دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الوقف

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1431هـ/19-04-2010م, 09:41 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أحكام تصرف المريض في ماله

( فصلٌ في تَصَرُّفاتِ المريضِ ) مَن مَرَضُهُ غيرُ مَخوفٍ كوَجَعِ ضِرْسٍ وعَينٍ وصُداعٍ فتَصَرُّفُه لازمٌ كالصحيحِ ولو ماتَ منه، وإن كان مَخُوفًا كبِرْسامٍ وذاتِ الْجَنْبِ ووَجَعِ قلبٍ ودَوامِ قِيامٍ ورُعافٍ وأَوَّلِ فالِجٍ وآخِرِ سُلٍّ والْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ والرِّبْعِ وما قالَ طَبيبانِ مُسلمانِ عَدْلان: إنه مَخوفٌ ومَن وَقَعَ الطاعونُ ببَلَدِه ومَن أَخَذَها الطَّلْقُ لا يَلْزَمُ تَبَرُّعُه لوارِثٍ بشيءٍ، ولا بما فَوقَ الثُّّّّلُثِ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها إن مَاتَ منه، وإن عُوفِيَ فكصحيحٍ، ومَن امْتَدَّ مَرَضُه بِجُذامٍ أو سُلٍّ أو فالِجٍ ولم يَقْطَعْه بفِراشٍ فمِن كلِّ مالِه، والعكْسُ بالعكسِ، ويُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عندَ موتِه ويُسَوِّي بينَ الْمُتَقَدِّمِ والمتَأَخِّرِ في الوَصِيَّةِ، ويَبدأُ بالأَوَّلِ فالأَوَّلِ في العَطِيَّةِ، ولا يَمْلِكُ الرجوعَ فيها، ويُعْتَبَرُ القَبولُ لها عندَ وُجودِها، ويَثْبُتُ الْمِلكُ إِذن، والوصِيَّةُ بخِلافِ ذلك.


  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.....................

  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فصلٌ

(في تَصَرُّفاتِ المريضِ) بعَطِيَّةٍ أو نَحْوِها ِن مَرَضٍ غيرِ مَخُوفٍ؛كوَجَعِ ضِرْسٍ وعَيْنٍ وصُدَاعٍ)؛أي: وَجَعِ رأسٍ يَسِيرٍ، (فتَصَرُّفُه لازِمٌ؛ كـ) تَصَرُّفِ (الصحيحِ، ولو) صارَ مَخُوفاً و (ماتَ منه) اعتباراً بحالِ العَطِيَّةِ؛ لأنَّه إذ ذاكَ في حُكْمِ الصحيحِ، (وإنْ كانَ) المَرَضُ الذي اتَّصَلَ به الموتُ َخُوفاً كبِرْسَامٍ)،وهو بُخَارٌ يَرْتَقِي إلى الرأسِ، ويُؤَثِّرُ في الدِّمَاغِ، فيَخْتَلُّ عقلُ صاحبِهِ،(وذاتِ الجَنْبِ) قَرْحٌ باطِنَ الجَنْبِ، (ووَجَعِ قَلْبٍ) ورِئَةٍ لا تَسْكُنُ حَرَكَتُها،(ودَوَامِ قِيَامٍ)،وهو المَبْطُونُ الذي أصابَه الإسهالُ، ولا يُمْكِنُه إمساكُه،(و) دَوَامُِعَافٍ)؛لأنَّه يُصَفِّي الدمَ، فتَذْهَبُ القُوَّةُ، (وأوَّلِ فَالِجٍ)،وهو داءٌ معروفٌ يُرْخِي بعضَ البدنِ،(وآخِرِ سِلٍّ) بكسرِ السينِ، والحُمَّى المُطْبِقَةِ، (و) حُمَّى (الرِّبْعِ،وما قالَ طبيبانِ مُسْلِمانِ عَدْلانِ: إِنَّه مَخُوفٌ) فعَطَايَاهُ كوَصِيَّةٍ؛لقولِهِ عليه السلامُ: ((إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ)). رَوَاهُ ابنُ ماجَهْ.
(ومَن وَقَعَ الطاعونُ بِبَلَدِهِ)،أو كانَ بينَ الصفَّيْنِ عندَ الْتِحَامِ حَرْبٍ، وكلٌّ مِن الطائفتَيْنِ مُكَافِئَةٌ للأُخْرَى،أو كانَ مِن المقهورةِ، أو كانَ في لُجَّةِ البحرِ عندَ هَيَجَانِهِ، أو قُدِّمَ أو حُبِسَ لِقَتْلٍ،(ومَن أَخَذَها الطَّلْقُ) حتَّى تَنْجُوَ- (لا يَلْزَمُ تَبَرُّعُه لِوَارِثٍ) بشيءٍ،ولا بما فوقَ الثُّلُثِ)،ولو لأجنبيٍّ،(إلاَّ بإِجَازةِ الوَرَثَةِ لها إنْ ماتَ منه) كوَصِيَّةٍ؛لِمَا تَقَدَّمَ؛لأنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ مِن أُولَئِكَ كتَوَقُّعِ المريضِ، (وإنْ عُوفِيَ) من ذلك (فكصحيحٍ) في نُفُوذِ عَطَايَاهُ كلِّها؛لِعَدَمِ المانعِ.
(ومَنِ امْتَدَّ مَرَضُه بِجُذَامٍ أو سِلٍّ) في ابتدائِهِ،(أو فالِجٍ) في انتهائِهِ، (ولم يَقْطَعْهُ بِفِرَاشٍ، فـ) عَطَايَاهُ ِن كلِّ مالِهِ)؛لأنَّه لا يُخَافُ تَعْجِيلُ الموتِ مِنه كالهَرِمِ، (والعكسُ) بأنْ لَزِمَ الفِراشَ (بالعَكْسِ)،فعَطَايَاهُ كوصيَّةٍ؛ لأنَّه مَرِيضٌ صاحِبُ فِرَاشٍ يُخْشَى مِنه التلَفُ،(ويُعْتَبَرُ الثلُثُ عندَ مَوْتِهِ)؛لأنَّه وَقْتُ لُزُومِ الوصايا واسْتِحْقَاقِها، وثُبُوتِ وَلايَةِ قَبُولِهَا ورَدِّهَا،فإنْ ضَاقَ ثُلُثُه عن العَطِيَّةِ والوصيَّةِ، قُدِّمَتِ العطيَّةُ؛لأنَّها لازِمَةٌ.
ونَمَاءُ العطيَّةِ من القَبُولِ إلى الموتِ تَبَعٌ لها،ومُعَاوَضَةُ المريضِ بِثَمَنِ المِثْلِ مِن رأسِ المالِ والمُحَابَاةُ كعَطِيَّةٍ،(و) تُفَارِقُ العَطِيَّةُ الوَصِيَّةَ في أربعةِ أشياءَ:
أَحَدُها: أنَّه ُسَوَّىبينَ المُتَقَدِّمِ والمتأخِّرِ في الوَصِيَّةِ)؛لأنَّها تَبَرُّعٌ بعدَ الموتِ يُوجَدُ دَفْعَةً واحدةً، (ويُبْدَأُ بالأوَّلِ فالأوَّلِ في العَطِيَّةِ)؛لِوُقُوعِها لازِمَةً.
(و) الثانِي: أنَّه (لا يَمْلِكُ الرجوعَ فيها)؛أي: في العَطِيَّةِ بعدَ قَبْضِها؛لأنَّها تَقَعُ لازمةً في حَقِّ المُعْطِي في الحياةِ، ولو كَثُرَتْ،وإنَّما مُنِعَ مِن التبرُّعِ بالزائدِ على الثلُثِ؛لِحَقِّ الورثةِ،بخلافِ الوصيَّةِ؛فإنَّه يَمْلِكُ الرجوعَ فيها.
(و) الثالثُ: أنَّ العَطِيَّةَ ُعْتَبَرُ القَبُولُ لها عندَ وُجُودِها)؛لأنَّها تَمْلِيكٌ في الحالِ، بِخِلافِ الوَصِيَّةِ؛ فإنَّها تَمْلِيكٌ بعدَ الموتِ، فاعْتُبِرَ عندَ وُجُودِهِ.
(و) الرابعُ: أنَّ العَطِيَّةَ َثْبُتُ المِلْكُ) فيها (إِذَنْ)؛أي: عندَ قَبُولِها، كالهِبَةِ،لكِنْ يكونُ مُرَاعًى؛ لأنَّا لا نَعْلَمُ: هل هو مَرَضُ الموتِأو لا؟ولا نَعْلَمُ: هل يَسْتَفِيدُ مالاً أو يَتْلَفُ شيءٌ مِن مالِهِ؟فتَوَقَّفْنَا؛ لِنَعْلَمَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ، فإذا خَرَجَتْ مِن الثلُثِ تَبَيَّنَّا أنَّ المِلْكَ كانَ ثَابِتاً مِن حِينِهِ، وإلاَّ فبِقَدْرِهِ،(والوصيَّةُ بخلافِ ذلكَ) فلا تُمْلَكُ قبلَ الموتِ؛ لأنَّها تمليكٌ بعدَه،فلا تَتَقَدَّمُهُ، وإذا مَلَكَ المريضُ مَن يُعْتَقُ عليه بهبةٍ أو وصيَّةٍ،أو أَقَرَّ أنه أَعْتَقَ ابنَ عَمِّهِ في صِحَّتِهِ، أُعْتِقَا مِن رأسِ المالِ، ووَرِثَا؛لأنَّه حُرٌّ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، لا مانِعَ به،ولا يكونُ عِتْقُهم وَصِيَّةً، ولو دَبَّرَ ابنَ عَمِّهَ عُتِقَ ولم يَرِثْ، وإنْ قالَ: أنتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي. عُتِقَ ووَرِثَ.


  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 02:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل في تصرفات المريض
بعطية أَو نحوها(من مرضه غير مخوف كوجع ضرس وعين وصداع) أي وجع رأْس (يسير فتصرفه لازم، كـ) تصرف (الصحيح ولو) صار مخوفا و(مات منه) اعتبارا بحال العطية.
لأَنه إذ ذاك في حكم الصحيح (وإن كان) المرض الذي اتصل به الموت (مخوفاكبرسام) وهو بخار يرتقي إلى الرأْس، ويؤثر في الدماغ، فيختل عقل صاحبه (وذات الجنب) قروح بباطن الجنب (ووجع قلب) ورئة لا تسكن حركتها (ودوام قيام) وهو المبطون الذي أَصابه الإسهال، ولا يمكنه إِمساكه (و) دوام (رعاف) .
لأَنه يصفي الدم، فتذهب القوة(وأَول فالج) وهو داء معروف، يرخي بعض البدن.
(وآخر سل) بكسر السين(والحمى المطبقةو(حمى الربع) ومـا قال طبيبـان -مسلمان عدلان- إنـه مخوف).
فعطاياه كوصية لقوله عليه السلام ((إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أَموالكم، زيادة لكم في أعمالكم)) رواه ابن ماجه (ومن وقع الطاعون ببلده) أَو كان بين الصفين، عند التحام حرب.
وكل من الطائفتين مكافئة للأُخرى أَو كان من المقهورة أَو كان في لجة البحر عند هيجانه أَو قدم أَو حبس لقتل (ومن أَخذها الطلق) حتى تنجو (لا يلزم تبرعه لوارث بشيء ولا بما فوق الثلث) ولو لأَجنبى (إِلا بإِجازة الورثة لها إِِن مات منه).
كوصية لما تقدم لأَن توقع التلف من أُولئك كتوقع المريض (وإِن عوفي) من ذلك (فكصحيح) في نفوذ عطاياه كلها، لعدم المانع(ومن امتد مرضه بجذام(أَو سل) في ابتدائه(أَو فالج) في انتهائه (ولم يقطعه بفراش).
فـ) ـعطاياه (من كل ماله) لأَنه لا يخاف تعجيل الموت منه كالهرم(والعكس) بأَن لزم الفراش (بالعكس)فعطاياه كوصيةلأَنه مريض، صاحب فراش، (يخشى منه التلف) (ويعتبر الثلث عند موته) لأَنه وقت لزوم الوصايا واستحقاقها، وثبوت ولاية قبولها وردها.
فإن ضاق ثلثه عن العطية والوصية قدمت العطية، لأَنها لازمةونماء العطية من القبول إلى الموت تبع لهاومعاوضة المريض بثمن المثل من رأْس المالوالمحاباة كعطية.
(و) تفارق العطية الوصية في أَربعة أَشياءأَحدها أَنه (يسوى بين المتقدم والمتأَخر في الوصية) لأَنها تبرع بعد الموت، يوجد دفعة واحدة (ويبدأ بالأَول فالأَول في العطية) لوقوعها لازمة(و) الثاني أَنه (لا يملك الرجوع فيها) أي في العطية بعد قبضها لأَنها تقع لازمة في حق المعطي وتنتقل على المعطى في الحياة ولو كثرت وإنما منع من التبرع بالزائد على الثلث لحق الورثة.
بخلاف الوصية فإنه يملك الرجوع فيها(و) الثالث أن العطية (يعتبر القبول لها عند وجودها) لأنها تمليك في الحال بخلاف الوصية، فإنها تمليك بعد الموت، فاعتبر عند وجوده (و) الرابع أَن العطية (يثبت الملك) فيها (إذًا) أي عند قبولها كالهبة لكن يكون مراعى لأَنا لا نعلم هل هو مرض الموت أَولا ولا نعلم هل يستفيد مالاً أَو يتلف شيء من ماله فتوقفنا لنعلم عاقبه أَمره
فإذا خرجت من الثلث تبينا أَن الملك كان ثابتا من حينه وإلا فبقدره(والوصية بخلاف ذلك) فلا تملك قبل الموت لأَنها تمليك بعده فلا تتقدمه وإِذا ملك المريض من يعتق عليه بهبة أَو وصيةأَو أَقرأَنه أَعتق ابن عمه في صحته عتقا من رأْس المال وورثا، لأَنه حر حين موت مورثه، لا مانع به.
ولا يكون عتقهم وصية ولو دَبَّر ابن عمه، عتق ولم يرث وإن قال: أَنت حرّ آخر حياتي. عتق وورث.


(1) أي في بيان حكم تصرفات المريض، ومحاباته بعطية ونحوها، كإبراء من دين، أو صدقة، وما يتعلق بذلك، ولا ريب أن الصدقة في الصحة أفضل، وأعظم أجرا، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل، أي الصدقة أفضل، قال: ((أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا. وقد كان لفلان)) يعني الوارث وقال:((درهم يتصدق به في حياته، خير من مائة درهم عند موته)).
(2) أي لا يخاف منه الموت في العادة.
(3) كرمد، فتصرفه لازم، كالصحيح.
(4) وكجرب، وحمى يسيرة ساعة أو نحوها، وكالإسهال اليسير، من غير دم يمكنه منعه، وإرساله.
(5) تصح عطيته من جميع ماله، لكون ما ذكر ونحوه لا يخاف منه الموت
في العادة.
(6) أي لكون صدورها في حال لا يخاف منه الموت.
(7) أي فصار حكم تصرفه حكم تصرف الصحيح، تصح عطيته من جميع ماله. وقال الموفق: تبرعات الصحيح من جميع ماله، لا نعلم فيه خلافا.
(8) فمن ثلث ماله، عند جمهور العلماء.
(9) وقال عياض: ورم في الدماغ، يتغير منه عقل الإنسان ويهذي. ويقال: ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع. ويقال: التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب.
(10) ويقال: التهاب غلاف الرئة، فيحدث منه سعال وحمى، ونخس في الجنب، يزداد عند التنفس.
(11) فلا يندمل جرحها، فتصرفه من ثلث ماله.
(12) ولو ساعة، لأن من لحقه ذلك أسرع في هلاكه، وكذا إسهال معه دم، وإن كان الإسهال يجري تارة وينقطع أخرى، فإن كان يوما أو يومين فليس بمخوف، لأن ذلك قد يكون من فضالة الطعام، إلا أن يكون معه زحير أو تقطيع، كأن يخرج متقطعا، فإنه يكون مخوفا.
(13) أي امتداد خروج الدم من الأنف.
(14) فهو من الأمراض المخوفة.
(15) فيبطل إحساسه وحركته، لا نصباب خلط بلغمي، تنسد منه مسالك الروح.
(16) داء يحدث في الرئة. وفي القاموس قرحة تحدث في الرئة، إما تعقب ذات الرئة، أو ذات الجنب أو زكام ونوازل، أو سعال طويل، وتلزمها حمى هادية.
(17) الحمى داء معروف، ترتفع فيه درجة حرارة الجسم، والمطبقة: الدائمة ليلا ونهارًا لا تنفك عنه.
(18) أي التي تأتيه كل رابع يوم، تأخذ يوما، وتذهب يومين، وتعود في الرابع، واشترط بعضهم أن يكون صاحب فراش، وكذا الهرم، قال الموفق: والقولنج، وهو أن ينعقد الطعام في بعض الأعضاء، ولا ينزل عنه، فهذه مخوفة، وإن لم يكن معها حمى، وهي مع الحمى أشد خوفا، وإن ثار الدم واجتمع في عضو كان مخوفا، لأنه من الحرارة المفرطة وإن هاجت به الصفراء فهي مخوفة، لأنها تورث يبوسة، وكذا البلغم إذا هاج، لأنه من شدة البرودة، وقد تغلب على الحرارة الغريزية فتطفئها، وجريح جرحا موهيا، مع ثبات عقله.
(19) فمخوف، لأنهم أهل الخبرة بذلك؛ قال الموفق: وقياس قول الخرقي، أنه يقبل قول واحد عدل، إذا لم يقدر على طبيبين، فإن عمر قبل واحدًا، لما سقاه اللبن، فخرج من جرحه، قال: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم، فاتفق الصحابة على قبول عهده، وكذلك أبو بكر حين اشتد مرضه، وفي الاختيارات: ليس معنى المرض المخوف، الذي يغلب على القلب الموت منه، أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت، لأن أصحابنا جعلوا ضرب المخاض من الأمراض المخوفة، وليس الهلاك فيه غالبا، ولا مساويا للسلامة، وإنما الغرض أن يكون سببا صالحًا للموت، فيضاف إليه، ويجوز حدوثه عنده، وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه.
(20) تنفذ في الثلث فما دونه لأجنبي، وتقف على الإجازة فيما زاد عليه، ولوارث بشيء.
(21) ورواه البزار والدارقطني، وسكت عليه الحافظ في التلخيص، فدل الحديث وما في معناه، على الإذن بالتصرف في ثلث المال عند الوفاة، وهو مذهب جمهور العلماء. ولمسلم: أن رجلا أعتق في مرضه ستة أعبد، لم يكن له مال غيرهم، فأقرع صلى الله عليه وسلم بينهم، فأعتق اثنين، واسترق أربعة؛ وإذا لم ينفذ العتق فيما زاد على الثلث فغيره أولي، ولأن هذه الحال وما في معناها، الظاهر منها الموت، فكانت عطيته فيها في حق ورثته، لا يتجاوز الثلث كالوصية.
(22) الطاعون وباء معروف أعاذنا الله منه، وقال النووي: هو بثر وورم مؤلم جدًا، يخرج معه لهب ويسود ما حوله ويخضر، ويحمر حمرة بنفسجية، ويحصل معه خفقان القلب، ويقال: غدة كغدة البعير، تخرج في المراق والآباط، وقال ابن الأثير: هو المرض العام، والوباء الذي يفسد له الهواء، فتفسد له الأمزجة والأبدان.
(23) واختلطت الطائفتان للقتال، لوجود خوف التلف.
(24) لا من القاهرة فمن جميع ماله، لعدم توقع التلف قريبا.
(25) فكمرض مخوف، لأن توقع التلف إذا كتوقع المريض أو أكثر، وسواء تبين دين الطائفتين أولا.
(26) أي ثورانه، بهبوب الريح العاصف، فكمرض مخوف، لقوله تعالى {وظنوا أنهم أحيط بهم}.
(27) أي أو قدم ليقتل قصاصا أو غيره، لظهور التلف، أو حبس للقتل، أو أسر عند من عادته القتل، فكمرض مخوف، لأنه يترقب القتل.
(28) أي من نفاسها مع ألم ولو بسقط تام الخلقة، فكمرض مخوف، للخوف الشديد. وإن خرج الولد والمشيمة وحصل ورم، أو ضربان شديد، أو رأت دما كثيرا، لأنها لم تنج.
(29) إلا بإجازة الورثة لها إن مات منه، والتبرع إزالة ملك فيما ليس بواجب بغير عوض، كالعتق، والمحاباة والهبة المقبوضة، والصدقة، والوقف، والإبراء من الدين، والعفو عن الجناية الموجبة للمال، والكتابة، ونحو ذلك.
(30) وهذا مذهب جمهور العلماء أبي حنيفة ومالك، وأحد قولي الشافعي، حكاه الوزير وغيره.
(31) أي إلا بإجازة الورثة بما تبرع به لوارث، وبما فوق الثلث لأجنبى حال المرض المخوف ونحوه إن مات منه، وإن لم يجيزوه بطل فيما زاد على الثلث، وما لوارث.
(32) من الخبر وغيره، وحكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء، أحدها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث، أو إجازة الورثة، وأنها لا تصح للوارث إلا بإجازة الورثة، وإن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة، لخبر ((أن تصدق وأنت صحيح شحيح)) إلخ، وأن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كالوصايا فيه، وأن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله.
(33) أي لأن توقع التلف ممن وقع الطاعون ببلده، وما بعده كتوقع المريض التلف قريبا.
(34) أي وإن عوفي مما ذكر من المرض وما يتوقع منه التلف، فحكمه حكم صحيح، في نفوذ عطاياه كلها من جميع ماله، عند جمهور العلماء.
(35) في القاموس: علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها، وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح.
(36) ولم يكن صاحب فراش.
(37) أي لم يلزمه الفراش، فيقال: هو صاحب فراش، بجذام، أو أول سل، أو انتهاء فالج.
(38) كعطايا الصحيح.
(39) لا يخاف تعجيل الموت منه، ما لم يكن صاحب فراش فكمخوف، قال القاضي: إذا كان يذهب ويجيء، فعطاياه من جميع المال، هذا تحقيق المذهب. اهـ. ومتى كان صاحب فراش فكمريض مرضا مخوفا.
(40) حكمه كمريض مرضا مخوفا.
(41) لا تنفذ إلا من ثلث ماله، ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة هذا مذهب الجمهور، مالك وأبي حنيفة وغيرهم.
(42) وما خشي منه التلف لا تنفذ عطاياه.
(43) أي ويعتبر ثلث مال المعطي في المرض عند موته، سواء كان التبرع عطية أو محاباة، أو وقفا، أو عتقا، أو نحو ذلك، لا قبله ولا بعده، فلو أعتق مريض عبدا لا يملك غيره، ثم ملك ما يخرج العتيق من ثلثه، تبينا عتقه كله، لخروجه من ثلثه عند موته، وإن لزمه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء، لأن العتق في المرض كالوصية، والدين مقدم عليها، وحكم هبته كعتقه.
(44) أي لأن الموت وقت لزوم الوصايا، كما سيأتي.
(45) يعني الوصايا، والعطية معتبرة بالوصية.
(46) قال الموفق: وهو قول جمهور العلماء، لأنها لازمة في حق المريض، فقدمت على الوصية، كعطية الصحة.
(47) أي العطية: فلو أعتق في مرضه عبدًا، أو وهبه لإنسان، ثم كسب في حياة سيده شيئا، ثم مات سيده، فخرج من الثلث، كان كسبه له إن كان معتقا، وللموهوب إن كان موهوبا، وإن خرج بعضه، فلهما من كسبه بقدر ذلك.
(48) أي: ومعاوضة المريض مرضا مخوفا ونحوه بثمن المثل، بيعا أو إجارة ونحوهما، ولو مع وارث، فمن رأس المال، لأنه لا تبرع فيها، ولا تهمة، وكذا ما يتغابن بمثله، من رأس المال، لوقوع التعارف به.
(49) أي حكمهما حكمها فيما تقدم، فلو حأبي بأكثر من ثلث ماله، بطلت فيما زاد، أو حأبي وارثه بطلت تصرفاته في قدر المحاباة معه، إن لم تجز الورثة، وصحت فيما لا محاباة فيه، وفي الاختيارات يملك الورثة أن يحجروا على المريض إذا اتهموه بأنه تبرع بما زاد على الثلث، مثل أن يتصدق ويهب ويحابي، ولا يحسب ذلك، أو يخافون أن يعطي بعض المال لإنسان تمتنع عطيته، ونحو ذلك، وكذا لو كان المال بيد وكيل، أو شريك، أو مضارب، وأرادوا الاحتياط على ما بيده، بأن يجعلوا معه يدا أخرى لهم، فالأظهر أنهم يملكون ذلك، وهكذا يقال في كل عين تعلق بها حق الغير.
وقال الشيخ: نكاح المريض في مرض الموت صحيح، وترث المرأة في قول جمهور العلماء، من الصحابة والتابعين، ولا تستحق إلا مهر المثل، لا الزيادة عليه بالاتفاق. وقال ابن رشد: إن دلت الدلائل على أنه قصد بالنكاح خيرا لا يمنع النكاح، وإن دلت على أنه قصد الإضرار بورثته منع، كما في أشياء من الصنائع.
(50) أي تفارق العطية في مرض الموت الوصية، في أربعة أشياء، وما سوى الأربعة، فالعطية كالوصية في سائر أحكامها، كما تقدم.
(51) وإن أوصي بوصايا في وقت، ثم أوصي في وقت آخر، عمل بوصيته المتأخرة.
(52) ولذلك استوى فيها المتقدم والمتأخر، و«دَفْعَة» بفتح الدال المرة، وبالضم: اسم لما يدفع مرة.
(53) أي في حق المعطي، فلو كانت خارجة من الثلث لزمت في حق الورثة، فلو شاركتها الثانية لمنع ذلك لزومها في حق المعطي، لأنه يملك الرجوع في بعضها بعطية أخرى، بخلاف الوصايا، فإنه غير لازمه في حقه، وإنما تلزم بالموت في حال واحدة.
(54) بخلاف الوصية، قولا واحدا.
(55) فلم يملك الرجوع فيها إذا اتصل بها القبول، والقبض كالهبة.
(56) لا لحق المعطي، فلم يملك إجازتها ولا ردها.
(57) لأن التبرع بها مشروط بالموت، ففيما قبل الموت لم يوجد التبرع، فهي كالهبة قبل القبول.
(58) ويفتقر إلى شروط الهبة المذكورة.
(59) فلا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعده.
(60) لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليك الموهوب في الحال كعطية الصحة.
(61) أي مراقبا إلى ماذا يصير الحال.
(62) لأنه إن كان مرض الموت فمن ثلثه، ولوارث لا شيء له، وإن لم يكن مرض الموت فمن جميع ماله.
(63) وعطيته في مرضه، فيختلف الحال بذلك.
(64) لنعمل بها، فلا بد من إيقاف التبرعات على وجه يتمكن الوارث من ردها بعد الموت إذا شاء.
(65) لأن المانع من ثبوته كونه زائدًا على الثلث، وقد تبين خلافه، فلو أعتق رقيقا في مرضه فكسب، ثم مات سيده فخرج من الثلث، كان كسبه له.
(66) أي وإن لم يخرج الموهوب من الثلث، بل خرج بعض الرقيق مثلا، تبينا أنه خرج بقدره من كسبه.
(67) أي والوصية بخلاف العطية، من أنه يثبت الملك فيها عند قبولها، فإن الوصية، لا تملك قبل الموت.
(68) أي لأن الوصية تمليك بعد الموت، فلا تتقدم الموت فتملك قبله كالعطية، بل بعده.
(69) وهم كل ذي رحم محرم منه كأبيه.
(70) أي أو أقر المريض في مرضه المخوف، أنه كان أعتق ابن عمه في صحته.
(71) لأنه لا تبرع فيه، إذ التبرع بالمال إنما هو بالعطية أو الإتلاف، أو التسبب إليه، وهذا ليس بواحد منها، والعتق ليس من فعله، ولا يتوقف على اختياره، فهو كالحقوق التي تلزم بالشرع، فيكون من رأس المال.
(72) أي من الإرث، بل هو كغيره من الأحرار.
(73) وإلا لاعتبر من الثلث، فلو اشترى من يعتق عليه ويرث منه، كأبيه ونحوه، عتق من الثلث، وورث. أو أعتق ابن عمه في مرضه، عتق من الثلث وورث، وإن لم يخرج من الثلث، عتق منه بقدره.
(74) لأن شرط الإرث الحرية، ولم تسبق الموت، فلم يكن أهلا للإرث حينئذ.
(75) أي وإن قال مريض لابن عمه ونحوه: أنت حر آخر حياتي؛ ثم مات المريض، عتق ابن عمه ونحوه، لوجود شرط عتقه وورث، لسبق الحرية الإرث وليست عتقه وصية تتوقف على إجازة الورثة، لأنه حال العتق غير وارث، وإنما يكون وارثا بعد نفوذه.


  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1431هـ/26-05-2010م, 03:57 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

( فصلٌ في تَصَرُّفاتِ المريضِ ) مَن مَرَضُهُ غيرُ مَخوفٍ كوَجَعِ ضِرْسٍ وعَينٍ وصُداعٍ فتَصَرُّفُه لازمٌ كالصحيحِ ولو ماتَ منه، وإن كان مَخُوفًا كبِرْسامٍ وذاتِ الْجَنْبِ ووَجَعِ قلبٍ ودَوامِ قِيامٍ ورُعافٍ وأَوَّلِ فالِجٍ وآخِرِ سُلٍّ والْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ والرِّبْعِ وما قالَ طَبيبانِ مُسلمانِ عَدْلان: إنه مَخوفٌ ومَن وَقَعَ الطاعونُ ببَلَدِه ومَن أَخَذَها الطَّلْقُ لا يَلْزَمُ تَبَرُّعُه لوارِثٍ بشيءٍ، ولا بما فَوقَ الثّلُثِ إلا بإجازةِ الوَرَثَةِ لها إن مَاتَ منه، وإن عُوفِيَ فكصحيحٍ، ومَن امْتَدَّ مَرَضُه بِجُذامٍ أو سُلٍّ أو فالِجٍ ولم يَقْطَعْه بفِراشٍ فمِن كلِّ مالِه، والعكْسُ بالعكسِ، ويُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عندَ موتِه ويُسَوِّي بينَ الْمُتَقَدِّمِ والمتَأَخِّرِ في الوَصِيَّةِ ، ويَبدأُ بالأَوَّلِ فالأَوَّلِ في العَطِيَّةِ، ولا يَمْلِكُ الرجوعَ فيها، ويُعْتَبَرُ القَبولُ لها عندَ وُجودِها، ويَثْبُتُ الْمِلكُ إِذن، والوصِيَّةُ بخِلافِ ذلك.



(1) أي : في بيان حكم تصرفات المريض ومحاباته بعطية ونحوها كإبراء من دين أوصدقة وما يتعلق بذلك .
(2)أي : لا يخاف منه الموت في العادة .
(3) أي : كتصرف الصحيح لأنه حين تصرفه في حكم الصحيح .
(4) مرض في الدماغ يختل منه عقل الإنسان .
(5) التهاب في غلاف الرئة يحدث منه سعال وحمى وألم في الجنب .
(6) هو الإسهال .
(7) نزيف الدم من الأنف .
(8) داء معروف يرخي بعض البدن .
(9) بكسر السين داء يحدث في الرئة .
(10) الحمى داء معروف ترتفع به درجة حرارة الجسم والمطبقة هي الدائمة التي لا تنفك عنه ليلًا لا ﻧﻬارًا .
(11) أي : التي تأتيه كل رابع يوم .
(12) فهو مخوف لأﻧﻬما من أهل الخبرة بذلك .
(13) وباء معروف ومرض عام يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان .
(14) أي : الولادة حتى تنجو منه .
(15) أي : كل من هؤلاء لا يصح تبرعه للوارث منه في هذه الحالة إلا برضا الورثة بذلك إن مات منه .
(16) لأجنبي .
(17) فإن أجاز الورثة ما تبرع به لوارث وما فوق الثلث لأجنبي حال المرض المخوف صح ذلك لأن الحق لهم .
فائدة : حكم العطايا في مرض الموت حكم الوصية في خمسة أشياء :أنه يقف نفوذها على إجازة الورثة أو خروجها من الثلث أﻧﻬا لا تصح للوارث إلا بإجازة الورثة أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة أن العطايا تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة كالوصايا فيه أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله
(18) فإن عوفي من ذلك المرض صح تبرعه كالصحيح لعدم المانع فتنفذ عطاياه من جميع ماله .
(19) مرض تتآكل منه الأعضاء فتتساقط .
(20) أي : لم يلزمه الفراش .
(21) أي : فعطاياه تنفذ من كل ماله لأنه لا يخاف تعجيل الموت منه كالهرم .
(22) أي : فإن لزم الفراش لهذه الأمراض فعطاياه حكمها حكم الوصية لأنه مريض صاحب فراش يخشى موته فتنفذ عطاياه من ثلث ماله كالوصية .
(23) أي : يعتبر ثلث مال المعطي في المرض عند موته لأنه وقت لزوم الوصايا واستحقاقها .
(24) هذا شروع في بيان الفروق بين العطية والوصية وهي أربعة :
(25) هذا هو الفرق الأول .
(26) هذا هو الفرق الثاني .
(27) هذا هو الفرق الثالث بخلاف الوصية فيعتبر القبول لها عند الموت .
(28) هذا هو الفرق الرابع .
(29) فلا تملك قبل الموت .


















  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 12:54 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ
مَنْ مَرَضُهُ غَيْرُ مَخُوفٍ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَعَيْنٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ، .........
ما ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ الهبة وأحكاماً كثيرة تتعلق بها وهي في حال الصحة، ذكر الهبة في حال المرض، فهل الهبة في حال المرض كالهبة في حال الصحة؟ في ذلك تفصيل سيأتي في كلام المؤلف.
واعلم أن الأمراض ثلاثة أقسام: مرض غير مخوف، مرض مخوف، مرض ممتد، فالمرض المخوف هو الذي إذا مات به الإنسان لا يعد نادراً، أي: لا يستغرب أن يموت به الإنسان، وقيل: ما يغلب على الظن موته به، وغير المخوف هو الذي لو مات به الإنسان لكان نادراً، والأمراض الممتدة هي التي تطول مدتها مثل السِّل والجذام.
قوله: «مَنْ مرضُه غيرُ مخوفٍ» ، هذا هو القسم الأول من الأمراض، «مَنْ» اسم موصول مبتدأ «مرضُه» مبتدأ، ولا نقول: مبتدأ ثانٍ، لأن صلة الموصول جملة مستقلة «غير مخوف» خبر المبتدأ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
قوله: «كوجع ضرسٍ» ، فوجع الضرس لا شك أنه يؤلم، وربما يُسْهِرُ الإنسان ليله لكنه غير مخوف، يعني لو أن الإنسان مات من وجع ضرسه لقال الناس: هذا مات في صحته؛ لأنه لا ينسب الموت إلى مثل هذا المرض، وإلا فإن وجع الضرس مؤلم بلا شك.
قوله: «وعين» ، أيضاً وجع العين غير مخوف، إلا أنَّ هناك نوعاً من الأمراض يكون في أصل الضرس، ويكون ـ أيضاً ـ في حدقة العين يسمى عندنا (الحبة)، فهذه مخوفة لا شك، فإذا مات الإنسان منها لم يكن ذلك غريباً، إنما وجع العين العادي ليس مخوفاً.
قوله: «وصداع يسير» الصداع وجع الرأس، لكن اشترط المؤلف أن يكون يسيراً، فأما الصداع الشديد فهو من الأمراض المخوفة؛ لأن نسبة الموت إليه لا تستغرب.

فَتَصَرُّفُهُ لاَزِمٌ كَالصَّحِيحِ وَلَوْ مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَخُوفاً كَبِرْسَامٍ وَذَاتِ الجَنْبِ وَوَجَعِ قَلْبٍ وَدَوَامِ قِيَامٍ وَرُعَافٍ وَأَوَّلِ فَالِجٍ وآخِرِ سِلٍّ والحُمَّى المُطْبِقَةِ والرِّبْعِ، ......
قوله: «فتصرفه لازم كالصحيح» ، أي: من كان مصاباً بهذا المرض فتصرفه لازم كالصحيح، أي: كمن ليس به مرض.
مثال ذلك: رجل أصابه وجع في ضرسه فأوقف جميع ماله، فالتصرف صحيح، ولو وهب جميع ماله فالتصرف صحيح؛ لأن المرض غير مخوف فهو كالصحيح، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر»[(47)]، الشاهد في قوله: «تأمل البقاء» ، والإنسان في هذه الأمراض اليسيرة يأمل البقاء.
وقوله: «فتصرفه لازم» ، قد يشكل على بعض الطلبة كيف جاءت الفاء في الخبر؟ فنقول في إزالة هذا الإشكال: أن «مَنْ» التي هي المبتدأ اسم موصول، والاسم الموصول يشبه اسم الشرط في العموم، فلذلك وقعت الفاء في خبره؛ لأن قوله: «فتصرفه لازم» هذه الجملة خبر المبتدأ، ومنه المثال المشهور: الذي يأتيني فله درهم، والأصل: الذي يأتيني له درهم، لكن لما كان الاسم الموصول مشبهاً لاسم الشرط في العموم، جاز دخول الفاء في خبره.
قوله: «ولو مات منه» أي: فإنه لا يضره.
قوله: «وإن كان» الضمير يعود على المرض.
قوله: «مخوفاً» هذا هو القسم الثاني من الأمراض، وهو المخوف، وهو الذي يصح نسبة الموت إليه، فعدَّ المؤلف اثني عشر نوعاً منه فقال:
«كبرسام» وهو وجع يكون في الدماغ ـ نسأل الله العافية ـ يختل به العقل، فإذا أصاب الإنسان صار مرضه مخوفاً؛ لأنه لو مات به لم يستغرب، ولا يقول الناس: هذا مات فجأة.
قوله: «وذات الجنب» وهو وجع في الجنب في الضلوع، يقولون: إن سببه أن الرئة تلصق في الضلوع، ولصوقها هذا يشل حركتها، فلا يحصل للقلب كمال دفع الدم وغير ذلك من أعماله، فهذا من الأمراض المخوفة.
وكان هذا الداء كثيراً جداً فيما سبق وقد عشنا ذلك، لا سيما في استقبال الشتاء، ولكنه ـ سبحان الله ـ يُشْفَى بإذن الله ـ عزّ وجل ـ بالكي، وهو أحسن علاج له، حتى إن بعض المرضى يغمى عليه، ويبقى الأيام والليالي وقد أغمي عليه، ثم يأتي الطبيب العربي، فيقص أثر الألم في الضلوع ثم يَسِم محل الألم بوَسْمٍ ثم يكويه، فإذا كواه ـ سبحان الله ـ لا يمضي ساعة واحدة إلا وقد تنفس المريض، ولذلك لا يوجد علاج فيما سبق لذات الجنب إلا الكي.
وذات الجنب تؤدي إلى الهلاك لا شك، ومن مات بذات الجنب لم يُعَدَّ مات بشيء غريب.
قوله: «ووجع قلب» أيضاً من الأمراض المخوفة؛ لأن القلب إذا أصابه الألم لم يستطع أن يضخ الدم أو ينقي الدم فيهلك البدن؛ لأن القلب بإذن الله مصفاة ـ سبحان الذي خلقه ـ يرد إليه الدم مستعملاً وفي نبضة واحدة يعود نقياً، فيدخل من عرق ويخرج من عرق آخر في لحظة، وهذا معنى النبضة، ثم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أودعه قوة إذا احتاج الإنسان إليها وجدت، وإن لم يحتج فهو طبيعي، ولذلك إذا حملت شيئاً شاقاً أو سعيت بشدة تجد نبضات القلب تزيد؛ لأنه يحتاج إلى ضخ بسرعة.
فإذا وجع القلب فهو خطر على الإنسان لا شك، وأوجاع القلب أنواع متنوعة يعرفها الأطباء، لكن منها ما هو قوي ومنها ما هو دون ذلك.
قوله: «ودوام قيام» القيام هو الإسهال، فإذا كان دائماً فلا شك أنه مخوف؛ لأن الأمعاء مع هذا الإسهال لا يبقى فيها شيء يمتص الجسم منه غذاءً، فيهلك الإنسان، أما القيام اليسير كيوم أو يومين، فهذا لا يضر ولا يعد مرضاً مخوفاً، لكن إذا دام مع الإنسان فآخر مآله الموت.
قوله: «ورعاف» وهو خروج الدم من الأنف، هذا ـ أيضاً ـ إذا كان يسيراً فإنه ليس مرضاً، وإن كان دائماً فهو مرض؛ لأنه إذا دام فإن الدم ينزف، ومعلوم أن البدن لا يقوم إلا بالدم؛ لأن أصل البدن دم، فأصله عَلَقة، فلا يقوم إلا بذلك، فمع دوام الرعاف يعتبر المرض مرضاً مخوفاً.
قوله: «وأول فالج» الفالج هو خدورة البدن وأنواعه متعددة، ويسمى في عرف المتأخرين «الجلطة أو الشلل»، لكن أول الفالج خطر؛ لأن هذه الخدورة قد تسري إلى البدن بسرعة فتقضي عليه، أما إذا كان في آخر فالج فلا، إلا أن يقطعه بفراش كما سيأتي.
قوله: «وآخر سِل» الخطر في السِّل في آخره؛ لأن أول السل ربما يشفى منه المريض إما بحِمية أو بمعالجة يسيرة، لكن آخره خطر، فهو مرض مخوف، لكنه من الأمراض التي يسَّر الله للناس الحصول على دوائها، فأصبح في زماننا ليس بمخوف.
قوله: «والحمى المطبقة» يعني الدائمة.
قوله: «والرِّبع» التي تأتي في اليوم الرابع تتكرر عليه، كل يوم رابع تأتيه الحمى، والحمى هي السخونة وهي معروفة، وقد أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الحمى من فيح جهنم، وأنها تُطفأ بالماء البارد[(48)]، وهذا الطب اليسير السهل قد علم من كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، والأطباء الآن يرجعون إليه فيصفون هذا الدواء لمن أصيب بالحمى، حتى إنهم يجعلون بعض المرضى أمام المكيف، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن الحمى معناها خروج الحرارة من داخل البدن إلى ظاهره، فيبقى البدن من الداخل بارداً، وإذا عدمت الحرارة اختل التوازن بلا شك؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل برودة وحرارة، ورطوبة ويبوسة يقوم بها البدن، فإذا غلب أحدها على الآخر اختلت طبيعة البدن، فإذا جاء البرد، انتقلت الحرارة من الظاهر إلى الباطن فيعتدل البدن.

وَمَا قَالَ طَبِيبانِ مُسْلِمَانِ عَدْلانِ: إِنَّهُ مَخُوفٌ. ...........
قوله: «وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف» فالشرط الأول: قوله: «طبيبان» ، فغير الطبيب لا يعتبر قوله، فلو أن عامياً قال لمريض من المرضى: إن مرضك هذا مخوف، وهو غير طبيب ولا يعرف الطب فإنه لا يعتبر قوله، كما لو أفتاك الجاهل بأن هذه الصلاة صحيحة أو غير صحيحة، أو هذا الوضوء صحيح أو غير صحيح.
فإذا كان غير طبيب لكنه مقلد لطبيب، أي: أنه قد سمع من طبيب ماهر أن هذا المرض مخوف، فإنه على القول الراجح يؤخذ بقوله؛ لأنه أخبر عن طبيب، كما أنه في المسائل الشرعية لو أخبر شخص عن عالم بأنه قال: هذا حرام، فإنه يقبل قوله إذا كان مقبول الخبر.
الشرط الثاني: «مسلمان» وضدهما الكافران، ولو كانا من أحذق الأطباء فإنه لا عبرة بقولهما، لقول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}} [الحجرات: 6] ، فإذا كان هذا خبر الفاسق فخبر الكافر مردود لا يقبل.
الشرط الثالث: «عدلان» والعدل هو المستقيم في دينه ومروءته، فالاستقامة في الدين أن يؤدي الفرائض ويجتنب المحارم، فالمتهاون بصلاة الجماعة مثلاً ـ والجماعة واجبة عليه ـ ليس بعدل، وحالق اللحية ـ مثلاً ـ ليس بعدل إذا استمر على ذلك.
والمروءة أن لا يفعل أو يقول ما يخرم المروءة، وينزل قيمته عند الناس، وإن كان الفعل في نفسه ليس محرماً، وقد ذكر الفقهاء ـ رحمهم الله ـ من الأمثلة:
الرجل المتمسخر، يعني الذي يفعل التمثيليات سخرية وهزءاً، فإن هذا خارم للمروءة.
وذكروا ـ أيضاً ـ الذي يأكل في السوق فليس عنده مروءة، ومعلوم أن هذا المثال في الوقت الحاضر لا ينطبق على ذلك؛ لأن الناس الآن اعتادوا أن يأكلوا في السوق، ولا أعني الولائم، لكن لو وُجِدَ مطعم في السوق فإن الإنسان يأكل فيه.
وكنا نستنكر أن يشرب الشاي في دكانه، ونرى هذا خارماً للمروءة، والآن ليس بخارم للمروءة، فالناس يشربون الشاي والقهوة في الدكاكين.
قالوا: ومما يخرم المروءة أن يمد الإنسان رجله بين الجالسين؛ لأنه من العادة أن الإنسان يوقر جلساءه، وأن لا يمد رجليه بينهم، ولكن هذا في الحقيقة يختلف، فإذا كان الإنسان معذوراً وعرف الجالسون أنه معذور، فإن ذلك لا يعد خارماً للمروءة؛ لأنهم يعذرونه، أو كان الرجل استأذن منهم وقال: ائذنوا لي، ففعل فليس خارماً للمروءة، أو كان الإنسان بين أصحابه وقرنائه، ففعل ومد رجله بينهم وهم جلوس، فهذا لا يعد خارماً للمروءة، ومن الأمثال العامية «عند الأصحاب ترفع الكلفة في الآداب».
على كل حال الضابط في المروءة: أن لا يفعل ما ينتقده الناس فيه، لا من قول ولا من فعل.
فالشروط أربعة:
العلم بالطب، الإسلام، العدالة، عدد محصور باثنين.
وذلك لأن هذا من باب الشهادة، فلا بد فيها من الإسلام والعدالة والتعدد، فإذا اختل شرط من ذلك فإنه لا عبرة بقولهم، مع أنهم قالوا في صفة الصلاة: يجوز للإنسان أن يصلي قاعداً، إذا قال الطبيب المسلم الواحد: إن القيام يؤثر عليك، لكنهم يفرقون بين هذا وذاك، بأن ذاك خبر ديني يتعلق بأمور الدين، وهذا يتعلق بأمور المال، هذا ما قيده به المؤلف.
والصواب في هذه المسألة: أنه إذا قال طبيب ماهر: إن هذا مرض مخوف، قبل قوله، سواء كان مسلماً أو كافراً، ولو أننا مشينا على ما قال المؤلف لم نثق في أي طبيب غير مسلم، مع أننا أحياناً نثق بالطبيب غير المسلم أكثر مما نثق بالطبيب المسلم، إذا كان الأول أشد حذقاً من الثاني.
ثم إن صناعة الطب يبعد الغدر فيها من الكافر؛ لسببين:
الأول: أن كل إنسان يريد أن تنجح صناعته، فالطبيب ولو كان غير مسلم يريد أن تنجح صناعته، وأن يكون مصيباً في العلاج وفي الجراحة.
الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدينه وهو كافر، وإذا كان داعية لدينه فلا يمكن أن يغرر بالمسلم؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس ويحبوه ويحترموه؛ لأنه ناصح، فالصواب في هذه المسألة أن المعتبر حذق الطبيب، والثقة بقوله، والأمانة، ولو كان غير مسلم، والدليل على هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ بقول الكافر في الأمور المادية التي مستندها التجارب، وذلك حينما استأجر رجلاً مشركاً من بني الديل اسمه عبد الله بن أريقط ليدله على الطريق في سفره في الهجرة[(49)]، فاستأجره النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو كافر، وأعطاه بعيره وبعير أبي بكر؛ ليأتي بهما بعد ثلاث ليال إلى غار ثور، فهذا ائتمان عظيم على المال وعلى النفس.
وحتى العدالة، فلو أننا اشترطناها في أخبار الأطباء ما عملنا بقول طبيب واحد إلا أن يشاء الله؛ لأن أكثر الأطباء لا يتصفون بالعدالة، فأكثرهم لا يصلي مع الجماعة ويدخن ويحلق لحيته، فلو اشترطنا العدالة لأهدرنا قول أكثر الأطباء.
وكذلك العدد، فالمؤلف اشترط أن يكون اثنين فأكثر، ولكن الصحيح أن الواحد يكفي؛ لأن هذا من باب الخبر المحض، ومن باب التكسب بالصنعة، فخبر الواحد كافٍ في ذلك.
فإذا قال طبيب حاذق: هذا المرض مخوف يتوقع منه الموت، فإننا نعمل بقوله، ونقول: إن المريض بهذا المرض عطاياه من الثلث.

وَمَنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ، وَمَنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ، لاَ يَلْزَمُ تَبَرُّعُهُ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ وَلاَ بِمَا فَوْقَ الثُّلُثِ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الوَرَثَةِ لَهَا إِنْ مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ فَكَصَحِيحٍ.
قوله: «ومن وقع الطاعون ببلده» ، أي: فهو كالمريض مرضاً مخوفاً؛ لأنه يتوقع الموت بين لحظة وأخرى، فإن الطاعون ـ أجارنا الله والمسلمين منه ـ إذا وقع في أرض انتشر بسرعة، لكن مع ذلك قد ينجو منه من شاء الله نجاته، إنما الأصل فيه أنه ينتشر، فكل إنسان في البلد التي وقع فيها الطاعون يتوقع أن يصاب به بين عشية وضحاها، فلا فرق بينه وبين من أصابه المرض، في اليأس من الحياة، فعطاياه في حكم عطايا المريض مرضاً مخوفاً.
والطاعون قيل: إنه نوع معين من المرض يؤدي إلى الهلاك، وقيل: إن الطاعون كل مرض فتاك منتشر، مثل الكوليرا، فالمعروف أنها إذا وقعت في أرض فإنها تنتشر بسرعة، والحمى الشوكية، وغيرها من الأمراض التي يعرفها الأطباء ونجهل كثيراً منها، فهذه الأمراض التي تنتشر بسرعة وتؤدي إلى الهلاك يصح أن نقول: إنها طاعون حقيقة أو حكماً، ولكن الظاهر من السنة خلاف ذلك؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عَدَّ الشهداء فقال: «المطعون والمبطون» [(50)]، وهذا يدل على أن من أصيب بداء البطن غير من أصيب بالطاعون، والمبطون هو الذي انطلق بطنه، فالمهم أن عطايا الصحيح الذي وقع الطاعون في بلده من الثلث.
وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه»[(51)]، فقيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب.
بقي علينا أن نقول: هل نأذن له أن يذهب إذا خيف أن الوباء أصابه؟ الجواب: لا نأذن له بل نمنعه، حتى إن بعض الأطباء ظن إن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها» ؛ أن هذا من باب الحَجْر الصحي، وقال: إن مراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن لا يخرج الناس من هذه الأرض الموبوءة كحَجْرٍ صحي، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم راعى ما هو أعم وأهم وهو الفرار من قدر الله، قال: «لا تخرجوا منها فراراً منه» .
وإذا سمع الإنسان أنه وقع في أرض، فهل يجوز أن يقدم عليها؟ لا؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها» ؛ لأن هذا من باب الإلقاء بالتهلكة، ومن باب قوله تعالى: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] ، كيف تقدم على بلد وقع فيه الطاعون؟! ما مثلك إلا مثل من أقدم على النار ليقتحم فيها.
فإن قال: أليس يمكن أن يَسْلَمَ الإنسان وهو في بلد الطاعون؟ قلنا: بلى، لكن الأصل الإصابة فلا يجوز أن تقدم.
وقد ارتحل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى الشام، وفي أثناء الطريق قيل له: إنه قد وقع فيها الطاعون، وهو طاعون عظيم مات فيه خلق كثير، وعمر ـ رضي الله عنه ـ ليس عنده أثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، لكنه عنده عقل، فكأنه قال: كيف نقدم على أرض فيها هذا الوباء المعدي الفتاك؟! وكان من عادته ـ رضي الله عنه ـ أنه إذا أشكل عليه الأمر يجمع الصحابة ويستشيرهم، فجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ واختلفوا، ثم جمع المهاجرين الأولين ثم الأنصار فاختلفوا عليه جميعاً، ثم دعا من كان عنده من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، وكان الرأي الذي استقروا عليه أن يرجعوا، فقرر الرجوع بمشورة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، وأمر بالارتحال، فجاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح ـ رضي الله عنه ـ الذي قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنه أمين هذه الأمة» [(52)]، وقال فيه عمر ـ رضي الله عنه ـ حين طُعِن: لو كان أبو عبيدة حياً لجعلته خليفة[(53)]؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «هو أمين هذه الأمة» ، فقال: يا أمير المؤمنين كيف تقرر الرحيل، أفراراً من قدر الله؟! خفي على أبي عبيدة ـ رضي الله عنه ـ أن القدر لم يقع حتى نفر منه، لكن لو أقدموا لكانوا هم الذين جاؤوا للقدر، فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!! يعني أتمنى أن غيرك قالها؛ لأن منزلة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر منزلة عالية، نحن نفر من قدر الله إلى قدر الله، من قدر الله الذي نلقي بأيدينا للتهلكة لو قدمنا عليه، إلى قدر الله الذي نسلم به، فهم إن مضوا إلى الشام فبقدر الله، وإن رجعوا فبقدر الله.
ثم ضرب له مثلاً: أن لو كان له إبل في وادٍ له عدوتان، واحدة مخصبة والأخرى مجدبة، فقال له: أما تذهب إلى المخصبة؟ قال: بلى، قال: إذاً إن ذهبت للمخصبة فبقدر الله، وإلى المجدبة فبقدر الله، لكن لن تختار المجدبة، إذاً نحن كذلك لا نختار القدوم على أرض الطاعون.
فرجعوا ـ والحمد لله ـ ووفقوا للصواب، وفي أثناء ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ وكان قد تغيب في حاجة له، فبلغه الخبر وجاء إلى عمر، وقال: يا أمير المؤمنين سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تقدموا عليها، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فراراً منه» ، فقال الحمد لله[(54)]، فكل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ما سمعوا هذا الحديث، إلا عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ، لكن ـ الحمد لله ـ الشريعة محفوظة، لا يمكن أن تخفى، كل ما صدر من الرسول صلّى الله عليه وسلّم من شريعة الله فهو محفوظ، كما قال الله عزّ وجل: {{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}} [الحجر] ، إذاً إذا وقع الطاعون في أرض فإننا منهيون أن نخرج منها فراراً منه، وإذا وقع في أرض فإننا منهيون أن نقدم على هذه الأرض.
وكانت الطواعين تكثر في الجزيرة قبل زمن، لكن ـ الحمد لله ـ الآن أنعم الله علينا نعماً كثيرة، نسأل الله أن لا يجعلها استدراجاً.
ويحكون لنا أنه قد يقدم للصلاة ثمان جنائز، وكانت بلدنا من قبل قرية صغيرة ليس فيها أحد، لكن كثر الأموات حتى إنه إذا دخل الطاعون البيت أفنى العائلة كلها، ويبقى البيت موصد الأبواب على غير أحد، وقالوا: إن قاضي البلد وهو صالح بن عثمان القاضي ـ رحمه الله ـ لما خرجوا يوماً من الأيام من المسجد الجامع بثمان جنائز، وكان الناس ليس عندهم سيارات يحملون الجنائز، فأرعب الناس هذا، ثمان جنائز يتبع بعضها بعضاً!! لا شك أنه يرعب، فنهاهم، وقال: لا يأتِ أحد بجنازته إلى الجامع إلا أهل الحي، والبقية كل حي يصلي على ميته في مسجده، ويخرج به إلى المقبرة خوفاً من الرعب؛ لأنه قد تكون كل جنازة من بيت، وربما يكون بكاء ونحيب من المشهد أو من المصيبة فيمن أصيب بقريبه، فكان من حكمته ـ رحمه الله ـ أن منع أن يؤتى بجنازة إلى الجامع إلا من كان في حي الجامع، فالمهم أن الأوبئة ـ والحمد لله ـ خفَّت الآن، ونسأل الله أن لا يجعله استدراجاً.
قوله: «ومن أخذها الطلق» «مَنْ» اسم موصول، أي: والتي أخذها الطلق، يعني بدأت تطلق من أجل الولادة، والطلق مؤلم وصعب، وسببه انتقال الولد من حال إلى أخرى؛ لأن الولد في الرحم وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى بطنها، فإذا أراد الله ـ عزّ وجل ـ أن يخرج انقلب حتى يكون رأسه الذي يخرج أولاً، وهذا الانقلاب ليس بهين، فالمكان ضيق والرحم كيس من العصب والعروق، فلا شك أنه سيكون ألم شديد، ولولا أن الله ـ تعالى ـ أحاط الولد بما أحاطه به من المشيمة، التي تسهل انقلابه لكان الأمر صعباً جداً، وقال أهل العلم: ينبغي أن يدخل في القبر كما خرج من بطن أمه، بمعنى أننا ننزله من عند رأسه، ليكون هذا الرأس الذي شهد الدنيا أولاً، هو الذي يذهب عن الدنيا أولاً، على كل حال المرأة إذا أخذها الطلق، ثم أعطت عطية في حال الطلق فإنه يكون من الثلث؛ لأنها على خطر، فحكمها حكم المريض مرضاً مخوفاً، مع أن الأمر ـ ولله النعمة والفضل ـ أن السلامة أكثر بكثير من الهلاك، لكن العلماء يقولون: إن هذا يصح أن يكون سبباً للموت، ولا يستغرب لو ماتت في طلقها، فهو مخوف حتى تنجو.
قوله: «لا يلزمُ تبرعُهُ لوارث بشيء» كلمة «لا يلزم» جواب الشرط في قوله: «وإن كان مخوفاً» ، وعلى هذا فيجوز فيها الرفع والجزم، لا يلزمُ، ولا يلزمْ؛ لأنه إذا كان فعل الشرط ماضياً فإنه يجوز رفع المضارع إذا كان جواباً، بخلاف ما إذا كان فعل الشرط مضارعاً فإنه يضعف أن يكون الجواب مرفوعاً، يقول ابن مالك في الألفية:
وبَعْدَ ماضٍ رَفْعُك الجَزَا حَسَنْ
وَرَفْعُهُ بَعْدَ مُضارِعٍ وَهَنْ
وقوله: «لا يلزم تبرعه لوارث بشيء» يعني لو تبرع لوارثه بشيء فهذا غير لازم، بمعنى أن للورثة أن يعترضوا على هذا؛ لأنه في هذه الحال قد انعقد سبب ميراث الورثة منه، فكان لهم حق في المال، فإذا أعطي الوارث فهذا من تعدي حدود الله ـ عزّ وجل ـ؛ لأن الله تعالى قسم مال الميت بين الورثة قسمة عدل بلا شك، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث»[(55)].
ولكن هل يجوز أن يعطي الوارث؟ الجواب: لا يجوز، ولهذا لم تلزم هذه العطية، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»[(56)]، حتى وإن كان هذا الوارث ليس من الأولاد، فلو فرضنا أن رجلاً له إخوة وليس له أولاد، ولما أصيب بالمرض المخوف أعطى بعض الإخوة نصف ماله، أو ربع ماله، فإن هذا لا يجوز ولا تلزم العطية؛ لأنه وارث، والمعطي في مرض الموت، فيخشى أنه أعطى هذا الوارث لينال من التركة أكثر من الآخرين.
وعلم من قوله: «تبرعه لوارث» ، أنه لو تصرف مع الوارث ببيع أو إجارة بدون محاباة، فإن البيع والإجارة لازمان، وأنه لو أنفق على وارث في هذا المرض المخوف فإنه جائز؛ لأن النفقة ليست من باب التبرع، ولكنها من باب القيام بالواجب كالزكاة.
ولو أقر لوارث في مرضه المخوف، فينظر إن وجدت قرائن تدل على صدقه عملنا بإقراره، وإلا فإقراره كتبرعه لا يصح ولا يقبل؛ لأنه ربما يكون بعض الناس لا يخاف الله، ففي مرضه المخوف يقر لبعض الورثة بشيء، فيقول: في ذمتي لفلان كذا وكذا، وليس كذلك، فإذا علمنا أن هذا الرجل عنده من الإيمان بالله ـ عزّ وجل ـ والخوف منه، ووجدت قرينة أخرى تدل على أنه كان فقيراً، وأن الوارث كان غنياً فحينئذٍ نقبل إقراره، وإلاَّ فالأصل عدم قبول إقراره، لكن إذا وجدت قرينة تدل على صدقه عمل بها، ولا يمكن أن نحرم صاحب الدَّين من دَينه، وتبقى ذمة الميت متعلقة به.
قوله: «ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها» يعني ولا بما فوق الثلث لأجنبي، فالأجنبي حده الثلث، فإذا أجاز الورثة فلا بأس، والورثة الذين تعتبر إجازتهم هم الذين يصح تبرعهم، ولا بد أن تكون الإجازة بعد الموت كما سيأتي.
وقوله: «ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها» أي: بما فوق الثلث لغير وارث، حتى لو أعطى شخصاً ليبني له مسجداً بزائد على الثلث فإنه لا ينفذ، ولو أعطى الفقراء زائداً على الثلث فإنه لا ينفذ، لحديث سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ، أنه استأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ وكان مريضاً ـ أن يتصدق بثلثي ماله ـ والثلثان اثنان من ثلاثة ـ فقال: لا، قال: فالشطر ـ والشطر واحد من اثنين ـ قال: لا، قال: فالثلث ـ والثلث واحد من ثلاثة ـ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الثلث والثلث كثير»[(57)]، يعني لا بأس بالثلث مع أنه كثير، ومن فقه ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الثلث والثلث كثير»[(58)]، وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون أنزل من الثلث.
إذاً نقول لهذا المريض مرض الموت المخوف: لا تتصدق بأكثر من الثلث.
الثاني: لا تتصدق لوارث، وهذا على سبيل التحريم؛ لأن المال الآن انعقد السبب الذي به ينتقل إلى الورثة.
وقوله: «إلا بإجازة الورثة» يكونون ورثة بعد الموت، فلو أجازوا قبل الموت فإن إجازتهم لا تقبل، ولا يعتد بها، فلو أن هذا المريض أحضر ورثته، وقال لهم: هذا الوارث منكم فقير وأنا أريد أن أتبرع له بشيء من مالي، فقالوا: لا بأس، فإنه لا يجوز؛ لأن إجازتهم في ذلك الوقت في غير محلها.
ومن أين نأخذ أنه لا تجوز إجازتهم ما دام حياً؟ من قوله: «الورثة» إذ لا يتحقق أنهم ورثة إلا بعد الموت، هذا ما ذهب إليه المؤلف ـ رحمه الله ـ وقيل: إنه إذا كان مريضاً مرضاً مخوفاً فإن إجازتهم جائزة؛ لأنه انعقد السبب لكونهم يرثون هذا المال، وهو مرض الموت، فإذا رضوا بما زاد عن الثلث قبل الموت فإن رضاهم معتبر، ولا يحق لهم الرجوع بعد ذلك، ويدل لهذا القول ما جاء في باب الشفعة، حيث أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم من أراد أن يبيع أن يعرض على شريكه ليأخذ أو يدع[(59)]، فإن هذا يدل على أنه متى وجد السبب وإن لم يوجد الشرط، فإن الحكم المعلق بهذا السبب نافذ، ويدل لذلك ـ أيضاً ـ أن الرجل لو حلف على يمين فأراد الحنث وأخرج الكفارة قبل الحنث، فإن ذلك جائز لوجود السبب، وهذا القول هو الراجح، ولا مانع من اعتباره، فعلى هذا نقول: تصح إجازة الورثة في مرض الموت المخوف؛ لأن سبب إرثهم قد انعقد وهم أحرار.
فإن قال قائل: إننا نخشى أن تكون إجازة الورثة في حال الحياة حياءً وخجلاً، نقول: إذا خشينا ذلك فإن إجازتهم تكون غير معتبرة.
قوله: «إن مات منه» ، أي: من هذا المرض المخوف، فإن أعطى لبعض ورثته شيئاً، قلنا للورثة: الأمر بأيديكم، إن شئتم نفذوا العطية، وإن شئتم امنعوها.
قوله: «وإن عوفي فكصحيح» ، أي: فإن التبرع يكون صحيحاً، مثاله: امرأة أخذها الطلق فتبرعت لزوجها بنصف مالها ثم ماتت من الوضع، فإن التبرع لا يصح إلا بإجازة الورثة، فإن وضعت وبرئت وعادت صحيحة فإن تبرعها لزوجها بنصف مالها صحيح؛ لأن المرض الذي كان يمنعها قد زال، وعليه فيجوز أن يعطي بعض الورثة دون الآخرين، إن كانوا مِنْ غير الأولاد على القول الراجح، ويجوز أن يتبرع بأكثر من الثلث؛ لأن الصحيح يجوز أن يتبرع بجميع ماله، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما حث على الصدقة أتى عمر ـ رضي الله عنه ـ بشطر ماله مسابقاً أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ؛ لأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يتسابقون في الخير، وقال: اليوم أسبق أبا بكر، لم يقل هذا حسداً ولكن غبطة، وأتى أبو بكر بجميع ماله، فقال: لا أسابقك بعد هذا أبداً[(60)] ـ الله أكبر ـ، فالمهم أنه إذا كان هذا المريض الذي أعطى أكثر من الثلث في حال المرض ثم عافاه الله، فإنَّ عطيته تكون نافذة كعطية الصحيح للوارث وغير الوارث؛ لأنه زال المحذور.

وَمَنِ امْتَدَّ مَرَضُهُ بِجُذَامٍ أَوْ سِلٍّ أَوْ فَالِجٍ وَلَمْ يَقْطَعْهُ بِفِرَاشٍ فَمِنْ كُلِّ مَالِهِ، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ،
قوله: «ومن امتد مرضه» ، هذا هو القسم الثالث من الأمراض، وهو الممتد، يعني من كان مرضه مستمراً.
قوله: «بجذام» هذا مثال، والجذام جروح وقروح ـ والعياذ بالله ـ إذا أصابت الإنسان سرت في جميع بدنه وقضت عليه، فهو مرض يسري في البدن، وله أسماء أظنها معروفة عند العوام، منها الغرغرينة وما أشبهها.
ويجب على ولي الأمر أن يعزل الجذماء عن الأصحاء، أي حجر صحي، ولا بد، ولا يعد هذا ظلماً لهم، بل هذا يعد من باب اتقاء شرهم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد»[(61)].
وظاهر هذا الحديث يعارض قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا طِيَرة»[(62)]، ولا شك في هذا؛ لأنه إذا انتفت العدوى فماذا يضرنا إذا كان المجذوم بيننا، ولكن العلماء ـ رحمهم الله ـ أجابوا بأن العدوى التي نفاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما هي العدوى التي يعتقدها أهل الجاهلية، وأنها تعدي ولا بد، ولهذا لما قال الأعرابي: يا رسول الله كيف يكون لا عدوى والإبل في الرمل كأنها الظباء، ـ يعني ليس فيها أي شيء ـ يأتيها الجمل الأجرب فتجرب؟! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أعدى الأول»[(63)]؟ والجواب: أن الذي جعل فيه الجرب هو الله، إذاً فالعدوى التي انتقلت من الأجرب إلى الصحيحات كان بأمر الله ـ عزّ وجل ـ، فالكل بأمر الله تبارك وتعالى.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فر من المجذوم» ، فهذا أمر بالبعد عن أسباب العطب؛ لأن الشريعة الإسلامية تمنع أن يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة، ولهذا إذا قوي التوكل على الله ـ تعالى ـ فلا بأس بمخالطة الأجذم، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ ذات يوم بيد مجذوم وقال له: «كل باسم الله»[(64)]، فشاركه في أكله لقوة توكله صلّى الله عليه وسلّم على الله، وأن هذا الجذام مهما كان في العدوى إذا منعه الله ـ عزّ وجل ـ لا يمكن أن يتعدى.
قوله: «أو سِلٍّ» وهو قروح تكون في الرئة فتتجلَّط وتثقل عن الحركة؛ لأنها دائمة الحركة، فإذا أصاب الإنسان ـ نسأل الله العافية ـ خَرَقَ هذه الرئةَ وقضى عليها.
ولكن ـ الحمد لله ـ الآن الطب بتعليم الله ـ عزّ وجل ـ للبشر تقدم، وصار يمكن أن يقضى على السل، لا سيما في أوله.
قوله: «أو فالج» الفالج يعني الخدورة التي تصيب الإنسان في أحد جنبيه، أو في رأسه، أو في ظهره، وهذا الفالج أولَ ما يصيب الإنسان خطر، لكن إذا امتد صار أهون خطراً.
قوله: «ولم يقطعه بفراش» وجه ذلك أنه إذا قطعه بفراش صار مخوفاً، وصار المريض يشعر بقرب أجله، فصار يتصرف بماله بالتبرع لفلان أو لفلان، أما إذا لم يقطعه بالفراش، فالمريض ـ وإن كان يعرف أن هذا مآله ـ لكنه يستبطئ الموت، وكل إنسان مآله الموت حتى وإن كان صحيحاً، لكن إذا كان المرض لم يلزمه الفراش فإنه يرجو الصحة من وجه، وأيضاً لا يتوقع وقوع الموت عن قرب، فيعتقد أن في الأجل فسحة.
قوله: «فمن كل ماله» ، أي فتصرف هذا الذي لم يقطعه المرض بفراش من كل ماله، وحتى للوارث فإنه لا يضر، إلا الأولاد فإنه يجب التعديل في عطيتهم.
قوله: «والعكس بالعكس» ، العكس من قطعه بفراش فليس تصرفه من كل ماله، ولكن من الثلث، ثم متى يعتبر الثلث؟ قال:

وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَيُسَوَّى بَيْنَ المُتَقَدِّمِ والمُتَأَخِّرِ فِي الوَصِيَّةِ، وَيُبْدَأُ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ فِي العَطِيَّةِ
«ويعتبر الثلث عند موته» ، الثلث الذي ينفَّذ يعتبر عند الموت لا عند العطية؛ لأن الثلث قد يزيد وينقص، فربما يعطي الإنسان العطية وماله كثير فيفتقر، وربما يعطي العطية وماله قليل ثم يغنيه الله، فالمعتبر وقت الموت؛ لأن وقت الموت هو الوقت الذي يتعلق فيه حق الورثة في مال هذا المعطي، إذ قبل الموت لا حق لهم في ماله، فمثلاً رجل أعطى شخصاً مائتي درهم في مرض موته المخوف، وكان ماله حينئذٍ أربعمائة، ثم أغناه الله وصار ماله عند الموت ستمائة، فإن العطية تنفذ؛ لأنها لم تزد على الثلث، أما لو أعطاه مائتي درهم وكان ماله ستمائة وعند الموت صار أربعمائة درهم فلا ينفذ من العطية ما زاد على الثلث إلا بإذن الورثة، فإن لم يأذنوا أخذ ما زاد عن الثلث للورثة.
كذلك فالعطية في مرض الموت لا يتصرف فيها المُعْطَى إلا بتأمين للورثة؛ لأن المعتبر الثلث عند الموت، ولا ندري ربما يتلف مال هذا المريض كله ولا يبقى إلا هذه العطية.
فنقول: إذا كان يعتبر عند الموت فإن هذا المُعْطَى لا يتصرف إلا بتأمين وتوثيق للورثة.
فإن قال قائل: لماذا لا تجيزون له أن يتصرف بثلثها؛ لأننا لو قدرنا أن الميت مات وليس عنده إلا هذه العطية أخذ المُعْطَى ثلثها؟ فنقول: هناك احتمال آخر: أن يموت هذا الميت وعليه دين، وإذا مات وعليه دين فإنه لا حظَّ للمُعْطَى.
قوله: «ويسوَّى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويبدأ بالأول فالأول في العطية» بدأ المؤلف ببيان الفروق بين العطية والوصية وهما تتفقان في أكثر الأحكام، ويجب أن نعلم الفرق بين العطية والوصية قبل كل شيء، فالوصية إيصاء بالمال بعد الموت، بأن يقول: إذا مِت فأعطوا فلاناً كذا، والعطية تبرع بالمال في مرض الموت.
فتشتركان في أنه لا يجوز أن يوصي لوارث، ولا لغير وراث بما فوق الثلث، ولا يجوز أن يعطي وارثاً ولا غير وارث ما فوق الثلث.
وتشتركان أيضاً في أنهما أدنى أجراً وثواباً من العطية في الصحة؛ لأن المراتب ثلاث:
الأولى: عطية في الصحة.
الثانية: عطية في مرض الموت.
الثالثة: وصية.
أفضلها العطية في الصحة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان»[(65)].
يلي ذلك العطية في مرض الموت، ويلي ذلك الوصية، فالوصية متأخرة.
فإذا قال قائل: لماذا تجعلون العطية وهي في مرض الموت أفضل من الوصية؟
فالجواب: أن المُعْطِي يأمل أن يشفى من هذا المرض، والوصية لا تكون إلا بعد الموت.
أما المرض غير المخوف فهذا حكمه حكم الصحة؛ لأن الرجل لا يتوقع الهلاك.
وقوله: «ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويُبْدَأُ بالأول فالأول في العطية» ، هذا هو الفرق الأول بينهما، يعني إذا تزاحمت الوصايا والعطايا وضاق الثلث عنها، فإنه في العطية يبدأ بالأول فالأول، وفي الوصية يتساوى الجميع، أما إذا لم تتزاحم وكان الثلث متسعاً فإنه يعطى الجميع، سواء في الوصية أو العطية.
مثال ذلك: رجل أعطى شخصاً ألف ريال، وأعطى آخر ألفي ريال، وأعطى ثالثاً ثلاثة آلاف ريال، فيكون المجموع ستة آلاف ريال، ثم توفي ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال، ومن المعلوم أن هذه العطايا زادت على الثلث، فماذا نصنع؟
نقول: نعطي الأول فالأول، فنعطي الأول ألف ريال، والثاني ألفي ريال، والثالث لا شيء له؛ لأن التركة تسعة آلاف ثلثها ثلاثة، والثلاثة استوعبتها عطية الأول والثاني، فلا يكون للثالث شيء.
ووجه ذلك أن العطية تلزم بالقبض ويملكها المعطَى بالقبض، فإذا أعطينا الأول ألفاً وأعطينا الثاني ألفين استقر ملكهما على ما أُعطياه، ويأتي الثالث زائداً على الثلث فلا يعطى.
ومثال الوصية : رجل أوصى لشخص بألف ريال، ولآخر بألفي ريال، ولثالث بثلاثة آلاف ريال، ثم مات ووجدنا تركته تسعة آلاف ريال، فهنا الوصايا زادت على الثلث، فالثلث ثلاثة والوصايا تبلغ ستة آلاف ريال، إذاً لا بد أن نرد الوصايا إلى الثلث وندخل النقص على الجميع، لكن لا نقدم الأول على الثاني كما فعلنا في العطية، بل نسوي ونقول: لهم ستة آلاف ولا يستحقون إلا ثلاثة، فننسب الثلاثة إلى الستة فتكون نصفها، فيعطى كل واحد نصف ما أوصي له به؛ لأن نسبة الثلث إلى مجموع الوصايا النصف، فنعطي صاحب الألف خمسمائة، وصاحب الألفين ألفاً، وصاحب الثلاثة ألفاً وخمسمائة، فالجميع ثلاثة آلاف، وهي الثلث.
ووجه ذلك أن هؤلاء الموصى لهم إنما يملكون الوصية بعد موت الموصي، وموت الموصي يقع مرة واحدة، ليس فيه تقديم وتأخير، فهم ملكوا المال الموصى لهم به في آن واحد وهو وقت موت الموصي.
ولو قال قائل: لماذا لا تقولون: إن الوصية الثانية تنسخ الأولى، والثالثة تنسخ الثانية، وحينئذ يُحْرَم الأول والثاني من الوصية، ويعطى الثالث ما أوصي له به، وهو ثلاثة آلاف؟
نقول: هذا لا يصح؛ لأن الجميع تزاحموا في الاستحقاق فلا نقدم بعضهم على بعض، نعم إن قال الموصي: ووصيتي الثالثة ناسخة لما سبق من الوصايا، فحينئذٍ يعمل بها؛ لأن للموصي أن يرجع في وصيته.
ولهذا تقع مشكلة الآن في وصايا الناس، تجد الرجل يوصي بوصية وتكون عنده في الدفتر وينساها، ثم يوصي وصية أخرى لو جمعت إلى الأولى لضاق الثلث، وإن عمل بإحداهما نفذت، كذلك ـ أيضاً ـ تختلف الشروط التي اشترط فيها، مثلاً يقول: هذه على الفقراء، وهذه على طلبة العلم، وهذه على المساجد، وهذه لإصلاح الطرق، فيشكل على الورثة.
ومن ثَمَّ نقول: ينبغي لطلاب العلم أن يرشدوا الناس إلى أنهم إذا أراد أحدهم أن يوصي وصية، يقول: وهذه الوصية ناسخة لما سبقها، فيؤخذ بقوله هذا؛ لأن الرجوع في الوصية جائز، فكلما كتب الإنسان وصية ينبغي أن ينتبه لهذا؛ حتى لا يوقع الموصى لهم والورثة في حيرة فيما بعد، فيستريح ويريح.

  #7  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 12:57 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تابع الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله


وَلاَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَيُعْتَبَرُ القَبُولُ لَهَا عِنْدَ وُجُودِهَا وَيَثْبُتُ المِلْكُ إِذاً، وَالوَصِيَّةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.
قوله: «ولا يملك الرجوع فيها» أي: لا يملك الرجوع في العطية؛ لأنها لزمت؛ لأن العطية نوع من الهبة، فلو أعطى رجلاً ألف ريال وقبضها، صار ملك الألف للمعْطَى، ولا يمكن أن يرجع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه))والوصية يملك الموصي الرجوع فيها، فلو أوصى ببيته لفلان، وقال: هذا البيت بعد موتي يُعْطَى فلاناً ملكاً له، ثم رجع فإنه يجوز؛ لأن الوصية لا تلزم إلا بعد الموت فله أن يرجع.
هذا هو الفرق الثاني : أن العطية اللازمة ـ وهي المقبوضة ـ لا يملك الرجوع فيها، والوصية ولو قبضها الموصى له فإن الموصي يملك الرجوع فيها؛ لأنها لا تلزم إلا بعد موته.
الفرق الثالث :
قوله: «ويعتبر القبول لها» أي: للعطية.
قوله: «عند وجودها» لأنها هبة، فيعتبر أن يقبل المعطى العطية عند وجودها قبل موت المعطي، فإذا أعطاه العطية فإنه يقبل في الحال، والوصية لا يصح قبولها إلا بعد الموت، حتى لو قال الموصي: إني أوصيت لك بهذا البيت بعد موتي ملكاً لك، فقال الموصى له: قبلت وشكر الله سعيك وجزاك الله خيراً، وذهب إلى كاتب العدل وقال: إني أوصيت ببيتي لفلان بعد موتي، فله أن يرجع؛ لأنها وصية.
الفرق الرابع : أنه لا يثبت الملك للموصَى له من حين تم عقد الوصية، بل الملك للموصي، بخلاف العطية فإنه يثبت الملك فيها حين وجودها وقبولها؛ ولهذا قال:
«ويثبت الملك إذاً» ، أي عند وجودها وقبولها، ويت+فرع على هذا أنه لو زادت العطية زيادة متصلة، أو منفصلة فهي للمُعْطى، بخلاف الوصية فالنماء للورثة؛ لأن الملك في الوصية لا يثبت إلا بعد الموت، ولهذا قال: «والوصية بخلاف ذلك» .
هذه أربعة فروق ذكرها المؤلف، وهناك فروق أخرى كنت قد كتبتها زيادة على ما ذكر، فمنها:
الفرق الخامس : اشتراط التنجيز في العطية، وهذا ربما يؤخذ من قوله: «ويعتبر القبول لها عند وجودها» ، وأما الوصية فلا تصح منجزة؛ لأنها لا تكون إلا بعد الموت، فهي مؤجلة على كل حال.
الفرق السادس : الوصية تصح من المحجور عليه، ولا تصح العطية.
مثلاً : رجل عليه ديون أكثر من ماله، مثلاً عليه عشرة آلاف ريال، وماله ثمانية آلاف ريال، وحجر عليه، فلا يمكن أن يعطي أحداً من هذه الثمانية، لأنه محجور عليه، فهذه العطية تبرع يتضمن إسقاط واجب، والتبرع الذي يتضمن إسقاط واجب غير صحيح، لكن لو أوصى بعد موته بألفي ريال فإنه يجوز، والفرق أن الوصية لا تنفذ إلا بعد قضاء الدين، وليس على أهل الدَّين ضرر إذا أوصى بشيء من ماله؛ لأنه إذا مات الميت، نبدأ أولاً بتجهيزه ثم بالديون التي عليه، ثم بعد ذلك بالوصية.
إذاً الوصية تصح من المحجور عليه والعطية لا تصح، والفرق أن العطية فيها إضرار بالغرماء، والوصية ليس فيها إضرار؛ لأنها لن تنفذ إلا بعد قضاء الدين.
وهل تصح من المحجور عليه لسفه؟
المحجور عليه لسفه إما أن يكون صغيراً، وإما أن يكون مجنوناً، وإما أن يكون بالغاً عاقلاً لكنه سفيه لا يحسن التصرف، أما الأول والثاني فلا تصح وصيتهما ولا عطيتهما؛ لأنهما لا قصد لهما ولا يعرفان الوصية والعطية.
وأما الثالث ففيه قولان: قال بعض أهل العلم: تصح وصيته؛ لأنه إنما حجر عليه لمصلحة نفسه، وبعد موته لا يضره ما ذهب من ماله إلى ثواب الآخرة مثلاً، لكن في النفس من هذا شيء؛ لأن السفيه لا يحسن التصرف، فأنا أتوقف في هذا.
الفرق السابع : الوصية تصح بالمعجوز عنه، والعطية لا تصح، فلو أعطى شيئاً معجوزاً عنه كجمل شارد وعبد آبق وما أشبه ذلك، فإنها لا تصح العطية على المشهور من المذهب، والقول الراجح أنها تصح؛ لأن المعطَى إما أن يغنم وإما أن يسلم وليس فيه مراهنة، لكن على المذهب لا تصح العطية بالمعجوز عنه، وتصح الوصية، والفرق أن الوصية لا يشترط تملكها في الحال، فربما يقدر عليها فيما بين الوصية والموت.
والصحيح في هذا أن كلتيهما تصح بالمعجوز عنه.
الفرق الثامن : الوصية لها شيء معين ينبغي أن يُوصى فيه والعطية لا، والشيء المعين الذي ينبغي أن يوصي فيه هو الخُمس، فالإنسان إذا أراد أن يوصي بتبرع فليوصِ بالخمس، فلدينا خمس وربع وثلث ونصف وأجزاء أخرى.
فالوصية بالنصف حرام، والوصية بالثلث جائزة، والوصية بالربع جائزة ولكنها أحسن من الثلث، والوصية بالخمس أفضل منهما، أي من الثلث والربع، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم حين استأذنه سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ في أن يوصي بأكثر من الثلث قال: ((الثلث والثلث كثير))، وقول نبينا صلّى الله عليه وسلّم: ((الثلث كثير)) يوحي بأن الأولى النقص عنه.
وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مع ما أعطاه الله ـ تعالى ـ من الفهم يقول: (لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((الثلث والثلث كثير))، يعني لكان أحسن.
أما أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقد سلك مسلكاً آخر واستنبط استنباطاً آخر، وفهم فهماً عميقاً، فأوصى بالخمس، وقال: أوصي بما رضيه الله لنفسه، ثم تلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}الآية [الأنفال: 41] ، ولذلك اعتمد الفقهاء ـ رحمهم الله ـ أن الجزء الذي ينبغي أن يوصى به هو الخمس.
وهذه ـ أيضاً ـ مسألة أحب من طلبة العلم أن ينبهوا الناس عليها، فالآن الوصايا كلها ـ إلا ما شاء الله ـ بالثلث، يقول الموصي: أوصيت بثلثي ـ سبحان الله!! ـ الرسول صلّى الله عليه وسلّم ماكسه سعد ـ رضي الله عنه ـ من الثلثين إلى النصف إلى الثلث فقال: ((الثلث كثير)) فلماذا لا نرشد العامة ـ لا سيما إذا كان ورثتهم فقراء ـ أن يوصوا بالربع فأقل؟ لكن هذا قليل مع الأسف، والكتَّاب يُرضون من حضر إليهم للوصية، يقول الكاتب: بكم تريد أن توصي؟ فيقول: بالثلث، فلا يقول الكاتب له: بل بالربع أو بالخمس، وهذا غلط.
وأنا أرى أنه إذا طُلِب من إنسان أن يكتب وصية بالثلث، أن يقول: يا أخي تريد الأفضل؟ فإذا قال: نعم، يقول له: الأفضل الخمس، فإذا قال: أنا أريد أكثر فإننا ننقله إلى الربع، ونقول: هذا هو الأفضل، وأنت لو أردت التقرب إلى الله حقاً لتصدقت وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء وتخشى الفقر، أما الآن إذا فارقت المال تذهب تحرمه ممن جعله الله له! فهذا لا ينبغي.
على كل حال الوصية لها جزء معين ينبغي أن تكون به والعطية لا، فلا نقول: يسن أن يعطي الخمس أو الربع.
الفرق التاسع : يقول الفقهاء: الوصية تصح للحمل، والعطية لا تصح؛ ووجه ذلك أن الحمل لا يملك، فإذا أعطيته لم يملك، ولا يصح أن يتملك له والداه؛ لأن الحمل ليس أهلاً للتملك، والعطية لا بد أن يكون التملك فيها ناجزاً.
الفرق العاشر : أن العبد المدبَّر يصح أن يوصَى له، ولا تصح له العطية، مثلاً: رجل عنده عبد مدبَّر ـ وهو الذي علق عتقه بموت سيده ـ فقال له: إذا مت فأنت حر، فهذا مدبَّر؛ لأن عتقه يكون دبر حياة سيده، فيصح أن يوصي لعبده المدبر؛ لأن الوصية تصادف العبد وقد عتق، وإذا عتق صح أن يتملك، ولا يصح أن يعطي عبده بناءً على أن العبد لا يملك بالتمليك، والعطية لا بد أن يتملكها في حينها.
الفرق الحادي عشر : العطية خاصة بالمال، والوصية تكون بالمال والحقوق، ولذلك يصح أن يوصي شخصاً ليكون ناظراً على وقفه، ويصح على قولٍ ضعيف أن يوصي شخصاً بتزويج بناته، ولكن العطية خاصة بالمال.
وليعلم أن من أسباب تحصيل العلم أن يعرف الإنسان الفروق بين المسائل المشتبهة، وقد ألف بعض العلماء في هذا كتباً، كالفروق بين البيع والإجارة، وبين الإجارة والجعالة، بين العطية والوصية، وكل المسائل المشتبهة، فمن أسباب اتساع نظر الإنسان وتعمقه في العلم أن يحرص على تتبع الفروق ويقيدها. هذا ما تيسر لنا، وقد يكون عند التأمل فروق أخرى.
وقد ذكرنا أنه يصح على قول أن يوصي الإنسان بتزويج بناته وهذا هو المذهب، والصحيح أنه لا تصح وصيته بتزويج بناته؛ لأنه ولي على بناته ما دام حياً، وترتيب الولاية ليست إلى الولي، بل هي إلى ولي الولي وهو الله ـ عزّ وجل ـ، وعلى هذا فإذا مات الإنسان انقطعت ولايته في تزويج بناته، كما تنقطع ولاية بقية الأولياء.
فلو قال شخص عند موته: أوصيت إلى فلان أن يتولى تزويج بناتي ثم مات ولهن عم، فالقول الراجح أن يزوجهن العم، والقول الثاني: يزوجهن الوصي.



[1] أخرجه البخاري في الزكاة/ باب فضل صدقة الشحيح الصحيح (1419)؛ ومسلم في الزكاة/ باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الشحيح (1032) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، وعن البخاري «تأمل الغنى» بدل «تأمل البقاء».
[2] أخرجه البخاري في الطب/ باب الحمى من فيح جهنم (5725)؛ ومسلم في الطب/ باب لكل داء دواء واستحباب التداوي (2210) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[3] أخرجه البخاري في الإجارة/ باب استئجار المشركين عند الضرورة (2263) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، ولم يصرح البخاري باسم عبد الله بن أريقط، إنما ورد اسمه في كتب السيرة كما قال الحافظ في الفتح.
[4] أخرجه البخاري في الجهاد والسير/ باب الشهادة سبع سوى القتل (2829)؛ ومسلم في الإمارة/ باب بيان الشهداء (1914) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[5] أخرجه البخاري في الطب/ باب ما يذكر في الطاعون (5729)؛ ومسلم في الطب/ باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (2219) عن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ.
[6] أخرجه البخاري في المغازي/ باب قصة أهل نجران (4380) عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ، ومسلم في فضائل الصحابة/ باب من فضائل أبي عبيدة بن الجراح (2419) ـ رضي الله عنه ـ عن أنس ـ رضي الله عنه ـ.
[7] أخرجه أحمد (1/18) والحاكم (3/268).
[8] سبق تخريجه ص(111).
[9] أخرجه أحمد (5/267)؛ وأبو داود في الوصايا/ باب ما جاء في الوصية للوارث (2870)؛ والترمذي في الوصايا/ باب ما جاء لا وصية لوارث (2120)؛ وابن ماجه في الوصايا/ باب لا وصية لوارث (2713) عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ.
قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه الحافظ في التلخيص (1369)، وانظر طرقه في الإرواء (1655).
[10] سبق تخريجه ص(49).
[11] أخرجه البخاري في الوصايا/ باب الوصية بالثلث (2744)؛ ومسلم في الوصية/ باب الوصية بالثلث (1628) عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ.
[12] أخرجه البخاري في الوصايا/ باب الوصية بالثلث (2743)؛ ومسلم في الوصية/ باب الوصية بالثلث (1629) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[13] أخرجه مسلم في البيوع/ باب الشفعة (1608) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[14] أخرجه أبو داود في الزكاة/ باب في الرخصة في ذلك (1678)؛ والترمذي في المناقب/ باب في مناقب أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ (3675) عن عمر ـ رضي الله عنه ـ، وقال: حسن صحيح.
[15] أخرجه أحمد (2/443) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، والبخاري في الطب/ باب الجذام (5707) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ معلقاً، ولفظه: «كما تفر من الأسد».
[16] أخرجه البخاري في الطب/ باب الطيرة (5753)؛ ومسلم في الطب/ باب الطيرة والفأل... (2225) (116) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ.
[17] أخرجه البخاري في الطب/ باب لا صفر (5717)؛ ومسلم في الطب/ باب لا عدوى ولا طيرة... (222.) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[18] أخرجه أبو داود في الطب/ باب في الطيرة (3925)؛ والترمذي في الأطعمة/ باب ما جاء في الأكل مع المجذوم (1817)؛ وابن ماجه في الطب/ باب الجذام (3542) عن جابر ـ رضي الله عنه
[19] سبق تخريجه ص(102).
[20] سبق تخريجه ص(87).
[21] سبق تخريجه ص(118).
[22] سبق تخريجه ص(118).
[23] أخرجه عبد الرزاق (16363) عن قتادة عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, تصرف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir