ثم انتقل الشيخ رحمه الله تعالى إلى مسألة أخرى تتعلق بالإمامة فقال : ((ونرى الحج والجهاد ماضيين مع كل امام بر كان أو فاجر))
وهذا تقرير لمذهب أهل السنة والجماعة في أن السمع والطاعة واجبة للإمام الشرعي, سواء كان برّاً أو فاجراً , وطاعته إنما هي في المعروف أي في غير معصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة , وأن طاعته واجبة ولو كان فاجراً, أي ولو كان مرتكباً لكبيرة , أو كان ظالماً, أو كان ممن يؤثر نفسه بالأموال ؛ لأن هذه الأمور التي هي من قبيل الظلم والفسق والفجور عند أهل السنة والجماعة لا ترفع طاعة هذا الإمام بل تظلُ طاعته واجبة في غير معصية الله سبحانه وتعالى , وهذا قد دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كقولـه : (( اسمع وأطع وأن ضرب طهرك وأخذ مالك)).(1)
بل أمر بالطاعة عند الاستئثار بالأموال ونحوها, فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : فيما أخذ علينا أن بايعنا عل السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا, وعسرنا ويسرنا, وأثرة علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفر بواحاً عندكم من الله فيه برهان .(2)
وكذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قيل لـه : أفلا نقاتلهم؟ قال : (( لا ما صلوا )) (3) . فدل هذا على أن الإمام يجب لـه السمع و الطاعة, ولا يجوز الخروج عليه إلا أن يترك الصلاة , أو يأمر بترك الصلاة أو أن ياتي بكفر بواح ظاهر , عندنا من الله سبحانه وتعالى فيه برها ن وهذ هو منهج الجماهير من أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى .
وينبني على هذا لأصل أن الحجّ والجهاد عند أهل السنة والجماعة ماضيان مع الإمام سواء تولى الإمامة باختيار المسلمين لـه
أو بخلافة من قبله أو تسلط بالقوة وحكم بين الأمة بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام , فالسمع والطاعة
واجبة لـه , وهذه الحالة الثالثة ذكرها كثير من السلف, ففي هذه الحالات الثلاث يجب له السمع والطاعة , بشرط أن يحكم الأمة بالكتاب والسنة , وكذلك الحج معه ولوكان فاجراً , فيجب خروج المسلمين معه أو مع نائبه للحج وعدم ترك هذه الفريضة بسبب فسق الإمام أو فجوره, وقد كان الخلفاء من قديم الزمان يقودون الحج أو يرسلون من ينوب عنهم في قيادة الحجيج ووحدة الأمة في تحديد يوم عرفة, يوم العيد, ولا يترك الأمر لاختلاف الناس والطوائف.
وكان هذا مومجوداً في زمن الدولة الأموية والعباسبة وما بعدهما, والمؤرخون بالحوليات إذا وصلوا إلى شهر الحج قالوا : وحج بالناس فلان فيذكرون من حج بالناس سواء كان الخلفة او من ينوب عنه .
فالحج مع البرو الفاجر ماض, وكذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله ولهذا قا ل علي رضي الله عنه وأرضاه :
لابد لهذه الأمة من إمامة برة أو فاجرة , قالوا : يا أمير المؤمنين قد عرفنا البرة فما الفاجرة؟ قال : الفاجرة حتى تحمي البيضة, وتقيم الحدود .
فيجب خروج المسلمين مع الإمام للجهاد ولو كان فاجراً, مادام مجاهداً في سبيل الله للكفار وللمشركين , فيجب أن يكون المؤمنون معه وتحت لوائه مطيعين مادام الإمام يحكم بالكتاب والسنة, ولم ينتقض إسلامه بكفر بواح ظاهر عندنا من الله سبحانه وتعالى فيه برهان فإننا نسمع له نطيع نحج ونجاهد معه أو مع من ينوب عنه .
ثم قال الشيخ : (( وصلاة الجمعة خلفهم جائزة ))وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة, أن الصلاة خلفهم جائزة ولو كانوا فجاراً , فيصلي خلف الإمام ولوكان يُعلم أنه يؤخر الصلاة أو أنه يشرب الخمر ونحو ذلك فالصلاة خلفه جائزة وقد ورد عن النبي أنه قال :
(( يصلون لكم فإن اصابوا فلكم وإن اخطأوا فلكم وعليهم )) (4), وكان ابن عمر وأنس بن مالك يصليان خلف الحجاج.(5)
ثم قال الشيخ : (( قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث من أصل الإيمان؛ الكف عمن قال : لاإله إلا الله )) الكف عنه يعني عدم الإعتداء على دمه وماله عرضه مادام أظهر الدين , فنأخذه بظاهر حاله ؛ فإن أن باطنه كظاهره فالحمدلله , وإن لم يكن كذلك فإننا نحكم عليه بظاهره والله يتولى باطنه إلا أن يظهر لنا زندقة أو كفر وردة فيجب أن نقيم عليه حد الردة .
(( ولا نكفره بذنب سبق , ولا نخرجه من الإسلام بعمل, والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله عز وجل , حتى يقاتل آخر أمتي الدجال, لا يبطله جور جائر, ولاعدل عادل , والإيمان بالأقدار )) (6)هذا الحديث رواه أبوداود في سننه, وهوحديث ضعيف , ضعفه المنذري (7) وغيره وسبب تضعيفه أن فيه أحد الرواة وهو يزيد بن أبي نشبة مجهول كما قال الحافظ ابن حجر (8) وغيره .
وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن فيه من مسائل الإيمان أشياء منها : الإيمان بالأقدار, والجهاد ماض, ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب مالم يستحله, والكف عمن قال : لا إله إلا الله, وهذه الأمور دلت عليها أدلة أخرى , وقال بها أئمة أهل السنة والجماعة, والشاهد قوله : (( لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل)) أي أن الجهاد ماض إلى يوم القيامة , فهو قائم في شرع الله واجب على المسلمين القيام به , وإذا كان لا يبطله جور جائر ولا عد ل عادل من المسلمين فلا يبطله نظام أو قانون دولي مهما أجمعت عليه دول الكفر .
(1) اخرجه مسلم كتاب لإمارة
(2) اخرجه البخاري كتاب الفتن
(3) اخرجه مسلم كتاب الإمارة
(4) رواه البخاري كتاب الظذان .
(5) اظر شرح الطحاوية لابن ابي العز .
(6)اخرجه ابوداود كتاب الجهاد
(7)في مختصر سنن ابي داود
(8)في التقريب