الأسلوب البياني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي هدى والصلاة والسلام على رسول الهدى ،اما بعد فإن الآية المختارة لهذا الأسلوب هي قوله تعالى :
{إذا زلزلت الأرض زلزالها } الزلزلة -1.
هذا الآية مع إجازها ودقة ألفاظها إلا أنها تحمل الكثير من المعاني البيانية ولبيان ذلك ،نتطرق بإجمال لبيان إيجاز هذا السورة ثم التعرض لتفاصيل هذه الآية .
اولاً: من الملاحظ البيانية العامة في هذه السور:
- أن آياتها قصاروويلاحظ في هذا القصر ما فيه من القوة والجزم، بما يلقى في نفس السامع من جدية الموقف الحاسم وخطره، بحيث لا يحتمل الإطالة والتأني.
- ويلاحظ ظاهرة التكرارفي آياتها ، ومع أن التكرار مألوف في مواقف الإطناب والإطالة، إلا أنه في مواقف الإيجاز الحاسمة، يكون لافتاً ومثيراً، كما في هذه السورة من إيجازها وقسر آياتها، نجد التكرار في ثمانية مواضع.
وهذه ظاهرة أسلوبية في القرآن الكريم، يعمد إلى التكرار مع الإيجاز والقصر، ترسيخاً وتقريراً وإقناعاً.
والدارسة النفسية قد انتهت بعد طول التجارب، إلى أن مثل هذا الأسلوب هو أقوى أساليب الترسيخ والإقناع، وأشدها إيحاء بالحسم والجد.
- ويلاحظ في هذه السورة وغيرها من السور أن القرآن الكريم يصرف الحدث عمداً عن محدثه، فلا يسنده إليه، وإنما يأتي به مبنياً للمجهول، أو مسنداً إلى غير فاعله، على المطاوعة أو المجاز كما في قوله تعالى :
• {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
• {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً....}.
• {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}.
• {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا....}.
• {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ.....}.
• {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}.
• {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
• {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} .
• {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} .
• {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} .
• {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} .
• {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} .
• {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} .
فهذا الأسلوب البياني يبين أن البناء للمجهول تركيز للإهتمام بالحدث، بصرف النظر عن محدثه، وفي الإسناد المجازي أو المطاوعة، تقرير لوقوع الأحاث في طواعية تلقائية، إذ الكون مهيأ للقيامة على وجه التسخير، والأحداث تقع تلقائياً لا تحتاج إلى أمر أو فاعل.
هذا ما يتعلق بالسورة إجمالاً .
أما ما يتعلق بالآية من الأساليب البيانية على وجه الخصوص ،في قوله تعالى :
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.(1)
افتتاح الكلام بظرف الزمان للتشويق إلى متعلَّق الظَّرْف إذ المقصود ليس التوقيت بل الإِخبارَ عن وقوع البعث ، ثم الجزاء ، وفي ذلك تنزيل وقوع البعث منزلة الشيء المحقق المفروغ منه بحيث لا يهم الناس إلا معرفة وقته وأشراطِهِ فيكون التوقيت كناية عن تحقيق وقوع الموقت.
معنى { زلزلت } : حُركت تحريكاً شديداً حتى يخيل للناس أنها خرجت من حيزها لأن فعل زلزل مأخوذ من الزّلل وهو زَلَق الرِّجلين ، فلما عَنَوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل للدلالة بالتضعيف على شدة الفعل.
وبُني فعل { زلزلت } بصيغة النائب عن الفاعل لأن فاعله معلوم وهو الله تعالى.
وانتصب { زلزالها } على المفعول المطلق المؤكِّد لفعله إشارة إلى هول وشدة ذلك الزلزال.
وأضيف { زلزالها } إلى ضمير الأرض لإفادة تمكّنه منها وتكرره حتى كأنه عرف بنسبته إليها لكثرة اتصاله بها.(2)
وردت في القرآن الكريم، لفظة الزلزلة، فعلاً ومصدراً في ست مرات: منها في وصف يوم الهول الأكبر:
- في قوله تعالى :
{إذا زلزلت الأرض زلزالها}الزلزلة -1.
وقوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}الحج-1.
وأخرى في موقف الشدة والذعر :
كما في هول الحرب بآيات الأحزاب 11:
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيد}.
والبقرة 214:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي المرات الثلاث التي استعمل فيها الفعل، جاء ماضياً مبنياً للمجهول وقد سبق بيان بنيانه على المجهول.(3)
المراجع :
(1) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف
(2) التحرير والتنوير لابن عاشور.بتصرف
(3) التفسير البياني للقرآن الكريم لعائشة بنت عبد الرحمن بنت الشاطيء.بتصرف
هذا والحمدلله رب العالمين.