيقة أنه ليس هناك فيها إجماع,لا في قديم الزمن ولا في حديثه, ولعل بالأمثلة يتضح المراد:
فمن هو أول من أحدث القول بالقدر؟
معبد الجهني ارجعوا لترجمة معبد الجهني في (تهذيب التهذيب) وانظروا حكم الحافظ ابن حجر عليه في (تقريب التهذيب) ماذا يقول عنه؟ مع العلم أنه رأس في هذه البدعة, ولكن لأجل أن صفة الصدق توفرت فيه قبل العلماء روايته, مع كونهم تحدثوا عنه بما يحذر وينفر من بدعته, ولكن الرواية غير البدعة.
ومع ذلك ففي ترجمته ما يشعر بأن العلماء غير راضين عنه بسبب هذه البدعة التي تلبس بها, ولكن ما داموا محتاجين إلى حديثه فإنهم نظروا نظرة أخرى: هل هذا الرجل صادق أو غير صادق؟ فما دام أن الصدق توفر فيه,فإنهم قبلوا روايته.
كذلك كما نظرتم في كلام الحافظ ابن كثير,وهو رد وجيه على من ادعى الإجماع في هذه المسألة,فابن كثير رحمه الله يرى أن الداعي إلى بدعته لا ترد روايته إذا كان صادقا, ويمثل على هذا بعمران بن حطان, عمران بن حطان هذا هو الذي امتدح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي رضي الله تعالى عن علي وعن سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذا العرش رضوانا
فهذا الامتداح هو رأس البدعة,وهو غاية الدعوى.
وأهل السنة حينما قبلوا أحاديث الخوارج إنما قبلوهم على هذا الأساس, قالوا: لأنهم لا يجيزون الكذب,بل ربما اعتبروه كبيرة يكفر بها صاحبها,لهذا قبلوا رواياتهم,حتى وإن كان فيهم من امتدح عبد الرحمن بن ملجم مثل عمران بن حطان.
وقد أخرج له البخاري في صحيحه كذلك أيضا بعض الذين عرفوا فعلا بأنهم دعاة إلى بدعتهم,مثل عباد بن يعقوب الرواجمي,هذا رافضي وداعية إلى بدعته, وقد أخرج له البخاري في صحيحه حديثا,وابن خزيمة يروي عنه,وفي كثير من الأحيان, وإذا روى عنه قال: حدثنا عباد بن يعقوب الثقة في حديثه المتهم في دينه.
لكن إذا كان ذلك الراوي هناك ما يخدش صدقه,فإنهم يعرضون عنه, فانظروا إلى عمرو بن عبيد المعتزلي,وهو ممن قال بالقدر؛ فإنه يعتبر ممن تأثر بدعوى معبد الجهني, ولكن قبلوا رواية معبد الجهني وردوا رواية عمرو بن عبيد,مع العلم أن الرأس هو الذي أولى أن ترد روايته,لو كانت المسألة ينظر إليها بهذه الصورة,ولكن العكس هو الذي حصل,فلماذا ردوا روايات عمرو بن عبيد؟
إنما ردوا رواياته؛لأنه كان يكذب,فلما عرفوا منه هذه الخصلة الذميمة أهدروا رواياته ولم يلتفتوا إليها, فالمعول عليه إذن في هذه المسألة ماذا؟
الصدق, متى ما كان الراوي صادقا وعرف عنه ذلك,واشتهر به,فالبدعة لا تؤثر عليه حينذاك,قد يعترض معترض فيقول: كيف ونحن نقول: إن البدعة تخدش عدالة الراوي, ولا بد أن يكون الراوي عدلا, ومن العدالة أن يكون سالما من الوصف بالبدعة؟
قلنا: إن هؤلاء الذين تلبسوا بهذه البدعأولا: كانوا متأولين,ومع كوننا نحذر من بدعتم ونصفهم بأنهم تلبسوا بهذه البدعة,إلا أننا نعرف أنهم كانوا مجتهدين فيها,ولو تيقن من أن الواحد منهم يعرف من نفسه أنه على خطأ وأصر على خطئه,فهذا يجرح عدالته.
لكن من هو الذي نستطيع أن نقول: إنه عرف أنه على خطأ فأصر على خطئه,بمعنى: أنه غلبه هواه؟ هذه أمور قلبية,لا يستطيع أن يطلع عليها البشر, فما داموا متأولين فنحن نستطيع أن نجمع بن التحذير من البدعة والتنبيه على خطر المبتدعة, ولكن لا يؤثر هذا على روايات مثل هؤلاء الذين تلبسوا بها عن تأول.
ثم إننا لو أهدرنا رواياتهم لترتب على ذلك مفسدة كبيرة جدا,وهي إهدار جزء كبير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم,فلو أننا رددنا حديث أبي إسحاق السبيعي؛لكونه فيه تشيع,وحديث الأعمش؛لأن فيه تشيعا, وحديث وكيع؛لأن فيه تشيعا, وحديث قتادة؛لأنه ممن قال بالقدر, وحديث محمد بن إسحاق بن يسار؛ لأنه قال بالقدر,وفيه أيضا تشيع, وحديث أبي معاوية محمد بن خازم الضرير؛لأنه مرجئ, وهكذا من الرواة المكثرين من الرواية, ما الذي يبقى لنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
سيذهب كثير منها, ثم يترتب على ذلك من المفاسد ما لا يعلم مداه إلا الله,ولو أننا نظرنا في بعض هؤلاء الذين قيل: إنهم يدعون إلى بدعهم,أو على الأقل وصفوا ببدعة,لوجدنا أقوال أئمة أهل السنة متواترة في توثيقهم وتزكيتهم, فهل يتناقد هذا مع مواقفهم من المبتدعة؟
نقول: لا, لا يتناقد هذا مع مواقفهم من المبتدعة,ولكنهم حينما يرون أن الداعية إلى بدعته أو الملتبس ببدعة ينبغي أن يحذر منه, إنما يصنعون ذلك من باب الهجر والتأديب وتنفير الناس من تلك البدع؛ لأنهم لو لم يصنعوا ذلك,لنظر الناس إلى هذه البدع على أنها من المسائل التي يتسع فيها الخلاف,ولا يؤثر كون الإنسان تلبس ببدعة من البدع,لكن كانوا يجمعون بين الوصفين.
ولذلك بعض أهل السنة,وأظنه سفيان الثوري,حينما رأى رجلا يريد أن يذهب إلىثور بن يزيد الشامي,قال له: احذر من أن ينطحك بقرنيه
لكن كانوا يجمعون بين الوصفين,ولذلك بعض أهل السنة,وأظنه سفيان الثوري,حينما رأى رجلا يريد أن يذهب إلى ثور بن يزيد الشامي, قال له: احذر من أن ينطحك بقرنيه. يعني: خذ عنه ولكن احذر من بدعتيه؛ لأنه تلبس بالإرجاء وبالقدر.
فكانوا يجمعون رحمهم الله بين هذا وذاك,وأعجبني كلام لابن حزم في مسـألة الداعية والتفريق بينه وبين المبتدع الذي ليس بداعية, معنى هذا الكلام: إنه لا يتصور أصلا أن يكون هناك إنسان تلبس ببدعة فيما نرى ولا يدعو إليها؛ لأنه يعتقد أن ذلك دين,وإذا كان يعتقد أن ذلك دين,وأنه هو الحق ويدين الله جل وعلا به, فمعنى ذلك أنه حتما سيدعو إلى هذه البدعة, فإن لم يدعو إليها كان ساكتا عن الحق من وجهة نظره,والسكوت عن الحق يعتبر معصية, وإن لم يسكت فقد قال ما يدين الله جل وعلا به, وهو متأول,فيحمل على ما حمل عليه الآخر الذي عذرناه بتلبسه بالبدعة فقلنا: إنه متأول, فهذا أيضا متأول.
فكأنه يومئ رحمه الله إلى أن الذي يدعو إلى بدعته,يعني: من حيث له في تلبسه بالبدعة,ينبغي أن يكون أكثر ممن نقول: إنه لا يدعو إلى بدعته؛لأن هذا يدل على أنه أخذ هذا الأمر عن ديانة وعن قناعة,وأنه يرى أنه هو الحق,فيصدق فيه فعلا أنه هو المتأول,أما ذاك الذي يتلبس بالبدعة ويسكت,ولا يدعو إلى بدعته,فهذا كأنه عارف بأنه على خطأ,ومع ذلك يصر على تلبسه بتلك البدعة,فهذا هو الذي قد يشك في أمره ويظن.
فلا تأخذوا هذا الكلام على أنه من باب ماذا؟
من باب التساهل مع المبتدعة أو الدعاة إلى بدعهم, ولكن من باب النظر إلى أقوال الأئمة في هؤلاء الرواة وإخراجهم لهم في الصحيح,كيف نستطيع أن نوفق بين أقوالهم؟ وكيف نستطيع أن نفهمها على الفهم الصحيح؟ لا نستطيع أن نفهمها على الفهم الصحيح إلا بهذه الصورة.
بل ورد عن الإمام أحمد رحمه الله,أنه أثنى على أناس ممن عرفوا بأنهم دعاة إلى بدعهم,وهو رأس أهل السنة رحمه الله, وهذا كثير فيما لو طالعتم في تراجم الرواة الذين وصفوا ببدعة, كمحمد بن خازم الضرير الذي هو أبو معاوية وغيره, انظروا في تراجمهم لتروا حقيقة الحال.
فعلى كل حال,هذا التفصيل لابد أن يؤخذ بهذه الصورة,فالمعول عليه إذن هو صدق الراوي,فإذا كان صادقا فهو الذي تبطل روايته, ثم إننا لابد أن ننبه على ضرورة اتخاذ موقف من أهل البدع وبيان منهج أهل السنة في هذه المسألة؛فأهل البدع بلا شك أنه لو لم يقف أهل السنة في وجوههم تلك الوقفة لانتشرت تلك البدع,ولاستمرأها الناس.
ولذلك لابد من الهجر,إن كان الهجر في محله,ولابد من التحذير إذا كان التحذير في محله, فإذا كان ذلك الرجل يدعو إلى بدعته,فلا بد من أن يحذر منه, ولا يتلقى عنه العلم إذا كان صادقا,إلا إنسان حذر عارف ببدعته,فيأخذ منه ما يحتاج إليه من الحديث,ويدع ما سوى ذلك.
وعليه ينزل كلام بعض الأئمة,الذين يمكن أن يسمحوا لتلاميذهم بالذهاب إلى هؤلاء المبتدعة,ولكنهم يحذرونهم,كما ذكرت لكم عن قول سفيان الثوري في ثور بن يزيد: احذر من أن ينطحك بقرنيه.
وموقف الهجر أيضا موقف شرعي, وبالذات إذا كان الهاجر ممن يلتفت إلى مواقفه كالإمام المشهور, مثل الإمام أحمد رحمه الله؛فإنه اتخذ موقفا صارما وحازما حتى مع من أجاب في بعض البدع,كفتنة خلق القرآن,وهو مكره,فاتخذ الإمام أحمد رحمه الله منهم موقفا صارما وشديدا فهجرهم ولم يكلمهم,ولم يرو عنهم, مع العلم أنه يعرف أنهم معذورون,ولكنه يريد أن يكون موقفه هذا محسوبا عند الناس,ويعرفوا هذه البدع,لا يمكن أن يتساهل فيها.
فلابد إذن من مراعاة الأحوال, من الذي يهجر ؟ وفي أي وقت يهجر؟ وهل المصلحة في الهجر أولا؟ ومسألة التحذير هل هذا الراوي فعلا ممن يمكن أن ينتشر شره وبدعته فيحذر منه؟ أو بدعته مقصورة على نفسه فالتحذير منه في تلك الحال أخف من التحذير من الداعية إلى بدعته؟ وهلم جرا في أحوال متعددة.
ولا بد أيها الإخوة من أن نأخذ بمنهج أهل السنة على وجه التكامل, فكما أنهم يحذرون من المبتدعة ويهجرونهم,ويقفون منهم هذه المواقف,فإنهم أيضا ينصفون من أنفسهم وينصفون المخالفين لهم, ومن الإنصاف مسألة الرواية ومسألة إعطائه من التوثيق ما يستحقه؛ لأن الأمة محتاجة إلى ذلك التوثيق, فلا يقال إذن: إن الإمام أحمد رحمه الله أثنى على مبتدعة لا,لا يقال هذا القول, إنما أثنى لأجل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛لأنه لو لم يوثق ذلك الراوي لأصبح ذلك الراوي مهدر الرواية,فحينذاك هذا يحصل بسببه من الضرر ما يحصل.
كذلك أيضا مسـألة العدل والإنصاف,فلا يتجاوز الإنسان الحد ويسرف في الجرح إلى حد يمكن معه أن يحصل ضرر كبير,بل لابد من العدل والإنصاف في ذلك الجرح,وهذه أمور يمكن أن نستقيها من مواقف بعض الأئمة مع مخالفيهم,وأكثر ما أنصح به إخواني -ونفسي أولا- مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع مخالفيه,ومخالفوه مبتدعة,تلبسوا ببدع,وتعنتوا فيها,واتخذوا مواقف صارمة من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله,إلى درجة الإيذاء,بل الحكم والإفتاء بقتله, ومع ذلك رحمه الله كان موقفه موقف المنصف,لا موقف المنتصر لنفسه والظالم والباغي على خصومه.
فراجعوا ذلك,أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المتصفين بالعدل والإنصاف,وأن لا يجعلنا من الذين ينتصرون لأنفسهم وذواتهم.
إذا قلنا: إن الراوي المبتدع أو الداعي إلى بدعته فيه هذا التفصيل,فمن باب أولى إذن أن ننظر,ونظرنا في كلام ابن حبان في الداعية وقلنا: إنه غير صحيح,ودعوى الإجماع غير صحيحة,فيحق لنا أيضا النظر فيما أثاروه إذا روي ما يؤيد بدعته فإن روايته لا تقبل حينذاك.
الحقيقة أن هذه المسألة صدرت من ابن حبان, وأظنها نسبها إلى شيخه الجوزجاني, ولكن هذه المسألة ليست في محلها من خلال الواقع الذي شاهدناه في كتب الأئمة,وبالذات من ألف في الصحيح.
والحقيقة أيضا أنه من باب التفريق بين المتماثلات,فإذا جاءك مثلا محمد بن خازم وروى حديثا يمكن أن يؤيد بدعة الإرجاء,وروى الحديث بإسناد صحيح لا مطعن فيه,فهل في هذه الحال تقول: لا,أنا لا أقبل رواية محمد بن خازم في هذه الحال؛لأنه مرجئ,وقد روى ما يؤيد الإرجاء, وأقبل ما سوى ذلك؟
فهذا من التفريق بين المتماثلات,وهو قمة التنافر,فلماذا لا تقبلوا روايته وهو صادق وأنت تقبل روايته فيما سوى ذلك؟ نعم: إن كان هناك علة متوقعة يمكن أن تتوقعها كتدليس فيما بينه وبين شيخه,فيمكنك أن تتقي عنعنته,أو هناك علة فيمن فوق أبي معاوية,ويمكن أن يكون أبو معاوية سترها فهذا أيضا يمكنك أن تنقد من خلاله.
أما إذا لم يكن هناك أي مجال لإعلال ذلك الحديث,فلا يجوز والحالة هذه ترك حديث أبي معاوية,بل إن مثل هذا إذا روى ما يؤيد بدعته فإنه يمكن أن يحمل على مثل الإنسان إذا حفظ حديثا فيما يخص مهنته,مثل ما ورد من خلاف بين ابن عمر وأبي هريرة في مسـألة كلب الزرع,وقال ابن عمر: إن أبا هريرة صاحب زرع, إن أبا هريرة صاحب زرع. أي: بمعنى أنه أدعى أن يحفظ ذلك الحديث مني؛لأن هذا الحديث يهمه,فدواعي حفظ ذلك الحديث عنده متوفرة أكثر مني.
فكذلك أيضا المبتدع إذا روى ما يؤيد بدعته؛فإن دواعي حفظ ذلك الحديث عنده متوفرة أيضا,لكن مع الحيطة,ومع النظر في باقي شروط الصحة التي كنا ذكرناها.
نحن لا نقول هذا الكلام لنهون مثلا من شأن الأحاديث التي تؤيد بعض البدع,ولكن أحيانا يكون هذا التأييد متوقعا, وفي أذهان بعض الناس, ولعل هذا يتضح بالمثال الآتي:
روى الأعمش رحمه الله حديثا عن عدي بن ثابت,وهو حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة,إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)).
فهذا الحديث تفرد به الأعمش,وتفرد به عدي بن ثابت. والأعمش وعلي بن ثابت كلاهما ممن وصف بالتشيع,وهذا الحديث يمكن أن يجري على قاعدة بعض الناس على أنه من الأحاديث التي تؤيد بدعة التشيع:((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة,إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)).
هذا فيما يظهر أنه يؤيد بدعة التشيع, لذلك نقول: إن مثل هذا التصور قد يكون متوقعا,ولكنه يمكن أن يدفع؛فهذا الحديث ما الفرق بينه وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار: ((لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق))؟ الأمر سيان.
إذا قيل: إن عليا رضي الله عنه هناك من قاتله من الصحابة الآخرين كمعاوية رضي الله تعالى عنه, نقول: وكذلك الأنصاري قد يجاور بعض الناس وتكون بينهما خصومة في أمر من أمور الدنيا,فيحصل من ذلك الجار ولذلك الأنصاري شيء من البغض,فهل هذا يقدح في دينه؟
الجواب: لا؛ لأن العلماء تكلموا عن هذه المسألة,وبينوا المراد بهذا الحديث,فقالوا: من أبغض الأنصار لكونهم ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقفوا معه تلك المواقف, فهذا هو المنافق,وأما من أبغضهم لأمر خارج عن هذا كالأمور الدنيوية,فهذا لا يتنزل في هذه المنزلة.
كذلك علي رضي الله عنه,مَن أبغضه لكونه ناصر النبي صلى الله عليه وسلم,ووقف معه في حروبه, وبكونه أول من أسلم من الصبيان,وهلم جرا,مما يتعلق بأصل الولاء والبراء, فهذا هو الذي يمكن أن يكون منافقا,وأما من حصل بينه وبين علي رضي الله عنه خصومة ونزاع في أمور تأولوا فيها, فإنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يطلق عليه بأنه منافق,أو ينزل عليه هذا الحديث.
إذن يمكن أن يفهم هذا الحديث على فهم صحيح, فلا يكون ما يظن من أنه يؤيد بدعة التشيع متوقعا ههنا, ولذلك أخرج مسلم رحمه الله هذا الحديث في صحيحه من هذه الطريق,ولم يقل: إن هذا يؤيد بدعة التشيع التي تلبس بها عدي بن ثابت,أو تلميذه الأعمش, فلنكن إذن حذرين ومتنبهين إلى ما أثاره ابن حبان رحمه الله في هذه المسألة.


تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:35 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ :.
"مسألة المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في رد روايته, وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضا, وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أو لا ؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية, في ذلك نزاع قديم وحديث, والذي عليه الأكثرون تفصيل بين الداعية وغيره, وقد حكي عن نص الشافعي, وقد حكى ابن حبان عليه باتفاق, فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة, لا أعلم بينهم فيه خلافا.
قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها, والقول بالمنع مطلقا بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث؛ فإن كتبهم طافحة بالرواية عن مبتدعة غير الدعاة, في الصحيحين من حديثه في الشواهد والأصول كثير والله أعلم. قلت: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم, فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره, ثم ما الفرق في المعنى بينهما ؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم, قاتل علي رضي الله عنه, وهذا من أكبر الدعاة إلى بدعته والله أعلم". نعم
الشيخ :.
هذه قضية الابتداع قضية شائكة؛ لأننا أو لأنهم اشترطوا في الراوي أن يكون عدلا, والابتداع في بادئ الأمر ينافي العدالة, ولكن الإنصاف مطلوب, والتعامل مع الواقع يختلف عن الأمور النظرية,هذا في أمور كثيرة جدا جدا, قد أنت تُنَظِّرُ في الفقه, مثلا قد تنظر, وكذا لكن لو تبتلى بالقضاء ربما نظراتك وأحكامك الأولى ربما يجري عليها تعديل أو تعيد النظر في آرائك وفي أحكامك, تبتلى مثلا بالتصدي بالفتوة أو نحو ذلك يختلف التنظير عن التطبيق .
فمسألة الابتداع هذه قضية شائكة, وما أطيل في أسباب الابتداع وفي أنواع الابتداع, لكن الكلام الذي ذكره ابن كثير ذكر عددا من المذاهب أو من الأقوال في رد حكم رواية المبتدع: أنها ترد مطلقا,واستبعده ابن كثير -رحمه الله-وقال: هذا لا يمكن؛ لأننا من الناحية العمليةيقول: فلان كان يرى القدر, فلان كان يرى الإرجاء, فلان شيعي الجَلْد, فلان كذا,أي مروي ببعض أنواع الابتداع, فلان فيه نص.

أنواع الابتداع كما تعرفون أن البلاد الإسلامية ابتليت بهذا, مثلا: البصرة كثر فيها القدر, والكوفة كثر فيها التشيع, وكثر فيها الإرجاء, والشام كثر فيه النص, و شباب نشأوا على هذا الشيء, نشأ أهل الكوفة على التشيع لعلِيٍّ, ونشأ أهل البصرة أو بعضهم على القدر, ويعني: كذلك في المدينة قَدَرٌ,وفي الشام أيضا قدرية نشأوا على هذا, مثلا التنشئة هذه والبيئة لا يصح إغفالها في قضية المعتقدات.

المهم أئمة السنة وازنوا بين المصلحة, وازنوا في قضية المصالح والمفاسد, هل المصلحة في رد رواية المبتدعة لأجل ابتداعهم أو في قبول حديثهم إذا كانوا ثقات ضابطين؟! وازنوا بين هذا وهذا, فيقول ابن الصلاح: إن هذا بعيد أن نرد أو أن نقول بأن رواية المبتدع مردودة بإطلاق هكذا.
وذكر قولين, أو ذكر ما هو الراجح عنده, أنه إن كان المبتدع داعية لبدعته؛ فإن حديثه يرد أولا يقبل حديثه, وإن كان مبتدعا في نفسه ولا يدعوا إلى بدعته فإن حديثه مقبول, يقول: الدليل على هذا أن في الصحيحين أنه أخرج لأحاديث, وللعلماء كلام أيضا في قبول أحاديث المبتدعة, ليسوا بدعاة, لكن الذي أحب أن أقول أعلق عليه بالنسبة لهذا : أن قضية التفريق بين كون هذا داعية وهذا ليس بداعية, قد ما يتهيأ قدما يتهيأ دائما, وأحيانا تكون الدعوة إلى البدعة أحيانا تكون ليس بالكلام, ربما تكون بالسلوك, عبد الرزاق -رحمه الله- قيل له: إن شيوخك سنة, معمر والثوري, وفيه تشيع ومن أين جاءك هذا ؟

فيه نوع من التشيع لكنه من تشيع الأئمة الذي هو التشيع الخفيف الذي هو لا يتخلف في أبي بكر وعمر, وإنما يفضل علي على عثمان, هذا هو التشيع الخفيف, فقال رحمه الله: إنه قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي فرأيته أو فرأيت سلوكه, أو رأيت مثلا حين يقول: أخلاقه أو سلوكه حسنا, فأخذت هذا عنه, وهذا يرشدك إلى قضية السلوك في الدعوة, ربما يكون الداعية كثير من البلاد الإسلامية كيف دخلها الإسلام ؟ عن طريق ماذا دخلها الإسلام ؟
عن طريق التجار أناس عاديون,ولكن تجار صادقون في معاملتهم, حبهم الناس, وانتشر الإسلام في بعض البلاد وأصبحت بلادا إسلامية؛ فإذن قضية الدعوة هذه والذي يظهر لي -والله أعلم- أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه, وإذا تكلموا في بدعته يقولون: فلان يرى القدر, فلان كذا وكذا, ويثنون عليه في حديثه ثبت ثقة ضابط, يثنون عليه بثناء عاطر جدا, ويذكرون أنه كان داعية, ويذكرون عنه أنه كان مبتدعا.
فالمهم أنه يظهر لي أن قضية التفريق بين الداعي وغيره من الناحية العملية قد لا تتهيأ كما ينبغي, فالذي يظهر أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه, وبدعته عليه, كما قال يحيى القطان وجماعة من الأئمة في تعليلهم قبول حديث المبتدع؛ لأنهم وازنوا كما ذكرت يقولون: لو تركنا حديث أهل البصرة للقدر وحديث الكوفة للتشيع, وحديث الشام للنص, وحديث كذا, لم يبق عندنا سنة, أدخلوا بهذا الشيء يعني: قد يكونون معذورون متأولون, وهم أيضاأئمة -رحمهم الله- وفيهم الزهاد والعباد, ومع ذلك ابتلو بهذا الشيء لأمور يعني: لأسباب كثيرة .
المقصود أن هذا ما يتعلق بموضوع الابتداع, هو موضوع دقيق, فكأن العلماء -رحمهم الله تعالى- فصلوا بين ابتداع الراوي وبين قبول روايته إذا وثقوا بها, وهذا هو خلاصة الموضوع في الابتداع

تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المبتدع, رواية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir