دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30 ذو الحجة 1439هـ/10-09-2018م, 02:50 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 11:46 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى:﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[المطففين :14]
ران يرين رينا وريونا ، واوية ويائية، وهي في هذه الآية واوية.
ومعناها في اللغة : غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء.
قال الفراء: أنشدني بعض العرب: "لم ترو حتى هجرت ورين بي"، يقول : حتى غلبت من الإعياء، كذلك غلبة الدين، وغلبة الذنوب" معاني القرآن 3/ 246 ـ 247.
وقال ابن قتيبة: أي غلب. يقال رانت الخمر على عقله، أي غلبت" تفسير غريب القرآن 519.
وقال الزجاج: ران: بمعنى غطى على قلوبهم. معاني القرآن: 5/ 299.
قال أبو عبيدة: كل ما غلبك قد ران بك رانك وران عليك. ورين بالرجل إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ، ولا قبل له به. إعراب القرآن: محيي الدين درويش،10/ 413
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في أسيفع جهينة : أصبح قد رين به. أي أحاط بماله الدين وذهب به.
مما سبق من كلام علماء اللغة يتلخص لنا أن أصل الرين : الطبع والتغطية.
ومن أقوال أهل اللغة استنبط المفسرون معنى الرين ولم يخرجوا عنه.
في قوله تعالى :﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، مسألتان:
المسألة الأولى: معاني كلا، والمراد بها في هذه الآية.
جاءت كلا في ثلاثة وثلاثين موضعًا من القرآن، كلها في النصف المكي، قال العلماء لأن معناها الوعيد؛ لذلك لم تنزل إلا في مكة.
ومن معاني كلا عند أهل اللغة:
أولا: عند البصريين: حرف ردع وزجر بمعنى لا للرد على المعنى الأول الذي قبلها، فإن لم يكن قبلها شيء يتوجه إليه هذا المعنى قدره بعضهم.
قال ثعلب: " كلا في القرآن كله للرد، أي ليس الأمر كما يقولون الأمر كما أقوله أنا"
قال أبو حيان في قوله تعالى:" كلا إن الإنسان ليطغى" : كلا: ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه وإن لم يذكر، لدلالة الكلام عليه" البحر 8/ 493.
من الكوفيين: زاد الكسائي معنى آخر لها بأن تكون بمعنى حقًا. وقال: إنها اسم بنيت لكون لفظها كلفظ الحرفية، وقد رده النحاة وقالوا أنه يبعد اشتراك اللفظ بين الحرفية والاسمية وأن ذلك مخالف للأصل.
ثانيًا: حرف جواب كأي ونعم وتستعمل مع القسم، قاله الفراء والنضر بن شميل.
ثالثًا: على معنى "ألا" التي للتنبيه يستفتح بها الكلام. قول أبو حاتم السجستاني.
رابعًا: كلا بمعنى الرد، لكنها مركبة من كاف التشبيه، ولا النافية، قول ثعلب ورده ابن فارس.
خامسًا: أن تقوم مقام القسم إذا لم يكن ردعًا نحو " كلا لينبذن ..." ذكره الرضي. الرضي 2/ 317.
سادسًا: قول أحمد ابن فارس، وقد جمع فيه أقوال علماء اللغة، فقال:
تقع كلا على أربعة أوجه:
أولها: الرد، الثاني: الردع، الثالث صلة اليمين، وافتتاح الكلام بها كألا، الرابع: التحقيق لما بعده من الإخبار.
وبناء على أقوال العلماء في معاني كلا، اختلفوا في جواز الوقف عليها:
فمن رأى أنها حرف ردع بمعنى لا ، أجاز الوقف عليها والابتداء بها ، مثل سيبويه والخليل وأغلب علماء اللغة.
ومن رأى أنها حرف جواب، أو ألا التي بمعنى التنبيه، أو كان قبلها رأس آية، منع الوقوف عليها، كثعلب وغيره.
المسألة الثانية: ما معنى الرين في الآية، وما هي أسبابه؟
عامة أقوال المفسرين رحمهم الله تعالى في معنى " ران" في الآية:
الذنوب والأعمال السيئة تجتمع على القلب فتغشاه وتغلفه و تحجبه عن الإيمان والهدى ونور الحق، فيعمى القلب ويسْودّ فذاك هو الرين.
روى عبدالرزاق رحمه الله عن الحسن رحمها الله قوله : الذنب على الذنب حتى يرين على القلب فيسود. تفسير عبدالرزاق 2/ 356.
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه قال:" وقال مجاهد :" بل ران" : ثبت الخطايا" البخاري 6/ 176.
أورد الطبري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه قوله: " كلا بل ران" يقول: يُطْبع.
يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: " والرّان والرَّين الغشاوة وهي كالصدى على الشيء الصقيل، ثم استشهد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ص قال: " إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه فإن هو نزع واستغفر صقلت، فإن هو عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكر االله تعالى﴿كل بل ران على قلوبهمفتح الباري: 8/ 686.
وروى أيضًا عن مجاهد قال: كانوا يرون الرين هو الطبع. تغليق التعليق: 4/ 363.
وروى الهمذاني عن مجاهد في قوله " بل ران" نيتت الخطايا على القلب حتى غمرته وهو الران الذي قال الله عز وجل بل ران على قلوبهم" تفسير مجاهد 2/ 737ـ 738.
وعن مجاهد أيضًا قال: يعمل الذنب فيحيط بالقلب، فكلما عمل ارتفعت حتى يُغشى القلب.الدر المنثور 15/ 300
وقال ابن زيد : غلب على قلوبهم ذنوبهم، فلا يخلص إليها معها خير.جامع البيان 24/ 204.
أما أساس الرين والطبع على القلب فهو الأعمال السيئة من الذنوب والكبائر، التي تحول بين المرء وبين الهدى، كما قال تعالى:﴿ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم، فمن تلطخ ودنس قلبه بأرجاس المعاصي وأنجاسها فإنه لا يرى آيات الله تعالى ولا ينتفع بها عند سماعها، بل يراها أساطير الأولين كما سبق في الآية التي قبلها.
عن حذيفة رضي الله عنه قال: "إن الفتنة تعرض على القلب كما يعرض الحصير فمن أشربها قلبه كانت في قلبه نكتة سوداء ومن أنكرها قلبه كانت في قلبه نكته بيضاء حتى يصير الناس أو يكونوا على قلبين قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة أبدا وقلب منكوس أسود مرباد لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا" . [تفسير عبد الرزاق: 2/ 356]
عن مجاهد رحمه الله قال: القلب مثل الكفّ، وإذا أذنب انقبض ـ وقبض اصبعه ـ فإذا أذنب انقبض، حتى ينقبض كله، ثم يُطبع عليه ، فكانوا يرون أن ذلك هو الران،" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . جامع البيان، 24/ 204.
أورد السيوطي عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- أنَّه كانَ يَقُولُ:«لَنْ تَنْفَكُّوا بخَيْرٍ مَا اسْتَغْنَى أَهْلُ بَدْوِكُمْ عَنْ أَهْلِ حَضَرِكُمْ, وَلَيَسُوقَنَّهُمُ السِّنُونَ والسِّنَاتُ حَتَّى يَكُونُوا مَعَكُمْ فِي الدِّيارِ ولا تَمْتَنِعُوا مِنهُمْ لِكَثْرَةِ مَنْ يَسِيرُ عَلَيْكُمْ مِنْهُم». قَالَ:«يَقُولُونَ: طَالَما جُعْنَا وشَبِعْتُمْ، وطَالَمَا شَقِينَا ونَعِمْتُمْ فوَاسُونَا اليومَ. ولَتَسْتَصْعِبَنَّ بِكُمُ الأَرْضُ حَتَّى يَغِيظَ أَهْلُ حَضَرِكُمْ أَهْلَ بَدْوِكُمْ، ولَتَمِيلَنَّ بِكُمُ الأَرْضُ مَيْلَةً يَهْلِكُ مِنْها مَن هَلَكَ ويَبْقَى مَن بَقِيَ حَتَّى تُعْتَقَ الرِّقَابُ، ثُمَّ تَهْدَأُ بِكُمُ الأرضُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْدَمَ المُعْتِقُونَ، ثُمَّ تَمِيلُ بِكُمُ الأَرْضُ مَيْلَةً أُخْرَى فيَهْلِكُ فِيهَا مَن هَلَكَ ويَبْقَى مَنْ بَقِيَ, يَقُولُونَ: رَبَّنَا نَعْتِقُ. رَبَّنَا نَعْتِقُ، فيُكَذِّبُهُمُ اللَّهُ: كَذَبْتُمْ كَذَبْتُمْ، أَنَا أَعْتِقُ». قَالَ: «ولَيَبْتَلِيَنَّ أُخْرَياتِ هذهِ الأُمَّةِ بالرَّجْفِ، فإِنْ تَابُوا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وإِنْ عَادُوا أعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرَّجْفَ والقَذْفَ والخَذْفَ والمَسْخَ والخَسْفَ والصَّوَاعِقَ، فإِذَا قِيلَ: هَلَكَ النَّاسُ, هَلَكَ النَّاسُ, فَقَدْ هَلَكُوا، ولَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ أُمَّةً حَتَّى تُعْذَرَ». قَالُوا: وَمَا عُذْرُهَا؟ قَالَ:«يَعْتَرِفُونَ بالذُّنُوبِ ولا يَتُوبُونَ, ولَتَطْمَئِنُّ القُلُوبُ بِمَا فِيهَا مِنْ بِرِّهَا وفُجورِهَا كَمَا تَطْمَئِنُّ الشَّجَرَةُ بِمَا فِيهَا, حَتَّى لا يَسْتَطِيعَ مُحْسِنٌ يَزْدَادُ إِحْسَاناً, ولا يَسْتَطِيعُ مُسِيءٌ اسْتِعْتَاباً؛ قَالَ اللَّهُ: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» قال أخْرَجَه نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ في الفِتَنِ والحَاكِمُ وصحَّحه وتَعَقَّبَه الذَّهَبِيُّ.
وأورد أيضا الحديث: عن أبي المُجِيرِ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ-: «أَرْبَعُ خِصَالٍ مُفْسِدَةٌ للقُلوبِ: مُجَارَاةُ الأَحْمَقِ، فإِنْ جَارَيْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ، وإِنْ سَكَتَّ عَنْهُ سَلِمْتَ مِنْهُ، وكَثْرَةُ الذُّنُوبِ مَفْسَدَةُ القُلُوبِ، وقَدْ قَالَ اللهُ: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}،...." الدر المنثور 15/ 301

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 11:48 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

عفوا مااستطعت تعديل اتجاه الكتابة يبدو هناك مشكاة ما.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 5 محرم 1440هـ/15-09-2018م, 07:32 PM
ناديا عبده ناديا عبده غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 540
افتراضي

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.

قال تعالى : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }. هي آية من وعاها وفهمها , وأدرك معناها , استقامت وصلحت عقيدته وكان على منهج السلف الصالح, أهل السنة والجماعة.
قال الزجاج : (و "أن" ههنا يصلح أن يكون في موضع نصب ويصلح أن يكون في موضع جر. والمعنى لأن المساجد للّه. فلا تدعوا مع الله أحدا، فلما حذفت اللام صار الموضع موضع نصب . ويجوز أن يكون جرا وإن لم تظهر اللام، كما تقول العرب: وبلد ليس به أنيس. تريد ربّ بلد).وقال ابن عطية :(ومن فتح الألف من أنّ المساجد للّه جعلها عطفا على قوله قل أوحي إليّ أنّه [الجن: 1]، ذكره سيبويه.
وكان للسلف من المفسرين ثلاثة أقوال في معنى { المساجد} :
- القول الأول : محال للعبادة المختصة بالله , فيجمع معها المساجد كلها , المسجد الحرام,و مسجد إيليا ( بيت المقدس) والمسجد النبوي, و كنائس وبيع النصارى واليهود . ذكره ابن جرير, وابن أبي حاتم , وابن عطية .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين , حدثنا إسماعيل ابن بنت السدي ,أخبرنا رجل سماه , عن السدي عن أبي مالك , أو أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى :{ وان المساجد لله لا تدعوا مع الله أحدا} قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض إلا المسجد الحرام , و مسجد إيليا: بيت المقدس.
وقال ابن جرير : حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن عكرمة، {وأنّ المساجد للّه}. قال: المساجد كلّها).
- القول الثاني : أعضاء السجود - أي مساجد الرجل: ما يسجد عليه من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه, هي لله فلا تسجدوا بها لغيره , ذكره الفراء , الزجاج , وابن عطية. فعن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - أشار بيديه إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين" ( 1 )
- القول الثالث : كل البقاع ,لأن الأرض كلها مسجد, ذكره ابن عطية . فعن محمدُ بن سِنان ، هو العَوَقِيُّ ، قال : حدثنا هُشَيمٌ ، قال : ح/ وحدثني سعيد بن النضر، قال : أخبرنا هُشَيم ، قال: أخبرنا سيَّار، قال: حدثنا يزيدُ - هو ابن صهيبٍ الفقيرُ – قال : أخبرنا جابر بن عبدالله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " .....جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل....." ( 2 )
وبالنظر إلى دلالة الآية فإنها تسع لهذه الأقوال جميعها ,و يمكن الجمع بين الأقوال : أن المساجد هي أعظم محال مختصة لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له , فيتعبدون لله وحده بدعائهم , وقراءتهم القرآن وتدبر معانيه , وصلاتهم وهم ساجدون على أعضائهم السبعة , مخلصين له موحدين في ذلك , فيدخل في ذلك المسجد الحرام , والمسجد النبوي , ومسجد إيليا , وجميع المساجد على بقاع الأرض التي تقوم على هذا الشرط .في حين يخرج منها (كنائس وبيع ) النصارى و اليهود لانتفائها شرط الإخلاص لله تعالى وحده , باتخاذهم شريك لله في عبادتهم.
فالله تعالى أمر جميع خلقه أن يوحدوه حق التوحيد وأن يخلصوا له في عباداتهم , وألاّ يشركوا معه أحدا. فالمساجد إنما أقيمت لله جل وعلا؛ لعبادته ودعائه وحده دون ما سواه , فقال :{ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }.


------------------------------
( 1 ) صحيح البخاري – محمد إسماعيل البخاري.
( 2 )صحيح البخاري – محمد إسماعيل البخاري.





و خطابه تعالى يستوجب الامتثال والخضوع لهذا الأمر, وأن يصرف العبد دعاءه لله وحده , وهو معتقدا وعلى يقين كبير بأن الله قريب من عباده , وبيده وحده الاستجابة, فقال تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} ( 1) . فالدعاء عبادة جليلة , ومن أعظم مقامات العبودية , وليست مشروعية الدعاء بالنطق فقط، ولكنه بنطق اللسان وفزع القلب إلى الله وشعوره بعظيم الحاجة إلى معونته والالتجاء إليه، ولهذا كان تحقيق الإيمان بالله والاستجابة لجميع أوامره وتشريعاته من ضروريات إجابة الدعاء.
الدعاء على قسمين :
- دعاء المسألة ، وهو طلب ما ينفع ، أو طلب دفع ما يضر ، بأن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة . كالدعاء بالمغفرة والرحمة ، والهداية والتوفيق ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة .
- دعاء العبادة ، أن يكون الإنسان عابدا لله تعالى ، بأي نوع من أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية ، فهو شامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة ,كالخوف من الله ومحبة رجائه والتوكل عليه ، والصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله ، والدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
و قال العلماء : أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة, ودعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة.
وختاما , فإن دعاء غير الله لا يجوز بالكتاب والسنَة والإجماع، وهو من الشرك العظيم الذي لا يُغفر, والعياذ بالله

وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحْبه وسلم.






---------
( 1 ) سورة غافر آية ( 60 )





-----
المصادر:
* معاني القرآن - أبو زكريا يحي بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي ( ت : 207 هـ).
*جامع البيان عن تأويل آي القرآن - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت : 310 هـ).
* معاني القرأن وإعرابه - أبو إسحاق الزجاج إبراهيم السري ( ت: 311 هـ ).
* تفسير القرآن العظيم مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين- عبدالرحمن بن إدريس الرازي بن أبي حاتم ( ت: 327 هـ).
* المحرر الوجيز في تفسيرالكتاب العزيز- عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ( ت: 546هـ )
* التمهيد لشرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد - الشيخ صالح بن
عبد العزيز بن محمد آل الشيخ - حفظه الله - .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 5 محرم 1440هـ/15-09-2018م, 08:14 PM
سعود الجهوري سعود الجهوري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 346
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين . وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ).

قال تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)


في هذه الآيات العظيمة بيان لمنزلة من باشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، وما اختصهم الله به من شرف الصحبة، وشهود مواقع نزول القرآن ومعرفة أسبابها، وأن الله اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، واصطفاهم لحمل رسالة نبيه، وفيها امتنان عليهم ببعثة هذا النبي العربي الأمي الذين عرفوا صدقه وأمانته، وعلموا أنه نبي أمي وأن حاله كحالهم، فلم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولم يكن على علم بالكتب السماوية السابقة، إلى أن جاءهم بكتاب عظيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، معجز في ألفاظه وبيانه وهداياته، وجاء على أساليب العرب في وألفاظهم، فيه هداهم وفلاحهم وزكاة نفوسهم.
وفي قوله تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين )، الأمييون: جمع أمي، ويطلق على من لا يقرأ ولا يكتب، وذكر ابن عطية في اشتقاق لفظ (الأمي)أقوال، قيل: أنه منسوب إلى "الأم"، والمعنى: أنه على الخلقة الأولى في بطن أمه، وقيل: منسوب إلى الأمة، أي: على سليقة البشر دون تعلم.
والمراد به في الآية: العرب، ذكره ابن جريرعن مجاهد وقتادة، قال تعالى: ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا )، لأن العرب أمة لم تكن تقرأ وتكتب، وقيل: لأنها لم تكن أمة كتاب، كاليهود والنصارى، فلم يبعث فيها نبي بكتاب، كما هي حال اليهود والنصارى.
فقد بعث الله هذا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أمية، وبعث إلى جميع البشر، فلم يكن صلى الله عليه وسلم كغيره من الأنبياء، بل كان مرسل للبشرية جميعها، ونسخ الله بما جاء به ما سبقه من الأديان، وخص الله الأميين بالذكر لأن منته تعالى عليهم أكبر عن غيرهم ببعث هذا النبي، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول للناس أجمعين، كما دلت عليه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا )، فقد امتن عليهم ربهم بأن جاءهم نبي عربي من أنفسهم، وقد تلا عليهم القرآن وأنزل عليه بلغتهم، وهو نبي أمي من جنسهم لا يعرف القراءة والكتابة، وهم لم يكونوا أمة كتاب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كما كانت عليه اليهود والنصارى.

قال تعالى: ( يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)، فبدأ بذكر تلاوة آيات القرآن، وهي أول مراتب تبليغ الدعوة، وبها قامت الحجة، فتلاوة القرآن تقوم بها الحجة لمن علم معانيه، وأدرك ما فيه من هدايات، فما دخل هؤلاء السابقون في الإسلام إلا بسماع آيات الكتاب المبين، وما استحق مشركو قريش العذاب الدنيوي وما أعد لهم في الآخرة إلا بالإعراض عن القرآن بعد الاستماع إليه ومعرفة أنه حق وقيام الحجة، ولكن الله يهدي من يشاء، ويوفق من أراد الهدى وسعى إليه للهداية بفضله.
ثم ذكر التزكية: وبتلاوة القرآن ومعرفة معانيه، والاهتداء بهديه، والتبصر ببصائره، يزكي الله النفوس ويطهرها من الشرك، ومن الأخلاق الرذيلة.
فإذا حصلت تزكية القلوب والنفوس ، ذهبت مادة الشر ودنس الشرك المتوارثة في الصدور، وانشرح الصدر واستعد لقبول العلم والتعلم، فامتن عليهم بعدها بتعليمهم هذا الكتاب الذي أنزل إليهم، وبتعليمهم مما فيه من علم وبصائر وهدى وبينات، فزادهم الله به إيمانا وعلما وعملا، كما قال جندب رضي الله عنه :"كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن فتيان حزاورة، فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا" أخرجه ابن ماجة.
وعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة، وهي السنة من نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فأخذوا من مشكاة النبوة مباشرة، فعلموا وعلموا غيرهم، فكانوا رضي الله عنهم كالإخاذ، يرتوي الناس منهم ومن علمهم إلى يومنا هذا.
وشهدوا مواقع التنزيل، وعلموا من تفسير القرآن ما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانت حياته صلى الله عليه وسلم وأفعاله تفسيرا لآيات القرآن، فقد كانت له مزية عن غيرهم رضي الله عنهم.
وامتن عليهم بذكر حالهم السابقة، وأنهم كانوا قبل بعثة هذا النبي صلى الله عليه وسلم، لفي ضلال وجور عن الحق والطريق المستقيم، وذكر أنه مبين وواضح لمن تأمل حالهم في الماضي، من عبادة أوثان وشرك وأخلاق رذيلة.

قال تعالى: ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ).

اختلف في "الواو" في قوله: ( وآخرين):
- قيل: هي في موضع خفض عطفا على الأميين، وقال بهذا القول: الفراء وابن جرير، وأورده الزجاج وابن عطية.
والمعنى على هذا القول: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وبعث في آخرين لم يلحقوا بهم.

- وقيل: يجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على الضمير في "يتلوا عليهم"، وذكره الفراء والزجاج وابن عطية وابن عاشور.
والمعنى على هذا القول: يعلمهم الكتاب والحكمة ويعلم آخرين منهم لم يلحقوا بهم.
وعلى هذا المعنى ذكرابن عاشور كلاما حاصله أن عطف "آخرين" على الضمير في "يتلوا عليهم" تفيد أنه مرسل إليهم، لأن تلاوة الرسول تبيلغ وحي.

- وقيل: الواو للمعية، ( وآخرين) مفعولا معه، ويتنازعه الأفعال الثلاثة المذكورة قبلها، ذكره ابن عاشور.
والمعنى: يتلوا على الأميين آياتنا ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة مع آخرين.

ورد ابن عاشور القول الأول، وقال: ((أن لفظ "آخرين" يقتضي المغايرة لما يقابله، فيقتضي أنه صادق على غير الأميين، أي: غير العرب، والرسول لم يكن بين غير العرب، فيتعين أن لا يعطف لئلا يتعلق بفعل "بعث"، ولا على الضمير في "منهم" كذلك)).
وذكركلاما حاصله: أن لفظ "آخرين" يقتضي المغايرة في وصف مما دل عليه السياق، فمعنى "آخرين" على القول الأول يجعل آخرين مقابلا للأميين، أي: من غير العرب، وأما حمل المغايرة على الزمان والمكان، فتكون: (منهم) بمعنى أنهم من الأميين العرب غير الذين عند النبي صلى الله عليه وسلم، فيرد هذا المعنى ما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية عن سلمان الفارسي: (( لناله رجال من هؤلاء)).

فيترجح القول بأن بالواو في قوله تعالى: ( وآخرين)، إما في موضع نصب على الضمير، أو واو المعية، كما تقدم بيان ابن عاشور، وقد أجاد في بيانه.

واختلف أهل العلم في المراد بالآخرين، في قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) على أقوال:
الأول: الأعاجم، وقال به مجاهد ورواه عنه ابن جرير، واستدل من قال بهذا القول بما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وأنه قال: كنا جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، قالوا: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: (( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال -أو: رجل - من هؤلاء.
الثاني: جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وهو قول مجاهد وابن زيد ورواه عنهم ابن جرير واختاره، ومنه قول ابن عمر لأهل اليمن: أنتم هم، وقد روى ابن أبي حاتم عن سهل بن سعد الساعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، وقرأ : ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم).
الثالث: التابعون من أبناء العرب، قال به مجاهد وعكرمة ومقاتل، وذكره عنهم ابن عطية.
والراجح أن المراد جميع من دخل بالإسلام بعد من باشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان من العرب أو من غيرهم، لحديث الذي رواه ابن أبي حاتم، وأخذا بالعموم في وصف اللحوق، فكل لاحق بهم فهو من الآخرين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس أجمعين، وأما تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآية عند البخاري ومسلم هو تفسير بالمثال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصر المراد بالفرس و من ذكر أن المراد التابعون من العرب، إما لبيان أن اللفظ يشملهم، فلا يختص بالعجم، كما روي عن مجاهد الأقوال الثلاثة، وإما أخذا بالعطف على الأميين في قوله :(وآخرين منهم)، وأن المراد بهم العرب.

ومن في قوله تعالى "منهم" تبعيضية، فعلى المعنى الراجح: في البشرية والإيمان، وأما على القول الثالث: في النسب والإيمان، وذكره ابن عطية.


قال تعالى: ( لما يلحقوا بهم):
" لما" نفي وأضيفت لها "ما" للتأكيد، وهي نفي لما قرب من الحال، قاله ابن عطية، فيصير المعنى لم يلحقوا بهم وسيلحقون.
واللحق واللحوق والإلحاق: بمعنى الإدراك، ولحق الشيء أدركه، وتبعه.

ورد في معنى عدم اللحوق في قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)، أقوال لأهل العلم:

الأول: عدم اللحوق في الزمان، وهو حاصل قول ابن زيد، ورواه عنه ابن جرير وابن عطية، واستدلوا بالأحاديث المتقدمة.
الثاني:عدم اللحوق في الفضل، وذكره البغوي، والظاهر أن من قال بهذا القول استند لقوله تعالى بعدها: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، وعلى الأدلة في فضل الصحابة، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)).
والمعنيان صحيحان والجمع بينهما صحيح، فمعنى "لما" نفي لما قرب من الحال، فهم لم يلحقوا بهم في الزمان وإن قربوا، ولم يلحقوا بهم في الفضل وإن قربوا، ولكنهم - منهم - إن ساروا على طريقتهم وما كانوا عليه، وإن لم يدركوهم في الزمان والفضل.

واللحوق لابد من تحقيقه إلا سير واتباع، فلا يتحقق إلا بوجود من يُلحق ويتبع في اتباع الحق، وهم الصحابة، فالمؤمن يسير على ما فهموه من الكتاب والسنة، في العبادات والعقائد والمعاملات، ويسير على ما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم من نقل الشريعة، وعقلها وفهمها وعلمها وعمل بها، فإجماعهم معتبر ومقدم، وأقوالهم معتبرة، وخطأ من أخطأ منهم قليل إذا قارنته بما أصابوا به الحق، ولا يقرون من أخطأ منهم على خطأ، فلهم فضل على الأمة جميعها، لا يناله أحد بعدهم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) رواه الترمذي.
وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اختلف الناس بعده اختلافا كثيرا، وظهرت الفرق والجماعات، وقد أفلح وفاز من سار على طريق الصحابة ومن اتبعهم بإحسان.
وفي الآية إشارة على أن دين الله باق، وأن الله حفظه بحفظه، وأن ما نقل عن الصحابة وما فهموه وبلغوه باق، وإلا ما كان اللحاق ممكن.
وقوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم): فهو العزيز الذي لا يمانعه شيء، ولا يرد قضاؤه شيء، وهو قاهر كل شيء، (الحكيم): الذي يضع الأمور في مواضعها، والحكيم في شرعه وقدره.
وذكر الاسمين الكريمين في هذه الآية فيه دلالة على أنه لا غالب لأمر الله، وأن الله سينشر هذا الدين، ويبلغ العرب والعجم، وإن حاربه أعداء الدين من جميع الملل، وأنه حكيم يعلم من يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الغواية فيضله.
ثم قال تعالى: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)، فجمع في الآيات المتقدمة بين بيان سبيل الهداية باتباع القرآن والسنة والسير على طريق الصحابة، وبين القدر، فهذا فضل الله الذي امتن به على العرب ممن اتبعوا هداه وعلى غيرهم ممن اتبعهم، وأنه فضل الله يؤتيه من علم استحقاقه له، واتبع سبيله، وأما من أعرض عن هدى الله فلا تزيده الآيات إلا كفرا وإن كان عربيا،
وكل من اهتدى أو ضل فبأمر الله وقدره.
وأن منزلة الصحابة وما لهم من رفعة درجات وعظيم فضل، فبفضل الله واختياره واصطفائه، والله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وهذه الآيات المتقدمة من أول سورة الجمعة نظير قوله تعالى: ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)، فتعم كل من جاء من بعد الصحابة رضي الله عنهم، من المهاجرين والأنصار، وأسلم سواء كان عربيا أم أعجميا، واشترط في هذه الآية لمن أتى بعدهم الاتباع بإحسان، ولم يشترط في السابقين الأولين والأنصار، لعظم منزلتهم على غيرهم، وأن غيرهم تابع لهم، فإن ساروا على طريقهم فازوا برضوان الله وجنته، وإن ابتغوا غير طريقهم ولم يعتبروا بفهمهم للنصوص والأحكام، ولم ينزلوهم حق منزللتهم، ضلوا وخسروا ولم يهتدوا لمراد الله ورسوله، بل أن الفرق التي ظهرت، والاختلاف الذي ظهر، فهو من باب عدم اتباع الصحابة بإحسان، قمن قال بغير قولهم، أو ادعى غير ما فهموه، أو سلك غير طريقهم، أو سأل بما لم يسألوه لنبي صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب وغيرها، فلا يلبث حتى يبين ضلاله، فالعلم لا ساحل له، ومن لم يكن له أصول وقواعد يسير عليها في طلب العلم، اضطرب وتشتت في هذا البحر الواسع، وربما أتى بأقوال بدعية ينكرها تمام الإنكار رجل من العوام، فيجب على طالب العلم أن يسير على طريق الصحابة والتابعين بإحسان، وعلى فهمهم، فهم أعلم الأمة وأتقاها، لا كما يقول بعض المتكلمة أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، بل الصحابة والتابعين بإحسان أعلم وأسلم وأحكم.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 12:28 AM
هويدا فؤاد هويدا فؤاد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق على درس أسلوب التقرير العلمى

رسالة فى تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ سورة الإنسان:2
علوم الآية:
وردت هذه الآية فى مطلع سورة الإنسان، وقال بعض العلماء أنها مكية كلها، وحكى النقاش والثعلبى عن مجاهد وقتادة أنها مدنية، وقال الحسن وعكرمة: منها آية مكية، وهى قوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مِنهم آثِمًا أو كَفُورًا﴾.
فضائلها:
وعن ابن عباس –رضى الله عنهما- : أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ فى صلاة الصبح يوم الجمعة "ألم تنزيل" السجدة، و"هل أتى على الإنسان" رواه مسلم.
وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا ابن زيد: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه السورة: " هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ " وقد أُنزلت عليه وعنده رجل أسود، فلما بلغ صفى الجنان، زفر زفرة فخرجت نفسه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أخرج نفس صاحبكم - أو قال أخيكم – الشوق إلى الجنة". رواه الطبرانى.
وقى الآية عدة مسائل:
المسألة الأولى: المراد بالإنسان
المسألة الثانية: أقوال أهل اللغة فى "أمشاج"
المسألة الثالثة: أقوال أهل التفسير فى "أمشاج"
المسألة الرابعة: الخلاف فى معمول الابتلاء فى "نبتليه"
المسألة الخامسة: سبب تخصيص السمع والبصر دون غيرهما من الحواس؟ وما المراد بهما؟ ولم جاءا بصيغة مبالغة؟
فأما جواب المسألة الأولى:
الإنسان: اسم جنس بلا خلاف يشمل كل بنى آدم -على عكس المذكور فى الآية السابقة فالمقصود به آدم –عليه السلام—لأن آدم عليه السلام لم يُخلق من نطفة.
وأما جواب المسألة الثانية:
والنطفة: كلّ ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة، أو غير لك، كما قال عبد الله بن رواحة: هَلْ أنْتِ إلا نُطْفَةٌ في شَنَّه،
وجمعها نطاف ونطف، وأصلها من نطف إذا قطر.
والمراد بها: ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة، أو أن النطفة ماء الرجل، فإذا اختلط فى الرحم وماء المرأة صار أمشاجا.
وقوله: ﴿أمْشاجٍ﴾
يعني: أخلاط، يقال: مشجت هذا بهذا، إذا خلطته به، وهو ممشوج به، ومشيج: أي مخلوط به، ويُقالُ: مَشَجَ يَمْشُجُ مَشَجًا إذا خَلَطَ، ومَشِيجٌ: كَخَلِيطٍ، ومَمْشُوجٌ: كَمَخْلُوطٍ.
ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعْجَلٍ نَشَّاج ... لَمْ يُكْسَ جِلْدًا في دَمٍ أمْشاجِ، وقالَ الشَّمّاخُ:
طَوَتْ أحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لِوَقْتٍ ∗∗∗ عَلى مَشَجٍ سُلالَتُهُ مَهِينُ، وقالَ الهُذَلِيُّ:
كَأنَّ النَّصْلَ والفَوْقَيْنِ مِنها ∗∗∗ خِلافَ الرِّيشِ سِيطَ بِهِ مَشِيجُ، يَصِفُ السَّهْمَ بِأنَّهُ قَدْ بَعُدَ في الرَّمْيَةِ فالتَطَخَ رِيشُهُ وفُوقاهُ بِدَمٍ يَسِيرٍ.
فاختلف أهل اللغة فى كونها صيغة جمع أم مفرد على قولين:
القول الأول: صِيغَةُ أمْشاجٍ ظاهِرُها صِيغَةُ جَمْعٍ، وهو قول الفَرّاءُ وابْنُ السِّكِّيتِ والمُبَرَّدُ، فَهي إمّا جَمْعُ مِشْجٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ بِوَزْنِ عَدْلٍ، أيْ مَمْشُوجٍ، أيْ مَخْلُوطٍ مِثْلَ ذِبْحٍ، وهَذا ما اقْتَصَرَ عَلَيْهِ في اللِّسانِ والقامُوسِ، أوْ جَمْعُ مَشَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ مِثْلَ سَبَبٍ وأسْبابٍ أوْ جَمْعُ مَشِجٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مِثْلَ كَتِفٍ وأكْتافٍ. وكانَ وصْفُ النُّطْفَةِ بِهِ بِاعْتِبارِ ما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النُّطْفَةُ مِن أجْزاءٍ مُخْتَلِفَةِ الخَواصِّ، - فَلِذَلِكَ يَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنَ النُّطْفَةِ عُضْوًا - فَوَصَفَ النُّطْفَةَ بِجَمْعِ الِاسْمِ لِلْمُبالَغَةِ أيْ شَدِيدَةِ الِاخْتِلاطِ، وهَذِهِ الأمْشاجُ مِنها ما هو أجْزاءٌ كِيمْيائِيَّةٌ نَباتِيَّةٌ أوْ تُرابِيَّةٌ ومِنها ما هو عَناصِرُ قُوى الحَياةِ.
القول الثانى: أنَّ (أمْشاجٍ) مُفْرَدٌ، وهو قول الزمخشرى -صاحب الكشاف وتلميذ سيبويه-، قالَ: ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ أمْشاجُ جَمْعَ مَشِجٍ بَلْ هُما - أيْ مَشِجٌ وأمْشاجٌ - مِثْلانِ في الإفْرادِ، فَوَصْفُ نُطْفَةٍ بِهِ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى تَأْوِيلٍ.
وأما جواب المسألة الثالثة:
فاختلف أهل التفسير فى معنى كون النطفة مختلطة على أقوال:
القول الأول: أنَّهُ اخْتِلاطُ نُطْفَةِ الرَّجُلِ بِنُطْفَةِ المَرْأةِ؛ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ﴾ الطّارِقِ: 7، وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ الحجرات: 13، وهو قول الأكْثَرُونَ:
-قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هو اخْتِلاطُ ماءِ الرَّجُلِ وهو أبْيَضُ غَلِيظٌ، وماءِ المَرْأةِ وهو أصْفَرُ رَقِيقٌ، فَيَخْتَلِطانِ، ويُخْلَقُ الوَلَدُ مِنهُما، فَما كانَ مِن عَصَبٍ وعَظْمٍ وقُوَّةٍ فَمِن نُطْفَةِ الرَّجُلِ، وما كانَ مِن لَحْمٍ ودَمٍ فَمِن ماءِ المَرْأةِ،
-قالَ الحَسَنُ: يَعْنِي مِن نُطْفَةٍ مُشِجَتْ بِدَمٍ وهو دَمُ الحَيْضَةِ، وذَلِكَ أنَّ المَرْأةَ إذا تَلَقَّتْ ماءَ الرَّجُلِ وحَبَلَتْ أُمْسِكَ حَيْضُها فاخْتَلَطَتِ النُّطْفَةُ بِالدَّمِ.
القول الثانى: عُني بذلك: إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم كسي لحما مِن نُطْفَةٍ ذاتِ أمْشاجٍ، فَحُذِفَ المُضافُ وتَمَّ الكَلامُ.
-ابن عباس، قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ الأمشاج: خلق من ألوان، خلق من تراب، ثم من ماء الفرج والرحم، وهي النطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم أنشأه خلقا آخر فهو ذلك.
-عن عكرِمة، في هذه الآية ﴿أمْشاجٍ﴾ قال: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما.
-عن قتادة، قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ أطوار الخلق، طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا مضغة، وطورا عظاما، ثم كسى الله العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت له الشعر.
القول الثالث: عُني بذلك: اختلاف ألوان النطفة
عن ابن عباس، في قوله: ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ يقول: مختلفة الألوان.
عن مجاهد ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ قال: ألوان النطفة؛ نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة حمراء وخضراء.
القول الرابع: هي العروق التي تكون في النطفة
-عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه، عن عبد الله، قال: أمشاجها: عروقها.
- عن أُسامة بن زيد، عن أبيه، قال: هي العروق التي تكون في النطفة.
وقال الطبرى: "وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معنى ذلك ﴿مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ نطفة الرجل ونطفة المرأة، لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج، وهي إذا انتقلت فصارت علقة، فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة؟ وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة، وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة، وأحسب أن الذين قالوا: هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى.

وأما جواب المسألة الرابعة:
"نَبْتَلِيهِ" مَعْناهُ: نَخْتَبِرُهُ، وهو حالٌ مِنَ الضَمِيرِ في "خَلَقْنا"، كَأنَّهُ قالَ: مُخْتَبِرِينَ لَهُ بِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾[الْمُلْكِ:2
قال الفراء ومقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير عنده: إنا خلقنا الإنسان سميعاً بصيراً من نطفة أمشاج لنختبره. وقد رُدَّ عليه هذا التقدير، لأن الفاء لا يقع معها التقديم والتأخير. ولأن الكلام تام بغير تقديم وتأخير، فلا يخرج عن ظاهره لغير علة. والابتلاء –على هذا التأويل- هو بالإسماع والإبصار لا بالإيجاد، وليس "نبتليه" حالا.
والرد على ما نحى إليه الفراء من وجوه، منها:
1- أنه لا يكون مع الفاء تقديم ولا تأخير لأنها تدلّ على التعقيب.
2- أن الإنسان إنما يُبتلى أي يُختبر ويُؤمر ويُنهى إذا كان سَوي العقل سواء كان سميعا بصيرا أو لم يكن كذلك، فالعقل مناط التكليف، وليس السمع والبصر.
3- أن سياق الكلام يدلّ على غير ما قال، وليس في الكلام لام كي، وإنما سياق الكلام تعديد الله جلّ وعزّ نعمه علينا ودلالته إيّانا على نعمه.
وكذلك قال الطبرى: "ولا وجه عندي لما قال يصحّ، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات، وإن عُدم السمع والبصر، وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعا وأبصارا في هذه الآية، فتذكير منه لنا بنعمه، وتنبيه على موضع الشكر؛ فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة، وسلامة العقل من الآفة، كما قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾."
وقول: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾
"فَجَعَلْناهُ" عَطْفُ جُمْلَةٍ نِعَمٍ عَلى جُمْلَةِ نِعَمٍ، فجعلناه ذا سمع يسمع به، وذا بصر يبصر به، إنعاما من الله على عباده بذلك، ورأفة منه لهم، وحجة له عليهم، ويتمكن بهما من الطاعة والمعصية.
وأما جواب المسألة الخامسة:
وسبب تخصيص السمع والبصر دون سواهما من الحواس: لكونهما كناية عن التمييز والفهم، كما قال تعالى حاكيا عن إبراهيم –عليه السلام-: ﴿لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ﴾ مَرْيَمَ: 42، وهما أشرف الحواس، ولأنهما أصل تفكيره وتدبيره، و تُدرك بهما أعظم المُدركات، وقد يُراد بالسميع المطيع، كقوله: "سمعا وطاعة"، وبالبصير العالم، يُقال: فلان بصير فى هذا الأمر.
وجاء وصفه بالسميع البصير بصيغة المبالغة، ولم يقل فجعلناه سامعا مبصرا، لأن سمع الإنسان وبصره أكثر تحصيلا وتمييزا فى المسموعات والمبصرات من سمع وبصر الحيوان، فبالسمع يتلقى الشرائع ودعوة الرسل، وبالبصر ينظر فى أدلة وجود الله تعالى وبديع صنعه، وهو ما ميز الله تعالى به الإنسان تجاه التكاليف والشرائع.
والله تعالى أعلى وأعلم.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 12:54 AM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

تطبيق على درس اُسلوب التقرير العلمي رسالة في تفسير قوله تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون "
ران يرين ريونا، أي: غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء ، رانت الخمر على العقل ، إذا غطت أو غلبت .
ورين بالرجل : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به ، مما يسبق فأصل الرين : الطبع والتغطية ، واستنبط المفسرون من كلام أهل اللغه معنى الرين في الآية مسألتان :
1-معاني كلا ، والمراد بها في الآية جاءت كلا في 32 موضعا في القرآن ، في النصف المكي .
لأن معناها الوعيد ، لذا لم تنزل إلا في مكة
-معاني كلا عند أهل اللغة :
أولا : عند البصريين :
حرف ردع وزجر ، بمعنى لا ، للرد على المعنى الأول الذي قبلها ،فإن لم يكن قبله شيء : قدره بعضهم
أي كلا : ليس الأمر كما يقولون ، زاد الكسائي أن تكون بمعنى : حقا ، أي : اسم يشبه الحرفية ، ورده النحاه : لأنه يبعد اشتراك اللفظ بين الاسمية والحرفية وذلك مخالف للأصل
2- حرف جواب ، كأي ونعم ، وتستعمل مع القسم
3- على معنى " ألا" للتنبيه ، للاستفتاح بالكلام
4- بمعنى " الرد" مركبة من كاف التشبيه و"لا " النافية ، ورده ابن فارس.
5- تقوم مقام القسم ، إذا لم يكن ردعا نحو " كلا لينبذن"
6-قال ابن فارس : تقع "كلا" على 4 أوجه :1-الرد2-الردع 3- صلة اليمين وافتتاح الكلام بها " كألا"4- التحقيق لما بعده من الأخبار
-من قال أنها كلمة " ردع " أجاز الوصف عليها ، والابتداء بها .
من رأى أنها حرف جواب ، أو ألا التي بمعنى التنبية أو كان قبلها رأس آيه ، منع من الوقوف عليها
المسالة الثانية :
مامعنى " الرين" وما أسبابه ؟
إن الذنوب والمعاصي تجتمع على قلب فتغشاه وتغلقه وتحجبه عن الإيمان ، فيعمي القلب ويسود ، أي تثبت الخطايا ، يطبع
الران : الغشاوة والصدى على الشيء
ران : يثبت الخطايا على القلب حتى غمرته ويحيط بالقلب حتى يغشاه ، لا يخلص إليها معها خير
بسبب الذنوب والكبائر ، التي تحول عن الهدى فلا يرى آيات الله ولا ينتفع بها ، عند سماعها.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 01:42 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في قول الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الملك: ١)

الحمد لله الملكُ القديرُ، والصلاة والسلام على من نُّزِلَ عليه الفرقان تنزيلا، أما بعد:
فإن موضوع هذه الرسالة هو تفسير قول الله تعالى : ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من خلال التركيز على المحاور الآتية:

- المواضع التي ورد فيها لفظ" تبارك".
- أقوال أهل العلم واللغة في معنى "تبارك".
-أنواع البركة كما ذكرها ابن القيم رحمه الله.
- اختصاص الله عز وجل بالفعل"تبارك" معروف في كلام العرب.
-الدلالة على بلاغة القرآن بافتتاح السورة بقوله تعالى: ( تبارك).
-المناسبة "تبارك" بقوله" الذي بيده المُلك وهو على كُل شيء قدير".
----------------
المواضع التي ورد فيها لفظ "تبارك":
ورد لفظ "تبارك" في تسعة مواضع في القرآن الكريم ، فجاء في سورة (الأعراف) بقوله: ﴿تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ وفي سورة (المؤمنون) بقوله: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ ، وفي سورة (الفرقان) بقوله: ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ﴾ و ﴿تَبارَكَ الَّذِي إنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِن ذَلِكَ﴾ و﴿تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ في السَّماءِ بُرُوجًا﴾
وفي سورة (غافر) بقوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ، وفي سورة (الزخرف) بقوله : ﴿وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، وفي سورة (الرحمن) بقوله: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ وفي سورة (الملك) بقوله: ﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾.

وقد بدأت سورتا الفرقان والملك ب"تبارك"، وسورة المُلك هى التي تُعرف بسورة "تبارك" كما ذكر ابن كثير في تفسيره، وهذا من باب تسمية السورة بأول كلمة فيها أو مضمونها أو أول آية فيها ومثاله تسمية سورة الفاتحة ب(الحمد)، وتسمية سورة الإخلاص ب (قل هو الله أحد).
وقد جاء هذا الاسم في رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له "تبارك الذي بيده الُملك" ..) رواه النسائي في السنن الكبرى.
وفي أثر عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه قال: ( من قرأ "تبارك" سورة المُلك كل ليلة وقاه الله فتنة القبر...). ذكره عبد الله بن وهب المصري في (الجامع في علوم القرآن).

أقوال أهل العلم واللغة في معنى "تبارك":
وقد جاءت أكثر عبارات أهل العلم واللغة على أن "تبارك" من البركة.
فقد قال ابن عباس والحسن والنخعي:"تبارك" من البركة، وهو التزايد في الخير من قِبَلِهِ. هكذا أورده أبو حيان في "البحر المحيط".
والبركة تأتي بمعنى الخير الوفير الكثير الدائم، وتأتي بمعنى النماء والزيادة.

وقد قال الزجاج بأن "تبارك" تفاعل من البركة، وجزم بذلك ابن جرير، وأورد هذا المعنى ابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي، وقد اختاره الشنقيطي مُعللاً بأنه الأظهر بحسب اللغة والاشتقاق.
وعلى هذا يكون معنى" تبارك": أي كثُرت بركته، وزاد خيره، وعمت وجوه إحسانه، وزاد عطاؤه.

_ وقد أورد النحاس أن الأوْلى في اللغة والاشتقاق أن"تبارك"من بَرَكَ الشيء إذا ثبُت ومنه بَرَكَ الجمل والطير على الماء، وكان مما قيل في معنى" تبارك": ثبت ودام إنعامه.
فمادة "تبارك" – الباء والراء والكاف- دالة على معنى الثبوت والدوام.
وقد جاءت عبارة ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ... ﴾ الآية، دالة على معنى البركة ودوامها فقال:"تبارك تفاعل من البركة المستقرة الدائمة الثابتة".

_ وقد نقل أبو حيان حكاية عن الأصمعي:" تَبارَكْتُ عَلَيْكم مِن قَوْلِ عَرَبِيٍّ صَعِدَ رابِيَةً، فَقالَ ذَلِكَ لِأصْحابِهِ، أيْ: تَعالَيْتُ وارْتَفَعْتُ". وهذا خطأ فالفعل "تبارك" لا يكون لغير الله، وقد جاءت الأدلة على ذلك من كلام العرب كما سيأتي بيانه.

وقد قال الزجاج بأن القول الأول هو قول أهلُ اللغة في "تَبارَكَ"، وكذلك رُوِيَ عن ابن عباس.

أنواع البركة كما ذكرها ابن القيم رحمه الله:
وقد ذكر ابن القيم أن البركة على نوعين:
فالأولى: هى فعله سبحانه، والفعل منها "بارك"، فهو الذي يُبارك الشيء، ويُبارك عليه، ويُبارك فيه، والفعل قد يتعدى بنفسه، وقد يتعدى بحرف.
والثانية: بركة تُضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها "تبارك" ولا يُقال لغيره، فهى صفة مختصة به، امتدح بها نفسه الكريمة كما قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾، ف"تبارك" دال على كمال بركته وعظمها.

ومن هنا قيل أن معنى" تبارك": تعالى، وتعاظم، وتقدس، وتمجد، وهكذا ورد عن بعض أهل العلم واللغة، فقد قال الضحاك: "تَعظّم". وقال الفراء: "تقدس". وقال الخليل: "تمجد". وقال ابن جرير الطبري: "تعاظم وتعالى"، وهذا من التفسير بلازم المعنى، فمن كثُرت بركته وزاد خيره استلزم أن يكون مُنزها عما لا يليق بكمال صفاته، مُقْدسَا مُعْظما، مُستحقا بأن تُصرف العبادة له وحده.

اختصاص الله عز وجل بالفعل"تبارك" معروف في كلام العرب:
_ ذكر ابن عطية والشنقيطي رحمهما الله تعالى في تفسيريهما أن "تبارك" هو فعل من الأفعال الجامدة، فلا يتصرف في كلام العرب، فلا يأتي منه مضارع ولا مصدر ولا اسم فاعل ، وهو مما اختص الله به وحده، ولا يُقال لغيره، والمتأمل للآيات التي ورد فيها هذا اللفظ يجد أنه لم يُنسب إلا إلى لله وحده.
ولذا فإن" تبارك" لا تقتض مستقبلا فإن الله قد تبارك في الأزل.
كما ورد عن ابن عباس أنه قال: تبارك، لم يزل ولا يزول. هكذا ذُكره أبو حيان في"البحر المحيط"، وبقول ابن عباس يُفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه مسلم من حديث ثوبان: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
وتباركت: أي تعاليت وتعاظم كمال صفاتك منذ الأزل، فأنت الأول وأنت الآخر.

وقد استدل الشنقيطي رحمه الله على إطلاق العرب "تبارك" في حق الله وحده بذكره قول الطِّرِمّاحِ:

تَبارَكْتَ لا مُعْطٍ لِشَيْءٍ مَنَعْتَهُ *** ولَيْسَ لِما أعْطَيْتَ يا رَبِّ مانِعُ
وَقَوْلُ الآخَرِ:
فَلَيْسَتْ عَشِيّاتُ الحِمى بِرَواجِعَ *** لَنا أبَدًا ما أوْرَقَ السُّلَّمُ النَّضِرُ
وَلا عائِدٌ ذاكَ الزَّمانُ الَّذِي مَضى *** تَبارَكْتَ ما تُقَدِّرْ يَقَعْ ولَكَ الشُّكْرُ"

وقد قال الثعلبي: "وَيُقَالُ تَبَارَكَ اللَّهُ، وَلَا يُقَالُ مُتَبَارَكٌ وَلَا مُبَارَكٌ، لِأَنَّهُ يُنْتَهَى فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَى حَيْثُ وَرَدَ التَّوْقِيفُ".هكذا أورد القرطبي في تفسيره.

وقد ذكر ابن عاشور أن فعل "تبارك" في هذه الصورة- الاشتقاق- قد يُستعمل بمعنيين:
المعنى الأول: هو إظهار الموصوف لما اتصَف به، مثل: تَثاقَلَ، أظْهَرَ الثِّقَلَ في العَمَلِ، وتَعالَلَ، أيْ أظْهَرَ العِلَّةَ، وتَعاظَمَ: أظْهَرَ العَظَمَةَ.
والمعنى الثاني: هو ظهور الوصف على الموصوف ظهوراً بينّاً واضحاً، حتى كأن صاحبه يُظهره ومنه "تبارك" أي ظَهَرت بركته.
والله عز وجل قد تجلت صفاته وكمالاتها في أصغر مخلوقاته وأكبرها، وشملت آثار رحمته جميع خلقه.

فائدة: ومن هنا تبرز أهمية اعتناء طالب علم التفسير باللغة وبكلام العرب، فإن القرآن يُفسر بلغة العرب الذين نزل فيهم القرآن، وكلما كانت الحصيلة اللغوية لطالب علم التفسير كبيرة نفعه ذلك في دراسته، وأفاده في فهم كلام المفسرين، والعلماء.

الدلالة على بلاغة القرآن بافتتاح السورة بقوله تعالى: ( تبارك):
ولما كان القرآن متحديا لأهل اللغة أن يأتوا بمثل بلاغته وفصاحته، فلزم أن يُعجزهم بآياته وبمفرادته التي استعملوها.
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيره لسورة الفرقان عن معنى "تبارك" كلاما أحسن فيه إظهار ذلك التحدي القرآني لأهل اللغة فقال:"افْتِتاحٌ بَدِيعٌ لِنُدْرَةِ أمْثالِهِ في كَلامِ بُلَغاءِ العَرَبِ؛ لِأنَّ غالِبَ فَواتِحِهِمْ أنْ تَكُونَ بِالأسْماءِ مُجَرَّدَةً أوْ مُقْتَرِنَةً بِحَرْفٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ، مِثْلَ قَوْلِ طَرَفَةَ:
لِخَوْلَةَ أطْلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَدِ
أوْ بِأفْعالِ المُضارَعَةِ ونَحْوِها كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: (قِفا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل) البَيْتَ، أوْ بِحُرُوفِ التَّأْكِيدِ أوْ الِاسْتِفْهامِ أوِ التَّنْبِيهِ مِثْلَ (إنَّ) و(قَدْ) والهَمْزَةُ و(هَلْ) . ومِن قَبِيلِ هَذا الِافْتِتاحِ قَوْلُ الحارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ.
آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسْماءُ
وقَوْلُ النّابِغَةِ:
كَتَمْتُكَ لَيْلًا بِالجَمُومَيْنِ ساهِرًا ***وهَمَّيْنِ هَمًّا مُسْتَكِنًّا وظاهِرا

وبِهَذِهِ النُّدْرَةِ يَكُونُ في طالِعِ هَذِهِ السُّورَةِ بَراعَةُ المَطْلَعِ؛ لِأنَّ النُّدْرَةَ مِنَ العِزَّةِ، والعِزَّةُ مِن مَحاسِنِ الألْفاظِ وضِدُّها الِابْتِذالُ." اهـ.

المناسبة بين "تبارك" وبين" الذي بيده المُلك وهو على كُل شيء قدير":
فبعد أن خص نفسه سبحانه بفعل لا يكون ممن سواه، ذكر ما يدل على كمال صفاته التي استحق أن يُمجد ويُعظم من أجلها، فقال تعالى: ﴿ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ والذي: اسم موصول، أفاد عموم مُلك الله وتصرفه في سُلطانه.
واليد كما هو معلوم عند أهل السنة صفة لله، نثبتها له سبحانه على وجه يليق بجلاله وكماله، ولا نتكلم في كيفيتها.
و"المُلك"كما عرفه ابن سيده: "احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به".
وكذا قال في معنى: ( المَلك، والمِلْك). والمُلك هو السُلطان. ومُلك الله هو سلطانه.
وقد ذكر ابن عاشور أن المُلك بضم الميم أكمل من المِلك بكسر الميم، وأعم منه في المعنى. وهذا يعني نفوذ أمره وكمال تصرفه في كل شيء.

وقال ابن عطيه : "المُلْكُ" عَلى الإطْلاقِ هو الَّذِي لا يَبِيدُ ولا يَخْتَلُّ مِنهُ شَيْءٌ، وذَلِكَ هو مُلْكُ اللهِ تَعالى".
والله سبحانه وتعالى هو المَلكُ، والمالك، والمليك، وهى أسماء وردت في القرآن الكريم، فجاء اسم الله المَلك في قوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ .وجاء اسمه المالك في قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. وجاء في اسمه المليك قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ وهو الموضع الوحيد الذي ذُكر فيه هذا الاسم.
وفي قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ.. ﴾ الآية استدلاله سبحانه على كمال مُلكه بتقديم الجار والمجرور( بيده) على (المُلك) مما أفاد اختصاص المُلك والسلطان بيده وحده، فهو المتصرف في جميع مخلوقاته، النافذ ما أراده فيهم، ولا معُقب لحكمه، ولا راد لأمره.
وقد ذكر ابن جرير أن المراد بالمُلك: مُلك الدنيا والآخرة وسلطانهما.
فالله سبحانه وتعالى و تعاظم وتقدس وتبارك لكمال ملكه وهو سبحانه المالك على الحقيقة وهو ملك المُلوك.

القدير: لغة من القوة، والاقتدار على الشيء: القدرة عليه.
والقدرة صفة ذاتية للمولى تبارك وتعالى، والقدير هو الذي تمت قدرته، فلا يعجزه شيء، فمتى شاء أمرا قدر عليه، وما لم يشاءه فهو عليه إذا شاء قادر.
ومن العلماء من قال أن ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هو تقرير لقوله : ﴿الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾، وهناك من قال أنه يضيف معنى جديد باعتبار التأسيس له، فيكون قوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يشمل القدرة على الموجودات والمعدومات.

فالمناسبة هنا التلازم بين كمال الملك والقدرة و استحقاق التنزيه والتقديس والتعظيم فتبارك الله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 03:19 AM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

{ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (1)الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا }
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في قاموس معاجم اللغة العربية المعاصرة معنى تباركَ/ تباركَ بـ يتبارك، تبارُكًا، فهو مُتبارِك، والمفعول مُتبارَك به • تبارك اللهُ: تقدّس وتعالى وتَنَزَّه وتعاظَم وكثُرت خيراتُه وعمَّت بركاتُه "{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}- {تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}"| تبارك وتعالى: عبارة تُقال عند ذكر اسم الله تعالى أو الإشارة إليه، ومعناها تقدّس وتنزَّه. • تبارك بالأمر: تفاءَلَ به خيرًا، تيمَّن، ظفر منه بالبركة.
وقال ابن كثير في تفسيره في معنى تبارك الذي بيده الملك : يمجّد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنّه بيده الملك، أي: هو المتصرّف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عمّا يفعل لقهره وحكمته وعدله. ولهذا قال: {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يستفتح الله عز وجل السورة الكريمة التي جاء عنها في الحديث «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار وأدخلته الجنة» (حسن). [3]
و من أسماءها المانعة لعذاب القبر يستفتح الله هذه السورة بتمجيد و تنزيه و تعظيم نفسه الكريمة و ما نزل اسم الله في شيء الا باركه و كثر خيره وهو عز وجل على كل شيء فكلمة- كل -تدل على الشمول و العموم المستغرق للازمان و الأماكن و شيء نكرة تشمل الصغيرة و الكبير و القريب و البعيد قال تعالى ( و ان من شيء الا عندنا خزائنه ) فهو عز وجل قادر على ان يبارك و يزداد خيرا لكل شيء فهو الملك المالك فبيده و تحت سلطانه كل شيء فملك الله دائما مستغرق في الدنيا و الآخرة و ان ملك بعض الناس ما ملكوا في الدنيا فملك الله قاهر كل ملك مسيطر على كل شيء و في الآخرة يتجلى ملك الله عز وجل فلا ملك يومئذ الا ملكه ( لمن الملك اليوم لله الواحد القاهر) فهو بملكه لكل شيء قادر على ان يدير و يسيطر و يحكم و يزيد و يتعاظم لكل شيء
ثم قال الله تعالى ( الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أحسن عملا ) معنى خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ : أَوْجَدَهُ مِنَ العَدَمِ ، أَنْشَأَهُ ، صَوَّرَهُ ، و الموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن و مفارقاتها
قال ابن كثير في تفسير الآية ثمّ قال: {الّذي خلق الموت والحياة} واستدلّ بهذه الآية من قال: إنّ الموت أمرٌ وجوديٌّ لأنّه مخلوقٌ. ومعنى الآية: أنّه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيّهم أحسن عملًا؟ كما قال: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] فسمّى الحال الأوّل -وهو العدم-موتًا، وسمّى هذه النّشأة حياةً. ولهذا قال: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] و قال قتادة في قوله: {الّذي خلق الموت والحياة}: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه أذلّ بني آدم بالموت، وجعل الدّنيا دار حياةٍ ثمّ دار موتٍ، وجعل الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ" ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي ليختبركم و يمحصكم قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم إِنَّ رَبَّكَ سَريعُ العِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾ [الأنعام: 165]ليختبركم اي منكم أحسن عملا أي: خيرٌ عملًا كما قال محمّد بن عجلان: ولم يقل أكثر عملًا و يكون العمل حسناً اذا تحقق فيه شرطان الإخلاص لله عز وجل و المتابعة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فالعمل ان كان خالصا لله عز وجل و لم يكن موافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عملا حسنا مثال ذلك من يصلي وقت شروق او غروب الشمس فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصلاة في ذلك الوقت عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» رواه مسلم فمن صلى لله خالصا صلاة دون سببا في احد هذه الأوقات لم يكن عمله محسناً بل قد يعاقب على مخالفته للسنة لذلك نرى بعض الجهال من اذا صلى لله وقت النهي دون سبب و منع من الصلاة قال ايعذبني الله و انا أصلي قلنا لن يعذبك الله لأنك تصلي لله إنما يعذبك لانك تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت صلاتك ، و كذلك قد يكون الفرد ظاهرا متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في عمله الا ان أخلصه يشوبه ما يشوبه من الرياء او السمعة كالذي رؤيا يصلي بخشوع في المسجد و سمع من يمدحه على خشوعه و صلاته فإذا هو يلتفت اليهم و يقول - بعد و انا صائم - اي و كذلك هو صائم ، فهذا الخشوع و الصلاة عندما فقدت الإخلاص لله تعالى جعل العمل ليس بحسن و العياذ بالله لذلك ختم الله الآية بقوله ( وهو العزيز الغفور ) فالله عز وجل له العزة الكاملة و قاهر كل الأشياء و غالب على أمره في الحياة و الموت و في عمل العاملين ان أحسنوا او اسأوا فهو له العزة فوق كل شيء و هو ( الغفور ) معنى غفور ◦ صيغة مبالغة من غفَرَ : كثير الغفران ، رحيم ، متسامِح
◦ الغفور : اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : الذي يعفو ويصفح ويغفر الذُّنوب ويستر صاحبَها فلا يشهِّر به لا في الدُّنيا ولا في الآخرة فهو غفور لمن تاب بعد إساءة و رجع الى العمل الحسن فيستر له ما قد اساء فلا يفضحه و لا يشهر به لا في الدنيا و لا في الآخرة له سبحانه و تعالى

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 10:44 AM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}(الطلاق/ 12).

مقصد الآية:
· هذه الآية عظيمة لأنها ذكرت الغاية من خلق الله للخلق، وذلك أن الله ما خلق الخلق و لا أنزل الكتب و لا أرسل الرسل إلا ليعرفوه فيعبدوه، فالقادر على خلق السموات والأرض بما فيهن فهو عالم بما خلقه؛ ومن قدر على إيجاد هذه المخلوقات العظيمة وتدبيرها بهذا النظام البديع العجيب لهو أقدر على غير ذلك بطريق القياس الأولي ومن ذلك البعث. حاصل كلام عدد من المفسرين منهم الطبري وابن كثير وابن عاشور.

والآية مشتملة على جمل:

·
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، وفيها مسائل:
- الحكمة من ذكر خلق الله للسماوات والأرض:
ذكر برهان عقليللاستدلال على كون الرب مستحق للإلوهية بخلاف آلهة المشركين .
قال ابن جرير الطبري: أي: لا ما يعبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تقدر على خلق شيء.

إعراب لفظ الجلالة {الله}:
1- مبتدأ مرفوع والاسم الموصول خبره، قاله عامة المفسرين منهم الزمخشري والشوكاني وصاحب إعراب القرآن وبيانه.
2- خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) وهذا من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال كما سماه السكاكي ، فإنه بعد أن جرى ذكر شؤون من عظيم شؤون الله تعالى ابتداء من قوله : {واتقوا الله ربكم} (الطلاق:1) إلى هنا ، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يزاد تعريف الناس بهذا العظيم ، ولما صار البساط مليئا بذكر اسمه صح حذفه عند الإخبار عنه إيجازا. قاله ابن عاشور.

-
إعراب الاسم الموصول {الذي} :
1- خبر للفظ الجلالة ، قاله جمهور أهل العلم.
2- هو صفة للفظ الجلالة، وقد ذكرت هذه الصلة لما فيها من الدلالة على عظيم قدرته تعالى، وعلى أن الناس وهم من جملة ما في الأرض عبيده ، فعليهم أن يتقوه ، ولا يتعدوا حدوده ، ويحاسبوا أنفسهم على مدى طاعتهم إياه فإنه لا تخفى عليه خافية ، وأنه قدير على إيصال الخير إليهم إن أطاعوه وعقابهم إن عصوه. قاله ابن عاشور.

-
لا خلاف أن الله خلق سبع سماوات كما هو نص الآية، ولا خلاف في كونها منفصلة عن بعضها البعض كما في قوله تعالى: {سبع سماوات طباقا} وفي حديث الإسراء وغيره، لكن اختلف في الأرض ، فقيل:
1- أنها سبع:
واختلف في المراد بذلك، فقيل:
1- سبعة أقاليم أو طبقات من الأرض منبسطة تفرق بينها البحار -قلت: كأنها تشبه القارات اليوم-، روي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه ذكره القرطبي، وذكره ابن كثير ورده، وذكره صاحب باهر البرهان، وصاحب غرائب التفسير، وذكره البقاعي ورده، والشنقيطي، وقال به صاحب إيجاز البيان وابن عاشور.
2- سبع أرضون طباق فوق بعضها البعض، وهو قول جمهور أهل العلم، منهم الطبري وابن كثير.
دليله:
# حديث: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين " رواه الشيخان، وللبخاري: "خسف به إلى سبع أرضين".
# في حديث موسى: "يا رب علمني شيئا أدعوك به، فقال: قل لا إله إلا الله، فقال: يا رب كل الناس يقولون ذلك، قال : يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة و لا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله".
2- أنها واحدة، ، ذكره ابن كثير وابن عاشور وغيرهم، وقد رجح هذا القول ابن عاشور.

المراد بالمثلية في قوله {مثلهنّ}:
1- مثلية تامة عددا وطباقا وخلقا: قاله ابن عباس ، ذكره الطبري وقال به، وذكره عن ابن عباس كذلك الشنقيطي.
دليله:عن ابن عباس، قال في هذه الآية: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: "في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق"، وفي رواية: في كلّ سماء إبراهيم، رواه ابن جرير .
2- المثلية في العدد ، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، ولكنهم اختلفوا، فقيل:
v أنها كالسماوات كل واحدة منفصلة عن الثانية، وهو قول عامة أهل العلم منهم ابن كثير والقرطبي والشوكاني والشنقيطي.
دليله:
# عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه، إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون ما هذا؟". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا العنان، هذه روايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه". ثم قال: "هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال " فإنها الرقيع، سقف محفوظ، وموج مكفوف". ثم قال: "هل تدرون كم بينكم وبينها" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "بينكم وبينها خمسمائة سنة". ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك؟" قالوا: الله ورسوله أعلم قال: " فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة-حتى عد سبع سموات-ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض". ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين". ثم قال: "هل تدرون ما الذي تحتكم؟". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها الأرض". ثم قال: "هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة-حتى عد سبع أرضين-بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة". ثم قال: "والذي نفس محمد بيده، لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلي لهبط على الله"، ثم قرأ: { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم }.
رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه.
# عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة".
v وقيل: أنها سبع أرضين متصلة بعضها فوق بعض بدون فتوق -كطبقات البصل مثلا- ، قاله الضحاك ، ذكره عنه القرطبي ورده ، وذكره صاحب غرائب التفسير والشنقيطي وغيرهما.
قال الزمخشري: وقيل: ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه.

3- المثلية في الخلق أو الجرم والهيئة والشكل ، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم ومنهم ابن عاشور.
قال ابن عاشور: وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله : {مثلهن} راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم ، وأما الحديث فإنه في شأن من شؤون الآخرة وهي مخالفة للمتعارف، فيجوز أن يطوق الغاصب بالمقدار الذي غصبه مضاعفا سبع مرات في الغلظ والثقل، على أن عدد السبع يجوز أن يراد به المبالغة في المضاعفة. ولو كان المراد طبقات معلومة لقال: طوقه من السبع الأرضين بصيغة التعريف. ا.هـ. من التحرير والتنوير.
وقال صاحب فتح البيان: ويسط الكلام على هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها ، ويكفي الاعتقاد بكون السماوات سبعا كما ورد به الكتاب العزيز والسنة المطهرة، و لا ينبغي الخوض في حقهما وما فيهما، فإنها شيء استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه، لا يحيط به أحد سواه ولم يكلفنا الله تعالى بالخوض في أمثال هذه المسائل والتفكير فيها والكلام عليها وبالله التوفيق.

-
القراءات في{مثلهنّ}:
1- قرأها عاصم {مثلُهنّ} بضم اللام فتكون مرفوعة على الابتداء ، {ومن الأرض} خبر مقدم.
2- قرأها الجمهور{مثلَهنّ} بفتح اللام فتكون:
v عطفاً على {سبع سموات}، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف، وهو الواو، والمعطوف؛ وهو مختص بالضرورة عند أبي عليّ الفارسي.
v أضمر بعضهم العامل بعد الواو لدلالة ما قبله عليه، أي وخلق من الأرض مثلهن؛ فمثلهن مفعول للفعل المضمر لا معطوف، وصار ذلك من عطف الجمل. ذكره الزجاج ومثله السمين الحلبي وصاحب إعراب القرآن وصاحب غرائب التفسير والشوكاني وغيرهم.

-
معنى ( مِن ) بالآية ؟
1- إما أن تكون صلة؛مزيدا للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة (من) أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيرا في الكلام ، وعدم الكثرة لا ينافي الفصاحة. قاله ابن عاشور.
وعلى هذا يكون المعطوف على (السماوات) هو (الأرض)، ويكون تقدير الكلام: (وخلق الأرضَ)؛ وتكون (مثلهن) حالا من الأرض.
2- إما أن تكون بيانية، ويكون المعطوف للسماوات هو {مثلهن}، ويكون قوله : {ومن الأرض} بيانا للمثل، قال ابن عاشور: وفيه تقديم البيان على المبين ، وهو وارد غير نادر.

·
{ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}
- القراءات في يتنزل:
قرأها الجمهور (يتنزل) من التنزل، ورفع الأمر على الفاعلية، وقراها أبو عمرو في رواية وعيسى (ينزِّل) بالتشديد من الإنزال ونصب الأمر على المفعولية، والفاعل الله سبحانه تعالى. قاله السمين وغيره.

-
إعراب يتنزل:
يجوز أن تكون مستأنفة، ويجوز أن تكون نعتا ، قاله أبو البقاء ذكره السمين، وذكره الشوكاني وغيرهم.

-
المراد بالأمر في الآية ؟
1- قيل أمره الكوني من أقدار مختلفة من إحياء وإماتة وإغناء وإفقار وإنزال مطر وإخراج نبات ونحوها، ذكره القرطبي وقال: وهو قول الأكثرين، وقال به صاحب إيجاز البيان والزمخشري، وذكره صاحب فتح البيان وصاحب باهر البرهان .
2- الوحي، ذكره القرطبي وقال: وهو قول مقاتل وغيره، وقال به، وقال به ابن أبي زمنين، و ذكره صاحب فتح البيان.
والراجح: أنه يشمل أمر الله الكوني القدري لكل من يعقل ومن لا يعقل كالسحاب والرياح، وأمره الشرعي، و به قال البقاعي في نظم الدرر .

_ مرجع الضمير في {بينهن}.
1- عائد على السماوات والأرضين عند الجمهور.
2- عائد على السماوات والأرض على من يقول أنها أرض واحدة، ذكره السمين وغيره.

· { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}

المعنى:
ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه؛ ولكنه على ما يشاء قدير، ولتعلموا أيها الناس أن الله بكل شيء من خلقه محيط علمًا، لا يعزُب عنه مثقالُ ذرّة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
يقول جلّ ثناؤه: فحافوا أيها الناس المخالفون أمر ربكم عقوبته، فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع، وهو على ذلك قادر، ومحيط أيضًا بأعمالكم، فلا يخفى عليه منها خاف، وهو محصيها عليكم، ليجازيكم بها، يوم تجزى كلّ نفس ما كسبت. قاله ابن جرير.

-
القراءات في { لِتَعْلَمُوا}
قرئت بتاء الخطاب عند العامة، وقرأها بعضهم بياء الغيبة. قاله السمين ومثله الزمخشري.

-
معنى اللام في {لتعلموا}.
لام كي ، قاله صاحب إعراب القرآن وبيانه وصاحب فتح البيان وغيرهما، وقيل هي متعلقة:
# ب {خلق}.
# ب {يتنزل} .
# بمقدر، أي: فعل ذلك لتعلموا {أن الله على كل شيء قدير}. قاله صاحب فتح البيان وغيره.

أعتذر للتأخر بسبب انقطاعات الكهرباء.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 10 محرم 1440هـ/20-09-2018م, 11:06 AM
عبد الكريم محمد عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 194
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) }

رهق فلان أي خاف فالرهق هو الخوف و الفزع، و يقال قد أرهقه أي أخافه
و كلمة الناس تطلق على الإنس و الجن
فالله يقول [ الذي يوسوس في صدور الناس] و المراد يوسوس في صدور الجن و الإنس.
و يقال أيضا قوم من الجن كما يقال للناس و كذلك نفر من الجن كما في قوله تعالى[ نفر من الجن] و رجال من الجن كما في قوله تعالى[ برجال من الجن ]

في الآية مسائل:
المسألة الأولى : سبب النزول.
المسألة الثانية : تحرير القول في معنى رهقا.
المسألة الثالثة : حكم الاستعاذة بالجن و أثرها و الفرق بينها و بين الاستعانة.

أولا : سبب النزول
ورد في سبب نزولها أن أهل الجاهلية كانوا إذا نزلوا واديا أو منزلا استعاذوا و استجاروا بعظماء المنزل من الجن من سفهاء قومه و قد وردت في عدة نصوص
أوردها الإمام الطبري رحمه الله تعالى.
و ذكر الإمام السيوطي و ابن كثير قصة الرجل الذي بات عند راعي الغنم فوثب الذئب على شاة فاستعاذ الراعي بعامر الوادي فناد مناد يأمر الذب بترك الشاة فتركها .
و علق ابن كثير على القصة : بأنه من المحتمل أن يكون الذئب جنيا كان يريد أن يرهبهم فيخافونه ، فلما استجاروا ردها عليهم ليضله و يهينه و يخرجه من دينه.

ثانيا: تحرير القول في معنى رهقا
.
ورد في معنى رهقا أقوالا:
- فقيل إثما كما ورد عن ابن عباس و قتادة
- و قيل يزدادون عليهم جرأة كما ورد عن إبراهيم
- و قيل بل عني بذلك أن الكفار ازدادوا طغيانا كما وردعن مجاهد
- و قيل بل المعنى زادوهم خوفا كما ورد عن الربيع بن أنس و ابن زيد
و رجح الإمام الطبري أن الأرجح أن معنى الرهق هو الإثم لأنهم زادوهم استحلالا لمحارم الله
قال : و الرهق في كلام العرب : الإثم و غشيان المحارم، ومنه قول الأعشى:
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها = هل يشتفي وامقٌ ما لم يصب رهقًا
يقول: ما لم يغش محرمًا

ثالثا: حكم الاستعاذة بالجن و أثرها و الفرق بينها و بين الاستعانة.

الاستعاذة هي الالتجاء و الاعتصام فالمستعيذ يهرب مما يخاف إلى من يستعيذ به و هي من العبادات و صرف العبادة لغير الله شرك.
قال صاحب كتاب فتح المجيد : وهي من العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده; كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}1. وأمثال ذلك في القرآن كثير كقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}2 و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}3. فما كان عبادة لله فصرفه لغير الله شرك في العبادة، فمن صرف شيئا من هذه العبادات لغير الله جعله شريكا لله في عبادته، ونازع الرب في إلهيته، كما أن من صلى لله وصلى لغيره يكون عابدا لغير الله ولا فرق.
و من الاستعاذة ما يكون بما يمكن العوذ به من المخلوقين أو غيرهم و هذا جائز.

و الفرق بينها و بين الاستعانة: أن الاستعانة كما قال شيخنا عبدالعزيز الداخل- حفظه الله- طلب العون و هي أنواع:
- الاستعانة بالله.
- الاستعانة بالمخلوق على أمر يقدر عليه و هذه على حسب المستعان عليه فبحال المستعان عليه يكون الحكم فيستحب الاستعانة على البر و تحرم على المحرم و تجوز في المباح.
- الاستعانة بحي حاضر غير قادر فهي لغو لا فائدة فيها.
- الاستعانة بالاموات أو بالاحياء على أمر غيبي أو غير مقدور على مباشرته فهذا شرك لما يقوم بالقلب من اعتقاد أن للمستعان به قدرة و تصرفا خفيا في الكون.
- الاستعانة بالأعمال و الأحوال المحبوبة إلى الله تعالى كالصبر و الصلاة ، و هذا مشروع.

و تم إيراد هذا التفصيل لكي لا يخلط البعض بين الاستعانة بالجن و التي هي مدار خلاف بين العلماء و بين الاستعاذة بهم التي هي شرك

{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) }
يخبر جل في علاه عن صنف من الناس كان لهم عادة إذا نزلوا بواد أو منزل مخيف؛ فزعوا إلى الجن و استعاذوا بكبرائهم من سفهائهم ، فكانوا لجهلهم يطلبون الاعاذة و الحماية ممن لا يعرفون حالهم و لا يرونهم و كان ذلك من الموروث الذي يتناقله الجهلة بغير تمحيص و لا دليل، و هذا راجع لقوله تعالى على لسان المشركين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون}[البقرة:170]
فلما كانوا يحتمون بالجن و يعوذون بهم كان ذلك سببا في حدوث الضرر بالانسي المستعيذ بهم من وجهين:
- من حيث الطغيان الذي تورثه الاستعاذة في قلوب الجن و الذي سيترتب عليه الاضرار بالانس كما في النقطة التالية
- و من حيث تخويف البشر و نشر الذعر بينهم ليعودوا للاستعاذة تكرارا
و هذا هو حال كل من عمر قلبه بغير ربه و أنزل المعبود في منزلة الخالق المدبر، فلا ملجأ للعبد غير الله و مهما فعل العبد من الاسباب المشروعة له فلا بد أن يبقى قلبه معلقا بربه متوجها إليه لا ينصرف عند خوف أو فرح أو هم أو غم لغير الله جل في علاه .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 10:12 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي



مجلس تقويم التطبيقات على أسلوب التقرير العلمي .

حياكم الله جميعا وأثابكم على اجتهادك وصبركم في تحمل مشاق طلب العلم ، نسأله تعالى أن يرزقكم بركة هذا العلم وفضل أهله .

⚫ التعليق العام :

بعد الاطلاع على جميع التطبيقات لوحظ أن صورة المطلوب تقريبا واضحة بفضل الله مع تفاوت في نسبة جودة التطبيق ؛كما لوحظ أنّ ثمة ملحوظات مشتركة بينها أوردها لكم.

▪ الاختصار في تناول مسائل الآية المختارة المتعلقة بمقصده الرسالة .
من المعلوم أنّ أسلوب التقرير العلمي في رسائل التفسير لا يحسن الإغفال عن مسألة خلافية وردت في تفسير الآية ، أو التجاوز عن مسائل في الآية تفيد في تحرير تلك المسألة الخلافية، كأن يكون ترجيح أحد الأقوال متعلق مثلا بمناسبة الآية لما قبلها في الآية .
فعلى الطالب أن يعتني بهذه المسائل ويحررها تحريرا علميا وافيا ، ويراعي فيها قواعد الجمع والترجيح.بما تخدم مقصده في التفسير .

وهذه الجزئية كان الاختصار فيها واضح جدا في تطبيقاتكم.


▪الاعتماد على نسخ أقوال المفسرين دون إعادة صياغتها .
هذا الجانب يضعف من قيمة الرسالة ؛إذ أن القارئ حينها لا يشعر بأسلوب الكاتب وأنما يقرأ نصوص مقتبسة من كلام أهل العلم .
▪ غياب التوثيق وإبراز المراجع المستند إليها .
هذا العنصر لا يمكن إغفاله لأنّ الأمانة العلمية ركيزة أساسية لطالب العلم ؛ وقد فات أكثركم ذلك .
▪ غياب الترتيب الموضوعي للمسائل .
هذه الملحوظة وقعت عند كثير منكم بحيث لم يتناول مسائل الآية من بدايتها ؛ وقد اتفقنا مسبقا أننا نبدأ باستخراج المسائل من أول لفظة في الآية إلى نهايتها ؛ وما بدا هو عدم الترتيب في ذكر المسائل بتقديم وتأخير بينها .
وأبرز ما تكرر في هذا الشأن تقديم معنى الرين على معنى كلا في قوله تعالى :{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.

▪ التقصير بذكر نظائر الآيات المراد تفسيرها من القرآن والسنة .
▪ يجب العناية أكثر بالمصادر الأصيلة التي تعتني بأقوال الصحابة والتابعين والتي من خلالها يكون التحقق من صحة نسبة الأقوال كتفسير عبد الرزاق و ابن أبي حاتم وتفسير الطبري .
كما نعتني بالتفاسير التي اعتنت بترجيح الأقوال كتفسير ابن جرير وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي.

▪ ليس المقصد من أسلوب التحرير العلمي أن يكون عرض الرسالة بإبراز عناوين المسائل بصورة التلخيص المعهودة ، وفي النماذج التي وضعت لكم مزيدا من البيان ، كـــ:
الرسالة في تفسير قول الله تعالى: {قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}.




تقييم التطبيقات :
1: حليمة السلمي.ب+
أحسنتِ في طرحكِ للرسالة وجودة المصادر التي استعنتِ بها وتنوعها، مع بعض الملحوظات والتوصيات.
- افتتاح الرسالة بمقدمة يسيرة لها من الأثر في تهيئة القارئ لما سيقرأ ، فاحرصي عليها وفقكِ الله، وبإمكانكِ أن تجعلي من مقاصد الآية أو مناسبتها لما قبلها أو حتى أسباب النزول محور مقدمتك

- الترتيب الموضوعي مهم في عرض الرسالة ، فمعنى كلا متقدم على معنى الرين،وثمّة أنكِ ذكرت في المسألة الثانية معنى الرين وأسبابه، والأولى أن تسمي المسألة باسم معنى قوله تعالى:( ران على قلوبهم ) ثمّ تستعرضي الأقوال كما تعلمنا في طريقة تحرير أقوال المفسرين، وتذكري أسباب الرين في مسألة منفصلة.

والاختصار قد ظهر واضحا في عناصر الرسالة، فقد غاب عنكِ ذكر العديد من المسائل المهمة في إثراء الرسالة منها معنى بل، و ذكر المراد بالكسب وأثره على القلب كان أحرى أن يُفرد بمسألة خاصة .
- الاعتماد على النقل أثّر على حضور شخصيتك ، كما أن غياب الانتقال بين عناصر الرسالة كان واضحا .


2: ناديا عبده:أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وزادكِ علما .
فمن مظاهر القوة في رسالتك ، ظهور شخصيتك فيها و الاستهلال بمقدمة تمهيدية ومناقشتكِ للأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح ، وتنوع مصادر الرسالة .
مما فاتكِ التخريج للأحاديث والآثار،والإحالة إلى مصادرها، ومن ذكر المسائل ؛ إضافة المساجد للفظ الجلالة، وذكر مسألة معنى الدعاء لغة .

3: سعود الجهوري.أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
رسالتك قيّمة وعرضك لها ووقوفك على أبرز المسائل وترتيبك ممتاز وفقك الله ؛ وهناك ما يجب التنبيه عليه :
• لم تحظ مسائل الآية الأولى بمزيد من العناية كما تناولت الآية الثانية مع أنك ذكرت غالب مسائلها إلا أنها تحتاج لمزيد من التحرير ؛ منها الوقوف على المعنى اللغوي لكل من التلاوة والحكمة والتزكية .
• المأخذ الواضح على رسالتك غياب ذكر أغلب مصادرها، واكتفيت بذكر جزء يسير في بعض المسائل .

4: هويدا فؤاد . ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددك.
تميّزت رسالتك بحسن العرض والترتيب ؛ وإليك بعض ما فاتكِ :
• كان يحسن ذكر سبب نزول الآية .
• طريقة نسبة القول لقائله لم تكن على الوجه الصحيح ؛ فمثلا الصواب عند عرض القول الأول في المراد بالأمشاج:
- اختلاط ماء الرجل وماء المرأة ؛ روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والحسن ؛ذكره الطبري .
القول الثاني :...... روي عن ابن عباس وقتادة وعكرمة.
....وهكذا..راجعي تفسير الطبري في نسبة الأقوال.
• أسلوبك يحتاج لظهور أكثر والاعتماد على النقل واضح ؛ فيجب العناية بأسلوبك في التلخيص والتحرير.


5: عبد الكريم الشملان . ج
بارك الله فيك ونفع بك .
•أحسنت في استخراجك لبعض المسائل إلا أنّ العديد منها قد فاتك ذكره مثل :المراد بالكسب ، وكان الأولى الفصل بين مسألة معنى الران وأسبابه ، وكان يحسن بيان أثره على صاحبه.
• كان ينبغي الحرص على الترتيب الموضوعي لمسائل الآية ؛ فمعنى كلا مقدم ذكره على معنى الران.
• أيضا الاختصار الواضح في تحرير المسائل جعلها أشبه بتلخيص للمسائل خالٍ من التوثيق ونسبة الأقوال ، وفي مراجعتك لنماذج الرسائل بأسلوب التقرير العلمي مزيدا من الوضوح .


6: إنشاد راجح.أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ.
تميّزت رسالتك بعنصر الترتيب والشمول وتنوع المصادر، وفقكِ الله وسددكِ .
ملحوظة يسيرة فاتتكِ وهي عندما ذكرت مسألة :
أقوال أهل العلم واللغة في معنى "تبارك":كان يحسن الابتداء ببيان مصدر اللفظة واشتقاقها ثمّ نذكر ما جاء من أقوال السلف في معناها ، وقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير أربعة أقوال منسوبة للسلف في معناها، ففي الرجوع إليها مزيدا من الاستفادة .



7:ميمونة التيجاني.+ج
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
واجتهادكِ طيب في كتابة الرسالة ومما فاتكِ:.
• لابد أن يكون ذكرك لمقصد الآية متقدم على معنى لفظة تبارك ، وهي أنسب بالابتداء بها كمقدمة تفتتحيين بها رسالتك.
• الأسلوب الوعظي أظهر من أسلوب التقرير العلمي مع كونها شملت أغلب المسائل إلا أنها لم تتناول بطريقة التحرير العلمي بذكر الأقوال وإسنادها لمن قال بها من السلف ومن أوردها من المفسرين وإعمال قواعد الجمع والترجيح .
• غياب عنصر التوثيق وذكر المصادر.
وفي تطبيق الطالبة إنشاد رؤية تساعدكِ على تصوّر المطلوب .


8: وحدة المقطري.ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ.
تميّزت رسالتك بعنصري العرض والترتيب وشمولها على أغلب المسائل ، ومع ذلك كانت أقرب للتلخيص من كونها رسالة علمية .
• المسائل المتعلقة بالمعنى اللغوي مقدم على المسائل المتعلقة بالمراد بالمثل ، كما فاتكِ التطرق لبيان مسائل الآية الأخيرة .
• في تحرير الأقوال ينبغي أن نذكر القول ابتداءا ثم القائل به من السلف ثم نسنده لمن ذكره من المفسرين ، فهذا مما فاتكِ في تحريرك للمراد بالأمر في القول الثاني وكذلك في مسألة المراد بالمثلية .
• يحسن الانتباه لقول المفسّر وفهمه جيدا وصياغته قبل نقل نص قوله حتى تكون العبارة واضحة للقارئ.
فقد ذكرت قول ابن عاشور :( وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله : {مثلهن} راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم ...) ولم تبيني مناسبة هذا القول وأنّه جاء ردا على سؤال شيخه حول مسألة ( هل ورد في الشرع ما يدل على كون الأرض سبعا ؟) وما دار بينهما حول هذه المسألة.
- نأسف لخصم نصف درجة للتأخير.


9: عبد الكريم محمد:+ج
أحسنت بارك الله فيك .
اجتهادك طيب وأحسنت في عرضك للرسالة بطريقة مرتبة .
من أبرز الملحوظات حولها هو عدم مراعاة الترتيب الموضوعي للمسائل فافتتحت رسالتك بآخر المسائل ، كما بدا الاختصار واضحا سببه جمعك لعدة مسائل في مسألة واحدة كـــ:
حكم الاستعاذة بالجن و أثرها و الفرق بينها و بين الاستعانة، وكان حريّ بك أن تفصل بينها وتُعطي كل منها حقها في البيان.

وفاتك تناول المسائل كالآتي :
مقصد الآية ، مناسبتها لما قبلها ، القراءات في (إنّه) ، معنى العوذ في اللغة ، معنى قوله تعالى :( يعوذون برجال من الجنّ ) ونأتي بالأقوال التي أوردها الطبري في تفسيره و، ...الخ.
تحرير القول في معنى رهقا ، في تحريرك لهذه المسألة تبين أنّها تتضمن مسألتين ، الأولى : معنى الرهق ، والثانية :مرجع الضمائر في قوله تعالى :( فزادوهم )، وكلا المسألتين كان استيعاب القول فيهما ناقصا ، والأولى الفصل بينهما .


- نأسف لخصم نصف درجة للتأخير.



نفع الله بكم وزادكم علما تنالوا به الخير في الدارين


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 04:12 PM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد الله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشد
سورة التغابن سورة مدنية ومن خصائص السور المدنية انها تتحدّث عن المعاملات، والعبادات، والأمور الدنيويّة الّتي تخصّ الإسلام ، و تتطرّق الآيات المدنيّة إلى دعوة أهل الكتاب ومجادلتهم، ومخاطبتهم للدخول في الإسلام، عن طريق الإقناع والترغيب، ففي الآية نجد تسلية للمؤمن و ما يصابه به في الدنيا من شقاء و مصائب (و قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ; فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل ، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه . القرطربي )
الاعراب اللفظي لبعض كلمات الآية الكريمة
1- نجد (ما) نافية
ما النافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية):
تعمل اذا تلاها فعل ماض او فعل مضارع موفوع .
تأثيرها المعنوي :تنفي حدوث الفعل .
تأثيرها الاعرابي : لاتؤثر في اعراب الفعل الذي بعدها .
و منها اذا دخلت (ما) على فعل ماض
-قال تعالى :(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون).
-قال تعالى :(اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ...).
- والله ماطلعت شمس ولا غربت
الا وذكرك مقرون بانفاسي
-لعمرك مااهويت كفي لريبة
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
في الآيات السابقة و الأشعار نجد ما نافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية ) تلاها فعل ماض .
معنى المصيبة:
أولا: في اللغة: الصوب مثل الصيب وتقول صابه المطر وصوبت الفرس إذا أرسلته في الجري والصواب ضد الخطأ واستصوبه واستصابه وأصابه رآه وأصابته مصيبة فهو مصاب والصابة والمصيبة ما أصابك من الدهر وكذلك المصابة والمصوبة بضم الصاد والتاء للداهية أو للمبالغة والجمع مصاوب ومصائب، الأخير على غير قياس ( لسان العرب)
يُقَالُ مُصِيبَة، ومَصُوبَة، ومُصَابَة، والجمعُ مَصَايِب، ومَصَاوِب. وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ ينْزِل بالإنسانِ(
ثانيا: في الاصطلاح: يقول الجرجاني:*(المصيبة ما لا يلائم الطبع كالموت ونحوه).
*وقال المناوي: (المصيبة اسم لكل ما يسوء الإنسان)وقال الكلبي:*(المصيبة … ما يصيب من الشر)[ منبر الفكر ] <المقالات و البحوث العلمية )
أنواع المصائب:و المصائب على ثلاثة انواع مصائب تصيب الناس و الارض مثل الكوارث و الزلازل و الفيضانات و امثالها كالطوفان لقوم نوح. قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» (العنكبوت، 29 / 14).
و مصائب تصيب الناس دون الارض
كالموت و الأمراض و نقصان المال و الانفس قال تعالى ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾ [البقرة: 155]
و مصائب تصيب قوم دون اخرين والسبب فيها مختلف حسب حال الشخص فمن كان كافرا معاندا فتكون المصيبة من باب العقوبة والقصاص كما حل بقارون «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ» (القصص، 28 / 81)
فقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة ) أصاب فعل ماضي مبني على الفتح ( من مصيبة ) جار و مجرور لفظاً مرفوعا محلا لفاعل اصاب ( إلا) اداة استثناء و تفيد الحصر ، و قوله ( باْذن الله ) متعلقان بأصاب ولفظ الجلالة مضاف إليه. ففي الآية تسلية للمؤمن الصادق في إيمانه المخبت لربه المستسلم له بجميع جوارحه بان لن يصاب بمصيبة من قول او فعل في نفسه او في ابنه او في ماله او في أهله او في ارضه فهي بأمر من الله تعالى و علمه ، و متى ما علم المؤمن بان لن يصاب بمصيبة الا بعلم من الله تعالى يجعله يرضى بل يسعد لانه يعلم ان كل ما يصاب به فهو خير له كما قال صلى الله عليه وسلم (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.فصبره على البلاء فيه مافيه من التكفير لذنوبه و رفع درجاته وهذا و الله لهو الخير العظيم الذي يجعل المؤمن المغمس في البلاء في هذه الدنيا ان جاء يوم القيامة ورى ما عوضه الله عليه من النعيم بسبب ما اصابه من البلاء يتمنى ان لم ينعم في هذه الدنيا قط
ثم قال تعالى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه )
( وَ) الواو حرف استئناف (مِنْ) اسم شرط مبتدأ (يُؤْمِنْ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط (بِاللَّهِ) متعلقان بالفعل (يَهْدِ) مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر (قَلْبَهُ) مفعول به والجملة جواب الشرط لا محل لها من الاعراب وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من. وجملة من.. استئنافية لا محل لها من الاعرابي ولها معنى متعلق بما قبله ،
و الايمان هو ما وقر في القلب و صدقه العمل
الإيمان بمعنى التّصديق: ومنه قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[6] أي: لست بمُصدِّقٍ لنا على فَرَض كنا صادقين
و الهداية نوعان هداية توفيق و الهام لما يحب الله ويرضاه
و هداية الدلالة و الارشاد
و معنى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه ) و من كان في جميع احواله مصدقا بان الله هو اللطيف الكريم الجبار المطلع لاحوال عباده المصلح لها فان ذاك الايمان يورث في قلبه راحة وطمانينة بكل ما يصيبه و من يُؤْمِن بالله في السراء يهدي قلبه الى الثبات و الصبر و الاحتساب عند البلاء و من يُؤْمِن بالله الكريم الرحيم فان الله سيهدي قلبه عند المصائب و سيعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه و ما اخطئه لم يكن ليصبه حتى انك لتجد صاحب المصيبة الكبيرة و في وجهه البشر و الراحة و انك لتتعجب من الحالة التي هو فيها و من الطمأنينة التي غاشيته رأيت في مرة امرأة كنت جالسة بجوارها بالمستشفى و في يديها رضيع حاملته و الدموع لا تكاد تتوقف من عينها و هي تردد الحمدلله الحمد لله الحمدلله فعند سؤالها عن سبب بكاءها فإذا هي تقول ان ابنتها قد فارقت الحياة وهي التي تحملها و تنتظر الانتهاء من إجراءات المستشفى ، سبحان الله من الذي الهم المرأة الثكلى في لحظة موت ابنتها ان تحمد الله؟ انه الله عز وجل و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه و يصلح باله ، و تجد من اذا أصيب بمصيبة يمن الله عليه بمن يرشده بالسلوك الحسن الذي يقربه الى الله من قول كالتسبيح ﴿فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى﴾ [طه: 130] او فعل كصلاة او عمرة فإنها أمور و هدايات من الرحيم الكريم تعين المؤمن على تحمل و الرضى بما اصابه في هذه الحياة الدنيا
(وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مبتدأ (بِكُلِّ) متعلقان بعليم (شَيْءٍ) مضاف إليه (عَلِيمٌ) خبر والجملة استئنافية ،
(و الله بكل شيء عليم) و الله عز وجل عليم بما اصاب الانسان و عليم بما في قلبه الايمان و الصدق قال صلى الله عليه وسلم ( ان الله لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم ) فالله عليم بما وقر في قلب الانسان من الصدق و التوكل و الاحسان في العمل فيهدي قلبه عند حلول المصائب الى ما يجعلها نعمة و رفع للدرجات لا الى ما يحبط عمله من التسخط و الاستعلاء و التولي و القنوط ﴿قالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ﴾ [الحجر: 56] نسأل الله السلامة و العافية من الضلال و الغواية و نسأله ان يُرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يُرينا الباطل باطل و يرزقنا اجتنابه و لا يجعله مشتبها علينا فنضل. الحمد الله و الصلاة و السلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 2 صفر 1440هـ/12-10-2018م, 03:52 PM
مؤمن عجلان مؤمن عجلان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 255
افتراضي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده
أما بعد
فهذه رساله مختصرة في المراد بقوله تعالي ( جمالات صفر ) وبيان أقوال أهل التفسير فيها
ذكر ابن كثير في تفسيره ثلاثة أقوال هي كالتالي:
1- أنها الجمال السود: حيث أن العرب كانت تسمي الجمال السود صفراً . قالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.وهو قول السعدي
2- أنها حِبَالُ السفن :قاله ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ودليله ما رواه البخاري حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ القَصَرَ، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} حِبَالُ السُّفُنِ، تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ
3- عن ابن عباس أيضا أنها : قطع النحاس
ولا منافاة بين الأقوال الثلاثة فإن الإبل سوداء وكذلك حبال السفن تسود من كثرة الاستعمال والاحتكاك بالماء وغير ذلك وأيضا قطع النحاس فإنها تسود لما توقد عليها النار

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 06:44 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميمونة التيجاني مشاهدة المشاركة
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن
بسم الله الرحمن الرحيم
ان إن الحمد الله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشد
سورة التغابن سورة مدنية ومن خصائص السور المدنية انها/ أنها تتحدّث عن المعاملات، والعبادات، والأمور الدنيويّة الّتي تخصّ الإسلام ، و تتطرّق الآيات المدنيّة إلى دعوة أهل الكتاب ومجادلتهم، ومخاطبتهم للدخول في الإسلام، عن طريق الإقناع والترغيب، ففي الآية نجد تسلية للمؤمن و ما يصابه به في الدنيا من شقاء و مصائب (و قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ; فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل ، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه . القرطربي القرطبي )
الإعراب اللفظي لبعض كلمات الآية الكريمة
1- نجد (ما) نافية
ما النافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية):
تعمل اذا تلاها فعل ماض او فعل مضارع موفوع .
تأثيرها المعنوي :تنفي حدوث الفعل .
تأثيرها الاعرابي : لاتؤثر في اعراب الفعل الذي بعدها .
و منها اذا دخلت (ما) على فعل ماض
-قال تعالى :(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون). الإنس.
-قال تعالى :(اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ...).أولئك.
- والله ماطلعت شمس ولا غربت
الا وذكرك مقرون بانفاسي
-لعمرك مااهويت كفي لريبة أهويت
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
في الآيات السابقة و الأشعار نجد ما نافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية ) تلاها فعل ماض .
معنى المصيبة:
أولا: في اللغة: الصوب مثل الصيب وتقول صابه المطر وصوبت الفرس إذا أرسلته في الجري والصواب ضد الخطأ واستصوبه واستصابه وأصابه رآه وأصابته مصيبة فهو مصاب والصابة والمصيبة ما أصابك من الدهر وكذلك المصابة والمصوبة بضم الصاد والتاء للداهية أو للمبالغة والجمع مصاوب ومصائب، الأخير على غير قياس ( لسان العرب)
يُقَالُ مُصِيبَة، ومَصُوبَة، ومُصَابَة، والجمعُ مَصَايِب، ومَصَاوِب. وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ ينْزِل بالإنسانِ(
ثانيا: في الاصطلاح: يقول الجرجاني:*(المصيبة ما لا يلائم الطبع كالموت ونحوه).
*وقال المناوي: (المصيبة اسم لكل ما يسوء الإنسان)وقال الكلبي:*(المصيبة … ما يصيب من الشر)[ منبر الفكر ] <المقالات و البحوث العلمية )
أنواع المصائب:و المصائب على ثلاثة انواع مصائب تصيب الناس و الارض مثل الكوارث و الزلازل و الفيضانات و امثالها كالطوفان لقوم نوح. قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» (العنكبوت، 29 / 14).
و مصائب تصيب الناس دون الارض
كالموت و الأمراض و نقصان المال و الانفس قال تعالى ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾ [البقرة: 155]
و مصائب تصيب قوم دون اخرين والسبب فيها مختلف حسب حال الشخص فمن كان كافرا معاندا فتكون المصيبة من باب العقوبة والقصاص كما حل بقارون «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ» (القصص، 28 / 81)
فقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة ) أصاب فعل ماضي مبني على الفتح ( من مصيبة ) جار و مجرور لفظاً مرفوعا محلا لفاعل اصاب ( إلا) اداة استثناء و تفيد الحصر ، و قوله ( باْذن الله ) متعلقان بأصاب ولفظ الجلالة مضاف إليه. ففي الآية تسلية للمؤمن الصادق في إيمانه المخبت لربه المستسلم له بجميع جوارحه بان لن يصاب بمصيبة من قول او فعل في نفسه او في ابنه او في ماله او في أهله او في ارضه فهي بأمر من الله تعالى و علمه ، و متى ما علم المؤمن بان لن يصاب بمصيبة الا بعلم من الله تعالى يجعله يرضى بل يسعد لانه يعلم ان كل ما يصاب به فهو خير له كما قال صلى الله عليه وسلم (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.فصبره على البلاء فيه مافيه من التكفير لذنوبه و رفع درجاته وهذا و الله لهو الخير العظيم الذي يجعل المؤمن المغمس في البلاء في هذه الدنيا ان جاء يوم القيامة ورى ما عوضه الله عليه من النعيم بسبب ما اصابه من البلاء يتمنى ان لم ينعم في هذه الدنيا قط
ثم قال تعالى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه )
( وَ) الواو حرف استئناف (مِنْ) اسم شرط مبتدأ (يُؤْمِنْ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط (بِاللَّهِ) متعلقان بالفعل (يَهْدِ) مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر (قَلْبَهُ) مفعول به والجملة جواب الشرط لا محل لها من الاعراب وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من. وجملة من.. استئنافية لا محل لها من الاعرابي ولها معنى متعلق بما قبله ،
و الايمان هو ما وقر في القلب و صدقه العمل
الإيمان بمعنى التّصديق: ومنه قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[6] أي: لست بمُصدِّقٍ لنا على فَرَض كنا صادقين
و الهداية نوعان هداية توفيق و الهام لما يحب الله ويرضاه
و هداية الدلالة و الارشاد
و معنى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه ) و من كان في جميع احواله مصدقا بان الله هو اللطيف الكريم الجبار المطلع لاحوال عباده المصلح لها فان ذاك الايمان يورث في قلبه راحة وطمانينة بكل ما يصيبه و من يُؤْمِن بالله في السراء يهدي قلبه الى الثبات و الصبر و الاحتساب عند البلاء و من يُؤْمِن بالله الكريم الرحيم فان الله سيهدي قلبه عند المصائب و سيعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه و ما اخطئه لم يكن ليصبه حتى انك لتجد صاحب المصيبة الكبيرة و في وجهه البشر و الراحة و انك لتتعجب من الحالة التي هو فيها و من الطمأنينة التي غاشيته رأيت في مرة امرأة كنت جالسة بجوارها بالمستشفى و في يديها رضيع حاملته و الدموع لا تكاد تتوقف من عينها و هي تردد الحمدلله الحمد لله الحمدلله فعند سؤالها عن سبب بكاءها فإذا هي تقول ان ابنتها قد فارقت الحياة وهي التي تحملها و تنتظر الانتهاء من إجراءات المستشفى ، سبحان الله من الذي الهم المرأة الثكلى في لحظة موت ابنتها ان تحمد الله؟ انه الله عز وجل و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه و يصلح باله ، و تجد من اذا أصيب بمصيبة يمن الله عليه بمن يرشده بالسلوك الحسن الذي يقربه الى الله من قول كالتسبيح ﴿فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى﴾ [طه: 130] او فعل كصلاة او عمرة فإنها أمور و هدايات من الرحيم الكريم تعين المؤمن على تحمل و الرضى بما اصابه في هذه الحياة الدنيا
(وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مبتدأ (بِكُلِّ) متعلقان بعليم (شَيْءٍ) مضاف إليه (عَلِيمٌ) خبر والجملة استئنافية ،
(و الله بكل شيء عليم) و الله عز وجل عليم بما اصاب الانسان و عليم بما في قلبه الايمان و الصدق قال صلى الله عليه وسلم ( ان الله لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم ) فالله عليم بما وقر في قلب الانسان من الصدق و التوكل و الاحسان في العمل فيهدي قلبه عند حلول المصائب الى ما يجعلها نعمة و رفع للدرجات لا الى ما يحبط عمله من التسخط و الاستعلاء و التولي و القنوط ﴿قالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ﴾ [الحجر: 56] نسأل الله السلامة و العافية من الضلال و الغواية و نسأله ان يُرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يُرينا الباطل باطل و يرزقنا اجتنابه و لا يجعله مشتبها علينا فنضل. الحمد الله و الصلاة و السلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددك.
من الملحوظات المتعلقة بالرسالة .
- لذكر أسباب النزول يُرجع للمصادر الأصلية وليست الناقلة ، ولم ينسب القرطبي ما ذكره لأحد.
-[ منبر الفكر ] <المقالات و البحوث العلمية )، لا حاجة لنا في مثل هذه المراجع مادام الأصل بفضل الله موجود؛ فيكون اعتمادنا ابتداءً على أمهات التفاسير وما يليها من التفاسير الناقلة عنها .
- في قوله تعالى: ( يهدِي قلبه ) قراءات فاتكِ الإشارة إليها ، كذلك فاتكِ ذكر أقوال السلف في معنى قوله تعالى :( ومن يؤمن بالله يهدي قلبه).
- ما أثّر على رسالتكِ الإخطاء الإملائية المتعلقة بتحقيق همزة القطع، وتفريقها عن همزة الوصل .
الدرجة : ب+

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 06:47 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مؤمن عجلان مشاهدة المشاركة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده
أما بعد
فهذه رساله مختصرة في المراد بقوله تعالي ( جمالات صفر ) وبيان أقوال أهل التفسير فيها
ذكر ابن كثير في تفسيره ثلاثة أقوال هي كالتالي:
1- أنها الجمال السود: حيث أن العرب كانت تسمي الجمال السود صفراً . قالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.وهو قول السعدي
2- أنها حِبَالُ السفن :قاله ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ودليله ما رواه البخاري حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ القَصَرَ، {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} حِبَالُ السُّفُنِ، تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ
3- عن ابن عباس أيضا أنها : قطع النحاس
ولا منافاة بين الأقوال الثلاثة فإن الإبل سوداء وكذلك حبال السفن تسود من كثرة الاستعمال والاحتكاك بالماء وغير ذلك وأيضا قطع النحاس فإنها تسود لما توقد عليها النار
بارك الله فيك ونفع بك.
- الرسالة مختصرة جدا غاب عنها الكثير من العناصر؛ فهي باعتبار تلخيص للمسألة فقط، ولا يغرنّك قصر الآية فهي مليئة بالمسائل التي بإمكانك استخراجها والحديث عنها كـــ:
. بيان سياق الآيات، مناسبة الآية لما قبلها، مرجع الضمير ( كأنّه )، القرااءات في جمالات، معنى جمالات، معنى صفر، بيان المشبّه والمشبّه به ... وغير ذلك.
- لا نكتفي بمرجع واحد فتنوع المراجع يثري رسالتك.
- لا تنسّ أن يكون أسلوبك حاضر في الرسالة ولا يقتصر على جمع المعلومات وسردها .
- يحسن بك تعديل رسالتك ليتم تقييد درجتك.
بانتظارك .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 11 ربيع الأول 1440هـ/19-11-2018م, 02:07 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
كان المشركون يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى حتى ظنّ صلى الله عليه وسلم أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره سبحانه بما أنعم به عليه من نعمه العظيمة ثم قال:{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
ولمّا نزلت هذه الآية ، قال الحسن: خرج النبيّ ﷺ يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك، وهو يقول: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ".أخرجه ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، قوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ذُكر لنا أن رسول الله ﷺ بشَّر أصحابه بهذه الآية، فقال: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".
فهي بشارة من الله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولأمته عامّة ، أن مع العسر العارض في شؤون دعوتك وضلالهم وإيذائهم لك وإخراجك من بلدك ، لك معه تيسيرا عظيما يغلب العسر ، ويظهر به أمرك على عدوك.
المسائل الواردة في الآية:
· القراءات الواردة للآية
· معنى الفاء في الجملة.
· معنى العسر واليسر.
· دلالة ذكر (مع) عوضا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
· دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر.
· هل الجملة الثانية {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
· هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
القراءات الواردة للآية:
قَرَأ الجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ في العُسْرِ واليُسْرِ في المَوْضِعَيْنِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى بِضَمِّها في الجَمِيعِ.

وقرأ ابن مسعود: "إن مع العسر يسرا" واحدة غير مكررة.
معنى الفاء في { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
والفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري في السورة ، أي: إذا علمت هذا وتقرر (من شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك)، تعلم أن اليسر مصاحب للعسر، فهي تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم بإحاطة العناية الإلهية به فيما سبق وفيما سيتقدم من أمره.


معنى العسر واليسر
العُسْرُ: المَشَقَّةُ في تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ والعَمَلِ المَقْصُودِ.
واليُسْرُ ضِدُّهُ وهو: سُهُولَةُ تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ وعَدَمُ التَّعَبِ فِيهِ.

دلالة ذكر (مع) بدلا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
ذكر ابن عاشور: وكَلِمَةُ (مَعَ) هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في غَيْرِ حَقِيقَةِ مَعْناها؛ لِأنَّ العُسْرَ واليُسْرَ نَقِيضانِ فَمُقارَنَتُهُما مَعًا مُسْتَحِيلَةٌ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المَعِيَّةَ مُسْتَعارَةٌ لِقُرْبِ حُصُولِ اليُسْرِ عَقِبَ حُلُولِ العُسْرِ أوْ ظُهُورِ بَوادِرِهِ، بِقَرِينَةِ اسْتِحالَةِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ لِلْمَعِيَّةِ. وبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ التَّعارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧]) في سُورَةِ الطَّلاقِ.فَهَذِهِ الآيَةُ في عُسْرٍ خاصٍّ يَعْرِضُ لِلنَّبِيءِ ﷺ وآيَةُ سُورَةِ الطَّلاقِ عامَّةٌ، ولِلْبَعْدِيَّةِ فِيها مَراتِبُ مُتَفاوِتَةٌ. فالتَّعْرِيفُ في ”العُسْرِ“ تَعْرِيفُ العَهْدِ، أيِ: العُسْرُ الَّذِي عَهِدْتَهُ وعَلِمْتَهُ، وهو مِن قَبِيلِ ما يُسَمِّيهِ نُحاةُ الكُوفَةِ بِأنَّ (ألْ) فِيهِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١]) أيْ: فَإنَّ مَعَ عُسْرِكَ يُسْرًا، فَتَكُونُ السُّورَةُ كُلُّها مَقْصُورَةً عَلى بَيانِ كَرامَةِ النَّبِيءِ ﷺ عِنْدَ رَبِّهِ تَعالى.أه
إذن استعير لفظ "مع" لمعنى "بعد" لإشعار بسرعة مجيء اليسر وكأنه مقارن للعسر.


دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر في الآيتين.
أورد المفسرون قولين في وجه تعريف العسر وتنكير اليسر:
الأول: التعريف في "العسر" تعريف العهد ، أي العسر الذي عهدته وعلمته، وتنكيره "يسرا" للتعظيم، والمعنى أن مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر.
الثاني: للدلالة على أن العسر المذكور واحد واليسر متعدد ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرفا، ثم أعادته كان الثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته فالثاني غير الأول إلا ما ندر.
قال الفَرّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثُمَّ أعادَتْها بِنَكِرَةٍ صارَتِ اثْنَتَيْنِ، كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقْ دِرْهَمًا، فالثّانِي غَيْرُ الأوَّلِ، وإذا أعادَتْها مَعْرِفَةً، فَهي كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقِ الدِّرْهَمَ، فالثّانِي هو الأوَّلُ.
وعلى هذا القول فالعسر محفوف بيسرين يسر قبله ،ويسر بعده ، وفيه تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب عسر يسرين).

هل الجملة الثانية {
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
القول الأول: أنها مكررة لما قبلها للتوكيد والإطناب ومبالغة في حصول اليسر ، قال الفراء: كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلي ، لا لا. ومنه قول الشاعر: هممت بنفسي بعض الهموم... فأولى لنفسي أولي لها.
القول الثاني: أنها جملة مستأنفة ، ، ودليل استئنافه : تعرية من الفاء والواو، فمع كل عسر يسران ، من حيث إن العسر معرف بالعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني. قيل: إن اليسر باعتبار المحل ،فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة. وعلى هذا القول فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسرا يسرين) أي لن يغلب عسر الدنيا ما يقابله من اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا ، واليسر الموعودين به في الآخرة ، فهو يغلب أحدهما لا محالة. ويجوز أن يكون اليسرين موعود به النبي صلى الله عليه وأمته، لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شئون دعوته للدين ولصالح المسلمين.
وعلى القول الأول، إذا كانت الجملة مكررة ، فماذا عن قوله (لن يغلب عسرا يسرين)؟
ذكر ابن عاشور: ولا شَكَّ أنَّ الحُكْمَ المُسْتَفادَ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ هو ثُبُوتُ التِحاقِ اليُسْرِ بِالعُسْرِ عِنْدَ حُصُولِهِ، فَكانَ التَّأْكِيدُ مُفِيدًا تَرْجِيحَ أثَرِ اليُسْرِ عَلى أثَرِ العُسْرِ، وذَلِكَ التَّرْجِيحُ عُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ في قَوْلِهِ“ يُسْرَيْنِ " فالتَّثْنِيَةُ هُنا كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنِ التَّغَلُّبِ والرُّجْحانِ، فَإنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُكَنّى بِها عَنِ التَّكْرِيرِ المُرادِ مِنهُ التَّكْثِيرُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئًا وهو حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٤]) أيِ: ارْجِعِ البَصَرَ كَثِيرًا؛ لِأنَّ البَصَرَ لا يَنْقَلِبُ حَسِيرًا مِن رَجْعَتَيْنِ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: لَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، ودَوالَيْكَ. والتَّكْرِيرُ يَسْتَلْزِمُ قُوَّةَ الشَّيْءِ المُكَرَّرِ، فَكانَتِ القُوَّةُ لازِمَ لازِمِ التَّثْنِيَةِ، وإذا تَعَدَّدَتِ اللَّوازِمُ كانَتِ الكِنايَةُ رَمْزِيَّةً.

أما من قال بالقول الثاني فكيف يحتج إذا ثبت في مصحف ابن مسعود بعدم تكرار الجملة، وقوله (إنه لن يغلب عسر يسرين)؟ والذي يظهر كأنه قصد بثتنية اليسر هو التفخيم ، وتأوله بيسر الدارين.
هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال رسول الله ﷺ: "أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ". رواه ابن جرير.
وفي المُوَطَّأِ ”أنَّ أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ كَتَبَ إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وما يَتَخَوَّفُ مِنهم، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أمّا بَعْدُ: فَإنَّهُ مَهْما يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِن مَنزِلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وإنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ“ .
فدلّ ذلك أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته.



المصادر:
جامع البيان – الطبري
التحرير والتنوير - ابن عاشور.
معالم التنزيل – البغوي.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية
كتاب الكشاف للزمخشري.
فتح القدير للشوكاني

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 11 ربيع الأول 1440هـ/19-11-2018م, 07:40 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
كان المشركون يعيّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى حتى ظنّ صلى الله عليه وسلم أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم ، فذكره سبحانه بما أنعم به عليه من نعمه العظيمة ثم قال:{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
ولمّا نزلت هذه الآية ، قال الحسن: خرج النبيّ ﷺ يوما مسرورا فَرِحا وهو يضحك، وهو يقول: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ".أخرجه ابن جرير. رواه ابن جرير.
وأخرج ابن جرير عن قتادة ، قوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ ذُكر لنا أن رسول الله ﷺ بشَّر أصحابه بهذه الآية، فقال: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".
فهي بشارة من الله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولأمته عامّة ، أن مع العسر العارض في شؤون دعوتك وضلالهم وإيذائهم لك وإخراجك من بلدك ، لك معه تيسيرا عظيما يغلب العسر ، ويظهر به أمرك على عدوك.
المسائل الواردة في الآية:
· القراءات الواردة للآية
· معنى الفاء في الجملة.
· معنى العسر واليسر.
· دلالة ذكر (مع) عوضا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
· دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر.
· هل الجملة الثانية {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
· هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
القراءات الواردة للآية:
قَرَأ الجُمْهُورُ بِسُكُونِ السِّينِ في العُسْرِ واليُسْرِ في المَوْضِعَيْنِ.
وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وعِيسى بِضَمِّها في الجَمِيعِ.

وقرأ ابن مسعود: "إن مع العسر يسرا" واحدة غير مكررة.
معنى الفاء في { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
والفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري في السورة ، أي: إذا علمت هذا وتقرر (من شرح صدرك ووضع وزرك ورفع ذكرك)، تعلم أن اليسر مصاحب للعسر، فهي تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم بإحاطة العناية الإلهية به فيما سبق وفيما سيتقدم من أمره.


معنى العسر واليسر
العُسْرُ: المَشَقَّةُ في تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ والعَمَلِ المَقْصُودِ.
واليُسْرُ ضِدُّهُ وهو: سُهُولَةُ تَحْصِيلِ المَرْغُوبِ وعَدَمُ التَّعَبِ فِيهِ.

دلالة ذكر (مع) بدلا عن (بعد) كما في قوله {سيجعل الله بعد عسرا يسرا}.
ذكر ابن عاشور: وكَلِمَةُ (مَعَ) هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ في غَيْرِ حَقِيقَةِ مَعْناها؛ لِأنَّ العُسْرَ واليُسْرَ نَقِيضانِ فَمُقارَنَتُهُما مَعًا مُسْتَحِيلَةٌ، فَتَعَيَّنَ أنَّ المَعِيَّةَ مُسْتَعارَةٌ لِقُرْبِ حُصُولِ اليُسْرِ عَقِبَ حُلُولِ العُسْرِ أوْ ظُهُورِ بَوادِرِهِ، بِقَرِينَةِ اسْتِحالَةِ المَعْنى الحَقِيقِيِّ لِلْمَعِيَّةِ. وبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ التَّعارُضُ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ وبَيْنَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧]) في سُورَةِ الطَّلاقِ.فَهَذِهِ الآيَةُ في عُسْرٍ خاصٍّ يَعْرِضُ لِلنَّبِيءِ ﷺ وآيَةُ سُورَةِ الطَّلاقِ عامَّةٌ، ولِلْبَعْدِيَّةِ فِيها مَراتِبُ مُتَفاوِتَةٌ. فالتَّعْرِيفُ في ”العُسْرِ“ تَعْرِيفُ العَهْدِ، أيِ: العُسْرُ الَّذِي عَهِدْتَهُ وعَلِمْتَهُ، وهو مِن قَبِيلِ ما يُسَمِّيهِ نُحاةُ الكُوفَةِ بِأنَّ (ألْ) فِيهِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤١]) أيْ: فَإنَّ مَعَ عُسْرِكَ يُسْرًا، فَتَكُونُ السُّورَةُ كُلُّها مَقْصُورَةً عَلى بَيانِ كَرامَةِ النَّبِيءِ ﷺ عِنْدَ رَبِّهِ تَعالى.أه
إذن استعير لفظ "مع" لمعنى "بعد" لإشعار بسرعة مجيء اليسر وكأنه مقارن للعسر.


دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر في الآيتين.
أورد المفسرون قولين في وجه تعريف العسر وتنكير اليسر:
الأول: التعريف في "العسر" تعريف العهد ، أي العسر الذي عهدته وعلمته، وتنكيره "يسرا" للتعظيم، والمعنى أن مع العسر العارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر.
الثاني: للدلالة على أن العسر المذكور واحد واليسر متعدد ، ومن عادة العرب إذا ذكرت اسما معرفا، ثم أعادته كان الثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته فالثاني غير الأول إلا ما ندر.
قال الفَرّاءُ: العَرَبُ إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثُمَّ أعادَتْها بِنَكِرَةٍ صارَتِ اثْنَتَيْنِ، كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقْ دِرْهَمًا، فالثّانِي غَيْرُ الأوَّلِ، وإذا أعادَتْها مَعْرِفَةً، فَهي كَقَوْلِكَ: إذا كَسَبْتَ دِرْهَمًا فَأنْفِقِ الدِّرْهَمَ، فالثّانِي هو الأوَّلُ.
وعلى هذا القول فالعسر محفوف بيسرين يسر قبله ،ويسر بعده ، وفيه تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يغلب عسر يسرين).

هل الجملة الثانية {
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} مكررة لما قبلها أم مستأنفة
القول الأول: أنها مكررة لما قبلها للتوكيد والإطناب ومبالغة في حصول اليسر ، قال الفراء: كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلي ، لا لا. ومنه قول الشاعر: هممت بنفسي بعض الهموم... فأولى لنفسي أولي لها.
القول الثاني: أنها جملة مستأنفة ، ، ودليل استئنافه : تعرية من الفاء والواو، فمع كل عسر يسران ، من حيث إن العسر معرف بالعهد واليسر منكر، فالأول غير الثاني. قيل: إن اليسر باعتبار المحل ،فيسر في الدنيا ويسر في الآخرة. وعلى هذا القول فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (لن يغلب عسرا يسرين) أي لن يغلب عسر الدنيا ما يقابله من اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا ، واليسر الموعودين به في الآخرة ، فهو يغلب أحدهما لا محالة. ويجوز أن يكون اليسرين موعود به النبي صلى الله عليه وأمته، لأن ما يعرض له من عسر إنما يعرض له في شئون دعوته للدين ولصالح المسلمين.
وعلى القول الأول، إذا كانت الجملة مكررة ، فماذا عن قوله (لن يغلب عسرا يسرين)؟
ذكر ابن عاشور: ولا شَكَّ أنَّ الحُكْمَ المُسْتَفادَ مِن هَذِهِ الجُمْلَةِ هو ثُبُوتُ التِحاقِ اليُسْرِ بِالعُسْرِ عِنْدَ حُصُولِهِ، فَكانَ التَّأْكِيدُ مُفِيدًا تَرْجِيحَ أثَرِ اليُسْرِ عَلى أثَرِ العُسْرِ، وذَلِكَ التَّرْجِيحُ عُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ في قَوْلِهِ“ يُسْرَيْنِ " فالتَّثْنِيَةُ هُنا كِنايَةٌ رَمْزِيَّةٌ عَنِ التَّغَلُّبِ والرُّجْحانِ، فَإنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُكَنّى بِها عَنِ التَّكْرِيرِ المُرادِ مِنهُ التَّكْثِيرُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئًا وهو حَسِيرٌ﴾ [الملك: ٤]) أيِ: ارْجِعِ البَصَرَ كَثِيرًا؛ لِأنَّ البَصَرَ لا يَنْقَلِبُ حَسِيرًا مِن رَجْعَتَيْنِ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: لَبَّيْكَ، وسَعْدَيْكَ، ودَوالَيْكَ. والتَّكْرِيرُ يَسْتَلْزِمُ قُوَّةَ الشَّيْءِ المُكَرَّرِ، فَكانَتِ القُوَّةُ لازِمَ لازِمِ التَّثْنِيَةِ، وإذا تَعَدَّدَتِ اللَّوازِمُ كانَتِ الكِنايَةُ رَمْزِيَّةً.

أما من قال بالقول الثاني فكيف يحتج إذا ثبت في مصحف ابن مسعود بعدم تكرار الجملة، وقوله (إنه لن يغلب عسر يسرين)؟ والذي يظهر كأنه قصد بثتنية اليسر هو التفخيم ، وتأوله بيسر الدارين.
هل الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم أم عامة ودليل ذلك.
قال الحسن: لما نزلت هذه الآية ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ قال رسول الله ﷺ: "أبْشِرُوا أتاكُمُ اليُسْرُ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ". رواه ابن جرير.
وفي المُوَطَّأِ ”أنَّ أبا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرّاحِ كَتَبَ إلى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ وما يَتَخَوَّفُ مِنهم، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: أمّا بَعْدُ: فَإنَّهُ مَهْما يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِن مَنزِلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وإنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ“ .
فدلّ ذلك أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته.



المصادر:
جامع البيان – الطبري
التحرير والتنوير - ابن عاشور.
معالم التنزيل – البغوي.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية
كتاب الكشاف للزمخشري.
فتح القدير للشوكاني
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
- احرصي وفقكِ الله على الربط بين عناصر الرسالة بأسلوبك لئلا تكون مجرد تلخيص لمسائلها.
الدرجة: ب+
تم خصم نصف درجة للتأخير

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 13 ربيع الأول 1440هـ/21-11-2018م, 02:23 AM
عنتر علي عنتر علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 220
افتراضي

بسم الله الرجمن الرحيم
تطبيق الأول على الرسائل التفسيرية

الحمد لله سابغ النعم جاعل الملائكة أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى ما يشاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم أما بعد:
قال تعالى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا }الجن (١)
هذه الآية الكريمة من دلائل شمولية الرسالة المحمدية ، وأنها تشمل الثقلين الجن والإنس . فقد ورد فى سبب نزولها أنه لما حرس الله السماوات ومنعها بالحصون المنيعة ورمي الجان بالشهب ، تداعت الشياطين ( إبليس اللعين وأعوانه ) وجرى الحوار بينهم فى سبب منعهم من استراق السمع ، قال إبليس : ( هذا نبي قد حدث )، فبث جنوده فى الآفاق ليأتوه بخبر هذا النبي ، فأتوه نفر منهم بمكة وهو قائم يصلى ببطن نخلة ، فأعجبهم تلاوته للوحي المنزل عليه ورقت له قلوبهم فأسلموا ، فأنزل اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: { قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ }، وإنّما أوحي إليه قول الجنّ ، وحكى عليه قصتهم . [صحيح البخاري: 6 / 160-161]


كما فى قوله تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } . الأحقاف (٢٩ – ٣٢)
فقوله : { قل } المخاطب به هنا الرسول صلى الله عليه وسلم . [جامع البيان لأبى جعفر الطبري: 23 / 310-312]
وقوله : { أوحي إلي } من " أوحى ، يوحى " وأصل الكلمة " وحي " وقد اجتمع جمهور القراء على ذلك ، أي : القراءة بإثبات الواو . [معاني القرآن للفراء : 3/190]

وقرأها جويَّة الأسدي : { قل أحي إلي } بإبدال الواو همزا خلافا عن الجمهور ، من " وحيت " كقوله تعالى : { وإذا الرسل أقتت } المرسلات (١١) بدلا من " وقتت " أي من الوقت ؛ لأن الواو إذا انضمت جاز إبدالها بهمز . [معاني القرآن للفراء : 3/190]

والمراد بـ " الوحي " أي : قول الجن لما رجعوا إلى قومهم . [معاني القرآن: 3/190-192] [جامع البيان: 23 / 310-312]

وقوله : { أنه استمع } القراءة فى " أنه " منصوبة لا غير ، على أنه اسم ، كما قال الأخفش . [معاني القرآن للأخفش : 4/36]
والمستمع إليه : أي : القرآن الكريم عند تلاوته عليه الصلاة والسلام فى العشاء الأخيرة ، وقيل : فى صلاة الفجر .

وقوله : { نفر من الجن } " النفر " العدد من ثلاثة إلى عشرة . [تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : 489]
واختلفت الأقوال فى تعيبن عدد المستمعين إلى قولين :
• القول الأول : أن عددهم تسعة من اليمن . [معاني القرآن للفراء: 3/190-192]

• القول الثانى : أن عددهم سبعة . [الدر المنثور للسيوطي: 15 / 6-7]
واختلفوا كذلك فى تعيين ديانة وديار هؤلاء النفر ، فقيل :
- أنهم جن نصيبين . [معاني القرآن: 5/233-234]
- أنهم من اليمن . [نفس المرجع والصفحة]
- أنهم كانوا يهودا . [نفس المرجع والصفحة]
- أنهم كانوا مشركين . [نفس المرجع والصفحة]

وقوله : { فقالوا إنا } القراءات فى " إنا " قد اجتمع القراء على كسر" إنا " فى قوله: {فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً}، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فقرءوا: وإنّا، وأنّا إلى آخر السورة، فكسروا بعضاً، وفتحوا بعضاً. وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن : { إنا سمعنا قرآنا عجبا } ، ويفتح ما كان من الوحي. [معاني القرآن للفراء: 3/190-192]

ومن القراء من قرأ بالفتح كليا ، فردوا "أنّ" في كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها .
ومنهم من قرأ بالخفض كليا ونصب قوله تعالى :{وأن المساجد لله} فخصّوه بالوحي، وجعلوا: " وأن لو " مضمرة فيها اليمين .
وقوله : { سمعنا قرآنا عجبا } القرآن بمعنى المقروء ، ووصفوه بـ " عجبا " وذلك من حيثيات :
- أنه عجيب من حيث صياغته وتلاوته ؛ لأنهم لم يسبق لهم يماع مثله .
- أنه عجيب من حيث أنه ترق له القلوب وتطمئن له النفوس ، وتهدأ له الطباع المؤمنة
- أنه عجيب من حيث عدم تشابهه بأشعار الجان ، ولا النثر المعهود من سبك بنى البشر .
ومعنى الآية أي : يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد أوحى اللّه إليّ { أنّه استمع نفرٌ من الجنّ } هذا القرآن فقالوا لقومهم لمّا سمعوه { إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا .
تحقيق القول فى مسألة : هل قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ؟ وهل رآهم؟
وردت فى المسألة روايات كثيرة بأسانيد مختلفة ، بعضها صحيحة وبعضها ضعيفة ، وهي مع تعدد طرقها تبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يعرف بسماع الجن له ، ولم يرهم أيضا فى هذه المرة .
كما أخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما قرأ رسول الله صلى الله أعليه وسلم على الجن ولا رآهم، ولكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ... ) الحديث . [لباب النقول للسيوطي: 275]

ولكن ثبتت روايات أخرى فى غير هذا المقام تبين انطلاق الرسول عليه الصلاة والسلام لتعليم الجان وسد حاجتهم ، كما وقع له مع جن نصيبين ، وأنه أعطاهم من العظام والروث .
كإثبات عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ على الجنّ . فقد أخرج مسلم – رحمه الله – عقب حديث ابن عباس عن ابن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : " أتاني داعي الجنّ فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن ... " . [فتح الباري لابن حجر: 8 / 670-675]



قائمة المراجع :
- القرآن الكريم
- الحديث الشريف ( صحيح البخاري – صحيح مسلم – جامع الترمذي )
- كتاب معاني القرآن للفراء يحيى ابن زياد ( ت ٢٠٧ه‍ )
- كتاب معانى القرآن للأخفش ( ت ٢١٥ه‍ )
- كتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ( ت ٢٧٦ه‍ )
- كتاب جامع البيان لأبى جعفر الطبري ( ت ٣١٠ه‍ )
- كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ه‍ )
- كتاب لباب النقول للسيوطي ( ت ٩١١ ه‍ )
- كتاب الدر المنثور للسيوطي ( ت ٩١١ه‍ )

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23 ربيع الثاني 1440هـ/31-12-2018م, 08:51 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عنتر علي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرجمن الرحيم
تطبيق الأول على الرسائل التفسيرية

الحمد لله سابغ النعم جاعل الملائكة أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى ما يشاء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم أما بعد:
قال تعالى : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا }الجن (١)
هذه الآية الكريمة من دلائل شمولية الرسالة المحمدية ، وأنها تشمل الثقلين الجن والإنس . فقد ورد فى سبب نزولها أنه لما حرس الله السماوات ومنعها بالحصون المنيعة ورمي الجان بالشهب ، تداعت الشياطين ( إبليس اللعين وأعوانه ) وجرى الحوار بينهم فى سبب منعهم من استراق السمع ، قال إبليس : ( هذا نبي قد حدث )، فبث جنوده فى الآفاق ليأتوه بخبر هذا النبي ، فأتوه نفر منهم بمكة وهو قائم يصلى ببطن نخلة ، فأعجبهم تلاوته للوحي المنزل عليه ورقت له قلوبهم فأسلموا ، فأنزل اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: { قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ }، وإنّما أوحي إليه قول الجنّ ، وحكى عليه قصتهم . [صحيح البخاري: 6 / 160-161]


كما فى قوله تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } . الأحقاف (٢٩ – ٣٢)
فقوله : { قل } المخاطب به هنا الرسول صلى الله عليه وسلم . [جامع البيان لأبى جعفر الطبري: 23 / 310-312]
وقوله : { أوحي إلي } من " أوحى ، يوحى " وأصل الكلمة " وحي " وقد اجتمع جمهور القراء على ذلك ، أي : القراءة بإثبات الواو . [معاني القرآن للفراء : 3/190]

وقرأها جويَّة الأسدي : { قل أحي إلي } بإبدال الواو همزا خلافا عن الجمهور ، من " وحيت " كقوله تعالى : { وإذا الرسل أقتت } المرسلات (١١) بدلا من " وقتت " أي من الوقت ؛ لأن الواو إذا انضمت جاز إبدالها بهمز . [معاني القرآن للفراء : 3/190]

والمراد بـ " الوحي " أي : قول الجن لما رجعوا إلى قومهم . [معاني القرآن: 3/190-192] [جامع البيان: 23 / 310-312]

وقوله : { أنه استمع } القراءة فى " أنه " منصوبة لا غير ، على أنه اسم ، كما قال الأخفش . [معاني القرآن للأخفش : 4/36]
والمستمع إليه : أي : القرآن الكريم عند تلاوته عليه الصلاة والسلام فى العشاء الأخيرة ، وقيل : فى صلاة الفجر .

وقوله : { نفر من الجن } " النفر " العدد من ثلاثة إلى عشرة . [تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : 489]
واختلفت الأقوال فى تعيبن عدد المستمعين إلى قولين :
• القول الأول : أن عددهم تسعة من اليمن . [معاني القرآن للفراء: 3/190-192]

• القول الثانى : أن عددهم سبعة . [الدر المنثور للسيوطي: 15 / 6-7]
واختلفوا كذلك فى تعيين ديانة وديار هؤلاء النفر ، فقيل :
- أنهم جن نصيبين . [معاني القرآن: 5/233-234]
- أنهم من اليمن . [نفس المرجع والصفحة]
- أنهم كانوا يهودا . [نفس المرجع والصفحة]
- أنهم كانوا مشركين . [نفس المرجع والصفحة]

وقوله : { فقالوا إنا } القراءات فى " إنا " قد اجتمع القراء على كسر" إنا " فى قوله: {فقالوا إنّا سمعنا قرآناً عجباً}، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فقرءوا: وإنّا، وأنّا إلى آخر السورة، فكسروا بعضاً، وفتحوا بعضاً. وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن : { إنا سمعنا قرآنا عجبا } ، ويفتح ما كان من الوحي. [معاني القرآن للفراء: 3/190-192]

ومن القراء من قرأ بالفتح كليا ، فردوا "أنّ" في كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها .
ومنهم من قرأ بالخفض كليا ونصب قوله تعالى :{وأن المساجد لله} فخصّوه بالوحي، وجعلوا: " وأن لو " مضمرة فيها اليمين .
وقوله : { سمعنا قرآنا عجبا } القرآن بمعنى المقروء ، ووصفوه بـ " عجبا " وذلك من حيثيات :
- أنه عجيب من حيث صياغته وتلاوته ؛ لأنهم لم يسبق لهم يماع مثله .
- أنه عجيب من حيث أنه ترق له القلوب وتطمئن له النفوس ، وتهدأ له الطباع المؤمنة
- أنه عجيب من حيث عدم تشابهه بأشعار الجان ، ولا النثر المعهود من سبك بنى البشر .
ومعنى الآية أي : يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد أوحى اللّه إليّ { أنّه استمع نفرٌ من الجنّ } هذا القرآن فقالوا لقومهم لمّا سمعوه { إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا .
تحقيق القول فى مسألة : هل قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ؟ وهل رآهم؟
وردت فى المسألة روايات كثيرة بأسانيد مختلفة ، بعضها صحيحة وبعضها ضعيفة ، وهي مع تعدد طرقها تبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يعرف بسماع الجن له ، ولم يرهم أيضا فى هذه المرة .
كما أخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما قرأ رسول الله صلى الله أعليه وسلم على الجن ولا رآهم، ولكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ... ) الحديث . [لباب النقول للسيوطي: 275]

ولكن ثبتت روايات أخرى فى غير هذا المقام تبين انطلاق الرسول عليه الصلاة والسلام لتعليم الجان وسد حاجتهم ، كما وقع له مع جن نصيبين ، وأنه أعطاهم من العظام والروث .
كإثبات عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ على الجنّ . فقد أخرج مسلم – رحمه الله – عقب حديث ابن عباس عن ابن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : " أتاني داعي الجنّ فانطلقت معه فقرأت عليه القرآن ... " . [فتح الباري لابن حجر: 8 / 670-675]



قائمة المراجع :
- القرآن الكريم
- الحديث الشريف ( صحيح البخاري – صحيح مسلم – جامع الترمذي )
- كتاب معاني القرآن للفراء يحيى ابن زياد ( ت ٢٠٧ه‍ )
- كتاب معانى القرآن للأخفش ( ت ٢١٥ه‍ )
- كتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ( ت ٢٧٦ه‍ )
- كتاب جامع البيان لأبى جعفر الطبري ( ت ٣١٠ه‍ )
- كتاب فتح الباري لابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ه‍ )
- كتاب لباب النقول للسيوطي ( ت ٩١١ ه‍ )
- كتاب الدر المنثور للسيوطي ( ت ٩١١ه‍ )
أحسنت بارك الله فيك، إلا أني شعرت بمجموعة مسائل مرتبة لا ترابط بينها في الأفكار، فكان يحسن بك الربط بينها بتعليقاتك وإدراجك للأحاديث والآثار التي تبين معاني الآيات.
أحسنت بتنوبع المصادر ولو وظفت شخصيتك في الاستفادة منها لكان أفضل.


الدرجة: ب+
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir