دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المجالس العلمية > مجلس عبد العزيز الداخل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 جمادى الآخرة 1434هـ/18-04-2013م, 07:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}

تفسير قول الله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم}

في تفسير هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: ما معنى الغرور؟
المسألة الثانية: ما معنى هذا الأسلوب في اللغة؟ أي: ما غرك بكذا؟ أو ما غرك بفلان؟
المسألة الثالثة: ما معنى الاستفهام في الآية؟
المسألة الرابعة: ما جواب الاستفهام؟ وما مناسبة ذكر اسم الله (الكريم) في الآية؟



فأما جواب المسألة الأولى فيقال فيه: الغُرور في اللغة مصدر غر يغر غُروراً ، وهو الخداع بالباطل بسبب الجهل والغفلة وقلة التجربة، ومنه الانخداع بالأماني الباطلة ، قال الله تعالى في وصف حال الشيطان: {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}
وقال آكل المرار والد امرئ القيس في زوجته هند وكانت تظهر له شدة المحبة ثم سمعها وهي تتمنّى موته:

إن من غرَّه النساء بشيء.......بعد هند لجاهل مغرور

وقال طرفة ابن العبد:

أبا منذر كانت غُروراً صحيفتي.......ولم أعطكم بالطوع مالي ولا عرضي
أي منيتموني بالباطل حتى خدعتموني بتلك الصحيفة

والمغترّ المنخدع.
وغرته الدنيا: أي خدعته بزيتها فهو مغرور منخدع بها.
وغرَّرَ الرجل بنفسه إذا عرَّضها للهلكة.
والغِرُّ الذي لم يجرب الأمور فيسهل انخداعه.
والتغرير بالشخص تعريضه للخديعة لضعف رشده.
والغَرور هو الذي يَغُرُّ غيره.
والمغرور هو المنخدع به.
والغُرور هو وصف فعل الخديعة؛ قال الله تعالى: {فدلاهما بغرور}، وقال: {وما يعدهم الشيطان إلا غروراً}
قال الأصمعي: (الغَرور الذي يغرك، والغُرور الأباطيل).

فهذا تلخيص كلام علماء اللغة في معنى الغرور ، وأقوال المفسرين في تفسير الآية لا تخرج عن هذا المعنى اللغوي.

وما شاع لدى المتأخرين من إطلاق لفظ الغُرور على معنى الزهو والعجب، وقولهم عن صاحب العجب والزهو: إنه مغرور، إنما هو تخصيص لمعنى اللفظ وصرف له عن صريح دلالته في اللغة.
وصاحب العجب يصدق عليه أنه مغرورٌ لأنه منخدع بما غرَّه وفتَنه حتى أصابه ما أصابه من العجب والزهو .
لكن من الخطأ أن يظن أن دلالة اللفظ اللغوية على هذا المعنى هي باعتبار العجب والزهو، وإنما هي باعتبار الجهل والانخداع.

وأما جواب المسألة الثانية: وهي معنى هذا الأسلوب في اللغة ؟ أي ما غرك بكذا؟ أو ما غرك بفلان؟
فبيانه: أن العرب تقول: ما غرك بفلان؟! تريد: ما جرَّأك عليه؟ وما خدعك حتى أصابك منه ما أصابك، أو فاتك من خيره ما فاتك؟.
- قال الأصمعي: (ما غرك بفلان؟ أي: كيف اجترأت عليه؟) . ونقله أبو علي القالي عن أبي نصر.
وفي مواعظ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن القبر يقول لصاحبه إذا وضع فيه: (يا بن آدم ما غرَّك بي؟! قد كنت تمشي حولي فِدَادا). رواه ابن أبي شيبة وغيره، فداداً أي اختيالاً.
قال أبو إسحاق الزجاج: (أي ما خدعك وسوّل لك حتى أضعت ما وجب عليك؟ ) .
وقد تناقله كثير من المفسرين.
ومن هذا الإطلاق قول الله تعالى: {وغركم بالله الغرور}

وأما جواب المسألة الثالثة فيقال فيه: إن الاستفهام جامع لمعنى الإنكار والتوبيخ، وللمفسرين نحو خمسة أقوال في معنى الاستفهام، والقول في معنى الاستفهام فرع عن فهم دلالة الآية.

وأما جواب المسألة الرابعة: فبيانه في قول الله تعالى: {وغركم بالله الغرور} أي خدعكم وجرأكم على عصيان الله الغَرورُ، وقد فُسر بالشيطان باعتبار المصدر ، وفسر بالدنيا لأنها وسيلة، وقال بعض السلف غره جهله لأنه منفَذ الاغترار، وبه تسلط الشيطان على المغرور، وروي هذا المعنى (أن الذي غره جهله) عن عمر وابن عباس والربيع بن خثيم والحسن البصري.
وأما من قال: (غرَّه كرمُه) ؛ فقد أخطأ لأن كرم الله تعالى لا يغرُّ بل يوجب الشكر ، وإنما الذي يغر جهل الجاهل بما يجب أن يقابل به هذا الكرم، وعمايته عن العبر والآيات.
وهذا القول نُقِل معناه عن الفضيل بن عياض ويحيى بن معاذ وأبي بكر الوراق، وذكر الماوردي ما في معناه احتمالاً.
وقد أحسن ابن القيم وابن كثير في رد هذا القول فقال ابن كثير: ( وقوله: {يَاأَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} : هذا تهديد، لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب؛ حيث قال: {الْكَرِيمِ} حتى يقول قائلهم: غرَّهُ كرمه.
بل المعنى في هذه الآية: ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم-أي: العظيم-حتى أقدمت على معصيته، وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء في الحديث: ((يقول الله يوم القيامة: ابنَ آدم! ما غرك بي؟ ابن آدم! ماذا أجبتَ المرسلين؟)).
وقال ابن القيم في الجواب الكافي: (كاغترار بعض الجهال بقوله تعالى: {يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم} فيقول: كرمه، وقد يقول بعضهم: إنه لقَّن المغترَّ حجته!!
وهذا جهل قبيح، وإنما غرَّه بربه الغَرور، وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسؤ وجهله وهواه، وأتى سبحانه بلفظ الكريم وهو السيد العظيم المطاع الذي لاينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه؛ فوضع هذا المغتر الغرور فى غير موضعه واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به) ا.هـ.

وقال البغوي: (وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال: {بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} دون سائر أسمائه وصفاته، كأنه لقنه الإجابة) ا.هـ.
قال ابن كثير معقباً على هذا القول: (وهذا الذي تخيّله هذا القائل ليس بطائل؛ لأنه إنما أتى باسمه {الكَرِيم} لينبه على أنه لا ينبغي أن يُقَابَل الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال السوء) ا.هـ.

والكريم من أسماء الله الحسنى ومعناه المتصف بكل كمال وصفات حسنى، فهو كريم في ذاته، كريم في صفاته، كريم في أفعاله، كريم في أحكامه لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، كريم في ثوابه، كريم في إنعامه فلا تحصى نعمُه، ولا يُحَدُّ فضله، وهو الكريم الذي بيده الخير كله، فكل خير هو موليه والمتفضل به، وهو الكريم المتنزه عن كل نقص وسوء.
وهو الكريم فيما يأمره به وينهى عنه ويرشد إليه، {إن الله نعما يعظكم به}
فما الذي غر هذا الجاهل المغرور بربه الكريم فحرمه من ثواب ربه وعطائه وفضله العظيم؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي لا أكرم منه في ذاته وصفاته، الذي من كرمه تشتاق نفوس العارفين به أعظم شوق إلى لقائه والنظر إلى وجهه الكريم فما الذي غره بربه وحجبه عنه؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي لا يأمر إلا بالعدل والإحسان وما فيه زكاة نفس العبد وطهارتها وقيام مصالحه، ولا يكلف عبده ما لا يطيق؟!
وما الذي غره بربه الكريم الذي أنعم عليه بالنعم العظيمة من مبدأ خلقه إلى موته فقابله نعمه وإحسانه بهذا الكفر والنكران؟!!
فتدبُّر هذه المعاني ومعرفة أوجه اتصالها بمعنى اسم الكريم وآثاره في الخلق والأمر والجزاء يفتح لك أبواباً من فهم القرآن، والله الموفق والمستعان.



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قول


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir