المبحث العاشر في أحكام المد وأقسامه وأنواعه وربما أطلت النفس في هذا الباب لأهميته فأقول: المد لغة: المط يقال مد جسمه أي: مطه، ومد في الكلام أي: مط.
واصطلاحاً: إطالة الصوت بحرف من حروف العلة بقدر مخصوص. موجباته ثلاثة: الألف الساكن المفتوح ما قبله، والياء الساكن المكسور ما قبله، والواو الساكن المضموم ما قبله.
وأسبابه ثلاثة:
الهمز، والسكون العارض، والسكون الأصلي. وزاد بعضهم اللين وأرى أنه ضمن السكون العارض، وهو قسمان:
أصلي وفرعي، وأنواعه أربعة:
ضروري، ولازم، وواجب، وجائز. وبهذا الترتيب نبين كل صنف فنقول:
أما الضروري فهو الأصلي، ومعنى أصلي أنه لايتوقف على سبب، وهو الطبيعي وسمي طبيعياً لأنه تألفه الطبيعة وقلنا بضرورته؛ لأن القرآن بدونه نوع من العبث بل كلامنا العادي بدونه نوع من العبث، واختبر نفسك أتستطيع أن تقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، بدون مد طبيعي؟ الجواب: لا, فوجوده في كلام الناس، فضلاً عن كلام الله ضرورة ويمد مقدار حركتين والحركة بقدر ضم الأصبع أو فتحه بحالة متوسطة، ومثاله قالوا، قلنا، بسم الله، جئناهم، فرضنا، هي، نادى، وأقسامه في القرآن أحد عشر نوعاً:
النوع الأول: الذي لا يتغير وقفاً ولا وصلاً، كقلنا: وجعلنا، وقالوا، وعملوا، ونادى، ويسمى مدا طبيعياً ضرورياً وقفاً ووصلاً.
والنوع الثاني: طبيعي في الوصل فقط كالعالمين والدين ونستعين والرحمن والإنسان. ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً وصلاً؛ لأننا لو وقفنا عليه صار مداً عارضاً للسكون جائزاً.
الثالث: الثالث مد طبيعي وقفاً لا وصلا، وذلك إن وقفت على المنفصل فقلت ياء، وإنه في، أمها أمره؛ لأنه لو وصل لكان منفصلاً جائزاً.
والنوع الرابع: عوض من التنوين كخبيرا بصيراً عليما حكيما، ويسمى طبيعي العوض وقفاً ضرورياً يعني حكمه الضرورة.
والنوع الخامس: عوض لعارض الحذف مثال: {قالوا الآن} عند الوقف {محلي الصيد } {حاضري المسجد} فإنك إن وقفت قلت: قالوا محلي حاضري ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً لعارض الحذف.
النوع السادس: هو المخلق من همز الوصل إذا وقفت على ما قبله كأن قلت: {جاءتهم رسلهم بالبينات} فسألتك: قف على بـ تقول: {جاءتهم رسلهم بـ}، وبالزبر تقول: وبـ، فالآن تقول: فا ويسمى مداً طبيعياً مخلّق من همز الوصل، مثال: فالآن، بالكتاب، بالغيب، إذا وقفت على الفاء أو الباء ولا يأتي في المضموم ألبتة، وأصله أننا لو وقفنا على الباء من: بالكتاب نقول: بـ، بينما ليس هناك حرف مد بعد الباء، وإنما الهمزة التي بعد الباء أبدلت من جنس حركة ما قبلها فصارت بـ، فالآن وقفنا على الفاء فقلنا: فا، ولم يكن هناك حرف مد، وإنما همزة الوصل التي بعد الفاء أبدلت من جنس حركة ما قبلها في الوقف فولَّدت مداً، فيسمى مداً طبيعياً، مخلَّقاً من همزة الوصل.
والفرق ما بينه وبين السابق أي العِوض عن عارض الحذف أنك تجد بعد الوقف على العوض حرف العلة، أما هذا المخلّق من همزة الوصل فليس بعده حرف علة فاعلم ذلك، ويسمى هذا السادس مخلَّق شكلي فإن شئت قلت: مخلَّق من همز الوصل وإن شئت قلت: مخلَّق من الشكلي.
النوع السابع: المد الطبيعي لغياب أل مثاله: {مسني الضر} تقول: مسني، {ساصرف عن آياتي الذين} تقول: {سأصرف عن آياتي}، {ياعبادي الذين} تقول: {يا عبادي}، واسمه مد طبيعي لغياب أل ضروري.
والنوع السابع: يسمى مداً طبيعيا لبيان حركة الحرف، أوقل لإشباع حركة الحرف كأن وقفت على باء بسم تقول بـ، وما أنزل تقول: و, لتقرأه تقول لتـ، ويسمى مداً طبيعياً لإشباع الحركة ضروري.
وإنما نركز على مثل هذا لأن الإمام الداني قال: من لم يعلم وقوف الابتلاء لا يعد من العلماء، لذا ملأ الأشياخ كتبهم ببيان وقف الابتلاء، وهو الامتحان، وهذا المد الطبيعي لإشباع الحركة شريطة ألا يأتي همزاً بعده.
النوع التاسع: المد الطبيعي العارض للسكون، مثاله: {يبين لنا ما هي} {ويستنبئونك أحق هو} ألا ترى أنك لو وصلت تقول: {أحق هو} {يبين لنا ما هي} فإذا وقفت قلت مداً طبيعياً عارضاً للسكون ضرورياً.
والنوع العاشر: مد طبيعي للتخصيص نحو {أطعنا الرسولا} {فأضلونا السبيلا} فالرسولا أي الرسول المخصوص. وأضلونا السبيلا، أي: السبيل المخصوص بمحمد، وقواريرا، أي قوارير مخصوصة لذا سميناه مداً طبيعياً للتخصيص ضروريا.
النوع الحادي عشر: مد طبيعي لصلة الضمير وهو في موضع واحد في القرآن في قول الله تبارك وتعالى: {لكنّاْ هو الله ربي} فإذا وقفت قلت: لكنا بمعنى لكن أنا، فالألف صلة لضمير المتكلم، وقد نظمت هذه الأنواع الإحدى عشر فقلت:
بدأت بحمد الله نظماً منضدا = وصليت تعظيماً على خير من هدى
وبعد فخذ أقسام مد طبيعهم = سبقت به القراء فاعلمه تهتدى
ويقسم عشراً، بعد واحد اعلمن = أعدده نوعا فنوعا مؤكدا
فأولها مد طبيعي احفظن = كقالوا وقلنا ثم جئنا تأكد
وليس به تغيير وقف ووصله = فيثبت في الحالين فاعرفه تقتدى
وثان بحال الوصل لا غير صاحبي = فكالعالمين الدين رحمن اقصدا
وثالثه: وقفاً ولا وصل فادرين = وذلك إن وقف بمنفصل بدا
ورابعه تنوين إن تقف في اعلمن = خبيراً بصيراً مثلنَّ تنل هدى
وخامسه عوض لعارض حذفه = محلي وقالوا الآن فاعلمه ترشدا
وسادسه: قد جاء من همز وصله = إذا رُمت وقفاً قبله لتمجًّدا
كأن قلت وامن والكتاب وبابه = وقسه علىكل ولا تك مسندا
وتفريق بينهما تجد بعد خامس = لدى الوقف حرف المد لاتك مبعدا
وأما الذي قلناه فهو مخلّق = من الهمز أبدلناه مداً فأسندا
فمن جنس ما قبل ابدلنه وسمه = مخلق شكلي فستة اعبدا
وسابعه وقف أتى لغياب أل = عبادي الذين اعلمه مسني العدا
ويدعى طبيعياً لغيبة أل وذا = لغيري ما عرفوه فاعلمه تقتدي
وثامنه: وقف علىالحرف فاعلمن = كواو وما أو قل بما أنزل اشهدا
ويدعى طبيعياً لإشباع حركة = شريطة ألا همز بعد فأوجدا
وتاسعه يدعى سكوناً لعارض = كحق هو اعلم ما هي اجر لتمجدا
وعاشره: مدّ لتخصيص اعلمن = أطعنا الرسولا اقرأ سبيلا لتسعدا
كذاك قواريراً وحادي عشره = بلكنَّه بالكهف وقفاً لترشدا
ويدعى طبيعياً لوصل ضميره = وصل على المبعوث بالنور والهدى
هذا ما نظمته مع أني أعترف أني بليد في اللغة والشعر فمن اطلع عليه ورأى تصحيحه فليصحح, وبعد الكلام على النوع الضروري نتكلم على ما بعده وهو اللازم فنقول:
سمي لازماً للزوم حكمه وللزومه ست حركات عند جميع القراء، وهو على قسمين:
_ كلمي. _ وحرفي.
وكل قسم على نوعين:
_ مثقَّل. _ومخفف.
وإليك بيان ذلك مفصلاً فنقول: أما الكلمي فهو ما جاء في كلمة، وأما مثقَّل فلأن بعد حرف المد ثقل، واختلفوا في هذا الثقل أهو إدغام أم تشديد، ولنضرب لذلك مثالاً أو مثالين أو ثلاثة لتقيس ماغاب على ما حضر: الحاقة، الصاخة، الطامة، وحاجه، أتحاجوني.
والمرجَّح أن سبب الثقل الإدغام؛ لأن الحاقة أصلها الحاققة، والصاخة أصلها الصاخخة، والطامة أصلها الطاممة، وحاجه أصله حاججه. أتحاجوني: أصله أتحاججونني. الجان أصله الجانن.
وعلى اعتماد الإدغام سبباً في الثقل جميع القراء وأكثرهم، هذا كله مثال للكلمي المثقّل. ويضم إليه آلذكرين.
كنا نتكلم في الشريط السابق في المد اللازم الكلمي المثقَّل وقلنا أنه كلمي؛ لأنه في كلمة ولازم لحكمه وللزومه ست حركات، ومثقَّل؛ لأن بعد حرف المد إدغام، وضربنا أمثلة له وهو نحو {حاقة}، {صاخة}، {طامة}، {الجانَّ} {حاجه}، {أتحاجوني}، {تأمروني} ويسمى مد لازم كلمي مثقل فرعي. ويسمى في الوقت نفسه إدغام مثلين كبير؛ لأن {حاقة} أصلها حاققة، أدغمت القاف في القاف فصارت {حاقة}. {حاجه}، أصلها حاججه، أدغمت الجيم في الجيم. {تحاجوني} أصلها تحاججونني. {تأمروني} أصلها تأمرونني. {الطامة} أصلها الطاممة، {الصاخة} أصلها الصاخخة، أدغم المثلان الكبيران في بعضهما فأحدثا ثقلاً لذا قلنا كلمي مثقل، وينبغي أن نقول: مد لازم كلمي مثقَّل وإدغام مثلين كبير، ونقول كبير لأن سبب المد اللازم السكون الأصلي لا السكون العارض فينبغي أن يكون الإدغام مثلين كبير.
النوع الثاني: المد اللازم الكلمي المخفف وهو في كلمتي {آلآن} بموضعي يونس، ويسمى مد لازم كلمي مخفف لازم لحكمه، ولزومه ست حركات. وكلمي، لكونه في كلمة، ومخفف؛ لأنه ليس بعد حرف المد ثقل، واعلم أن هاتان الكلمتان مع قوله تعالى: {آلذكرين} بموضعي الأنعام، ومع قوله تعالى: {قل آلله أذن لكم} بيونس {آلله خير أم ما يشركون} بالنمل، في هذه الكلمات الستة لكل القراء وجهين، المد اللازم ست حركات، {آلذكرين} مد لازم كلمي مثقَّل غير أن الثقل هنا ليس إدغاماً، وإنما هو شدة شدة الذال، وكذا {آلله خير} {آلله أذن لكم} كل هذه تعتبر مدا لازماً مثقَّلاً بشدة، فلا يقال فيها إدغام مثلين كبير.
الوجه الثاني: التسهيل مع القصر تقول: {قل أالذكرين}، {أالله}، {أالآن} وكيفية التسهيل أن ترد حرف المد إلى أصله؛ لأن أصله كان {أألذكرين} {أألآن} {أألله} مع تسهيل الهمزة الثانية بين الألف والهمزة هكذا: {أالله}، {أالآن}، وبعض القراء يسميه مد فرق ومعنى فرق لأنا فرقَّنا بين الهمزتين فحققنا الأولى وأبدلنا الثانية حرف مد، فتنبه.
النوع الثاني من المد اللازم: الحرفي وينقسم إلى قسمين:
_ حرفي مخفف
_ وحرفي مثقل.
ومعنى حرفي: أن المد في حرف، ومثقل؛ لأن بعد حرف المد شدة أو إدغام، ومخفف؛ لأنه ليس بعد حرف المد شدة ولا إدغام، ويأتي في ثُلاثي الحروف يعني في الحروف الثلاثية، ويجمعها قولك: (كم عسل نقص). وهي ثمانية أحرف: فالكاف من {كهي}، والميم من {الم}، والعين من {عص} و{عق}، والسين من {طس}، {يس}، واللام من {لم}، النون من {ن * والقلم}، والقاف من {ق * والقرآن}، والصاد من {ص * والقرآن ذي الذكر} أو من {المص}. وإليك بيان ما خفف منها وما ثقل:
أولاً: {كهي} مد لازم حرفي مخفف.
والميم: من{م} أول البقرة، وأول آل عمران وهكذا، وهو مد لازم حرفي مخفف.
والعين: من {عسق}، و{عص} بمريم والشورى.
وفيه لجميع القراء وجهين: المد اللازم الحرفي المخفف و الأربعة على أنه مد لين.
قال الناظم:
*وعين ذو وجهين والطول أخص *
أي الطول أقوى، وأكثر طرقاً.
والسين. أما من قوله تعالى: {يس * والقرآن} فعند من قرأ بالإظهار يعتبر مداً لازماً حرفياً مخففاً، ومن قرأ بإدغام النون في الواو يعتبر حرفيا مثقلاً، وفي قوله تعالى: {طس تلك آيات} بالنمل يعد مداً لازماً حرفياً مخففاً، أما في قوله تعالى: {طسم} فيعد مداً لازماً حرفياً مثقَّلاً.
أما اللام ففي جميع {الم} يعتبر مداً لازماً حرفياً مثقلاً ولا يخفف إلا في {الر}.
وأما النون فهو مخفف إلا عند من أدغم النون في الواو فهو مثقل.
وأما القاف فهو في قوله تعالى: {ق والقرآن}، وهو مخفف على كل حال.
وكذلك الصاد من قوله: {المص} ومن قوله: {ص والقرآن} فهو مخفف علىكل حال.
وأما الحروف الثنائية التي في أوائل السور وهي في قولك: (حي طاهر) فالحاء من {حم} والياء من {هي}، و{يس}، والطاء من {طه}، والراء من {الر}. فهذا كله يعد مداً طبيعاً ضرورياً كما تقدم، وبهذا يتم تعريف المد اللازم بأقسامه الأربعة، وهو النوع الثاني من المدود.
الشرح الصوتي:
النوع الثالث: هو الواجب وهو المد المتصل، وتعريفه: أن يجتمع سببه وموجبه في كلمة، فسببه الهمز، وموجبه حرف العلة كجاء، وشاء، وشيء، وتبوء، وتنوء. وقلنا واجباً؛ لأنه لا يقبل ما دون فويق القصر، ومقدار ذلك ألف ونصف هذا أقل مراتبه، وإذا كانت القراءة تحقيقاً وتدويراً وحدراً تعذر التمييز بين الثلاث والأربع، وبين الأربع والخمس، وبين الخمس والست إلا بالمشافهة والمران على الشيوخ.
فإذا قرأت مثلاً: {وجاءوا على قميصه بدم كذب} هذه طريقة التدوير.
وأما طريقة التحقيق: {وجاءوا على قميصه بدم كذب}.
وأما الحدر {وجاءوا على قميصه}.
والكل ثلاث حركات. لكن مع التحقيق والتدوير والحدر يختلف المقدار؛ لذا قلنا أن المتصل واجب؛ لأنه لا يقبل النفي بحال.
والنفي حركتان، وسمي متصلاً لاتصال سببه بموجبه في كلمة، وهو ثلاثة أنواع:
_ متصل لا يتغير، كجاء وشاء والسماء وتبوء وتنوء. يقال مد منفصل واجب فرعي.
_ الثاني: منفصل وراءه بدل عوض عن التنوين كبناء وماء ودعاء ونداء. نقول: مد منفصل واجب فرعي وبعده بدل عوض عن التنوين.
_ والثالث: مد منفصل واجب عارض للسكون، كالسماء والدعاء ونساء ويشاء.
وهنا لنا كلام: إذا وقفنا على مثل هذا، فلابن الجزري وأشياعه كلام، ولابن مهران في كتاب المدود كلام آخر، فأما ابن الجزري وأشياعه فقالوا: إنه يمد في الوقف ست حركات؛ لأنه زاد سببه فصارا سببين: الهمز والسكون العارض، وما دام قد زاد سببه تزيد مرتبته فيمد ست حركات فإن كان منصوباً كالسماء والماء ووقفنا عليه، فيكون فيه ست حركات بالسكون الخالص: السماء، الماء. وإن كان مجروراً كالنساء والدعاء والماء فست حركات بالسكون وست حركات بالرَومِ تقول:{ربنا وتقبل دعاء} {ربنا وتقبل دعاء} وهذا هو الرَوم، والرَوم هو الإتيان بثلث حركة وصل الحرف بحيث يسمعه القريب ولا يسمعه البعيد.
قال إمامنا الشاطبي:
ورَومك إسماع المحرك واقفا = بصوت خفي كل دان تنولا
وقال ابن الجزري في الطيبة:
والرَوم الاتيان ببعض الحركه = إشمامهم إشارة لاحركه
وإن كان مرفوعاً كيشاء والدعاء كان فيه ثلاثة أوجه، الستة بالسكون: يشاء، والستة بالرَوم: يشاء،،والستة بالإشمام: يشاء، والإشمام: هو إطباق الشفتين بعد سكون الحرف إشارة بالضم بلا صوت مع سعة قليلة للنفس فيهما ولا يدرك إلا بالبصر، يعني لا يعرف إلا إذا قرئ على شيخ.
قال الإمام الشاطبي:
والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما = يسكَّن لاصوت هناك فيَصْحَلا
أي فيسمع وقال ابن الجزري: (إشمامهم إشارة لا حركة) كذا قال ابن الجزري وأشياعه في المتصل الموقوف عليه فإن سئلت عنه قلت: هذا مد متصل واجب عارض للسكون، وأصل سبب المتصل الهمز، لكن لما زاد سبباً آخر فوق الهمز وهو السكون العارض صار ست حركات وقفاً، هذا رأي شيخنا ابن الجزري وأشياعه.
وأما رأي الشيخ ابن مهران في (كتاب المدود) فيقول: إن المتصل الموقوف عليه سببه السكون العارض، ومادام سببه السكون العارض فيعامل معاملة السكون العارض، إلا أن الهمزة تمنع قصره، فصارت الهمزة بمثابة الضيف عند ابن مهران.
بينما صار السكون العارض هو الضيف عند ابن الجزري وأشياعه، فتكون الأوجه كما يلي عند ابن مهران:
إذا وقفنا على المتصل الواجب العارض للسكون يكون فيه في المنصوب الثلاثة والأربعة والخمسة والستة هكذا: السماء ثلاثة، السماء أربعة، السماء خمسة، السماءستة، هذا في المنصوب، ويسمي القراء الثلاث حركات: فويق القصر، والخمس حركات: فويق التوسط، فهذا هو المعني عندهم بالفويق.
أما إذا كان مجروراً كالنساء والدعاء، ففيه مايلي: ثلاثة بالسكون، وأربعة بالسكون والرَوم, وخسمة بالسكون، وستة بالسكون والرَوم، فتصير الأوجه ستة هكذا:
{ويستفتونك في النساء} ثلاثة بالسكون.
{ويستفتونك في النساء} توسط بالسكون يعني أربع حركات.
{ويستفتونك في النساء} أربعة بالروم، وينبغي أن يكون الروم أضعف من ذلك، ولكن لقرب التسجيل من فمي يخيل للسامع أنه قوي.
{ويستفتونك في النساء} خمسة، خمس حركات فويق التوسط.
{ويستفتونك في النساء} ست حركات بالسكون.
{ويستفتونك في النساء} ست حركات بالروم.
أما إذا كان مرفوعاً كيشاء والدعاء، ففيه مايلي: الثلاثة بالسكون، والأربعة بالسكون، والأربعة بالرَوم، والأربعة بالإشمام، والخمسة بالسكون، والستة بالسكون، والستة بالرَوم، والستة بالإشمام.
فتلك ثمانية أوجه هكذا: {الله يفعل ما يشاء} ثلاثة حركات، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالسكون، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالإشمام، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالرَوم، {الله يفعل ما يشاء} خمس حركات بالسكون، {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالسكون, {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالإشمام، {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالروم.
وبكلا الرأيين قرأنا، وسألت أشياخي عن هذا المذهب فقالوا:هو مذهب قوي وقرأنا به. والفرق بين المذهبين أن ابن مهران قال: إن سبب الوقف السكون العارض، وسبب الوصل الهمزة. وابن الجزري قال: إن سبب والوقف والوصل الهمزة والعارض ضيف. وابن مهران قال: إن الهمزة ضيف منعت قصر المتصل وقفاً.
ويتفرع على المد المتصل ما يسمى باللين المتصل، اللين المتصل الواجب العارض للسكون، كشيء وسوْء. ومذهب القراء فيه: القصر والتوسط والمد، وقال بعضهم بكراهة القصر؛ لأنه همز متصل، لكن الوجوه الثلاثة راجحة، ولا يأتي إلا مجروراً ومرفوعاً مثل: شيءٍ وشيءٌ سوءٍ.
فإذا كان مجروراً ففيه القصر بالسكون والرَوم والتوسط والمد بالسكون، ويسمى مد لين متصل عارض للسكون.
أما إذا جاء مرفوعاً ففيه سبعة أوجه: القصر حركتان بالسكون والإشمام والرَوم فتلك ثلاثة، والتوسط بالسكون والإشمام والمد بالسكون والإشمام فتلك سبعة، فإذا جاء منصوباً كشيئا قلنا: حرف لين متصل وبدل عِوض عن التنوين.
هذا بيان النوع الثالث من أنواع المدود وهو الواجب، وبقي النوع الرابع وهو الجائز، وينحصر في ثلاث مدود:
_ المنفصل.
_ والبدل.
_ والعارض للسكون.
أولاً: المنفصل، سمي منفصلاً لانفصال سببه عن موجبه، فالموجب في كلمة، والسبب في كلمة أخرى. مثال: {يا أيها} {في أمها}، {أمره إلى} {ها أنتم} لذا سمي منفصلا.
وقلنا جائزاً لجواز الوجوه كلها فيه فيقرأ بالقصر، ويقرأ بالثلاث، ويقرأ بالأربع، ويقرأ بالخمس، ويقرأ بالست، حسب جميع الروايات، فعندنا في رواية حفص من طريق الحرز يقرأ بالخمس والأربع. وفي رواية حفص من طريق الطيبة يقرأ بالقصر والثلاث والأربع والخمس، ويقرأ بالست في غير هذه الرواية؛ فلقبوله جميع أنواع المدود قلنا جائزاً، واعلم أن حفصاً من طريق الحرز يمده أربع حركات وخمس حركات.
أما قول صاحب التحفة:
*وجائز مد وقصر إن فصل *
لا يعني بهذا أنه جائز من طريق الحرز، ولكنه يعني سبب الجواز، أنه يقبل القصر، ويقبل الثلاثة، أي الفويق ويقبل التوسط أربع حركات، ويقبل فويق التوسط وهو خمس حركات، ويقبل الإشباع في الروايات الأخرى. وفي روايتنا هذه يمد أربع حركات وخمس حركات، ويقال له: مد منفصل جائز فرعي، فإذا وقفنا عليه صار مداً طبيعياً كما تقدم.
وتارة يأتي المد المنفصل بدل كقوله: { وجاءوا أباهم } { السوءى أن كذبوا } فنقول: مد منفصل بدل جائز فرعي، فإن وقفنا عليه قلنا: مد بدل جائز فرعي.
النوع الثاني من المدود الجائزة: مد البدل، وهو ما تقدم سببه على موجبه، فكل المدود يتقدم موجبها على سببها، إلا مد البدل فإنه يتقدم سببه على موجبه، وهو كآمن، إيماناً، آدم، آخره، أوتوا، كل ذلك يسمى مد بدل جائز فرعي، فلم سمي بدل؟ سمي بدلاً لأن أصله همزتان، أبدلت إحداهما من جنس حركة ما قبلها، فأصل {آمنوا} (أأمنوا) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ألفاً من جنس حركة ما قبلها، فصارت آمنوا، وأصل {إيماناً} (إ ئماناً)، أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ياء من جنس حركة ما قبلها، فصارت إيماناً. وأصل {أوتوا}
(أ ؤتوا) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة واواً من جنس حركة ما قبلها، فصارت أوتوا، وهكذا.
لذا سمي: مد بدل، وقلنا: جائز؛ لأنه يمد عند غيرنا وهو ورش حركتان وأربع وست، فلقبوله الزيادة عند غيرنا قلنا جائز، وهو أنواع:
النوع الأول: بدل لا يتغير كآمنوا وإيماناً، وأوتوا وآدم، آخرة، ومثل ذلك.
النوع الثاني: بدل عوض عن التنوين كبناء وماء، ونساء، ودعاء. وقد تقدم آنفاً في المد المتصل الواجب، يقال بدل عوض عن التنوين.
النوع الثالث: نحو (خاطئين، خاسئين، مستهزؤون، مآب) يقال مد بدل عارض للسكون جائز فرعي، وكلمة جائز فرعي تذكر في جميع الأنواع.
النوع الرابع: مد بدل لازم مثال: {ولا آمين البيت الحرام} ومثال: {آلآن} و {آلذكرين} و {آلله أذن} تقول: مد لازم بدل مخفف أو مثقَّل حسب ما كان.
النوع الخامس: هو البدل المخلّق، وهو ما خلق من الابتداء بهمزة الوصل، نحو قوله تعالى: {إيتوني بكتاب من قبل هذا} {إيتوا بآبائنا إن كنتم صادقين}، فإنك إن وصلت ذلك قلت {قالوا ائتوا}...
الوجه الثاني
... قلت {أم لهم شرك في السماوات ائتوني} أو {قالوا ائتوا بآبائنا} فأين البدل؟ لكنك إن بدأت بهمز الوصل قلت: (إيتوا) ويسمى هذا بدل مخلَّق من همزة الوصل.
النوع السادس: بدل متصل في قوله تعالى: {ينفقون أموالهم رئاء الناس} ويسمى مد بدل متصل واجب، فإذا وقفت عليه قلت: مد بدل متصل واجب عارض للسكون، وفيه ما في المتصل الموقوف عليه وقد ذكرناه آنفاً.
النوع السابع: مد بدل عارض لمحذوف، مثل قوله: {رأى القمر} {رأى الشمس} فإنك إن وقفت عليه قلت: {رأى} فإذا سئلت عنه قلت: مد بدل عارض لمحذوف.
النوع الثامن: مد بدل لإشباع الحركة، كأن تقف على همزة (أأسجد) هل تقول قال. (أأ) ولا قال (آ)؟ لابد أن تقول: قال (آ). وكذلك {قال أرايتك} إن وقفت على همزة أرى تقول قال (آ) واسمه مد بدل لإشباع الحركة، أي: لإشباع حركة الحرف، لقيام حركة الحرف.
فهذه ثمانية أنواع من المد البدل.
النوع الثالث من المدود الجائزة: هو المد العارض للسكون وهو ثلاثة أنواع: منصوب، ومجرور، ومرفوع.
فالمنصوب نحو: {العالمين} {الذين} {ينفقون} {مفلحون} {يخافون} وفيه ثلاثة أوجه في الوقف، القصر حركتان، والتوسط أربع، والمد ست حركات، ويختصرها القراء بقولهم: فيه التثليث يعني الوجوه الثلاثة.
النوع الثاني: هو المجرور{الرحيم} و {الرحمن} و {الدين} و {مآب} و {الوهاب} و {حساب} و {متاب}، وهذا في الوقف فيه أربعة أوجه، الثلاثة المتقدمة ويزيد عليها القصر بالرَوم تقول: {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} هذا هو القصر بالرَوم.
النوع الثالث؛ المرفوع كـنستعين وعظيم وكبير وكريم وعذاب وأليم وتواب ورحيم وفيه سبعة أوجه: القصر بالسكون، والقصر بالإشمام، والقصر بالرَوم، والتوسط بالسكون، والتوسط بالإشمام، والمد بالسكون، والمد بالإشمام، تقول: {إياك نعبد وإياك نستعين}، {إياك نعبد وإياك نستعين}، الإشمام {إياك نعبد وإياك نستعين} هذا هو الرَوم {إياك نعبد وإياك نستعين}، التوسط بالسكون {إياك نعبد وإياك نستعين} التوسط بالإشمام {إياك نعبد وإياك نستعين} المد بالسكون {إياك نعبد وإياك نستعين}، المد بالإشمام.
ويلاحظ أن الرَوم لا يأتي إلا على القصر في المد العارض أما في المتصل الموقوف عليه والذي سميناه بالمد المتصل الواجب العارض للسكون فيأتي على الأربعة والست.
ويلاحظ أيضاً أن الإشمام لا ينطق به إلا في حالتين:
الحالة الأولى: في رواية حفص، وعند جميع القراء، في قوله تعالى: { مالك لا تأمنا}.
والحالة الثانية: في إدغام المرفوع في قراءة أبي عمرٍ، نحو قوله: {حيث شيتما}، فيأتي الإشمام منطوقاً به هناك، تقول: {حيث شيتما} {حيث شيتما}.
وباقي أنواع الإشمام لا ينطق بها، ففي قوله: {مالك لا تأمنا} عند جميع القراء وجهان: الرَوم والإشمام؛ لأن أصلها (تأمننا).
ولم يقرأ أحد بالإدغام المحض إلا أبو جعفر رضي الله تبارك وتعالى عنه، لذا قال العلاَّمة خلف الحسيني:
وإشمام تأمنا لكل ورومه = وقد قيل بالإدغام محضاً ووهلا
عني من قرأ بالإدغام المحض غير أبي جعفر فطريقه ضعيف موهل، فالإشمام هكذا {مالك لاتأمنا} بإخراج جزء من الغنة من الشفتين مع الخيشوم. أما الرَوم {مالك لا تأمنا} {مالك لا تأمنا}، بالنطق بثلث حركة النون المضمومة كما تقدم.
ولنعد إلى ماكنا فيه، يقاس على المد العارض للسكون ما يسمى بهاء التأنيث الممدودة، كالصلاة والزكاة والحياة، وثقتة وهاء التأنيث في الوقف هاء، وفي الوصل تاء، فإذا سئلت عنها قلت: هاء تأنيث ممدودة عارضة للسكون، وليس فيها روماً ولا إشماماً مهما كان جنسها. قال الإمام الشاطبي:
وفي هاء تأنيث وميم الجميع قل = وعارض شكل لم يكونا ليدخلا
أي الرَوم والإشمام. وقال الإمام ابن الجزري في (الطيبة):
وهاء تأنيث وميم الجمع مع = عارض تحريك كلاهما امتنع
أي: الرَوم والإشمام، وأيضاً ما يسمى بهاء الضمير الممدودة كفيه وعليه وألقوه ورأوه ورآه. وهي في الوقف هاء وفي الوصل هاء، وهذه الهاء اختلف فيها القراء في الوقف عليها، فبعضهم لم يبح فيها روماً ولا إشماماً. وبعضهم أباح الرَوم والإشمام في كل حال.
والمذهب الثالث: هو إن كان قبلها كسر أوياء أو ضم أو واو، فلا روم ولا إشمام وإن لم يكن ففيها الروم والإشمام، وعلى هذا فإذا سئلت عن نحو قوله: ألقوه رأوه؟ قلت: هاء ضمير ممدودة مداً عارضاً للسكون، فإن سئلت هل فيها روم وإشمام؟ قلت: فيها الروم والإشمام عند من أباح.
وعلى هذا يكون فيها سبعة أوجه، إذا كانت مرفوعة، وإن كانت نحو عليه وفيه فعند من أباح الروم فيها أربعة أوجه، وعند من لم يبح روماً ولا إشماماً يكون فيها القصر والتوسط والمد كالعارض للسكون المنصوب.
قال الإمام الشاطبي:
*وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما*
يعني: أبوا الروم والإشمام، هذا أول مذهب
*ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو أماهما *
أم الضمة الواو، وأم الكسرة الياء. هذا المذهب الثاني، (أو أماهما واو وياء وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) هذا هو المذهب الثالث: الإباحة على كل حال.
وما دمنا في السكون العارض فلنذكر شيئاً آخر: هناك ما يسمى عارضاً للسكون غير ممدود، كالشمس والقمر والبرق والبر والبحر وما ليس لهم به علم والأمر، وقس على ذلك، فإن كان منصوباً قلت: هذا عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه وجه واحد السكون فقط، وإن كان مجروراً كالبر والبحر قلت: عارض للسكون غير ممدود مجرور، فيه السكون والروم، وإن كان مرفوعاً كالبرق والبر والبحر والأمر والعلم، قلت: عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام.
وكذا إذا جاءت هاء تانيث غير ممدودة كالصاخة والطامة والقيامة واللوامة قلت: هاء تأنيث غير ممدوده عارضة للسكون، ليس فيها روماً ولا إشماماً.
وإذا جاءت هاء ضمير غير ممدودة، كقوله: {يعظكم به} {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} {نوله} {نصله} {نؤته}، قلت: هاء ضمير غير ممدودة عارضة للسكون.
فإن كانت مجرورة ففيها السكون والروم عند من أباح، وإن كانت مرفوعة ففيها السكون والروم والإشمام عند من أباح، وإلا ففيها السكون فقط.
وهناك مسميات للمدود سمعتها من أشياخنا
أولاً: ما يسمى بمد التمكين وهو نوعان: منفصل، وطبيعي.
فالنوع المنفصل نحو قوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} فتقول مد منفصل، ومد تمكين، والتمكين: هو أن تخلص الواو المضمومة من الواو المعتلة، وكذا في قوله: {إن الله لا يستحيي} فالتمكين هو أن تخلص الياء المتحركة من الياء المعتلة، وفي الطبيعي نحو النبيين مد طبيعي ومد تمكين، ومعنى التمكين أن تخلص المتحركة من المعتلة، وما يتصل بهاء الضمير يسمى مد صلة كقوله: {في أمها رسولاً} يقال مد طبيعي ومد صلة صغيرة ونحو: {أمره إلى الله} مد منفصل ومد صلة كبيرة.
هذه أشياء سمعناها من أشياخنا، وكذا مد التعظيم في نحو (لا إله إلا) عند من قصر المنفصل في رواية حفص من طريق الطيبة، يسمى مد تعظيم.
وأيضا هناك ما يسمى بمد المبالغة نحو: {لا شية فيها} {لا مرد له من الله} عند حمزة من طريق الطيبة. هذه أنواع سمعناها من أشياخنا ننبه عليها، وبذلك نكون قد أحطنا بجميع أنواع المدود علماً، وهذا دليل ما قلناه أولا بأول:
قال صاحب التحفة:
أقسام المد
والمد أصلي وفرعي له = وسَمِّ أولاً طبيعياً وهو
مالا توقف له على سبب، = ولا بدونه الحروف تجتلب
بل أي حرف غير همز أو سكون = جا بعد مد فالطبيعي يكون
والآخر الفرعي موقوف على = سبب كهمز أو سكون مسجلا
حروفه ثلاثة فعيها = من لفظ واي وهي في نوحيها
والكسر قبل اليا وقبل الواو ضم = شرط وفتح قبل ألف يلتزم
واللين منها اليا وواو سُكِّنا = إن انفتاح قبل كل أعلنا
وقال:
أحكام المد
للمد أحكام ثلاثة تدوم = وهي الوجوب والجواز واللزوم
فواجب إن جاء همز بعد مد = في كلمة وذا بمتصل يعد
وجائز مد وقصر إن فصل = كل بكلمة وهذا المنفصل
ومثل ذا إن عرض السكون = وقفاً كتعلمون نستعين
أو قدم الهمز على المد وذا = بدل كآمنوا وإيماناً خذا
ولازم إن السكون أصلا = وصلاً ووقفاً بعد مد طولا
ثم قال:
أقسام المد اللازم
أقسام لازم لديهم أربعة = وتلك كلمي وحرفي معه
كلاهما مخفف مثقل = فهذه أربعة تفصل
فإن بكلمة سكون اجتمع = مع حرف مد فهو كلمي وقع
أو في ثلاثي الحروف وجدا = والمد وسطه فحرفي بدا
كلاهما مثقَّل إن إدغما = مخفف كل إذا لم يدغما
واللازم الحرفي أول السور = وجوده وفي ثمان انحصر
يجمعها حروف كم عسل نقص = وعين ذو وجهين والطول أخص
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف = فمده مداً طبيعياً ألف
وذاك أيضاً في فواتح السور = في لفظ حي طاهر قد انحصر
ويجمع الفواتح الأربع عشر = صله سحيراً من قطع كذا اشتهر
ومما كان ينبغي لنا أن نذكره في المد اللازم وقد نسيته الوجوه الثلاثة في أول سورة آل عمران، فلكل القراء في أول سورة آل عمران ثلاثة أوجه:
_ المد اللازم في قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم. الم}، فإذا وصلت بلفظ الجلالة كان لجميع القراء وجهان آخران:
أولاً: القصر: حركتان، هكذا: {الم. الله لا إله إلا هو} والمد اللازم {الم. الله لا إله إلا هو}.
فمن قصر اعتد بالعارض لنقل حركة الهمزة إلى الميم ومن مد لم يعتد بالعارض قال الإمام الحسيني في (إتحافه):
ومد إذا كان السكون بعيده = وإن عرض التحريك فاقصر وطولا
لكل وذا في آل عمران قد أتى = وورش فقط في العنكبوت له كلا
وأما دليل الوجهين في آلآن، وآلذكرين، وآلله أذن، فقول الإمام الشاطبي:
وإن همز وصل بين لام مسكن = وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكل ذا أولى ويقصره الذي = يسهل عن كل كآلان مثلا
فالإبدال بالمد أولى وأحق وأصح، وأكثر طرقاً، والتسهيل صحيح مأخوذ به وقرأنا بالوجهين، وقال الإمام ابن الجزري في الطيبة:
وهمز وصل منك آلله أذن = أبدل لكل أو فسهل واقصرن
واعلم أنه ليس من الضروري القراءة بكل الوجوه في المد العارض، أو في المتصل الموقوف عليه وإنما الضروري أن تعلم جوازها كلها فبأي وجه قرأت أصبت، وليس من الضروري إحصاء كل الوجوه. وقد تم هذا المبحث النفيس بحمد الله وتوفيقه، والله أعلم.
. . .
استدراك:
تذكرت أني نُسِّيت في خضم باب المد والقصر أن أستدل بما قاله الناظم فأقول:
قال الناظم:
والمد لازم وواجب أتى = وجائز وهو وقصر ثبت
نوع المد إلى ثلاثة أنواع: لازم، وواجب، وجائز. والأصح ما قلناه أنه ضروري ولازم وواجب وجائز.
ثم قال:
فلازم إن جاء بعد حرف مد = ساكن حالين
يوضح السبب في المد اللازم بأنه الساكن الأصلي الذي لا يتغير في الحالين وقفاً أو وصلاً.
ثم قال: وبالطول يمد، والطول عند القراء هو المد المشبع ست حركات، والحركة بقدر ضم الأصبع أو فتحه بحالة متوسطة.
قال الناظم:
وواجب إن جاء قبل همزة = متصلا إن جمعا بكلمة
يريد إذا جاء السبب والموجب في كلمة كأولئك، شاء، جاء، السماء، وهو ما يسمى بالمد المتصل قال الناظم:
وجائز إذا أتى منفصلا = أو عرض السكون وقفا مسجلا
اختصر على نوعين من أنواع المد الجائز وهو المنفصل، والمد العارض للسكون، وترك البدل وما تفرع من العارض للسكون كهاء التأنيث الممدودة وهاء الضمير الممدودة.
وقوله في أول الكلام: وجائز وهو وقصر ثبت، إن أراد به قصر المد البدل أو التخيير في المد العارض فمسلَّم، وإن أراد به قصر المد المنفصل فهو جائز عند غيرنا ويكون معنى الكلام السبب في علة الجواز، وإلا فحفص من طريقنا يقرأ بالتوسط وفويق التوسط أي بالأربعة والخمس.