دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 10:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الكتاب الثاني: في السنة

الكتاب الثاني: في السنة
وَهِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالُهُ.
الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ ولا صغيرة وَسَهْوًا وِفَاقًا للأُسْتَاذِ وَالشِّهْرِسْتَانِيّ وَعِيَاضٌ وَالشَّيْخُ الإِمَامُ.
فَإِذَنْ لَا يُقِرُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ وَسُكُوتُهُ بلا سبب وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الفِعْلِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الإِنْكَارُ، وَقِيلَ إلَّا الكَافِرَ وَلَوْ مُنَافِقًا وَقِيلَ إلَّا الكَافِرَ غَيْرَ المُنَافِقِ دَلِيلُ الجَوَازِ للفَاعِلِ، وَكَذَا لْغَيْره خِلَافًا للقَاضِي وَفِعْلُهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ للعِصْمَةِ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنُّدْرَةِ، وَمَا كَانَ جِبِلِّيًّا أَوْ بَيَانًا، أَوْ مُخَصَّصًا بِهِ فَوَاضِحٌ وَفِيمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الجِبِلِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ كَالحَجِّ رَاكِبًا تَرَدُّدٌ، وَمَا سِوَاهُ إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ في الأصح.
وَتُعْلَمُ بِنَصٍّ وَتَسْوِيَةٌ بِمَعْلُومِ الجِهَةِ وَوُقُوعِهِ بَيَانًا أَوْ امْتِثَالاً لَدَالٍّ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَيَخُصُّ الوُجُوبَ أَمَارَاتُهُ كَالصَّلَاةِ بِالأَذَانِ، وَكَوْنُهُ مَمْنُوعًا لَوْ لَمْ يَجِبْ كَالخِتَانِ وَالحَدِّ وَالنَّدْبَ مُجَرَّدُ قَصْدِ القُرْبَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَإِنْ جُهِلَتْ فَللوُجُوبِ وَقِيلَ لِلنَّدْبِ وَقِيلَ للإِبَاحَةِ وَقِيلَ بِالوَقْفِ فِي الكُلِّ وَفِي الأَوَّلَيْنِ مُطْلَقًا، وَفِيهِمَا إنْ ظَهَرَ قَصْدُ القُرْبَةِ.

  #2  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


الجزء الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم


(الكتاب الثاني ): في السنة

(وَهِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالُهُ) وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ ; لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَشْرَكُ السُّنَّةُ فِيهَا الْكِتَابَ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِتَوَقُّفِ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِهَا ذَاكِرًا جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْصُومُونَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ أَصْلًا لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا (وِفَاقًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إسْحَاقٍ الْإسْفَرايِينِيِّ (وَ) أَبِي الْفَتْحِ (الشِّهْرِسْتَانِيّ) (وَ) الْقَاضِي (عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ ، لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ سَهْوًا لَا الدَّالَّةِ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ وَيُنَبَّهُونَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّعَ عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِذَنْ لَا يُقِرُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ وَسُكُوتُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الْفِعْلِ) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ (مُطْلَقًا. وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الْإِنْكَارُ) بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَ (مُنَافِقًا) لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ غَيْرَ الْمُنَافِقِ) لِأَنَّ الْمُنَافِقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الظَّاهِرِ (دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْفَاعِلِ) أَيْ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفِعْلِ تَقْرِيرٌ لَهُ (وَكَذَا الْغَيْرُ) أَيْ غَيْرُ الْفَاعِلِ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ قَالَ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ فَيَعُمَّ.
(وَفِعْلُهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (غَيْرُ مُجَرَّمٍ لِلْعِصْمَةِ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنُّدْرَةِ) بِضَمِّ النُّونِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ مِنْ التَّقِيِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ مِنْهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مِثْلُ الْمَكْرُوهِ أَوْ مُدْرَجٌ فِيهِ (وَمَا كَانَ) مِنْ أَفْعَالِهِ (جِبِلِّيًّا) كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (أَوْ بَيَانًا) كَقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْقَطْعِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: رُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا مِنْ الْمِفْصَلِ} (أَوْ مُخَصَّصًا بِهِ) كَزِيَادَتِهِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (فَوَاضِحٌ) أَنَّ الْبَيَانَ دَلِيلٌ فِي حَقِّنَا، وَغَيْرُهُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ (وَفِيمَا تَرَدَّدَ) مِنْ فِعْلِهِ (بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ كَالْحَجِّ رَاكِبًا تَرَدُّدٌ) نَاشِئٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْجِبِلِّيِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، فَيُسْتَحَبُّ لَنَا (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي فِعْلِهِ (إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ (فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عِبَادَةً كَانَ أَوْ لَا. وَقِيلَ: مِثْلُهُ فِي الْعِبَادَةِ فَقَطْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ كَمَجْهُولِ الصِّفَةِ وَسَيَأْتِي
(وَتُعْلَمُ) صِفَةُ فِعْلِهِ (بِنَصٍّ) عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا (وَتَسْوِيَةٌ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) كَقَوْلِهِ هَذَا الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِكَذَا فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ (وَوُقُوعِهِ بَيَانًا أَوْ امْتِثَالًا لَدَالٍّ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُمْتَثَلِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذِكْرِ الْبَيَانِ هُنَا مَعَ ذِكْرِهِ قَبْلُ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ (وَيَخُصُّ الْوُجُوبَ) عَنْ غَيْرِهِ (أَمَارَاتُهُ كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَاجِبَةٌ وَمَا لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (مَمْنُوعًا) مِنْهُ (لَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْخِتَانِ وَالْحَدِّ) ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ. وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الْوُجُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأَمَارَةِ لِدَلِيلٍ كَمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) يَخُصُّ (النَّدْبَ) عَنْ غَيْرِهِ (مُجَرَّدُ قَصْدِ الْقُرْبَةِ) عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (كَثِيرٌ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ (وَإِنْ جُهِلَتْ) صِفَتُهُ (فَلِلْوُجُوبِ) فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا ; لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ (وَقِيلَ لِلنَّدْبِ) ; لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ) ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) لِتَعَارُضٍ أَوْجُهِهِ (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) فَقَطْ (مُطْلَقًا) ; لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِيهِمَا) فَقَطْ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ) وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ سَوَاءٌ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ أَوْ لَا، وَمُجَامَعَةُ الْقَرِينَةِ لِلْإِبَاحَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ بَيَانَ الْجَوَازِ لِلْأُمَّةِ فَيُثَابَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الَّذِي هُوَ سَهْوٌ كَمَا رَأَيْتهمَا فِي خَطِّهِ مَشْطُوبًا عَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا مُلْحَقًا بَدَلَهُ الْأَوَّلُ.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) الكتاب الثاني في السنة.

وهي أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله.
(ش) المراد بأقواله: التي ليس على وجه الإعجاز ويدخل في الأفعال التقرير، لأنه كف عن الإنكار، والكف فعل على المختار، فكان ينبغي أن يزيد وهمه، وقد احتج (الشافعي رضي الله عنه، في الجديد على استحباب تنكيس الرداء في خطبة الاستسقاء بجعله= أعلاه أسفله لحديث) إنه صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها يجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه فجعلوا ما هم به ولم يفعله سنة، وقد سبقت مباحث الأقوال من الأمر والنهي والعام والخاص والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، والكلام الآن في الأفعال.
(ص) الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون لا يصدر عنهم ذنب ولو صغيرة سهوا وفاقا للأستاذ والشهرستاني وعياض والشيخ الإمام.
(ش) أي لا يصدر عنهم ذنب لا صغيرة ولا كبيرة لا عمدا ولا سهوا بل طهر الله تعالى ذواتهم عن جميع النقائض=.
ونقله ابن برهان عن اتفاق المحققين، لأنا أمرنا باتباعهم في أفعاله وآثارهم وسيرهم، أمرا مطلقا من غير إلزام قرينة، وما ورد مما يخالفه حمل على أنهم فعلوه بتأويل، ومنهم من يحمله على ما قبل النبوة وهذه الطريقة يجب اعتقادها وإطراح ما عداها، فجزى الله تعالى المصنف خيرا بالجزم بها.
(ص) فإذا لا يقر محمد صلى الله عليه وسلم أحدا على باطل.
(ش) أي بلا خلاف، وأتى بالفاء، لينبه على تفرع ذلك على وجوب العصمة، وعلى وجه المناسبة لذكر هذه المسألة قبل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم التي يجب اتباعه فيها وإنما قال: أحدا، لئلا يتوهم قراءة، لا يقر بفتح القاف فيكون خطأ.
(ص) وسكوته بلا سبب ولو غير مستبشر على الفعل مطلقا، وقيل:إلا فعل من يغريه الإنكار، وقيل: إلا الكافر ولو منافقا وقيل: إلا الكافر غير المنافق – دليل الجواز للفاعل وكذا لغيره، خلافا للقاضي.
(ش) إذا فعل فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو في عصره, وعلم به، ولم ينكر - كان دليلا على الجواز مطلقا، لما سبق. وسواء استبشر به مع ذلك أم لا، لكن دلالته على الجواز، مع الاستبشار أقوى، وقد تمسك الشافعي رضي الله عنه، في القيافة، واعتبارها في النسب بكلا الأمرين: الاستبشار وعدم الإنكار في قصة المدجلي، ولهذا قال المصنف: (ولو غير مستبشر) ليعلم حكم المستبشر من طريق الأولى، وسواء كان المسكوت عنه ممن يغريه الإنكار أو لا، كافرا كان أو منافقا والقول باستثناء من يغريه الإنكار إغراء حكاه ابن السمعاني عن المعتزلة بناء على أنه لا يجب إنكاره عليه للإغراء قال: والأظهر أنه يجب إنكاره ليزول توهم الإباحة، والقول باستثناء ما إذا كان الفاعل كافرا أو منافقا – قول إمام الحرمين والقول بالاقتصار على الكافر ذهب إليه المازري، وهو أظهر، لأنه أهل للانقياد في الجملة، وكما يدل للجواز للفاعل، فكذا لغيره إذا ثبت حكمه على الواحد، حكمه على الجماعة وذهب القاضي إلى اختصاصه بمن قرر، ولا يتعدى إلى غيره، فإن التقرير لا صيغة له تعم، والصحيح أنه يعم سائر المكلفين، لأنه في حكم الخطاب، وخطاب الواحد خطاب للجميع.
تنبيهان:
الأول: علم من تفسيره بالجواز أنه يدل على الإباحة وقد سأل الشيخ صدر الدين بن الوكيل عن هذه المسألة الشيخ الإمام السبكي، أنه هل يحمل على الإباحة (أو لا يقضي بكونه مباحا أو واجبا أو ندبا محل توقف؟ فلم يستحضر الشيخ الإمام فيها نقلا، واحتج إلى أنه يدل على الإباحة) لأنه لا يجوز الإقدام على فعل حتى يعرف حكمه فمن هنا دل التقرير على الإباحة، قلت: وقد ذكرها أبو نصر بن القشيري في كتابه في الأصول، وحكى التوقف فيه عن القاضي، ثم رجع حمله على الإباحة لأنه الأصل.
الثاني: سكت عما علم فعله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يعلم انتشاره انتشارا يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني في شرح كتاب (الترتيب): هل يجعل ذلك سنة؟ اختلف قول الشافعي فيه، ولهذا أجرى قولين بإجزاء الأقط في الفطرة، لأنه لم يكن قد علم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يخرجون في الزكاة من الأقط.
(ص) وفعله غير محرم، للعصمة، وغير مكروه، للندرة.
(ش) فعله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقع فيه محرم، لوجوب العصمة، ولا مكروه، لندرة وقوعه من آحاد المسلمين فكيف من سيد المتقين، كذا قالوه، وأنا أقول: لا يتصور منه وقوع مكروه، فإنه إذا فعل شيئا وكان مكروها في حقنا، فليس بمكروه منه، لأنه يفيد به التشريع وبيان الجواز، ولهذا قال ابن الرفعة في كلامه على الجمع بين الأذان والإقامة: الشيء قد يكون مكروها ويفعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، ويكون أفضل في حقه صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: سكتوا عن خلاف الأولى، وفيه ما ذكرنا في المكروه، وقد قال النووي في وضوئه صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين: قال العلماء: هو في ذلك الوقت أفضل في حقه من التثليث لأجل بيان التشريع.
(ص) وما كان جبليا أو بيانا أو مخصصا به فواضح.
(ش) الجبلي: كالقيام والقعود والأكل، والشرب. والبيان: كقطعه السارق من الكوع، بيانا لقوله تعالى: {فاقطعوا أيديهما} والمخصص به كالضحى والأضحى ووجه الوضوح، أما في الجبلي، فالندب لاستحباب التأسي به، وحكى الأستاذ أبو إسحاق فيه وجهين:
أحدهما: هذا، وعزاه لأكثر المحدثين، قال: والأقل فيه أن يستدل به على إباحة ذلك.
الثاني: أنه لا يتبع فيه إلا بدلالة. انتهى. أما في البيان والمخصص به، فكونه واجبا عليه، لأنه عليه السلام بعث للتشريع فيما يجب عليه منه بيان المجمل وبيان التخصيص، وقال أبو علي بن أبي هريرة: قد يفعل الشيء لمعنى يختص به ثم يصير بعد ذلك سنة، كالاضطباع والرمل وسكت الأصوليون عن قسم آخر، وهو ما إذا شككنا، هل فعله لمعنى يختص به، أو يشاركه فيه غيره؟ وقد تعرض له الماوردي في باب صلاة العيدين من (الحاوي) وحكى عن أبي إسحاق المروزي أنه يفعل مثل فعله اقتداء به.
(ص) وفيما تردد بين الجبلي والشرعي كالحج راكبا تردد.
(ش) أي يحمل على الجبلي لأن الأصل عدم التشريع، أو على الشرعي لأنه عليه السلام بعث لبيان الشرعيات وقد حكى الرافعي فيه وجهين في مسألة ذهابه إلى العيد في طريق ورجوعه في آخر وقال:إن الأكثرين على التأسي فيه وقال أبو حاتم القزويني في كتابه (تجريد التجريد): إن أصحابنا اختلفوا في جلسة الاستراحة: فمنهم من قال: هي مسنونة، ومنهم من قال: شرعت للاستراحة وليس لها محل السنن، والصحيح الأول.
(ص) وما سواه إن علمت صفته فأمته مثله على الأصح.
(ش) ما سوى ما تقدم إن علمت صفته من وجوب أو ندب أو إباحة فأمته مثله في الأصح، لوجوب الاقتداء به، وقيل: مثله في العبادات فقط.
(ص) وتعلم بنص وتسوية بمعلوم الجهة ووقوعه بيانا أو امتثالا لدال على وجوب أو ندب أو إباحة.
(ش) تعلم جهة الفعل بجهات:
منها: نصه على أنه واجب، أو مندوب، أو مباح.
ثانيها: تسويته بما علمت جهته، كقوله: هذا الفعل مساو للفعل الفلاني وكان ذلك الفعل المشار إليه معلوم الجهة.
ثالثها: وقوعه بيانا لآية مجملة دل على أحدهما، ولم يظهر بيانها بالقول فنعلم أن هذا الفعل بيان لها.
رابعها: كونه امتثالا لنص يدل على وجوب أو ندب أو إباحة فيلحق بما دل عليه.
واعلم أن قوله: (بيانا) أي يكون حكمه حينئذ في حقنا كالمبين وحاصله أن فعله إذا كان بيانا كان له جهتان: من حيث البيان هو تابع لما بينه ومن حيث التشريع واجب مطلقا، واتباع التأسي له إنما هو في الأولى، وأما الثانية فكالجبلي فلهذا قرنه المصنف فيما سبق مع الجبلي في الوضوح. أي لا يجب علينا اتباعه فيه من تلك الحيثية، وبهذا اندفع إشكال في كلامه حيث قال: وما سواه، أي سوى ما هو بيان أو جبلي أو تخصيص ثم قسمه إلى بيان وامتثال، فجعل قسم الشيء قسيمه.
(ص) ويخص الوجوب أمارته كالصلاة بالأذان وكونه ممنوعا لو لم يجب كالختان والحد.
(ش) يعلم الوجوب بالعلامات الدالة عليه غير ما سبق، فمنها: وقوعه على صفة تقرر في الشرع أنها أمارة الوجوب، كالصلاة بالأذان والإقامة ومن ثم كانت صلاة العيدين والكسوفين والاستقساء سنة، لأنه لم يكن يؤذن لها، ومنها: أن يكون ممنوعا منه لو لم يجب، فإذا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم استدللنا بفعله على وجوبه كالختان وقطع اليد في السرقة فإن الجرح والإبانة ممنوع منهما، فجوازهما دليل وجوبهما وإنما عدل المصنف عن تمثيل (المنهاج) و(المحصول) بالقيامين والركوعين في الخسوف لأن ذلك مستفاد من جهة أنه بيان للمأمور لا من هذه الجهة، ولأن الأصح أنه لا يجب، بل لو صلاها كسائر الصلوات صح كما قاله النووي رحمه الله في (شرح المهذب) لكن هذه القاعدة منقوضة بسجود السهو والتلاوة في الصلاة، فإنه سنة مع أنه زيادة ممتنعة لو لم يرد الشرع بها، وكذا رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد، وذكر في (المنهاج) خاصية ثالثة، وهو كونه جزء شرط لموافقة نذر، وحذفه المصنف، لأن النذر لا يتصور من النبي صلى الله عليه وسلم بناء على أنه مكروه وفيه ما سبق.
(ص) والندب مجرد قصد القربة وهو كثير.
(ش) الندب منصوب على أنه مفعول يخص السابق أي يخص الندب قصد القربة مجردا عن أمارة دالة على الوجوب، فإنه يدل على أنه مندوب، لأن الرجحان ثبت بقصد القربة والأصل عدم الوجوب، وهو كثير. ومنها: التخيير بينه وبين فعل لم يثبت وجوبه، لأن التخيير لا يقع بين واجب وما ليس بواجب وذكر الماوردي في (الحاوي) محتجا على عدم وجوب الأذان بأنه إنما ثبت عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى يقرروا رؤيا عبد الله بن زيد على الأذان، وليس هذا من صفات الواجب وإنما يكون من صفات المندوب، لأنه ما شرعه بنفسه وإنما أثره على فعل غيره.
(ص) وإن جهلت فللوجوب وقيل: للندب، وقيل: للإباحة، وقيل بالوقف في الكل، وفي الأولين مطلقا، وفيها إن لم يظهر قصد القربة.
(ش) إذا لم تعلم جهة الفعل بالنسبة إليه وبالنسبة إلى الأمة، فيه مذاهب:
أحدها: الوجوب، قال ابن السمعاني: إنه الأشبه بمذهب الشافعي رضي الله عنه، وأنه الصحيح لكنه لم يتكلم إلا فيما ظهر فيه قصد القربة والمصنف مال إلى الوجوب مطلقا.
والثاني: الندب، وعزي الشافعي رضي الله عنه.
والثالث: الإباحة، واختاره الإمام في (البرهان).
والرابع: الوقف في الكل حتى يقوم دليل على ما أريد منا، وعليه جمهور المحققين، كالصيرفي، والغزالي وأتباعهم، وصححه القاضي أبو الطيب ونقله عن الدقاق وابن كج، وقالوا: لا يدرى أنه للوجوب أو الندب أو الإباحة، لاحتمال هذه الأمور كلها، واحتمال الخصوصية به، ثم منهم من أجرى الخلاف في الأولين أي الوجوب، أو الندب مطلقا، أي سواء ظهر قصد القربة أم لا، كما نقله الهندي، غير أن الأول تقوى فيه الوجوب والندب، لأن القربة قرينة على إرادتهما وتضعف الإباحة، والثاني بالعكس وقوله: وفيهما إن لم يظهر قصد القربة – كذا رأيته بخط المصنف في الأصل، وهو معكوس، والصواب: إن ظهر قصد القربة فللوجوب أو للندب، وإلا فللإباحة وعلم من تخصيصه بالأولين أنه لا يجيء هنا القول بالإباحة، لأن قصد القربة لا يجامع استواء الطرفين، وأجراه الآمدي، وفيه نظر.

  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: الكتاب الثاني في السنة
وهي أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله.
ش: لم يذكر في تعريفها تقريره عليه الصلاة والسلام لأنه كف عن الفعل والكف فعل عن المختار فهو مندرج في الأفعال.
والمراد من أقواله وأفعاله ما لم يكن على وجه الإعجاز.
وقال الشارح: كان ينبغي أن يزيد (وهمه) فقد احتج الشافعي في (الجديد) على استحباب تنكيس الرداء في الاستسقاء بجعل أعلاه أسفله فإنه عليه الصلاة والسلام هم بذلك فتركه لثقل الخميصة عليه.
قلت: وكذلك همه بمعاقبة المتخلفين عن الجماعة، استدل به على وجوبها، وقد يقال الهم خفي فلا يطلع عليه إلا بقول أو فعل فيكون الاستدلال بأحدهما فلا يحتاج حينئذ إلى زيادة، والله أعلم.
ص: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون لا يصدر عنهم ذنب ولو سهوا، وفاقا للأستاذ والشهرستاني وعياض والشيخ الإمام.
ش: الاستدلال بالسنة متوقف على العصمة فلذلك بدأ بالكلام فيها، والمراد بالأستاذ هنا أبو إسحاق الإسفرايني وهذا المذهب أنزه المذاهب، أنه لا يصدر عن الأنبياء ذنب لا كبيرة ولا صغيرة، ولا عمدا ولا سهوا بل طهر الله ذواتهم عن جميع النقائص، وقد حكى ابن برهان هذا عن اتفاق المحققين.
ص: فإذن لا يقر محمد صلى الله عليه وسلم أحدا على باطل، وسكوته ولو غير مستبشر على الفعل مطلقا، وقيل: إلا فعل من يغريه الإنكار، وقيل: إلا الكافر ولو منافقا، وقيل: إلا الكافر غير المنافق دليل الجواز للفاعل، وكذا لغيره خلافا للقاضي.
ش: يتفرع على وجوب العصمة أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على باطل، ولا خلاف في ذلك.
قال الشارح: وإنما قال (أحدا) لئلا يتوهم أنه (لا يقر) بفتح القاف فيكون خطأ.
واختلفوا فيما إذا فعل فعل بحضرته أو في عصره واطلع عليه ولم ينكره على مذاهب:
أصحها وبه قال الجمهور: أنه دليل على جواز ذلك الفعل لذلك الفاعل وهل تتعين الإباحة أو يحتمل الوجوب والندب أيضا؟ لم يستحضر فيه السبكي نقلا ومال إلى الإباحة لأنه لا يجوز الإقدام على فعل إلا بعد معرفة حكمه فلذلك دل تقريره على الإباحة، وذكر الشارح أن أبا نصر ابن القشيري ذكرها في كتابه في الأصول وحكى التوقف في ذلك عن القاضي ثم رجح حمله على الإباحة لأنها الأصل انتهى.
ولا فرق في دلالة تقريره على الإباحة بين أن يستبشر عليه الصلاة والسلام بذلك الفعل أو لا يوجد منه إلا مجرد السكوت عليه.
الثاني: أن التقرير لا يدل على الجواز إلا في حق من لا يغريه الإنكار على الفعل، فمن أغراه الإنكار على الفعل لا يجب الإنكار عليه كما قال الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف
حكاه ابن السمعاني عن المعتزلة وقال: الأظهر أنه يجب إنكاره ليزول توهم الإباحة.
الثالث: أنه يستثنى من التقرير ما لو كان الفاعل كافرا أو منافقا فلا يدل تقريره على الإباحة، وبه قال إمام الحرمين.
الرابع: أنه لا يستثنى من ذلك إلا الكافر قاله المازري وكما يدل على جوازه للفاعل يدل على جوازه لغيره. قاله الجمهور، لأن الأصل استواء المكلفين في الأحكام وقال القاضي أبو بكر: لا يتعداه إلى غيره فإن التقرير لا صيغة له.
أما ما فعل في عصره ولم يعلم هل اطلع عليه أم لا فقال الأستاذ أبو إسحاق: اختلف فيه قول الشافعي، ولهذا جرى له قولان في إجزاء الأقط في الفطرة.
ص: وفعله غير محرم للعصمة وغير مكروه للندرة.
ش: قد عرف انقسام السنة إلى قول وفعل، فمباحث القول سبقت في الكلام على الكتاب، وأما الفعل فلا يمكن أن يصدر منه عليه الصلاة والسلام فعل محرم لما تقرر من عصمته، ولا مكروه لأنه نادر من غيره فكيف منه؟ قال الشارح: وأنا أقول: لا يتصور منه وقوع مكروه فإنه إذا فعل شيئا وكان مكروها في حقنا فليس بمكروه منه، لأنه قصد به بيان الجواز.
قلت: قد يتصور فيما إذا تكرر منه، فإن البيان حصل منه بالفعل الأول، فاستفدنا من قولهم: (أنه لا يقع منه مكروه) أنه إذا فعل المكروه في حقنا لبيان الجواز لا يكره، وكذلك القول في خلاف الأولى عند من يفرق بينه وبين المكروه، وقد حكى النووي عن العلماء في وضوئه عليه الصلاة والسلام مرة مرة ومرتين مرتين أنه أفضل في حقه من التثليث للبيان.
ص: وما كان جبليا أو بيانا أو مخصصا به فواضح وفيما تردد بين الجبلي والشرعي كالحج راكبا تردد وما سواه إن علمت صفته فأمته مثله في الأصح.
ش: فعل النبي صلى الله عليه وسلم على أقسام:
أحدها: أن يكون جبليا كالقيام والقعود والأكل ونحوها وذكر المصنف أن حكمه واضح وكأنه أراد بذلك أنه دال على الإباحة فقط لأنه القدر المحقق، والحرام والمكروه منتفيان كما تقدم، وقد قال شيخنا الإمام الإسنوي: إنه لا نزاع في ذلك.
لكن حكى القرافي في (التنقيح) قولا أنه للندب، وجزم به الشارح فقال: أما في الجبلي فالندب لاستحباب التأسي به، وحكى الأستاذ أبو إسحاق فيه وجهين:
أحدهما هذا وعزاه إلى أكثر المحدثين.
قال: والأصل فيه أنه يستدل به على إباحة ذلك.
والثاني: أنه لا يتبع فيه إلا بدلالة. انتهى.
الثاني: أن يكون بيانا لمجمل كالصلاة المبينة لقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} والقطع من الكوع المبين لقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فهو واجب عليه صلى الله عليه وسلم لوجوب التبليغ عليه، فإن قلت: لا يتعين التبليغ بالفعل، قلت: لا يخرجه ذلك عن كونه واجبا، فإن الواجب المخير يوصف كل من خصاله بالوجوب.
الثالث: أن يكون من خصائصه كتخيير نسائه، وغير ذلك، فلا يلحق به في ذلك أمته.
وقول الشارح: (إن حكم المخصص به الوجوب) ممنوع، فقد يكون مندوبا وقد يكون مباحا، فالخصائص تنقسم إلى هذه الأقسام، وإلى قسم رابع وهو المحرم عليه، ولكن ذلك لا يمكن صدوره منه كما تقدم والله أعلم.
الرابع: ما تردد بين الجبلي والشرعي، ولم يذكره الأصوليون ومثله المصنف بالحج راكبا، ومن أمثلته أيضا جلسة الاستراحة، فهل تحمل على الجبلي لأن الأصل عدم التشريع أو الشرعي لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشرعيات، ينبغي أن يتخرج فيه قولان من القولين في تعارض الأصل والظاهر، ومقتضى ذلك ترجيح الأصل فيكون كالجبلي، لكن كلام أصحابنا في الحج راكبا وجلسة الاستراحة وغيرهما يدل على ترجيح التأسي فيه، وقد حكى الرافعي وجهين في ذهابه إلى العيد في طريق ورجوعه في أخرى، وقال: إن الأكثرين على التأسي فيه.
الخامس: أن تعلم صفة ذلك الفعل من الوجوب أو الندب أو الإباحة فالأصح أن حكم أمته فيه كحكمه، ومقابله أنهم مثله في العبادات فقط.
ص: وتعلم بنص وتسوية بمعلوم الجهة ووقوعه بيانا أو امتثالا لدال على وجوب أو ندب أو إباحة.
ش: يعلم جهة الفعل من كونه واجبا أو مندوبا أو مباحا بأمور:
أحدها: التنصيص على أحد هذه الأمور.
الثاني: تسويته بفعل قد علمت جهته وأنه من أي هذه الأقسام فيكون حكم الآخر كحكمه.
الثالث: وقوعه بيانا لمجمل، فحكمه حكم ذلك المجمل في الوجوب والندب والإباحة.
فإن قلت: قد تكرر منه ذكر ما كان بيانا لمجمل.
قلت: لا تكرار فيه فالأول أراد به حكم فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا لمجمل وهو الوجوب عليه كما تقدم، والثاني أراد به حكمه في حقنا، وهو تابع لحكم المجمل.
الرابع: وقوعه امتثالا لنص يدل على أحد هذه الأمور فيلحق به في ذلك.
ص: ويخص الوجوب أماراته كالصلاة بالأذان وكونه ممنوعا لو لم يجب كالختان والحد.
ش: لما ذكر ما يعرف به جهة الفعل من الوجوب والندب والإباحة، ذكر ما يخص الوجوب وهو شيئان.
أحدهما: أن يقترن به أمارة الوجوب أي علامته كاقتران الأذان والإقامة بصلاة، فيدلان على وجوبها لأنهما شعار مختص بالفرائض.
ثانيهما: أن يكون ذلك الفعل ممنوعا منه لو لم يجب، كالختان والحد كقطع السرقة، فإن الجرح والإبانة ممنوع منهما، فجوازهما يدل على وجوبهما ومثل ذلك البيضاوي بالركوعين في صلاة الخسوف، واعترض بأن النووي ذكر في (شرح المهذب) أنه لو صلى صلاة الكسوف كسائر الصلوات صح، ومثله بعضهم بإحداد زوجة المتوفى عنها، وقد نقضت هذه القاعدة بسجود السهو والتلاوة في الصلاة، فإن الأصل المنع منهما، ومع هذا فلم يدل فعله لهما على وجوبهما وذكر البيضاوي.
ثالثا: وهو أن يوافق نذرا كأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن هزم العدو عني فلله علي صوم يوم، ثم يهزم العدو فيصوم يوما ولم يذكره المصنف لأن النذر لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام بناء على أنه مكروه.
ص: والندب مجرد قصد القربة وهو كثير.
ش: قوله: (الندب) معطوف على الوجوب فهو منصوب، أي يخص الندب قصد القربة مجردا عن أمارة دالة على الوجوب، ولا فائدة مقصودة في قول المصنف: (وهو كثير) وزاد البيضاوي: أن يعلم كونه قضاء لفعل مندوب لأن القضاء يحكى الأداء.
ص: وإن جهلت فللوجوب وقيل للندب وقيل للإباحة وقيل بالوقف في الكل وفي الأولين مطلقا وفيهما إن ظهر قصد القربة.
ش: إذا جهلت جهة الفعل بالنسبة إليه وإلى الأمة ففيه مذاهب:
أحدها: الحمل على الوجوب، وبه قال من الشافعية ابن سريج وأبو علي بن خيران والإصطخري ومال إليه المصنف، وصححه ابن السمعاني وقال: إنه الأشبه بمذهب الشافعي، لكنه لم يتكلم إلا فيما ظهر فيه قصد القربة.
الثاني: الندب، وهو المحكي عن الشافعي.
الثالث: الإباحة، وهو المحكي عن مالك واختاره إمام الحرمين في (البرهان) واختار ابن الحاجب أنه إن ظهر فيه قصد القربة فالندب وإلا فالإباحة.
الرابع: الوقف بين الثلاثة حتى يقوم دليل على حكمه، وصححه القاضي أبو الطيب، وحكي عن جمهور المحققين، كالصيرفي والغزالي وأتباعهما، واختاره الآمدي والبيضاوي تبعا للمحصول هنا، لكن جزم فيه في الكلام على جهة الفعل بالإباحة، واختار في (المعالم) الوجوب.
الخامس: الوقف بين الأولين فقط، وهما الوجوب والندب.
السادس: الوقف بينهما فقط، إن ظهر فيه قصد القربة، فإن لم يظهر فيه قصد القربة احتمل الإباحة أيضا وقول المصنف: (وفيهما إن لم يظهر قصد القربة) معكوس وصوابه: (إن ظهر قصد القربة كما قررته).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الكتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:19 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir