دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 شوال 1438هـ/9-07-2017م, 05:58 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 شوال 1438هـ/10-07-2017م, 11:36 AM
عباز محمد عباز محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الجزائر
المشاركات: 309
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير بياني لقوله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} سورة الفاتحة

هي من أعظم و أجل سور القرآن، بل هي أم القرآن، فقد افتتح ربنا بها كتابه، و هي مع قصرها إلا أنها قد اشتملت على كل مقاصد القرآن العظيم، و احتوت على جميع أهدافه و غاياته.
و لما كان من عادة الخطباء عند مخاطبتهم للعظماء حمدهم و الثناء عليهم، افتتح الله تعالى كتابه بالحمد و الذكر الجميل. و سوف نسعى بعون الله تعالى في هذه الرسالة التفسيرية على بيان بعض أسرار البيان في قوله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.

- { الحمد } يجمع بين معنيين: أولا الشكر على النعمة، و ثانيا: الثناء على المحمود بما فيه من الخصال الحميدة، و من ثمَّ فالحمد أعم من الشكر، فأنت قد تحمد الشخص على ما تفضل به عليك و تحمده أيضا على صفاته الجميلة، أما الشكر فلا يكون إلا مقابل نعمة و لا يكون على الصفات الذاتية الحسنة، فلهذا لم يقل ربنا (الشكر لله) بل قال سبحانه:{الحمد لله}.

- الله تعالى لم يقل:(المدح لله) بل: {الحمد لله}، لماذا؟ يقول جمهور العلماء أن المدح أعم من الحمد، فقد يمدح الإنسان جمادا لحسن جماله و لكن لا يمكن حمده، والحمد لا يكون إلا مقترنا بحب و تعظيم على عكس المدح، و المدح كما قد يحصل للفاعل المختار قد يحصل لغيره، أما الحمد فلا يكون إلا للفاعل المختار، فقوله تعالى:{الحمد لله} دليل على أن المتصرف في هذا الكون و المنعم على خلقه بأصناف النعم و المحمود على ذلك هو فاعل مختار يفعل ما يشاء و وقت ما يشاء و كيف ما يشاء.

- {الحمد لله} جملة خبرية، يخبر الله تعالى أن الحمد له سبحانه، و لكن لما لم تفتح السورة بصيغة الأمر الإنشائي فيقال:(احمد الله)؟ لأن الأمر يفيد التكليف، و التكليف مما تنفر منه النفوس خاصة إذا كان مما استفتح به الكلام، فأراد الله تعالى أن يهيأ نفوس المخاطبين و أن يجلب انتباههم و أن يُديم اصغاءهم حتى يدركوا تكاليف ربهم.

- كثير من المفسرين يعتبر أن جملة {الحمد لله} خبرية، و لكن البعض اعتبر أن الجملة خبرية و تتضمن معنى إنشائي أي: صيغته الخبر و معناه الأمر أي: قولوا الحمد لله.

- لم يقل تعالى:(أحمد الله) بل: {الحمد لله} لماذا؟ لأن (أحمد الله) جملة فعلية و التي تدل على الحدوث و التجدد على عكس جملة {الحمد لله} التي تعتبر اسمية و التي تدل على الثبوت و الاستمرارية، فهي تدل أكثر و بقوة على ثبوت الحمد و استمراره من الجملة الفعلية.

- ولماذا لم يقل (حمداً لله)؟ {الحمد} معرفة بأل و (حمدا) نكرة، و زيادة المبنى زيادة في المعنى، و يفيد التعريف ما لا يفيده التنكير، فالبعض اعتبر أن أل في {الحمد} هي للعهد أي أن الحمد المعهود و المعروف بين العباد هو لله، بينما رجح البعض الآخر أنها تفيد الاستغراق أي أنه يشمل جميع أجناس الحمد لله تعالى.

- واللام في قوله تعالى: { للَّه } هي للاستحقاق، بمعنى أن الله تعالى هو المستحق للحمد وحده دون ما سواه و أن جميع المحامد مختصة به.

- لكن لما قيل:{ الحمد لله} و ليس (لله الحمد)؟ الجملة الأولى تفيد الاختصاص أما الجملة الثانية فهي تفيد الاختصاص و الحصر، و بالتالي فإنه يجوز حمد الأشخاص و الأفراد، و لو قيل (لله الحمد) لحُصِر الحمد فقط لله لتقديم الجار و المجرور و لم يجز حيندئذ حمد خلقه من البشر، أما في الآية (إياك نعبد) فهنا تقديم المفعول به على الفاعل مما يفيد الحصر.

- لماذا تخصيص اسم الله تعالى {الله} دون غيره من الأسماء؟ فمثلا لما لم يقل: (الحمد للخالق أو للقادر...)؟ لأنه لو جيء بغير اسم {الله} لقيل بأنه استحق الحمد فقط لخلقه أو لقدرته...و لكن جيء باسمه العلم لأن اسم الله تعالى : (الله) يدل على جميع الأسماء الحسنى و الصفات العلى.

- {رب العالمين} هي صفة لله تعالى، و كأنه للاستدلال به على أن الله تعالى هو المستحق للحمد وحده دون ما سواه من العالمين لأنه هو ربهم و مليكهم و خالقهم و مربيهم....

- {رب العالمين} فالرب هو المالك، و من أشهر معانيه أنه المربي و المصلح، و أعظم فضائل الرب الهداية، لذا ناسب أن يذكر بعد ذلك قوله تعالى:{ اهدنا الصراط المستقيم}.

- قيل: {رب العالمين} و لم يأت به مفردا فيقال:(رب العالم)؟ لأن أل في {العالمين} تفيد الاستغراق فربوبية الله تعالى تشمل جميع أفراد العالم من الجن و الإنس، فلو أُفردت العالم لتوهم أن أل للعهد أو الجنس، فصار الجمع تأكيدا على الاستغراق.

المراجع:

- معاني القرآن للفراء ت (207 هـ)
- جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310 هـ)
- معالم التنزيل للبغوي ت ( 510هـ)
- الكشاف للزمخشري ت ( 538 هـ )
- التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ت (606هـ)
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي ت ( 885 هـ )
- روح المعاني للألوسي ت ( 1270 هـ )
- التحرير والتنوير لابن عاشور ت(1393هـ)
- من أسرار البيان القرآني للدكتور فاضل صالح السامرائي

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 شوال 1438هـ/11-07-2017م, 12:16 PM
محمد شمس الدين فريد محمد شمس الدين فريد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: مصر
المشاركات: 163
افتراضي

قوله تعالى: "ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر"
يخبر تعالى عن حال المشركين مستنكرًا لما هم عليه من اللهو بالتكاثر، وقد ذكر الزمخشري)[1]( رحمه الله أن ابن عباس رضي الله عنهما قد قرأها :"أألهاكم" على معنى الاستفهام المفيد للتوبيخ والتقريع، ولكن الخبرية هنا أبلغ في الوعيد وأوقع في الزجر، بما تشهد به على أن إلهاءَ التكاثر إياهم واقع قد كان فعلا(2).
** قوله تعالى: "ألهاكم" من اللهو وهو ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه ويهمُّه.
يقال: لَهَوْتُ بكذا، ولهيت عن كذا: اشتغلت عنه بِلَهْوٍ(3).


والمعنى: شغلكم عما يجبُ عليكم الاشتغالُ به(4) واللهو في القرآن أخصُّ من الشُّغل؛ لأنه يدل على الاشتغال بما لا يجدي ولا ينفع، وهو ما لفت إليه الراغب في قوله المتقدم حيث جعله اشتغالًا بما يُهمُّ، بينما يعمُّ الشغلُ ما يجدي وما لا يجدي(5) .
فحقيقة الإلهاء هي انشغال وانصراف عن الأولى بصنوف الملاهي الشاغلة:
كشخص: "وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى(10)" سورة عبس.
أو أموال وأولاد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" سورة المنافقون .
أو تجارة وبيع: "رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ" سورة النور.
أو أمل: "ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" سورة الحجر.
أو حديث: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ" سورة لقمان(6).
والمقصود في هذه السورة أن الإلهاء والصرف فيها حاصلٌ بالتكاثر.
** وقوله سبحانه: "التكاثر" ، التكاثر التباهي بكثرة المال والجاه والمناقب يقال: تكاثرَ القومُ تكاثرًا، إذا تعادلوا ما لهم من كثرة المناقب، وقال أبو مسلم: التكاثر تفاعل من الكثرة. والتفاعل يقع على أحد وجوه ثلاثة:
1- يحتمل أن يكون بين الاثنين فيكون مفاعلة.
2- ويحتمل تكلف الفعل، تقول: تكارهت على كذا إذا فعلته وأنت كاره، وتقول:تباعدت عن الأمر إذا تكلفت العمى عنه وتقول: تغافلت.
3- يحتمل أيضا الفعل بنفسه كما تقول: تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه.
ولفظ التكاثر في هذه الآية يحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة؛ لأنه كم من اثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه: "أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا" ، ويحتمل تكلُّف الكثرة؛ فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله(7) .
والحاصل: أن التكاثر في الآية يحمل على معنيين: أحدهما أنه التزَيُّد والتكالب على الدنيا وحطامها، والثاني أنه التفاخر والتباهي بالكثرة في الأموال والأولاد أو بأعدادكم من الأحياء والأموات.
وعليه فإن معنى الآية يكون: (لقد شغلكم وصرَفَكم تكاثُرُكم بكل ما من شأنه إلهاؤكم وصرفكم عما خلقتم من أجله وهو عبادة الله وحده لا شريك له".

** قوله تعالى: "حتى زرتم المقابر"
حتى تفيد الغاية، فغاية التكاثر إلى زيارة المقابر، وليس وراء هذا التكالب إلا المقابر، يأتي بها القرآن كهذا إثر التكاثر فيبلغ الترويع منتهاه بقصر المسافة بينهما، والانتقال السريع بل المباغت، من التكاثر إلى المقابر(8) .
(زرتم) جذرها: ز.و.ر
الزَّوْرُ: أعلى الصدر، وزُرتُ فلانا: تلقيته بزوري، أو قصدت زوره، نحو: وجهته، ورجل زَائِرٌ، وقوم زَوْرٌ، نحو سافر وسفر، وقد يقال:
رجلٌ زَوْرٌ، فيكون مصدرا موصوفا به نحو: ضيف، والزَّوَرُ: ميل في الزّور، والْأَزْوَرُ: المائلُ الزّور، وقوله: تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ، أي: تميل(9).
وزار القومَ: أي مال إليهم.
وحقيقةُ الزيارة الحلولُ في المكان حلولًا غيرَ مستمر.
وفي معنى الآية أقوال:
القول الأول: أن الزيارة هنا بمعنى الموت، وأطلق فعل الزيارة هنا تعريضا بهم بأن حلولهم في القبور يعقبه خروج منها.
والتعبير بالفعل الماضي في زرتم لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه مثل: "أتى أمر الله" .
ومنه قول جرير:
زار القبور أبو مالك فأصبح ألأم زوراها
وقد اختاره الإمام الطبري في تفسير آية التكاثر، وأخذ به غير قليل من المفسرين بعد.

القول الثاني: أن تكون الغاية للمتكاثر به الدال عليه التكاثر، أي بكل شيء حتى بالقبور تعدُّونها. وهذا يجري على ما روى مقاتل والكلبي في سبب نزول الآية وهو أن بني سهم وبني عبد مناف تفاخروا أيهم أكثر عدداً، فكثرهم بنو عبد مناف. فقالت بنو سهم: إن البغي أهلكنا في الجاهلية، فعادونا بالأحياء والأموات. ففعلوا، فكثرتهم بنو سهم؛ فتكون الزيارة مستعملةً في معناها الحقيقي، أي زرتم المقابر لتعدُّوا القبور(10).
ويؤيد القول الأول ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قرأ: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ثم قال: "ما أرى المقابر إلا زيارة وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله"، أي إن بقاءَ الميت في قبره مؤقتٌ يعقُبُه البعث والنشور، وهذا يظهر روعة وبلاغة التعبير القرآني بلفظة (الزيارة)؛ حيث إنها تتضمن التخويف والترهيب بأن النهاية ليست موتًا محضًا، بل إنه موت يعقبه بعثٌ ونشورٌ ثم جزاءٌ ينتهي بالخلود إما في نعيم مقيم أو عذاب أليم.
ولفظ "المقابر" لم يأت في غير آية التكاثر هنا، بخلاف لفظ "القبور" الذي تكرر في غير موضع، وقد تجد الصنعة البلاغية في استعمال المقابر هنا= مجردَ ملاءمة صوتية للتكاثر، وقد يحسُّ أهلُ البلاغة، ونحس معهم فيها نسقَ الإيقاع بهذه الفاصلة؛ فهل تكون "المقابر" في آية التكاثر لرعاية الفواصل فحسب؟
المقابر جمع مقبرة، وهي مجتمع القبور، واستعمالها هنا يقتضيه معنوياً أنه اللفظ الملائم للتكاثر، الدالُّ على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فانٍ هناك مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم ودرجاتهم وأزمنتهم. وفي هذه الدلالة من السعة والعموم والشمول ما لا يمكن أن يقوم بها لفظ "القبور" بما هي جمع لقبر، فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت؛ يتجلى إيثار البيان القرآني "المقابر" على القبور، حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون، وحين يلفت إلى مصير هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التي هي مجتمع الموتى ومزار الراحلين الفانين؛ فتأويل المقابر بالقبور، ليس إلا أثرًا لتناول مفردات القرآن تناولا لفظياً معجمياً، مجرداً عن إيحاء سياقه وسره البياني، معزولاً عن الاستعمال القرآني الذي لم يجئ بالمقابر هنا لمجرد المشاكلة اللفظية والرنين الصوتي، وإنما هي الملاءمة المعنوية أيضاً بين التكاثر والمقابر بما فيهما من سعة وشمول وعموم، وها هو الإعجاز البياني يوجز رحلة الدنيا وعبرة الموت ونذر المصير، في أربع كلمات فحسب، تفجأ اللاهين في نشوة الدنيا، بصدمة "زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ" ليس بينها وبين "ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ" إلا "حتى"، أداة غاية(11).


([1]) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل

(2) (التفسير البياني للقرآن الكريم) عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ.

(3) (المفردات في غريب القرآن) الراغب الأصفهاني.

(4) (التحرير والتنوير) محمد الطاهر بن عاشور

(5) (التفسير البياني للقرآن الكريم) عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ.

(6) المصدر السابق.

(7) ( التفسير الكبير) فخر الدين الرازي

(8)(التفسير البياني للقرآن الكريم) عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ.

(9) (المفردات في غريب القرآن) الراغب الأصفهاني.

(10) (التحرير والتنوير) محمد الطاهر بن عاشور، و(التفسير البياني للقرآن الكريم) عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ.


(11) (التفسير البياني للقرآن الكريم) عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ.



المراجع:
1-تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم
المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327هـ)
المحقق: أسعد محمد الطيب
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية
الطبعة: الثالثة - 1419 هـ

2- المفردات في غريب القرآن
المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)
المحقق: صفوان عدنان الداودي
الناشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت
الطبعة: الأولى - 1412 هـ
3-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل
المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)
الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة: الثالثة - 1407 هـ




4-مفاتيح الغيب = التفسير الكبير
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)
الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت
الطبعة: الثالثة - 1420 هـ


5-التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»
المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ)
الناشر : الدار التونسية للنشر - تونس

6-التفسير البياني للقرآن الكريم
المؤلف: عائشة محمد علي عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ (المتوفى: 1419هـ)
دار النشر: دار المعارف - القاهرة
الطبعة: السابعة

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 07:27 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:"فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" 209\البقرة


فهذه محاولة للإبحار في معاني هذه الآية الكريمة وبيان بعض ما جاء فيها من بلاغة القرآن الذي قال الله تعالى عنه:"وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" الساء\82

فقوله تعالى:"فإن": الفاء استئنافية, و" إن" شرطية جازمة, ومعلوم إن "إن" الشرطية تستعمل في المعاني المحتملة الوقوع والمشكوك في حصولها, فهي على هذا تكون نادرة وتقريبا مستحيلة, والخطاب في الآية السابقة لهذه الآية موجه لل"الذين آمنوا", وفي هذا إشارة إلى إن الأصل عدم وقول الزلل من المؤمنين, فهم ليسوا كغيرهم, وإن حصل فهو نادر, وإن حصل يرجع المؤمن إلى ربه منيبا تائبا, ويأتي بالحسنات الماحيات لهذا الزلل.

وقوله تعالى:"زللتم" وأصل الزلل في القدم ، ثم يستعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك, جاء في لسان العرب: زَلَّ السَّهْمُ عن الدِّرْع، والإِنسانُ عن الصَّخْرة, ومَزِلَّة: زَلِقَ، وأَزَلَّهُ عنها.
وزَلَلْتَ يا فلان تَزِلُّ زَلِيلاً إِذا زَلَّ في طِين أَو مَنْطِق.
وزَلَّ في الطين زَلاًّ وزَلِيلاً وزُلُولاً؛ هذه الثلاثة عن اللحياني؛ وزَلَّت قَدَمُه زَلاًّ وزَلَّ في مَنْطِقه زَلَّةً وزَلَلاً. التهذيب: إِذا زَلَّت قَدَمُه قيل زَلَّ، وإِذا زَلَّ في مَقالٍ أَو نحوه قيل زَلَّ زَلَّة، وفي الخَطيئة ونحوها.
والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة : زلت قدمه ; كقول الشاعر :
سيمنع منك السبق إن كنت سابقا *** وتقتل إن زلت بك القدمان
وقد قال تعالى في آية أخرى:"فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا", فالزلل هنا يشمل جميع ما قد يقع فيه العبد من قول أو عمل, سواء كان قول للقلب أو للسان, أو عمل للقلب أو للجوارح, فالزلل يشملها جميعها, فالزلل والانحراف قد يكون كبيرا وقد يكون صغيرا, والجميع زلل, وهذا ليتنبه العبد لما يصدر منه, خاصة محقرات الذنوب التي لا يلقي لها بالا فتكون وبالا عليه من حيث لا يدري, فيجتنب الكبائر لما جاء فيها من الوعيد, ويتوقى الصعائر, فالانحراف عن الصراط المستقيم يبدأ صغيرا ثم ما يلبث أن يزداد توسعا وميلا عن الصراط, فيجدر بالعبد أن يتحرز مما كان من جنس المشتبهات بالنسبة إليه, كما قال عليه الصلاة والسلام, فيما رواه سبطه الحسن عنه:"دع ما يريبك إلى مالا يريبك"رواه النسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح.

قوله تعالى:"من بعد ما جائتكم البينات": مجيئ الأمر: تحققه ووقوعه وظهوره, وجاء في معنى ب"ان" في لسان العرب:بان الشيء واستبان وتبين وأبان وبين بمعنى واحد ، ومنه قوله تعالى : آيات مبينات ، بمعنى متبينات ، ويقال : استبنت الشيء إذا تأملته حتى تبين لك .ويقال : تبينت الأمر أي : تأملته وتوسمته ، وقد تبين الأمر يكون لازما وواقعا ، وكذلك بينته فبين أي : تبين...

وجاءت كلمة "البينات" جمع محلى بأل, فدلت على شمولها لعموم هذا الأدلة الواضحات البينات, فيدخل فيها الأدلة العقلية والأدلة السمعية, أما الأدلة العقلية: فبما اعطاه الله للإنسان من عقل, وبما فطره عليه من التوحيد, وبما بث من آيات باهرات في نفس العبد وفيما حوله من سموات وأرض, والجميع يشهد على وحدانيته سبحانه, وحدانيته في ربوبيته, فلا يعقل العقل السليم وجود خالقين لهذا الكون, فهذا من المحالات العقلية, لكن لما انتكست فطرة العبيد انحرفوا عن التوحيد وعمدوا إلى الشرك, فأشركوا مع الله الهوى والطواغيت التي عبدوها وتعددت اشكالها, أما الفطرة السليمة فهي كما قال تعالى:" فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا"الروم\30, وقد قال عليه الصلاة والسلام, في الحديث الذي رواه مسلم:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة واقرءوا إن شئتم "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله", فوضع فيهم سبحانه حب التوحيد واستحسانه, وبغض الشرك واستقباحه.

وأما الأدلة السمعية: فهي جميع الايات الواضحات الدالات على الصراط المستقيم الموصل إلى الله سبحانه وتعالى, وجنته, من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام, وجميع ما جاء به من معجزات, والقرآن وبيانه, وفرقانه بين الحق والباطل, قال تعالى فيه:"يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174], وقال:"﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾ [البقرة: 99], وجميع ما جاء فيه من الأحكام, والأخلاق, والآداب, والأوامر والنواهي.

فهذه البينات من الله سبحانه موجبة لاجتماع الناس على الأسلام, وموجبة لثباتهم على الصراط المستقيم, فمفهوم الآية دال على أن من استعملها وعمل بها بعد تيقنه بها, فهي له عاصم من الزلل, وهي له ركن شديد يلجا إليه هاربا من المزالق, لذلك كانت لمن أخذ بها ثباتا له في سيره على صراط الدنيا, وثباتا له في الآخرة على الصراط الذي أتي في وصفه إنه:" مدحضةٌ مزلة".

وفي قوله تعالى "من بعد ما جاءتكم البينات" إشارة إلى التفريق بين هداية الدلالة والإرشاد, وبين وهداية التوفيق التي هي خاصة بالله عز وجل, وهذا من بلاغة القرآن, فقد ذكر احتمال الزلل منهم, مع وصول البينات إليهم, ومعرفتهم بها, وفي هذا دليل على أن معرفة الحق والتيقن به لا تكفي لاتباعه, لذلك كان دعاء سورة الفاتحة:"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7), ففيها تعوذ بالله أن يكون سبيلنا ومسلكنا مسلك القوم المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتيقنوه ولم يُرزقوا اتباعه, ومسلك الضالين الذين جهلوا الحق ولم يتبين لهم, فكلاهما زل عن الطريق وانحرف.

وفي قوله:"من بعد" إشارة إلى أن من زل بعدما علم أسوء حالا ممن زل عن جهل, فالأول لا حجة له ولا عذر, بل قد اقام الله عليه الحجة بهذه الآية وغيرها, فلا يقول ويدعي بأن "مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ" المائدة\19.
كذلك عقوبة العالم بالأمر تختلف عن عقوبة الجاهل به, بل قد يعذر الجاهل ويسقط عنه الإثم والعقوبة, لذلك قال تعالى فيمن اتخذ إلهه هواه:"وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ" وقد قال ابن كثير فيها:وقوله : ( وأضله الله على علم ) يحتمل قولين :
أحدهما : وأضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك . والآخر : وأضله الله بعد بلوغ العلم إليه ، وقيام الحجة عليه . والثاني يستلزم الأول ، ولا ينعكس .

كذلك في قوله تعالى:""من بعد ما جاءتكم البينات" إشارة إلى إن الثواب والعقاب متعلق بقيام الحجة على العبد, وعلمه بما أرسل الله به الرسل, وبما دلت عليه الكتب, بحيث يتوضح له الأمر, لذلك قال تعالى:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا" الإسراء|15

قوله تعالى:"فاعلموا": الفاء رابطة لجواب الشرط , "اعلموا" فعل أمر مبني على حذف النون, والواو فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط, ومعلوم أن شرط الجواب الإفادة, لذلك وجب أن يكون جواب الشرط مغايرا للشرط لفظا ومعنى، وهي هنا في مقام الوعيد والتهديد لذلك ختم الآية باسميه العظيمين: العزيز والحكيم.

فالعزيز يتضمن ثلاث معان:
1- عزة القوة.
2- عزة الامتناع, كما قال القرطبي:"العزيز معناه المنيع، الذي لا ينال، ولا يغالب"
3- عزة القهر, كما قال ابن كثير:"الذي عز كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته، وعظمته، وجبروته، وكبريائه".
ففيه تذكير بقدرة الله على عبيده, فلا شيء يمنعهم منه سبحانه, ولا مانع لعقابه لهم, ولا ملجأ لهم ولا نصير منه سبحانه.

أما الحكيم فله معنيان:
1-الحاكم الذي له الحكم المطلق الكامل من جميع الوجوه، يحكم على عباده بقضائه وقدره، ويحكم بينهم بدينه وشرعه، ثم يوم القيامة يحكم بينهم .
2-ذو الحكمة، والحكمة وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.
والحكمة تقتضي أن ينال الظالم ما استحقه من عقاب عى سوء فعله, كما إنها تقتضي أن ينال المحسن ثواب ما استقامته على شرع الله سبحانه وتعالى, ففي هذا الاسم دلالة على معرفة الله المحسن من المسيء وعلى حتمية وصول العقاب للظالم ووصول الثواب للمحسن.
وهو الحكيم فيما ارسل من بينات باهرات, ومتى ما علم العبد بأنها منه سبحانه, خضع لها قلبه, واستجابت جوارحه واستقامت على ما جاء من عند الله تعالى.

وقد كانت لختم الآية بهذين الاسمين الجليلين أبلغ الأثر في التهديد وتخويف العبد من العقاب, ولو جاء ذكر العقاب مفصلا في الآية لما كان له هذا الأثر البالغ في تخويف القلوب وتهديد النفوس بما سيصيبها إن هي وقعت فيما نهى الله عنه من الزلل, وهي كقول القائل لمن يتوعده: فإن فعلتها فاعلم أن لا شيء يخرج عن قدرتي, أو تهديد الأب لابنه بما يعلمه من خصال القسوة والشدة التي اعتادها الابن منه. فيقول له: إن فعلت هذا فأنت بي عليم.

لذلك ذكر القرطبي في تفسيره: "حكى النقاش أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن ، فأقرأه الذي كان يعلمه " فاعلموا أن الله غفور رحيم " فقال كعب : إني لأستنكر أن يكون هكذا ، ومر بهما رجل فقال كعب : كيف تقرأ هذه الآية ؟ فقال الرجل : فاعلموا أن الله عزيز حكيم فقال كعب : هكذا ينبغي ؛ " عزيز " لا يمتنع عليه ما يريده ، " حكيم " فيما يفعله"

وجاء في الآية تقديم العزة على الحكمة لأن السياق سياق تهديد ووعيد, كما في قوله تعالى:"إن تعذّبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم"المائدة \118, والكلام في قوله تعالى: "فَإِن زَلَلْتُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" عن قدرة الله المطلقة عليهم, وبيان خضوع جميع المخلوقات له سبحانه, فهو سبحانه لا يغلبه شيئ, وعزته هي كذلك عن حكمة, فليس كل عزيز حكيم, وليس كل حكيم عزيز, لكن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فلا يقع الظلم في أفعاله سبحانه وتعالى, أما عزيز البشر فقد تأخذه العزة بالإثم فيقع منه الظلم ولو على اقرب الخلق إليه, وكذلك حكمته مقرونة بالعز الكامل, أما المخلوق فقد يعتريه الذل ولو كان عزيزا.

والفعل "جاءكم" جاء في القرآن الكريم مذكرا ومؤنثا مع الفاعل "البينات" حسب اقتضاء المعنى, وبحسب المراد من "البينات" هل هو مذكر أم مؤنث، وقد جاء في هذه الآية تأنيث الفعل "جاءكم" لأن الفاعل مؤنث "البينات", ومعناها في الآية: الحجج والبراهين الواضحات، بينما جاء مذكرا مع "البينات" في قوله تعالى:"كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البيّنات والله لا يهدي القوم الظالمين" آل عمران\86 فالمراد بالبينات في هذه الآية: القرآن الكريم، فجاء الفعل مذكرا لأن ما دل عليه الفاعل "البينات" كان مذكرا, وكذلك في قوله تعالى:"ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم"آل عمران\ 105، جاء الفعل "جاءهم" مذكرا لأن الفاعل "البينات" تعنى الكتاب, والكتاب مذكر فجاء الفعل تبعا له.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
------------------------------------------------------------------------------------
المصادر:
- جامع البيان عن تأويل آي القرآن\ للإمام محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبو جعفر الطبري.
- التفسير الكبير\ لفخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين.
- الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان\ لمؤلفه أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
- تفسير القرآن العظيم \ للإمام عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المعروف بابن كثير.
- لسان العرب لابن منظور.
- التحرير والتنوير, لمحمد الطاهر ابن عاشور.
- إعْرَابُ القرْآن الكريم\ قاسم حميدان دعاس.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 09:43 PM
مها الحربي مها الحربي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 461
افتراضي

التفسير البياني لقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10))سورة الشمس


الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على الهادي الأمين ، فقد تضمنت هاتان الآيتان من الفوائد البيانية البديعة مايدفع المسلم إلى تزكية نفسة والترقي بها عن سفاسف الأمور والرذائل ، والمسابقة الى عمل الصالحات ، مع حسن بيان ، وتوضيح طريق الهداية والنجاة .


بعد أن بين الله عز وجل الطريقين ، وكيفية الوصول عن طريق إرسال الرسل ،جعل الإنسان مخير في إختيار مصيره قال تعالى : (﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾)
قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا):
بدأت هذه الآية بحرف التحقيق (قد)لتأكيد الفلاح لمن زكى نفسه بالعمل والقول الصالح ،واستعمل الفعل الماضي (أفلح ) لزيادة تحقيق الوقوع
ويحتمل الفاعل في هذه الآية :
1/أن يكون الفاعل هو الله وكأنه قال تعالى :قد أفلحت الفرقة التي زكاها الله قاله ابن عباس
2/أن يكون الفاعل هو الإنسان وكأنة قال تعالى :قد أفلح من زكى نفسه
وجاءت (الزكاة ) مع فلاح النفس :
لحثها على الإكثار من التطهير والترفع عن المعاصي وإصلاحها بالعمل الصالح
معنى الزكاة :
أصل التزكية: الزّيادة، ومنه يقال: زكا الزرع، يزكوا: إذا كثر ريعه، وزكت النّفقة: إذا بورك فيها، ومنه زكاة الرّجل عن ماله، لأنها تثمّر ماله وتنمّيه. وتزكية القاضي للشّاهد منه، لأنه يرفعه بالتّعديل والذّكر الجميل ،ذكره الدينوري.


قال تعالى : (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا):
وأيضا بدأت الآية الثانيه بتأكيد الخيبة والخسران والإثم لمن ضل نفسه ومكر بها وأغوائها بالمعاصي والكفر ،ولم يرتقي بنفسة عنها
أصل كلمة (دساها ) كما قاله الطبري :
هيَ دَسَّسَها، فقُلِبَتْ إحدَى سِينَاتِها ياءً، كما قالَ العَجَّاجُ:
تَقَضِّيَ الْبَازِي إذَا البَازِي كَسَرْ
يُرِيدُ: تَقَضُّضَ.
وتَظَنَّيْتُ هذا الأمْرَ، بمعنى: تَظَنَّنْتُ. والعرَبُ تَفْعَلُ ذلكَ كثيراً، فَتُبْدِلُ في الحرفِ المُشدَّدِ بعضَ حُرُوفِهِ أحياناً ياءً، وأحيانًاواواً، ومِنهُ قوْلُ الآخَرِ:
يَذْهَبُ بِي فِي الشِّعْرِ كُلَّ فَنِّ ....... حَتَّـى يَرُدَّ عَـنِّـي التَّظَنِّي
يُرِيدُ: التَّظَنُّنَ.
وقال الفراء :
ومن ذلك قولهم: دينار أصله دنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا: ديانير، وديوان كان أصله: دوّان لجمعهم إياه: دواوين، وديباج: ديابيج، وقيراط، قراريط، كأنه كان قرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها؛ لأن البخيل يخفى منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي، لئلا يستتر عن الضيفان، ومن أراده، وكل صواب).
وجاءت كلمة (دساها )مع الخيبة والخسران :
حتى يشعر المخطئ وكأنه أخمل نفسة وخذلها وأخفاها
و ذكر ( الزكاة )في الآية الأولى ، و(دساها )في الآية الثانية فائدة بيانيه وهي :
المقابله ، وتفيد الزيادة لمن عمل الطاعات والصالحات، والنقصان لمن عمل بالمعاصي والكفر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
ابن جرير الطبري
معاني القرآن للفراء
تأويل مشكل القرآن للدينوري
تفسير النابلسي

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 شوال 1438هـ/15-07-2017م, 11:17 PM
حليمة محمد أحمد حليمة محمد أحمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 248
افتراضي تطبيق الأسلوب البياني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى


الأسلوب البياني
رسالة في تفسير قوله تعالى:
(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ )


وردت هذه الآية في سورة المنافقون وهي سورة مدنية خصها الله تبارك وتعالى لكشف المنافقين وفضحهم عن طريق بيان أوصافهم وأحوالهم ومواقفهم من الإسلام والمسلمين، وذكر ما يستوجب التحذير منهم، وذلك ضمن جملة من الآيات وردت في مواطن شتى من كتاب الله تعالى تذكر شأنهم تعريضًا أو تصريحًا، إجمالًا أو تفصيلًا.
وهنا وقفة يسيرة مع هذه الآية الكريمة التي كشفت أوصافهم بأدق تشبيه وأعمق معنى، مصوغًا في أوجز لفظ وأفصح عبارة .

قال تعالى:( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ) أي المنافقين، الذين يظهرون الإسلام ويضمرون الكفر، والمخاطب هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل المعنى إذا رأيتهم أيها الناظر، فيكون خطابًا لغير معين فيشمل كل من يراهم ويخرج منه النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أعلمه أحوالهم.
وقوله:" تعجبك أجسامهم" أي هيئاتهم وأشكالهم، ولم يذكر هنا وصف هذه الأجسام بل اكتفى بقوله" تعجبك" لينصرف الذهن إلى تخيل كل حُسن يمكن أن يلفت الألباب، من الوسامة والنضارة، والقوة، والبهاء، والنعيم، وغير ذلك.
(وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) وذلك لفصاحة وحلاوة منطقهم وبلاغته، فهم يضطرون السامع للإصغاء لأجل ذلك. قال ابن عباس رضي الله عنه: "كان عبد الله بن أبي وسيما جسيما صحيحا صبيحا ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته وصفه الله بتمام الصورة وحسن الإبانة"
وقال هنا " لقولهم" ولم يقل قولَهم" لأنه ليس المقصود ذكر مجرد السماع إذ لا فائدة فيه؛ لأنه حاصل بقصد وبلا قصد، بل المقصود تضمين السماع معنى الإصغاء والاستماع الذي تسبب فيه حسن إبانتهم، وشدة فصاحتهم ولذلك أتى باللام .
ولا يلزم أن ذلك الوصف يشملهم جميعًا بل هو لأحدهم، أو لبعضهم كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه من شأن ابن أبي. قال ابن عاشور:" والظاهر أن المراد بضمير الجمع واحد معيّن أو عدد محدود إذ يبعد أن يكون جميع المنافقين أحاسن الصور" .
(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ ) وهنا بلاغة مبهرة إذ يترقب الإنسان بعد ذكر ما سبق من جمال المنظر، وحسن المنطق أن يأتي من البيان ما هو تفصيل، أو إضافة في مدحهم في هذا الجانب، فإذا به يفاجأ بأن لا فائدة ترجى من كل ذلك الحُسن فهم كخشب مسنَّدة .
وعبر بالخُشُب جمع خَشبة إشارة إلى الغلظة والصلابة ، واستُخدِم جمع الكثرة هنا إشارة إلى كثرة المنافقين.
ثم وصف هذ الخُشُب بأنها مسنَّدة، والتشديد للكثرة بخلاف "مسنَدة" أي أميلت وأسندت إلى جدار ونحوه، ولم يُستفَد منها في شيء.

وهذا التعبير القرءاني البليغ (كأنهم خُشُب مسنَّدة ) يفيد معان دقيقة منها :
1- معنى عدم الاستقرار، والاهتزاز والسقوط لأدنى طاريء، وهذا هو الجامع بين الخُشُب المسندة، وحال المنافقين الذين وصفوا بذلك إما من جهة أن الإيمان لم يثبت في قلوبهم، وإنما كان قناعًا لحماية أنفسهم أموالهم وأعراضهم، لا يلبث أن يتساقط وينكشف ما وراءه عند أول محنة أو اختبار .و إما من جهة ما يلازمهم من الهلع والفزع والتوجس الدائم كما سيأتي.
2- الجمع بين حسن الظاهر وفراغ الباطن، وهذا ظاهر في حال تلك الخشب وحال المنافقين .
قال الطبري رحمه الله:" كأن هؤلاء المنافقين خُشُب مسنَّدة لا خير عندهم ولا فقه لهم ولا علم، وإنما هم صور بلا أحلام، وأشباح بلا عقول".
وهكذا هي تلك الخشب من يراها يظنها صحيحة فإذا هي لا خير فيها ولا فائدة إذ لم يُنتفع بها في إقامة سقف أو جدار ونحوه من مواطن الانتفاع، وهذا يتضمن الإشارة إلى احتقارها وإهمالها.
3- فقدان الحياة وسلب المدد، فهذه الخشب ليست كالأشجار الحية التي تنمو بسقيها من السماء أو غذائها من الأرض وإنما هي ميتة حيث قُطِع عنها كل ما يمكن أن يمدها بالحياة، وهذا هو شأن المنافقين الذين طبع الله على قلوبهم فلم ينفذ إليها ما يمدها بالحياة من نور الوحي وهديه.

قوله :( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ )
أي يظنون بسبب جبنهم وخبثهم وسوء طويتهم وانعدام يقينهم أن كل صوت إنما يستهدفهم هم.
وفي المفعول الثاني للفعل :"حسب" قولان:
1- قوله "عليهم " ، وجملة "هم العدو" مستأنفة.
2- أن قوله "عليهم" متعلق بصيحة، فيكون المفعول الثاني هو "هم العدو" وممن اقتصر على الأول ابن جرير وابن كثير والشنقيطي ورجحه الشوكاني.
وقال هنا " هم العدو" ولم يقل هم أعداء أو هم من العدو ، لإفادة الحصر، وكأنه سبحانه وتعالى يقول هم العدو الحقيقي الذي ينبغي أن يُحذر منهم؛ وذلك لخفاء شأنهم دون غيرهم من الأعداء الظاهرين .
قال الشنقيطي رحمه الله:" فيه ما يشعر بحصر العداوة في المنافقين مع وجودها في المشركين واليهود، ولكن إظهار المشركين شركهم وإعلان اليهود كفرهم مدعاة للحذر منهم طبعًا، أما هؤلاء فادعاؤهم الإيمان وحلفهم عليه قد يوحي بالركون إليهم ولو رغبة في تأليفهم فكانوا أولى بالتحذير منهم؛ لشدة عداوتهم وقوة مداخلتهم مع المسلمين مما يمكنهم من الاطلاع على جميع شؤونهم"

هذا والله أعلم وصلى الله على النبي الأكرم محمد وآله وصحبه وسلم.



مصادر الرسالة:
- جامع البيان للطبري
- الجامع لأحكام القرءان للقرطبي
- تفسير القرءان العظيم لابن كثير.
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
- أضواء البيان للشنقيطي
- فتح القدير للشوكاني.
- ملتقى أهل التفسير.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 02:23 AM
منال انور محمود منال انور محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 168
افتراضي

تطبيق على الأسلوب البيانى
الآية موضوع التطبيق (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ).
إن هذه الآية الكريمة من آيات القرءان الذى أعجز وأبهر الأمة التى كانت تفتخر أنها صاحبة اللغة والبيان ووصلت فى الشعر والأدب ما تميزت به عن غيرها فجاء القرءان كلام الله أعجزهم وأبهرهم وشهد له العدو قبل الصديق.
وتلك الآية الكريمة بما فيها من بيان وتأثير الألفاظ مما يسبب فى قلب المتلقى الشوق أن يكون من أهلها فينال سعادة الدنيا والآخرة.
* وجاءت هذه الآية بعد أن ذكر الأعداء وقرنائهم نذارة أتبعه ذكر الأولياء بشارة فقال مبيناً لحالهم ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ).
* ففى بداية الآية أستخدم بتوكيد ( إنً )فأفادت وجوه :-
- تأكيداً لأجل إنكار المعاندين.
- نفى توكيد الخبر زيادة قمع لهم .
* وجاءت اللمسة البيانية فى التعبير ( قالوا ) أن القول قولاً حقيقياً مذعنين بقلوبهم ناطقين بألسناتهم مصدقين لداعى الله فى الدنيا متذللين وهم قد صدعوا بها ولم يخشوا أحداً بإعلانهم للتوحيد.
* وجاء التعبير بلفظ الربوبية ( ربٌنا ) إقراراً واعترافاً بالإحسان منه سبحانه إليهم كما أنه يفيد الحصر أنه لارب لنا إلا الله فلم يصد المشركين عن الإيمان بما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم مع تسليمهم بتوحيد الربوبية بأن الله الخالق المدبر إلا أنه أمرهم بنبذ عبادة غير الله.
و أعقبه بلفظ الألوهية ( ربنا الله ) أن الله المختص بالجلال والإكرام وحده لا شريك له.
* وفى التعبير بحرف العطف ( ثم ) من الأوجه البيانية التى تظهر فيه :
1- أن الثبات على التوحيد حتى الممات أمر عظيم لا يناله العبد إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى أشار إليه بأداة التراخى ( ثم ) كما ذكر الإمام الماوردى فى النكت والعيون.
2- أن ( ثم ) أتت للتراخى الزمنى لأن الإستقامة زائدة فى المرتبة على الإقرار بالتوحيد لأنها تشمله وتشمل الثبات عليه والعمل بما يستدعيه.
* ويأتى التعبير بالإستقامة ( ثم استقاموا ) وفيها أكثر من وجه بديع :
- ومن حيث المعنى : فالإستقامة بالثبات أى الثبات على الإقرار وما يقتضيه وحقيقتها عدم الإعوجاج و الميل.
- من حيث متعلق الإستقامة فذكرت فيها أوجه:
1- استقاموا على أن الله ربهم وحدهم وهو قول أبو بكر " رضى الله عنه "
2- استقاموا على طاعته وأداء فرائضه قول " ابن عباس و الحسن وقتادة "
3- استقاموا على إخلاص الدين والعلم إلى الموت قول " أبو العالية والسدى "
4- استقاموا فى أفعالهم كما استقاموا فى قولهم.
5- استقاموا سرا كما استقاموا جهراً.
وكلمة الإستقامة تتسع لتشمل كل هذه الأقوال التى ذكرها الإمام الماوردى فى كتابه " النكت والعيون "
- من حيث زيادة السين والتاء فيها للمبالغة فى التقًوم.
وتطلق الإستقامة بوجه الإستعارة على مايجمع معنى حسن العمل والسير على الحق والصدق كما قال تعالى ( فأستقم كما أُمرت ).
* وقد ذكر سبحانه ( تتنزل ) ففيها من الوجوه البيانية ما يأخذ بالقلب:
- روعة البلاغة فى إستخدام الفعل المضارع تتنزل بالتائين لإن التنزل يحدث عند الموت وفى كل لحظة يموت شخص فهى تتنزل فى كل لحظة أما نظيرتها فى سورة القدر ( تنزل الملائكة ) حذفت التاء لإنها ليلة واحدة فى العام وهى ليله القدر.
ففى التنزل الأول أكثر إستمرارية والحدث مستمر جاء الفعل كاملاً غير مقتطع أما فى الثانية فالحدث منقطع فاقتطع الفعل.
- وقت التنزل يكون لثلاثةمواضع عند الموت وفى القبر وإذا قاموا من قبورهم .
وقد يكون يكون التنزل متسع المعنى كتنزل الملكان الحافظان أو تنزل خفى يعرف بحصول آأثاره فى نفوس المؤمنين كما ذكره البقاعى.
* وقوله سبحانه ( عليهم ) أن الملائكة ينزلون من علويتهم لأجلهم فثبت للمؤمن كرامة نسأل الله أن نكون منهم .
* وقد جمعت الآية بيانا رائعا بين الخوف والحزن :
- الخوف غم يلحق بتوقع المكروه .
- الحزن غم يلحق بوقوع المكروه وفوات المحبوب.
فالله سبحانه كتب لهم الأمن من كل غم فلا يخافوا مما يقدمون عليه ولايحزنوا على ما تركوه وهذا قول عكرمة ذكره الموردى فى كتابه " النكت والعيون ".
* والتعبير البيانى لكلمة ( أبشروا ) فالبشر أصلا سرور يظهر أثره على البشرة بتهلل الوجه.
* وفى التعبير بالمضارع فى قوله تعالى( توعدون) أنهم تكرر وعدهم بالجنة بتكرار أعمالهم وقد كان يوعدون بها فى الدنيا. وقد ذكرت الكونية( بكنتم) بالتنبيه على أنهم متأصلون فى الوعد بالجنة وذلك من سابق إيمانهم وأعمالهم.
ومن معنى هذه الآية ما ذكره سفيان الثقفى قال قلتُ يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسأل عنه أحداً غيرك قال ( قل أمنت بالله ثم استقم ).
*** نسأل الله أن يثبتنا على التوحيد حتى نلقاه وقد ذكر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أنس ابن مالك أن رسول الله قرأ ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا قال ( قد قالها الناس هم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو من استقام ).
المصادر:-
الإمام الطبرى
النكت والعيون للماوردى
الكشاف
نظم الدرر البقاعى
التحرير والتنوير ابن عاشور
اسرار البيان القرءانى للدكتور فاضل السامرائى

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 05:19 AM
الصورة الرمزية إشراقة جيلي محمد
إشراقة جيلي محمد إشراقة جيلي محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: الرياض
المشاركات: 303
افتراضي

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(9)
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .
أنزل الله عزّ وجل أفضل الكتب بواسطة أفضل الملائكة علىى أفضل البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وتكفّل الله بنفسه بحفظ القران فقال {أنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
فجاء بيان حفظ القرآن بأوجز عبارة وأكمل بيان..

{إنّا نحن نزلّنا الذكر} أي نحن بقدرتنا وعظم شأننا، وهذه الصيغة وإن كانت للجمع فهذا من كلام الملوك لإظهار التعظيم ولا أعظم من الله عزّ وجل،
نزّلنا القرآن، وقال نزّلنا ولم يقل أنزلنا لأنّ القرآن الكريم نزل نجوما شيء بعد شيء والتنزيل مرة بعد مرة كما قال القرطبي رحمه الله. والذكر المراد به القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر.

{وإنّا له لحافظون} قيل الضمير يعود على الذكر أي يحفظه من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان والتناقض والاختلاف، وأن يأتي أحد بمثله أو بسورة من مثله، وحفظه من أن تزيد الشياطين فيه باطلا أو تنقص منه حقا فتولى الله عز وجل حفظه فلم يزل محفوظا وقال في غيره {بما استحفظوا من كتاب الله} فوكل لهم حفظه.
وقيل الضمير يعود على محمد صلى الله عليه وسلم يعني إنا لمحمد لحافظون.
فالله عز وجل لم يرد على الكافرين بأنه نزّل الذكر فحسب بل وزيادة على ذلك أكّد الحفاظ عليه بثلاث مؤكدات، إنّ في {إنّا} وتقديم {له} الدال على الخصوصية، واللام في {لحافظون}.

المصادر:
تفسير الطبري
التفسير الكبير للرازي
تفسير السعدي
تفسير الوسيط الطنطاوي
التحرير والتنوير الطاهر بن عاشور

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شوال 1438هـ/16-07-2017م, 08:26 PM
هدى محمد صبري عبد العزيز هدى محمد صبري عبد العزيز غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق الاسلوب البيانى

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
(فستبصر ويبصرون – بأييكم المفتون ) سورة القلم آية رقم (5-6)

بعد أن أقسم الله تعالى فى مطلع سورة القلم على نفى ما بهت به الكفار النبى صلى الله عليه وسلم من الجنون واتهموه به وبعد أن بين تمام عقله وخلقه ومنزلته العظيمة بشر النبى صلى الله عليه وسلم ببشارات اخرى وتوعد الكفار بما يحل بهم من نكال ووبال فى الدنيا والآخرة فقال فقال : (فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون )
ويوجد فى الآيتين الكريمتين بعض الإيضاحات نود الإشارة إليها ثم تفسيرها تفسيرًا مجملا :
الإيضاحات :
(فستبصر ويبصرون )
1- الفاء : للتفريع على قوله (ما أنت بنعمة ربك بمجنون )أى أنهم إذا نظروا للدلائل فسيعلمون أى الفريقين المفتون هل هم المفتونون بالانصراف عن الحق والرشد أم هو باختلال العقل كما اختلقوا عليه واتهموه .

2- دلالة فستبصر :

- قيل ليتأتى بذكر الجانبين ايقاع كلام منصف على طريقة قوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ) أو كقوله (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) وذلك لأن القرءان يبلغ مسامعهم ويتلى عليهم .
- وقيل فستبصر أنت وأمتك ويبصرون أى هم .

3- المراد بفعلا تبصر ويبصرون :
- قيل : البصر الحسى الذى هو الرؤية بالعين .
- وقيل : بمعنى العلم أى توقن ويوقنون على طريقة الكناية بفعل الإبصار عن التحقق لأن أقوى طرق الحس البصر .
- وقيل : ستخبر ويخبرون .
4- واختلف العلماء هل المراد(فستبصر و يبصرون ) فى الدنيا أم الآخرة على أقوال :
- قيل : فستعلم ويعلمون يوم القيامة وهو قول بن عباس فجعله مثل استعمال فعل الرؤية فى معنى الظن و المشهور عند جمهور اللغوين والنحاة أن الفعل المشتق من أبصر لا يستعمل بمعنى الظن خلافا لهشام .
- وقيل : فسترى ويرون يوم القيامة حتى يتبين الحق من الباطل .
- وقيل : فى الدنيا بظهور عاقبة أمرك وأمرهم فإنك تصير معظما فى القلوب ويصيرون ذليلين ملعونين ويستولى عليهم القتل والنهب ومن هذا عذاب ووعيد يوم بدر وهو {اى بعض العلماء منهم مقاتل بن حيان .
5- السين فى قوله ستبصر :
- إذا كان الفعل بمعنى العلم فالسين للتأكيد أى أن النبى قد رأى ذلك أما المشركون فسيعلمون يوم بدر .
- وإذا كان الفعل بمعنى الحس : فالسين والتاء للاستقبال .
6- عود الضميرفى يبصرون :
الضمير عائد على معلوم مقدر عند السامع وهم المشركون القائلون هو مجنون .

(بأييكم المفتون )
7- الباء فى بأييكم : على اربعة أوجه :
- الاول : أن الباء مزيدة في المبتدأ، والتقدير: أيكم المفتون فزيدت كزيادتها في نحو «بحسبك زيد» وهو قول قتادة وأبو عبيدة معمر بن المثنى.
إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في «حَسْبُك» فقط.
- الثاني: أن الباء بمعنى «فِي» فهي ظرفية كقولك: «زيْدٌ بالبصرةِ» أي: فيها والمعنى: في أي فرقة وطائفة منكم المفتون: أي المجنون في فرقة الإسلام أم في فرقة الكفار؟ وهو قول مجاهد والفراء.
ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة: (فِي أيكمُ)
وفيه تعريض بابى جهل والوليد بن المغيرة وغيرهما من مدبرى السوء وأضرابهما ممن اشتهروا بأقوال شبيهة بأقوال المجانين .
- الثالث: الباء سببية وهو قول الأخفش.
8- دلالة أى :
هو اسم مبهم يتعرف بما يضاف إليه :
فقد يأتى بمعنى الموصول ومعنى الشرط ومعنى الإستفهام ومعنى التنويه بكامل ومعنى المعرف بأل إذا وصل بندائه .
وهنا بأييكم المفتون :أى رجل أو أى فريق منكم المفتون
فتكون اسم فى موقع المفعول لتبصر ويبصرون أو متعلق به تعلق المجرور .

9- معنى المفتون :
- المجنون :لأنه فتن أى مُحن بالجنون لأن العرب يزعمون أنه من تخبيل الجن وهم الفتان للفتاك فيهم .
- المعذب :من قول العرب فتنت الذهب بالنار أى أحميته وقوله تعالى (يوم هم على النار يفتنون )
- الشيطان :لأنه مفتون فى دينه والمعنى بأييكم الشيطان .
10- أوجه إعراب المفتون :
- الوجه الأول : أن المفتون مصدر جاء على وزن المفعول مثل المعقول بمعنى العقل والمجلود بمعنى الجلد والميسور لليسر والمعسور للعكس وفى المثل (خذ من ميسوره ودع معسوره كما يقال ماله معقول وليس له مجلود أى عقل وجلادة . ذكره الضحاك والحسن وبن عباس والرازى .
الوجه الثانى : يكون اسم مفعول على أصله أى :هو الذى اصابته فتنة
الوجه الثالث : يكون أنه على حذف مضاف أى بأييكم فتن المفتون وأقيم المضاف إليه مقامه وهو فى حالة أن الباء سببية ذكره الأحفش .


ويكون معنى الآيتين بعد هذه الإيضاحات :
ستعلم يا محمد ويعلم مكذبوك ومخالفوك من المفتون الضال إذا تبين الحق وانكشف الغطاء وذلك يوم القيامة وقيل فى الدنيا بظهور عاقبة أمرك بغلبة الإسلام واستيلائك عليهم بالقتل والنهب وهذا تهديد ووعيد من الله تعالى للكفار وقد تحقق يوم بدر بهزيمة المشركين هزيمة ساحقة وكذلك غيرها من الوقائع التى كان فيها النصر المبين للمؤمنين والخزى والهوان للمشركين حتى كانوا عبرة ومثلا للآخرين ولعذاب الآخرة أشد وأبقى حيث يجازى الله تعالى كلا بحسب عمله بدلالة قوله تعالى فى الآية التى تليها وتأكيدا للوعد والوعيد (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ).

_________________________________
المراجع :
تفسيرالقرءان العظيم بن كثير
محاسن التأويل للقاسمى
فتح القدير للشوكانى
اللباب فى علوم الكتاب بن عادل
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل للزمخشرى
نظم الدرر للبقاعى
التحرير والتنوير بن عاشور
الوسيط لطنطاوى
فتح البيان للقنوجى
تفسير المراغى

تم بفضل الله

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24 شوال 1438هـ/18-07-2017م, 06:04 PM
رقية إبراهيم عبد البديع رقية إبراهيم عبد البديع غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 312
افتراضي

الأسلوب البياني
أوجه البيان في قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّاعَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) }
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين وهدانا صراطه المستقيم وأنزل إلينا الكتاب الكريم بلسان عربي مبين، وجعله هاديا ومبشرا ونذيرا، معجزا بنظمه وتشريعاته وقصصه، تحدى به الإنس والجن فعجزوا أن يأتوا بسورة من مثله.
وبعد..
فهذه بعض الأوجه البيانية من قوله تعالى –في سورة الملك- : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّاعَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
جاءت الآية الكريمة في سياق بيان جحود الكافرين وتكذيبهم الحق بعد ما تبين، فالفاء للترتيب والتفريع على ما ورد في الآيات السابقة: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) لتبين حال الكافر وحال المؤمن وتقيم الحجة على الكافر من خلال هذا المثل الذي ضربه الله تعالى لهما، فالتفكر فيه واجب على أهل الإيمان (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون).
وقد صدرت الآية بالاستفهام الذي هو: طلب حصول صورة الشيء المستفهم عنه في الذهن بأداة، وهو من الأساليب التي تتوالى في مواطن التاثير، فتهيج الشعور للاستمالة والإقناع.
وقد أفاد هنا معنى زائدا؛ وهو التقرير، وفائدته: أن يواجه الكافر بهذا الأسلوب القاطع المعجز فيرجع إلى نفسه ليسألها: أحالهم أهدى أم حال المؤمنين؟!، وبالتالي فليس لديه- إذا تأمل- سوى الإقرار بأن المؤمنين أهدى حالا وأسعد مآلا، وأنه وأهله من الضُّلَّال شرٌ مكانا وأضل سبيلا.
والآية قائمة على المقابلة بين طرفيها، وفي تأويلها وجهان:
الأول: أن الأسلوب حقيقي لكونه يمثل حالهم في الآخرة، وهو عام لكل من اتصف بصفاتهم؛ كما روى عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيره. قال قتادة: نزلت مخبرة عن حال الكافر والمؤمن في الآخرة فالكفار يمشون فيها على وجوههم والمؤمنون يمشون على استقامة وروى أنه قيل للنبي كيف يمشي الكافر على وجهه فقال عليه الصلاة والسلام إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه.
الثاني: أن الأسلوب قائم على الاستعارات التمثيلية؛ بناءً على أن الآية نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب، أو: أنها نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد صلى الله عليه وسلم، أو: أنها نزلت مثالا للمؤمنين والكافرين على العموم، كما هو مروي عن السلف.
فالتمثيل جرى على تشبيه حال الكافر والمؤمن بحالة مشي إنسان مختلفة وعلى تشبيه الدين بالطريق المسلوكة (على صراط مستقيم ) باعتبار مشي المكب على وجهه مشيا على صراط معوج.
وفي قوله ( مكبا على وجهه ) استعارة أخرى بتشبيه حال السالك صراطا معوجا في تأمله وترسمه آثار السير في الطريق غير المستقيم خشية أن يضل فيه، بحال المكب على وجهه يتوسم حال الطريق؛ وقرينة ذلك: مقابلته بقوله ( سويا ) المشعر بأن مكبا أطلق على غير السوي وهو المنحني المطاطئ يتوسم الآثار اللائحة من آثار السائرين لعله يعرف الطريق الموصلة إلى المقصود.
وذلك لأن المشرك يتوجه بعبادته إلى آلهة كثيرة لا يدري لعل بعضها أقوى من بعض وأعطف على بعض القبائل من بعض فقد كانت ثقيف يعبدون اللات وكان الأوس والخزرج يعبدون مناة ولكل قبيله إله أو آلهة فتقسم الحاجات عندها واستنصر كل قوم بآلهتهم وطمعوا في غنائها عنهم وهذه حالة يعرفونها فلا يمترون في أنهم مضرب المثل الأول وكذلك حال أهل الإشراك في كل زمان .
وفي التعبير بالموصول (مَن) للعموم، فيعم كل من سار على هذا النهج في كل زمان ومكان، وللدلالة على أنه اشتهر به حتى إنه لا يعرف بغيره.
وفي كون صلة الموصول فعلا مضارعا (يمشي) دلالة على تجدد المشي واستمراره، وأن هذا الضال لا يزال مستمرا في ضلاله وغيه لا يرتدع عنه ولا ينفك بحال، كما أن المؤمن لا يزال سائرا إلى ربه، ماضيا على دربه القويم، لا ينقطع عن الطاعات ولا يحيد عن طريقه يمنة أو يسرة.
كما أن في المضارع تصويرا للحدث واستحضارا لهيئته وصورته في ذهن المتلقي؛ حتى يتضح له الموقف وضوح الشمس في رابعة النهار، وكأنه يرى صورة الكافر وهو يمشي متخبطا في طريق معوج مكبا على وجهه، ويرى صورة المؤمن وهو يمشي مرفوع الرأس واثق الخطوات على طريق لاحب مستقيم، كأنه يرى هذه الصورة بهذين الموقفين المتضادين رأي العين، فيكون هذا داعيا له لكي يحسن الاختيار ويرى مع أي الفريقين يحب أن يكون.
وفي التعبير –عن حال الكافر- باسم الفاعل (مكبا) من أكب إذا صار ذا كب فالهمزة فيه أصلها لإفادة المصير في الشيء، أي داخلاً بنفسه في الكب وصار إليه ، وهو السقوط؛ دلالة على ثبوت هذا الوصف له وأنه لا ينفك عنه ولا يقوم من كبوته بحال، مادام مستمرا في غيه.
قال الأعشى:
مكبا على روقيه يحفر عرقها.......على ظهر عريان الطّريقةأهيما.
وتقييده بالجار والمجرور (على وجهه) جعل سقوطه على وجهه، فهذا حال الذي كب نفسه بغاية الشهوة على وجهه؛ فلا يرى ما حوله ولا يشعر بما أحاط به، ولا ينظر في الآيات ولا يعتبر بالمسموعات. والوجه أشرف الأعضاء عند العرب، وبه يمدح المرء أو يذم، ففيه دلالة على ذمه وامتهانه وهوانه.
وقوله تعالى (أهدى) مشتق من الهدى وهو معرفة الطريق، واسم التفضيل هنا مسلوب المفاضلة؛ لأن الذي يمشي مكبا على وجهه لا شيء عنده من الاهتداء، فالتفضيل على سبيل التهكم بهم، فإنهم إن تدبروا حالهم ومَثَلهم لعلموا أنهم في غيٍّ وضلال مبين، فهو كقوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا)
وفي التعبير –عن المؤمن- باسم الفاعل (سويا) أي: شديد الاستواء فهو فعيل بمعنى فاعل؛ دلالة على ثبوت هذا الوصف له، ودوام اتصافه به من تمسك بالحق وقيام به، فهو كالماشي على طريق جادة واضحة، لا ينظر إلا إلى اتجاه وجهه، فهو مستو في سيره.
وتقييده بالجار والمجرور (على صراط مستقيم) زيادة في مدحه والتنويه به؛ فسيره على الصراط الذي وصفه الله جل جلاله بقوله: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).
والمقابلة بين الفريقين تبرز بُعد ما بينهما، وتحض العاقل على اتباع سبيل المؤمنين والاتصاف بصفاتهم، واجتناب سبيل المغضوب عليهم والضالين، كما تحث أهل الكفر على النظر في حالهم وحال من اتخذوهم أعداء، وتدبر موقفهم وما يؤول إليه حالهم، والرجوع إلى الحق، وهذه هي قيمة المقابلة: إبراز المعاني والأشياء وإيضاح ما بينها من فرق واختلاف، فإنما تتميز الأشياء بضدها.
وفي الآية إيجاز بالحذف: حيث استغني عن وصف الطريق بالالتواء في التمثيل الأول لدلالة مقابلته بالاستقامة في التمثيل الثاني، وكأن طريق أهل الضلال لا يستحق أن يوصف بأنه طريق، لتوعر مسلكه وشدة انحرافه واعوجاجه.
وقد ذكر البقاعي أن في الآية أسلوب الاحتباك فقال: "ذكر الكب أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والمستقيم ثانياً دليلاً على المعوج أولا ، وسره أنه ذكر أنكأ ما للمجرم وأسَرَّ ما للمسلم".
تمت بحمد الله وتوفيقه.
المراجع:
تفسير غريب القرآن لعَبْدُ اللهِبْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276ه)
جامع البيان لمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍالطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ)
معاني القرآن ل إِبْرَاهِيمُ بْنُالسَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
تفسير مجاهد لعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352ه)
المحرر الوجيز لعَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَالأَنْدَلُسِيُّ (ت:546ه)
تفسير القرآن العظيم لابْنِ كَثِيرٍالقُرَشِيُّ (ت: 774 ه)
الدر المنثور لجَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 ه)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي.
تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
تفسير الآلوسي.
تفسير أبي السعود.
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي.
الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 24 شوال 1438هـ/18-07-2017م, 10:44 PM
بيان الضعيان بيان الضعيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 245
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى(استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)

هذه الآية سبقتها آيات تحدثت عن المنافقين وعن بعض صفاتهم،ثم جاءت هذه الآية مبينة للدافع الذي دفعهم للاتصاف بهذه الصفات ،وقد تضمنت من الأوجه البيانية الشيء الكثير،سأورد ماتيسر لي منها.
بدأت الآية بذكر سبب ضلالهم وهو استحواذ الشيطان عليهم،والاستحواذ كما ذكر أهل اللغة هو: الاستيلاء والغلب، يقال:حاذ العير إذا جمعها وساقها غالبا لها.
واشتق منه استفعل للذي يستولي بتدبير ومعالجة ،فلا يقال استحوذ إلا في استيلاء العاقل لأنه يتطلب وسائل استيلاء.
واستخدم السين والتاء للمبالغة في الغلب.
فجاء التعبير بهذا اللفظ الدقيق ليدل على شدة غلبة الشيطان لهم وسيطرته عليهم،واستحواذه عليهم يكون بالوسوسة لهم وصرفهم عما أمرهم الله به فكان نتيجة ذلك أن أنساهم ذكر ربهم.

وعبر الله عن إعراضهم عن الحق بالنسيان لأن النسيان يكون بمعنى الغفلة ويكون بمعنى الترك وكلاهما محتملان كما ذكر ذلك القرطبي.
وذلك مثل قوله تعالى(كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).

ومتعلق النسيان هنا هو ذكر الله،والذكر يطلق على نطق اللسان باسم أو كلام وكذلك يطلق على التذكر بالعقل،وجاء استعماله هنا في لازمه وهو العبادة والطاعة فالمعنى أنه أنساهم عبادة الله وطاعته،فالذي لا يتذكر الشيء لا يقوم بواجباته كما ذكر ذلك ابن عاشور.

وبعدما بين الله عزوجل سبب إعراضهم وهو استحواذ الشيطان عليهم بين مايستلزمه هذا الاستحواذ وهم أنهم صاروا باتباعه حزب له.
وحزب المرء :أنصاره وجنده ومواليه،ويكفي في الدلالة على شناعة أمرهم أن نسبهم للشيطان.

ولزيادة تمييزهم لئلا يتردد في أنهم حزب الشيطان أشار الله إليهم باسم الإشارة (أولئك).

ثم وصف الله حزب الشيطان بقوله (ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون):
وجاء في هذه الجملة عدة مؤكدات تؤكد خسرانهم في الدنيا والآخرة فهم قد آثروا العاجل على الآجل ومن هذه المؤكدات:
_أن ابتدأت الجملة بحرف الإفصاح (ألا) ولم يقل(فإن حزب الله هم الغالبون)ليدل على أهمية ماتضمنته من معنى.
_توكيد المعنى بالحرف (إن).
_ صيغة القصر في الآية من المؤكدات فلا يتردد أحد في أن حزب الشيطان خاسرون فهي قضية مسلمة.
_ إظهار لفظ (حزب الشيطان)وعدم الاكتفاء بالضمير لزيادة التصريح بهم.

هذا مايسر الله كتابته ونسأله الإعانة على فهم كتابه وتدبر معانيه.

المراجع:
1_تفسير ابن عاشور.
2_تفسير القرطبي.
3_ تفسير ابن كثير.
4_معاني القرآن وعلومه للزجاج
5_المعجم الوسيط

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 25 شوال 1438هـ/19-07-2017م, 11:07 PM
إيمان شريف إيمان شريف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 173
افتراضي رسالة تطبيقية تفسيرية بالأسلوب البياني

رسالة تفسرية بالأسلوب البياني في قوله تعالى { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }الحج
بسم الله والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغُمة وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد...
في محاولة للغوص في معاني كتاب الله تعالى الذي جعله الله معجزة باهرة لنبيه الأميّ الذي آتاه الله جوامع الكلم وأنزل عليه هذا الكتاب العظيم المُعجز بألفاظه والذي تحدى الله به الكافرين والمشركين بأن يأتوا بعشر سور مثله أو بسورة مثله أو حتى آيه فلم يستطيعوا وهم أهل البلاغة والفصاحة والبيان وقد بلغوا ما بلغوا في الشعر واللغة والبلاغة فها نحن نحاول محاولة الضغيف الفقير إلى الله المستعين به لنقف على بعض من هذا الإعجاز البياني اللُغوي في ءاية من آيات سورة الحج وهي قوله تعالى : { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }
- وهذه الآية على وجازتها تحمل معاني ولطائف ولمسات بيانيه عظيمة لأنها من الأمثال التي ضربها الله عز وجل لتقريب الأمر المعنوي بالأمر المحسوس كما قال تعالى في سورة العنكبوت { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالِمون} ،
فقد جاءت في سياق الآيات التي توضح مناسك الحج بعد أن نهى الله الكفار عن عبادة الأوثان والأصنام ونهاهم عن قول الزور ، أعقب نهيهم عن الأوثان بتمثيل فظاعة حال من يشرك بالله في مصيره بالشرك إلى حال انحطاط وتلقف الضلالات إياه ويأسه من النجاة ما دام مشركاً تمثيلاً بديعاً إذ كان من قبيل التمثيل القابل لتفريق أجزائه إلى تشبيهات "ابن عاشور في التحرير والتنوير".
- فجاء قوله " حنفاء" منتصبه على الحال من ضمير { اجتنبوا } أي تكونوا إن اجتنبتم ذلك حنفاء لله، جمع حنيف وهو المخلص لله في العبادة، أي تكونوا على ملّة إبراهيم حقاً.
- وكلمة " حنفاء" من الأضداد يقع على الاستقامة، ويقع على الميل حسب سياق الآيه وهذا من بلاغة القرءان الذي نزل بلغة العرب { بلسان عربي مبين} ، والمقصود بها هنا مستقيمين على الحق أو مائلين عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق.
- وقد جمع تعالى هنا بين قول الزور والإشراك به تعالى في قوله: { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } وكما أنه جمع بينهما هنا، فقد جمع بينهما أيضاً في غير هذا الموضع كقوله:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وذلك يدل على عظمة قول الزور، لأن الإشراك بالله قد يدخل في قول الزور، كادعائهم الشركاء، والأولاد لله. وكتكذيبه صلى الله عليه وسلم فكل ذلك الزور فيه أعظم الكفر والإشراك بالله. نعوذ بالله من كل سوء " ذكر ذلك الشنقيطي في أضواء البيان"
- وقوله تعالى " غير مشركين به " هو حال كالأوّل " حنفاء "، أي غير مشركين به شيئاً من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم.
- وقوله تعالى " غير مشركين به "بعد قوله " حنفاء لله" زاده بيانا وتأكيدا كقوله تعالى : { إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين}.
- والباء في قوله { مشركين به } للمصاحبة والمعية، أي غير مشركين معه غيره.
- ثم أعقب ذلك بذكر المثل الذي يدل على فظاعة وقبح حال من يُشرك بالله غيره أي مات ولم يتُب من ذلك ، فمثله فـي بُعده من الهدى وإصابة الـحقّ وهلاكه وذهابه عن ربه { فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ} أي سقط من السماء إلى الأرض، فتمزقت أوصاله، { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ} فصارت الطير تتخطفها فتفرقت في حواصلها { أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} تهوي بها الريح فتلقيها في مكان سحيق: أي محل بعيد لشدة هبوبها بأوصاله المتمزقة ،
قال في «الكشاف»: «يجوز أن يكون هذا التشبيه من المركب والمفرّق بأن صُور حال المشرك بصورة حال مَن خرّ من السماء فاختطفَتْه الطيرُ فتفرّق مِزعاً في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة، وإن كان مفرقاً فقد شبّه الإيمان في علوّه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوى بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة» أ.هــــ.
- وفي هذا المثال والتشبيه البديع ما لا يخفى على أحد من اللمسات البيانيه ففيه:
· قوله تعالى : " فكأنما خرّ من السماء" والخُرور: السقوط ، تدل على الانحطاط أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر.
· قوله تعالى : { فتخطفه الطير} وقرأ نافع، وأبو جعفر { فتَخَطّفه } ــــ بفتح الخاء وتشديد الطاء مفتوحة ــــ مضارع خطّف المضاعف للمبالغة ، والخطف: أخذ شيء بسرعة سواء كان في الأرض أم كان في الجو ومنه تخطَّف الكرة ، وقرأه الجمهور ــــ بسكون الخاء وفتح الطاء مخففة ــــ مضارع خطف المجرّد ؛ ، يقال: خطفه: إذا سلبه، ومنه قوله: {َخطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ}"البقرة 20أي تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها مما يدل على تقبيح وتبشيع حالهم والتخويف من مصيرهم إذا بقوا على الشرك ولم يتوبوا منه.
· وقوله: { أو تهوي به الريح } تخيير في نتيجة التشبيه، كقوله: {أو كصيب من السماء} ، والهُوِيّ: نزول شيء من علو إلى الأرض ؛ أي تقذفه وترمي به ، والباء في { تهوي به } للتعدية مثلها في: ذهب به.
· وقوله : " في مكان سحيق" أي بعيد، يقال: سحق يسحق سحقاً فهو سحيق ؛ يعنـي من بعيد، من قولهم: أبعده الله وأسحقه، وفـيه لغتان: أسحقته الريح وسحقته، ومنه قـيـل للنـخـلة الطويـلة: نـخـلة سحوق ومنه قول الشاعر:
كانَتْ لَنا جارَةٌ فَأزْعَجَها
قاذُورَةٌ تَسْحَقُ النَّوَى قُدُمَا
، وقال الزجاج: أعلم الله أن بُعد من أشرك به من الحقّ، كبُعد ما خرّ من السماء، فتذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد.
- ومن بديع استدلالات واستنباطات العلماء من هذا المثل العظيم الذي ضربه الله والتصوير البديع الذي تنخلع له القلوب لحال المشرك :
- أن من كان هذا وصفه وهذه صفته فإنه لا يُرجى له خلاص ولا يُطمع له في نجاة، فهو هالك لا محالة، لأن من خر من السماء إلى الأرض لا يصل الأرض عادة إلا متمزق الأوصال، فإذا خطفت الطير أوصاله وتفرق في حواصلها، أو ألقته الريح في مكان بعيد فهذا هلاك محقق لا محيد عنه.
- أن الآيه أشارت إلى أن الكافرين قسمان: قِسم شِركه ذبذبة وشكّ، فهذا مشبّه بمن اختطفته الطير فلا يستولي طائر على مزعة منه إلاّ انتهبها منه آخر، فكذلك المذبذب متى لاح له خيال اتبعه وترك ما كان عليه ،
وقِسم مصمّم على الكفر مستقر فيه، فهو مشبّه بمن ألقته الريح في واد سحيق ، وهو إيماء إلى أن من المشركين من شِركُه لا يُرجى منه خلاص كالذي تخطفته الطير، ومنهم من شِركُه قد يخلُص منه بالتوبة إلا أن توبته أمر بعيد عسير الحصول " كما ذكر ذلك ابن عاشور في التحرير والتنوير".
- وأن المقصود من هذا المثل تقبيح حال الشِرك والمشركين ، والتخويف من مصيرهم المحتوم وبيان أن الوقوع فى الشرك يؤدى إلى الهلاك الذى لا نجاة معه بحال ؛ فالجملة الكريمة مقررة لوجوب اجتناب الشرك بأبلغ صورة وهذا يتسق مع المقصد العام لضرب الأمثال ولكن العبرة بمن يعلم ويفهم ويعقل عن الله ...." وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"...
- نسأل الله عز وجل أن يُعيذنا من الشرك وأهله وأن يجنبنا المعاصي ما ظهر منها وما بطن وأن يجعلنا من أهل القرآن العالِمين العاملين به...
- ملحوظة : أعتذر عن تأخري في إرسال المجلس وهو الرسالة بالأسلوب البياني وذلك لظروف سفري من الجمعه الماضيه وسينطبق نفس الأمر من التأخير للأسف على مجلس الأسلوب المقاصدي فأرجو التماس العذر وأعتذر عن عدم إبلاغي مسبقا عن ذلك.

المراجع:
- تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ).
- تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 ه].
- تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ".
- تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ].
- تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ].
- تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ ].





رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 شوال 1438هـ/22-07-2017م, 04:31 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم تطبيقات الأسلوب البياني


أحسنتم بارك الله فيكم وسدّدكم.
وفي الرسائل البيانية نوصي بالعناية بالتفاسير التي تعنى باللغة على وجه الخصوص كما وضّح لكم في الدرس.
وقد لوحظ على بعض الرسائل تناول تفصيلات لغوية لمعاني بعض الألفاظ وإعرابها لا تخدم الرسالة، وإنما نختار منها ما يبين المعنى فقط ويزيده إيضاحا، أما التفصيل اللغوي المجرّد فلا يعتبر تفسيرا بيانيّا.



1: عباز محمد أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
وأحيلك إلى (هنا) للاستزادة.

2: محمد شمس الدين فريد
بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني جدا على رسالتك القيّمة وجودة عرضها علميا والذي يدلّ على حسن فهمك لهذا الأسلوب، لكنك اعتمدت النقل في غالب الرسالة حتى جاءت عبارة عن تجميع وترتيب لكلام المفسّرين، والأولى أن تتفهّم المسائل ثم تعرضها بأسلوبك، وهذا هو مقصود هذه التطبيقات.
والاستعانة بكلام المفسّرين ليس مرفوضا بالكليّة، لكن يكون في حدود ما لا يتعارض مع ظهور أسلوب الكاتب وشخصيّته في الرسالة، لذا وحرصا منا على جني الفائدة أرجو إعادة كتابة الرسالة بأسلوبك والتقليل من النسخ الحرفي أو اختيار رسالة أخرى، وفقك الله وسدّدك.

3: فداء حسين أ+
أحسنت وتميّزت بارك الله فيك ونفع بك.
ونذكّر بضرورة إتقان قواعد الكتابة ليكتمل هذا التميّز بإذن الله.

4: مها الحربي ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
لكن يلاحظ أن المصادر قليلة جدا ولا تقوم وحدها بهذا النوع من الرسائل.
وفاتت مسأل أساسية في الآية كمعنى الفلاح، والوقوف مع دلالات الفعلين "زكّى" و"دسّى" فقد توسّعتِ في تفسيرهما بتفصيلات لغوية زائدة عن المطلوب والأولى الوقوف مع اللطائف المستفادة من اختيار هذين الفعلين على وجه الخصوص، وانتبهي إلى ضرورة التعليق على الأقوال، فاختلاف الأقوال في فاعل "زكّاها" و"دسّاها" كيف يمكن الجمع بينها؟ أم ما هو الراجح فيها؟

5: حليمة محمد أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

6: منال أنور أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
كلمة "نفي" مكانها خطأ في قولك: "
نفى توكيد الخبر زيادة قمع لهم"، والصواب: "في توكيد الخبر زيادة قمع لهم".

7: إشراقة جيلي محمد ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأوصيك بتوسيع دائرة مصادرك، والاجتهاد في تحرير الأقوال، وزيادة البيان والإيضاح، وفقك الله.

8: هدى محمد صبري ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأثني جدا على جهدك في الرسالة وحسن تحريرك للمسائل، لكن الملاحظ على الرسالة هو غياب أسلوب الكاتب، فهي أشبه بمجرّد السرد للأقوال، وقد تعلمنا أن مقصود الرسائل البيانية هو
التعريف ببلاغة القرآن، وبيان سعة معانيه، ودقة ألفاظه، وسر اختيار بعضها على بعض، وهذا كان يمكن أن يحصل بشيء من التعليق اليسير على المسائل والربط بينها وبيان صحّة حمل الآية على كثير من هذه المعاني الدالّة على سعة وشمول ألفاظ القرآن وأساليبه، أما الاقتصار على التفسير الإجمالي للآية بعد عرض المسائل فإنه يناقض البسط والبيان المطلوب في الرسائل البيانية، ولعل في مراجعة رسائل الزملاء ما يوضّح المقصود عمليا، وفقك الله.

9: رقية عبد البديع أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.

10: بيان الضعيان أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
وهناك مسائل أخرى مثل فائدة تقديم الجار والمجرور "عليهم"، ومعنى "الشيطان"، ومعنى الفاء "فأنساهم"، ومعنى اسم "الله" وإضافة الذكر إلى هذا الاسم على وجه الخصوص، ومعنى الخسران.
هذه المسائل تظهر لك بتأمّل الآية، لذلك نوصي الطالب بأن يتأمّل الآية أولا ويجتهد في استخراج مسائلها، فإن ذلك يعينه على توسيع محيط البحث خارج تفسير الآية نفسها، لأن بعض هذه المسائل قد تكون فصّلت في تفسير آيات أخرى.
وأثني على اجتهادك، وفقك الله.

11: إيمان شريف أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
مسألة معنى الحنيف تحتاج إلى بيان أكثر، ولعلك تراجعين تفسيرها في سورة البقرة وغيرها، والحنف وإن كان يحتمل الميل إلى أحد الطريقين أي الحقّ والباطل إلا أنه اشتهر في الميل إلى الحقّ، وكل مواضعه في القرآن دالّة على ذلك.



بارك الله فيكم ووفقكم لما يحبه ويرضاه

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 6 ذو القعدة 1438هـ/29-07-2017م, 06:04 PM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

قال تعالى على لسان رسله " وعلى الله فليتوكل المؤمنون . وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون "

تضمنت الآية الكريمة بيان لعدة الرسل ومن ثم الدعاة إلى الله في تبليغ دعوتهم وأداء مهمتهم التي كلفهم بها تبارك وتعالى وما به أعانهم عليها
كما بينت معنى التوكل وحقيقته وكيف يتمثله المؤمن في حياته في أسلوب قصصي يلفت الأنظار ويستحوذ على القلوب و يستقر في النفوس
وأنه من أهم وأول العبادات التي ذكرها تعالى عدة ومؤنة لرسله الكرام وزادا في طريق دعوتهم

فقوله تعالى " وعلى الله فليتوكل المؤمنون "
فليتوكل هنا مضارع مقترن بلام الأمر فهو أمر للمؤمنين كافة بالتوكل ويدخل فيه الرسل دخولا أوليا
والتوكل هو اعتماد القلب على الله في تحصيل ما ينفعه في دينه ودنياه ودفع ما يضره مع قطع الأمل من المخلوقين ثم الثقة في قدرة الله على تحصيل ذلك وفي حكمة الله البالغة وحسن عاقبته لعبده بأنه سيقدر له ما ينفعه ثم الرضا بقضاء الله لعبده في ذلك كله
وكما نرى أنه يتضمن اليقين بالله وحسن الظن به
فكأن دعوة الرسل لمن آمن معهم بدأت بتحقيق التوكل باليقين في الله عز وجل وفي موعوده وكمال تفويض الأمر له وبدأ به تذكيرا لهم بالثبات وألا يتعرض إيمانهم إلى زعزعة الشك فإنه مع تأكد وعد الله بأن العاقبة للمتقين إلا أن واقع الدعوة بما فيه من تكذيب للكفار وأذى منهم يحتاج من المؤمن أن يتوكل عليه تعالى في تحقيق النتيجة محسنا الظن به تعالى كما يحتاج إلى تركيز اليقين في نفس المؤمن وعدم زعزعته بتكذيب هؤلاء ومكر أولئك
فالتوكل يقوي قلب المؤمن بما يجعله لا يلتفت لأذى أحد أو مكابدته في طريق الدعوة إذ اليقين بالجزاء وحسن الظن بالله يجعل الروح محلقة لا تلتفت إلى الصور التي تبدو واقعا بل النظر بعيدا لوعد الله عز وجل مستفاد من ابن عاشور والزمخشري

وتقديم الجار والمجرور "على الله " على الفعل " فليتوكل "
لإفادة الحصر أي لا نتوكل إلا على الله فلا يرجون نصرا إلا منه قال ابن عاشور فيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله
وهذه علامة صدق التوكل وركنه الأكيد اليقين والثقة به تعالى والاعتماد كلية عليه وحده

والفاء في قوله: فليتوكل المؤمنون رابطة لجملة (ليتوكل المؤمنون) بما أفاده تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام. والتقدير: إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون، وإن خشيتم هؤلاء المكذبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوهم. وهذا كقوله تعالى: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ذكره ابن عاشور

"وما لنا ألا نتوكل على الله "
اختلف في "ما " على قولين
الأول : استفهامية للسؤال عن السبب والعذر أي عذر لنا في عدم التوكل عليه ذكره الآلوسي
الثاني :للاستفهام الإنكاري ؛ إنكار لعدم التوكل على الله أي أنه لما رأى الكفار في توكلهم حمق قالوا كيف لنا أن نترك التوكل على الله ؟ ذكره ابن عاشور
وعلى كلا المعنيين ففيه استدلال على صدق توكلهم وتأكيد رغبتهم فيه

وتكرار لفظ الجلالة بإظهاره في قوله " على الله " وعدم إضماره مع دلالة قوله " وعلى الله فليتوكل المؤمنون" عليه
لإظهار النشاط بالتوكل عليه جل وعلا والاستلذاذ باسمه تعالى ذكره الآلوسي فاستحضار اسمه يبعث في القلب من الجلال والعظمة والمحبة والرغبة إليه ما يعين على التوكل

"وقد هدانا سبلنا "
تعليل للتوكل عليه تعالى واطئمنانهم إلى سلامة مواقفهم فى تفويض أمورهم إلى الله فكان المعنى كما قال الشيخ سيد طنطاوي وما عذرنا إن تركنا التوكل على الله - تعالى - والحال أنه - عز وجل - قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه ، فقد هدانا لأقوم الطريق وأوضحها وأبينها ، وهى طريق إخلاص العبادة له والاعتماد عليه وحده فى كل شئوننا
وهو يقين بمنهجهم وطريقهم وأن الله تعالى هو من هداهم إليه بفضله وطالما أنه هداهم إليه فلن يحيد عنه أحد منهم وسيثبتهم عليه ويعينهم في الصبر على الأذى فيه كما ورد في الآية بعدها

" ولنصبرن على ما آذيتمونا "
كما أن فيه تيئيسا للكفار عن انصرافهم عن دعوتهم بل هم متمسكين بالطريق باقون عليه
قال ابن عاشور : وزادوا قومهم تأييسا من التأثر بالأذى فأقسموا على أن صبرهم على أذى قومهم سيستمر، فصيغة الاستقبال المستفادة من المضارع المؤكد بنون التوكيد في ولنصبرن دلت على أذى مستقبل. ودلت صيغة المضي المنتزع منها المصدر في قوله: ما آذيتمونا على أذى مضى. فحصل من ذلك معنى نصبر على أذى متوقع كما صبرنا على أذى مضى وهذا إيجاز بديع
والتعبير بالتوكيد القسمي هنا حيث نون التوكيد ولام القسم في "ولنصبرن " تثبيتا لنفوسهم أولا حيث كانت أذية الكفار مما يوجب القلق والاضطراب القادح في التوكل وهو مما أورده الآلوسي
والصبر عدة في طريق الدعوة وهو قرين التوكل فمن تيقن العاقبة صبر على البلاء في طريقها

"وعلى الله فليتوكل المتوكلون "
تكرار الآية قصر التوكل عليه تعالى وجوه
الأول :أن الأمر الأول لاستحداث التوكل ، والأمر الثاني للثبات عليه أي فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم وذلك أن المؤمن في طريق دعوته ينبغي أن يكون متوكلا على الله كما قدمت كذلك يحتاج لدوام تذكر تلك العبادة العظيمة ومجاهدة النفس عليها لتثبيت قلبه خصوصا مع الأذى والصد وإيقاع المكائد بالمؤمنين وعامة الألم الذي يلاقونه في سبيل دعوتهم
الثاني :كما يدل على عظم شأن التوكل والمتوكلين عند الله فالله عز وجل يحب المتوكلين

وذكر بعضهم أن من خواص هذه الآية دفع أذى البرغوث.
فقد أخرج المستغفري في الدعوات عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا آذاك البرغوث فخذ قدحا من ماء واقرأ عليه سبع مرات وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ الآية وتقول: إن كنتم مؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عنا ثم ترشه حول فراشك فإنك تبيت آمنا من شرها» . ذكره الآلوسي

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 7 ذو القعدة 1438هـ/30-07-2017م, 11:26 AM
فاطمة احمد صابر فاطمة احمد صابر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 370
افتراضي

المراجع
روح المعاني للآلوسي
الكشاف للزمخشري
التحرير والتنوير لابن عاشور
تفسير الطبري
الوسيط لسيد طنطاوي
العبادات القلبية لمحمد أشرف حجازي

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 14 ذو القعدة 1438هـ/6-08-2017م, 12:32 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب البياني


12: فاطمة أحمد صابر ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- ليس من الجيد قطع آخر الآية السابقة واعتباره أول الكلام في هذه الآية.
- توجد مسائل بحاجة إلى بيان، مثل:
معانى التوكّل والصبر والهداية والسبيل لغة، والمراد بالسبل والحكمة من إضافتها للضمير، والحكمة من اختيار وصف "المؤمنون" في الآية الأولى ولفظ "المتوكلون" في الآية الثانية.
- استوثقي من صحّة ما تذكرينه من أحاديث في رسالتك.
وواصلي التدرّب على كتابة الرسائل البيانية.
وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 24 ذو القعدة 1438هـ/16-08-2017م, 05:36 AM
مها محمد مها محمد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 251
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب البياني
رسالة في تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}
هذه الآية الكريمة في مطلع سورة الفرقان يظهر فيها جلياً براعة الاستهلال ، فهاهو القرآن يعجز الكفار ببلاغته وهم من هم في تمكنهم من اللغة العربية ، وتتجلى بلاغة القرآن في كل آية من آياته ، ونحن هنا في محاولة لإبراز ذلك من خلال إبحارنا في هذه الآية.
يقول الله تعالى: { تَبَارَكَ } ، هذا الفعل مختص بالله تعالى لم يستعمل لغيره، ولذلك لم ينصرف لمستقبل ولا اسم فاعل.
قال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة، والبركة كثرة الخير وزيادته.
والبركة الخير الذي ثبت ثبوتاً مع اليمن .
وعلى هذا فالفعل فيه معنيان: أحدهما: تزايد خيره وتكاثر، وهو المراد من قوله:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] والثاني: تزايد وتعالى عن كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو المراد من قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] وأما تعاليه سبحانه عن كل شيء في ذاته، فذلك بانفراده ووحدانيته عن مشابهة شيء من الممكنات، وأما تعاليه عن كل شيء في صفاته و أفعاله فذلك بتمام قدرته ولا تتم قدرته إلا بشمول علمه وبكمال حياته وقيوميته سبحانه وتعالى.
وقال آخرون: أصل الكلمة تدل على البقاء، وهو مأخوذ من بروك البعير، ومن بروك الطير على الماء، وسميت البركة بركة لثبوت الماء فيها، والمعنى أنه سبحانه وتعالى باق في ذاته أزلاً وأبداً ممتنع عليه التغير وباق في صفاته ممتنع التبدل،وبهذا نرى أن التعبير بهذا الفعل أفاد العلو في الذات والصفات والأفعال ،كما أفاد الزيادة في الجود والنفع واللطف والإحسان ،وأيضا أفاد ودوام وثبات الإنعام والعظمة ، فوجوهُ الثناء على الله تنحصر بهذه الأوجه الثلاثة: ثناء عليه بذكر ذاته وحقِّه، وثناء بذكر وصفه وعِزِّه، وثناء بذكر إحسانه وفضله الذي من أعظمه أن نزل هذا القرآن الفارق بين الحلال والحرام، والهدى والضلال، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، ؛فكلمة{ تَبَارَكَ } جمعت كل هذه المعاني.
ولما كان سبحانه وتعالى هو الخالق لوجوه المنافع والمصالح والمبقى لها وجب وصفه سبحانه بأنه {الَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ} والوصف بالاسم الموصول في هذا السياق يفيد التعظيم والفخر، وجاء الفعل مسنداً إلى الموصول { الذي } والصلة حقها أن تكون معلومة للسامع ، والكفار وإن كانوا لا يقرون بأنه تعالى هو الذي نزل الفرقان فقد قام الدليل على إعجازه فصارت الصلة معلومة بحسب الدليل ، وأيضا لكون الصلة من صفات الله عند المؤمنين وإن كان الكفار ينكرونها لكنهم يعرفون أن الرسول أعلنَها فالله معروف بذلك عندهم معرفة بالوجه لا بالكُنه الذي ينكرونه.
{ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ }{ نزَّل }في هذا السياق أبلغ من {أنزل} لأن نزَّل معناه الذي نزل مفرقاً بحسب المصالح فبعد نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا نزل مفرقاً بحسب المصالح وهذا يناسب الإنذار بالقرآن - الذي هو مقصد السورة – بل إن لفظ الإنذار موجود في الآية، لأن تكرار الإنذار أنفع وتفريقه في أوقات متراسلة أصدع للقلوب وأردع لذلك التعبير بالفعل {نزَّل} أبلغ وأنسب ،وتسمية القرآن ب {الفرقان}أشد مناسبةً لتكرار الإنذار.
{ فالفرقان} مصدر فرَّق وجُعل علماً بالغلبة على القرآن و{ال} التعريف لاستغراق صفات الجنس فوُصِف القرآن بذلك لصفات كثيرة منها ؛ لأنه نزل مفرقاً ، ولأنه سبحانه فرق به بين الحق والباطل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفرق به بين الحلال والحرام، وفرق به بين الملتبسات، فالقرآن لا يدع خفاء إلا بينه، ولاحقاً إلا أثبته، ولا باطلاً إلا نفاه ومحقه، وفيه انتظام الحياة الأولى والأخرى، فكان قاطعاً على علم منزله سبحانه.
كما أن إيثار اسم الفرقان بالذكر هنا للإيماء إلى أن ما سيذُكر في السورة من الدلائل على الوحدانيَّة وإنزال القرآن دلائل قيمة تفرّق بين الحق والباطل.
وظاهر قوله: { تبارك الذي نزل الفرقان } أنه إخبار عن عظمة الله وتوفر كمالاته لكن المقصود به التعليم والإيقاظ، ، فهو خبر بمعنى الإنشاء وهو أبلغ، وهوكناية عن إنشاء ثناء على الله تعالى؛ أنشأ الله به ثناءً على نفسه تعليماً لخلقه ، وهذا أشد بلاغة من الإنشاء نفسه ، وهو على طريقة الكلام العربي في إنشاء التعجب من صفات المتكلم في مقام الفخر والعظمة.
{ على عبده} {على} حرف يفيد الاستعلاء ؛ أفاد علو وعظمة القرآن ، و{ عبده }المراد النبي صلى الله عليه وسلم، والتعريف بالإضافة للضمير العائد على الله عز وجل يفيد تعظيم المضاف، والإيذان بكونه صلوات الله تعالى وسلامه عليه في أقصى مراتب العبودية ، كما يفيد التنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبداً للمرسل رداً على النصارى.
والعبودية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمعنى: أي النبي الذي لاأحد أحق منه بإضافته إلى ضميره الشريف؛ لأنه لم يحز مخلوق ما حاز من طهارة الشيم، وارتفاع الهمم، ولا شك أن الرسول دال على مرسله في مقدار علمه، وكثرة جنده، واتساع ملكه.
{ليكون للعالمين نذيراً} ثم علل إنزاله { ليَكُونَ } اسم يكون عائد على { عبده } ، وقيل على { ٱلْفُرْقَانَ } وإسناد الإنذار إليه مجاز.
فالمراد ليكون هذا العبد الرسول نذيراً للعالمين، وقول من قال: إنه راجع إلى الفرقان فأضاف الإنذار إليه بعيد؛ وذلك لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، وإذا وصف به القرآن فهو مجاز، وحمل كلام الله على الحقيقة إذا أمكن هو الواجب.
و هذه الآية تدل على أمور: الأول: أن العالم كل ما سوى الله تعالى ويتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، لكن من المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن رسولاً إلى الملائكة فوجب أن يكون رسولاً إلى الجن والإنس جميعاً، وهذا من باب العام الذي أريد به الخاص ، ويبطل بهذا قول من قال إنه كان رسولاً إلى البعض دون البعض ، والثاني: أن لفظ { ٱلْعَـاٰلَمِينَ } يتناول جميع المخلوقات، ف {ال} للاستغراق أي : استغراق أفراد الجنس ، فدلت الآية على أنه رسول للخلق إلى يوم القيامة، فوجب أن يكون خاتم الأنبياء والرسل.
تقديم الجار والمجرور { للعالمين} على متعلقه { نذيراً}أفاد التشويق والحصر على القول بأن العالمين هم الإنس والجن ممن عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.
{ نذيراً} بمعن منذر والنذير: المخبِر بسوء يقع، وهو فَعيل بمعنى مُفْعِل بصيغة اسم الفاعل مثل الحَكيم. والاقتصار في وصف الرسول هنا على النذير دون البشير لأن المقام هنا لتهديد المشركين إذ كذبوا بالقرآن وبالرسول عليه الصلاة والسلام ، كما أن الناس يغلب عليهم الشر؛ فالنذارة في حقهم أولى؛ لذلك اقتضى المقام ذكر النذارة دون البشارة، وفي ذلك اكتفاء لأن البشارة تخطر ببال السامع عند ذكر النذارة ، وهذا الإيجاز من البلاغة .
ونذيرا صفة مشبهة والتعبير بها يدل على ثبوت هذا الوصف واستقراره للنبي صلى الله عليه وسلم على الدوام ، كما أن نذيرا نكرة أفادت التعظيم .
وهكذا نرى أن هذه الآية على وجازتها مفعمة بأوجه البلاغة وحسن البيان، وتظهر بوضوح إعجاز القرآن اللغوي ،فسبحان من كان هذا كلامه، وكما قال القاضي ابن عطية صاحب التفسير لو نزعنا لفظة من آية ودرنا على كل مفردات اللغة العربية لنضع بديلا لها لا يمكن أن نجد أبداً أبلغ منها.
كما أن هذه الآية جمعت بين التنويه بشأن القرآن وأنه منزل من الله وتنويه بشأن النبي عليه الصلاة والسلام ورفعة منزلته عند الله وعموم رسالته.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------
المراجع
-- النكت والعيون للماوردي (ت450).
-تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) .
-
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
- تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ).
- تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ).
- اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ).
- فسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ)
- تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ)
-تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) .
-
التحرير والتنوير لابن عاشور ت (1393هـ).
--------

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 15 ذو الحجة 1438هـ/6-09-2017م, 11:27 PM
الصورة الرمزية محمد عبد الرازق جمعة
محمد عبد الرازق جمعة محمد عبد الرازق جمعة غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 510
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


تطبيق على الأسلوب البياني

تفسير قوله تعالى: (هو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم مت تفعلون)

v قبل الحديث عن ما في هذه الآية من الروائع البيانية واللمسات اللغوية التي ينبهر لها العقل ويحتار فيها القلب نقوم بعرض أقوال المفسرين في هذه الآية.
· يقول بن عاشور: أن الله من شأنه قبول توبة من يتوب من عباده ويعفو عما سلف من سيئاتهم وأن من شأنه الاستجابة للذين آمنوا وعملوا الصالحات من عباده وكل ذلك جري على عادة القرآن في تعقيب الترهيب بالترغيب وعكسه. وهذا كله يتضمن وعدا للمؤمنين بقبول إيمانهم وللعصاة بقبول توبتهم.

· ويقول السعدي: هذا بيان لكمال كرم الله تعالى وسعة جوده وتمام لطفه بقبول التوبة الصادرة عن عباده حين يقلعون عن ذنوبهم ويندمون عليها ويعزمون على أن لا يعاودونها، (يعفو عن السيئات) ويمحوها ويمحو أثرها من العيوب وما اقتضته من العقوبات ويحبه ويوفقه لما يقربه إليه.


· ويقول بن كثير: يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه: أنه من كرمه وحلمه أنه يعفو ويصفح ويغفر ويستر كقوله تعالى: (ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما). وهو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.

· ويقول الطبري: والله الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد الله وطاعته من بعد كفره (ويعفو عن السيئات) يقول: ويعفو له أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال وهي معاصيه التي تاب منها.


v نأتي الآن لذكر ما تحتويه هذه الآية الكريمة من اللمسات اللغوية والروائع البيانية:
· يقول بن عاشور: هذا الإخبار تعريض بالتحريض على مبادرة التوبة ولذلك جيء فيه بالفعل المضارع الصالح للاستقبال. وابتناء الأخبار بهذه الجملة على أسلوب الجملة الإسمية لإفادتها ثبات حكمها ودوامه. ومجيئ المسند اسم موصول لإفادة اتصاف الله تعالى بمضمون صلته وأنها شأن من شؤون الله تعالى عرف به ثابت له لا يختلف لأنه المناسب لحكمته وعظمة شأنه وغناه عن خلقه. وإيثار جملة الصلة بصيغة المضارع لإفادة تجدد مضمونه وتكرره ليعلموا أن ذلك وعد لا يتخلف ولا يختلف.

· ويقول أيضا: الفعل (قبل) يتعدى ب (من) كما في قوله تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم) وهنا يفيد المعنى الأخذ بالشيء المقبول صادرا من المأخوذ منه، ويعدى ب (عن) فيفيد معنى مجاوزة الشيء المقبول أو انفصاله عن معطيه وباذله، وهو أشد مبالغة في معنى الفعل من تعديه بحرف (من) لأن فيه كناية عن احتباس الشيء المبذول عند المبذول إليه بحيث لا يرد على باذله.


· ومن ذلك نجد أن جملة (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) فيها أربع مبالغات:
§ بناء الجملة على الإسمية (هو)
§ بناء الجملة على الموصولية (الذي)
§ بناء الجملة على المضارعية (يقبل)
§ تعدي الفعل (قبل) ب (عن) بدلا من (من)

· وذكر اسم العباد بدلا من (الناس أو التائبين) مثلا إيماء إلى أن الله رفيق بعباده بمقام العبودية فإن الخالق يحب صلاح مخلوقه.

· جملة (ويعلم ما تفعلون) معترضة بين المتعاطفات أو في موضع الحال والمقصود: أنهلا يخفى عليه شيء من أعمال عباده خيرها وشرها.


· وفي الوسيط: عدى ب (عن) للإشارة إلى تجاوزه سبحانه عن خطايا عباده. و (ما) في قوله: (ويعلم ما تفعلون) موصولة والعائد محذوف أي: يعلم الذي تفعلونه دون أن يخفى عليه شيء منه.

· وبخصوص الفعل (يقبل) ولماذا تعدى ب (عن) ولم يتعدى ب (من) فيقول الدكتور/ حسام النعيمي: بالعودة إلى جميع الآيات التي فيها كلمة (قبل) مع التوبة في القرآن الكريم لوحظ أن كلمة (عن) تستعمل حينما يكون الكلام هو عوده إلى الله سبحانه وتعالى والمتكلم المباشر هو الله أو هو معلوم عن طريق الغيبة (هو) لرفع الشأن والمقام. والمواطن الأخرى ليس فيها هذه الظاهرة.


· لتوضيح الفرق بين (من) و (عن) نطرح هذا المثال: عندما نقول: (فلان كان يمشي بسيارته وخرج من الطريق السريع) معناه وجد مخرجا متصلا بالطريق السريع ولكن لو قيل: (فلان كان يمشي بسيارته وخرج عن الطريق السريع) معناه أنه أنحرف كأنما انقلبت سيارته. ويتضح من المثال أن (من) لابتداء الشيء و (عن) لمجاوزته. ف (من) تعني بقاء الصلة ولو متخيلة و(عن) ففيها انقطاع كقوله تعالى: (يضلون عن سبيل الله).
وهذا الانقطاع مقصود حتى ترتقي التوبة لله تعالى ويقبلها ولا تعود متصلة بالعبد.

والفعل (قبل) أستعمل استعمالات متعددة في القرآن الكريم بهذه الصورة بعده حرف جر فوردت (يقبل عن) في ثلاثة مواضع:
§ (أولئك اللذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون)
§ (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم)
§ (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون)
هذه الآيات الثلاثة فيها نسبة قبول التوبة إلى الله سبحانه وتعالى إما بالحديث مباشرة (نتقبل منهم) أو على سبيل الغيبة وهو سبحانه المتحدث فقال (عن) حتى تنفصل لأنها تعود إلى الله تعالى.

المراجع :
جامع البيان في تأويل القرآن للطبري ت (310هـ)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ت ( 671هـ)
تفسير الطنطاوي ت (2010م)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير ت (774هـ)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي ( 1376 هـ)
تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور (1973 م)

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 16 ذو الحجة 1438هـ/7-09-2017م, 12:38 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب البياني

مها محمد أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتك بيان معنى العبودية.

محمد عبد الرازق جمعة ج
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- لعلك تذكر ما نبّهنا إليه في تقويم تطبيق أسلوب التقرير العلمي وهو تلخيص كلام المفسّرين بعبارة جامعة وعدم تكرار كلامهم المتّفق معنى وإن اختلفوا في ألفاظهم.
- يلاحظ عدم ترتيبك للفوائد، فقد تتكلم عن الفائدة الواحدة في مواضع مختلفة، والواجب ترتيب المسائل والتخطيط لعرض الرسالة ابتداء.
- أكثرت من النقل عن المفسّرين، والأولى تلخيص ما فهمته من كلامهم بأسلوبك ما استطعت.
- غالب رسالتك ركّزت على الثلث الأول من الآية، وقد أحسنت فيه، وبقي الكثير من مسائلها لم تتعرّض له مما أثّر على تقويم الرسالة، فلعلك تراجعها لاحقا.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 07:40 PM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

بسم الله و الحمد لله و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد فهذا تفسير لآية مباركة من سورة الذاريات:"{ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }.

*و في السماء رزقكم:
هذا الأسلوب يُسمَّى في البلاغة أسلوبَ قصر، بتقديم الجار والمجرور على المبتدأ، أي أن الرزق في السماء فقط لا في غيرها.
ذكره الشعراوي

*السماء لغة: سما الشيء يسمو و سموا أي ارتفع، و السماء سقف كل شيء و كل بيت من كتاب العين للخليل، و في لسان العرب السماء كل ما علاك فأطلك، و منه قيل لسقف البيت سماء.

* معاني الرزق متعددة:
أحدهما: ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق فهو رزق لهم من السماء، قاله سعيد بن جبير والضحاك.

الثاني: يعني أن من عند الله الذي في السماء رزقكم.

ويحتمل وجهاً ثالثاً: وفي السماء تقدير رزقكم وما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب.
هذا ذكره الماوردي في النكت و العيون

و أضاف الألوسي وجها رابعا لمعنى الرزق
فقال أن تقديره، أو أسباب رزقكم من النيرين (الشمس و القمر)والكواكب والمطالع / والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادي الرزق إلى غير ذلك.

و هنا لمحة بيانية لتفسير هذه الآية و فيها وجهين:

فإن كان المعنى بالسماء السماء الدنيا كما دل عليه المفهوم اللغوي، فإن معنى الرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان من مطر و كواكب و شمس و قمر و غيرها من الأرزاق التي في السماء التي لم يمكن للإنسان عقلها و لا عدها و التي أثبت العلم الحديث وجودها في الغلاف الجوي للسماء الدنيا.

و إن كان معنى السماء هي السماوات السبع فإن معنى الرزق هي ما قسمه الله و كتبه لنا في اللوح المحفوط من قبل أن نخلق.
وقد وردت قصص تدل على أن هذا الرأي هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع، فمن ذلك ما ذكره غير واحد عن سفيان الثوري أنه قال: قرأ واصل الأحدب هذه الآية { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] فقال: ألا أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خربة يمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً، فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن منه نية، فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت.

ومن ذلك أيضاً: ما ذكره الزمخشري في تفسير هذه الآية قال: وعن الأصمعي قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت من موضع يتلى فيه كلام الرحمان. فقال: اتل علي فتلوت: والذاريات فلما بلغت قوله تعالى: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } قال: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل أصغر فسلم علي واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }
[الذاريات: 23] فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى الجؤوه إلى اليمين، قائلاً ثلاثاً، وخرجت معها نفسه انتهى.

و ما توعدون:
أحدها: من خير وشر، قاله مجاهد.
استدل على هذا لغويا بن عاشور في التحرير و التنوير فقال:
وفي إيثار صيغة { تُوعَدون } خصوصية من خصائص إعجاز القرآن، فإن هذه الصيغة صالحة لأن تكون مصوغة من الوعد فيكون وزن { توعدون } تفعلون مضارع وعَد مبنياً للنائب. وأصله قبل البناء للنائب تَعدون وأصله تَوْعَدُون، فلما بني للنائب ضُمّ حرف المضارعة فصارت الواو الساكنة مَدة مجانسة للضمة فصار: تُوعدون. وصالحة لأن تكون من الإيعاد ووَزنه تأفْعَلُون مثل تصريف أكرم يكرم وبذلك صار { توعدون } مثل تُكرمَون، فاحتملت للبشارة والإنذار.

الثاني: من جنة ونار، قاله الضحاك.
و قال الشنقيطي: { وَمَا تُوعَدُونَ } ، ما، في محل رفع عطف على قوله: { رِزْقُكُمْ } ، والمراد بما يوعدون، قال بعض أهل العلم: الجنة، لأن الجنة فوق السماوات، فإطلاق كونها في السماء إطلاق عربي صحيح، لأن العرب تطلق السماء على كل ما علاك كما قيل:
وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
ولما حكى النابغة الجعدي شعره المشهور، قال فيه:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال له صلى الله عليه وسلم: " إلى أين يا أبي ليلى " قال: إلى الجنة، قال: " نعم إن شاء الله ".


الثالث: من أمر الساعة، قاله الربيع.
و الدليل قوله تعالى:"{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم }
[الدخان: 10، 11]. فإن ذلك الدخان كان في طبقات الجو كما تقدم في سورة الدخان.
ذكره بن عاشور

*"فورب السماء و الأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"
فورب السماوات و الأرض: أقسم الله في أول السورة الذاريات ببعض مخلوقاته ثم أقسم قسما عظيما بنفسه الكريمة و أنه رب السماوات و الأرض قسما يدخل على نفوس سامعيها المهابة و الرهبة من عظمة الله عز و جل.
إنه لحق: قيل في الضمير "ه" في إنه، أقوال فقيل:
1-{ ما توعدون }[الذاريات: 22]. وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورة{ إن ما توعدون لصادق }و هذا قول بن عاشور.
2-على ما تقدم، فإما له أو للرزق، أو لله تعالى، أو للنبـي صلى الله عليه وسلم، أو للقرآن، أو للدين{ إِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ }[الذاريات: 6] أو لليوم المذكور في{ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدّينِ }[الذاريات: أولجميع المذكور.
ذكره الألوسي
و تحتمل كل هذه الأقوال.

وقوله: { مثل ما أنكم تنطقون } زيادة تقرير بمثال محسوس و هي نطق السامعين، أي تيقن من أن هذا الأمر سيقع مثلما أنك تتكلم و تنطق أيها الإنسان
.و قال بن عاشور "وهذا نظير قولهم: كما أن قبلَ اليوم أمس، أو كما أن بعد اليوم غداً. وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة، ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير:
فهن ووادِي الرسّ كاليد للفم
وقولهم: مثل ما أنك ها هنا، وقولهم: كما أنك ترى وتسمع."

و في هذه نلتمس قوة البيان القرآني في تقرير الأمر بالأساليب العربية المتعددة المتنوعة من قسم و تأكيد و توكيد و مثال محسوس و غير ذلك، مما يفسر لنا عجز العرب أمام هذا القرآن العظيم رغم نبوغهم في علوم اللغة العربية.

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 11:52 PM
زينب الجريدي زينب الجريدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2015
المشاركات: 188
افتراضي

المراجع
جامع البيان للطبري
تفسير القرآن الكريم لابن كثير
النكت و العيون للماوردي
روح المعاني للألوسي
التحرير و التنويرلمحمد الطاهر بن عاشور
أضواء البيان في تفسير القرآن لمحمد أمين الشنقيطي
خواطر محمد متولي الشعراوي
معجم العين للخليل الفراهيدي
معجم لسان العرب لابن ناظور

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 3 ربيع الأول 1439هـ/21-11-2017م, 01:11 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زينب الجريدي مشاهدة المشاركة
بسم الله و الحمد لله و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد فهذا تفسير لآية مباركة من سورة الذاريات:"{ وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }.

*و في السماء رزقكم:
هذا الأسلوب يُسمَّى في البلاغة أسلوبَ قصر، بتقديم الجار والمجرور على المبتدأ، أي أن الرزق في السماء فقط لا في غيرها.
ذكره الشعراوي

*السماء لغة: سما الشيء يسمو و سموا أي ارتفع، و السماء سقف كل شيء و كل بيت من كتاب العين للخليل، و في لسان العرب السماء كل ما علاك فأطلك، و منه قيل لسقف البيت سماء.

* معاني الرزق متعددة:
أحدهما: ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق فهو رزق لهم من السماء، قاله سعيد بن جبير والضحاك.

الثاني: يعني أن من عند الله الذي في السماء رزقكم.

ويحتمل وجهاً ثالثاً: وفي السماء تقدير رزقكم وما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب.
هذا ذكره الماوردي في النكت و العيون

و أضاف الألوسي وجها رابعا لمعنى الرزق
فقال أن تقديره، أو أسباب رزقكم من النيرين (الشمس و القمر)والكواكب والمطالع / والمغارب التي تختلف بها الفصول التي هي مبادي الرزق إلى غير ذلك.

و هنا لمحة بيانية لتفسير هذه الآية و فيها وجهين:

فإن كان المعنى بالسماء السماء الدنيا كما دل عليه المفهوم اللغوي، فإن معنى الرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان من مطر و كواكب و شمس و قمر و غيرها من الأرزاق التي في السماء التي لم يمكن للإنسان عقلها و لا عدها و التي أثبت العلم الحديث وجودها في الغلاف الجوي للسماء الدنيا.

و إن كان معنى السماء هي السماوات السبع فإن معنى الرزق هي ما قسمه الله و كتبه لنا في اللوح المحفوط من قبل أن نخلق.
وقد وردت قصص تدل على أن هذا الرأي هو الذي يتبادر إلى ذهن السامع، فمن ذلك ما ذكره غير واحد عن سفيان الثوري أنه قال: قرأ واصل الأحدب هذه الآية { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [الذاريات: 22] فقال: ألا أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خربة يمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً، فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن منه نية، فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت.

ومن ذلك أيضاً: ما ذكره الزمخشري في تفسير هذه الآية قال: وعن الأصمعي قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت من موضع يتلى فيه كلام الرحمان. فقال: اتل علي فتلوت: والذاريات فلما بلغت قوله تعالى: { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } قال: حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل أصغر فسلم علي واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت{ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }
[الذاريات: 23] فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى الجؤوه إلى اليمين، قائلاً ثلاثاً، وخرجت معها نفسه انتهى.

و ما توعدون:
أحدها: من خير وشر، قاله مجاهد.
استدل على هذا لغويا بن عاشور في التحرير و التنوير فقال:
وفي إيثار صيغة { تُوعَدون } خصوصية من خصائص إعجاز القرآن، فإن هذه الصيغة صالحة لأن تكون مصوغة من الوعد فيكون وزن { توعدون } تفعلون مضارع وعَد مبنياً للنائب. وأصله قبل البناء للنائب تَعدون وأصله تَوْعَدُون، فلما بني للنائب ضُمّ حرف المضارعة فصارت الواو الساكنة مَدة مجانسة للضمة فصار: تُوعدون. وصالحة لأن تكون من الإيعاد ووَزنه تأفْعَلُون مثل تصريف أكرم يكرم وبذلك صار { توعدون } مثل تُكرمَون، فاحتملت للبشارة والإنذار.

الثاني: من جنة ونار، قاله الضحاك.
و قال الشنقيطي: { وَمَا تُوعَدُونَ } ، ما، في محل رفع عطف على قوله: { رِزْقُكُمْ } ، والمراد بما يوعدون، قال بعض أهل العلم: الجنة، لأن الجنة فوق السماوات، فإطلاق كونها في السماء إطلاق عربي صحيح، لأن العرب تطلق السماء على كل ما علاك كما قيل:
وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
ولما حكى النابغة الجعدي شعره المشهور، قال فيه:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال له صلى الله عليه وسلم: " إلى أين يا أبي ليلى " قال: إلى الجنة، قال: " نعم إن شاء الله ".


الثالث: من أمر الساعة، قاله الربيع.
و الدليل قوله تعالى:"{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم }
[الدخان: 10، 11]. فإن ذلك الدخان كان في طبقات الجو كما تقدم في سورة الدخان.
ذكره بن عاشور

*"فورب السماء و الأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"
فورب السماوات و الأرض: أقسم الله في أول السورة الذاريات ببعض مخلوقاته ثم أقسم قسما عظيما بنفسه الكريمة و أنه رب السماوات و الأرض قسما يدخل على نفوس سامعيها المهابة و الرهبة من عظمة الله عز و جل.
إنه لحق: قيل في الضمير "ه" في إنه، أقوال فقيل:
1-{ ما توعدون }[الذاريات: 22]. وهذا من ردّ العجز على المصدر لأنه رد على قوله أول السورة{ إن ما توعدون لصادق }و هذا قول بن عاشور.
2-على ما تقدم، فإما له أو للرزق، أو لله تعالى، أو للنبـي صلى الله عليه وسلم، أو للقرآن، أو للدين{ إِنَّ الدّينَ لَوَاقِعٌ }[الذاريات: 6] أو لليوم المذكور في{ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدّينِ }[الذاريات: أولجميع المذكور.
ذكره الألوسي
و تحتمل كل هذه الأقوال.

وقوله: { مثل ما أنكم تنطقون } زيادة تقرير بمثال محسوس و هي نطق السامعين، أي تيقن من أن هذا الأمر سيقع مثلما أنك تتكلم و تنطق أيها الإنسان
.و قال بن عاشور "وهذا نظير قولهم: كما أن قبلَ اليوم أمس، أو كما أن بعد اليوم غداً. وهو من التمثيل بالأمور المحسوسة، ومنه تمثيل سرعة الوصول لقرب المكان في قول زهير:
فهن ووادِي الرسّ كاليد للفم
وقولهم: مثل ما أنك ها هنا، وقولهم: كما أنك ترى وتسمع."

و في هذه نلتمس قوة البيان القرآني في تقرير الأمر بالأساليب العربية المتعددة المتنوعة من قسم و تأكيد و توكيد و مثال محسوس و غير ذلك، مما يفسر لنا عجز العرب أمام هذا القرآن العظيم رغم نبوغهم في علوم اللغة العربية.



أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

الملحوظة الرئيسة على رسالتك هي كثرة الاعتماد على النسخ من تفاسير الأئمة، ونحنُ نريد تنمية مهارة الكتابة لدى الطالب إذ هو مفسر الغد بإذن الله، فينبغى أن يكون لديكِ أسلوبكِ الخاص، فاجمعي ما شاء الله لكِ أن تجمعيه من عبارات الأئمة واجعليها في مسودة رسالتك، ثم اكتبي بأسلوبكِ أنتِ الرسالة مستخدمة الأسلوب المطلوب واستشهدي فقط في مواضع الاستشهاد، مثل الاستشهاد بحديث أو أثر، أو الاستدلال على قاعدة لغوية بما توفر لكِ من شعر العرب.



الملحوظة الأخرى : في بعض المواضع بينتِ نوع الأسلوب لكن لم تبيني أثره على المعنى، مثل فائدة تقديم الجار والمجرور على المبتدأ في قوله تعالى :{ وفي السماء رزقكم }، والمطلوب بيان أثره على المعنى ووجه البلاغة فيه.
- احرصي على عزو الأحاديث والآثار التي توردينها وبيان الحكم عليها من حيث الصحة والضعف.

- بعض المسائل التي قمتِ بتحرير الأقوال فيها هي في الحقيقة لا خلاف فيها، وكان الأولى هنا - إذ المقام ليس مقام تقرير علمي وإنما بياني - تفسيرها بما يظهر ترابط الأقوال.
فالأقوال في بيان نائب الفاعل للفعل " توعدون " هي في الحقيقة واحد، لذا كان من الممكن الانطلاق من قول ابن عاشور في بيان بلاغة استخدام هذا الفعل خاصة للقول بأن هذا الخير يمكن أن يكون الجنة والشر يمكن أن يكون النار، وأن هذا من باب ضرب المثال ، لبيان ما يجري من أمور عند قيام الساعة. ..


التقويم : د+

أرجو - إن أمكنكِ - إعادة النظر في الرسالة وصياغتها، فهي رسالة قيمة ، ونحن كأمة بحاجة لعقل معاني هاتين الآيتين وتطبيقهما في حياتنا.

وفقكِ الله وسددكِ.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:27 AM
الصورة الرمزية ابتهال عبدالمحسن
ابتهال عبدالمحسن ابتهال عبدالمحسن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 399
افتراضي

الأسلوب البياني

رسالة في تفسير قوله تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"

ختم الله سبحانه وتعالى بهذه الآيات سورة الفجر ، تضمنت بشارة للمؤمنين بعد انذارهم ،وهذا من اساليب القرآن فبعد البشارة نذارة أو العكس ، فهو يزيد الرهبة والرغبة في نفوس الناس ، تضمنت هذه الآيات وصفا لحال المؤمن ومصيره ، فقال سبحانه وتعالى :

" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) "
- فهذا القول يصدر من الله تعالى بالذات إكراما له كما كلم موسى عليه السلام ، أوعلى لسان ملك .
- فيخاطب تلك النفس التي اطمأنت لكتاب الله ومن معرفة الله تعالى ، فاستغنت به عما سواه واطمأنت به ، أو النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن،ويشهد بقراءة أُبي بن كعب :"يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ".

"ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)"
- الرجوع إلى الله المقصود إلى الجنة ، فكأنها شبهت بمنزل للنفس المخاطبة لأنها استحقته بوعد الله تعالى على أعمالها الصالحه ، فكأنها كانت مغتربة عن في الدنيا فقيل : ارجعي إليها.
- ويجوز أن تكون الآية مستأنفة على ذكر عذاب الإنسان المشرك ، فيكون الخطاب من الله تعالى للنفوس المؤمنة.
والرجوع إلى الله تعالى مقيد بالحالين بعده راضية ومرضية ،فهو :
- (راضِيَةً) بما أوتيتِ من النعيم المقيمِ ،(مَرْضِيَّةً) عند الله عز وجل.
- قيل نزلت هذه الآيات في حمزة رضي الله تعالى عنه، وقيل: في خبيب وضي الله عنه لما صلبه المشركون.

" فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)"
- فصل الله تعالى بعد الإجمال لتكرير إدخال السرور على النفس المؤمنة .
- أي ادخلي في زمرة عبادي الصالحين المخلصين لي، وانتظمي في سلكهم وكوني في جملتهم.
- إشارة إلى السعادة الروحانية لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح.

"وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"
- إضافة "جنة" إلى ضمير الجلالة إضافة تشريف ، كقوله :"فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ" [الْقَمَر: 55] .
- تكرير فعل "وادخلي " للاهتمام بالدخول بخصوصه تحقيقا للسرور لهم.
- الأمر بدخول الجنة إشارة إلى السعادة الجسمانية .

واقول كما قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ،عن أَبُو أُمَامَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ لِرَجُلٍ : " قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَفْسًا بِكَ مُطْمَئِنَّةً ، تُؤْمِنُ بِلِقَائِكَ ، وَتَرْضَى بِقَضَائِكَ , وَتَقْنَعُ بِعَطَائِكَ " .

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابتهال عبدالمحسن
ابتهال عبدالمحسن ابتهال عبدالمحسن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 399
افتراضي

الأسلوب البياني

رسالة في تفسير قوله تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"

ختم الله سبحانه وتعالى بهذه الآيات سورة الفجر ، تضمنت بشارة للمؤمنين بعد انذارهم ،وهذا من اساليب القرآن فبعد البشارة نذارة أو العكس ، فهو يزيد الرهبة والرغبة في نفوس الناس ، تضمنت هذه الآيات وصفا لحال المؤمن ومصيره ، فقال سبحانه وتعالى :

" يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) "
- فهذا القول يصدر من الله تعالى بالذات إكراما له كما كلم موسى عليه السلام ، أوعلى لسان ملك .
- فيخاطب تلك النفس التي اطمأنت لكتاب الله ومن معرفة الله تعالى ، فاستغنت به عما سواه واطمأنت به ، أو النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن،ويشهد بقراءة أُبي بن كعب :"يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة ".

"ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)"
- الرجوع إلى الله المقصود إلى الجنة ، فكأنها شبهت بمنزل للنفس المخاطبة لأنها استحقته بوعد الله تعالى على أعمالها الصالحه ، فكأنها كانت مغتربة عن في الدنيا فقيل : ارجعي إليها.
- ويجوز أن تكون الآية مستأنفة على ذكر عذاب الإنسان المشرك ، فيكون الخطاب من الله تعالى للنفوس المؤمنة.
والرجوع إلى الله تعالى مقيد بالحالين بعده راضية ومرضية ،فهو :
- (راضِيَةً) بما أوتيتِ من النعيم المقيمِ ،(مَرْضِيَّةً) عند الله عز وجل.
- قيل نزلت هذه الآيات في حمزة رضي الله تعالى عنه، وقيل: في خبيب وضي الله عنه لما صلبه المشركون.

" فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)"
- فصل الله تعالى بعد الإجمال لتكرير إدخال السرور على النفس المؤمنة .
- أي ادخلي في زمرة عبادي الصالحين المخلصين لي، وانتظمي في سلكهم وكوني في جملتهم.
- إشارة إلى السعادة الروحانية لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح.

"وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)"
- إضافة "جنة" إلى ضمير الجلالة إضافة تشريف ، كقوله :"فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ" [الْقَمَر: 55] .
- تكرير فعل "وادخلي " للاهتمام بالدخول بخصوصه تحقيقا للسرور لهم.
- الأمر بدخول الجنة إشارة إلى السعادة الجسمانية .

واقول كما قال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ،عن أَبُو أُمَامَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ لِرَجُلٍ : " قُلِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَفْسًا بِكَ مُطْمَئِنَّةً ، تُؤْمِنُ بِلِقَائِكَ ، وَتَرْضَى بِقَضَائِكَ , وَتَقْنَعُ بِعَطَائِكَ " .


---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المراجع :
- حاشيه الشهاب علي تفسير البيضاوي .
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور.
- تفسير أبي السعود.
- روح المعاني، تفسير الألوسي .
- حاشية الطيبي على الكشاف.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir