دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 12:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقدمة

المقدمة (*)
1 قَالَ الْفَقِيرُ عَابِدُ الرَّحْمَنِ= اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْبَيَانِ

2 وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ = عَلَى النَّبِيِّ أَفْصَحِ الْأَنَامِ
3 وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ مِثْلُ الْجُمَانْ = ضَمَّنْتُها عِلْمَ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ
4 لَخَّصْتُ فِيهَا مَا حَوَى التَّلْخِيصُ مَعْ = ضَمِّ زِيَادَاتٍ كَأَمْثَالِ اللُّمَعْ
5 مَا بَيْنَ إِصْلاَحٍ لِمَا يُنْتَقَدُ = وَذِكْرِ أَشْيَاءَ لَهَا يُعْتَمَدُ
6 [ وفيه أبحاثٌ مهماتٌ تَجي = عن شيخِنا العلامةِ الكافِيَجي ]
7 وَضَمِّ مَا فَرَّقَهُ لِلْمُشْبِهِ = وَاللَّهَ رَبِّيْ أَسْأَلُ النَّفْعَ بِهِ
8 وَأَنْ يُزَكِّيْ عَمَلِيْ وَيُعْرِضَا = عَنْ سُوئِهِ وَأَنْ يُنِيلَنَا الرِّضَا (**)

9 يُوصَفُ بِالْفَصَاحَةِ الْمُرَكَّبُ = وَمُفْرَدٌ وَمُنْشِئٌ مُرَتِّبُ

10 وَغَيْرُ ثَانٍ صِفْهُ بِالْبَلاَغَهْ = وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْبَرَاعَهْ
11 فَصَاحَةُ الْمُفْرَدِ أَنْ لاَ تَنْفِرَا = حُرُوفُهُ كَـ"هُعْـخُعٍ" وَ"اسْتَشْزَرَا"
12 وَعَدَمُ الْخُلْفِ لِقَانُونٍ جَلِي = كَـ"الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَجْلَلِ"
13 وَفَقْدُهُ غَرَابَةً قَدْ أُرْتِجَا = كـَ"فَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا"
14 قِيْلَ وَفَقْدُ كُرْهِهِ فِي السَّمْعِ = نَحْوُ جِرِشَّــاهُ وَذَا ذُو مَنْعِ
15 وَفِي الْكَلَامِ فَقْدُهُ فِي الظَّاهِرِ = لِضَعْفِ تَأْلِيفٍ وَ لِلتَّنَافُرِ
16 فِي الْكَلِمَاتِ وَكَذَا التَّعْقِيدِ مَعْ = فَصَاحَةٍ فِي الْكَلِمَاتِ تُتَّــبَعْ
17 فَالضَّعـفُ نَحْوُ "قَدْ جَفَـوْنِيْ وَلَمِ = أَجْفُ الْأَخِـلاَّءَ وَمَا كُنْتُ عَمِي"
18 وَذُو تَنَافُرٍ - أَتَاكَ النَّصْرُ- = كَـ"لَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ"
19 كَذَاكَ "أَمْدَحْـهُ" الَّـذِي تَكَـرَّرَا = وَالثَّالِثُ الْخَفَـاءُ فِي قَصْـدٍ عَرَا
20 لِخَلَلٍ فِي الـنَّـظْمِ أَوْ فِي الاِنْـتِقَالْ = إِلَى الَّذِي يَقْصِــدُهُ ذَوُو الْمَقَالْ

21 قِيلَ: (وَأَنْ لاَ يَكْثُــرَ التَّكَــرُّرُ = وَلاَ الْإِضَافَاتُ) وَفِيهِ نَظَرُ (***)

22 وَحَدُّهَا فِـي مُتَكَــلِّمٍ شُهِـرْ : = مَلَكَةٌ عَلَى الْفَصِيحِ يَقْتَدِرْ
23 بَلاَغَــةُ الْكَــلاَمِ أَنْ يُطَابِـــقَا = لِمُقْتَـضَى الْحَالِ وَقَـدْ تَوَافَقَــا
24 فَصَاحَةً وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفُ = حَسْبَ مَقَامَـاتِ الْكَـلاَمِ يُؤْلَـفُ
25 فَمُقْتَضَى تَنْكِيرِهِ وَذِكْرِهِ = وَالْفَصْـلِ الاِيجَـازِ خِلاَفُ غَيْرِهِ
26 كَذَا خِطَـابٌ لِلذَّكِـيِّ وَالْغَبِـي = وَكِلْمَــةٌ لَهَــا مَقَـامٌ أَجْــنَبِي
27 مَعْ كِلْْمَـةٍ تَصْحَبُهَا فَالْفِعْلُ ( ذَا = إِنْ) لَيْسَ كَالْفِعْلِ الَّذِي تَلاَ (إِذَا)
28 وَالاِرْتِفَاعُ فِي الْكَلاَمِ وَجَبَا = بِأَنْ يُطَابِـــقَ اعْتِــبَارًا نَاسَـبَا
29 وَفَقْــدُهَا انْحِطَاطُــهُ فَالْمُقْتَضَى = مُنَاسِـبٌ مِـنِ اعْتِـبَارٍ مُرْتَــضَى
30 وَيُوصَفُ اللَّفْـظُ بِتِلْكَ بِاعْتِبَـارْ = إِفَـادَةِ الْمَعْنَى بِتَرْكِـيبٍ يُصَـارْ
31 وَقَـدْ يُسَـمَّى ذَاكَ بِالْفَصَـاحَهْ = وَلِـبَلاَغَــةِ الْكَلاَمِ سَاحَــهْ
32 بِطَرَفَيْـنِ حَـدُّ الاِعْجَـازِ عَـلُ = وَمَا لَهُ مُقَـارِبٌ وَالأَسْفَـلُ
33 هُوَ الَّذِي إِذَا لِدُونِهِ نَـزَلْ = فَهْوَ كَصَـوْتِ الْحَيَوَانِ مُسْتَفِـلْ
34 بَيْــنَهُـمَا مَرَاتِبٌ وَتَـتْـبَعُ = بَلاَغَةً مُحَسِّـنَاتٌ تُبْــــدِعُ
35 وَحَدُّهَا فِي مُتَكَلِّمٍ كَمَا = مَضَىفَمَنْ إِلَى الْبَلاَغَـةِ انْتَـمَى
36 فَهْوَ فَصِيحٌ مِنْ كَلِيمٍ أَوْ كَلاَمْ = وَعَكْـسُ ذَا لَيْـسَ يَنَالُـهُ الْتِزَامْ
37 قُلْتُ وَوَصْـفٌ مِـنْ بـَدِيعٍ حَرَّرَهْ = شَيْخِيْ وَشَيْخُهُ الْإِمَـامُ حَيْدَرَهْ
38 وَمَرْجِعُ الْبَلاَغَــةِ التَّـحَــرُّزُ = عَنِ الْخَطَا فِي ذِكْرِ مَعْنًى يَبْرُزُ
39 وَالْمَيْـزُ لِلْفَصِـيحِ مِنْ سِـوَاهُ ذَا = يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ وَالصَّرْفِ كَـذَا
40 فِي النَّحْوِ وَالَّذِي سِوَى التَّعَقُّدِ = اَلْمَعْنَــوِيْ يُـدْرَكُ بِالْحِـسِّ قَدِ
41 وَمَا بِهِ عَنِ الْخَطَا فِي التَّـأْدِيَهْ = مُحْتَرَزٌ عِلْـمَ الْمَعَـانِي سَمِّيَـهْ
42 وَمَا عَـنِ الـتَّـعْقِـيدِ فَالْبَـيَانُ = ثُـمَّ الْبَـدِيـعُ مَا بِهِ اسْتِحْـسَانُ



(*) صحح المنظومة وعلق عليها الشيخ أبو مالك العوضي حفظه الله.
(**) قال الأخضري في الجوهر المكنون :
هــذا وإن درر البيــان == وغرر البـديع والمعاني
تهدي إلــى موارد شريفة = ونبـذةبديـعة لطيـفة
من علم أسرار اللسان العربي = ودرك ما خص به منعجب
لأنــه كــالروح للإعراب = وهو لعـلم النـحو كاللبــاب
(***) مُكرِّرا إلى الثلاث أكِّدِ== كذا أَضِفْ وفوقَها لمقصِدِ

  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


{خلق الإنسان علمه البيان} [قرآن كريم]
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنزه عن المماثلة والتشبيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص في التنزيه, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ذو المعجزات التي لا يعتريها شوب التمويه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وعترته وذويه.
هذا تعليق لطيف علقته لينتفع به في حل أرجوزتي التي نظمتها في علم المعاني والبيان. وسميتها: (عقود الجمان) إذ لم يتسع وقتي لكتابة شرح عليه كما أرتضيه مع إلحاح قارئيه علي في ذلك فنجزت لهم هذه العجالة لتعينهم على فهم مقاصدها، وبالله سبحانه أستعين في مصادر الأمور ومواردها.
قال الفقير عابد الرحمن = الحمد لله على البيان
وأفضل الصلاة والسلام = على النبي أفصح الأنام
إدخال ألف في عبد غير مخرج للكلمة عن أصل معناها وهو جائز واستعمله الناس كثيرا والإتيان بقال بصيغة الماضي مما كثر تداول الإيراد عليه والجواب عنه, والفقير له استعمالات منها وهو اللائق هنا المحتاج إلى الله تعالى في كل شئونه وهو الغني في الحقيقة, وعبد في الأصل وصف غلبت عليه الاسمية، وله عشرون جمعا نظم ابن مالك أحد عشر في بيتين واستدركت عليه الباقي في آخرين، فقال ابن مالك:
عباد عبيد جمع عبد وأعبد = أعابد معبوداء معبدة عبد
كذلك عبدان وعبدان اثبتا = كذا العبد وامدد إن شئت أن تمد
وقلت: وقد زيد أعباد عبود عبدة = وخفف بفتح والعبدان إن تشد
وأعبدة عبدون ثمة بعدها = عبيدون معبودا بقصر فخذ تسد
والرحمن صبغة مبالغة من الرحمة، وأصلها رقة القلب واستعمالها في الباري تعالى بمعنى إرادة الخير مجاز لاستحالة الحقيقة عليه تعالى، وهذا الاسم من خواص الله تعالى لم يستعمل في غيره والأصح أنه عربي وقيل معرب، والبيان: هو المنطق الفصيح المعرب هما في الضمير وفي التعبير به براعة الاستهلال وكذا في قوله أفصح الأنام والأنام الخلق والكلام على الحمد والصلاة والسلام والنبي مما شاع وذاع وقررناه في غير ما تأليف.
وهذه أرجوزة مثل الجمان = ضمنتها علم المعاني والبيان
لخصت فيها ما حوى التخليص مع = ضم زيادات كأمثال اللمع
ما بين إصلاح لما يفتقد = وذكر أشياء لها يعتمد
وضم ما فرقه للمشبه = والله ربي أسال النفع به
وأن يزكي عملي ويعرضا = عن سوئه وأن ينيلنا الرضا
[شرح عقود الجمان: 2]
حاصل هذه الأبيان أن هذه الأرجوزة حاوية لما تلخيص المفتاح مع تخليص في العبارة وترك كثير من الأمثلة والتعاليل معوضا عنها زيادات حسنة بعضها اعتراض عليه وبعضها ليس كذلك وفيه أبحاث تنفضناها عن شيخنا الإمام محي الدين الكافيجي وهو المراد حيث أطلق فيها وربما قدمت وأخرت للمناسبة ثم الزيادات ما هو مميز بقلت ومنه ما ليس كذلك فأميزه هنا والأرجوزة بضم الهمزة أفعولة من الرجز المشهور والجمان اللؤلؤ واحدة جمانة بضم الجيم وتخفيف الميم والتخليص تأليف قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني وعندي منه نسخة بخط مؤلفه وترجمته بسطتها في طبقات النحاة، وقد أخبرني كتاب التلخيص شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة علم الدين البلقيني إجازة عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد البعلي قال أخبرنا به مؤلفه سماعا.
فائدة: قال الأندلسي في شرح بديعية رفيقة ابن جابر: علوم الأدب ستة اللغة والتصريف والنحو والمعاني والبيان والبديع، قال فالثلاثة الأول لا يستشهد عليها إلا بكلام العرب نظما ونثرا لأن المعتبر فيها ضبط ألفاظهم والعلوم الثلاثة الأخيرة يستشهد عليها بكلام العرب وغيره من المولدين لأنها راجعة إلى المعاني ولا فرق فيها في ذلك بين العرب وغيرهم إذ هو أمر راجع إلى العقل ولذلك قبل من أهل هذا الفن الاستشهاد بكلام البحتري وأبي تمام وأبي الطيب وأبي العلاء وهلم جرا، قلت وقد اتجه لي من هنا بحث فقهي وذلك أن النووي ذكر في شرح المهذب وغيره أن الاشتغال بأشعار العرب من فروض الكفاية لأنها يستشهد بها في علوم العربية التي هي من آلات علوم الشرع بخلاف أشعار المولدين فالاشتغال بها ليس كأشعار العرب بل إن كان فيها ما يلم شرعا فمكروه وإلا فمباح ولا شك أن علوم البلاغة الثلاثة هي من أعظم آلات الشرع بل ذكر أن كمال الإيمان متوقف عليها لتوقف إدراك أعجاز القرآن الذي هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم على معرفتا وقد تقرر أن أشعار المولدين حجة فيها فلتكن كأشعار العرب من هذه الحيثية وقد نبهت على ذلك في حواشي الروضة.
مقدمة
يوصف بالفصاحة المركب = ومفرد ومنشئ مرتب
وغير ثان صفه بالبلاغة = ومثلها في ذلك البراعة
الفصاحة تكون صفة للمتكلم فيقال متكلم فصيح وهو المراد بقولي منشئ وهو اسم فاعل من الإنشاء، وللمفرد فيقال كلمة فصيحة، وللمركب فيقال كلام فصيح وتركيب فصيح والمركب بميم الكلام والجملة التي ليست بكلام كجملة الصلة والجزاء والتركيب الإضافي كعبد الله وكل ذلك يوصف بالفصاحة فلهذا عدلت إليه عن قول التلخيص والكلام لأنها لا تدخل فيه ولا في المفرد نبه عليه السبكي والبلاغة لا يوصف بها المفرد فلا يقال كلمة بليغة وإن وقع في كلام الجوهري ذلك فأما مؤول أو تسامح وإنما يوصف بها المتكلم فيقال متكلم أو شاعر بليغ والكلام فيقال كلام بليغ وذلك لأن البلاغة كما سيأتي مطابقة الكلام لمقتضى الحال وهي منتفية في المفرد وقياسه انتفاؤها أيضا في المركب الذي لا يفيد ولم ينبه عليه السبكي، والبراعة مثل البلاغة فيقال متكلم بارع وكلام بارع
[شرح عقود الجمان: 3]
ولا يقال كلمة بارعة وقد حدها القاضي أبو بكر في الانتصار بما يقرب من حد البلاغة وأهملها الجمهور وذكرها هنا من زوائدي.
فصاحة المفرد أن لا تنفرا = حروفه كهعخع واستشزرا
وعدم الحلف لقانون جلي = كالحمد لله العلي الأجلل
وفقده غرابة قد أرتجا = كفاحا ومرسنا مسرجا
قيل وفقد كرهه في السمع = نحو جرشاه وذا ذو منع
الفصاحة في المفرد أن يخلص من ثلاثة أمور.
أحدها: تنافر الحروف وهو قسمان ذكرهما في الإيضاح وأهمل في التلخيص الأول وذكرته من زيادتي، القسم الأول ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل وعسر النطق بها كهعخع بضم الهاء والخاء المعجمة وسكون العين المهملة الأولى من قول أعرابي وقد سئل عن ناقته تركتها ترعى الهعخع والهاء والعين لا يكادان يجتمعان من غير فصل وهو شجر وقيل لا أصل له في كلامهم وإنما الخعخع معجمتين.
الثاني: ما هو دون ذلك كاستشزر من قول امرئ القيس* عدائره مستشزرات إلى العلا* أي مرتفعات والتنافر لتوسط الشين وهي مهموسة رخوة بين التاء وهي مهموسة شديدة والزاي وهي مهجورة.
ثانيها: المخالفة لقواعد العربية كالفك فيم يجب إدغامه وعكسه كقول أبي النجم :
الحمد لله العلي الأجلل* والقياس الأجل بالإدغام وضرائر الشعر من هذا الباب إلا ما لا تستوحش منه النفس كصرف مالا ينصرف قاله حازم الأندلسي وهو حسن.
ثالثهما: الغرابة وهي أن تكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال كقول رؤبة:
وفاحما ومرسنا مسرجا* فإن مسرجا صفة لمرسن وهو الأنف ولغرابته لا يدري هل معناه كالسراج في البريق واللمعان أو كالسيف السريجي في الدقة والاستواء والفاحم الشعر الأسود والمرسن بفتح الميم مع فتح السين وكسرها وقال الجوهري هو بكسر الميم ووهموه وقولي قد أرتجا أي أغلف فلا يدري معناه وهو فعل لازم ضميره راجع إلى المفرد لا إلى الغرابة وإلا لأنث والمعنى وفقده غرابة يرتج بسببها فلا يفهم وزاد بعضهم أن يخلص من أمر رابع وهو الكراهة في السمع كقول المتنبي* كريم الجرشي شريف النسب* فإن السمع يمج لفظ الجرشي وهي النفس وفي هذا نظر لأن الكراهة إن كانت لاستغرابه فقد دخلت في الغرابة أو من جهة الصوت فلا تعلق لها بالفصاحة لأن السمع قد يستند بغير الفصيح لحسن الصوت وبالعكس.
وفي الكلام فقده في الظاهر = لضعف تأليف وللتنافر
في الكلمات وكذا التعقيد مع = فصاحة في الكلمات تتبع
فالضعف نحو قد جفوني ولم = أجف الأخلاء وما كنت عمى
وذو تنافر أتاك النصر = كليس قرب قبر حرب قبر
كذاك أمدحه الذي نكررا = والثالث الخفاء في قصد عرا
لخلل في النظم أو في الانتقال = إلى الذي يقصده ذوو المقال.
أي والفصاحة في الكلام أن يخلص من ثلاثة أمور بعد رعاية الفصاحة في مفرداته. [شرح عقود الجمان: 4]
أحدها: ضعف التأليف بأن لا يجرى على المطرد من قواعد العربية كقوله:
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني* لعود الضمير من جفوني على الأخلاء وهو متأخر عنه وكذا مثال التلخيص ضرب غلامه زيدا لكن الضعف فيه لبس في الكلام ب في ضمير المفعول وما أضيف إليه، ولذا قال السبكي لو مثل بأمر دائر بين مسند ومسند إليه لصح وذكر البيت الذي مثلت به ولذا عدلت إليه تقليدا له ثم ظهر لي أن هذا البيت ليس من هذا القبيل لأنه من باب التنازع وعود الضمير فيه على متأخر ليس ضعفا وإنما ذلك في غيره سوى ما استثنى: أي كباب نعم وبئس وإنما يسلم إذا رفع الأخلاء فاعلا لجفوني وجعل من باب أكلوني البراغيث فإنه حينئذ ليس بفصيح فلنحمل المثال الذي في النظم عليه.
الثاني: تنافر الكلمات وهو أيضا أعلى كالمثال المذكور في النظم وهو نصف بيت أوله:
وقبر حرب بمكان قفر* قال الرماني: وذكروا أنه من شعر الجن لأنه لا يتهيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرات فلا يتتعتع ودون ذلك كقول أبي تمام:
كريم متى أمدحه أمدحه والورى = معي وإذا ما لمته لمته وحدي
واختلف في وجه التنافر فيه فقال في الإيضاح في قوله أمدحه ثقل لما بين الحاء والهاء من التنافر لتقاربهما ورد بوردوه في القرآن، قال تعالى: {فسبحه} وقيل لاجتماعهما بعد فتحة والآية سالمة من ذلك وقيل الثقل بين الحاء والهاء والهزة واعترضا بأنه تنافر في الحروف لا في الكلمات وجزم الخفاجي وحازم الأندلسي وغيرهما وتبعهم السبكي بأن سببه تكرار أمدحه، وقد أشرت إلى ذلك في النظم وهو من زيادتي وليس لك أن تقول سيأتي أن بعضهم شرط الخلوص من التكرار وأنه مردود لأن ذلك مطلق التكرار وهذا تكرير أمدحه خاصة لما فيه من الثقل بين الحاء والهاء.
الثالث: التعقيد وهو أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة إما لخلل في النظم: أي التركيب فلا يدري كيف يصل إلى معناه لما فيه التقديم والتأخير والإضمار ونحو ذلك كقول الفرزدق:
وما مثله في الناس إلا مملكا = أبو أمه حي أبوه يقاربه
فإن المعنى وما مثل الممدوح في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبو الممدوح: أي ابن أخته ففصل بين أبو أمه وهو مبتدأ وأبوه وهو خبر بحي وهو أجنبي وقدم المستثنى على المستثنى منه وإما أن يكون الخلل معنويا بأن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الذي هو ظاهر اللفظ إلى المقصود ظاهرا كقول العباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا = وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن وأصاب لأن البكاء يكنى به عنه كقول الحماسي:
أبكاني الدهر ويا ربما = أضحكني الدهر بما يرضى
وأراد أن يكنى عما يوجبه التلاقي من السرور بجمود العين لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا وأخطأ إذ الجمود خلوها منه حال إرادته فلا يكون كناية عن السرة بل عن البخل كقول أبي عطاء:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط = عيك بجاري دمعها لجمود
[شرح عقود الجمان: 5]
قيل وأن لا يكثر التكرر = ولا الإضافات وفيه نظر
شرط بع الناس في فصاحة الكلام خلوه من كثرة التكرار وتتابع الاضافات كقول المتنبي:
سبوح لها منها عليها شاهد* وقول ابن بابك * حمامة جرعى حومة الجندل اسجمي* وفي هذا القول نظر لأن ذلك إن أفضى إلى الثقل في اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر وإلا فلا يخل بالفصاحة وقد قال تعالى: {والشمس وضحاها} إلى آخر السورة فكرر الضمائر وقال تعالى {ربنا وآتنا ما وعدتنا، وأعف عنا واغفر لنا وارحمنا} وقال تعالى في تكرير الإضافات- ذكر رحمة ربك عبده زكريا، كدأب آل فرعون، بين يدي نجواكم- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) رواه ابن حبان في صحيحه، تنبيه: قولي * في فصاحة المفرد أن لا تنفرا* وعدم الخلف وفقده غرابة وفي الكلام لضعف تأليف وللتنافر وكذا التعقيد وأن لا يكثر التكرر ولا الإضافات بتكرير العدم والفقد واللام ولا لأن المقصود فقد كل واحد من هذه الأمور لا مجموعها وعبارة التلخيص لا تفيد ذلك ولذا عدلت عنها، فائدة: ذكر بعض الفضلاء أن من خصائص القرآن أنه اجتمع فيه ثمان ميمات متواليات ولم يحصل بسببها ثقل على اللسان أصلا بل ازدادت خفة وذلك في قول تعالى: أمم ممن معك- فإن التنوين في أمم والنون ممن يدغمان في الميم بعدهما فيصيران في حكم ميم أخرى والميم المشددة في ممن بميمين وفيه أربع أخر فهذه ثمانية.
وحدها في تكلم شهر = ملكة على الفصيح يقتدر
الفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، والملكة هيئة راسخة في النفس فمن تكلم بالفصيح وليس ملكة فغير فصيح وقولنا يقتدر إشارة إلى أنه يسمى فصيحا حالة النطق وعدمه واللفظ أعم من المفرد والمركب وكذا قولي في النظم الفصيح.
بلاغة الكلام أن يطابقا = لمقتضى الحال وقد توافقا
فصاحة المقتضى مختلف = حسب مقامات الكلام يؤلف
فمقتضى تنكيره وذكره = والفصل الإيجاز خلاف غيره
كذا خطاب للذكي والغبي = وكلمة لها مقام أجنبي
مع كلمة تصحبها فالفعل ذا = إن ليس كالفعل الذي تلا إذا
والارتفاع في الكلام وجبا = بأن يطابق اعتبار ناسبا
وفقدها انحطاطه فالمقتضى = مناسب من اعتبار مرتضى
البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته والحال هو الأمر الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص ومقتضاه يختلف بحسب اختلاف مقامات الكلام فإن مقام التنكير يخالف مقام التعريف ومقام الذكر يخالف مقام الحذف ومقام الفصل يخالف مقام الوصل ومقام الإيجاز يخالف مقام الإطناب والمساواة ومقام التأخير يخالف مقام التقديم وخطاب الذكي يخالف خطاب الغبي ولكل كلمة مع أخرى تصحبها في أصل المعنى مقام فالفعل المصاحب لأن ليس كالفعل الصاحب لا إذا لما سيأتي في الفرق بينهما وإنما يقضى على الكلام بالارتفاع في الحسن والانحطاط بمطابقته للاعتبار المناسب وعدمها فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب أي الأمر اعتبر مناسبا بحسب
[شرح عقود الجمان: 6]
تتبع تراكيب البلغاء
ويوصف اللفظ بتلك باعتبار = إفادة المعنى بتركيب يصار
وقد يسمى ذاك بالفصاحة = ولبلاغة الكلام فصاحة
بطرفين حد الإعجاز عل = وماله مقارب والأسفل
هو الذي إذا لدونه نزل = فهو كصوت الحيوان مستغل
بينهما مراتب وتتبع = بلاغة محسات تبدع
لما تقرر أن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال بحسب ما يناسبه عرف أن اللفظ إنما يوصف بها باعتبار إفادته المعنى بالتركيب لا من حيث أنه لفظ وصوت لأنه باعتبار ذلك لا يوصف بكونه مطابقا أو غير مطابق ضرورة أن ذك إنما يتحقق عند تحقق المعاني والأغراض التي يصاغ لها الكلام وقد يسمى هذا الوصف فصاحة أيضا كما يسمى بلاغة أما الفصاحة لا بهذا الاعتبار فهي من صفات اللفظ دون المعنى قطعا، ثم البلاغة لها طرفان أعلى وهو حد الإعجاز بأن يرتقى الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارضته وقولي وما له مقارب كقول التلخيص وما يقرب منه وقد اختلفوا في معناه فالذي اختاره الشيخ سعد الدين أنه عطف على الأعلى أي الأعلى مع ما يقرب منه كلاهما حد الإعجاز وقيل هو عطف على حد الإعجاز فيكون من الأعلى قال الشيخ سعد الدين وفيه نظر لأن القريب من حد الإعجاز لا يكون من الطرف الأعلى، قلت: يمكن أن يقال الأعلى حقيقي وهو حد الإعجاز نسبى أي بالنسبة لما يقدر عليه البشر وهو ما يقرب منه فإن الأول خارج عن طوق البشر وحينئذ لا إشكال فتأمل، ثم رأيت هذا الذي ظهر لي في المعاني لعلم المعاني لعبد الباقي اليمني فقال لها طرفان أعلى وهو منصب على كلام الله تعالى المعجز وما يقرب منه وهو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم لقوله (أوتيت جوامع الكلم) وهذا عين ما فهمته ولله الحمد والطرف الأسفل هو ما لو غير الكلام عنه إلى ما دونه عند البلغاء بأصوات الحيوانات في خلوه عن الحسن وإن كان صحيح الإعراب وبين الطرفين مراتب كثيرة متفاوتة بعضها أعلى من بعض وتتبع بلاغة الكلام وجوه أخر سوى المطابقة والفصاحة تورث الكلام حسنا وهي الأنواع المذكورة في علم البديع كما سيأتي وفي ذكره كونها تابعة إشارة إلى إنها إنما تعد محسنة بعد رعاية البلاغة وجعلها تابعة لبلاغة الكلام دون المتكلم لأنه لا يوصف بها إلا الكلام كما سيأتي:
وحدها في متكلم كما = مضى فمن إلى البلاغة انتمي
فهو فصيح من كليم أو كلام = وعكس ذا ليس يناله التزام
قلت ووصف من بديع حرره = شيخي وشيخه الإمام حيدره
البلاغة في المتكلم على نسق الفصاحة فيه فيقال هي ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ فعلم مما ذكر في حد البلاغة أن كل بليغ كلاما كان أو متكلما فصيح لجعل الفصاحة شرطا للبلاغة وليس كل فصيح بليغا كلاما كان أو متكلما لأن الفصيح قد يعرى عن المطابقة له، ثم البديع قال شيخنا وأشار إليه في المطول بقوله يوصف به الكلام دون المتكلم لأنه ليس له فيه أثر ظاهر وإنما أثره في الكلام فوصف به، ونقل لنا عن شيخه برهان الدين حيدرة الرومي أنه قال لا مانع من أن يقال مبدع أو محسن ونحو ذلك قال ورد عليه بأنه م يرد عن العرب، قلت إن أريد يكون لا أثر له
[شرح عقود الجمان: 7]
في المتكلم أنه لا يعتبر فيه أن يكون للمتكلم ملكة يقتدر بها على إيراد المحسنات من الطباق والجناس والتورية وغير ذلك بخلاف علم البلاغة ففيه نظر بل ينبغي شرط الملكة فيه حتى لو تكلم بكلام بديع اتفاقا ولا ملكة له فيه لم يعد بديعا في الاعتبار، وقوله لا مانع من أن يقال مبدع كان الأولى منه أن يدعى أنه لا مانع من أن يقال بديع لأنه ورد لغة بمعنى الفاعل والمفعول ومنه في الفاعل بديع السموات وفي المفعول هذا شيء بديع، نعم في شرح بديعية ابن جابر لرفيقه يقال أبدع الشاعر إذا صنع البديع في شعره فعلى هذا يجوز أن يقال مبدع كمكرم.
ومرجع البلاغة التحرز = عن الخطأ في ذكر معنى يبرز
والميز للفصيح من سواه ذا = يعرف في اللغة والصرف كذا
في النحو والذي سوى التعقد = المعنوي يدرك بالحس قد
وما به عن الخطأ في التأديه = محترز علم المعاني سميه
وما عن التعقيد فالبيان = ثم البديع ما به استحسان
هذا بيان لانحصار مقاصد الكتاب في الفنون الثلاثة وذلك أن البلاغة مرجعها إلى التحرز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلا لأداه بغير مطابقة وإلى تمييز الفصيح من غيره وإلا لأورد المطابق بلفظ غير فصيح فلا يكون بليغا وذا أي تمييز الفصيح من غيره بعضه يعرف من علم اللغة وهو الغرابة وبعضه من علم التصريف وهو مخالفة القياس وبعضه من علم النحو هو ضعف التأليف والتعقيد اللفظي وبعضه يدرك بالحس وه التنافر فاستغنى عن ذكر ما يعرف به في هذا الكتاب وغيره من كتب البلاغة فلم يبق مما ترجع إليه البلاغة إلا الاحتراز عن الخطأ في التأدية فوضع له علم المعاني وإلا تمييز السالم من التعقيد المعنوي من غيره فوضع له علم البيان ثم احتاجوا إلى معرفة توابعها فوضع له علم البديع.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المقدمة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir