دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > خطة التأسيس العلمي > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1435هـ/8-03-2014م, 05:50 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي ملخص شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان

بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان
المقدمة
أوضح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم العقيدة إيضاحا جليّا
قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
فإذا كان الله قد أكمل لهم دينهم، فلابد من إنه أوضحه لهم بحيث لا يبقى فيه أي التباس أو اشتباه، ولابد أنهم فهموه واعتقدوه على ما أريد منهم وعملوا به.
ولابد من الاستغناء به عن كل ما سواه، فلا يجتاجون معه إلى غيره.
وأعظم ما يحتاجونه وأشرفه هو معرفتهم ربهم بأسمائه وصفاته، وما يجب له ويستحقه، ويحمد ويمجّد به؛ لأن هذا من أفضل العبادة التي أوجبها الله عليهم، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
ولا سبيل إلى معرفة الواجب لله تعالى والممتنع عليه والجائز إلا من الوحي، فلا يُعلم ذلك بالقياس ولا بالعقل.
والإيمان بالله وأسمائه وصفاته أعظم الأشياء، وأخبرنا تعالى أنه أنزل الكتاب ليبيّن للناس ما نزّل إليهم، فكيف يترك أعظم الأشياء المنزّلة إلينا بدون بيان.
وإذا كان الله تعالى قد أكمل لهم الإيمان، فكل ما لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الإيمان ولم يأمر به ويبيّنه للأمة فهو باطل.
ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يبيّن ما يعتقده العبد في ربه؛ لأن هذا هو الذي أمر بتبليغه.
ومحال أن يُعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة، ونحو ذلك، ويترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، وما يعتقدونه في قلوبهم، في ربهم ومعبودهم، مع كون ذلك غاية المعارف.
ومحال أن يكون الذين كان فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم والذين يلونهم غير عالمين للحق في باب معرفة الله، وغير قائلين به.
كبريات الفرق الإسلامية
ترجع إلى أربع: الروافض، والخوارج، والقدرية والمعتزلة، والمرجئة.
ومن أولها التشيّع: حصلت في آخر عصر الصحابة، ثم تطوّر إلى الرفض.
والخوارج كان ظهورهم في آخر عصر الصحابة، وأُتوا من سوء فهمهم للنصوص.
والقدرية حصلت أيضا في آخر عصر الصحابة.
والمرجئة أخف هذه البدع، ثم برزت الأشعرية.
رد البخاري على أهل البدع
من كبار علماء السنة الذين ردّوا على أهل البدع: الإمام البخاري رحمه الله في كتاب (خلق أفعال العباد) فردّ فيه على الجهمية والقدرية.
وردّ في كتابه (الإيمان) على المرجئة، وردّ على الجهمية والمعتزلة في كتابه (التوحيد).
ترجمته
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه، توفي عام 256 هــ
اتفق العلماء على جلالته وإمامته في الحديث وفقهه، واتفق العلماء على أن أصح الكتب المصنّفة (صحيح البخاري)، وهو أكثرها فائدة.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 جمادى الأولى 1435هـ/8-03-2014م, 05:50 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي فهرس الأبواب، حسب ترتيب البخاري رحمه الله

فهرس الأبواب والمسائل

المقدمة
- أوضح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم العقيدة إيضاحا جليّا
-كبريات الفرق الإسلامية
- رد البخاري على أهل البدع
- ترجمته
الدرس الأول: باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
- حديث ابن عباس مرفوعا: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى)
- من فوائد حديث ابن عباس.
- مقصود البخاري بهذه الترجمة.
- حديث معاذ مرفوعًا: (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقّهم عليه؟)
- مسألة: هل للمخلوق حقّ على ربّه؟
- حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: (والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن).
- مسألة: تفاضل كلام الله وصفاته
- حديث عائشة مرفوعًا: (أخبروه أن الله يحبه).
- إثبات الصفات لله تعالى والرد على ابن حزم الظاهري في إنكاره صفات الله تعالى
- الفرق بين الأسماء والصفات
- إثبات المحبة لله عز وجل ثابت بالكتاب والسنة
- الكلام على معنى أحد وصمد
الدرس الثاني: باب قول الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّامّا تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}
- مقصود البخاري بالترجمة بهذه الآية
- حديث جرير بن عبد الله مرفوعًا: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس)
- ترجمة راوي الحديث
- اتصاف الله تعالى بصفة الرحمة ثابت بالكتاب والسنة
- حديث أسامة بن زيد مرفوعًا: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)
- ترجمة راوي الحديث
- شرح ألفاظ الحديث
- القول بالتأويل في آيات الصفات مردود لأمرين
- القول بالمجاز في أسماء الله تعالى من أعظم الإلحاد في أسمائه تعالى
الدرس الثالث: باب قول الله تعالى: {أنا الرزاق ذو القوّة المتين}
- ترجمة راوي الحديث
- تفسير قول الله تعالى: (أنا الرزاق ذو القوّة المتين)
-حديث أبي موسى الأشعري:(ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله ...)
.بم يؤذي ابن آدم ربه تعالى.
.صبر الله تعالى لا يماثل صبر المخلوق، بل يختلف عنه من وجوه.
- الفرق بين الصبر والحلم
الدرس الرابع: باب: قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدا}
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- شرح الآيات
- حديث ابن عمر: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ...)
ترجمة راوي الحديث
شرح ألفاظ الحديث
- أثر عائشة: (من حدّثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب)
الدرس الخامس: باب قول الله تعالى: {السلام المؤمن}
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- السلام الذي جُعل تحية للمؤمنين اسم من أسماء الله تعالى
- معنى وصف الله تعالى بأنه السلام المؤمن.
- حديث عبد الله بن مسعود: (إنّ الله هو السلام)
ترجمة راوي الحديث
الصواب أن صيغة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما في حديث ابن مسعود
الدرس السادس: باب قول الله تعالى: {ملك الناس}
- معنى الملك
- حديث أبي هريرة : (يقبض الله الأرض يوم القيامة ... )
ترجمة راوي الحديث
شرح ألفاظ الحديث
- مذهب السلف أن مبنى أوصاف الله تعالى على ثبوت النص في ذلك
[وإبطال الأقوال الباطلة أو الضعيفة التي لا تؤيّدها النصوص]
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
الدرس السابع: باب قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم}
- معنى العزيز، والحكيم
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- حديث ابن عباس: (أعوذ بعزّتك، ... )
شرح ألفاظ الحديث
- حديث أنس: (لا يزال يُلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ ... )
ترجمة راوي الحديث
شرح ألفاظ الحديث
في الحديث إثبات القدم صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته
الدرس الثامن: باب قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق}
- بيان المراد بقوله تعالى: {بالحق} في الآية(1)
- حديث ابن عباس: (اللهم لك الحمد أنت ربّ السماوات والأرض ... )
الدرس التاسع: باب {وكان الله سميعا بصيرا}
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- أثر عائشة رضي الله عنها: (الحمدلله الذي وسع سمعُه الأصوات ... )
شرح ألفاظ الحديث
- حديث أبي موسى الأشعري: (اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ... )
شرح ألفاظ الحديث
- حديث عبد الله بن عمرو: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ...)
ترجمة راوي الحديث
شرح ألفاظ الحديث
- حديث عائشة رضي الله عنها: (إن جبريل ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك ... )
- حكم من أنكر هاتين الصفتين (السمع والبصر)
الدرس العاشر: باب قول الله تعالى: {قل هو القادر}
- مقصود البخاري من هذه الترجمة
- فصل: الله تعالى قادر على كلّ شيء ممكن، والممتنع لنفسه، والمعدوم ليس بشيء.
- حديث جابر بن عبد الله: (اللهم إني أستخيرك بعلمك ...)
الدرس الحادي عشر: باب مقلب القلوب
- المراد بتقليب القلوب
- مقصود البخاري من هذه الترجمة
- حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: (لا ومقلّب القلوب)
- فوائد الحديث
الدرس الثاني عشر: باب إن لله مائة اسم إلا واحدة
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- أثر ابن عباس: (ذو الجلال: العظمة، البرّ: اللطيف)
- حديث أبي هريرة مرفوعا: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)
- فوائد الباب
الدرس الثالث عشر: باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها
- معنى السؤال والاستعاذة
- مقصود البخاري بهذه الترجمة
- حديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا جاء أحدُكم فراشه، فلينفُضْه بِصَنِفَةِ ثوبه ثلاث مرّات، ... )
- حديث حذيفة مرفوعا: (اللهم باسمك أحيا وأموت ... )
ترجمة الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
- حديث أبي ذرّ مرفوعا: (باسمك نموت ونحيا ... )
ترجمة الصحابي أبي ذر الغفاريّ رضي الله عنه
- حديث ابن عباس مرفوعا: (لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله، ... )
- حديث عديّ بن حاتم مرفوعًا: (إذا أرسلت كلابك المُعلّمة وذكرت اسم الله ... )
ترجمة الصحابي عديّ بن حاتم رضي الله عنه
- حديث عائشة مرفوعا: (اذكروا أنتم اسم الله وكلوا)
- حديث أنس: (ضحّى النبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين، يسمّي ويُكبّر)
- حديث جندب مرفوعا: (من ذبح قبل أن يصلّي فليذبح مكانها أخرى ... )
ترجمة الصحابي جندب البجلي رضي الله عنه
- حديث ابن عمر مرفوعا: (لا تحْلفوا بآبائكم، ومن كان حالفًا فليحلف بالله)
- فوائد الباب
- حاشية الدرس: ذكر الخلاف في الاسم والمسمّى
الدرس الرابع عشر: باب: ما يُذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عزوجل
- الكلام على لفظ (ذات)، وهل تُطلق على الله؟ وبيان الصواب في ذلك
بيان استعمال لفظ (ذات) لغة، وفي اصطلاح أهل الكلام
تعريف (ذات) بالألف واللام أمر اصطلاحي لا لغوي
- استعمال البخاري للفظ (ذات)، ومراده من ذلك
صحة إطلاق الذات على الله تعالى، وأنّ مرادهم من ذلك التفرقة بين الصفة والموصوف
- قوله: (والنعوت)
- قوله: (وأسامي الله –عزّ وجل-)
- حديث أبي هريرة في قصة خبيب وأصحابه
- فوائد الباب
- مقصود البخاري بهذه الترجمة.
- تفسير آيات الباب وبيان المراد بالنفس فيها
تفسير قوله تعالى: {ويحذّركم الله نفسه}
تفسير قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}
تفسير قوله تعالى:
{واصطنعتك لنفسي}
- الأدلة في إثبات أن لله تعالى نفسًا.
- من أقوال العلماء في إثبات النفس لله تعالى.
- من الأقوال الخاطئة في تفسير النفس لله تعالى.
- التمسك بمذهب السلف في باب الأسماء والصفات.
- ليس مذهب السلف التفويض كما توهمه البعض.
- باطل قول من نفى الضمير عن الله تعالى، ولازم قوله، والرد عليه.
- شرح حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((ما مِنْ أحدٍ أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، ...))
مناسبة الحديث للباب.
الشاهد من الحديث.
شرح المفردات.

الفرق بين المدح والحمد.
هل يمدح الإنسان نفسه؟
لماذا مدح الله تعالى نفسه؟

الحكمة من مدح العباد لله تعالى.
- حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((لمّا خلق الله الخلق، كتب في كتابه، وهو يكتُب على نفسه، ...))

شرح مفردات الحديث.
- حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، ...))

تعريف الحديث القدسي
شرح المفردات
المراد بالمعية في الحديث، وذكر أنواعها.

كيف يُجمع بين معية الله لعباده وعلوّه على عرشه؟
معنى (مع) في اللغة.
كيف يكون ذكر العبد لربه في نفسه؟
قرب الله تعالى من عباده، وأنواع ذلك.

القرب الذي ينكره أكثر المتكلمين.
مذهب السلف في قربه تعالى ودنوّه من بعض عباده.

الدرس السادس عشر: باب قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون}


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 جمادى الأولى 1435هـ/8-03-2014م, 05:53 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

كتاب التوحيد
من صحيح البخاري –رحمه الله-
قال البخاري –رحمه الله-:
[باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى]
1- حدثنا أبو عاصم، حدثنا زكريا بن إسحاق، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، عن أبي معبد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن.
2- وحدثني عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا الفضل بن العلاء، حدثنا إسماعيل بن أمية، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي، أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عباس يقول: (لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى نحو أهل اليمن قال له: ((إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلّوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيّهم فتردّ على فقيرهم، فإذا أقرّوا بذلك فخُذ منهم وتوق كرائم أموال الناس)).
3- حدثنا محمد بن بشّار، حدثنا غُندر، حدثنا شعبة، عن أبي الحصين والأشعث بن سليم، سمعا الأسود بن هلال، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقّهم عليه))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن لا يعذبهم)).
............
الشرح:
النبي صلى الله عليه وسلم أوضح ما يجب على المسلم أن يعتقده في حق الله تعالى نفيا وإثباتا، وما يجب لله تعالى على عباده من توحيد القصد والنية، فقوله (توحيد الله) يعمّ أنواع التوحيد، فلم يترك الأمر مشتبها، بل قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب خير قيام، فأوضحه غاية الإيضاح، فلا عذر لمن انحرف عنه.
ولا يؤخذ معرفة التوحيد إلا بدلائل من الكتاب والسنة والإجماع.
قوله: (بعث معاذا إلى اليمن) أي مبلغا عنه وداعيا إلى عبادة الله وتوحيده.
(إنك تقدم) قال الحافظ: كالتوطئة للوصية، ليستجمع همّته عليها، لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون مخاطبتهم كمخاطبة أهل الجهل من عبدة الأوثان.
(إلى أن يوحّدوا الله تعالى) ذكره في الزكاة بلفظ: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله))، وفي رواية: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)).
وهذه الروايات متفقة في المعنى:
فمعنى شهادة أن لا إله إلا الله: توحيد الله بالعبادة، والبعد عن عبادة ما سواه، وهذا هو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}
والطاغوت: كل ما عبد من دون الله تعالى سواء كان من البشر أو الحجر أو الأضرحة.
والكفر به: الابتعاد عن عبادته، التي هي طلب البركات منه، أو الشفاعات، أو دفع البليّات، أو إنالة الحاجات، ولابد من بغضه وعداوته وعداوة عابديه ومقاطعتهم، قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ...}
والإيمان بالله تعالى هو: إفراده بالعبادة التي تتضمن غاية الحب ومنتهاه، مع غاية الذل والخضوع، والانقياد لأمره والتسليم له.
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله: هو العلم اليقيني بأنه رسول من الله، وطاعته في كل ما أمر به، واجتناب ما نهاهم عنه، وأن لا يعبد الله إلا بما جاء به، وأن من سلك طريقا غير سنته فمصيره إلى النار، وأنه بلّغ ما أرسل به.
وهاتان الشهادتان متلازمتان، لا تُقبل إحداهما دون الأخرى.
ومجرد النطق بالشهادتين مع عبادة غير الله، وتعلّق القلب بمن يعتقدهم أولياء، وطلب الحاجات منهم التي لا يقدر عليها إلا الله، مع مخالفة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فذلك لا يُفيد شيئا، ولا يكون الإنسان به مسلما.
وهذه الشهادة أيضا تتضمن الإيمان بأسماء الله وصفاته، فذلك مما تعبّد الله بها الخلق.
-هذا الحديث دليل ظاهر على أن التوحيد الذي هو إخلاص العبادة لله وحده هو أول واجب على العباد.
ومن فوائد حديث ابن عباس:
1) فيه: أنه يجب على إمام المسلمين بعث الدعاة إلى توحيد الله تعالى، وتعليم الناس شرائع الإسلام، وأمرهم بالتزامها، وجباية الزكاة، ودفعها إلى مستحقّها.
2) وفيه: أن الإنسان لا يصير مسلما إلا إذا وحّد الله تعالى.
3) وفيه: أن أي تعبّد يتعبّد به العبد غير معتبر ولا معتدّ به بدون التوحيد.
4) وفيه: أن أخذ خيار المال في الزكاة ظلم يجب اجتنابه.
-وقصد البخاري -رحمه الله-: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن للناس التوحيد بأنواعه،
وأنه أول واجب،
وأنه أول ما يُدعى إليه؛ فمقصود الدعوة الوصول بالعباد إلى ما خُلقوا له من عبادة الله وحده لا شريك له.
وأنه لا حاجة بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيان أحد من الناس.
وفي بدئه بهذا الحديث الإشارة إلى الرد على المتكلمين الذين يجعلون عمدتهم في الإثبات والنفي العقل.
الحديث الثالث
قوله: (أتدري) الدراية هي المعرفة
(الحق) كل موجود متحقق، أو ما سيوجد لا محالة، ويقال للكلام الصدق حق؛ لأن وقوعه متحقق لا تردد فيه، ولأنه مطابق للواقع.
والمراد هنا: ما يستحقّه الله تعالى على عباده: وحقّه تعالى أن يعبدوه مخلصين له العبادة، ممتثلين أوامره وأعظمها التوحيد، مجتنبين ما نهى عنه، وأعظمه الشرك.
قوله: (الله ورسوله أعلم) يؤخذ منه حسن الأدب في التعلم، وأن من سئل عما لا يعلمه أن لا يتكلّف الجواب، ولكن يكل العلم إلى عالمه.
والمراد بالعبادة: فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وفي اللغة العبادة هي: الذل والخضوع.
وشرعا: قال ابن تيمية: (العبادة اسم جامع لكل ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)
وعطف على العبادة عدم الشرك؛ لأن العبادة لا تنفع عند الله تعالى إلا إذا كانت خالصة من الشرك.
-والناس في هذه المسألة على ثلاث فرق:
1) من قال: للمخلوق على الله حق يُعلم بالعقل.
2) ومن قال: لا حق للمخلوق على الله تعالى بحال، ولكن يُعلم ما يفعله بعبده بحكم خبره ووعده، وهذا قول أتباع جهم والأشعري.
3) ومن قال: أو جب الله تعالى على نفسه حقّا لعباده المؤمنين، كما حرّم الظلم على نفسه، ولم يوجب ذلك عليه مخلوق، بل هو برحمته وحكمته.
فمن قال ليس للمخلوق حق على ربه، فهو صحيح: إذا أراد أنه ليس عليه حق بالاعتبار والقياس على الخلق، كما قد يظن بعضهم أن لهم حقّا على الله تعالى بعبادته.
ومن قال للمخلوق حق على الله، فهو صحيح: إذا أراد به الحق الذي أخبر الله تعالى بوقوعه.
وهذا القول هو الحق الذي دلت عليه النصوص.
-ومن حق الله على عباده اتباع ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا إلحاد فيه.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 جمادى الأولى 1435هـ/16-03-2014م, 05:42 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

تتمة الدرس الأول: [تتمة باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى]


قال البخاري رحمه الله:
4: حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سمع رجلا يقرأ: {قل هو الله أحد} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، وكأن الرجل يتقالّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن)).
زاد إسماعيل بن جعفر، عن مالك، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي سعيد: أخبرني أخي قتادة بن النعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم. [7374]
5: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن وهب: حدثنا عمرو، عن ابن أبي هلال: أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه، عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم: {قل هو الله أحد} فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((سلوه لأي شيء يصنع ذلك))، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخبروه أن الله يحبه)). [7375]

الشرح:

الأدلة في بيان فضل التوحيد

الحديث الرابع: حديث أبي سعيد الخدري
قوله: (أن رجلا سمع رجلا) : السامع هو أبو سعيد راوي الحديث، والقارئ هو قتادة، وهو أخو أبي سعيد لأمّه، وكانا متجاورين في السكن.
قوله: (وكأنّ الرجل يتقالّها) : أي يعدّها قليلة بالنسبة إلى غيرها من سور القرآن، والمراد أنه رآها قليلة في العمل، لا أنه عدّها نافصة.
قوله: (والذي نفسي بيده) : كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يحلف بهذه الصيغة، ومعناها: أي روحي وحياتي وموتي يتصرف فيّ كيف يشاء.
قوله: (إنها لتعدل ثلث القرآن) : عَدل الشيء بفتح العين: ما عادله من غير جنسه.
والعِدل بكسر العين: المثل.
ومعنى كونها ثلث القرآن : أن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام:
ثلث منه: الأحكام وبيان الحلال والحرام.
وثلث منه: الوعد والوعيد والجزاء.
وثلث منه: في أسماء الله وصفاته.
وهذه السورة خالصة في الأسماء والصفات: قاله أبو العباس بن سريج، وغيره من السلف.
فبهذا الاعتبار عدلت ثلث القرآن؛ لما فيها من التوحيد الذي هو ثلث معاني القرآن.
- وليس معنى ذلك أنه يُكتفى بها عن سائر القرآن بمعنى أن من قرأها ثلاثا كفاه عن القرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها تعدل ثلث القرآن)) وعدل الشيء يُطلق على ما ليس من جنسه.
فثواب قراءة {قل هو الله أحد} وإن كان يعدل ثواب قراءة ثلث القرآن في القدر، فلا يلزم أن يكون مثله في النوع والصفة، لأنها لا تغني عمّا اشتمل عليه القرآن من الأمر والنهي والوعد والوعيد، وسائر ما يحتاج إليه العباد.

تفاضل كلام الله وصفاته

- وفي الحديث دلالة ظاهرة على تفاضل كلام الله وصفاته، وهو المأثور عن السلف.
قال تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها}
ولم يُعرف من السلف من قال: لا يكون كلام الله بعضه أشرف من بعض؛ لأنه كله من صفات الله، وإنما حدث ذلك لمّا ظهرت البدع من المعتزلة والجهمية، وغيرهم ممن سلك سبيلهم.
وتفاضل الكلام من جهة المتكلّم فيه أمر معلوم بالفطرة والشرع.
فليس الخبر المتضمّن حمد الله والثناء عليه بأسمائه الحسنى، كالخبر المتضمّن لذكر إبليس وفرعون وأبي لهب ونحوهم، وإن كان الكل كلاما عظيما تكلم الله به.
قال شيخ الإسلام: (الكلام له نسبتان : نسبة إلى المتكلِم به، ونسبة إلى المتكلَم فيه)
وتفاضل كلام الله تعالى إنما هو من جهة المتكلَم فيه؛ لأن الكل كلام الله تعالى.
- ودل الحديث على تعدد صفات الله سبحانه وتعالى وتفاضلها، وأن لها معاني متعددة.

الحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها
قوله: (لأنها صفة الرحمن) : تميّزت هذه السورة بأنها خالصة لذكر أوصاف الرحمن دون غيره.
قال ابن التين: (إنما قال: لأنها صفة الرحمن، لأن فيها أسماءه، وأسماؤه مشتقة من صفاته)

إثبات الصفات لله تعالى والرد على ابن حزم الظاهري في إنكاره صفات الله تعالى

- وفي الحديث حجّة لمن أثبت أن لله صفات، وهو قول الجمهور، وشذّ ابن حزم فقال أن هذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، وأن سعيد بن أبي هلال ضعيف.
فيقال: سعيد متفق على الاحتجاج به، وكلام ابن حزم مردود بإثبات الأسماء الحسنى، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} ففي إثبات الأسماء إثبات للصفات، ودلّت نصوص الكتاب والسنة، والفطرة والعقل على ذلك،
قال تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه}
وقال تعالى: {إن الله هو الرزّاق ذو القوّة المتين}
وقال البخاري: (باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته)
فثبت بهذه النصوص وغيرها أنّ لله صفات، وأن كل اسم تسمّى الله به يدلّ على الصفة؛ لأن الأسماء مشتقة من الصفات.

الفرق بين الأسماء والصفات:
1) الأسماء تدلّ على الذات، والصفات تدلّ على معان قائمة بالذات.
2) الأسماء مشتقة من الصفات.

إثبات المحبة لله عزوجل ثابت بالكتاب والسنة
قوله: (أخبروه أن الله يحبه) : فيه محبة الله تعالى لأهل طاعته من عباده.
ومن قال أن محبة الله لعباده هي: إرادته ثوابهم وتنعيمهم، فهذا ظاهر البطلان، فالنصوص لا تقبل هذا التأويل لكثرتها وتواطئها على أن الحب فيها هو ما يفهمه المخاطب الذي لم تفسد فطرته بالعقائد المنحرفة عن الحق.
ومحبته سبحانه لعبده المؤمن شيء فوق إنعامه وإحسانه وعطائه، فهذا أثر المحبة وموجبها، أما هي فأعظم من ذلك وأشرف، وهي التي يتسابق إليها الأنبياء والملائكة والأولياء.
وفي الكتاب والسنة نصوص صريحة بأنه تعالى يحبّ عباده ويحبّونه؛ قال تعالى: {والله يحب المحسنين}
- ومحبة العباد لربهم هي من الضروريات الثابتة بالشرع والعقل والفطرة، وإنكارها إنكار للواقع المحسوس.
وتأويل المنحرفين لها: بأنها الاستقامة على الطاعة، أو إرادتهم أن ينفعهم، فمثل هذا التأويل قد يؤول إلى إنكار أصل دين الإسلام؛ لأن مبنى دين الإسلام على شهادة لا إله إلا الله، ومعنى الإله: المحبوب الذي تألهه القلوب، وتحبّه وتعظّمه وتجلّه.
فمن أنكر ميل القلوب إليه تعالى بالحب والتأله فقد أنكر حقيقة الإسلام، فهل الشرك إلا أن تجعل للمخلوق نصيبا مع الله تعالى في هذا الحب، قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبّونهم كحبّ الله والذين آمنوا أشدّ حبّا لله}
ومن قال أن محبة المخلوق لله هو إرادتهم أن ينفعهم، فهذا من أبطل الكلام المخالف للواقع والشرع والعقل، وهل يوجد أحد من الخلق لا يريد أن ينفعه الله، حتى إبليس ومن دونه من دعائم الكفر والإلحاد كلهم يريد أن ينفعهم الله، فهل يقال: إنهم يحبّون الله المحبة المأمور بها شرعا.
- ومن وقر في قلبه أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أبلغ ما يمكن وأتم ما يكون وأعظمه بيانا لأمور الدين، لم يجرؤ على تحريف النصوص بمثل هذه التأويلات.
وقد علم المؤمنون أن محبة العباد لربهم هي حياة القلوب، ونعيم الروح، بل هي أعلى نعيم في الدنيا والآخرة، وهي فوق كل محبة تفترض.
وهي حقيقة لا إله إلا الله، وبتمامها وكمالها تتفاوت منازل العباد عند الله في الدنيا والآخرة.
فالمحبة هي حقيقة العبوديّة، ولا يمكن وجود العبادة التي يريدها الله ويأمر بها عباده بدونها أبدا، فمنكر المحبة في الحقيقة منكر لجميع مقامات الإيمان والإحسان.
- وهذا الحديث يدلّ على حسن فهم الصحابة لمعاني القرآن حيث قالوا عن سورة الصمد: إنها صفة الرحمن.
- ودل الحديث على استحباب قراءة الآيات التي تشتمل على صفات الله تعالى، خلافا للمبتدعة الذين يكرهون قراءة آيات الصفات عند العامة، وفيه التصريح بأن الله يحب ذلك، ويحب من يحبّه.
...
الكلام على معنى أحد وصمد

الصمدية تثبت الكمال المنافي لكل نقص وعيب.
والأحدية تثبت الانفراد بذلك الكمال.
قال شيخ الإسلام: (وقد فسّر السلف الصمد بأنه الذي لا جوف له، كما فسّروه بأنه السيّد الذي يُصمد إليه في الحوائج، والأول قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطوائف من أهل اللغة، والثاني: قول جمهور أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف)
وأدخل الألف واللام على (الصمد) ولم يدخلها في (أحد)؛ لأنه ليس في الموجودات ما يسمّى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف إلا الله تعالى.
وأما (الصمد) فأدخل عليه الألف واللام ليبيّن أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون من سواه.
فالمخلوق وإن كان قد يطلق عليه بأنه صمد فإن حقيقة الصمديّة منتفية عنه، فإنه يقبل التجزئة وهو محتاج إلى غيره، فإن كل ما سوى الله فقير محتاج إلى الله.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24 جمادى الأولى 1435هـ/25-03-2014م, 06:22 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثاني: باب قول الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّامّا تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}

6: حدثنا محمد: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، وأبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) (7376)
7: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته تدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجع فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب)).
فأعادت إليه الرسول، أنها أقسمت لتأتينّها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، فدُفع الصبي إليه ونفسُه تقعقع كأنّها في شنّ، ففاضت عيناه، فقال له سعد: يا رسول الله، ما هذا؟
قال: ((هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)). (7377)

الشرح:
مقصود البخاري بالترجمة بهذه الآية

قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيّه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك المنكرين دعاء الرحمن؛ ((ادعوا الله)) أيها القوم ((أو ادعوا الرحمن أيّامّا تدعوا فله الأسماء الحسنى)) بأيّ أسمائه جلّ جلاله تدعون ربّكم فإنما تدعون واحدا، وله الأسماء الحسنى، وإنما قيل ذلك له صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشركين –فيما ذكر- سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه: يا ربّنا الله، ويا ربّنا الرحمن، فظنّوا أنه يدعوا إلهين، فأنزل الله الآية، ثم روى ذلك عن ابن عباس وعن مكحول) بتصرف.
قال الشارح: يظهر أن مقصود البخاري رحمه الله بالترجمة بهذه الآية:
بيان اختصاص الله تبارك وتعالى بالأسماء الحسنى، وأن أسماؤه كاملة المعاني لا يلحقها نقص أو عيب، وأن اتصاف المخلوق ببعض ما يتصف الرب تعالى به من المعاني لا يلزم منه نقص أو عيب في أسمائه وصفاته تعالى؛ لأنها حسنى كاملة تناسب عظمته وكبرياءه.
فلا يتوهم أن في ذلك تشبيها كما يزعمه أهل البدع، الذين نفوا صفات الله تعالى من أجل ذلك.


حديث جرير بن عبد الله: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس)

ترجمة راوي الحديث
جرير هو أبو عمرو: جرير بن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي.
قدم جرير على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، فبشّر به أصحابه، وبسط له رداءه، وكان رضي الله عنه صادق الإيمان، صادعا بالحقّ، لا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان يقول كما في الصحيحين وغيرهما: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)
كان حسن الوجه، طويلا، واعتزل الحروب بين علي ومعاوية، وتوفي بقرقيسيا 51 هـــ .
-قوله: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس)
وعند مسلم: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)، ولأبي داود والترمذي والحاكم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وعند الطبري: (من لا يرحم المسلمين لم يرحمه الله)

اتصاف الله تعالى بصفة الرحمة ثابت بالكتاب والسنة

وفي هذه الأحاديث وأمثالها كثير دليل على أن الرحمة صفة تقوم بمن شاء الله من عباده الذين يريد تعالى رحمتهم، وتتخلّف عن الأشقياء الذين لا يرحمهم الله تعالى.
وقد روى البخاري في (الأدب المفرد) من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُنزع الرحمة إلا من شقيّ).
- وقد عُلم من دين الرسل وكتب الله تعالى أنّ الله متصف بالرحمة، وليست رحمته ثوابه وجزاءه، كما يقوله أهل التحريف والمؤوّلة من الأشعرية وغيرهم.
وقد قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}
فعطف الرحمة على الفضل يدلّ على المغايرة، وفضل الله تعالى الذي هو الثواب والجزاء مخلوق، ليس من صفات الله تعالى القائمة به، وإن كان الفضل في الآية غير متعيّن إرادة الثواب به، بل يجوز أن يراد به التفضّل الذي هو فعل الله تعالى.
وإذا كان الإجماع حاصلا بين الأمة بأن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء في ذاته المقدّسة، فيجب أن تكون صفاته ليست كصفات خلقه؛ لأن الصفة تتبع الموصوف، فصفات الله تعالى من الرحمة والرضا والغضب وغير ذلك تليق بعظمته وتناسبه.
وإنّ من الضلال والبعد عن كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وسبيل المؤمنين حقّا نفي صفات الله تعالى وتعطيله منها، اعتلالا بأنها تفيد التشبيه.
ومجرد الاشتراك في الاسم أو في المعاني العامة لا يقتضي تشبيها.

حديث أسامة بن زيد: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)

ترجمة راوي الحديث
أسامة بن زيد بن شراحيل الكلبي، حب النبي صلى الله عليه وسلم وابن حبّه ومولاه، وابن مولاته أم أيمن.
أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش فيه كبار المهاجرين والأنصار منهم أبوبكر وعمر، وقال فيه صلى الله عليه وسلم: ((وايم الله إن كان لخليقا للإمارة)).
وزوّجه فاطمة بنت قيس وهو ابن خمس عشرة سنة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وفضّله عمر في العطاء على ابنه عبد الله.
اعتزل الحروب بين أهل الشام وأهل العراق، ومات بوادي القرى سنة 54 هـــ .
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (إحدى بناته): قال الحافظ: (هي زينب)
وقيل هي رقية، وقيل هي فاطمة.
والصواب: أن المرسلة زينب، كما ثبت في مسند الإمام أحمد ولفظُه: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بأمامة بنت زينب، ونفسها تقعقع كأنها في شنّ ... ) وذكر بقيّة الحديث
قوله: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى): قال النووي: (هذا أحسن ما يُعزّى به)
ومعنى قوله: (إن لله ما أخذ): أن العالم كلّه ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم، في معنى العارية.
ومعنى قوله: (وله ما أعطى): أن ما وهبه لكم ليس خارجا عن ملكه، بل هو له يفعل فيه ما يشاء.
قوله: (وكل شيء عنده بأجل مسمّى): من فقد محبوب، أو حصول مرغوب، وتصرّف في هذا الكون الذي هو بأسره ملك لله يفعل فيه ما يريد.
والأجل المسمّى: هو المقدّر بوقت معيّن، لا يتأخّر عنه ولا يتقدّم.
قوله: (فلتصبر ولتحتسب): الصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخّط، وحبس الجوارح عمّا نهى عنه الشرع من شقّ الثياب، وخمش الوجوه ولطمها، والكلام الذي ينافي التسليم لربّ العالمين.
والاحتساب: هو نيّة طلب الثواب من الله على الإيمان بالقدر، والتسليم لأمر الله تعالى.
قوله: (فأعادت إليه الرسول أنها أقسمت لتأتينّها): الحامل لها ما علمت من أنّ حضور النبي صلى الله عليه وسلم فيه الخير والبركة، وأنه يتوقّع أن يرفع الله ببركة دعائه وحضوره ما هي فيه وابنتها من ألم وتوجّع.
قوله: (ونفسه تقعقع كأنها في شنّ): القعقعة: صوت الشيء اليابس الجاف الخفيف إذا حرك، يعني بذلك: صوت نفسه عند صعوده ونزوله في صدره من شدة الألم.
والشنّ: القربة الخلقة اليابسة.
قوله: (ففاضت عيناه): أي ذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع، رحمة لهذا الضعيف، وتوجّعا لما نزل به من الألم الشديد.
(فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟): كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن البكاء على الميّت، فظنّ سعد رضي الله عنه وغيره أنّ النهي يدخل فيه دمع العين، وحُزن القلب، فبيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المنهي عنه هو التسخّط من المقدور، ودعوى الجاهلية من العويل والنوْح.
وأمّا دمع العين وحُزن القلب فهو من الرحمة للضعفاء، التي هي سبب رحمة أرحم الراحمين.
قوله: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده) : أي الدمع الذي رأيته من أثر الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب عباده، الذين أراد تعالى رحمتهم؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
قوله: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء): أي رحمة الله تعالى للمحسنين إلى عباده برحمتهم.
وهذا هو محل الشاهد الذي سيق الحديث من أجله مع قوله: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده)، وذلك أن القدر المشترك بين أسماء الله تعالى وصفاته، وبين أسماء المخلوقين وصفاتهم في اللفظ والمعنى لا يقتضي المشابهة؛ لأن أسماء الله تعالى حسنى، لا يلحقها نقص ولا عيب، بخلاف أسماء المخلوقين.


القول بالتأويل في آيات الصفات مردود لأمرين

ولا يجوز القول بأن ظاهر هذه الأسماء كفر وضلال، وأن الصحابة والسلف الصالح لم يفهموا ذلك، أو أنهم فهموه ولم يقوموا بالواجب من نصح المسلمين وبيان التأويل الحق، لأمرين:
قاطع ضروري؛ وهو أن العادة توجب أن ما كان كذلك أن يظهر التحذير منه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويتواتر أعظم من تحذيرهم من الدجال الكذاب.
أنه ثبت تحريم الزيادة في الدين، فلا يصح سكوت الشرع عن النص على ما يُحتاج إليه من مهمات الدين، فالإسلام متبع لا مخترع.
القول بالمجاز في أسماء الله تعالى من أعظم الإلحاد في أسمائه تعالى

ودعوى المجاز في اسمه تعالى الرحمن وغيره من الأسماء الحسنى من أبطل الدعاوى؛ لأن ذلك يتضمّن إنكار حقيقة صفة الرحمة، وهو أعظم من إنكار الكفار لاسمه تعالى الرحمن، قال تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن}
فهؤلاء الذين كفروا بالرحمن وأنكروه لم يكفروا بذاته تعالى وربوبيته، ولم ينكروا ما يدّعيه المؤوّلة أن معنى اسمه الرحمن هو الإحسان والإنعام إلى خلقه، وإنما أنكروا اسمه تعالى الرحمن أن يسمّى به.
وإنكار صفة الرحمة أعظم من إنكار الاسم، وهو من أعظم الإلحاد في أسمائه تعالى؛ لأن وضع الاسم مقصود به الدلالة على المعنى المراد منه، وهو الرحمة.
ومعلوم أن أسماؤه تعالى كلها حسنى، لها معان يستدلّ بها عليها؛ لأنها مشتقّة من تلك المعاني، وهذه المعاني هي الصفات، فليست أسماؤه تعالى مجرد أعلام، فالرحمن يدلّ على الرحمة، والعليم يدلّ على العلم وهكذا جميع أسمائه تعالى.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24 جمادى الأولى 1435هـ/25-03-2014م, 08:26 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثالث: باب قول الله تعالى: (أنا الرزاق ذو القوّة المتين)

8: حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدّعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم.))

الشرح:
ترجمة راوي الحديث
أبو موسى الأشعري: هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري، وأمه ظبية بنت وهب بن عك.
هاجر إلى الحبشة قديما، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر مع جعفر وأصحابه، وهو من سادات الصحابة وعلمائهم، وكان قارئا حسن الصوت.
توفي رضي الله عنه عام 42 هــ ، بمكة أو الكوفة.

قول الله تعالى: (أنا الرزاق ذو القوّة المتين)

- (أنا الرزاق ذو القوة المتين): والآية هكذا قرأها ابن مسعود، وقال: إنه أقرأه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه الإمام أحمد بسند صحيح.
وقوله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}: هذه القراءة المجمع عليها المتواترة، وقراءة ابن مسعود تتفق معها في المعنى.
والمعنى: أن الله تعالى هو المتكفّل بأرزاق الخلق وحاجاتهم، وأكّد الجملة بــ (إنّ) والضمير، لقطع توهّم من يعتمد على قوّته أو علمه وصنعته، أو غير ذلك في أمور الرزق؛ ليصرف اعتمادهم إلى الله وحده.
(ذو القوة): أي القوّة العظيمة التي لا تُضاهى ولا تُقاس بقوة خلقه مهما بلغت قوّتهم، فهو تعالىى على كل شيء قدير، لا يمتنع عليه شيء.
(المتين): الشديد القوة، الذي لا يطرأ عليه عجز أو ضعف، تعالى وتقدّس.
وهذه الآية ونظائرها تدلّ بوضوح على أنّ الله تعالى موصوف بالصفات العليا، كما أنّه مسمّى بالأسماء الحسنى، فالقوّة صفته، والرزّاق اسمه، والاسم لابد أن يتضمّن الصفة.

حديث أبي موسى الأشعري: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله ...)

معنى الحديث:
قال النووي: (قال العلماء: معناه أن الله تعالى واسع الحلم حتى علىى الكافر الذي ينسب إليه الولد والندّ)
وأطلق المارزي اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى، ويرد على المارزي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على ربّه الصبر وهو أعلم الخلق بالله تعالى وأخشاهم له، فلا استدراك عليه، فيجب إبقاء ما أطلقه على الله تعالى بدون تأويل.
فمن أسماء الله تعالى: (الصبور)، وفي الحديث: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله)
قال القاضي: الصبور من أسماء الله تعالى، وهو الذي لا يُعاجل العصاة بالانتقام، وهو بمعنى الحليم في أسمائه سبحانه وتعالى.
والحليم: هو الصفوح مع القدرة على الانتقام، فالحليم أبلغ في السلامة من العقوبة.
قوله: (على أذى سمعه من الله): لفظ الأذى في اللغة هو لما خفّ أمره وضعف أثره من الشر والمكروه.
بخلاف الضرر، فأخبر تعالى أن العباد لا يضرّونه: {إنهم لن يضرّوا الله شيئا} فأخبر أن الخلق لا يضرّونه ولكن يؤذونه.
وابن آدم يؤذي الله تعالى:
1: بإضافة من يتعالى ويتقدّس عنه، مثل نسبة الولد إليه تعالى والند والشريك في العبادة.
2: ومثل إسناد نعمه وأفعاله إلى غيره من الدهر والطبيعة، ثم يسبّون ما أسندوا تلك الحوادث إليه، فيقولون: يا خيبة الدهر، وهذا زمان سوء، وما أشبه ذلك.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، ويسب الدهر وأنا الدهر، أقلّب ليله ونهاره)
3: ويؤذي ابن آدم ربّه بمخالفته أوامره تعالى وارتكابه نهيه، وأذيّة رسله وعباده الصالحين، كما في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبّهم، فبحبّي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه)).
وصبر الله تعالى لا يماثل صبر المخلوق، بل يختلف عنه من وجوه:
1: أنه عن قدرة تامّة.
2: ولا يخاف الفوت.
3: وأنه لا يلحقه بصبره ألم ولا حزن، ولا نقص بوجه من الوجوه.

الفرق بين الصبر والحلم

أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فالحلم في صفاته تعالى أو سع من الصبر.
وحلمه صفة ذاتية لا تزول.
أما صبره تعالى فمتعلّق بكفر عباده وسائر معاصيهم وفجورهم، فلا يدعوه ذلك إلى تعجيل عذابهم، بل يصبر عليهم ويمهلهم، حتى إذا لم يبق فيهم موضع للصنيعة ولم ينيبوا، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الإعذار إليهم.
فالصبر إذا زال متعلّقه كان كسائر الأفعال التي توجد لوجود الحكمة وتزول بزوالها.
- والذي يظهر من إيراد البخاري رحمه الله لهذا الحديث: هو البيان بأن الله تعالى مسمّى بالأسماء الحسنى، ومتصف بالصفات العليا، على ما يليق بجلاله، وعلى ما يُفهم من اللفظ الموضوع للمعنى المتعارف عليه من ظاهر اللغة دون تكلّف تأويل.


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 جمادى الآخرة 1435هـ/1-04-2014م, 09:27 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الرابع: باب: قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدا}
و: {إن الله عنده علم الساعة}، و: {أنزله بعلمه}، و: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}، و: {إليه يردّ علم الساعة}...

قال يحيى: الظاهر على كلّ شيء، والباطن على كلّ شيء.
9: حدثنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفاتيح الغيب خمس، لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) 7379
10: حدّثنا محمد بن يوسف: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((من حدّثك أنّ محمدا رأى ربّه فقد كذب، وهو يقول: {لا تدركه الأبصار}، ومن حدّثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: {لا يعلم الغيب إلا الله})) 7380

الشرح:
مقصود البخاري بهذه الترجمة
أراد البخاري رحمه الله بيان ثبوت علم الله تعالى.
وعلمه سبحانه من لوازم نفسه المقدّسة، وبراهين علمه تعالى ظاهرة مشاهدة في خلقه وشرعه، ومعلوم عند كلّ عاقل أن الخلق يستلزم الإرادة، ولابد للإرادة من العلم بالمراد.
والأدلة على وصف الله بالعلم كثيرة، ولا يُنكرها إلا ضال أو معاند مكابر.
وفي هذه الآيات التي ذكرها البخاري مدح الله سبحانه وتعالى فيها نفسه بأنه عالم الغيب، وأنه استأثر به دون خلقه، فلا يعلم الغيب سواه.
-(والغيب): مصدر غاب إذا استتر عن العين، واستُعمل في كلّ غائب عن الحاسّة، {أم كان من الغائبين}


شرح الآيات
قوله تعالى: (عالم الغيب والشهادة): أي عالم ما يغيب عنكم وما تشهدونه، فهو المختص بعلم الغيب لا يشاركه فيه أحد.
والغيب في قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب}: ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بدائه العقول، وإنما يُعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام.
وقوله تعالى: (إن الله عنده علم الساعة): والمعنى: أن علم وقت مجيء الساعة الذي هو النفخ في الصور، لا يعلمه إلا الله تعالى وحده، فهو خاص به تعالى لا يشاركه فيه أحد.
وقوله تعالى: (أنزله بعلمه): أي أنزل القرآن عالما بما يترتب على إنزاله من الخير والفلاح وغير ذلك، وعالما بمن يؤمن به ويقبله ويسعد بذلك، ومن يكفر به ويردّه ويشقى بذلك.
أو المعنى: أنزله وفيه علمُهُ الذي أراد أن يُطلع عليه من يشاء من عباده، من الإيمان به، ومعرفته تعالى بأسمائه وصفاته، وما رتّب على ذلك من الجزاء في الدنيا والآخرة، ومعرفة حقّه وأمره ونهيه.
والآية تدلّ على كلا المعنيين.
قال ابن الجوزي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنزله وفيه علمه، قاله الزجاج.
الثاني: أنزله من علمه، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
الثالث: أنزله إليك يعلم منه أنك خيرته من خلقه، قاله ابن جرير.
قوله تعالى: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه): فيه بيان شمول علمه تعالى لكلّ شيء، فلا تكون حياة ولا موت، ولا حركة ولا سكون إلا بعلمه وتصريفه ومشيئته.
قوله تعالى: (إليه يردّ علم الساعة) : أي هو تعالى المختصّ بعلم الساعة، أي وقت مجيئها.
ففي هذه الآيات ونحوها دلالة ظاهرة على ثبوت صفة العلم لله تعالى، ومن أوجه البيان في ذلك أنه تعالى أضاف العلم إلى نفسه الكريمة إضافة حقيقيّة، والمضاف إلى الله تعالى إمّا أن يكون أعيانا قائمة بنفسها؛ كبيت الله، وما أشبه ذلك، وهذا النوع من إضافة المخلوق إلى خالقه، لتفضيلها على غيرها من المخلوقات.
وإمّا إضافة معان؛ كعلم الله، وقدرة الله، وهذا النوع لا يكون إلا إضافة صفة إلى من تقوم به؛ لأنها لا تقوم بأنفسها كما هو معلوم.
قوله: (قال يحيى: الظاهر على كلّ شيء علما، والباطن على كلّ شيء علما)
قال الحافظ: يحيى هو ابن زياد الفرّاء النحوي المشهور.
أبو زكريّا، إمام العربية، وصفه مترجموه بأنه كان متديّنا ورعا، وكان ثقة، توفي عام 207 هــ.
وذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له.
وقول الفرّاء هذا جزء من معنى هذين الاسمين الكريمين، وكان من عادة السلف أنهم يفسّرون الشيء بجزء من معناه، وإلا فهو تعالى الظاهر على كلّ شيء ذاتا وقوّة وقهرا وعلما وحُكما، والباطن على كلّ شيء إحاطة وقربا وعلما.

حديث ابن عمر: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله ...)
ترجمة راوي الحديث
ابن عمر هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، وأمه زينب بنت مظعون الجُمحيّة، ولد سنة 3 من البعثة النبويّة، وهاجر إلى المدينة وهو ابن عشر سنين، وأوّل مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق،
وكان من سادات الصحابة، وعبّادهم المحدّثين، وهو من المكثرين في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرف بالعزوف عن الدنيا والاستعداد للآخرة، كما عُرف بشدة تمسّكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبّع آثاره.
توفي سنة 73 هـ بمكة وعمره 87 سنة.
شرح ألفاظ الحديث
(مفاتيح الغيب): والمفاتح جمع مِفْتَح بكسر الميم، اسم الآلة التي يُفتح بها، وهي لغة قليلة، والمشهور مفتاح، وجمعه مفاتيح، ويطلق المفتاح على ما كان محسوسا ممّا يحلّ غلقا كالقفل، وعلى ما كان معنويّا، كما جاء في الحديث الذي صحّحه ابن حبّان: "إنّ من الناس مفاتيح للخير ..."
(مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله): وبيّنها بأنها:
· ما يغيض من الأرحام، أي ما ينقص.
· وما يكون في الغد من الحوادث والأعمال وغيرها.
· ومجيء المطر
· والمكان الذي يموت به الإنسان
· ووقت مجيء الساعة
وعبّر عن هذه الأمور الخمسة بالمفاتيح:
لتقريب الأمر من السامع؛ لأن كل شيء جُعل بينك وبينه حجاب فقد غيّب عنك.
وإذا كان المفتاح لا يُعلم، فكيف بما داخل الحجاب.
ودلّ الحديث على أنّ هذه الأمور من الغيب، وأن علم الغيب من خصائص الله تعالى، وأمّا ما جاء عن الأنبياء من الإخبار ببعض المغيّبات، كالإخبار عن بعض أشراط الساعة، وحصول الفتن ونحو ذلك، فهذا مما استثناه الله تعالى بقوله: {عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} وهو من معجزاتهم التي تدلّ على صدقهم.

أثر عائشة: (من حدّثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب)
كأن سبب هذا القول من عائشة رضي الله عنها:
ما أخرجه عبد الرزاق في هذا الحديث من طريق مجالد عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعبا، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نقول: إن محمدا رأى ربه مرتين، فكبر كعب، وقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد، فكلّم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، قال مسروق: فدخلت على عائشة، فقلت: هل رأى محمد ربه) فذكر الحديث.
-وفي صحيح مسلم: قال مسروق: وكنت متكئا فجلست، فقلت: ألم يقل الله: {ولقد رآه نزلة أخرى}، فقالت: أنا أوّل هذه الأمّة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "إنما هو جبريل".
-وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنّى أراه".
فقول عائشة هو الراجح الذي تؤيّده الأدلة.
قوله: (وهو يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}): استدلت عائشة بظاهر هذه الآية على نفي الرؤية، وقال بذلك بعض المفسّرين، قال السديّ: لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.
وتعلّق المعتزلة بهذه الآية في نفي رؤيته تعالى في الآخرة، ويردّ عليهم: أن رؤيته سبحانه وتعالى ثبتت في آيات أخر: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة}
فيتعيّن أن الإدراك المنفي في هذه الآية هو الإحاطة، وبذلك فسّره ابن عباس وغيره من السلف.
قوله: (ومن حدّثك أنه يعلم الغيب فقد كذب): أي من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد كذب؛ لأن علم الغيب يختصّ بالله تعالى.


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 جمادى الآخرة 1435هـ/1-04-2014م, 09:31 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الخامس: باب قول الله تعالى: {السلام المؤمن}

11: حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا زُهير، حدثنا مغيرة، حدّثنا شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله: كنّا نصلّي خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم فنقول: السلام على الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيّات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.)) 7381

الشرح:
مقصود البخاري بهذه الترجمة
أي أن ذلك من أسماء الله تعالى التي سمّى بها نفسه، ومعناه السالم من كلّ نقص وعيب.
ومراد البخاري رحمه الله تعالى بهذه الترجمة تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوق، وأنّ اشتراكه تعالى مع المخلوق في الاسم، أو في معنى من المعاني لا يكون فيه تشبيه، نحو: اليد، والرجل، والاستواء، والمجيء، وغير ذلك ممّا أثبته تعالى لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تعالى السلام، أي: السالم من كلّ عيب ونقص يلحق المخلوق.


السلام الذي جُعل تحية للمؤمنين اسم من أسماء الله تعالى
روى البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه الله في الأرض فأفشوا السلام بينكم)).
وقال ابن عباس: "السلام اسم الله، وهو تحية أهل الجنة"
وقد اختلف في معناه: فنقل عياض أنّ معناه: اسم الله، أي: كلاءته عليك وحفظه، كما يقال: الله معك ومصاحبك.
وقيل معناه: السلامة، كما قال تعالى: {فسلام لك من أصحاب اليمين}، أن المسلّم أَعْلم من سلّم عليه أنه سالم منه، وألّا خوف عليه منه.
-والسلام من الكلمات الجامعة، وحقيقته: البراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، وعلى هذا المعنى تدور تصاريف هذا اللفظ، فمن ذلك:
سلّمك الله، ومنه دعاء الرسل على الصراط: (اللهم سلّم سلّم).
والقلب السليم هو النقي من الغلّ والدغل.
والإسلام أُخذ من هذا المعنى.
والجنة دار السلام؛ أي دار السلامة من كل آفة ونقص وشرّ.
فإطلاق السلام على الله تعالى اسما من أسمائه أولى من هذا كلّه، وهو أحقّ بهذا الاسم من كلّ مسمّى به، لسلامته تعالى من كلّ عيب ونقص من كلّ وجه، فهو تعالى السلام الحقّ بكلّ اعتبار.
-وأما ذكره (المؤمن) مع السلام؛ فلبيان أنّ ما تسمّى الله به وأُطلق على غيره من خلقه، فإنه لا يكون بينه وبين من أطلق عليه مشابهة، فالله تعالى سمّى نفسه المؤمن، ومن اتصف بالإيمان من عباده يسمّى مؤمنًا.
قال ابن الجوزي: (فأمّا المؤمن ففيه ستة أقوال:
أحدها: أنه الذي أمن الناس ظلمه، وأمن من آمن به عذابه.
الثاني: أنه المجيب.
الثالث: أنه الذي يصدّق المؤمنين إذا وحّدوه.
الرابع: أنه الذي وحّد نفسه، لقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو}
الخامس: أنه الذي يصدق عباده وعده.
السادس: أنه الذي يصدق ظنون عباده المؤمنين، ولا يخيّب آمالهم.
وهذه الأقوال كلّها حقّ، يدلّ عليها اسمه تعالى: (المؤمن).

حديث عبد الله بن مسعود: (إنّ الله هو السلام)
ترجمة راوي الحديث
عبد الله: هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي، هاجر قديما إلى الحبشة.
شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم جميع غزواته، ولازمه وخدمه، فكان يُقال له صاحب السواك والنعل؛ لأنه كان يحمل سواك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعله.
وقال حذيفة: "ما نعلم أحدا أقرب سمْتا ودلًا وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مسعود ..."
وهو من علماء الصحابة وفقهائهم، توفي في الكوفة وقيل في المدينة سنة 32 هــ وله بضع وستون سنة.
-قوله (فنقول: (السلام على الله)): كأنهم رأوا السلام من قبيل الحمد والشكر، فجوّزوا ثبوته لله تعالى، وهو تعالى السلام، والسلام منه بدأ وإليه يعود، إذ هو تعالى واهب السلام لعباده، الذي به يسلمون من شرور أنفسهم، وشرور أعدائهم من الجنّ والإنس، وهو تعالى السالم من كلّ ما فيه نقص أو شين، فلا يُطلب له السلام، ولهذا قال لهم معلّم الهدى صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله هو السلام))، وهذا الجزء هو محل الشاهد.
-قوله (التحيّات لله): معناه البقاء لله، والسلامة من الآفات كلّها التي تلحق العباد من العناء وأسباب الفناء.
وجيء بلفظ الجمع ليدلّ على أنّ الله تعالى يستحقّ جميع الكمالات: من العظمة والبقاء والملك والسلامة من الآفات والنقص وغير ذلك.
قال الخطّابي: (التحيّات لله): أي أنواع التعظيم له.
وقوله (لله): يفيد وجوب الإخلاص في العبادة.
-(والصلوات): أي جميع العبادات له استحقاقا بمقتضى العقل وبالشرع.
-(والطيّبات): أي الأعمال الطيّبات له تعالى يتوسّل بها إليه، وهو تعالى لا يقبل إلا طيبا.
-(السلام): اسم الله تعالى الدالّ على سلامته من كل نقص وعيب.
-(عليك أيها النبيّ): أمرهم أن يفردوه بالسلام ويقدّموه على أنفسهم لوجوب حقّه ومحبته عليهم.
والأحاديث متفقة على لفظ الخطاب والنداء "عليك أيها النبي" وقد عدل بعض الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى لفظ خطاب الغائب فقالوا: "السلام على النبي" كما ذكره البخاري في الاستئذان.
والأولى: اتباع لفظ الحديث كما عليه الجمهور من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم.


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 11:33 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس السادس: باب قول الله تعالى: {ملك الناس}
...
وفيه ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
12- حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقبضُ الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثمّ يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض)).
وقال شعيب، والزبيديّ، وابن مسافر، وإسحاق ابن يحيى، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، مثله. (7382)
...
الشرح:
...
معنى الملك
الملك هو المتصرّف بالأشياء حسب إرادته ومشيئته، لا رادّ لأمره، ولا معقّب لحكمه، وخصّ الناس لأنهم الذين يملكون بعض الأشياء، وفيهم ملوك، وهو تعالى ملك من يملك، وملك الملوك، فدخل غيرهم في المعنى.
قال الراغب: (الملك هو المتصرّف بالأمر والنهي).
قال الطبري: (الملك من المُلْك مشتق، والمالك من المِلْك).
-قوله: ( فيه ابن عمر): أي يدخل في هذا الباب حديث ابن عمر*، وهو كحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب سواء.
...

حديث أبي هريرة : (يقبض الله الأرض يوم القيامة ... )
ترجمة راوي الحديث
أبو هريرة عُرف بكنيته، واختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، وصحّح البخاري والنووي وغيرهما من الحفّاظ أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر.
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وهو يقسّم غنائم خيبر، ثم لازم الرسول صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا، فلم يشغله عن ملازمته أهل ولا مال.
وهو أحفظ الصحابة، بل أحفظ الأمة، ولهذا صار هدفا لأهل الإلحاد بسبب كثرة ما يغضبهم من مرويّاته.
توفي رضي الله عنه في المدينة وقيل بالعقيق سنة 57 أو 59 هــ، عن 78 سنة.
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه): القبض هو أخذ الشيء باليد وجمعه.
والطي: هو ملاقاة الشيء بعضه على بعض، وجمعه ولفّه، وهو قريب من القبض، وهذا من صفات الله تعالى الفعليّة، التي تتعلّق بمشيئته وإرادته، وهي ثابتة بآيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مما يجب الإيمان به؛ لأن ذلك داخل في الإيمان بالله تعالى، ويحرم تأويلها المخرج لمعانيها عن ظاهرها.
- وهو تعالى حيّ قيّوم، فعّال لما يريد، فمن أنكر قيام الأفعال الاختيارية به تعالى، فإنّ معنى ذلك أنه ينكر خلقه لهذا العالم المشاهد وغير المشاهد، وينكر قوله: إنه على كلّ شيء قدير.
فالعقل دلّ على ما جاء به الشرع، قال تعالى: {وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عما يُشركون}
وقوله: {ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟} أي: أنه تعالى ينفرد بالملك، فهو الملك حقّا الذي لا منازع له، ولا معاون، ولا ظهير، ولا شريك.
وفي ذلك اليوم ينادي الله تعالى الذين كانوا ينازعونه في الدنيا ملكه، ويتعدّون على سلطانه من المتكبرين والمتجبرين.
...
مذهب السلف أن مبنى أوصاف الله تعالى على ثبوت النص في ذلك
[وإبطال الأقوال الباطلة أو الضعيفة التي لا تؤيّدها النصوص]
قال أحد شرّاح صحيح البخاري: (وفي الحديث: إثبات اليمين صفة لله تعالى، من صفات الذات، وليست بجارحة، خلافا للمجسّمة)
قال الشيخ الغنيمان: قوله: (وليست بجارحة) من كلام أهل البدع، الذين عدلوا عما جاء في الكتاب والسنة من الألفاظ إلى ما ابتدعوه من الألفاظ الموهمة للنقص –تعالى الله-، توهّما منهم أن تلك الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة يتضمن ظاهرها التشبيه لصفات الخلق.
قال الشيخ الغنيمان: قوله: (خلافا للمجسّمة) مراده الذين آمنوا بمثل هذا النص على ظاهره، وقالوا إن لله يدين حقيقيتين بدون تأويل، كما هو الواجب على المسلم؛ لأنه صريح النصوص، وأيقنوا أن تأويل اليد واليمين ونحوها من صفات الله بالقوة أو القدرة، أو النعمة، أو ما أشبه ذلك تحريف كتحريف اليهود الذين حرّفوا الكلم عن مواضعه.
فهذا الشارح ومن على نهجه إلى اليوم يسمّون هؤلاء مجسّمة، ظنّا منهم أن من أثبت هذه الصفات على ظاهرها لزمه أن يكون مجسّما لربّه، ومشبّها له بأجسام الخلق، تعالى الله أن يكون له مثل أو شبيه.
قال شيخ الإسلام: (وليس هناك من أطلق لفظ الجسم، لكن نفاة الصفات يسمّون كل من أثبتها مجسّما)، فهم يطلقون لفظ المجسّمة والمشبّهة على أتباع السلف.
وقال: (لفظ الجسم لم يتكلّم به أحد من الأئمة والسلف في حقّ الله تعالى، لا نفيا ولا إثباتا، ولا ذمّوا أحدا ولا مدحوه بهذا الاسم، ولا ذمّوا مذهبا ولا مدحوه بهذا الاسم، وإنما تواتر عنهم ذم الجهميّة الذين ينفون الصفات، وذمّوا طوائف منهم، مثل المشبهة، وبيّنوا مرادهم بالمشبهة)
...
مقصود البخاري بهذه الترجمة
قال الحافظ: (الذي يظهر لي أنه أشار بهذه الترجمة إلى ما قاله شيخه نعيم بن حمّاد: يُقال للجهمية: أخبرونا عن قول الله تعالى بعد فناء خلقه: (لمن الملك اليوم) فلا يجيبه أحد، فيردّ على نفسه (لله الواحد القهّار) وذلك بعد انقطاع ألفاظ خلقه بموتهم، أفهذا مخلوق)
قال الشيخ الغنيمان: يظهر لي أن مراده بهذا الباب، كالباب الذي قبله؛ أنّ هذا الاسم الكريم (الملك) من أسماء الله الحسنى، وقد أطلق على بعض خلقه، ولم يكن في ذلك تشبيه، فالمعنى الذي يختصّ به الله تعالى لا يشاركه فيه أحد من خلقه، فهو مالك الملك، وله الملك التام المطلق، وهو الذي يهب للمخلوق الملك، مع أنّ ملك المخلوق ناقصا يناسب نقصه، قال تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتُعزّ من تشاء وتُذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}.
- وأما التوفيق بين الحديث والترجمة فظاهر: وهو أن الناس الذين يوجد منهم الملوك والجبابرة، والذين يذل لهم ويخضع بعض العباد، وقد يصرفون لهم ما هو خالص حقّ الله من العبادة، هؤلاء ملك له، تحت قهره، آخذ بنواصيهم، يتصرّف فيهم كيف يشاء، ويظهر ذلك جليّا لكلّ أحد، يوم يقبض الله الأرض ويطوي السماوات بيمينه.
________________________
* سيأتي حديثه إن شاء الله في ترجمة قوله تعالى: {لما خلقت بيديّ}


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 07:24 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس السابع: باب قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم}
{سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون}، {ولله العزة ولرسوله}، ومن حلف بعزّة الله وصفاته.

وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تقول جهنّم: قط قط وعزّتك)).
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يبقى رجل بين الجنة والنار، آخر أهل النار دُخُولا الجنة، فيقول: يا ربّ اصرف وجهي عن النار، لا وعزّتك لا أسألك غيرها)).
قال أبو سعيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عزّ وجل: لك ذلك وعشرةُ أمثاله))
وقال أيّوب: ((وعزتك، لا غنى بي عن بركتك))
13- حدّثنا أبو معمر، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا حُسين المُعلم، حدّثني عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((أعوذُ بعزّتك، الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون)). (7383)
14- حدّثنا ابن أبي الأسود، حدّثنا حرميّ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسام قال: ((لا يزال يُلقى في النار)).
وقال لي خليفة: حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس ح.
وعن معتمر، سمعت أبي، عن قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يُلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها ربّ العالمين قدمه، فينزوي بعضُها إلى بعض، ثم تقول: قد قد، بعزّتك وكرمك، ولا تزال الجنة تفضُل حتى يُنشئ الله لها خلقا فيُسكنهم فضل الجنة)). (7384)

الشرح:
معنى العزيز، والحكيم
العزيز: هو الذي له العزّة التامّة، والقوّة الكاملة، فلا يُعجزه شيء، القاهر لكلّ شيء، فلا يمتنع من قوّته شيء.
فالعزّة تتضمّن القوّة، وللّه القوّة جميعا.
يُقال: عزّ يَعَزّ بفتح العين: إذا اشتدّ وقوى، ومنه الأرض العزاز (الصلبة الشديدة).
وعزّ يَعِزّ بكسر العين: إذا امتنع ممن يرومه.
وعزّ يَعُزّ: إذا غلب وقهر.
والعزّ ضد الذلّ، والذل أصله الضعف والعجز، فالعزّ يقتضي كمال القدرة، ولهذا يوصف به المؤمن، ولا يكون ذمّا له، بخلاف الكبر.
قال رجل للحسن البصري: إنك متكبّر، فقال: لست بمتكبّر ولكني عزيز.
وقال تعالى: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين}
- وقال الحافظ: وقد تستعار العزّة للحميّة والأنفة، فيوصف بها الكافر والفاسق، وهي صفة مذمومة، ومنه قوله تعالى: {أخذته العزّة بالإثم}
وقد ترد العزّة بمعنى الصعوبة كقوله تعالى: {عزيز عليه ما عنتم}
وبمعنى الغلبة ومنه: {وعزّني في الخطاب}
وبمعنى القلّة كقولهم: شاة عزوز؛ إذا قلّ لبنها.
وبمعنى الامتناع كقولهم: أرض عزاز.
الحكيم: هو الذي يضع الأشياء مواضعها التي يحسن أن توضع فيها، ولا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، وهذا من أسمائه تعالى الحسنى التي كثر ذكرها في القرآن والسنة، وهو تعالى موصوف بالحكمة.
(سبحان ربك): أصل التسبيح عند العرب: التنزيه لله تعالى عن إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرّي من ذلك.
فالتسبيح تنزيه الله تعالى عمّا لا يليق بعظمته.
(سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون): أي ذي العزّة وصاحبها، فربّ بمعنى ذي وصاحب، والعزّة صفته، فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وأخذ اسمه العزيز منها.
(عما يصفون): أي تنزيها وتقديسا لذي العزة التي لا تُرام، عن الذي يصفه به المشركون من أن له صاحبة أو ولدا، أو شريكا، أو أن أحدا يتصرّف في ملكه بدون إرادته ومشيئته.
وقوله: (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين): أي لله القوة والغلبة والقهر.
والعزة من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعزته وقهر بها كلّ شيء، وكل عزّة حصلت لخلقه فهي منه.
وقوله: (ومن حلف بعزة الله وصفاته): مراده أنه قد ثبتت النصوص بالحلف بعزّة الله وصفاته، نحو كلماته، وقد تقرّر في الدين أنه لا يُحلف بغير الله تعالى، وأن الحلف بغيره شرك.
فيتبيّن بهذا: أن الحلف بقدرة الله وعزّته وسائر صفاته، أنه كالحلف به تعالى، وأن صفاته ليست مخلوقة؛ لأنه لا يجوز الحلف بالمخلوق، ولا منفصلة عنه.
مقصود البخاري بهذه الترجمة
يظهر أن مراد البخاري رحمه الله بهذا الباب: هو إثبات الصفات لله تعالى، والرد على من أنكرها، كالمعتزلة ومن تابعهم.
قال الشارح: ولا يقصد البخاري إثبات صفة العزة بخصوصها، بل مع سائر الصفات كما هو ظاهر.
حديث ابن عباس: (أعوذ بعزّتك، ... )
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (كان يقول): يدلّ على أنه سمع ذلك من النبيّ صلى الله عليه وسلم مرارا.
قوله: (أعوذ بعزّتك): العوذ هو الالتجاء والاعتصام.
وحقيقته: الهرب من المخوف إلى المجير العاصم، فالعائذ بالله تعالى قد هرب مما يخافه ويؤذيه إلى ربه ومالكه.
فالاستعاذة: هي الالتجاء إلى الله، والاحتماء بجنابه من شرّ كلّ ذي شرّ.
وعزّة الله تعالى صفته، فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله وأتقاهم له يتعوّذ بصفاته تعالى؛ لأن ذلك من عبادة الله، امتثالا لقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
وقوله: (الذي لا إله إلا أنت): أي أنت الإله الحق، الذي تجب عبادته على عباده.
(الذي لا يموت، والجنّ والإنس يموتون): والمعنى أن الخلق كلّهم يموتون، ولا يبقى إلا الحيّ القيّوم.
حديث أنس: (لا يزال يُلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ ... )
ترجمة راوي الحديث
أنس هو ابن مالك بن النضر بن ضمضم، الأنصاري، الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية عنه؛ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين.
فأتت به أمّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضت عليه أن يخدمه، فقبل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلازم النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر عشر سنوات، ودعا له صلى الله عليه وسلم بأن يكثر الله تعالى ماله وولده، وأن يدخله الجنة، قال أنس: (قد رأيت اثنتين، وأنا أرجو الثالثة).
توفي في البصرة سنة 93 هــ، وله مائة وثلاث سنوات، وهو آخر من مات في البصرة من الصحابة.
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (لا يزال يلقى فيها): والمعنى أنه يستمر إلقاء من يستحقّ النار فيها، وهي تطلب الزيادة منهم.
قوله: (حتى يضع فيها ربّ العالمين قدمه): وهذه الرواية هي المناسبة لهذا الباب، ولكنّ البخاري اكتفى بالإشارة إليها على عادته.
ففي الحديث البيان الواضح أن القدم صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته.
كما فيها إبطال تأويل المؤوّلة؛ نحو قولهم: (إن القدم عبارة عن إذلال جهنّم إذا بلغت في الطغيان، وقولهم: إن المراد بالقدم: الفرط السابق من المعذّبين؛ أي يضع الله فيها ما قدّمه لها من أهل العذاب، وقولهم: المراد بالقدم: قدم بعض المخلوقين)
فبطلان قول هؤلاء المعطّلة واضح وظاهر؛ وذلك من وجوه:
1: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حتى يضع، ولم يقل: حتى يلقى فيها.
2: أن قوله: (قدمه) لا يُفهم منه هذا الذي قالوه لا حقيقة ولا مجازا.
3: أن انزواءها واكتفاءها إنما يكون بأمر عظيم.
4: أن قوله: (فينزوي بعضها إلى بعض) دليل على أنها تنضم على من فيها فتضيق بهم، من دون أن يلقى فيها شيء.
5: أنه جعل وضع القدم الغاية التي إليها ينتهي الإلقاء، ويكون عند ذلك الانزواء، فيقتضي أن تكون الغاية أعظم مما قبلها.
يُضاف إلى ذلك: أن هذا الكلام الواضح البيّن الذي إذا سمعه السامع لم يتبادر إلى ذهنه إلا ظاهره اللائق بجلال الله تعالى، فلو كان ظاهره غير مراد للمتكلّم، لصار إلى الألغاز والتعميّة أقرب، ولا يكون المتكلّم بذلك قد أدّى ما وجب عليه من البلاغ والبيان؛ وهذا من أبطل الباطل.
قوله: (فينزوي بعضها إلى بعض): أي يلتئم بعضها على بعض، وتتضايق على من فيها.
قوله: (وتقول قد قد): وفي رواية: (قط قط) وهو اسم فعل، ومعناه: حسبي وكفاني ما ألقي فيّ.
قوله: (بعزّتك وكرمك): هذا محل الشاهد من الحديث لما ترجم به، وهو قسم من النار بعزّة الله وكرمه؛ أنها قد امتلأت.
قوله: (ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقا): أي أن أهل الجنة الذين يدخلونها ينتهون، وفيها فضل مساكن لم يصبها أحد لعظم سعتها؛ قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السماوات والأرض}، فيخلق الله لها خلقا جديدا فيسكنهم فضلها.
أما النار فالله تعالى لا يدخل فيها إلا من يستحقها، ولا يظلم ربك أحدا.


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 29 جمادى الآخرة 1435هـ/29-04-2014م, 05:12 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثامن: باب قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق}
..
15-حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان عن ابن جُريج عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل: ((اللهم لك الحمدُ، أنت ربّ السماوات والأرض، لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهنّ، لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، قولك الحقّ، ووعدك الحقّ، ولِقاؤك حقّ، والجنة حقّ، والنار حقّ، والساعة حقّ، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله لي غيرك))
حدثنا ثابت بن محمد، حدثنا سفيان بهذا وقال: ((أنت الحقّ، وقولك الحقّ)) . 7385
...
الشرح:
...

بيان المراد بقوله تعالى: {بالحق} في الآية(1)
...
قال القرطبي: "بالحق أي بكلمة الحق؛ يعني قوله: كن"
ومثله قال القسطلاني، ثم قال: "وقال ابن عادل في لبابه: قيل الباء بمعنى اللام، أي إظهارا للحقّ؛ لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته، فهو نظير قوله تعالى: {ما خلقت هذا باطلا}"
وقال الخازن: "يعني إظهارا للحقّ، فعلى هذا تكون الباء بمعنى اللام؛ لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته،
وقيل: خلقها بكمال قدرته، وشمول علمه، وإتقان صنعه، وكل ذلك حق.
وقيل: خلقها بكلامه الحق، وهو قول "كن" وفيه دليل على أن كلام الله تعالى ليس بمخلوق؛ لأنه لا يُخلق مخلوق بمخلوق"
وقال ابن الجوزي فيه أربعة أقوال:
أحدها: خلقهما للحقّ.
الثاني: خلقهما حقّا.
الثالث: خلقهما بكلامه، وهو الحقّ.
الرابع: خلقهما بالحكمة.
قال الحافظ: "كأنه أشار بهذه الترجمة إلى ما ورد في تفسير هذه الآية، أن معنى قوله: {بالحق} أي بكلمة الحقّ، وهو قوله: (كن)، ويدلّ عليه ما في أول الحديث: (وقولك الحق) ... "
قال الشارح: وبهذا يظهر مراد البخاري رحمه الله، فقوله تعالى حقّ، وهو صفة له.
...

حديث ابن عباس: (اللهم لك الحمد أنت ربّ السماوات والأرض ... )
...
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء بعد أن يكبّر تكبيرة الإحرام في تهجّده.
قوله: (اللهم لك الحمد): الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، و (ال) فيه للاستغراق؛ أي جميع الحمد واجب ومستحق لله تعالى، فهو المحمود على صفاته، وأسمائه وعلى نعمه وأياديه، وعلى خلقه وأفعاله، وعلى أمره وحكمه، فهو المحمود أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.
وأما الشكر: فلا يكون إلا على الصفات المتعدية، ويكون بالقلب واللسان والجوارح.
(أنت ربّ السماوات والأرض): أي أنت مالكهما ومن فيهما، والمتصرّف بهما بمشيئتك، وأنت موجدهما من العدم، فالملك لك.
(لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن): أي أنت الذي أقمتهما من العدم، والقائم عليهما بما يصلحهما ويقيمهما.
وفي رواية [قيم] ، وفي أخرى (قيوم) وكلها من أبنية المبالغة.
والقيم معناه: القائم بأمور الخلق ومدبرهم.
والقيوم: هو القائم بنفسه مطلقا، لا بغيره، ويقوم به كلّ موجود.
(لك الحمد أنت نور السماوات والأرض) قال الحافظ: أي منورهما، وبك يهتدي من فيهما.(2)
قال شيخ الإسلام في جواب من قال: إنه يجب تأويل قوله: (الله نور السماوات والأرض) قطعا، قال: "لا نسلم أنه يجب تأويله، ولا نسلم أن ذلك لو وجب قطعي، بل جماهير المسلمين لا يتأوّلون هذا الاسم، وهذا مذهب السلفية وجمهور الصفاتية من أهل الكلام والفقهاء والصوفية وغيرهم، وهو قول أبي سعيد بن كلاب، ورد على الجهمية تأويلهم (اسم النور) وكذا الأشعري".
وقد نص الله تعالى في كتابه أنه نور السماوات والأرض، وزاد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إيضاحا وبيانا، كما في هذا الحديث وغيره.(3)
قال تعالى: {الله نور السماوات والأرض}، وقال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها}.
وقد جاءت النصوص بتسمية الرب نورا، وبأن له نورا مضافا إليه، وبأنه نور السماوات والأرض، وبأن حجابه النور، فهذه أربعة أنواع:
فالأول: يطلق عليه تعالى اسما له، فإنه النور الهادي.
والثاني: يضاف إليه كما تضاف إليه حياته، وسمعه، وبصره؛ كقوله: "أوعوذ بوجهك"
والثالث: ويضاف نوره تعالى إلى السماوات والأرض: {الله نور السماوات والأرض}
والرابع: كقوله: "حجابه النور أو النار" كما في حديث أبي موسى.
قال ابن القيّم: "إضافة النور إلى الله تعالى على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله.
فالأول: كقوله عزوجل: {وأشرقت الأرض بنور ربها}
والثاني: ما ذكر في قوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة فيها مصباح}، والمعنى: مثل نور الله في قلب عبده المؤمن.
وأعظم عباده نصيبا من هذا النور رسوله صلى الله عليه وسلم.
(قولك الحقّ): أي أنت قلته حقّا، فهو صفتك.
وهذه الجملة هي محل الشاهد من الحديث؛ حيث وصف قوله تعالى بأنه الحقّ، فلا يجوز أن يكون مخلوقا، كما تزعم الفرق الضالّة من المعتزلة وغيرهم.
(ووعدك الحق): أي لابد من وقوعه.
(ولقاؤك حق): أي لابد للعباد من ملاقاتك، فتجازيهم على أعمالهم، واللقاء يتضمّن الرؤية والمعاينة.
(والجنة حقّ، والنار حقّ): أي ثابتتان موجودتان.
(والساعة حق): أي مجيء يوم القيامة حقّ لا مرية فيه، فهو ثابت لابد منه.
(اللهم لك أسلمت): أي أذعنت لأمرك، وانقدت له، وخضعت لحكمك.
(وبك آمنت): أي صدقت وعملت بمقتضى ذلك.
(وعليك توكلت): أي اعتمدت عليك، ووكلت أموري إليك، راضيا بما قضيته لي، بعد أن فعلت الأسباب التي جعلتها إليّ.(4)
(وإليك أنبت): أي رجعت إليك طائعا منقادا مذعنا خاضعا لك في جميع أموري.
(وإليك حاكمت): أي كل من أبى قبول الحقّ أو جحده حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيني وبينه مجانبا بذلك حكم كل طاغوت.
وقدّم صلات هذه الأفعال كلّها لإرادة التخصيص والحصر؛ أي: أخصّك يارب وحدك فيما ذكر، ولا أعدو ذلك بحال من الأحوال.
وفي هذا الحديث قدّم الثناء على الله تعالى بأن له الحمد، وبما ذكر من صفاته، ثم توسّل إليه تعالى بإيمانه بأن قوله حق، ووعده حق، إلى آخر ما ذكر، ثم بعد ذلك سأل حاجته وهي أن يغفر له ما قدم من خطأ أو تقصير وما أخر وما أسرّ، وما أعلن.
ثم ختم ذلك بأنه لا مفزع ولا ملجأ له غير ربه تعالى فهو إلهه الذي يعبده بما ذكر.
وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل وفرضه الله على عباده.
(فاغفر لي ما قدمت): أصل الغفر: الستر مع الوقاية.(5)
(ما قدمت): أي قبل وقتي هذا.
(وما أخرت): أي بعد وقتي هذا.
وفي هذا الحديث وأمثاله دليل على وقوع الذنوب من الأنبياء؛ إذ لو لم يكن له ذنب كيف يسأل المغفرة؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر خطئي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدّي، وخطئي وعمدي، وكلّ ذلك عندي.)).
_______________________________________________
(1)قال الشيخ ابن عثيمين: الباء للملابسة والغاية؛ يعني خلقهما حقّا لم يخلقهما أحد سواه، وخلقهما للحقّ كما هو في قوله تعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحقّ}]
(2) وقد فسَّرَ قَولَهُ: {اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ} بكَونِه مُنَوِّرَ السماواتِ والأرضِ، وهَادِيَ أَهْلِ السماواتِ والأرضِ.
فبنُورِه اهتدَى أهلُ السماواتِ والأرضِ، وهذا إنما هو فِعْلُه، وإلا فالنورُ الذي هو من أوصافِه قائمٌ به، ومنه اشتَقَّ له اسمَ النورِ الذي هو أَحَدُ الأسماءِ الحُسْنَى. [حاشية المرتبع الأسنى (معنى اسم النور)]
(3) فالقرآنُ والسُّنَّةُ وأقوالُ الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم مُتَطَابِقَةٌ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَتُصَرِّحُ بالفرقِ الذي بينَ النورِ الذي هوَ صِفَتُهُ، والنورِ الذي هوَ خَلْقٌ منْ خلقِهِ، كما تُفَرِّقُ بينَ الرحمةِ التي هيَ صفتُهُ، والرحمةِ التي هيَ مخلوقةٌ، ولَكِنْ لَمَّا وُجِدَتْ في رحمتِهِ سُمِّيَتْ بِرَحْمَتِهِ، وكما أنَّهُ لا يُمَاثِلُ في صفةٍ منْ صفاتِهِ خَلْقَهُ، فكذلكَ نُورُهُ سُبْحَانَهُ.
... والأمرُ أعظمُ منْ أنْ يَصِفَهُ واصِفٌ، أوْ يَتَصَوَّرَهُ عَاقِلٌ، فَتَبَارَكَ اللهُ ربُّ العالَمِينَ الذي أَشْرَقَت الظُّلُمَاتُ بنورِ وجهِهِ، وَعَجَزَت الأفكارُ عنْ إدراكِ كُنْهِهِ، وَدَلَّت الآياتُ وَشَهِدَت الفِطَرُ باستحالةِ شِبْهِهِ،فَلَوْلا وَصْفُ نفسَهُ لعبادِهِ لَمَا أَقْدَمُوا على وصفِهِ، فهوَ كما وَصَفَ نفسَهُ وَأَثْنَى على نفسِهِ، وَفَوْقَ ما يَصِفُهُ الواصفونَ). [حاشية المرتبع الأسنى: (معنى اسم النور)]
(4) قال الشيخ ابن عثيمين: التوكل على الله تعالى هو توكل افتقار وتفويض.
(5) قال ابن عثيمين: المغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه.


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 رجب 1435هـ/6-05-2014م, 09:42 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس التاسع: باب {وكان الله سميعا بصيرا}

وقال الأعمش، عن تميم، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمدلله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم: {قد سمع الله قول التي تُجادلك في زوجها}.
16- حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيّوب، عن أبي عثمان، عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكُنّا إذا علونا كبّرنا، فقال: ((اربعوا على أنفسكم، فإنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا))، ثم أتى عليّ وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: ((يا عبد الله ابن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة))، أو قال: ((ألا أدلّك)). (7386)
17- حدثنا يحيى بن سليمان، حدثني ابن وهب، أخبرني عمرو، عن يزيد، عن أبي الخير:سمع عبد الله بن عمرو: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يارسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي.
قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي من عندك مغفرة، إنك أنت الغفور الرحيم)). (7387 ، 7388)
18- حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عُروة: أن عائشة رضي الله عنها حدّثته: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن جبريل عليه السلام ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردّوا عليك)). (7389)

الشرح:
مقصود البخاري بهذه الترجمة
يريد رحمه الله بهذه الترجمة بيان أن هاتين الصفتين –السمع والبصر- ثابتتان لله بالكتاب والسنة وإجماع أتباع الرسل، وبالعقل، والفطرة، وبيان أن الله تعالى لم يزل بصفاته.
وبيان أن المنكرين لهاتين الصفتين قد ضلّ عن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبع غير سبيل المؤمنين.
قال الشارح: الحامل على إنكار ذلك هو الجهل بالله تعالى، والقياس الفاسد، حيث قاسوا ذلك على ما يعرفون من أنفسهم بأن السمع ينشأ عن وصول الهواء إلى عصب الصماخ، والبصر عبارة عن وقوع أشعة الإبصار على جسم مقابل؛ قالوا: وهذا لا يكون إلا من جوارح وأجسام.
فيقال لهم: هذه صفة أسماعكم وأبصاركم، أما ربّ العالمين فصفاته تابعة لذاته، وذاته ليس لها نظير أو شبيه، فكذلك صفاته تعالى.
قال الحافظ: (قال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على من قال إن معنى (سميع بصير) عليم، قال: ويلزم من قال ذلك أن يسويه بالأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء، ولا يراها، والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتا، ولا يسمعها، ...
وقال: فصح أن كونه سميعا بصيرا يفيد قدرا زائدا على كونه عليما.
ويتضمن أنه يسمع بسمع، ويبصر ببصر، كما تضمّن كونه عليما أنه يعلم بعلم، ولا فرق بين إثبات كونه سميعا بصيرا، وبين كونه ذا سمع وبصر، وهذا قول أهل السنة قاطبة)
قوله تعالى: {وكان الله سميعا بصيرا}: (كان) تدلّ على الدوام والاستمرار الذي يعمّ جميع الأوقات.
أثر عائشة رضي الله عنها: (الحمدلله الذي وسع سمعُه الأصوات ... )
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (وسع سمعه الأصوات): أي استوعبها وأدركها فلا يفوته منها شيء وإن خفي.
فحينما ذكرت المرأة قصتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: (قد حرمت عليه)، جعلت تقول بصوت منخفض يخفى على عائشة مع قربها منه: بعدما كبرت سنّي ظاهر منّي؟ إلى الله أشكو صبية إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن تركتهم عنده ضاعوا، فهذه مجادلتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله تعالى بقوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وهذا من أبلغ الأدلة على اتصاف الله تعالى بالسمع.
- وقول عائشة هذا يدلّ على أن الصحابة رضي الله عنهم آمنوا بالنصوص على ظاهرها الذي يتبادر إلى الفهم، وأن هذا هو الذي أراده الله منهم ومن غيرهم من المكلفين ورسوله صلى الله عليه وسلم....
حديث أبي موسى الأشعري: (اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ... )
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا): هذا مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فكان يكبر إذا علا نشزا، ويسبح إذا هبط في منخفض من الأرض.
قوله: (قال: اربعوا على أنفسكم): أي ارفقوا بأنفسكم، فلا تكلّفوها برفع أصواتكم، فإنه لا حاجة إلى ذلك، فإن من تكبرونه وتسبحونه سميع بصير.
قوله: (فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا): الصمم: انسداد الأذن، وثقل السمع، بحيث لا يسمع الأصوات، وقيل: انسداد الأذن، وذهاب سمعها.
قوله: (غائبا): أي ليس بعيدا ومستور الرؤية والسمع عنكم، فيحتاج إلى المناداة ورفع الأصوات، كما قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون}
ولهذا قال: (تدعون سميعا بصيرا قريبا) وهذه صيغ مبالغة لله؛ لأن له تعالى تمام الكمال من هذه الصفات، فلا يفوت سمعه أي حركة، ولا يحجب بصره شيء من الحوائل، وهو معكم قريب، ومع ذلك هو على عرشه عال فوق جميع مخلوقاته.
قوله: (قل: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة): الكنز هو المال النفيس المحفوظ، والجمع والادخار يسمى كنزا.
وكنز الجنة: الأعمال الصالحة الفضيلة التي يقبلها الله ويرضاها، فيحفظها ويدخرها لصاحبها، فيكون سببا في دخوله الجنة ورفع منزلته فيها.
ومعنى هذه الكلمة: لا تحوّل من حالة إلى أخرى ولا انتقال من أمر إلى آخر ولا قوة ولا قدرة على ذلك إلا بالله.
حديث عبد الله بن عمرو: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ...)
ترجمة راوي الحديث
عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، أبو محمد، أسلم قديما، وكان من أفاضل الصحابة وعبّادهم، ومن العلماء المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل توفي في مصر، وقيل: في الطائف، وقيل في مكة، وقيل في فلسطين، سنة ثلاث وستين عن اثنتين وسبعين سنة.
- أما أبوبكر فهو: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن بن سعد بن تيم بن مرة القرشي.
كان أبيض نحيفا خفيف العارضين، وهو أفضل من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من أسلم من الرجال.
ولسرعته إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وشدّة قبوله لقوله سمّي (الصديق).
توفي رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة من الهجرة، ودُفن جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم.
شرح ألفاظ الحديث
قوله: (إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا): الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهذا يدل على أن الإنسان لا ينفك عن الذنوب والتقصير في حقوق الله.
قوله: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت): المقصود محو الذنوب ووقاية تبعاتها، وهذا لجوء إلى التوحيد؛ وأنه لا مفرّ ولا ملجأ يفزع إليه في غفران الذنوب، ووقاية شرّها إلا الله وحده.
قوله: (فاغفر لي من عندك مغفرة): أي أنه لا حيلة لي ولا خلاص إلا بأن تَمُنّ عليّ أنت وحدك بالمغفرة.
(من عندك): ليبيّن الاختصاص؛ أي أن المغفرة منك وحدك تفضل بها عليّ بدون استحقاق، بل هي محض جودك وكرمك.
- والمقصود من الحديث في هذا الباب: أن المدعوّ لابد أن يكون سميعا يسمع دعوة الداعي إذا دعاه، بصيرا بحاله فيوصل إليه ما طلب بقدرته، وإلا تكون دعوته ضلال وسُدى، ففي الدعاء واستجابة الله تعالى لعبده الدّاعي برهان على أنه سميع بصير قادر حي عليم.
حديث عائشة رضي الله عنها: (إن جبريل ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك ... )
اختصر البخاري هذا الحديث فذكر الشاهد منه.
وفي الحديث البيان الواضح أن الله تعالى يسمع أقوال عباده وأنه لا يخفى عليه تعالى من ذلك شيء.
حكم من أنكر ذلك
ومن أنكر ذلك عرف به وأعلم إن كان جاهلا، وإلا حكم عليه بالكفر لإنكاره الحق الواضح الواجب اعتقاده والإيمان به؛ لأنه أنكر ما ثبت وتواترت عليه كتب الله، وجاءت به جميع الرسل، فهو أمر ضروري.


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 16 رجب 1435هـ/15-05-2014م, 09:10 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الحادي عشر: باب قول الله تعالى: {قل هو القادر}
....
19- حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن بن عيسى، حدثني عبد الرحمن بن أبي الموالي قال: سمعتُ محمد بن المنكدر يُحدث عبد الله بن الحسن يقول: أخبرني جابر بن عبد الله السلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلّمهم السورة من القرآن، يقول: ((إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر -ثم يسمّيه بعينه- خيرا لي في عاجل أمري وآجله –قال: أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)). (7390)
...
الشرح:
مقصود البخاري من هذه الترجمة
...
إثبات صفة القدرة لله تعالى، وأنه قدرته عامة لكل مقدور، والرد على القدرية نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم الذين يقيّدون قدرة الله تعالى.
ولهذا اقتصر على هذا القدر من الآية.
...
[فصل]
...
فعند أهل السنة أن الله على كل شيء قدير، وكل ممكن فهو مندرج في هذا، وأما المحال لذاته مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما، فهذا لا حقيقة له، ولا يتصوّر وجوده، ولا يسمّى شيئا باتفاق العقلاء.
والشيء في الأصل: مصدر شاء، يشاء، شيئا، كنال، ينال، نيلا، ثم وضعوا المصدر موضع المفعول، فسمّوا (المشاء) شيئا، كما سمّوا (المنال) نيلا، فقوله تعالى: {على كل شيء قدير} أي على كلّ ما يشاء، فمنه ما قد شاءه فوجد، ومنه مالم يشأه فلم يوجد، وهو شيء في العلم، بمعنى أنه قابل لأن يشاءه.
فلفظ الشيء في الآية يتناول: ما وجد، وما يتصوره الذهن موجودا.
ولا يستثنى من ذلك شيء، لا أفعال العباد، ولا أفعاله تعالى سواء المتعدية أو اللازمة.
والقدرة تتعلق بكلّ ما تتعلق به المشيئة، فإنّ ما شاء الله كان، ولا يكون شيء إلا بقدرته تعالى، ولهذا قال تعالى: {وهو على كل شيء قدير}، {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير}، فهذا العموم يتناول ما كان في الخارج والعلم، وما كان في العلم فقط.
بخلاف ما لا يجوز أن تتناوله المشيئة: وهو الحقّ تعالى وصفاته، أوالممتنع لنفسه فإنه غير داخل في هذا العموم لأنه ليس بشيء. (1)
...
حديث جابر بن عبد الله: (اللهم إني أستخيرك بعلمك ...)
...
ترجمة راوي الحديث
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي من أكابر علماء الصحابة، والحريصين على تحصيل العلم، فقد ذُكر أنه رحل من المدينة إلى مصر من أجل حديث واحد كما ذكر البخاري في (صحيحه) معلّقا.
كان حافظا مكثرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مفتي المدينة في زمانه، توفي سنة 78 هـــ عن 94 سنة.
شرح ألفاظ الحديث
قوله (يعلمنا الاستخارة): أي صلاتها ودعاؤها، وهذا من تمام شفقته على أمته، وحرصه على حصول الخير لهم، ودفع كل شرّ عنهم.
وبمثل هذا يُعلم أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليترك باب ما يعتقدونه في ربّهم من الإيمان بأسمائه وصفاته، وما يجب وما يمتنع عليه، ما كان ليترك ذلك بدون إيضاح وبيان وهذا واضح جلي من دعوته صلى الله عليه وسلم ومن حاله وهو موجب الرسالة.
(الاستخارة): طلب الخير من أحد الأمرين، الفعل لما همّ به، أو الترك.
وهي مشروعة في عامة الأمور كما يدلّ عليه هذا الحديث [يخرج من هذا العموم الواجب والمحرم، وأما المستحبّ والمكروه ففيهما تفصيل]
قوله (كما يعلمنا السورة من القرآن): بيان لشدّة الاهتمام بها والاعتناء، وهذا من محاسن الإسلام الظاهرة لكلّ عاقل، وقد كان العرب قبل ذلك إذا همّ أحدهم بالأمر ذهب يستقسم بالأزلام أو ذهب إلى الكهنة وغير ذلك من أمور الشرك بالله، فعوّضهم الإسلام عن ذلك بالفزع إلى من بيده أزمّة الأمور، فيقدّمون بين يديّ ذلك ركعتين، لتكون وسيلة بين يدي الطلب ثم يتوجّهون إلى ربهم بهذا الدعاء.
قوله (ليركع): أمر بالركوع، يُحمل على الندب، للأدلة الدالّة على عدم الوجوب.
قوله (من غير الفريضة): يدلّ على عدم حصول سنة الاستخارة بالدعاء عقب صلاة الفرض، بل لابد أن تكون بركعتين غير الفريضة، ثم يدعو بهذا الدعاء.
قوله (اللهم إني أستخيرك): أي أطلب منك بيان وتيسير ما هو خير لي.
(بعلمك): أي أسألك وأتوسل إليك بصفتك؛ صفة العلم، فإنك عالم لا يخفى عليك شيء.
وهذا صريح في إثبات صفة العلم لله تعالى ودعائه به.
قوله (وأستقدرك): أي أسألك أن تجعلني قادرا على فعل ما أريد، وتهيئ أسباب ذلك لي.
(بقدرتك): هذا سؤال الله تعالى بصفته التي هي القدرة؛ أي أنت القادر الذي لا يعجزه شيء، فأسألك بهذه القدرة العظيمة أن تنيلني ما أريد، وهذا هو محل الشاهد من الحديث للباب.
ثم عاد إلى التوسّل بهاتين الصفتين (فإنك تقدر، ولا أقدر).
قوله (وأنت علّام الغيوب): أي ذلك خاص بك لا يعلمه سواك.
قوله (ثم تسمّيه بعينه): ظاهر في أنه يتلفّظ به معيّنا له باسمه، ليكون بذلك أقوى على اجتماع العزم على طلبه.
قوله (في عاجل أمري وآجله): أي في دنياي وآخرتي.
(أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري): شك من الراوي، والمعنى واحد.
قوله (فاقدره لي، ويسره لي): أي اقض به لي، واجعلني قادرا على الحصول عليه، وسهّل لي أسبابه بحيث أناله بلا مشقّة وكلفة، وفيه: أنه لا يحصل شيء إلا بسبب.
قوله (ثم بارك لي فيه): اجعل فيه بركة تنمّيه وتزيده.
قوله (اللهم إن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال عاجل أمري وآجله- فاصرفني عنه): أي هيئ الأسباب التي تصرف قلبي وتثني عزمي عن فعله.
قوله (واقدر لي الخير حيث كان): أي اقدر لي فعل ما فيه خير لديني ودنياي، في أي مكان وفي أي وقت.
قوله (ثم رضّني به): أي اجعلني رضيّا به قانعا، مستغنيا عن خلقك، مستعينا به على طاعتك وشاكرا لك.
______________________________________________________
(1) وأما الممتنع لغيره مثل ما علم الله أنه لا يكون، وأخبر أنه لا يكون، وكتب ذلك، فهذا ممتنع؛ لأنه لو كان للزم أن يكون علم الله متخلفا عن معلومه، وخبره بخلاف الواقع –تعالى عن ذلك- كقوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة}

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 28 رجب 1435هـ/27-05-2014م, 06:10 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الحادي عشر: باب مقلب القلوب
وقول الله تعالى: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم}
...
20- حدثني سعيد بن سليمان، عن ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن عبد الله قال: أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف: ((لا ومقلّب القلوب)). (7391)
...
الشرح:
المراد بتقليب القلوب
-قال الراغب: (تقليب الشيء: تغييره من حال إلى حال، والتقليب: التصرف، وتقليب الله القلوب والبصائر: صرفها من رأي إلى رأي)
-قال ابن عباس: "لما جحد المشركون ما أنزل الله، لم تثبت قلوبهم على شيء، وردّت عن كلّ أمر"
-وقال مجاهد: "ونحول بينهم وبين الإيمان، ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة".
-قال الحافظ: المراد بتقليب القلوب: تقليب أعراضها وأحوالها، لا تقليب ذات القلب.
أخبر تعالى أنه يعاقب من لا يقبل الحقّ أو يردّه أوّل ما يبلغه بتقليب القلب، وتركه يعْمه في ضلاله وغيّه، كما في هذه الآية المذكورة في الباب، وكما في قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}.
...
مقصود البخاري من هذه الترجمة
مراد البخاري رحمه الله وصف الله تعالى بأنه المتفرّد بالتصرف في خلقه حتى قلوب العباد التي تنطوي على آرائهم، ونيّاتهم، وما يخططون لمستقبلهم، يرى الكثير أو أكثرهم في الظاهر أنهم أحرار في أفكارهم وما يريدون، والواقع أن الله تعالى هو الذي يصرّفهم في ذلك، فلا قدرة لهم إلا بعد مشيئته.
وبهذا يشير البخاري رحمه الله إلى تمام قدرة الله التي سبق ذكرها في الباب قبل هذا، حيث بيّن بهذا أنّ الله هو المتصرف بالقلوب، فإن شاء جعلها مريدة للخير، وإن شاء جعلها مريدة للشرّ.
وبذلك يُعلم أنه لا قدرة لأحد على شيء إلا بعد أن يجعله الله قادرا عليه، خلافا لما يقوله الضالّون عن الحقّ، من أهل البدع والانحراف.
...
حديث عبد الله بن عمر: (لا ومقلّب القلوب)
قال الحافظ: (في هذا الحديث دليل على أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى، وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به.)
ففي هذا الحديث: أن الله تعالى هو الذي يتولى قلوب العباد يصرّفها كيف يشاء، وهذا من تمام ملكه، فلا ينازعه أحد في التدبير والتصرّف، ولا يقع في الوجود إلا ما أراده، وبهذا يُعلم مدى حاجة العبد إلى ربّه، وأنه لا غنى له عنه طرفة عين، فلابد له من هدايته وتوفيقه، وإلا ضلّ وتاه، وهذا لا ينافي تكليف العباد بالأعمال التي يترتب عليها الجزاء.
-وفي صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلّها بين إصبعين، من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه كيف يشاء)).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم مصرّف القلوب، صرّف قلوبنا على طاعتك)).
...
فوائد الحديث:
-فيه بيان أن الله تعالى إذا منع فضله الإنسان بالهداية، أنه يكون منحرفا ضالّا.
-قال البيضاوي: في نسبة تقلّب القلوب إلى الله إشعار بأنه يتولّى قلوب عباده ولا يكلها إلى أحد من خلقه. (1)
-فيه أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى.
-وفيه جواز تسمية الله تعالى بما ثبت من صفاته على الوجه الذي يليق به.
-بيان مدى حاجة العبد إلى ربّه، وأنه لا غنى له عنه طرفة عين، فلابد له من هدايته وتوفيقه وإلا ضلّ وتاه.
____________________________________
(1) الفتح(كتاب التوحيد): ج15، باب11/ ص9190 .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 19 شعبان 1435هـ/17-06-2014م, 04:52 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثاني عشر: باب إن لله مائة اسم إلا واحدة
...
قال ابن عباس: (ذو الجلال): العظمة، (البرّ): اللطيف.
21: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدّثنا أبو الزنّاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أنّ رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة)). (7392)
أحصيناه: حفظناه.
...
الشرح:
...
مقصود البخاري بهذه الترجمة
وجوب إثبات أسماء الله تعالى على ما ورد في الكتاب والسنة،
وأنّ ذلك من التوحيد الذي بيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعا أمّته إلى الإيمان به ووجوب اعتقاده، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحدون في أسمائه سيُجزون ما كانوا يعملون}
فأسماؤه تعالى دالّة على كمال عظمته، وبذلك كانت حسنى، أمّا الأسماء التي لا تدلّ على صفات الكمال فليست بحسنى، وكذلك إذا اشتركت دلالتها بين الكمال والنقص، أو دلّت على مجرّد علم محض، مثل إبراهيم وزيد، فلا تكون حسنى حتى تدلّ على كمال الصفة التي اشتقّ منها الاسم مثل (العليم) فإنّه يدلّ على أنّ له علما عامّا محيطا بجميع الأشياء، ومثل (القدير) الدّال على قدرته التي لا يعجزها شيء.
ولكونها حسنى أوجب على عباده دعاءه بها، وتوعّد الملحدين بها.
- قوله: ( إن لله مائة اسم إلا واحدة): التأنيث في لفظة (واحد) نظرا إلى التسمية أو الكلمة، قال ابن مالك: "أنّث باعتبار معنى التسمية، أو الصفة، أو الكلمة".
...
أثر ابن عباس: (ذو الجلال: العظمة، البرّ: اللطيف)
شرح المفردات:
قوله: (ذو الجلال: العظمة): أي صاحب العظمة، الذي لا تقاس عظمته بشيء من خلقه جلّ وعلا.
وأمّا (البرّ): فهو المحسن غاية الإحسان إلى خلقه من غير استحقاق ولا مقابل .
وأمّا (اللطيف): فهو العالم بالخفيّات، ودقائق الأمور، وغوامضها، والله أعلم.
وقال الزجاج: (اللطيف) المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون.
...
حديث أبي هريرة مرفوعا: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا)
شرح ألفاظ الحديث:
أحصيناه: حفظناه.
- قال جماعة من العلماء: الحكمة في قوله: (مائة إلّا واحدا) بعد قوله: (تسعة وتسعين)؛ أن يقرر ذلك في نفس السامع، أو دفعًا للتصحيف الخطّي أو اللفظي.
قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا): هذا لا يقصد به حصر أسماء الله تعالى في هذا العدد المذكور، وإنّما قصد الإخبار عمّا يترتّب على إحصائها وجزائه، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، بدليل ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أصاب أحدًا قط همّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم سمّيت به نفسك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب الله همّه وحزنه، وأبدله مكانه فرحًا.)) سنده صحيح.
- قوله: (من أحصاها دخل الجنة): اختلف في المقصود من الاحصاء، وربما فُهم من صنيع البخاري أنه يرى أن إحصاءها هو حفظ ألفاظها، كما فهم من ذلك الحافظ ابن حجر، وفي ذلك نظر، وذلك أن عادة البخاريّ التي سار عليها في كتابه هذا: أنه إذا جاء لفظ في الحديث، وفي القرآن لفظ يوافقه في اللفظ والاشتقاق؛ أنه يذكره وإن كان لا يوافقه في المعنى، فهو في قوله: (أحصيناه: حفظناه) يشير إلى قوله تعالى: {وكلّ شيء أحصيناه في إمام مبين}
قال الأصيلي: "إحصاؤها العمل بها، لا عدّها وحفظها؛ لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق كما في حديث الخوارج: ((يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم))"
- وذكر ابن القيّم لإحصائها ثلاث مراتب:
الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
الثالثة: دعاؤه تعالى بها.
- قال أبو عمر الطلمنكي: "من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحقّ بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالأسماء والصفات، وما تتضمّنه من الفوائد، وتدلّ عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالمًا لمعاني الأسماء ولا مستفيدًا بذكرها ما تدلّ عليه من المعاني".
...
فوائد الباب:
- وجوب الإيمان بما لله تعالى من الأسماء الحسنى الدالّة على عظيم جلاله وسعة أوصافه.
- المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعًا وتسعين اسمًا))، الإخبار عمّا يترتّب على إحصائها من دخول الجنة، لا الإخبار بحصرها في هذا العدد.
فالتقييد بهذا العدد عائد إلى الأسماء الموصوفة بهذه الصفة وهي قوله: ((من أحصاها دخل الجنة)).
- قال ابن بطال: له تعالى أسماء يستحبّ الاقتداء بها في معانيها: كالرحيم، والكريم، والعفو ونحوها، فيستحب للعبد أن يتحلّى بمعانيها ليؤدّي حقّ العمل بها.(1)
- من مراتب إحصاء الأسماء الحسنى؛ دعاء الله تعالى بها، فيسأل العبد ربّه في كلّ مطلوب بما يناسبه ويقتضيه من الأسماء الحسنى والصفات العليّة الكريمة فيقول: اللهم اغفر لي وارحمني إنّك أنت الغفور الرحيم، وهذا من أعظم الوسائل إلى الله تعالى وأنفعها.
______________________________
(1) الفتح (كتاب التوحيد): [باب12، ج15/ ص 9191]

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 26 شعبان 1435هـ/24-06-2014م, 05:25 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثالث عشر: باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها
....
22: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء أحدُكم فراشَه فلينْفُضْه بِصَنِفَة ثوبه ثلاث مرّات، وليقُل باسمك ربّ وضعتُ جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين)). (7393)
- تابعه يحيى وبشر بنُ المُفضّل، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- وزاد زُهير وأبو ضمرة وإسماعيل بن زكريّا، عن عبيد الله، عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
- ورواه ابنُ عجلان، عن سعيدٍ، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
23: حدثنا مسلم، حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن ربعيّ، عن حذيفة قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: ((اللهم باسمك أحيا وأموت))، وإذا أصبح قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.)) (7394)
24: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان، عن منصور، عن ربعيّ بن خراش، عن خرشة بن الحرّ، عن أبي ذرّ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: ((باسمك نموت ونحيا)).
فإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)) (7395)
25: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن كُريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنّ أحدَكم إذا أراد أن يأتي أهْلهُ فقال: باسم الله، اللهمّ جنبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولدٌ في ذلك، لم يضرّه شيطانٌ أبدًا)) (7396)
26: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا فضيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن همّام، عن عدِيّ بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أُرسلُ كِلابي المعلّمة، قال: ((إذا أرسلت كلابك المعلّمة وذكرت اسم الله فأمسكن فكُل، وإذا رميت بالمعراض فَخَزَقَ فكُلْ)) (7397)
27: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشامَ بن عُروةَ يُحدّثُ عن أبيه، عن عائشة قالت: قالوا: يا رسول الله، إنّ هاهنا أقواما حديثٌ عهدهم بشركٍ، يأتونا بلُحمان، لا ندري يذكرون اسم الله عليْها أم لا؟ قال: ((اذكروا أنتم اسم الله وكُلُوا)) (7398)
- تابعه محمد بن عبد الرحمن، والدّراورْديّ، وأُسامة ابن حفصٍ.
28: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنسٍ قال: ضحّى النبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين، يُسمّي ويُكبّر. (7399)
29: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن الأسود بن قيسٍ، عن جُندب: أنه شهد النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم النحر صلّى ثم خطب، فقال: ((من ذبح قبل أن يُصلّي فليذبح مكانها أُخرى، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) (7400)
30: حدثنا أبو نُعيم، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله)) (7401)
الشرح:
معنى السؤال والاستعاذة
السؤال: هو الطلب بذلّ وخضوع وافتقار.
والاستعاذة: هي العوذ والاحتماء بمن يدفع المكروه، ويرفع البلاء بعد نزوله.
وهما من أفضل أنواع العبادة.
...
مقصود البخاري بهذه الترجمة
أراد البخاري –رحمه الله- بهذا الباب أن يبيّن معنى دعاء الله تعالى بأسمائه الذي أمر الله به، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيّنه.
قال ابن بطال: مقصوده بهذه الترجمة تصحيح القول بأن الاسم هو المسمّى (1)، فلذلك صحت الاستعاذة بالاسم كما تصحّ بالذات.
قال الشيخ الغنيمان: هذا بعيد عن مقصود البخاري –رحمه الله-، وإنما مقصوده بيان كيفية دعاء الله وعبادته بأسمائه التي أمر أن يُدعى بها ويُعبد، بقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
وبيّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله، وأمره، كما في الأحاديث التي ذكرت في هذا الباب وغيرها.
...
حديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا جاء أحدُكم فراشه، فلينفُضْه بِصَنِفَةِ ثوبه ثلاث مرّات، ... )
العبد الصادق العبوديّة، لا ينفك عن عبادة ربّه، في أمور حياته كلّها، في خروجه من بيته، وفي دخوله، وفي أكله وشربه، وفي نومه ويقظته، وفي مقارفته لأهله، ومعاملته للناس، ولذلك أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا النوع من العبادة، في هذا الحديث وغيره، عند النوم، والاستيقاظ منه، وهو من عبادة الله ودعائه بأسمائه.
شرح ألفاظ الحديث:
قوله: (فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات) : صنفة الثوب: طرفه من الداخل، لما في الرواية الأخرى: ((داخلة إزاره))، ولو فعل ذلك بغير طرف ثوبه حصل المقصود.
والحكمة في ذلك: إزالة ما لعلّه يكون فيه ممّا يؤذيه، وأمر بأن يكون ذلك ثلاث مرّات، للمبالغة، وليكون ذلك وترًا؛ إذ الوتر معتبر في الشرع.
قوله: (وليقل: باسمك ربّ وضعت جنبي وبك أرفعه): لمّا كان النوم نوعًا من الموت، وقد يموت فيه حقيقة، لجأ إلى ربّه بذكر اسمه، داعيًا ومتبركًا به، وسائلًا به المغفرة، وهي ستر الذنوب، العفو عنها، إن أمسك نفسه –أي قبضها في النوم-، فلم يردّها إلى بدنها.
قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيُمسك التي قضى عليْها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمّى إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون}
قوله: (وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) أي: إن رددتها إلى بدنها، فاحفظها من الشياطين، والضّلال، والمؤذيات، بحفظك وحمايتك، التي تحمي بها أولياءك الذين تتولّى حفظهم من كلّ مضرّ ومؤذٍ.
فوائد الحديث:
- فيه مشروعية ذكر الله تعالى عند النوم، ليكون موته الأصغر على اسمه.
- فيه الاستسلام لله، والافتقار إليه، وسؤاله ما لا غنى له عنه، وهذا كلّه من عبادة الله تعالى ودعائه بأسمائه، فهو تفسير لقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وهذا هو وجه ذكر البخاري له.
...
حديث حذيفة مرفوعا: (اللهم باسمك أحيا وأموت ... )
ترجمة راوي الحديث:
حذيفة هو ابن اليمان، واسم اليمان: حسل، أو حسيل، وهو عبسي.
كان من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الفقهاء النجباء أهل الفتوى، وصحّ أنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشرّ؛ مخافة أن أقع فيه) ولهذا اختصّ بمعرفة الفتن، كما أنه عُرف بصاحب السرّ، حيث أسرّ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين، وأمره أن يكتم ذلك، وسأله رجل عن أشدّ الفتن فقال: (أن يعرض عليك الخير والشرّ فلا تدري أيّهما تختار)
توفي رضي الله عنه سنة 36 هــ .
شرح ألفاظ الحديث:
قوله: (إذا أوى إلى فراشه) : أي رجع إليه بعد عمل النهار.
قوله: (اللهم باسمك أحيا وأموت) : أي ذاكرا اسمك في حياتي، مطمئنا به قلبي، وعلى ذكر اسمك يا ربّ أموت متوسّلًا به إليك أن تتولّاني، وتحفظني في جميع أحوالي.
قوله: (وإذا أصبح قال: الحمدلله بعد ما أماتنا، وإليه النشور) : النوم نوع من الموت، واليقظة حياة، وهو نعمة من الله على عباده حتى ترتاح أبدانهم، وأفكارهم، وقد ينام الإنسان فلا ترجع إليه روحه، فإذا اسيقظ سالمًا، وقد رجع إليه نشاطه وقوّته، استوجب ذلك شكر الله تعالى، والثناء عليه، فناسب قوله بعد يقظته: (الحمدلله الذي أحيانا بعدما أماتنا)
- النشور: هو البعث بعد الموتة الكبرى، فمصيرنا إلى ربّنا، حتى يجازينا على أعمالنا كما وعدنا.
فوائد الحديث:
- ذكر اسم الله تعالى عند النوم، والتوسّل به، والثناء عليه بأنّ له الحمد، وهذا من الدعاء بأسماء الله الحسنى.
...
حديث أبي ذرّ مرفوعا: (باسمك نموت ونحيا ... )
ترجمة راوي الحديث:
أبو ذر الغفاريّ: اختلف في اسمه، واسم أبيه، وصحّح الحفّاظ أنه جندب بن جنادة.
كان من السابقين الأوّلين إلى الإسلام، غير أنه ذهب إلى قومه فتأخّرت هجرته، ففاتته غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى، وكان عازفًا عن الدنيا، راغبًا بما عند الله.
توفي في الربذة سنة: 32 هــ .
شرح ألفاظ الحديث:
- هذا الحديث ليس فيه زيادة على الذي قبله، إلا قوله: (من الليل)، والأول يدخل فيه نوم الليل والنهار.
...
حديث ابن عباس مرفوعا: (لو أنّ أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال: باسم الله، ... )
شرح ألفاظ الحديث:
في الحديث نوع آخر من الدعاء بأسماء الله تعالى.
قوله (باسم الله): أي أفعل ذلك، ذاكرًا اسم الله، عابدًا ربي بهذا الذكر، ومتبرّكا به.
قوله (اللهمّ جنبنا الشيطان): أي أبعدنا عنه، فلا يشاركنا، ولا يحضرنا.
قوله (وجنّب الشيطان ما رزقتنا): أي أبعد الشيطان عن الرزق الذي تقدّره لنا من الولد.
ولابد من الصدق في ذلك من القلب، والرغبة، والإيمان، والثقة بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يحصل الموعود، وهو عدم مضرّة الشيطان للمولود.
...
حديث عديّ بن حاتم مرفوعًا: (إذا أرسلت كلابك المُعلّمة وذكرت اسم الله ... )
ترجمة راوي الحديث:
عديّ بن حاتم: هو أبو طريف؛ الجواد بن الجواد، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع، بسبب كتابة أخته، فأسلم، وقد فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وهو ممن ثبّت الله قومه على الإسلام –حين ارتدّ الناس- بسببه، شهد فتوح العراق، وساهم فيها.
كان شريفًا فاضلًا، جوّادًا عابدًا، رُوي عنه أنه يقول: (ما دخل عليّ وقت صلاة إلا وأنا مشتاق إليها).
ومن أقواله: (كثرة الكلام أو ضع شيء لمقادير الرجال، وأمضى الأشياء عندي ردّ السؤال بغير نوال)
تُوفي في الكوفة سنة: 68 هــ، وقيل غير ذلك، وكان عمّر طويلًا، قيل: كان عمره لمّا مات، مائة وعشرين سنة.
شرح ألفاظ الحديث:
الحديث يدلّ على نوع آخر من أنواع عبادة الله تعالى بذكر اسمه على الصيد.
قوله (كلابك المُعلّمة): وهي التي تقبل التعليم، فإذا أُمرت فعلت، وإذا نُهيت انتهت، فإذا أرسلها صاحبها أمسكت الصيد له، وليس لنفسها، فلا تأكل منه.
...
حديث عائشة مرفوعا: (اذكروا أنتم اسم الله وكلوا)
شرح ألفاظ الحديث:
هذا الحديث يدلّ على نوع آخر من عبادة الله تعالى بذكر اسمه على الذبيحة، وعلى الأكل.
قوله: (اذكروا أنتم اسم الله وكلوا): ليس معناه اذكر اسم الله تعالى عند الأكل يجعلها حلالًا إذا كانت قد ذبحت على غير اسم الله تعالى، ولكن أمرهم بذكر اسم الله عند الأكل؛ لأنه الذي يلزمهم، ومطيّبا بذلك قلوبهم، ومشيرًا بذلك إلى إطراح الشكّ، إذ الأصل خلافه، وهو أنّ ظاهر الذابح الإسلام.
...
حديث أنس: (ضحّى النبيّ صلى الله عليه وسلم بكبشين، يسمّي ويُكبّر)
شرح ألفاظ الحديث:
الأضحية: هي النسك الذي يُذبح قربانًا إلى الله تعالى في الوقت المحدد له.
الكبش: هو الذّكر من الضّأن.
قوله: (يُسمّي ويُكبّر): يعني عند الذبح، يقول: بسم الله، والله أكبر، أي: أذبح بسم الله متقرّبًا إليه عبادة له.
وهذا أيضا من عبادة الله تعالى، ودعائه بذكر اسمه تعالى في النسك الذي هو من أفضل القرب إلى الله تعالى.
...
حديث جندب مرفوعا: (من ذبح قبل أن يصلّي فليذبح مكانها أخرى ... )
ترجمة راوي الحديث:
جندب: هو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي، نسبة إلى علقة بن عبقر بن أنمار.
سكن الكوفة، ثم البصرة، وتوفّي بعد الستين رضي الله عنه.
شرح ألفاظ الحديث:
المراد من الحديث: قوله: (فليذبح باسم الله): أي: ذاكرًا اسم الله على الذبيحة، عبادةً له بذكر اسمه وبالذبح له، متقرّبًا إليه بذلك، كما أمر الله تعالى عباده بأن يخلصوا ذلك له وحده، قال تعالى: {فصلّ لربك وانحر}
...
حديث ابن عمر مرفوعا: (لا تحْلفوا بآبائكم، ومن كان حالفًا فليحلف بالله)
شرح ألفاظ الحديث:
المقصود بالحلف: تأكيد الخبر بذكر اسم الله العظيم.
ومراد البخاري من هذا الحديث: أن ذكر اسم الله تعالى أو صفته لتأكيد الخبر مشروع في الجملة، وأنه لا يجوز ذلك لغير الله، فيكون ذلك من العبادة بأسماء الله تعالى.
...
فوائد الباب:
- في الأحاديث مشروعية ذكر الله تعالى عند النوم، ليكون موته الأصغر على اسمه.
- مفهوم حديث عديّ بن حاتم أنه إذا لم يذكر اسم الله تعالى عند إرسال الكلاب المُعلّمة أنّه لا يأكل ممّا أمسكن، وكذا إذا لم يخرق المعراض –وهو السهم- أي لم يجرح، ولم يصب الصيد بحدّه، بأن أصابه بعرضه، فإنه لا يأكل؛ لأن الصيد حينئذٍ يكون وقيذة.
- ذكر اسم الله على الذبيحة شرط في حلّ الأكل منها، وأنه إذا كان ظاهر الذابح الإسلام، لا يلتفت إلى الاحتمال بأنه ذبحها على غير اسم الله، أو أنه لا يعرف الحكم، وما أشبه ذلك.
- الحلف بغير الله شرك.
- استدلّ نعيم بن حماد بهذه الأحاديث الواردة في الاستعاذة بأسماء الله والسؤال بها ونحوها من الأحاديث على أن القرآن غير مخلوق؛ إذ لو كان مخلوقا لم يستعذ بها؛ إذ لا يُستعاذ بمخلوق.(2)
______________________________________________________________
(1) ذكر الخلاف في الاسم والمسمّى
وأما مسألة هل الاسم هو المسمّى أو غيره؟ فهي من بدع الكلام، التي حدثت بعد القرون المفضّلة، والتي اختلط فيها الحقّ بالباطل.
والبخاري –رحمه الله- من أبعد الناس عن مثل ذلك.
قال ابن جرير الطبري: "وأما القول في الاسم: أهو المسمّى أم هو غيره؟ فإنه من الحماقات الحادثة، التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام فيستمع، فالخوض فيه شين، والصمت عنه زين، وحسب امرئ من العلم به والقول أن ينتهي إلى قوله جل ثناؤه: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاماّ تدعوا فله الأسماء الحُسنى}"
وكان سبب حدوث هذه المسألة؛ أن الجهمية قالوا: إن الاسم غير المسمّى، وأسماء الله غيره، وما كان غيره فهو مخلوق؛ لأن الله تعالى وحده هو الخالق، وما سواه مخلوق، فإذا كانت أسماؤه غيره فهي مخلوقة.
فردّ عليهم السلف، واشتدّ نكيرهم عليهم؛ لأن أسماء الله من كلامه، وكلام الله غير مخلوق، فهو الذي سمّى نفسه بهذه الأسماء.
- وللناس في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: ما ذكره ابن بطّال، وإليه ذهب كثير من المنتسبين إلى السنّة كأبي القاسم الطبري، اللالكائي، والبغوي، وغيرهما.
قال البغوي: (والاسم هو المسمّى، وعينه، وذاته)
والقول الثاني: أن الاسم غير المسمّى.
والثالث: أن الاسم للمسمّى، وهذا القول دلّ عليه الكتاب والسنة، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
ومن السنة الحديث: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا))
هذا مذهب أهل السنة، فلا يُطلقون بأنه المسمّى ولا غيره، بل يفصّلون حتى يزول اللبس.
فإن قيل لهم: أهو المسمّى أم غيره؟ قالوا: ليس هو نفس المسمّى، ولكن يُراد به المسمّى.
وإن أُريد بأنه غيره: كونه بائنا عنه، فهو باطل؛ لأن أسماء الله من كلامه، وكلامه صفة له، قائمة به، لا تكون غيره.
(2) الفتح (كتاب التوحيد): [باب14، ج15/ص9195]

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 29 شعبان 1435هـ/27-06-2014م, 05:36 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الرابع عشر: باب: ما يُذكر في الذات والنعوت وأسامي الله عزوجل.
...
وقال خبيب: وذلك في ذات الإله، فذكر الذات باسمه تعالى.
31: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهريّ، أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، حليف لبني زُهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة: أن أبا هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة، منهم خُبيب الأنصاريّ، فأخبرني عُبيد الله بنُ عياض: أن ابنة الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدّ بها، فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خُبيب الأنصاريّ:
...
ولستُ أُبالي حين أُقتل مسلمًا ....... على أيّ شقّ كان لله مصْرعي
وذلك في ذاتِ الإله وإن يشأ ....... يُبارك على أوْصالِ شِلْوٍ مُمزّعِ
...
فقتله ابن الحارث، فأخبرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا. (7402)
...
الشرح:
...
الكلام على لفظ (ذات)، وهل تُطلق على الله؟ وبيان الصواب في ذلك
قوله: (ما يُذكر في الذات ... )
قال الحافظ: (أي ما يُذكر في ذات الله ونعوته، من تجويز إطلاق ذلك عليه، كإطلاق أسمائه عليه، أو منعه، لعدم ورود النص)
بيان استعمال لفظ (ذات) لغة، وفي اصطلاح أهل الكلام:
- قال عياض: (ذات الشيء: حقيقته، وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام، وغلّطهم أكثر النحاة، وجوّزه بعضهم؛ لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء)
- وقال الرّاغب: (ذات تأنيث (ذو)، وهي كلمة يتوصّل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع، ولا يستعمل شيء منها إلا مُضافًا، وقد استعاروا الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء، جوهرًا كان أو عرضًا، واستعملوها مفردة ومضافة، وأدخلوا عليها الألف واللام، وأجروها مجرى النفس، والخاصّة، وليس ذلك من كلام العرب)
- وقال ابن برهان: (إطلاق المتكلّمين الذات في حقّ الله تعالى من جهلهم؛ لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلّت عظمته لا يصحّ له إلحاق تاء التأنيث، وقولهم الصفات الذاتية، جهل منهم أيضا؛ لأن النسب إلى ذات: ذوي)
- وقال الكندي: (ذات بمعنى صاحبة، تأنيث ذو، وليس لها في اللغة مدلول غير ذلك، وإطلاق المتكلمين وغيرهم الذات بمعنى النفس خطأ عند المحققين)
- قال الحافظ: (وتُعقّب بأنّ الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة، أما إذا قُطعت عن هذا المعنى، واستُعملت بمعنى الاسميّة فلا محذور، لقوله تعالى: {إنّ الله عليم بذات الصدور}أي بنفس الصدور.
وقد حكى المطرزي: كلّ ذات شيء، وليس كل شيء ذات، وأنشد ابن فارس:
...
فنعم ابن عمّ القومِ في ذات ماله ....... إذا كان بعض القوم في ماله وفر
...
-وقال النووي: (مرادهم بالذات: الحقيقة، وهذا اصطلاح المتكلّمين، وقد أنكره بعض الأدباء عليهم، وقال: لا يُعرف "ذات" في لغة العرب بمعنى حقيقة، وإنما "ذات" بمعنى صاحبة. وهذا الإنكار منكر، بل الذي قاله الفقهاء والمتكلّمون صحيح، وقد قال الإمام أبو الحسن الواحدي في أول سورة الأنفال في قوله تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} قال أبو العباس أحمد بن يحيى –ثعلب-: (معنى (ذات بينكم) أي الحالة التي بينكم، فالتأنيث عنده للحالة، وقال الزجاج: معنى {ذات بينكم} حقيقة وصلكم، قال الواحدي: فذات عنده بمعنى النفس، كما يقال: (ذات الشيء ونفسه).
تعريف (ذات) بالألف واللام أمر اصطلاحي لا لغوي:
قال شيخ الإسلام: (لفظ ذات تأنيث ذو، وذلك لا يستعمل إلا فيما كان مضافا إلى غيره، فهم يقولون: فلان ذو علم، وذو قدرة، ونفسٌ ذات علم وقدرة، وحيث جاء في القرآن أو لغة العرب لفظ "ذو"، ولفظ "ذات" لم يجئ إلا مقرونا بالإضافة، كقوله تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، وقوله: {عليم بذات الصدور}، وقول خبيب: (وذلك في ذات الإله) ونحو ذلك.
لكن لمّا صار النظّار يتكلّمون في هذا الباب قالوا: إنه يقال: إنها ذات علم وقدرة، ثم إنهم قطعوا هذا اللفظ عن الإضافة وعرّفوه، فقالوا: (الذات) -وهو لفظ مولّد- ليس من لفظ العرب العرباء، ولهذا أنكره طائفة من أهل العلم كأبي الفتح بن برهان، وابن الدهّان، وغيرهما، وقالوا: ليست هذه اللفظة عربية.
وردّ عليهم آخرون كالقاضي وابن عقيل وغيرهما.
وفصل الخطاب: أنها ليست من العربية العرباء، بل من المولّد، كلفظ الموجود، والماهية، والكيفية، ونحو ذلك.
فهذا اللفظ يقتضي وجود صفات، تضاف الذات إليها، فيقال: ذات علم، وذات قدرة، وذات كلام، فإنه لا يمكن وجود شيء قائم بنفسه في الخارج لا يتصف بصفة ثبوتيّة أصلًا)
- وقال ابن القيّم: (وأصل هذه اللفظة هو تأنيث (ذو): بمعنى صاحب، فذات كذا: صاحبة كذا في الأصل.
ولهذا لا يقال: ذات الشيء إلا لما له صفات، ونعوت تضاف إليه، فكأنه يقول صاحبة هذه الصفات والنعوت.
ولهذا أنكر جماعة من النحاة على الأصوليين قولهم: (الذات)، وقالوا: لا مدخل للألف واللام هنا، كما لا يقال: (الذو) في ذو. وهذا إنكار صحيح.
والاعتذار عنهم: أن لفظة الذات في اصطلاحهم، قد صارت عبارة عن نفس الشيء وحقيقته، وعينه.
فلمّا استعملوها استعمال النفس، والحقيقة، عرّفوها بالّلام، وجرّدوها من الإضافة، وهذا أمر اصطلاحي، لا لغوي.)
...
استعمال البخاري للفظ (ذات)، ومراده من ذلك
قال الشيخ الغنيمان: (وهذا الذي ذكره النووي هو ما يقصده البخاري رحمه الله، ولهذا قال: (فذكر الذات باسمه تعالى) أي: أقام الذات مقام اسمه تعالى، قال الحافظ: واستعمال البخاري لها دالّ على أنّ المراد بها نفس الشيء –على طريقة المتكلّمين- في حقّ الله تعالى ففرّق بين النعوت والذات.).
وقال عياض: (واستعمال البخاري لها على أنها حقيقة الشيء على ما استعملها المتكلّمون في حقّ الله تعالى، ولهذا قال: ما جاء في الذات والنعوت، ففرّق بينهما على طريقة المتكلّمين)
[الخلاصة] صحة إطلاق الذات على الله تعالى، وأنّ مرادهم من ذلك التفرقة بين الصفة والموصوف(1) :
بهذا يتبيّن أن هذا الاستعمال صحيح لا ينكر؛ لأنه أمر اصطلاحي، على معنى مفهوم معيّن.
وبعض الناس يظنّ أن إطلاق الذات على الله تعالى كإطلاق الصفات؛ أي أنه وصف له، فينكر ذلك بناء على هذا الظنّ، ويقول: هذا ما ورد، وليس الأمر كذلك، وإنما المراد التفرقة بين الصفة والموصوف.
وقد تبيّن مراد الذين يطلقون هذا اللفظ أنهم يريدون نفس الموصوف وحقيقته، فلا إنكار عليهم ذلك، كما وضّحه كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيّم.
قال القسطلاني: (والظاهر جواز إطلاق لفظ (ذات)، لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلّمون، ولكنه غير مردود، إذا عرف أن المراد النفس، لثبوت لفظ النفس في القرآن).
...
قوله: (والنعوت)
وأما النعوت: فهو جمع نعت، وهو الوصف، يقال: نعت فلانًا نعتًا، أي وصفه وصفًا، وزنه ومعناه واحد، ومنه الحديث: ((لا تباشر المرأة المرأة، فتنعتها لزوجها، كأنه يراها)) رواه البخاري.
...
قوله: (وأسامي الله –عزّ وجل-)
وأما الأسامي: فهي جمع اسم، وأجمع أيضا على أسماء. (2)
- قوله: (فذكر الذات باسمه تعالى)
أي: ذكر الله بلفظ الذات، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره، فصار دليلا على جواز ذلك.
واعترض على استدلال البخاري بذلك؛ لأن خبيبًا لم يرد الحقيقة والنفس، وإنما يعني بقوله: (وذلك في ذات الإله) أي: في سبيله وطاعته.
والجواب: أن إطلاق لفظ الذات على الله –تعالى- جائز في الجملة؛ لورود الآثار، فيكون ذلك أصلًا للجواز، ففي الحديث الصحيح المتفق عليه: (أن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات، اثنتين في ذات الله) متفق عليه.
وفي حديث ابن عباس: (تفكّروا في كلّ شيء، ولا تفكّروا في ذات الله) قال الحافظ: سنده جيّد.
وقال أبو الدرداء: (لا تفقه كل الفقه، حتى تمقت الناس في ذات الله) قال الحافظ: إسناده ثقات، إلا أنه منقطع.
...
حديث أبي هريرة في قصة خبيب وأصحابه
قال الشيخ الغنيمان: (وقد ذكر البخاري رحمه الله قصة خبيب وأصحابه في كتاب المغازي وهي مشهورة، فنكتفي بنصّ ما ذكره البخاري هنا)
...
فوائد الباب:
- استعمل البخاري لفظ (الذات) على أنها حقيقة الشيء على ما استعمله المتكلّمون في حقّ الله تعالى.
- أقام البخاري رحمه الله لفظ (الذات) مقام اسمه تعالى.
- صحة إطلاق لفظ الذات على الله تعالى.
- تعريف (الذات) بالألف واللام أمر اصطلاحي لا لغوي.
- لفظ (الذات) يقتضي وجود صفات تضاف الذات إليها، وأن مراد من استعمل هذا اللفظ التفرقة بين الصفة والموصوف.
___________________________________________
(1) سئل الشيخ صالح آل الشيخ: عن معنى ذات في قولنا: ذات الله سبحانه؟
جواب: الذّات في اللغة: تأنيث ذو، يقال: هذا الشيء ذو صفات، وهذه ذات صفات، هذا في الأصل، ولا تطلق إلا مضافة، ما تطلق الذّات مستقلة إنما تطلق مضافة، وقد جاءت في قول الصحابي رضي الله عنه في شعره المشهور:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
استعمال كلمة ذات مضافة لله جل وعلا موجودة، وقد قال سبحانه: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}، استعملت بعد ذلك الذات ويعنى بها ما يقابل الصفات، فقُسّم الشيء إلى صفة وإلى ذات، ذات وصفات، لم قسم هذا التقسيم؟
لأن الصفة تضاف إلى الموصوف، فكأنه قال القائل: الذات يعني الشيء الذي هو ذو الصفات، فالذات المتصفة بالصفات، فقسموها لأجل أن الذات كأنه نعتها بقوله: الذات الموصوفة بالصفات، فيكون تتمة الكلام محذوف، ثم استعمل يعني كلمة الذات هكذا بالتعريف، استعملت بدون إضافة ولا تنكير، معرفة الذات استعملت استعمالًا واسعًا في كلام أهل العقائد.
فإذًا نقول: الذات يعنى بها، الذات الموصوفة بالصفات، يعني ما يضاف إليه الوصف ويتصف به، طبعا ربنا جل جلاله وتقدست أسماؤه لا نضيف إليه من شيء إلا إذا ثبت به الدليل بالكتاب والسنة، وما يتوسع في الكلام في بيان العقيدة من الألفاظ أو التعابير الأولى، بل الذي ينبغي ويتأكد على طالب العلمأن يستعمل تعابير السلف؛ لأنها أبعد عن الخطأ في التعبير، بهذا يمرّن طالب العلم نفسه على أن يعبّر في هذه المسائل؛ مسائل التوحيد والعقيدة، بتعابير السلف؛ لأنهم أعلم وأحكم في هذه المسائل. [العقيدة الطحاوية: درس(الإيمان بالعرش والكرسي)]
(2) قد تقدمت الإشارة إلى الفرق بين الأسماء والصفات في الدرس الأول.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 22 محرم 1436هـ/14-11-2014م, 06:30 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الخامس عشر: باب قول الله تعالى: {ويحذّركم الله نفسه}
وقوله جلّ ذكره: {تعلمُ ما في نفسي ولا أعلمُ ما في نفسك}
32: عن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِنْ أحدٍ أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله)) (7403)
33: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لمّا خلق الله الخلق، كتب في كتابه، وهو يكتُب على نفسه، وهو وضعٌ عنده على العرش: إنّ رحمتي تغلبُ غضبي.)) (7404)
34: عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إليّ بشبر تقرّبت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقرّبت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة.)) (7405)

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة
هو إثبات النفس لله تعالى، قال ابن بطال: في هذه الآيات والأحايث إثبات النفس لله تعالى، وللنفس معان، والمراد بنفس الله تعالى ذاته.


تفسير آيات الباب وبيان المراد بالنفس فيها
· تفسير قوله تعالى: {ويحذّركم الله نفسه}
- قال ابن جرير: {ويحذركم الله نفسه} أن تسخطوها عليكم، بركوبكم ما يسخطه عليكم.
- قال الزجاج: {ويحذركم الله نفسه} أي إيّاه.
· تفسير قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}
- قال ابن جرير: إنك يا رب لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي، مما لا أنطق به، ولم أظهره بجوارحي، وقال: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه؛ لأني إنما أعلم من الأشياء ما علمتنيه.
- وقيل في المراد بالنفس في الآية ثلاثة أقوال:
قيل: لا أعلم ذاتك، وقيل: لا أعلم ما في غيبك، وقيل: لا أعلم ما عندك، حكاه صاحب المطالع، وذكره المصنف.
· تفسير قوله تعالى: {واصطنعتك لنفسي}
- قال ابن كثير: أي اصطفيتك واجتبيتك رسولُا لنفسي، أي كما أريد وأشاء.
·بيان متعلق (أخفيها) في قوله تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها}
فيها قولين:
الأول: يخفيها تعالى من نفسه، وهو قول ابن عباس ومجاهد وأبي صالح وغيرهم.
وقيل: أخفاها تعالى من الملائكة المقربين ومن الأنبياء المرسلين، قاله قتادة.
- القراءات في هذه الآية:
روي عن ابن عباس أنه كان يقرأها: (أكاد أخفيها من نفسي) ذكره ابن كثير
معنى النفس لغة:
- قال الراغب: (نفسه: ذاته)
- قال الحافظ: قال البيهقي: النفس في كلام العرب على أوجه:
- منها الحقيقة، كما يقولون في نفس الأمر.
- ومنها الذات، قال الزجاج: {ويحذركم الله نفسه} قال: إياّه
فالحاصل: أن المراد بالنفس في الآيات: هو الله تعالى، المتصف بصفاته، ذكره المصنف.

الأدلة في إثبات أن لله تعالى نفسًا
- ما رواه البخاري في هذا الباب.
- قوله تعالى: {كتب ربّكم على نفسه الرحمة}
- قوله تعالى: {واصطنعتك لنفسي}
- حديث ابن عباس: وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بهنّ لوزنتهنّ: سبحان الله العظيم وبحمده، عدد خلقه، ومداد كلماته، ورضا نفسه، وزنة عرشه)) رواه مسلم.
- حديث محاجّة موسى لآدم وفيه: ((قال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته، واصطنعك لنفسه)).
أورد ذلك ابن خزيمة وقال: فالله تعالى أثبت في آي من كتابه أن له نفسًا، وكذلك قد بيّن على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم أنّ له نفسًا.
- حديث أبي ذر الطويل: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا ..)) رواه مسلم
- حديث علي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)).
- حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك))

من أقوال العلماء في إثبات النفس لله تعالى
- قال ابن خزيمة: أول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا: ذكر نفسه، جلّ ربنا عن أن تكون نفسه كنفس خلقه، وعزّ عن أن يكون عدمًا لا نفس له.
- قال شيخ الإسلام: (ونفسه هي ذاته المقدسة)
- قال ابن بطال: والمراد بنفس الله تعالى ذاته.
- قال المصنف: فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النفس عند جمهور العلماء: الله نفسه التي هي ذاته المتصفة بصفاته.

من الأقوال الخاطئة في تفسير النفس لله تعالى
- طائفة تجعلها من باب الصفات
- وطائفة تظن أنها الذات المجرّدة عن الصفات، ذكرهما المصنف وقال: (وكلاهما خطأ).

التمسك بمذهب السلف في باب الأسماء والصفات
حسب المسلم أن يسعه ما وسع السلف الصالح من الصحابة ومن سلك طريقتهم في إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعرّض لها بتأويل أو تمثيل، فيعرض عما يقوله أهل التأويل.

ليس مذهب السلف التفويض كما توهمه البعض
ليس مذهب السلف هو التفويض وهو ما يعنون به: الإعراض عن معاني النصوص.
بل مذهب السلف من أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع فقه المعنى اللائق بعظمة الله تعالى وفهمه على ما دلّ عليه قوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ونحوها من الآيات المحكمات، وذلك واضح لمن تمسّك بالكتاب والسنة.

باطل قول من نفى الضمير عن الله تعالى، ولازم قوله، والرد عليه
قال أبو سعيد الدارمي: وادعى المعارض أن الله لا يوصف بالضمير، والضمير منفي عن الله، وهي كلمة خبيثة قديمة من كلام جهم، عارض بها جهم قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} يدفع بذلك أن يكون الله تعالى سبق له علم في نفسه من الخلق وأعمالهم قبل أن يخلقهم.
- ردّ عليه بعض العلماء، قالوا: كفرت بها من ثلاثة أوجه:
الأول: أنك نفيت عن الله تعالى العلم السابق في نفسه قبل حدوث الخلق.
الثاني: أنك استجهلت المسيح ابن مريم عليه السلام أنه وصف ربه تعالى بأن له خفايا علم في نفسه.
الثالث: أنك طعنت به على محمد صلى الله عليه وسلم إذ جاء به مصدّقًا لعيسى عليه السلام.
- لازم هذا القول الباطل: قال أبو سعيد: (وقول جهم هذا أصل كبير في تعطيل النفس والعلم السابق) ويردّ عليه بهذه الآية.

شرح حديث ابن مسعود مرفوعًا: ((ما مِنْ أحدٍ أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش، ...))

مناسبة الحديث للباب
قال الكرماني: ليس في حديث ابن مسعود هذا ذكر النفس، ولعلّه أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة استعمال كل واحد منهما مقام الآخر، قال: والظاهر أن هذا الحديث كان قبل هذا الباب فنقله الناسخ إلى هذا الباب، ذكره الحافظ وقال: وكل هذا غفلة عن مراد البخاري، فإن ذكر النفس ثابت في هذا الحديث الذي أورده، وإن كان لم يقع في هذا الطريق لكنه أشار إلى ذلك كعادته، فقد أورده في تفسير سورة الأنعام، وتفسير سورة الاعراف، وفيه: ((ولذلك مدح نفسه)) وهذا القدر هو المطابق للترجمة.(1)
الشاهد من الحديث
قال المصنف: هذه الجملة من الحديث المذكورة في التفسير هي محل الشاهد، فالبخاري يشير إليها.
شرح المفردات:
قوله (ما مِنْ أحدٍ أغير من الله): قيل غيرة الله: كراهة إتيان الفواحش؛ أي عدم رضاه بها، لا التقدير.(2)
قوله (من أجل ذلك حرّم الفواحش): الحرام: هو الممنوع، وتحريم الله تعالى للشيء: هو منعه منه شرعًا أو قدرًا.
فالشرع نحو ما في هذا الحديث.
والقدر كقوله تعالى: {وحرام على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
والفواحش: جمع فاحشة، وهي ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال، في الشرع أو في العقل أو في العرف.
قوله (وما أحد أحبّ إليه المدح من الله تعالى): كلمة (أحد) لا يوصف بها في الإثبات شيء من الأعيان إلّا الله تعالى، وتُستعمل في غير الله في النفي وما في معناه؛ كالشرط والاستفهام، وتستعمل في أول العدد.
المدح: هو الثناء الحسن.
- الفرق بين المدح والحمد.
المدح: هو ذكر محاسن الممدوح، والإخبار عنها على سبيل الثناء والتعظيم بذلك.
أما الحمد: فهو ذكر محاسن المحمود والإخبار عنها مع حبّه وإجلاله وتعظيمه،
فالمدح إذا اقترن بالحب والإرادة فهو حمد.
- هل يمدح الإنسان نفسه؟
قال المصنف: ومدح الإنسان نفسه نقص يُلام عليه، وكذلك طلبه من الناس، وتكلّفه لذلك، يدلّ على نقصه.
- لماذا مدح الله تعالى نفسه؟
الأول: لكماله المطلق؛ لأنه أهل المدح والثناء.
الثاني: لأن الخلق لا يقدرون على مدحه بما يستحق، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))
- الحكمة من مدح العباد لله تعالى.
قال النووي: (حقيقة مدح العباد لله تعالى هو مصلحة للعباد؛ لأنهم يثنون عليه سبحانه فيثيبهم فينتفعون)

حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((لمّا خلق الله الخلق، كتب في كتابه، وهو يكتُب على نفسه، ...))
شرح مفردات الحديث.
قوله (لما خلق الله الخلق): المراد بالخلق هنا فيه قولان:
1: تقدير ذلك وكتابته.
2: جنس الخلق، فيكون المراد وجوده مخلوقًا.
قوله (كتب في كتابه): المراد بالكتابة فيها أقوال:
1: يجوز أن يكون المعنى: أمر القلم أن يكتب، قاله الحافظ.
2: أن يكون على ظاهره: بأن كتب تعالى بدون واسطة.
3: قال: (كن) فكانت الكتابة.
قال المصنف: (ولا يصح أن يراد بالكتابة الحكم الذي قضاه نظير قوله: {كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي} لقوله: (فهو عنده فوق العرش).
- والحكمة من الكتابة: تأكيد هذا الحكم، وإخبار عباده به؛ حتى يؤمنوا به ويعملوا على مقتضاه.
قوله (وهو يكتب على نفسه): فيها بيان أن كتابته تعالى لم يحمله عليها أحد، وإنما وقعت منه تعالى تفضّلًا وجودًا على خلقه أن كتبه على نفسه.
قوله (وهو وضع عنده على العرش) وضع: أي موضوع.
- فائدة وضعه عنده على العرش: للاهتمام.
وفيه دلالة أن الله تعالى على العرش، ويدلّ على علوه.
- التأويلات الباطلة للفظ (عند)
قال المصنف: (وقد جاءت في تفسير ذلك تأويلات باطلة مبنية على فساد العقيدة، ومن ذلك ما نقله الحافظ)*
قوله (إن رحمتي سبقت غضبي): الرحمة والغضب كلاهما من أوصاف الله تعالى، ولكن الرحمة أوسع وأشمل، فرحمته تعالى وسعت كل شيء.
- ومن أقوال أهل التأويل في نفي صفة الرحمة عن الله تعالى، قالوا: الرحمة رقة القلب، وهي تدلّ على الضعف.
والجواب على بطلان ذلك بالنسبة إلى صفة الله تعالى من وجوه:
1: أن هذا إنما هو وصف لرحمة بعض المخلوقين؛ كالنساء ، وقد علم التفاوت العظيم بين الخالق والمخلوق، والصفة تتبع الموصوف في الكمال وضدّه.
2: أن الضعف والخور مذموم، أما الرحمة ممدوحة، قال تعالى: {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}
3: أن أسماء الله تعالى كلها حسنى، لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه، وصفاته عليا عن النقص.

حديث أبي هريرة مرفوعًا: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، ...)

- تعريف الحديث القدسي: هو ما يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم مضافًا إلى الله تعالى أنه قاله، غير متعبد بتلاوته، ولا معجز به.
شرح المفردات
معنى الظن: يأتي على معان:
يأتي بمعنى العلم واليقين
ويأتي واسطة بين الشك والعلم
ويأتي بمعنى الشك
والقرائن تبيّن ذلك وتحدّده.
قوله (أنا عند ظن عبدي بي): فيه أقوال:
1: أنه على ظاهره، والمعنى: أنا أعامله على حسب ظنّه بي، وأفعل به ما يتوقعه منّي، من خيرٍ أو شر، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف، وحسن الظن بالله تعالى.
2: ويجوز أن يكون المراد بالظن: العلم الموقن، فيكون المعنى: أنا عند علمه بي ويقينه بأن مصيره إليّ.
3: وقيل: أي قادر على أن أعمل به ما ظنّ أن أعامله به، قاله الحافظ، ذكره المصنف وردّه وقال: (قول الحافظ هذا خلاف ظاهر الحديث).
4: وقيل: هو مقيّد بالمحتضر، ففيه الحث على ترجيح جانب الرجاء على الخوف، وهو معنى كلام الكرماني.
5: وقيل: هو ظن الإجابة عند الدعاء، والقبول عند التوبة، والمغفرة عند الاستغفار، والإثابة على العمل، قاله صاحب (المفهم)، ذكره المصنف وقال: (ووراء ذلك معنى أدقّ، وهو قرب الله من عبده المنيب إليه)
- ضابط هذا الظن: أن يكون حسن ظنه مع حسن العمل.
- فائدة الإضافة في قوله (عبدي): أنه عبد لله، وليس للشيطان أو للدنيا أو غيرهما، فتُشعر بحسن العمل.
قوله (وأنا معه إذا ذكرني): المراد بالذكر: قيل يحتمل أن يكون الذكر باللسان فقط، أو بالقلب فقط أو بهما، وقيل: بامتثال الأمر واجتناب النهي، قاله ابن أبي جمرة وذكره الحافظ(3)
- المراد بالمعية هنا: معية الإجابة والتوفيق وسماع كلامه وإثابته عليه، فهي المعية الخاصة.
- أنواع معية الله تعالى بالنسبة لعباده نوعان:
1) معية عامة للخلق كلهم، دليلها: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا}
ومقتضى هذه المعية: اطلاعه تعالى وعلمه بكل شيء، ومراقبته وشهوده أفعال عباده، فتفيد الخوف منه سبحانه.
2) معية خاصة: وهي المذكورة في الحديث، ومنها قوله تعالى: {لا تحزن إن الله معنا}
مقتضى هذه المعية: النصر والتأييد والهداية والحماية.
- كيف يُجمع بين معية الله لعباده وعلوّه على عرشه؟
معيته تعالى لخلقه لا تخالف علوّه، واستوائه على عرشه، فكلّ ذلك حق على ظاهره، فالله تعالى معنا حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة، وجمع بينهما تعالى في قوله: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرُجُ منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير}
- معنى (مع) في اللغة
إذا أطلقت فليس ظاهرها إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسّة أو محاذاة عن يمين أو شمال.
قوله (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي): أي أن ذكر ربّه سرّا في نفسه، فإن الله تعالى يذكره سرّا في نفسه، من غير اطلاع أحد من خلقه على ذلك.
وهذا هو محل الشاهد من الحديث: حيث أثبت النفس لله تعالى.
- كيف يكون ذكر العبد لربه في نفسه؟
قيل: إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا، ذكرته بالثواب والرحمة سرا.
وقيل: اذكروني بالتعظيم أذكركم بالإنعام واستدلّ بقوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}، قاله ابن أبي جمرة وذكره الحافظ (4)
- فضل ذكر الله: أنه من أكبر العبادات، فمن ذكر الله وهو خائف آمنه، أو مستوحش آمنه تعالى، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (5)
قوله (وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم): الملأ: الجماعة، والمعنى: أن العبد إذا ذكر ربّه ظاهرًا في جماعة يسمعون ذكره لربّه، فإن الله تعالى يذكره ويثني عليه في جماعة أفضل من الجماعة الذين ذكر العبد ربّه فيهم؛ لأن الذين يذكر الله عبده فيهم في الملأ الأعلى عباده مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
- وهذا الحديث من أدلة القائلين بتفضيل الملائكة على صالحي بني آدم.
- والراجح في ذلك: أن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين أفضل من الملائكة، وتفضيل فرد من النوع لا يلزم منه تفضيل النوع كلّه على الآخر.
- وذكر ابن حجر في الفتح أقوال الفريقين وأدلته، فيُرجع إليه.
قوله (وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) : المراد بقربه تعالى: هو قربه من عابده وداعيه، وهذا ثابت في النصوص: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، وهذا القرب أخصّ من قرب الإنابة وقرب الإجابة.
ويكون من الله تعالى قرب آخر كقربه عشية عرفة، وفي جوف الليل، وإلى من تقرب إليه شبرا، تقرب منه ذراعًا.
فقرب الله تعالى من عباده نوعان:
الأول: قربه من قلوب المؤمنين، وقرب قلوبهم منه، وهذا متفق عليه بين الناس، لم ينكره منهم أحد.
الثاني: ما دلّ عليه هذا الحديث، ونحوه مثل: قربه عشية عرفة، وقربه آخر الليل، وهذا القرب ينكره أكثر المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشعرية وإنكاره منكر.
- القرب الذي ينكره أكثر المتكلمين:
هو قربه تعالى ودنوه من بعض مخلوقاته، قال شيخ الإسلام: ([وهذا] لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش، فهو فوق العرش، ويقرب من خلقه كيف شاء ..)
- مذهب السلف في قربه تعالى ودنوّه من بعض عباده.
مذهب السلف إثبات دنو الله تعالى بنفسه وتقرّبه من بعض عباده، وهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه تعالى، وهو مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين.
أما الأشعري وغيره من الكلابية فيثبتون قرب العباد إلى ذاته.
- سبب قرب الله تعالى من عبده:
إذا توجه إليه وأحبّه، وأخلص العمل لله تعالى صادقًا في ذلك، فالله تعالى يقرب إليه أكثر من قرب عبده إليه.
قال شيخ الإسلام: (وليس بين الرب والعبد إلا محض العبودية، فكلما كمّل العبد عبودية ربه، قرب إليه تعالى؛ لأنه سبحانه برّ، جواد، محسن، يعطي العبد ما يناسبه، فكلما عظم فقره إليه، كان أغنى له ... )
- ومن أعظم الذنوب التي تبعد العبد عن ربه: علوّه في الأرض، ونسيانه ربّه.
قوله (وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) الهرولة: السرعة في المشي.
قال المصنف: وهو تمثيل لكرم الله وجوده على عبده، وأنه إذا أقبل إليه، فهو سبحانه أسرع إقبالًا وتفضَلًا على عبده.
- من فوائد الحديث:
- عظم فضل الله وكرمه.
- عظم فضل الذكر.
___________________________________________
(1) (2) الفتح (كتاب التوحيد): ج15، باب 15/ ص 9198 – 9199
*من ذلك قول ابن بطال: عند في اللغة للمكان، والله منزّه عن الحلول في المواضع؛ لأن الحلول عرض يفنى وهو حادث، والحادث لا يليق بالله، فعلى هذا قيل: معناه أنه سبق علمه بإثابة من يعمل بطاعته وعقوبة من يعمل بمعصيته، ذكره الحافظ في الفتح.
(3) (4) (5) الفتح (كتاب التوحيد): ج15، باب 15/ ص 9200 - 9201

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 29 محرم 1436هـ/21-11-2014م, 01:50 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس السادس عشر: باب قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون}

35: عن عبد الله بن جابر قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بوجهك))، فقال: {أو من تحت أرجلكم}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بوجهك))، قال: {أو يلبسكم شيعًا}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا أيسر)). (7406)

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة

أراد البخاري –رحمه الله- بهذا الباب إثبات صفة الوجه لله تعالى.


المراد بالوجه في قوله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}


· مقصد الآية
إخبار بأنه تعالى الدائم الباقي، الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت، قاله ابن كثير.
· المراد بالوجه في الآية.
فيها أقوال:
الأول: أن المراد به الذات المقدسة، قاله ابن كثير، ونقله الحافظ عن ابن التين عن أبي عبيدة.
الثاني: قيل المراد بالوجه القصد، أي يبقى ما أريد به وجهه تعالى، وهذا نقل عن ابن عباس ومجاهد وسفيان وأبي العالية وهو معنى قول جعفر الصادق، ونقله الطبري أيضا عن بعض أهل العربية، وقال ابن كثير: (وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له).
الثالث: قيل: إلا ملكه، ذكره البخاري وذلك في التفسير، ذكر الآية وأعقبها بقوله: (إلا ملكه)
قال المصنف: وهذا تأويل بعيد، يدلّ على بطلانه: أن الأشياء كلها ملك لله تعالى، فهل يجوز أن يقال: كل شيء هالك إلا كلّ شيء.
حاصل هذه الأقوال:
- أن القول الأول مقتضاه: أن كل الذوات فانية هالكة وزائلة، إلا ذاته تعالى، فإنه الأول والآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء، وابن كثير لا يقصد نفي صفة الوجه عن الله تعالى، وإنما مراده أن الذات تابعة للوجه، فاكتفى بذلك.
- فالآية باقية نصّا في إثبات الوجه لله تعالى، وهو ظاهر مراد البخاري أنه ترجم بهذه الآية لإثبات الوجه صفة لله تعالى.
- والقول الثاني لا ينافي القول الأول: فهو إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجهه تعالى من الأعمال الصالحة، المطابقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من المعاني المستنبطة من الآية، فليس تأويلًا للوجه الذي هو صفة لله تعالى.
- فهذه الآية جاءت بعد نهيه عن الإشراك، وأن يدعو معه إلهًا آخر، فقوله: {لا إله إلا هو} يقتضي في أظهر الوجهين، وهو أن كلّ شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الأعيان والأعمال، وهذا ما تدل عليه الآية عن طريق المفهوم.
بيان مراد البخاري بالوجه في الآية
- أما قوله: (إلا ملكه) فهذا مما بيّن المصنف بطلانه كما سبق.
- ومما يدلّ على أن البخاري ذكره وليس بمراد له: أنه مخالف لصنعه في هذا الباب، حيث ذكر الآية وأتبعها بحديث جابر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ بوجهك))، فهذا ظاهر أن مراده إثبات الوجه صفة لله تعالى.
- يؤكّد ذلك: أن الذي نقله ابن كثير عن البخاري قوله: إلا ما أريد به وجهه، وقال: حكاه البخاري كالمقرر له.


حديث جابر مرفوعًا: ((أعوذ بوجهك))


شرح الحديث:
· مقصد الآية
تخويف الله تعالى عباده إن لم يطيعوه، ويعبدوه وحده لا شريك له، ويتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، بأنه قادر على أن يرسل عليهم عذابًا من السماء، أو من تحتهم، أو غير ذلك ممّا يشاء.
· المراد بالعذاب من فوق ومن تحت في الآية
- العذاب من فوق: الرجم، ومن تحت الخسف ، رواه ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا ونقله الحافظ، ووقع صريحا عنده من حديث أُبيّ بن كعب، ورواه ابن أبي حاتم عن السدي عن شيوخه.
- وفيه قول آخر عن ابن عباس: (أن المراد بالفوق أئمة السوء، وبالتحت خدّام السوء) رواه ابن أبي حاتم
- الشاهد من الحديث على الباب
أن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سمع هذا التهديد من الله تعالى عاذ بوجه ربه الكريم، أن يكون ذلك فقال: ((أعوذ بوجهك)).


وجوب الإيمان بوجه الله الكريم

- الآية التي ترجم بها البخاري، والحديث الذي ذكره دليل واضح على وجوب الإيمان بوجه الله الكريم.
- وفي الكتاب والسنة نصوص كثيرة تثبت صفة الوجه لله تعالى.
- ولم ينكر ذلك إلا الجهمية، ومن شايعهم على مذهبهم الفاسد.


الأدلة على ثبوت صفة الوجه لله تعالى

1: الآية والحديث الذي ذكرهما البخاري في هذا الباب.
2: قال تعالى: {كل من عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}
- (ذو) في الآية: وصف للوجه، فوصف تعالى وجهه الكريم بأنه ذو الجلال والإكرام.
- قال المصنف: (وهذا يبطل دعوى أن المراد بالوجه: الذات، كما يبطل دعوى كونه زائدًا في الكلام)
3: حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا وفيه: ((.. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) رواه مسلم
- وسبحات وجهه: هي نوره، وبهاؤه، وجلاله.
4: حديث عمار بن ياسر وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم)) رواه أبو سعيد الدارمي.
- ولم يزل أهل العلم والإيمان يسألون ربهم بوجهه الكريم، ويدعونه بأن يرزقهم النظر إليه في الجنة.
5: حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (({للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: النظر إلى وجه الله تعالى)) رواه أبو سعيد الدارميّ
6: حديث ابن عمر يرفعه: ((أن أهل الجنة إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلّى لهم الرب، فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كل نعيم عاينوا حيث نظروا إلى وجه الرحمن)) رواه أبو سعيد الدارمي
7: ذكر ابن إسحاق في السيرة حديثًا طويلًا فيه: ((أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين))
8: الأحاديث المتكاثرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بوجه الله تعالى كما في هذا الحديث الذي ذكره البخاري.


إثبات الوجه لله تعالى والإيمان به داخل في الإيمان بالله تعالى

- قال أبو سعيد الدارمي: (وعلى تصديق هذه الآثار والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والعلم)
- فإثبات الوجه لله تعالى والإيمان به متعيّن، وأنه داخل في الإيمان بالله تعالى، وهو كسائر صفات الله الثابتة، التي يجب معرفتها والإيمان بها بدون تأويل أو تشبيه، بل تثبت لله تعالى على ما يجب ويليق بالله تعالى من الإجلال والتعظيم، ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، تعالى وتقدس.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 6 صفر 1436هـ/28-11-2014م, 03:49 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس السابع عشر: باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني} تُغذّى

وقوله جلّ ذكره: {تجري بأعيننا}
36: عن عبد الله قال: ذُكر الدجّال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنّ الله لا يخفى عليكم، إنّ الله ليس بأعور –وأشار بيده إلى عينه- وإنّ المسيح الدجّال أعور عينِ اليُمنى، كأنّ عينه عِنبة طافية)) (7407)
37: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من نبيّ إلّا أنذر قومه الأعور الكذّاب، إنه أعور، وإنّ ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر)). (7408)


الشرح:


مقصود البخاري بهذه الترجمة

إثبات العينين صفة لله تعالى حقيقة على ما لا يليق بجلاله وعظمته، كما دلّ عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم.


وجه الجمع والإفراد في صفة العين المضافة إلى الله تعالى

- جاء ذكر العين وصفًا لله تعالى في القرآن مفردة، مضافة إلى الضمير المفرد، كقوله تعالى: {ولتصنع على عيني}
قال ابن القيّم: ذكر العين مفردة لا يدلّ على أنها عين واحدة، ليس إلّا كقولك: افعل هذا على عيني.
- كما جاءت مجموعة، مضافة إلى ضمير الجمع، كقوله تعالى: {تجري بأعيننا}، وقوله تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا}
لما أضيفت العين إلى اسم الجمع، ظاهرًا، أو مضمرًا، حسن جمعها مشاكلة للفظ.
- ولم يأتِ ذكر العين وصفًا لله تعالى في القرآن مثناة، ولكن جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عينيّ الرحمن، فإذا التفت قال له ربه: إلى من تلتفت؟ إلى خير لك مني.))
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ ربّكم ليس بأعور)) صريح بأنه ليس المراد إثبات عين واحدة، وقد استدل السلف على إثبات العينين لله تعالى بقوله تعالى: {تجري بأعيننا}


تفسير آيات الباب والاستدلال بها على إثبات صفة العين لله تعالى

· قوله تعالى: {ولتصنع على عيني}
- معنى (تصنع)
تُغذّى، قاله البخاري وقتادة، واختاره ابن جرير
وقيل: تربّى، قاله أبو عمران الجوني ذكره ابن كثير
وقيل: أن يجعله في بيت الملك، ينعم ويترف، غذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
- معنى (على عيني)
أي بمرأى مني ومحبة وإرادة، قاله ابن جرير.
· قوله تعالى: {تجري بأعيننا}
- معنى: (بأعيننا)
أي بمرأى منّا ومنظر، قاله ابن جرير. وبهذا قال غيره من المفسّرين.
- ومن لازم الرؤية والنظر وجود العين، ففي هاتين الآيتين وغيرهما من نصوص الكتاب والسنة إثبات العينين لله تعالى اللتين ينظر بهما إلى ما يريد، ولا يحجب نظره حاجب.
- قال الأزهري: {واصنع الفلك بأعيننا} قال أصحاب النقل والأخذ بالأثر: الأعين : يريد به العين، قال: وعين الله لا تفسّر بأكثر من ظاهرها، ولا يسع أحدًا أن يقول: كيف هي، أو ما صفتها؟ ذكره عن ابن الأنباري.


حديث عبد الله مرفوعًا: ((إنّ الله لا يخفى عليكم، إنّ الله ليس بأعور ... ))

شرح المفردات:
(الدجّال): الكذّاب، وهو رجل من اليهود يخرج في آخر هذه الأمة، كما جاءت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ودجله: سحره وكذبه؛ لأنه يدجل الحقّ بالباطل، أي يغطّيه.
قال الحافظ: الدجّال: فعّال، من الدجل، وهو التغطية، وسمّي الكذّاب دجّالًا؛ لأنه يغطي الحقّ بباطله.
وقال قوم: سمّي بذلك لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه.
وقال آخرون: (يغطي على الناس بكفره).
وقال ثعلب: (الدجّال: المموّه)
قوله: (إن الله لا يخفى عليكم): أي المؤمن بالله وبأوصافه التي تعرّف بها إلى عباده، لا يخفى عليه ربّ العالمين، فهو تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
قوله: (إنّ الله ليس بأعور): هذه الجملة هي المقصودة من الحديث في هذا الباب، فهذا يدلّ على أنّ لله عينين حقيقة؛ لأن العور فقد إحدى العينين، أو ذهاب نورها.
قال في "القاموس": العور: ذهاب حسّ إحدى العينين.
قوله: (كأن عينه عنبة طافية): أي قد ذهب ماؤها، فهي ضامرة ملتوية، ولهذا جاءت الأحاديث بوصفه بأنه ممسوح العين، كما في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت مرفوعا: ((إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة، ولا حجراء، فإن لبّس عليكم فاعلموا أنّ ربكم ليس بأعور))
- وعيّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عينه العوراء أنها اليمنى.
- هذا الحديث من الأدلة الواضحة على إثبات تثنية العين لله تعالى، ويزيد ذلك وضوحًا إشارته صلى الله عليه وسلم إلى عينه لتحقيق الوصف، يعني أن لله عينين سالمتين من كلّ عيب كاملتين، بخلاف الدجّال الفاقد لإحدى عينيه، وذلك من أعظم الأدلة على كذبه.


حديث أنس مرفوعًا: (.. إنه اعور، وإنّ ربكم ليس بأعور ..)


شرح المفردات:
الإنذار: هو الإخبار مع التخويف.
قوله: (ما من نبي): عموم يشمل جميع النبيين، وهو يدلّ على عظم فتنته، وخطره.
قوله: (الأعور الكذّاب): تقدّم أن الأعور: من عميت إحدى عينيه بآفة، فأصبح لا يرى إلا بعينٍ واحدة.
وصف بأنه الكذاب: لعظم كذبه؛ حيث يزعم أنه ربّ الناس، وهو يتدرّج في كذبه، فأولا: يدعي أنه مصلح، ثم يدّعي أنه نبيّ، ثم يدّعي أنه إله، وهذا أعظم الكذب وأبينه.
قوله: (إنه أعور، وإنّ ربّكم ليس بأعور): اشتملت هذه الجملة على تأكيد وصف الدجّال الكذّاب، بأنّه أعور العين؛ أي أنه ناقص معيب، ومثله محال أن يكون إلهًا؛ لأنه فقير محتاج إلى غيره، بالإضافة إلى النقص والعيب الذي فيه.
- كما اشتملت هذه الجملة من الحديث على وصف الله تعالى بكمال العينين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((وإن ربكم ليس بأعور)).
- وفي هذا بيان واضح بوصف الله تعالى بأن له عينين كاملتين، على ما يليق بعظمته.
قوله: (مكتوب بين عينيه كافر): وفي رواية: (يقرأه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب)، قال النووي: (والصحيح الذي عليه المحققون : أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية، جعلها الله آية، وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره، وكذبه، وإبطاله، يظهرها الله تعالى لكلّ مسلم كاتب، وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك) نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.


أقوال العلماء في إثبات العينين صفة لله تعالى

- قال شهاب الدين السهروردي في كتاب العقيدة له: (أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله، الاستواء، والنزول، والنفس، واليد، والعين، فلا يتصرّف فيها بتشبيه، ولا تعطيل؛ إذ لولا إخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى).
- قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد، وبه يقول السلف الصالح.
- قال الإمام ابن خزيمة: (بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين، فكان بيانه موافقًا لبيان محكم التنزيل)
ثم ذكر بسنده حديث أبي هريرة، وقرأ قوله تعالى: {إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه وإصبعه التي تليها على عينه"


تأثر بعض أهل الحديث بمذهب أهل الكلام في باب الأسماء والصفات وبيان الحقّ في ذلك

قال المصنف: (واعلم أن المتكلّمين من المعتزلة والأشعرية ونحوهم يزعمون أن من أثبت لله عينين، ويدين، ووجهًا، ونحو ذلك مما جاءت به النصوص، من أثبت ذلك على ظاهر اللفظ، أنه يثبت جوارح.
قال: ولهذا تجد الذين تلقّوا هذا الفكر، وتأثّروا به، من الذين يشتغلون بالحديث، إذا جاء ذكر ذلك قالوا: مثلا: إثبات صفة اليد لا من حيث الجارحة، إثبات صفة الوجه لا من حيث الجارحة، ونحو ذلك كما يقوله البيهقي في كتابه (الأسماء والصفات)، وسائر شرّاح الحديث(1)، الذين لا يجرؤون على ردّ النصوص، فهم عندما يتكلمون على مثل هذه النصوص يبادرون إلى نفي الجارحة، كما قال بعض زعمائهم ما يلي: (زعم قوم أن لله عينًا يريدون كجارحة العين من الإنسان ، وأرادوا التركيب، واحتجّوا بقوله تعالى: {ولتصنع على عيني}، {واصنع الفلك بأعيننا}، {واصبر لحكم ربّك فإنّك بأعيننا}.
قال أبو سعيد الدارمي رحمه الله تعالى في الردّ عليه: أمّا ما ادّعيت أنّ قومًا يزعمون أنّ لله عينًا، فإنّا نقوله؛ لأنّ الله تعالى قاله، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما زعمك أنهم يثبتون جارحة كجارحة العين من الإنسان على التركيب، فهذا كذب، ادّعيته علينا عمدًا، وأنت تعلم أن أحدًا لم يقله، ولكنّك تريد التشنيع، ليكون هنالك مقبولًا لدى الجهال، والكذب لا يصلح منه جدّ، ولا هزل.
فمن الذي قال: إنها جارحة مركّبة؟ اذكره، فإنّ قائله كافر.
وكم تشنّع بما تقرر من قولك: جسم مركب، وجوارح، وأجزاء، وأبعاض، تريد أن يكفّ المؤمنون عن وصف الله تعالى بما وصف به نفسه في كتابه، وما وصفه به رسوله.
ونحن لم نصف الله بجسم كأجسام المخلوقين، ولا بعضو، ولا بجارحة، لكنّا نصفه بما يغيظك من هذه الصفات، التي أنت ودعاتك لها منكرون، فنقول: إنه الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ذو الوجه الكريم، والسمع السميع ، والبصر البصير.
________________________________________________
(1) قال ابن بطال: في هذه الآية والحديث دلالة على أن لله وجهًا وهو من صفة ذاته، وليس بجارحة، ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين، كما نقول إنه عالم، ولا نقول إنه كالعلماء الذين نشاهدهم، ذكره ابن حجر في الفتح [كتاب التوحيد: باب16،ج15/ ص 9204]

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 13 صفر 1436هـ/5-12-2014م, 05:17 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثامن عشر: باب قول الله تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصوّر}

38: عن أبي سعيد الخدري، في غزوة بني المصطلق، أنهم أصابوا سبايا، فأرادوا أن يستمتعوا بهنّ، ولا يحملن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العزْل، فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله قد كتب ما هو خالقٌ إلى يوم القيامة)). (7409)
وقال مجاهد، عن قزعة، سمعت أباسعيدٍ، فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس نفس مخلوقة إلا الله خالقها)).

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة

بيان أن الله تعالى متصف بأنه الخالق، البارئ، المصوّر في الأزل والأبد، فهو الخالق قبل وجود المخلوق، وهو البارئ قبل وجود المبرى، وهو المصوّر قبل وجود المصوّر، فهو تعالى لم يزل بصفاته ولا يزال.
كما يريد أيضا بيان أن الخلق الذي هو وصفه تعالى غير المخلوق، خلافًا لأهل البدع الذين يشير بهذا إلى الردّ عليهم.

قوله تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصوّر}

· معنى الآية إجمالا
يقول تعالى أنه هو المعبود الخالق، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره، ولا خالق سواه، البارئ الذي برأ الخلق فأوجدهم بقدرته، المصور خلقه كيف شاء، وكيف يشاء، قاله ابن جرير.
· معنى الخلق لغة
أصل الخلق في الكلام التقدير، يُقال: خلقت الشيء خلقًا، إذا قدرته، ذكره الزجاج.
· معنى اسم الله تعالى (الخالق)
الخلق في اسم الله تعالى: هو ابتداء تقدير النشء، فالله تعالى خالقها، ومنشئها، وهو متممها، ومدبرها، فتبارك الله أحسن الخالقين، قاله الزجاج
- قال ابن بطال: (الخالق في هذا الباب؛ يراد به: المبدع المنشئ لأعيان المخلوقين، وهو معنى لا يشارك الله فيه أحد)
· معنى اسم الله تعالى (البارئ)
يُقال: برأ الله الخلق إذا فطرهم
والبرء: خلق على صفة.
فإذا فصل بعض الخلق من بعض، سمّي فاعله بارئًا.
فهو المعنى الذي به انفصلت الصورة بعضها من بعض، فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو، فتبارك الله خالقًا بارئًا. ذكره الزجاج
· معنى اسم الله (المصوّر)
أي مصور كل صورة لا على مثال احتذاه ولا على رسمٍ ارتسمه تعالى عن ذلك علوّا كبيرًا، قاله الزجاج
الفرق بين هذه الأسماء الثلاثة:
فالخالق هو مبدع الأشياء على غير مثال سابق
والبارئ موجد الأشياء ومظهرها إلى الوجود، من أصل ومن غير أصل
والمصوّر الذي خصّ كل مخلوق بما يميّزه عن الآخر، وما تحصل به مصلحته.

حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: (ما عليكم ألا تفعلوا ، فإنّ الله قد كتب من هو خالقٌ إلى يوم القيامة)

شرح المفردات:
(العزل): هو إنزال الماء خارج فرج المرأة، خوفًا أن تحمل.
قوله: (ما عليكم أن لا تفعلوا) أي: لا يضركم عدم العزل؛ لأن ما قدّره الله تعالى من الخلق لابد من وجوده، عزل الإنسان أو لم يعزل.
قوله: (فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة): هذا يبيّن عدم فائدة العزل؛ لأن كل نفس قدّر الله تعالى خلقها، لابد أن يخلقها عزلتم أم لا، وما لم يشأ خلقها لا يقع ولو لم يعزلوا.
وهذا هو وجه استدلال البخاري في الحديث: أن الله تعالى هو الخالق البارئ المصور وحده، وأن كلّا من الأب والأم لا دخل لهما في ذلك، بل الله تعالى هو الذي يقدّر خلق هذا المخلوق شاء الناس ذلك أو لم يشاءوا.
- فإن قيل: قد يتحكم الإنسان بالحمل إما بالعقاقير أو بوسائل أخرى.
فجوابه: أن ذلك من تقدير الله تعالى، ولا يمكن أن يكون شيء خارجًا عن مشيئته وتقديره، وإذا أراد أن يخلق مخلوقًا فلابد من وجوده، وإن استعملت الوسائل المانعة لذلك.

مسألة: الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الخالق، والمخلوق مفعوله
قال شيخ الإسلام : والذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف أن الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الخالق، والمخلوق مفعوله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بأفعال الربّ وصفاته، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)) فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه.
الاستعاذة بأفعال الرب وصفاته والاستدلال بذلك على أن كلام الله تعالى غير مخلوق
قد استدل أئمة السنة كأحمد وغيره، على أن كلام الله غير مخلوق ، بأنه استعاذ به، وكذلك معافاته ورضاه غير مخلوقة؛ لأنه استعاذ بهما، أما العافية القائمة ببدن الإنسان فهي مخلوقة، وهي نتيجة معافاته.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 22 صفر 1436هـ/14-12-2014م, 07:59 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس التاسع عشر: باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيديّ}


39: عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربّنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أما ترى الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلّمك أسماء كلّ شيء، اشفع لنا إلى ربّنا حتى يُريحنا من مكاننا هذا، فيقولُ: لست هُناك، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا نُوحًا، فإنه أول رسولٍ بعثه الله إلى أهل الأرض.
فيأتون نُوحًا، فيقول: لستُ هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن.
فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هُناكم، ويذكر لهم خطاياه التي أصابها، ولكن ائتوا موسى، عبدًا آتاه الله التوراة وكلّمه تكليمًا.
فيأتون موسى فيقول: لست هُناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى، عبد الله ورسوله، وكلمته وروحه.
فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، عبدًا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر.
فيأتوني فأنطلق فاستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، إذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعُني ما شاء الله أن يدعني.
ثمّ يُقال لي: ارفع محمد، وقُل يُسمع، وسلْ تُعطه، واشفع تُشفّع، فأحمدُ ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع، فيحُد لي حدًا فأدخلهم الجنة.
ثم أرجع فإذا رأيتُ ربي وقعت ساجدًا، فيدعُني ما شاء الله أن يدَعني.
ثم يُقال: ارفع محمد، وقُل يُسمع، وسلْ تُعطه، واشفع تُشفّع، فأحمدُ ربي بمحامد علمنيها ربي، ثم أشفع، فيحُد لي حدًا فأدخلهم الجنة.
ثم أرجع فإذا رأيتُ ربي وقعت ساجدًا، فيدعُني ما شاء الله أن يدَعني.
ثم يُقال: ارفع محمد، قُل يُسمع، وسلْ تُعطه، واشفع تُشفّع، فأحمدُ ربي بمحامد علمنيها، ثم أشفع، فيحُد لي حدًا فأدخلهم الجنة.
ثم أرجع فأقول: ياربّ ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود)).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرجُ من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرّة)) (7410)
40: عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يدُ الله ملأى لا يغيضُها نفقة، سحّاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق مُنذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده، وقال: وكان عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان، يخفضُ ويرفعُ)). (7411)
41: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يقبض يوم القيامة الأرض، وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك)). رواه سعيد عن مالك (7412)
42: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقبض الله الأرض)). (7413)
43: عن عبدالله: أن يهوديّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يُمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ : {وما قدروا الله حقّ قدره}
قال يحيى بن سعيد: وزاد فيه فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبدالله: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجّبًا وتصديقًا له. (7414)
44: قال عبد الله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم، إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره}. (7415)

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة

أراد رحمه الله بهذه الترجمة بيان ما أثبته الله تعالى لنفسه من صفة اليدين، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على ظاهر ما نطقت به النصوص المتنوّعة الدلالة في ذلك.

حديث أنس مرفوعا: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة ...إلى قوله: فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟ خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته ...)

- هذا حديث الشفاعة المشهور، وقد ذكره البخاري في أماكن متعددة من جامعه.
شرح مفردات الحديث
قوله: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك): قال الحافظ: (هكذا للجميع، وأظن أول هذه الكلمة لام –أي لذلك- والإشارة ليوم القيامة، أو لما يذكر بعد.)
وعند مسلم: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة، فيهتمون لذلك)، وفي رواية: (يلهمون لذلك)
قوله: (فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا): هذا هو الذي يهتمون له –أو يلهمونه- أي: لو طلبنا ممن هو موجود معنا من الرسل الذين لهم مقام عند الله من يشفع لنا عند ربنا، ليريحنا من عناء هذا الموقف وكرباته، فيحاسبنا ربنا ويجزينا بأعمالنا، وما نستحقّ، ثم نصير إلى منازلنا.
قوله: (فيأتون آدم): إلى عيسى عليهم السلام، وكلهم يعتذر، ويذكر لهم ذنبه.
وهذا يدلّ على عظم الله وعظيم قدره في قلوبهم، وعلى صعوبة الموقف بين يديّ الله تعالى وشدّته.
مسألة: في وقوع الذنوب من الأنبياء عليهم السلام.
هي مسألة مشهورة.
- ولا خلاف أن الكفر بعد النبوة غير واقع منهم.
- كما أنه لا خلاف في عصمتهم فيما يبلّغونه عن طريق القول.
- أما الفعل فقد يقع منهم السهو أو النسيان أو الخطأ الذي لا يقرّون عليه، فالصغائر جائز وقوعها منهم، أما الذنوب التي تزري بفاعلها وتسقط مروءته فهم محفوظون منها، والله أعلم
قوله: (خلقك الله بيده): هو محل الشاهد، ووجه الاستدلال:
أنه جعل ذلك ميزة لآدم من بين الخلق، فدلّ على أن اليد هنا على ظاهرها، يد حقيقة، ولو كانت كما يقول أهل التأويل، إنها القدرة، لم يكن لآدم اختصاص بذلك، إذ الخلق كلّهم مخلوقون بقدرة الله تعالى.
قوله: (فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا): صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم يرى ربّه عيانًا في ذلك الموقف.
قوله: (فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يُقال لي ارفع محمد، وقل يسمع، وسل تُعطه، واشفع تشفّع): فيه أن الله يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة.
وحقيقتها: إرادة الله تعالى رحمة الخلق وإراحتهم من عناء الموقف.
وإظهار كرامة محمد صلى الله عليه وسلم للخلق في ذلك الموقف العظيم، وإلا فالشفاعة كلّها لله.
قوله: (فأحمد ربي بمحامد علّمنيها): يدلّ على عدم حصر أسماء الله الحسنى في تسع وتسعين؛ لأن هذه المحامد بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
قوله: (ثم أشفع فيحدّ لي حدّا فأدخلهم الجنة): أي أن الله تعالى يعيّن له من يشفع فيهم، وهذا من الأدلة الواضحة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يشفع فيمن يريد، بل لمن يأذن الله له في الشفاعة فيهم.
وبذلك يتبيّن أن الشفاعة لله جميعًا، قال تعالى: {قل لله الشفاعة جميعًا له ملك السماوات والأرض ثم إليه تُرجعون}
قوله: (فأقول يا ربّ ما بقي إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود): أي أن أهل التوحيد الذين استحقّوا دخول النار بذنوبهم قد خرجوا منها بالشفاعة، وبقي من نصّ القرآن على أنه من أهل النار، الذين لا تنالهم شفاعة الشافعين.
قوله: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ..) إلى قوله: (ما يزن ذرّة): يدلّ على أنّ مجرّد قول لا إله إلا الله من دون أن يقوم في القلب شيء من الإيمان لا ينفع، ويدلّ على تفاوت الإيمان وتفاضله، وأن أهل الكبائر من المؤمنين يدخل من يدخل منهم النار ثم يخرجون منها.


حديث أبي هريرة مرفوعًا: (يدُ الله ملأى، لا يغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار ...)

شرح مفردات الحديث
قوله: (يد الله ملآى): محل الشاهد من هذا الحديث، فهما يدا الله الكريمتان، وما عدا ذلك فهو بهتان عظيم.
وملأى: أي أنها شديدة الامتلاء بالخير.
وجاء بلفظ: (يمين الله ملأى) عند مسلم، وعند البخاري في مواضع غير هذا.
فالاستدلال بهذا الحديث على ثبوت اليدين لله تعالى حقيقة ظاهر جدّا.
(لا يغيضها): أي لا ينقصها.
(سحّاء): أي دائمة الصبّ.
(الليل والنهار): أي يد الله دائمة السحّ في الليل والنهار.
قوله: (أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض): استدلال وإيضاح لكثرة نفقته تعالى، وتنبيه لمن له بصيرة إلى ذلك.
قوله: (فإنه لم يغض ما في يده): أي هذا الانفاق الهائل، المستمر الدائم بدون توقف، لم ينقص ما في يده تعالى؛ لأن بيده الخير كلّه.
قوله: (وعرشه على الماء): قال الحافظ: مناسبة ذكر العرش هنا: أن السامع يتطلّع من قوله: (منذ خلق السماوات والأرض) ماذا كان قبل ذلك؟ فذكر أن عرشه قبل خلق السماوات والأرض، كان على الماء.
قوله: (وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع): الميزان: العدل، الذي به يرفع من يكون أهلًا لأن يرفع، ومن هو موضع له، فيتفضّل عليه برفعه بالإيمان، ويخفض من ليس أهلًا لذلك بأن يمنع فضله عنه، ويكله إلى نفسه فيضلّ.

حديث ابن عمر مرفوعًا: (إنّ الله يقبض يوم القيامة الأرض، وتكون السماوات بيمينه ...)

شرح مفردات الحديث
القبض: إمساك الشيء بجميع كف اليد، فقبض الشيء: هو جمعه في الكف.
فقوله: (إن الله يقبض يوم القيامة الأرض): أي يجمعها بيده، فتكون في قبضته، كما قال تعالى: {والأرضُ جميعًا قبضته يوم القيامة}
ففيه الدليل الواضح على ثبوت اليدين لله تعالى، وهو نص لا يقبل تأويلًا.
وقوله: (وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول أنا الملك): أي أنه تعالى يطوي السماوات بيده اليمنى، والأرض مقبوضة بيده الأخرى وأنه يهزّهنّ ثم يقول –يعظّم نفسه-: أنا الملك.
- وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: {وما قدروا الله حقّ قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون} -وسيأتي تفسيرها-


حديث أبي هريرة مرفوعًا: (يقبض الله الأرض)

- تقدّم تفسير القبض.
- وهذا الحديث مرّ في باب قوله تعالى: {ملك الناس}

حديث ابن مسعود: أن يهوديّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ...

شرح الحديث
- دلالة الحديث في إثبات الأصابع لله تعالى.
- قال البغوي: (الإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عزوجل)
- هذا الحديث يدلّ على عظمة الله تعالى حيث يضع السماوات كلها على إصبع من أصابع يده الكريمة العظيمة، وعدّد المخلوقات المعروفة للخلق بالكبر والعظمة، وأخبر أن كلّ نوع منها يضعه تعالى على إصبع.
- ولو أراد تعالى لوضع السماوات والأرضين ومن فيهنّ على إصبع واحدة من أصابع يده جلّ وعلا.
- وهذا من العلم الموروث عن الأنبياء المتلقّى عن الوحي من الله تعالى، ولهذا صدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل وأعجبه ذلك وسُرّ به، ولهذا ضحك حتى بدت نواجذه، تصديقًا له، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
ثبوت أصابع الرحمن ، وإبطال قول أهل التأويل
- قال الحافظ في شرحه لهذا الحديث: (زاد ابن خزيمة عن محمد بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش فذكر الحديث، قال محمد: عدّها علينا يحيى بأصابعه.
وكذا أخرجه أحمد في السنة عن يحيى بن سعيد وقال: وجعل يحيى يشير بأصبع، يضع إصبعًا على أصبع، حتى أتى على آخرها، وقال: ورواه الخلّال في كتاب السنّة، عن أبي بكر المروزي عن أحمد وقال: ورأيت أبا عبد الله يشير بإصبع إصبع).
قال المصنف: تبعوا في ذلك ما وقع من الحبر الذي حدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يشير بأصابعه ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أقرّه وصدّقه.
فعن ابن عباس قال: (مرّ يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا يهودي حدّثنا))، فقال: كيف تقول يا أبا القاسم: إذا وضع الله السماوات على ذه، والأراضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه –وأشار محمد بن الصلت (أبو جعفر) بخنصره أولًا ثم تابع حتى بلغ الإبهام- فأنزل الله: {وما قدروا الله حقّ قدره}، رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، ورواه ابن جرير، وعبد الله ابن الإمام أحمد.
فمثل هذه الأحاديث هي مستند السلف في الإشارة بالأصابع، تحقيقًا لإثبات أصابع الرحمن جلّ وعلا، وقدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وفيه دلالة أنهم فهموها على ظاهرها، وأنها أصابع حقيقة.
- كما أنها تدلّ دلالة قاطعة على ثبوت اليدين لله تعالى.
الرد على الخطابي، ومن سلك طريقه في إنكار أصابع الله تعالى
ذكر المصنف قول الخطابي في إنكاره لأصابع الله تعالى، وبيّن خطأ ما وقع فيه في ردّ مفصل عليه وعلى كل من سلك طريقه في تأويل صفات الله تعالى.
ومجمل رد الشيخ الغنيمان:
- أن يُقال: إن ذكر الأصابع قد وقع في القرآن؛ لأن الله تعالى يقول فيه: {وما آتاكم الرسول فخذوه}، وقد أتانا صلى الله عليه وسلم بذكر الأصابع، وذكر الكف، وذكر اليمين، والشمال، واليدين مرة مثناة، ومرة منصوص على أنها واحدة، وأنه يُفعل بها كذا وكذا، وأن الأخرى فيها كذا، كما تقدمت النصوص بذلك.
- ومن قصد رد الأحاديث في باب الصفات لكونها لم تثبت في القرآن، أو ليست مما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيُقال: إن الصحابة ومن سلك نهجهم، لم يفرّقوا بين أصول الدين وفروعه في الثبوت، ومعظم الدين الإسلامي ثبت بأخبار الآحاد.
- وزعمهم أن الألفاظ الواردة في إثبات الصفات كاليد، والوجه، والعين، والنزول، والاستواء، ونحوها من الألفاظ لا تدلّ على ما وضعت له في اللغة، فلا يوقف لها على معان تطابق ألفاظها، فيُقال: لازم هذا القول أن الشارع خاطب الناس بما ظاهره غير مقصود، ولا مطلوب منهم الإيمان بظاهره، ومعلوم أن الله تعالى خاطبنا باللغة العربية، وبألفاظ معلومة المعاني للمخاطبين، فالمخاطبون بهذه النصوص علموا أن المراد بها ما دلّت عليه بظاهرها، وكذلك المخاطب أراد منهم ذلك.
- والصحابة سمعوا هذه النصوص ورووها ولم يسألوا عن معان لها غير ظاهرها، فلما سكتوا دلّ ذلك على أنهم علموا أن المراد بها هو الظاهر.
- فوجب علينا أن نسكت حيث سكتوا، وأن نقبل ونسلّم كما قبلوا وسلموا لها بدون تأويل، ونعتقد مطمئنين أن لله تعالى يدين حقيقتين لهما أصابع يضع عليها السماوات والأرض وما شاء يوم القيامة.
- قال الإمام أحمد: الحديث عندنا على ظاهره، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره.

أدلة ثبوت اليدين، وبطلان قول المؤوّلين

1) قال تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويّات بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
تفسيرها:
عن ابن عمر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس فمرّ بهذه الآية: {وما قدروا الله حق قدره ...} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأخذ السماوات والأرضين السبع فيجعلها في كفّة، ثم يقول بهما كما يقول الغلام بالكرة: أنا الله الواحد، أنا الله العزيز)) حتى لقد رأينا المنبر، وإنه ليكاد أن يسقط به. رواه ابن جرير
وعن ابن عباس قال: قد قبض الأرضين والسماوات جميعًا بيمينه. رواه ابن جرير
2) وقال تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء}
3) وقال تعالى: {يدُ الله فوق أيديهم}
4) وقوله تعالى: {بيده الملك}
5) وقوله تعالى: {بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}
6) في الموطأ والترمذي وسنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته)) ورواه أحمد
7) وفي الترمذي وسنن أبي داود مرفوعًا: ((أن الله تبارك وتعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض)).
8) وفيه أيضًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا في حديث طويل في خلق آدم وفيه: ((فقال الله له: ويداه مقبوضتان، اختر أيهما شئت، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، ثم بسطها، فإذا فيها ذريته))
9) وفي (صحيح مسلم) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطوي الله عزوجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟))
10) وفيه أيضًا من حديث عبد الله بن عمر وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)).
11) وفيه أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما تصدّق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت ثمرة، فتربو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل ...))
12) وفيه أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل ... قال: ثم يبسط يديه تبارك وتعالى يقول: من يقرض غير عدوم ولا ظلوم))
13) وفيه من حديث المغيرة بن شعبة في سؤال موسى ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة: ((رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي، وختمت عليها، ...))
14) وفي الصحيحين مرفوعًا من حديث أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبّار بيده كما يتكفّأ أحدكم خبزته في السفر نزلًا لأهل الجنة))
15) وفيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم في حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام : ((فقال آدم: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده ...))
وفي رواية لمسلم: ((قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيكِ من روحه ...))
والأحاديث والآثار عن السلف في ذلك كثيرة.

تنوع الدلائل على ثبوت اليدين صفة لله تعالى

فكما سبق منها النصوص التي فيها ذكر اليدين وإثباتهما صفة لله تعالى، وكذلك إثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض بهما وتثنيتهما، وأن إحداهما يمين، وجاء ذلك في نصوص كثيرة، والأخرى شمال كما في صحيح مسلم، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، وبالنهار ليتوب مسئ الليل، وأنه تعالى يتقبّل الصدقة من الكسب الطيّب بيمينه فيربيها لصاحبها، وأن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعضه يكفي المؤمن المريد للحقّ.

إيمان السلف بنصوص الصفات على ظاهرها

وقد آمن المسلمون بهذه النصوص على ظاهرها، وقبلوها ولم يتعرضوا لها بتأويل، تبعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة الهدى.
فمن أثبت لله تعالى يدين، وأثبت لهما أصابع، على ما جاء في النصوص الصحيحة لا يكون مشبّهًا، بل يكون متبعًا لكتاب الله وسنة رسوله، مطيعًا لله ورسوله في ذلك؛ لأنه أثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.

تأويلات المعطلين ليديّ ربّ العالمين وتحريفهم للكلم عن مواضعه، وجواب ذلك

اضطرب أهل التأويل في تأويلهم اليد اضطرابًا يدلّ على أنهم على باطل، ومن ذلك تأويلهم لليد بالنعمة أو القوة أو الخزائن أو القدرة أو غير ذلك.
- واعتمد أهل التأويل في تأويلهم اليد أنها النعمة والعطيّة، تسمية للشيء باسم سببه، كما يسمّى المطر والنبات: سماء، ومن ذلك قولهم: لفلان عندي أياد.
- وقد تكون اليد بمعنى القدرة تسمية للشيء باسم مسببه؛ لأن القدرة هي تحرك اليد، يُقال: فلان له يد في كذا وكذا، أي له قدرة.
- وقد يضاف الفعل إلى اليد إضافته إلى الشخص نفسه؛ لأن غالب الأفعال تكون بها، فصار ذكر اليد إشارة إلى أنه فعل بنفسه كما قال تعالى: {ذلك بما قدمت أيديكم}
- ولذلك قالوا في مثل قوله تعالى: {بل يداه مبسوطتان} أي نعمته في الدنيا والآخرة، فاللفظ كناية عن نفس الجود، من غير أن يكون هناك يد حقيقة، وقالوا في قوله تعالى: {لما خلقت بيديّ} أي خلقته أنا، وليس هناك يد حقيقية، ونحو هذه التأويلات.
- والجواب:
- إننا لا ننكر لغة العرب التي نزل بها القرآن، وأن ما ذكر معروف في اللغة.
- ولكن ننكر تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وصفاته.
- فلفظ (اليدين) بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة؛ لأن من لغة العرب استعمال الواحد في الجمع كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر}
ولفظ الجمع في الواحد كقوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس} والقائل واحد
ولفظ الجمع في الاثنين كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما}
- أما استعمال لفظ الواحد في الاثنين، والاثنين في الواحد، فلا أصل له في اللغة؛ لأن هذه الألفاظ عدد، وهي نصوص في معناها، فلا يجوز أن تقول: عندي رجل وأنت تريد اثنين، ولا عندي رجلان وأنت تريد واحدًا.
فقوله تعالى: {لما خلقت بيديّ} لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد.
ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية.
ولا يجوز أن يكون كما قالوا: لما خلقت أنا؛ لأنه إذا أضيف الفعل إلى الفاعل وعُدّي الفعل إلى اليد بحرف الجر كقوله تعالى: {لما خلقت بيديّ} فإنه يكون نصّا في أنه فعل ذلك بيديه.
من أقوال الإمام البربهاري في وجوب قبول الأحاديث والآثار الواردة في الصفات على ظاهرها والتسليم والإيمان بها دون تأويل أو تحريف
قال البربهاري: (إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار، ولا يقبلها، أو ينكر شيئا من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتهمه على الإسلام، لأنّا إنما عرفنا الله ورسوله ، وعرفنا القرآن والخير والشرّ بالآثار)
وقال أيضًا: (واعلم أنما جاء هلاك الجهميّة من أنهم فكروا في الربّ عزوجل فأدخلوا لِم وكيف؟ وتركوا الأثر ووضعوا القياس، وقاسوا الدين على رأيهم، فجاءوا بالكفر عيانًا، لا يخفى أنهم كفروا، وكفّروا الخلق، واضطرهم الأمر إلى أن قالوا بالتعطيل).
وقال أيضًا: (وكل ما سمعت من الآثار شيئًا لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وقوله: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، وينزل يوم عرفة، وينزل يوم القيامة، وأن جهنم لا يزال يطرح فيها، حتى يضع عليها قدمه، وقوله للعبد: إن مشيت إليّ هرولت إليك، وقوله: خلق الله آدم على صورته، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة، وأشباه هذه الأحاديث، فعليك بالتسليم، والتصديق، والتفويض والرضا -أي تفويض الحقيقة والكيف-، ولا تفسّر شيئًا من هذه بهواك، فإن الإيمان بهذا واجب، فمن فسّر شيئًا من هذا بهواه، أو ردّه فهو جهمي.)


أقوال أهل العلم في إثبات اليدين صفة لله تعالى

- قال أبو سعيد الدارمي: (وقد تواتر في السنة مجئ اليد وصفًا لله تعالى، فعلم من ذلك أن لله تعالى يدين مختصتين به، ذاتيتين له، كما يليق بجلاله، وأنه تعالى خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس، وأنه سبحانه يقبض الأرض، ويطوي السماوات بيده اليمنى ...)
- قال الإمام ابن خزيمة: (نحن نقول الله عزوجل له يدان، كما أعلمنا الباري في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيّه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونقول: كلتا يديّ ربنا يمين على ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول: إن الله عزوجل يقبض الأرض بإحدى يديه، ويطوي السماء بيده الأخرى)
- قال ابن القيم: (وإطراد لفظ اليد في موارد استعمالها، وتنوّع ذلك، يوجب أن تكون اليد حقيقة، كقوله تعالى: {لما خلقت بيديّ}، {بل يداه مبسوطتان}، {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه}...)
وعلى هذا مضى سلف الأمة وعلماء السنة تلقوها جميعًا بالإيمان والقبول، وتجنبوا فيها التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 27 صفر 1436هـ/19-12-2014م, 03:31 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس العشرون: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شخص أغيرُ من الله))

وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك ((لا شخص أغيرُ من الله))
45: عن عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غيرَ مُصفح فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تعجبون من غَيرة سعد، والله لأنا أغيرُ منه، والله أغيرُ منّي، ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحدَ أحبّ إليه العُذرُ من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين، ولا أحدَ أحبّ إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة)).(7416)

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة
أن هذين الاسمين: الغَيْرة، والشخص، يخبر بهما عن الله تعالى وصفًا له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبتهما لله تعالى، وهو أعلم الخلق بالله تعالى.

قوله : وقال عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك (لا شخص أغيرُ من الله)
ثبوت لفظ (لا شخص) في ألفاظ الحديث، وصحة رفعه
قال الحافظ: (يعني أن عبيد الله بن عمرو روى الحديث المذكور عن عبدالملك بالسند المذكور فقال: ((لا شخص)) بدل كلمة: ((لا أحد)).
وقد وصله الدارمي، ثم ذكر سنده، وساقه أبو عوانة –يعقوب الإسفرائيني- في صحيحه، عن محمد بن عيسى العطار، عن زكريا بتمامه، وقال في المواضع الثلاثة: (لا شخص)
قال الإسماعيلي –بعد أن أخرجه-: من طريق عبيد الله بن عمرو القواريري، وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضاح البصري بالسند الذي أخرجه به البخاري، ولكن قال في المواضع الثلاثة: (لا شخص) بدل (لا أحد)
ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك.
فكأن هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة، عن عبد الملك، فلذلك علقها عن عبيد الله بن عمرو.
قلت: وقد أخرجه مسلم عن القواريري وأبي كامل كذلك).
ولفظ مسلم: (قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح عنه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة))
ورواه الإمام أحمد في المسند بهذا اللفظ، قال عبد الله بن الإمام أحمد بعد ذكره ، قال عبيد الله القواريري: ليس حديث أشدّ على الجهمية من هذا الحديث.

معنى الشخص، وثبوته وصفًا لله تعالى، والرد على من نفى ذلك(1)
معنى الشخص لغة: هو ما شخص وبان عن غيره.
وقال في اللسان: "الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور"
والله تعالى أظهر من كلّ شيء، وأعظم، وأكبر، وليس في إطلاق الشخص عليه محذور على أصل أهل السنة الذين يتقيّدون بما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فاسم شخص يخبر به عن الله تعالى وصفًا له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبته لله، وهو أعلم الخلق بالله تعالى.
فصحّ عنه صلى الله عليه وسلم إطلاق اسم الشخص على الله تعالى، فهو ثابت بطرق صحيحة لا مطعن فيها.
وإذا صحّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب العمل به، والقول بموجبه.
وبهذا يتبيّن خطأ كل من زعم أن الله تعالى لا يوصف بأنه شخص؛ كابن بطال وابن فورك والخطابي وغيرهم من شرّاح الحديث.

معنى الغَيْرة
الغَيْرة: بفتح الغين وإسكان الياء، وهي في اللغة مأخوذة من التغيّر الحاصل من الأنفة والحميّة.
قال النووي: (قال العلماء: الغَيْرة بفتح الغين، وأصلها المنع، والرجل غيور على أهله؛ أي: يمنعهم من التعلّق بأجنبي بنظر، أو حديث، أو غيره، والغَيْرة صفة كمال)

المراد بغيْرة الله تعالى، وثبوتها وصفًا له سبحانه(2)
والمراد بغَيْرة الله تعالى: فسّرها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إنّ الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرّم الله)) ذكره الحافظ
فمعناه: أن الله تعالى يغار إذا انتهكت محارمه.
وليس انتهاك المحارم هو غيرة الله؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره.
ثبوت وصف الله تعالى بالغيرة
فغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها سبحانه، ويخبر بها عن الله تعالى وصفًا له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبتها لله تعالى، وهو أعلم الخلق به سبحانه.
وغيرة الله تعالى ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته مثل: الغضب، والرضا ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها.
فالله تعالى ليس كمثله شيء في ذاته، فكذلك هو سبحانه في صفاته وأفعاله، فالقول في الصفات كالقول في الذات.
كما أن القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
فكما أنه تعالى سمعه ليس كسمعنا، وعلمه ليس كعلمنا، وبصره ليس كبصرنا، وكذا البقية: فنزوله سبحانه، واستواءه، وغضبه، وفرحه، وحبّه، وغيرته وسائر صفاته ليست كصفات المخلوقين.

حديث المغيرة مرفوعًا: ((تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير منّي، ومن أجل غَيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ...))
الحديث أخرجه مسلم والإمام أحمد وغيرهما بلفظ : (لا شخص أغير من الله).
شرح مفردات الحديث
قوله: (لضربته بالسيف غير مصفح): أي لضربته بحد السيف لا بصفحه، يعني: لقتله بدون توقف، وقد أقرّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك(3)، وأخبر أنه أغير من سعد، وأن الله أغير منه.
فدلالة الحديث: أنه لابد من الغيرة، والذي لا غيرة له ديوث، والديّوث لا يدخل الجنة كما في سنن النسائي وغيرها.
قوله: (والله أغير منّي، ومن أجل غَيرة الله حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) هذا محل الشاهد من الحديث، مع ما ثبت من لفظ الحديث: (ولا شخص أغير من الله)
والمراد بغيرة الله تعالى كما سبق: أن الله تعالى يغار إذا انتهكت محارمه.
وليست غيرة الله تعالى منعه –تعالى- الناس من الفواحش، فهذا ليس معنى الغيرة، ولكنه مقتضى الغيرة، فتحريم الفواحش، والمنع منها، ليس هو الغيرة، وإنما هو من آثارها، ذكره المصنف في الرد على تفسير النووي لمعنى غيرة الله تعالى.
والفواحش: هي ما عظم وفحش في النفوس الزاكية والعقول السليمة مثل الزنا.
الظاهر: يشمل ما فعل علنًا وما باشرته الجوارح وإن كان سرّا.
الباطن: يشمل ما في السرّ وما انطوت عليه القلوب.
قوله: (ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله): العذر هو طلب العفو عن فعل سابق مع الاعتراف بالذنب، والندم على وقوعه منه.
والمراد به هنا: الإعذار، وهو إقامة البيّنات والحجج، وإيضاح طريق الخير والشرّ.
قوله: (ومن أجل ذلك بعث المبشّرين والمنذرين): وهم الرسل.
قال عياض: المعنى بعث المرسلين للإعذار والإنذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة، وهو كقوله تعالى: {رسلًا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل}
قوله: (ولا أحد أحبّ إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة) وهذا لكماله المطلق، فهو تعالى يحبّ من عباده أن يثنوا عليه ويمدحوه على فضله وجوده، ومن أجل ذلك جاد عليهم بكلّ نعمة يتمتّعون بها، ويرضى عنهم إذا حمدوه عليها.
فهو سبحانه مهما أثنوا عليه ومدحوه لا يمكن أن يصلوا إلى ما يستحقّه من المدح والثناء.
________________________________________________
(1) قال ابن عثيمين: "هل يوصف الله تعالى بالشخص أو لا؟ هذا ينبني على أمرين:
الأول: صحة اللفظ (لا شخص أغير من الله)؛ لأن بعض ألفاظ الحديث (لا أحد أغير من الله) وهذا هو أكثر الروايات، وأحد يصح أن يوصف الله تعالى به في الإثبات والنفي، فالإثبات قوله تعالى: {قل هو الله أحد}، والنفي (لا أحد أغير من الله)، فلابد أن نبحث هل هذه اللفظة محفوظة أم لا.
الثاني: إذا كانت محفوظة، وأن الرواة الذين رووا الحديث رووه بالمعنى، فمنهم من عبّر بالشخص، ومنهم من عبر بأحد، فإن ذلك لا يلزم منه ثبوت الشخصية لله تعالى؛ لأنه يحتمل أن المعنى: لا شخص منكم، أو لا شخص من بني آدم أغير من الله، إذ لا يلزم أن يكون المفضل عليه من جنس المفضل، كقولك: لا رجل أطول من الفيل، فلا يلزم أن يكون الفيل من الرجال.
ثم إذا سلمنا أن اللفظ محفوظ، وأنه يدلّ على أنه تعالى يوصف بالشخصية، فإنه لا يلزم من كونه شخصًا أن يكون مماثلًا للأشخاص، فإنّ الله تعالى ليس كمثله شيء، حتى في اللفظة التي يشترك فيها مع المخلوق، فإنه لا يماثله في حقيقة معناها .."
(2) قال ابن عثيمين: "الغيرة: أن يغار الإنسان على فعل ما يكرهه، كأنه يطلب تغيره، هذا أصل اشتقاق الغيرة.
فهو أن يكره الغائر ما حصل ويريد تغييره.
والله تعالى يوصف بالغيرة، كما يوصف بالفرح، والغضب، وما أشبه ذلك.
وهي من الصفات الفعلية التي تتعلق بمشيئته، فالضابط المعروف عند العلماء: أن كل صفة تتعلق بمشيئته فهي صفة فعلية كالفرح، والغضب، والعجب.
فكل صفة ذات سبب فهي تتعلق بمشيئته سبحانه."
(3) قال ابن عثيمين رحمه الله: (اختلف العلماء في هذا القول: هل هو إقرار أم إنكار؟
فعلى القول الأول: يكون قوله صلى الله عليه وسلم: (والله لأنا أغير منه ..) ثناء على سعد، والإقرار على ذلك، والمعنى: ولكن ليست غيرته أعظم من غيرة الله ورسوله.
وعلى القول الثاني: يكون المعنى: أني أغير منه، والله أغير منّي، ولكن مع ذلك لم يشرع هذا الفعل الذي عزم عليه سعد.
والأقرب الأول، أنه إقرار)
وفصّل الشيخ ابن عثيمين في هذه المسألة فيُراجع شرحه.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 5 ربيع الأول 1436هـ/26-12-2014م, 01:44 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الحادي والعشرون: باب : {قل أيّ شيء أكبر شهادة قل الله}


فسمى الله تعالى نفسه شيئًا، وسمّى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئًا، وهو صفة من صفات الله، وقال: {كلّ شيء هالك إلا وجهه}
46: عن مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلِ: ((أمعكَ من القرآن شيء))، قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، لسورٍ سمّاها. (7417)

الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة

يريد بهذا رحمه الله أنه يطلق على الله تعالى أنه شيء، وكذلك صفاته
وليس معنى ذلك أن الشيء من أسماء الله الحسنى، ولكن يخبر عنه تعالى بأنه شيء، وكذا يخبر عن صفاته بأنها شيء؛ لأن كل موجود يصح أن يقال: إنه شيء.


معنى الشيء، وأن المعدوم لا يسمّى شيئًا

قال الحافظ: الشيء يساوي الموجود لغة وعرفًا.
فلفظ شيء يقتضي إثبات موجود، ولفظ (لا شيء) يقتضي نفي موجوده، نقله الحافظ عن ابن بطال.
وأما قولهم: فلان ليس بشيء فهو على طريق المبالغة في الذم، فلذلك وُصف بصفة العدم، قاله الحافظ.


يُخبر عن الله تعالى بأنه شيء، وموجود، ولكن لا يوصف بذلك

الأدلة أنه تعالى يُخبر عنه بأنه شيء، وكذا صفاته
- قال تعالى: {قل أيّ شيء أكبر شهادة قل الله}
قال البخاري رحمه الله: فسمّى الله تعالى نفسه شيئًا.
قال الحافظ: أي إذا جاءت استفهامية، اقتضى الظاهر أن تسمّى باسم ما تضاف إليه، فعلى هذا صحّ الاستدلال بها على تسمية الله تعالى شيئًا.
قال: واسم الجلالة مبتدأ محذوف؛ أي ذلك الشيء هو الله، ويصح أن يكون مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير: الله أكبر شهادة، والله أعلم
- وقال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}
قال الحافظ: الاستدلال بهذه الآية للمطلوب ينبني على أن الاستثناء متصل، فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه، وهو الراجح، على أن لفظ شيء يُطلق على الله تعالى، وهو الراجح أيضًا.
- قوله صلى الله عليه وسلم لرجل: ((أمعك من القرآن شيء؟))
قال البخاري: سمّى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئًا.
فأطلق الشيء على القرآن، وهو صفة من صفات الله تعالى، والصفة لها حكم الموصوف، فيصحّ إطلاق ذلك على الله تعالى.
- فيطلق على الله تعالى أنه شيء، وكذلك صفاته، وليس معنى ذلك أن الشيء من أسماء الله الحسنى.
ولكن يخبر عن الله تعالى بأنه شيء، وكذا صفاته.
فلفظ الشيء يطلق على القرآن إثباتًا لوجوده، وحقيقته، ونفيًا لعدمه، وليس لفظ الشيء اسمًا له.
- قال عبد العزيز الكناني في محاجته لبشر المريسي: ... فلم يتسمّ بالشيء، ولم يجعل الشيء اسمًا من أسمائه، ولكنه دلّ على نفسه أنه شيء، وأنه أكبر الأشياء إثباتًا للوجود، ونفيًا للعدم، وتكذيبًا للزنادقة، ومن تقدّمهم ممن جحد معرفته، وأنكر ربوبيته من سائر الأمم.

حديث سهل بن سعد مرفوعًا: (أمعك من القرآن شيء؟)
ترجمة راوي الحديث:
هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري، من مشاهير الصحابة، له أحاديث كثيرة في كتب الحديث.
ذكر ابن حبان أن اسمه حزن فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه.
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة وعمّر طويلًا، فكان آخر من مات في المدينة من الصحابة على أحد الأقوال سنة 91 هــ
شرح الحديث:
هذا الحديث مختصر من قصة الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم لمّا قال له رجل من أصحابه: إن لم يكن لك بها حاجة، فزوجنيها يا رسول الله، قال له صلى الله عليه وسلم: أمعك شيء تعطيها إيّاه؟ قال: لا، قال: التمس ولو خاتمًا من حديد، فلمّا لم يجد، قال له: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور سمّاها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زوجتكها على ما معك من القرآن؛ أي يكون تعليمه لها ما معه من سور القرآن صداقًا لها.
فيُطلق على صفات الله تعالى أنها شيء
ودليله: قوله صلى الله عليه وسلم: (أمعك شيء من القرآن) فهو محل الشاهد.
فأطلق الشيء على القرآن، وهو صفة من صفات الله تعالى.
قال الإمام عبدالعزيز الكناني في محاجته لبشر المريسي لمّا سأله بشر عن القرآن: أهو شيء أم ليس بشيء؟
قال: "فقلت لبشر: سألت عن القرآن هو شيء، أم غير شيء، فإن كنت تريد أنه شيء، إثباتًا للوجود، ونفيًا للعدم، فنعم هو شيء.
وإن كنت تريد أن الشيء اسم له، وأنه كالأشياء، فلا.
فإنّ الله أجرى كلامه على ما أجراه على نفسه، إذ كان كلامه من ذاته ومن صفاته، فلم يتسمّ بالشيء، ولم يجعل الشيء اسمًا من أسمائه، ولكنه دلّ على نفسه أنه شيء، وأنه أكبر الأشياء إثباتًا للوجود، ونفيًا للعدم، وتكذيبًا للزنادقة، ومن تقدمهم ممن جحد معرفته وأنكر ربوبيته من سائر الأمم".

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 11 رجب 1436هـ/29-04-2015م, 04:05 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

الدرس الثاني والعشرون: باب : {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]
[1 - 2]

{وهو ربّ العرشِ العظيم} [التوبة: 129]
قال أبو العالية: {استوى إلى السماء} [الأعراف: 54]: ارتفع.
{فسوّاهنّ} [البقرة: 29]: خلقهنّ.
وقال مجاهد: {استوى} علا {على العرش} [الأعراف: 54]
وقال ابن عباس: {المجيد} [البروج: 15]: الكريم، {الودود} [البروج: 14]: الحبيب، يُقال: حميد مجيد، كأنّه فعيل من ماجد، محمود من حمد.
47: حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن جامع بن شدّاد، عن صفوان بن محرز، عن عمران ابن حصين قال: إني عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم، فقال: ((اقبلوا البشرى يا بني تميم)). قالوا: بشّرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن، فقال: ((اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم)). قالوا: قبلنا، جئناك لنتفقّه في الدّين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان، قال: ((كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثمّ خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء)). ثم أتاني رجل فقال: يا عمران أدرك ناقتك، فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها، فإذا السراب ينقطع دونها، وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم. (7418)
48: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، حدثنا أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض، أو القبض يرفع ويخفض)). (7419)
49: حدثنا أحمد، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن ثابت، عن أنسٍ قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقِ الله، وأمسك عليك زوجك)).
قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه.
قال: فكانت زينب تفخرُ على أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم تقولُ: زوّجكنّ أهاليكنّ، وزوّجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.
وعن ثابت: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس} نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة. (7420)
50: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد؛ عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (( إن الله لما قضى الخلق، كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي)). (7421)
51: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني محمد بن فليح، قال: حدثني أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها ))، قالوا: يا رسول الله، أفلا ننبئ الناس بذلك؟ قال: ((إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله، فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)). (7422)
52: حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم - هو التيمي - عن أبيه، عن أبي ذر، قال: دخلت المسجد، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس؛ فلما غربت الشمس قال: ((يا أبا ذر، هل تدري أين تذهب هذه؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب تستأذن في السجود، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها))، ثم قرأ: (ذلك مستقر لها) في قراءة عبد الله". (7423)
53: حدثنا موسى، عن إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت.
وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، أن زيد بن ثابت حدثه، قال: أرسل إلىَّ أبو بكر، فتتبعت القرآن، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} حتى خاتمة براءة ".(7424)
54: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيب عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول عند الكرب: (( لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم )). (7425)
55: حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال النبي: (( يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)). (7426)
56: وقال الماحشون: عن عبد الله بن الفضل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (( فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش)). (7427)


الشرح:

مقصود البخاري بهذه الترجمة

هو بيان لما يقوله ويعتقده عامّة السلف من الصحابة وأتباعهم أن الله تعالى مستوٍ على عرشه، عالٍ على خلقه.


معنى العرش ، وذكر بعض أقوال السلف فيه

معنى العرش لغة
العرش في كلام العرب يطلق على معان:
الأول: سرير الملك، ذكره الأزهري والليث والجوهري.
قال تعالى: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} فسمى الله تعال ىسرير ملكة سبأ عرشاً.
الثاني: سقف البيت، ذكره الأزهري والجوهري وغيرهما.
قال تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} قيل: على سقوفها، أراد أن حيطانها قائمة، وقد تهدمت سقوفها.
وقال الكسائي: {عَلَى عُرُوشِهَا} على أركانها.
الثالث: ما يستظلّ به، يقال له العرش والعريش.
وعرش القدم: ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع، وعرش الرجل: قوام أمره، فإذا زال قوام أمره، قيل: ثل عرشه، وعرش البئر: طيها بالخشب، بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة قدر قامة، فذلك الخشب هو العرش، والجمع عروش.
ويظهر مما ذكره أهل اللغة: أن العرش اسم للسرير المرتفع العظيم، الذي يجلس عليه الملك، ويطلق على السقف.

المراد بعرش الرحمن
وعرش الرب - جل وعلا - له المعنيان:
فهو محل استوائه تعالى.
وهو سقف المخلوقات.

تفسير قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء}
- قال ابن جرير: " يقول -تعالى-: وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض، وما فيهن".
- وعن مجاهد: وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا. رواه ابن جرير
- وفي حديث أبي رزين العقيلي: " قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا، قبل أن يخلق خلقه؟ قال: " كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء." رواه ابن جرير والترمذي
والمراد بالعماء في حديث أبي رزين:
فيه قولان:
الأول: العماء: أي ليس مع الله شيء، فيدلّ على أنه تعالى كان ولم يكن معه شيء، وهو قول يزيد بن هارون، وأقرّه الترمذي.
الثاني: قيل: هو السحاب الأبيض الرقيق، وهو قول أبي عبيد، ورجّحه الأزهري.
قال الأزهري: والقول عندي، ما قاله أبو عبيد، أنه العماء، ممدود، وهو السحاب، ولا يدري كيف ذلك العماء، بصفة تحصره، ولا نعت يحده، ويقوى هذا القول قول الله - جل وعز -: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} فالغمام معروف في كلام العرب.
إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله - عز وجل - يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به، ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله - عز وجل-.


تفسير قوله تعالى: {وهو ربّ العرش العظيم}
معنى قوله تعالى: (وهو ربّ العرش)
أي هو تعالى المالك للعرش، المتصرّف فيه.
فائدة إضافة العرش لله تعالى، ووصفه بأنه عظيم
إضافة العرش إليه - تعالى - ووصفه بأنه عظيم، يدل على خصوصية للعرش، ليست لغيره من سائر المخلوقات:
- فهو أكبر المخلوقات، وأعظمها.
- وهو عرشه تعالى الذي استوى عليه، واختاره لقربه.
- وهو سقف المخلوقات، فجميع المخلوقات من السماوات والأرضين وما فيهما، وما بينهما، تحت العرش، مقهورون بقدرة الله تعالى.
- ويدلّ على أنه تعالى مالك لكل ما دون العرش بطريق الأولى، والمتصرّف فيه كيف يشاء.
- ونقل المصنف هنا كلام البيهقي، قال: وأقوال أهل التفسير {متفقة} على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه، والطواف به، كما خلق في الأرض بيتاً، وأمر بنى آدم بالطواف به، واستقباله في الصلاة.
قال الشيخ الغنيمان حفظه الله: والمفروض أن يقول: خلقه الله واستوى عليه وأمر ملائكته... الخ. ولكن أبي عليه المذهب ذلك.


معنى الاستواء في اللغة، وأقوال السلف فيه، وأدلّته
معنى استوى في اللغة
قال ابن القيم: "ولفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله به وأنزل به كلامه نوعان، مطلق، ومقيد.
فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف، مثل قوله: {ولما بلغ أشده واستوى} ، وهذا معناه: كمل وتم، استوى الزرع واستوى الطعام.
وأما المقيد: فثلاثة أضرب:
أحدها: مقيد بإلى، كقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} ، واستوى فلان إلى السطح، وقد ذكر - تبارك وتعالى - هذا المعدى بإلى في موضعين من كتابه:
في البقرة في قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} ، والثاني في سورة حم السجدة، قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} وهذا بمعنى العلو والارتفاع، بإجماع السلف.
الثاني: مقيد بعلى، كقوله -تعالى-:{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} ، وقوله:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} ، وقوله: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} ، وهذا معناه - أيضاً - العلو والارتفاع والاعتدال، بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون بواو المعية، التي تعدي الفعل إلى المفعول معه، نحو: استوى الماء والخشبة، بمعنى: ساواها.
فهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم، ليس فيها "استولى" البتة، ولا نقله أحد من أئمة اللغة، الذين يعتمد قولهم، وإنما قاله متأخرو النحاة، ممن سلك طريق المعتزلة، والجهمية.
والذين قالوه، لم يقولوه نقلاً، فإن ذلك مجاهرة بالكذب، ولكن قالوه استنباطاً وحملاً منهم للفظة " استوى" على "استولى" ولذلك لما سمع أهل اللغة ذلك أنكروه غاية الإنكار.
قال ابن الأعرابي - وقد سئل هل يصح أن يكون استوى بمعنى استولى؟ - فقال: لا تعرف العرب ذلك - وهو من أكابر أئمة اللغة-"
وذكر النضر بن شميل -وكان ثقة مأموناً، جليلاً في علم الديانة، واللغة - قال: "حدثني الخليل - وحسبك بالخليل- قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا، فرد علينا السلام، وقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، ولم ندر ما قال؟ قال: فقال لنا أعرابي إلى جنبه، إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله - عز وجل -: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} ، فصعدنا إليه، فقال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟ فقلنا: الساعة فارقناه، فقال: سلاماً، فلم ندر ما قال، فقال الأعرابي: إنه سألكم متاركة لا خير فيها، ولا شر، قال الخليل: هو من قول الله - عز وجل-: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} "
صفة الاستواء وأقوال السلف فيه، وأدلته
معنى الاستواء عند السلف فيه أربعة أقوال:
- ارتفع، وهو قول أبي العالية ذكره البخاري، وقول الربيع ذكره ابن جرير، وهو قول غير واحد من المفسرين، رواه اللالكائي عن بشر بن عمر.
- علا، وهو قول مجاهد وأبي عبيدة معمر بن المثنى.
فالعرب تقول: استويت على ظهر الفرس، بمعنى: علوت عليه، واستويت على سقف البيت، بمعنى: علوت عليه.
فقوله تعالى: {استوى على العرش} بمعنى: علا على العرش.
- صعد، وهو قول أبي عبيدة.
- استقرّ، وهو قول الكلبي ومقاتل وابن المبارك ومن تابعه من أهل العلم، واستدلّ له ابن عبد البر بقوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}
فالسلف أقوالهم في هذا الباب متفقة، وإن اختلفت عباراتهم، فمقصودهم واحد، وهو إثبات علو الله تعالى، واستوائه على عرشه.
قال ابن جرير: " وأولى المعاني بقول الله - جل ثناؤه-: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} : علا عليهن، وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات"
قال ابن القيم " وظاهر الاستواء: العلو، والارتفاع، كما نص عليه جميع أهل اللغة، وأهل التفسير المقبول، فلا يحتمل استواء الرب - تبارك وتعالى - على عرشه المعدى بعلى، المعلق بالعرش، المعرف بالألف واللام، المعطوف على خلق السماوات والأرض بثم مطرداً في " موارده" بهذا الأسلوب، لا يحتمل إلا معنى واحداً، لا معنيين"
وقال: "والمقصود: أن استواء الرب -تعالى- على عرشه، المختص به، الموصول بأداة "على" نص في معناه، لا يحتمل سواه"
فهذه الأقوال هو الذي يقوله ويعتقده عامة السلف من الصحابة وأتباعهم إلى اليوم، وهو الحق الذي دلت عليه النصوص.


استواء الله تعالى على العرش ثابت بالكتاب والسنة واتفاق السلف
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أصل الاستواء على العرش، ثابت بالكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة وأئمة السنة، بل ثابت في كل كتاب أنزل على نبي أرسل.
- فاستواء الله تعالى على العرش من الصفات المعلومة بالسمع، لا بالعقل، كما نبّه على ذلك شيخ الإسلام، وغيره من الأئمة.
- أما علّوه تعالى فمن الصفات المعلومة بالسمع، والعقل، والفطرة عند كل من لم تنحرف فطرته، فالقلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى،لا من أسفل.
قال أبو الحسن الاشعري في "الإبانة": (ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم إذا دعوا، نحو السماء، لأن الله - عز وجل- مستو على العرش، الذي هو فوق السماوات، كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض).

الأدلة على إثبات العرش لله تعالى، واستوائه عليه

أولا: آيات دلّت على إثبات العرش لله تعالى، واستوائه عليه
- قال تعالى: {وكان عرشه على الماء} هود
- وقال تعالى: {وهو ربّ العرش العظيم} التوبة
- وقال تعالى: {ذو العرش المجيد} البروج
- وقال تعالى: {وترى الملائكة حافّين من حول العرش} الزمر
- وقال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم} غافر
- وقال تعالى: {ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانية} الحاقة
ثانيا: أحاديث وآثار جاءت في ذكر العرش، وأنه تعالى مستوٍ عليه
- منها الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب.
- وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((لقد اهتزّ عرش الرحمن لموت سعد)).
- وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {ثم استوى على العرش}، قال: العرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه.
ثالثا: الإجماع على علوّه تعالى، واستوائه على العرش
- علو الله تعالى واستوائه على عرشه، مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وأئمّة المسلمين ومن تبعهم، ولم يخالف فيه إلا من هو متهم على الإسلام، أو مغرور بالتقليد لمن يحسن به الظنّ.
- قال أبو نصر السجزي في "الإبانة": " وأئمتنا، كسفيان، ومالك، والحمادين، وابن عيينة، والفضيل، وبن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون على أن الله - سبحانه - فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا، وأنه يغضب، ويرضى، ويتكلم بما يشاء"
- قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: قال الله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء، في أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار، ورؤوس الآكام، وبطون الأودية، وفي كل موضع، كما يعلم علم ما فوق السماوات السبع، وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علماً، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر، ولا رطب ولا يابس، إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره .
- قال أبو عمر الطلمنكي –وهو من أئمّة أهل السنة-: (وأجمعوا يعني أهل السنة والجماعة على أنّ لله عرشًا، وعلى أنه مستوٍ على عرشه، وعلمه، وقدرته، وتدبيره بكل ما خلقه)
- قال الأوزاعي: " كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة، من صفاته"رواه البيهقي، وقال الحافظ: سنده جيد.
رابعًا: أقوال العلماء في إثبات علو الله تعالى واستوائه على عرشه.
- عن أم سلمة، في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. رواه اللالكائي
- وروي مثل ذلك عن الإمام مالك رحمه الله.
- وقال ابن عيينة: سئل ربيعة، عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق".
- وقال سليمان التيمي: لوسئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: أين كان عرشه قبل السماء، لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل خلق الماء؟ لقلت: لا أعلم.
قال البخاري: وذلك لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} يعني: إلّا بما بيّن.
- وقال أبو الحسن الأشعري في "الإبانة": (إن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟ قيل: نقول: إن الله - عز وجل - مستو على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقال -تعالى-: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} ، فالسموات فوقها العرش، فلما كانالعرش فوق السموات قال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء} لأنه مستو على العرش، الذي فوق السماوات، ..)
- وقال ابن القيم: (والمقصود: أن استواء الرب -تعالى- على عرشه، المختص به، الموصول بأداة "على" نص في معناه، لا يحتمل سواه)
وكلام العلماء من أهل السنة من السلف وأتباعهم في هذا الموضوع كثير، والعاقل المنصف الذي يريد الحقّ ويطلبه إذا بان له الدليل، كفاه اليسير، وأمّا من ضلّ وعاند فلا يفيده البيان، والإكثار من الكلام، والله الهادي، وهو المستعان.


مذهب السلف الإيمان بما دلّت عليه ظواهر نصوص الصفات، والأخذ بما دلّت عليه من الصفات من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه

النصوص في ذكر العرش، وأن الله -تعالى- مستو عليه، كثيرة جداً، والصحابة وأتباعهم آمنوا بما دلّت عليه النصوص ظاهراً، دون تأويل أو تحريف، وبلا تشبيه ولا تمثيل.
- قال الأوزاعي: " كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة، من صفاته" أخرجه البيهقي، وقال الحافظ: سنده جيد.
- وعنه، أنه سئل عن قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} . فقال: هو كما وصف نفسه". أخرجه الثعلبي
- وقال الفضيل بن عياض: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف؛ لأن الله وصف نفسه فأبلغ، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف الله - عز وجل - نفسه، وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع، كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهم فيه كيف، وكيف، وإذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. أخرجه أبو الأثرم في كتاب السنة.
- قال ابن القيم: " نقل معنى الاستواء، كنقل لفظه، بل أبلغ، فإن الأمة كلها تعلم بالضرورة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربه بأنه استوى على عرشه، من يحفظ القرآن منهم، ومن لا يحفظه، كما قال مالك، وأئمة السنة: الاستواء معلوم، غيرمجهول، كما أن معنى السمع، والبصر، والقدرة، والحياة، والإرادة، وسائر ما أخبر به -تعالى- عن نفسه معلوم، وإن كانت كيفيته غير معلومة للبشر، فإنهم لم يخاطبوا بالكيفية، ولم يرد منهم العلم بها.
فإخراج الاستواء عن حقيقته المعلومة، كإنكار لفظه، بل أبلغ، وهذا مما يعلم أنه مناقض لما أخبر الله به ورسوله، فإن فهم معنى اللفظ هو المراد منه، وهو المقصود بالذات، لا اللفظ، فإن اللفظ مقصود قصد الوسائل للتعريف بالمراد، فإذا انتفى المعنى، وكانت إرادته محالاً - كما زعموا - لم يبق لذكر اللفظ فائدة، بل كان تركه أنفع من الإتيان به، فإن الإتيان به يحصل منه إيهام التشبيه، ويوقع الأمة في اعتقاد الباطل - على حد زعمهم - ولا ريب أن هذا إذا نسب إلى آحاد الناس كان ذمة أولى من مدحه، فيكف يجوز أن ينسب إلى من في كلامه الهدى، والشفاء؟ ومن المتفق عليه أنه لا يجوز أن يتكلم الله ورسوله بالشيء ويريد خلاف ظاهره" .
وقال - أيضاً-: " وظاهر الاستواء: العلو، والارتفاع، كما نص عليه جميع أهل اللغة، وأهل التفسير المقبول، فلا يحتمل استواء الرب - تبارك وتعالى - على عرشه المعدى بعلى، المعلق بالعرش، المعرف بالألف واللام، المعطوف على خلق السماوات والأرض بثم مطرداً في " موارده" بهذا الأسلوب، لا يحتمل إلا معنى واحداً، لا معنيين."
وقال- أيضًا-: "والمقصود: أن استواء الرب -تعالى- على عرشه، المختص به، الموصول بأداة "على" نص في معناه، لا يحتمل سواه".


بطلان تأويل الاستواء بالاستيلاء، ونحوه، وأقوال السلف في ردّ ذلك

إبطال تأويل من تأول الاستواء بمعنى الاستيلاء
- قال البغوي: " وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة، فيقولون: الاستواء على العرش صفة لله -تعالى- بلا كيف، يجب على العبد الإيمان به، ويكل العلم فيه إلى الله - عز وجل - "
ومراد البغوي في قوله: " ويكل العلم فيه إلى الله - عز وجل - ": أي علم الكيفية، وأما معناه في اللغة، فهو معلوم ظاهر، كما يأتي في كلام الإمام مالك، وشيخه ربيعة، وأم سلمة.
- وقال البخاري: " حدثت عن يزيد بن هارون، قال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى، على خلاف ما يقر في قلوب العامة، فهو جهمي" ، ومراده: أن الاستواء من الأمور الواضحة، التي يفهمها عامة المسلمين إذا كانوا من أهل اللغة العربية.
- وسئل ابن الأعرابي – وهو من أكابر أئمة اللغة-: هل يصح أن يكون استوى بمعنى استولى؟ فقال: لا تعرف العرب ذلك.
- وقال داود بن علي بن خلف: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي - يعني محمد بن زياد اللغوي- فقال له رجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: هو على العرش، كما أخبر، قال: يا أبا عبد الله إنما معناه: استولى، فقال: اسكت، لا يقال: استولى على شيء، إلا أن يكون له مضاد. ذكره الحافظ
- وقال محمد بن أحمد بن النضر الأزدي، سمعت ابن الأعرابي يقول: أرادني أحمد بن أبي دؤاد، أن أجد له في لغة العرب {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بمعنى استولى، فقلت: والله ما أصبت هذا.
- وزعم المعطلين أن تفسيره بالمعنى المفهوم من كلام العرب، الذي هو بمعنى العلو، والارتفاع، يلزم منه أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها.
والرد على ذلك من وجوه:
الأول: يُقال لهم كذلك تأويلكم لقوله (استوى) بأقبل، يلزم منه أنه أقبل إليها بعد أن كان مدبرًا، وإنما الحق أن يوصف تعالى بما وصف به نفسه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
الثاني: لا يُقال استولى على شيء إلا أن يكون له مضاد، فمعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد.
الثالث: كما سبق في كلام أئمة اللغة فإن تأويل استوى: استولى، لا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة.
الرابع: لو كان بمعنى استولى لم يختصّ بالعرش؛ لأنه غالب على جميع المخلوقات.
- قال ابن القيم -وقد سبق-: " نقل معنى الاستواء، كنقل لفظه، بل أبلغ، فإن الأمة كلها تعلم بالضرورة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ربه بأنه استوى على عرشه، من يحفظ القرآن منهم، ومن لا يحفظه، كما قال مالك، وأئمة السنة: الاستواء معلوم، غير مجهول، كما أن معنى السمع، والبصر، والقدرة، والحياة، والإرادة، وسائر ما أخبر به -تعالى- عن نفسه معلوم، وإن كانت كيفيته غير معلومة للبشر، فإنهم لم يخاطبوا بالكيفية، ولم يرد منهم العلم بها.
فإخراج الاستواء عن حقيقته المعلومة، كإنكار لفظه، بل أبلغ، وهذا مما يعلم أنه مناقض لما أخبر الله به ورسوله فإن فهم معنى اللفظ هو المراد منه، وهو المقصود بالذات، لا اللفظ، فإن اللفظ مقصود قصد الوسائل للتعريف بالمراد، فإذا انتفى المعنى، وكانت إرادته محالاً - كما زعموا - لم يبق لذكر اللفظ فائدة، بل كان تركه أنفع من الإتيان به، فإن الإتيان به يحصل منه إيهام التشبيه، ويوقع الأمة في اعتقاد الباطل - على حد زعمهم - ولا ريب أن هذا إذا نسب إلى آحاد الناس كان ذمة أولى من مدحه، فيكف يجوز أن ينسب إلى من في كلامه الهدى، والشفاء؟ ومن المتفق عليه أنه لا يجوز أن يتكلم الله ورسوله بالشيء ويريد خلاف ظاهره"
إبطال قول من فسّر استوى في قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} بمعنى: عمد
- وفسّر بعضهم قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} قالوا معناه: أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه.
- فيُقال: هذا من أضعف الوجوه، وجوابه من وجوه:
أحدها: أنه تعالى أخبر أن العرش كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض، فكيف يكون معنى استوائه عليه بعد خلق السماوات والأرض هو عمده إلى خلقه.
الثاني: أنه لا يُقال في اللغة: عمدت على كذا، أو قصدت عليه، فهذا غير معروف في اللغة، ولا هو قول أحد من مفسري السلف، بل المفسرون من السلف بخلاف ذلك، ذكره أبو عمر الطلمنكي.
إبطال قول من ادعى المجاز في الاستواء
وإبطال ذلك من وجوه:
الأول: الأصل في الكلام الحقيقة لا المجاز، فحق الكلام أن يحمل على حقيقته، حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز.
الثاني: إنما يوجه كلام الله – عز وجل – إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم.
الثالث: لو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع، ما ثبت شيء من العبارات.
الرابع: وإنما خاطب الله تعالى العرب بما تفهمه في معهود مخاطباتها، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه، ذكره ابن عبد البر.
قال أبو عمرو الطلمنكي:" قال أهل السنة، في قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أن الاستواء من الله على عرشه المجيد، على الحقيقة، لا على المجاز "
- فهذه الأقوال وأمثالها ابتدعت في الإسلام لما ظهر إنكار أفعال الرب تعالى التي تقوم به، ويفعلها بقدرته، ومشيئته، واختياره، فصار كلّ يفسّر القرآن على ما يوافق قوله واعتقاده.
- ونحن نؤمن إيمانًا يقينيّا قاطعًا –وكل المؤمنين- أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص على عقيدة المسلمين ، وعلى تنزيه الله تعالى من هؤلاء المحرفين لكلامه، وهو كذلك أقدر على البيان، والإيضاح منهم، وهو كذلك أعلم بالله، وما يجب له وما يمتنع عليه من هؤلاء المتخبّطين.


أول من ابتدع أنه تعالى ليس فوق العرش
- أول من ابتدع بأن الله -تعالى- ليس فوق العرش في الإسلام هو الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وشيعتهما.
- وهم عند أئمة المسلمين من شرار أهل الأهواء، وقد أطلق السلف من القول بتكفيرهم ما لم يطلقوه على أحد، وقالوا: نحكي كلام اليهود، والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، كما قال عبد الله بن المبارك، وقالوا: اتفق المسلمون، واليهود، والنصارى، على أن الله -تعالى- فوق العرش، وقالت الجهمية: ليس الله فوق العرش.


حكم من أنكر الاستواء
- بعض السلف كفّر من أنكر الاستواء.
- قال شيخ الإسلام: " وفي الفقه الأكبر، المروي عن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - قال: " من قال: لا أعرف ربي في السماء، أم في الأرض، فقد كفر؛ لأن الله -تعالى- يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وعرشه فوق سبع سماواته.
قلت: فإن قال: أنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء، أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكون في السماء؛ لأنه -تعالى- في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى، لا من أسفل."
وفي لفظ: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر"
قال الشيخ الغنيمان حفظه الله: وهذا تصريح من أبي حنيفة - رحمه الله - بتكفير من أنكر أن يكون الله في السماء.
واحتج على ذلك بأن الله في أعلى عليين، وأنه يدعى من أعلى، لا من أسفل، وكل من هاتين الحجتين فطرية عقلية، فإن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو، وعلى أنه يدعى من أعلى، لا من أسفل.
وقد جاء اللفظ الآخر صريحاً عنه بذلك، فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.


نفي كيفية الاستواء
- عن أم سلمة، في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. رواه اللالكائي
- وعن مالك، أنه جاء إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: فما رأيت مالكاً وجد من شيء، كموجدته من مقالته، وعلاه الرحضا- يعنى العرق- قال: وأطرق القوم، وجعلوا ينظرون ما يأتي منه فيه، فسري عن ذلك، فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالاً، وأمر به فأخرج.
- وقال ابن عيينة: سئل ربيعة، عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق". رواه اللالكائي
- وعن الأوزاعي، أنه سئل عن قوله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فقال: هو كما وصف نفسه" .أخرجه الثعلبي
- وقال الفضيل بن عياض-وقد سبق-: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف؛ لأن الله وصف نفسه فأبلغ، فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} فلا صفة أبلغ مما وصف الله - عز وجل - نفسه، وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع، كما شاء أن ينزل، وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع، وكما شاء أن يضحك، فليس لنا أن نتوهم فيه كيف، وكيف، وإذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء. "رواه أبو الأثرم، في كتاب "السنة"
- وقال عبد العزيز بن يحيى المكي الكناني، صاحب " الحيدة في الرد على الزنادقة والجهمية": "[إذا]قال الجهمي: أخبرني كيف استوى على العرش؟ أهو كما يقال: استوى فلان على السرير، فيكون السرير قد حوى فلاناً وحده إذا كان عليه؛ لأنا لا نعقل الشيء على الشيء إلا هكذا؟
فيقال له: أما قولك: كيف استوى؟ فإن الله لا يجري عليه كيف، وقد أخبرنا أنه استوى على العرش، ولم يخبرنا كيف استوى، فوجب على المؤمنين أن يصدقوا ربهم، باستوائه على العرش، وحرم عليهم أن يصفوا كيف استوى؛ لأنه لم يخبرهم كيف ذلك، ولم تره العيون في الدنيا فتصفه بما رأت، وحرم عليهم أن يقولوا عليه من حيث لا يعلمون، فآمنوا بخبره عن الاستواء، ثم ردوا علم "كيف استوى" إلى الله."
مسألة الحد، ومعنى كلام السلف في إثباته لله تعالى*
ذكر عن ابن المبارك، قال: هو على عرشه، بائن من خلقه، بحد.
وقيل لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك، أنه قيلله: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد، فقال أحمد: هكذا هو عندنا.
وقيل لإسحاق - يعني ابن إبراهيم - هو على العرش بحد؟قال: نعم بحد.
فما المراد بالحد المثبت في كلام السلف؟
معنى قولهم "بحد" أنه -تعالى- بائن من خلقه، غير حال فيهم، ولا مخالط لهم - تعالى وتقدس، وقيدوا الحد، بأنه لا يعلمه إلا هو -تعالى-
وهذا قريب من قول الإمام مالك وغيره: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول"، فبين أن كيفية استوائه تعالى على العرش مجهولة للعباد، ولكنه لم ينف ثبوت ذلك في نفس الأمر، فكذلك قولهم: له حد لا يعلمه إلا هو، والله أعلم.
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله تعالى - في رده على بشر المريسي: " والله -تعالى- له حد، لا يعلمه غيره، ولا يجوز أن يتوهم لحده غاية في نفسه، ولكن نؤمن بالحد، ونكل علم ذلك إلى الله -تعالى-، ولمكانه حد، وهو على عرشه، فوق سماواته، فهذان حدان".

الجمع بين علو الله تعالى واستوائه على العرش وعلمه بجميع خلقه
- قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: قال الله -تعالى-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء، في أسفل الأرض السابعة، وفي قعور البحار، ورؤوس الآكام، وبطون الأودية، وفي كل موضع، كما يعلم علم ما فوق السماوات السبع، وما فوق العرش، أحاط بكل شيء علماً، فلا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات البر والبحر، ولا رطب ولا يابس، إلا قد عرف ذلك كله وأحصاه، فلا تعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره"
بطلان قول الجمهية أنه تعالى في كل مكان
- قال ابن عبد البر في شرح حديث النزول: " وفيه دليل على أن الله في السماء، على العرش من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم: إن الله في كل مكان، وليس على العرش."
- وقال الباقلاني - وهو من أئمة الأشاعرة -: " فإن قال قائل: أتقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبرنا في كتابه، فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، وقال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} ،ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، وفي الحشوش، والمواضع التي نرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة إذا خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا، وإلى يميننا، وشمائلنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه، وتخطئة قائله"

قوله: " وقال ابن عباس: المجيد: الكريم، والودود: الحبيب. يقال: حميد مجيد، كأنه فعيل من ماجد، محمود من حمد ".

- قول ابن عباس انتهى عند قوله: يقال.
مقصود البخاري من إيراد أثر ابن عباس
أن إضافة العرش إلى الله تعالى يدلّ على المصاحبة، والاختصاص، حيث قال: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} أي: صاحب العرش.
معنى المجيد
أي الكريم، وهو قول ابن عباس –كما سبق-
وجاء في القرآن وصف العرش بأنه كريم، قال -تعالى-: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} ، فوصف العرش بأنه كريم لسعته وحسنه.
والمجيد في وصف الله: الجواد، واسع العطاء، كثير الخير، حميد الصفات.
قال في "القاموس": {المجيد} الرفيع العالي، والكريم، والشريف الفعال".
قال ابن القيم: " {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} صفة للعرش، لسعته وعظمته وشرفه"
القراءات في قوله : {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}
في المجيد قولان:
قرئ بالرفع صفة لذو، الذي هو الله -تعالى-، وهي قراءة عامة قراء المدينة ومكة، وبعض الكوفيين.
وقرئ بالجر صفة للعرش، وهي قراءة عامة قراء الكوفة.
ذكره ابن جرير وصوّب القراءتين، قال: فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
فائدة الإضافة في قوله تعالى: {ذو العرش}
قد تقدم بيان ذلك في تفسير قوله تعالى: {وهو رب العرش العظيم}
قوله: (الودود: الحبيب).
وهذا قول ابن عباس في قوله تعالى:{وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} . قال: الودود: الحبيب"
والود: خالص الحب وصافيه.
قال أبو بكر بن الأنباري: {الْوَدُود} معناه: المحب لعباده، من قولهم: وددت الرجل أوده، وداً.
والأكثرون على ما ذكره ابن الأنباري.
وقوله: " يقال: حميد مجيد، كأنه فعيل من ماجد، محمود من حمد"
وأصل هذا قول أبي عبيدة، في مجاز القرآن، في قوله: عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، أي: محمود ماجد"
فالحميد الذي له من الصفات، وأسباب الحمد، ما يقتضى أن يكون محموداً، وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسها، والمجيد الجواد الواسع العطاء، كثير الخير، حميد الصفات، وقد تقدم.
والمحمود: من تعلق به حمد الحامدين، والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله.
والله - سبحانه - له الكمال المطلق، الذي لا نقص فيه بوجه، والإحسان كله له ومنه، فهو أحق بكل حمد، وبكل حب، فهو أهل أن يحب لذاته، ولصفاته، ولأفعاله، ولأسمائه، ولإحسانه، ولكل ما صدر منه.
__________________________________________
* لفظ الحد من الألفاظ المجملة التي لم ترد في الكتاب والسنة، فالصواب فيها عدم إثباتها ولا نفيها بالإجمال، ونحن ليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.
والواجب أن ينظر في هذا الباب أي باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني، وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قيل لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ونحو ذلك .
- قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله:لما كان الجهمية يقولون ما مَضمونه: إنّ الخالق لا يتميّز عن الخلقِ، فيجحدون صفاته التي تميّز بها، ويجحدون قدره، ... ويقولون: إنه لا يباين غيره، بل إمّا أن يصفوه بصفة المعدوم فيقولوا: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا كذا، ولا كذا، أو يجعلوه حالاً في المخلوقات، أو وجود المخلوقات.
فبيّن ابن المبارك أن الربّ سبحانه وتعالى على عرشه، مباينٌ لخلقه، منفصلٌ عنه، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون: ليس له حدّ، وما لا حدَّ له لا يُباين المخلوقات، ولا يكون فوق العالم، لأن ذلك مستلزمٌ للحدّ.
فلما سألوا أمير المؤمنين عبدالله بن المبارك: بماذا نعرفه ؟
قال: بأنه فوق سماواته على عرشه، بائنٌ من خلقه.
فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرش، ومباينته للمخلوقات، فقالوا له: بحدٍّ ؟ قال: بحدّ.
وهذا يفهمه كل من عرف مابين قول المؤمنين أهل السنة والجماعة، وبين الجهمية الملاحدة من الفرق".
فما هو الحد المنفي والمثبت في كلام السلف؟
المنفي : هو أن السلف متفقون على أن البشر لا يعلمون لله حدا وإنهم لا يحدون شيئا من صفاته، فالله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده.
والمعنى المثبت للحد: أنه متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم، سئل عبد الله بن المبارك: بم نعرف ربنا قال: بأنه على العرش بائن من خلقه، قيل: بحد قال: بحد. انتهى .
والحد يقال على ما ينفصل به الشيء، ويتميز به عن غيره، والله تعالى غير حال في خلقه ولا قائم بهم، بل هو القيوم القائم بنفسه المقيم لما سواه، فالحد بهذا المعنى لا يجوز أن يكون فيه منازعة في نفس الأمر أصلا، فإنه ليس وراء نفيه إلا نفي وجود الرب ونفي حقيقته، وأما الحد بمعنى العلم والقول وهو أن يحده العباد فهذا منتف بلا منازعة بين أهل السنة.
وملخص الكلام يتبين أن معنى كلام السلف في إثبات الحد لله تعالى أو نفيه عن الله تعالى؛ أن من أثبته أراد أن الله له صفات الكمال , وهذه الصفات لها كيفية كما قال الإمام مالك : والكيف مجهول , ومن نفاها أراد نفي إحاطة علم الخلق به أن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه إلا بما أخبر به عن نفسه .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن قول ابن المبارك (بحد)، فأجاب: ابن المبارك من أئمة السلف -رحمه الله- وقصده بالحد الحقيقة ، يعني أنه استوى على عرشه حقيقة .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ عن معنى (الحد لله تعالى) في كلام العلماء، فأجاب: يريدون به أنَّ الله غير مختلط بخلقه، غير ممازج لخلقه، مثل ما قال سفيان وغيره وحماد بن سلمة، بحد يعني أنه مستوي على عرشه بذاته، غير ممازج لخلقه غير مخالط لخلقه، هذا معنى بحد.
[منقول ملخصًا وبتصرف]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ملخص, شرح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir