رسالة تفسيرية في قوله تعالى:
{هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ}(2) الجمعة.
قال السعدي في المراد بالأميين: المرادُ بالأُمِّيِّينَ الذينَ لا كتابَ عندَهم، ولا أثَرَ رِسالةٍ مِن العرَبِ وغيرِهم مِمَّن لَيسوا مِن أهلِ الكتابِ
وقال الأشقر: العرَبُ، مَن كانَ يُحْسِنُ الكِتابةَ مِنهم ومَن لا يُحْسِنُها؛ لأنهم لم يَكونوا أهْلَ كِتابٍ وقال ابن عطية: "الأميون" يراد بهم العرب، والأمي في اللغة: الذي لا يكتب ولا يقرأ، منسوب إلى "أم القرى" وهى مكة،
وقال القرطبي:الأميون العرب كلهم ، من كتب منهم ومن لم يكتب ، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب قاله ابن عباس. وقيل : الأميون الذين لا يكتبون. وكذلك كانت قريش . وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب
وحاصل الأقوال أنّ المراد بالأميين ثلاثة:
- الأول/ الذينَ لا كتابَ عندَهم، ولا أثَرَ رِسالةٍ مِن العرَبِ وغيرِهم مِمَّن لَيسوا مِن أهلِ الكتابِ.
- الثاني/ العرَبُ، مَن كانَ يُحْسِنُ الكِتابةَ مِنهم ومَن لا يُحْسِنُها. لأن الأصل في العرب أنهم لا يحسنون الكتابة لأنهم لم يكونوا أهل كتاب.
- الثالث/ الأميين هم العرب الذين لا يقرؤون ولا يكتبون من أهل مكة نسبة لأم القرى وهذا ضعيف، لأن الوصف بالأميين -على هذا- يقف على قريش. وإنما المراد جميع العرب.
فالثالث ضعيف والقولين الأولين أقوال متقاربة حاصلها أنهم: العرب الذينَ لا كتابَ عندَهم، ولا أثَرَ رِسالةٍ، ممن يحسن الكتابة أو لا يحسنها وكان الغالب لا يحسن ذلك، أو غيرهم مِمَّن لَيسوا مِن أهلِ الكتابِ، كما قال تعالى: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ}
فالله أرسل في الأميين محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}وضمير منهم في الآية هنا قيل أنه يرجع إلى:
- الأميين العربحيث أن نسبه نسبهم ولسانه لسانهم ذكرهالطبري والطنطاوي، والبغوي
- وقيل أهل مكة.ذكره ابن كثير.
- وقيل أنهم العرب إلا تغلب فقال ما من حي من العرب إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه. قال ابن إسحاق:إلا حي تغلب؛فإن الله تعالى طهر نبيه صلى الله عليه وسلم منهم لنصرانيتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادةذكره القرطبي.
- والراجح والله أعلم أن منهم تعود على الأميين العرب لأن مِن تبعيضيه باعتبار أنه واحد منهم ويشاركهم في بعض صفاتهم وهي الأمية ولسانهم.
فأرسله إليهم يتلو عليهم القرآنَ والأدلة البينات القاطعات؛ مع كونِه أُمِّيًّا لا يَقرأُ ولا يَكتبُ، ولا تَعلَّمَ ذلك مِن أحَدٍ وأرسله كذلك ليزكيهم وفي تزكية الرسول للأمة ثلاثة أقوال/
1. يُطَهِّرُهم مِن دَنَسِ الكفْرِ والذنوبِ وسَيِّئِ الأخلاقِ. وهو قول ابن جريج ومقاتل،ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر وابن عطية وابن عاشور والقرطبي
2. يَجعلُهم أزكياءَ القلوبِ بالإيمانِ وهو قول ابن عباس ذكرهابن كثير والأشقر والقرطبي
3. يأخذ زكاة أموالهم وهو قول السدي ذكره القرطبي
والحاصل أنه لا منافاة بين الأقوال حيث أنه لو زكت قلوبهم لزكت أفعالهم التي تشمل زكاة الأموال فإن زكاة الأفعال من زكاة القلوب
وابتدئ بالتلاوة لأن أول تبليغ الدعوة بإبلاغ الوحي، وثني بالتزكية لأن ابتداء الدعوة بالتطهير من الرجس المعنوي وهو الشرك، وما يعلق به من مساوي الأعمال والطباع، ثم ذكر أنه من جنس فعله؛ تعليمه إياهم الكتاب والحكمة وفي المراد بهما أقوال:
الكتاب/
1. قيل المراد به القرآنُ، ذكره الأشقر وابن عطية والقرطبي
2. وقيل الخطُّ بالقلَمِ، وهو قول مالِكُ بنُ أنَسٍ، وابن عباس؛ ذكره الأشقر والقرطبي، وسبب هذا القول لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده.
- أما المراد بالحكمة فقيل:
1. الحكمةُ السنَّةُ، وهوقول الحسن ذكره القرطبي وابن عطية والأشقر
2. الحكمَةُ الفقْهُ في الدِّينِ وهو قول مالِكُ بنُ أنَسٍ. ذكره القرطبي والأشقر
وكانت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إجابة اللّه لخليله إبراهيم، ومنة عظيمة من الله للخلق حيث بعث محمد صلى الله عليه وسلم، على حين فترةٍ من الرّسل، وطموس من السّبل، وقد اشتدّت الحاجة إليه، حيث كانوا في ضلال مبين وشرْكٍ وذَهابٍ عن الحقِّ،وعبادة للأصنامِ والأشجارِ والأحْجارِ، وغايةِ جهلٍ بعُلومِ الأنبياءِ وقد مقت اللّه أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب.
المراجع/
1. تفسير الطبري
2. تفسير الماوردي
3. تفسير ابن عطية
4. تفسير القرطبي
5. تفسير القرآن العظيم لابن كثير
6. تفسير البغوي
7. تيسير الكريم الرحمن للسعدي
8. التحرير والتنوير لابن عاشور
9. تفسير الوسيط للطنطاوي
10. زبدة التفسير للأشقر