المجلس الخامس عشر: مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة آل عمران

[هيئة الإشراف]

مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 33-51)

حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى "السيد" في قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين}.
2: معنى "الحصور" في قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين}.


تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.

_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

[إنشاد راجح]

بسم الله الرحمن الرحيم

مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 33-51)

1: معنى "السيد" في قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين}.

- كلمة الحصر لغة كما عرفها ابن فارس في معجمه، دالة على الجمع والحبس والمنع.
- وفي المعجم الاشتقاقي المؤصل، نجد أن المعنى المحوري لهذا الأصل:(أن يحتبس في الشيء ما شأنه التسيب كالمائع فلا يتسيب ولا ينطلق)، وبه يتضح استعماله في التعبير عن عدم القدرة على الكلام أو الحركة أو غير ذلك.
- فالحصرُ: العيُّ، الذي لا يقدر على الكلام، وحصر صدره: ضاق، ومنه قول الله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤكم حصرت صدوهم أن يقاتلوكم ..).
- قال ابن منظور: (وكل من بَعِلَ بشيء أو ضاق صدره بأمر، فقد حَصِرَ).ا.هــ.
- ويقال حصره وأحصره إذا منعه وحبسه، وبعض العلماء لا يفرق بينهما وبعضهم يفرق، ولعل إيضاح هذا يكون في بحث آخر.
- والحصير: الملك، لأنه محصور محجوب، والحصير المحبس أو الحبس، ومنه قول الله تعالى: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا).
- والحصور: فعول للمبالغة، مُحَوَّل من حاصر، كضروب. قاله ابن عادل.
- والحصور الذي يكتم السر، قال جرير:
وَلَقَدْ تَسَقَّطني الوُشاةُ فَصادفوا ... حَصِراً بِسرِّكِ، يَا أُمَيْم، ضَنِينا

- والحصور الذي لا ينفق على الندامى، ولا يخرج معهم شيئا، قال الأخطل:
وشاربٍ مربح بالكأس نادمني = لا بالحصور ولا فيها بسوّار

- والحصور الذي لا يأتي النساء، وقيل له حصور لأنه حبس عما يكون من الرجال. قاله الزجاج.
- وأما معنى الحصور في قول الله تعالى: (وسيدا وحصورا ومن الصالحين)، وهو ما وصف الله به نبيه يحيى عليه السلام،
فقد تنوعت عبارات السلف، ومردها إلى أمر واحد، إنما أذكرها للوقوف على ألفاظ مفسري السلف.

أما القول الأول: الحصور الذي لا يأتي النساء.
- مروي عن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد.

- أما قول عبد الله بن مسعود فرواه ابن جرير عن كريب عن ابن خلف عن حماد بن شعيب عن عاصم عن زر عنه.
- أما قول ابن عباس فرواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي نعيم عن سلمة بن سابور عنه.
- وقول مجاهد فرواه ابن جرير عن عبد الرحمن بن الأسود عن محمد بن ربيعة عن النضر بن عربي عنه.
- وقول سعيد بن جبير فرواه ابن جرير من طرق عن عطاء بن السائب عنه.
- أما قول قتادة فرواه ابن جرير عن ابن بشار عن سليمان عن أبي هلال عنه، وبمثله رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عنه.
- وفي رواية ثالثة عن قتادة فيها من لم يسمه ابن جرير، حيث قال ابن جرير: (حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، مثله.).
- وأما قول ابن زيد فرواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عنه.
- وذكر ابن أبي حاتم أنه مروي أيضا عن أبي صالح وعكرمة، وعطية، وفي رواية عن الضحاك، وعن مجاهد.

القول الثاني: (الذي لا يقرب النساء).
- مروي عن مجاهد، والحسن، وقتادة.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير عن محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عنه.
- وقول الحسن فرواه ابن جرير عن محمد بن سنان عن أبي بكر الحنفي عن عباد عنه.
- وقول قتادة رواه ابن جرير عن بشر عن سويد عن سعيد عنه.
- وروى ابن جرير عن المثنى عن أبي حذيفة عن شبل قال: زعم الرقاشي: الحصور الذي لا يقرب النساء.
- وروى ابن جرير عن موسى عن عمرو عن أسباط عن السدي قال: ( الذي لا يريد النساء).
والحصور على هذا بمعنى فاعل، يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات.

القول الثالث: (الذي لا يولد له، وليس له ماء).
- مروي عن الضحاك، وابن عباس، وأبي العالية والربيع بن أنس.
-أما قول الضحاك فرواه ابن جرير عن المثنى عن عمرو بن عون عن هشيم عن جويبر عنه.
- ورواه ابن أبي حاتم بنفس اللفظ عن أبي سعيد الأشج عن الوليد بن القاسم عن جويبر عنه.
- وروى ابن جرير عن رجل عن الحسين بن الفرج عن أبي معاذ عن عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: (هو الذي لا ماء له).
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: (الذي لا ينزل الماء).
- وذكر ابن أبي حاتم أنه مروي عن أبي العالية والربيع بن أنس، بمثل قول ابن عباس.

ومما ورد من آثار في معنى الحصور:
- وروى ابن جرير والحاكم من طريقين عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من يحيى بن زكريا قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عودا صغيرا، ثم قال: ( وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود، ولذلك سماه الله ( سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين).
- والحديث بلفظ الحاكم، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

- وروى ابن أبي حاتم عن أبي جعفر محمد بن غالب البغدادي عن سعيد بن سليمان عن عبادة بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص- لا يدري عبد الله أو عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ( سيد وحصورا)، قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال : ( كان ذكره مثل هذا).
- وقال ابن كثير أنه حديث غريب جدا.

- وروى ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ليس أحدٌ يلقى اللّه إلا يلقاه بذنبٍ غير يحيى بن زكريّا. قرأ سعيدٌ: (وسيّدًا وحصورًا) ثمّ أخذ شيئًا من الأرض فقال: الحصور ما كان ذكره مثل ذي، وأشار يحيى القطّان بطرف أصبعه السّبّابة.
- قال ابن كثير هذا موقوف، وهو أقوى إسنادا من المرفوع، وفي صحة المرفوع نظر.

- وروى ابن جرير عن يونس عن أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: ( ليس أحدٌ إلاّ يلقى اللّه يوم القيامة ذا ذنبٍ إلاّ يحيى بن زكريّا، كان حصورًا معه مثل الهدبة.)
- وروى ابن جرير عن سعيد بن عمرو السكوني عن بقية بن الوليد عن عبد الملك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: (الحصور الّذي لا يشتهي النّساء، ثمّ ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواةً فقال: ما كان معه إلاّ مثل هذه).
- وبلفظ قريب رواه أيضا ابن جرير من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص، وفي السند من هو ابن العاص أهو عبد الله أم أبوه.

- وذكر مكي بن أبي طالب قولا في معنى الحصور فقال: (الحصور هنا هو الذي لا يأتي الذنوب كأنه محصور عنها أي: ممنوعاً منها.) ، وقال ابن عطية: (وأجمع من يعتدّ بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام إنما هي الامتناع من وطء النساء إلا ما حكى مكي ..) ا.هــ.
- وقول مكي هذا ذكره أيضا القاضي عياض ونقله ابن كثير في تفسيره كقول من الأقوال في معنى الحصور.

- وخلاصة المسألة أن الله مدح يحيى عليه السلام بأنه حصورا، وهو الذي لا يأتي النساء، ولكن ذلك لا لعلة فيه أو عدم قدرة، فإن العجز لا يقتضي المدح، بل لعفته عليه السلام، وامتناعه عن الشهوات، بكفاية من الله عز وجل له ذلك، فلم تتطلع نفسه إلى النساء، وولا يقال أنه لا يأتيهن لعلة أو عدم قدرة فذلك يعارض مقام الأنبياء الأكمل خلقا وخُلقا، ولا يكون فيهم نقيصة أو عيبا، بل أن عدم القدرة على النكاح نقص، والفضل في كونها موجودة ثم تقمع وتمنع، وذلك المستحق للمحمدة.

الحمد لله رب العالمين

[إنشاد راجح]

بسم الله الرحمن الرحيم
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

مجلس مذاكرة القسم الرابع من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 33-51)

1.معنى "الحصور" في قوله تعالى: {وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصالحين}.

قائمة المراجع:
أولا المعاجم وكتب الاشتقاق:
-كتاب الألفاظ لابن السكيت (ت: 244 هــ)
- مقاييس اللغة لابن فارس (ت: 395 هــ)
- المخصص لابن سيده ( ت: 458 هــ)
- لسان العرب لابن منظور (ت: 711 هــ)
- المعجم الاشتقاقي المؤصل لمحمد حسن حسن جبل (ت:1436 هــ)

ثانيا كتب معاني القرآن:
- غريب القرآن في شعر العرب ((مسائل نافع بن الأزرق لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما))
- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى: (ت:209 هــ)
- معاني القرآن للفراء (ت217 هــ)
- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ت:276 هـ)
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج (ت:311 هــ)
- معاني القرآن للنحاس (ت: 338 هـ)

ثالثا كتب غريب القرآن:
- نزهة القلوب (غريب القرآن) للسجستاني (ت:330 هــ).
- ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن لغلام ثعلب (ت:345 هــ).
- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (ت:502 هــ).
- التبيان في تفسير غريب القرآن لابن الهائم (ت:815 هــ).

رابعا: كتب التفاسير ( وتشمل المسندة وغيرها ممن ذكر الأقوال أو رجح بعضها):
- تفسير ابن جرير الطبري ( ت:310 هــ).
- تفسير ابن أبي حاتم (ت: 327 هـ)
- تفسير مكي بن أبي طالب (ت:437 هـ)
- تفسير ابن عطية (ت:546 هــ)
- تفسير أبي حيان ( ت:745 هــ)
- تفسير ابن كثير( ت:774 هــ)
تفسير أبي السعود (ت:982 هــ)

* أصل الكلمة ومعناها، وشواهد ذلك من لغة العرب:

أولا معنى كلمة (حصور) لغة:
-كلمة الحصر لغة كما عرفها ابن فارس في معجمه، دالة على الجمع والحبس والمنع.
- وفي المعجم الاشتقاقي المؤصل، نجد أن المعنى المحوري لهذا الأصل: (أن يحتبس في الشيء ما شأنه التسيب كالمائع فلا يتسيب ولا ينطلق)، وبه يتضح استعماله في التعبير عن عدم القدرة على الكلام أو الحركة أو غير ذلك.

- روى نافع بن الأزرق عن ابن عباس أن العرب تعرف ذلك المعنى واستشهد بقول الشاعر:

وحصور عن الخنا يأمر النا ... س بفعل الخيرات والتشمير

- والحصرُ: العيُّ، الذي لا يقدر على الكلام، وحصر صدره: ضاق، ومنه قول الله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤكم حصرت صدوهم أن يقاتلوكم ..).
- قال ابن منظور: (وكل من بَعِلَ بشيء أو ضاق صدره بأمر، فقد حَصِرَ).ا.هــ.
ويقال ناقة حصور: ضيقة الإحليل.
- ويقال حصره وأحصره إذا منعه وحبسه، والحصر والإحصار: المنع من البيت الحرام، وبعض العلماء لا يفرق بين استعمال الحصر والإحصار كأبي عمرو، وهو ما ذهب إليه ابن فارس، وبعضهم يفرق فيجعل الإحصار في المنع الظاهر كالعدو، والمنع الباطن كالمرض، أما الحصر فلا تقال إلا في المنع الباطن، ولعل هذا المبحث اتوسع فيه - إن شاء الله تعالى- في رسالة قول الله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله) الآية.
- وقول ابن ميادة دال على عدم الفرق، وأن المراد هو الحبس، قال:

وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ عَلَيْكَ وَلَا أَنْ أَحْصَرَتْكَ شُغُولُ

- والحصير: الملك، لأنه محصور محجوب، أو لكونه مانعا من أراد الوصول إليه.
- والحصير المحبس أو الحبس، ومنه قول الله تعالى: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا).
- والحصور: فعول للمبالغة، مُحَوَّل من حاصر، كضروب. قاله ابن عادل.
- ويأتي الحصور والحصير لنفس المراد أحيانا كما سيأتي بيانه في البحث.

- وبالوقوف على كتب معاني القرآن وغريبه وجدت أن ما قيل في معنى (حصور) يتمثل في أقوال ترجع إلى المعنى اللغوي للحصر وهو المنع والحبس، أبينها كالآتي:

القول الأول: الذي لا يأتي النساء.
- ذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن قتيبة، والزجاج، والنحاس وغلام ثعلب.
- قال أبو عبيدة: (وهو الذي لا يأتى النساء، والذي لا يولد له)، والقول الثاني لازم للأول، وقد ذكره السجستاني في غريب القرآن، بزيادة: (والذي لا يخرج مع التذاذ شيئا)، وهذا متلازم أيضا للقول، وتلك الجمل الثلاثة ذكرها أيضا ابن الهائم
في التبيان، مضيفا أن (الذي لا يأتي النساء، لا حاجة له فيهن) هو بلغة كنانة.

- وبيّن الزجاج علة هذا القول فقال: (فإنه يقال للذي لا يأتي النساء حصورا، لأنه حبس عما يكون من الرجال) ا.هـ
- وبالرجوع لما ذكرته من كلام محمد حسن جبل يتبين لك من أين أتى ذلك الوصف.
- والفراء قد ذكر هذا القول بصيغة تحتمل التضعيف، وقد ذكر أولا أن الحصور: (المحصر عن النساء لأنها علة وليس بمحبوس) ا.هـ.
- وقال الراغب الأصفهاني أن الحصور الذي لا يأتي النساء إما من العنة، وإما من العفة والاجتهاد في إزالة الشهوة.
- وجاء في المخصص: الذي انقطع عن الجماع.

القول الثاني: الذي لا ينفق على الندامى والقرناء.
- ذكره أبو عبيدة، والزجاج، وزاد ابن السكيت أنه كان لا ينفق مع القوم في شرابهم.
ومنه قول الأخطل:

وشارِبٍ مُربِحٍ، بالكأسِ نادَمَنِي لا بالحَصُورِ، ولا فِيها بِسَوّارِ

- وقال ابن سيده هو المحجم عن الشيء، الممسك البخيل،- ولعل هذا القول صدر عن ابن السكيت- ويقال له الحصير والحصور.

القول الثالث: الذي يكتم السر، ويحبسه في نفسه.
- ويشهد له قول جرير:

ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا. . . حَصِراً بسرك يا أميمَ ضنينا

- واعلم أن أقوال السلف في معنى اللفظة القرآنية مقدمة على أقوال أهل اللغة ممن جاء بعدهم، فالسلف خاصة الصحابة هم أهل اللغة على الحقيقة، وإنما قدمت أقوال أهل اللغة في بحثي هذا للتأكيد على كون المعنى له أصل في اللغة،
معروف لا شاذ ولا منكر، وأن بيانه ابتداء يفيد إثراء القارئ بما استعمل فيه اللفظ لغة، ولأن المعنى المراد في الآية الكريمة محل البحث محصور في قول واحد منها، كما سيتضح بإذن الله تعالى.


* أقوال السلف وأهل التفسير في معنى كلمة (حصور):
- وأما معنى الحصور في قول الله تعالى: (وسيدا وحصورا ومن الصالحين)، وهو ما وصف الله به نبيه يحيى عليه السلام،
فقد تنوعت عبارات السلف فيه كالآتي:

أما القول الأول: الحصور الذي لا يأتي النساء.
- مروي عن عبد الله بن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد.

- أما قول عبد الله بن مسعود فرواه ابن جرير عن كريب عن ابن خلف عن حماد بن شعيب عن عاصم عن زر عنه.
- أما قول ابن عباس فرواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي نعيم عن سلمة بن سابور عن عطية عنه.
- وقول مجاهد فرواه ابن جرير عن عبد الرحمن بن الأسود عن محمد بن ربيعة عن النضر بن عربي عنه.
- وقول سعيد بن جبير فرواه ابن جرير من طرق عن عطاء بن السائب عنه، وذكره ابن أبي حاتم دون إسناد.
- أما قول قتادة فرواه ابن جرير عن ابن بشار عن سليمان عن أبي هلال عنه، وبمثله رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر عنه.
- وفي رواية ثالثة عن قتادة فيها من لم يسمه ابن جرير، حيث قال ابن جرير: (حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، مثله.).
- وأما قول ابن زيد فرواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عنه.
- وذكر ابن أبي حاتم أنه مروي أيضا عن أبي صالح وأحد قولي الضحاك وعكرمة، ومجاهد وعطية وجابر بن زيد..

القول الثاني: الذي لا يقرب النساء.
- مروي عن مجاهد، والحسن، وقتادة.
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير عن محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عنه.
- وقول الحسن فرواه ابن جرير عن محمد بن سنان عن أبي بكر الحنفي عن عباد عنه.
- وقول قتادة رواه ابن جرير عن بشر عن سويد عن سعيد عنه.
- وروى ابن جرير عن المثنى عن أبي حذيفة عن شبل قال: زعم الرقاشي: الحصور الذي لا يقرب النساء.
- وروى ابن جرير عن موسى عن عمرو عن أسباط عن السدي قال: (الذي لا يريد النساء).
والحصور على هذا بمعنى فاعل، يعني أنه يحصر نفسه عن الشهوات.

القول الثالث: (الذي لا يولد له، وليس له ماء).
- مروي عن الضحاك، وابن عباس، وأبي العالية والربيع بن أنس.
-أما قول الضحاك فرواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقين عن جويبر عنه.
- وروى ابن جرير عن رجل عن الحسين بن الفرج عن أبي معاذ عن عبيد بن سليمان عن الضحاك قال: (هو الذي لا ماء له).
- وفي الإسناد مجهول.
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: (الذي لا ينزل الماء).
- وفي رواية ابن أبي حاتم صيغة محتملة لعدم اتصال السند والله أعلم، إذ قال: ( أنبأ جرير)
- وذكر ابن أبي حاتم أنه مروي عن أبي العالية والربيع بن أنس أنهما قالا: (الذي لا يولد له) دون إسناد.

القول الرابع: منثني الذكر.
- رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي عن ضمرة عن عثمان بن عطاء عن أبيه به.


ومما ورد من آثار في معنى الحصور:
- وروى ابن جرير والحاكم من طريقين عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من
يحيى بن زكريا قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عودا صغيرا، ثم قال: ( وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود، ولذلك سماه الله ( سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين).
- والحديث بلفظ الحاكم، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وقال الألباني في السلسلة الصحيحة إسناده حسن.

- وروى ابن أبي حاتم عن أبي جعفر محمد بن غالب البغدادي عن سعيد بن سليمان عن عبادة بن العوام عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص- لا يدري عبد الله أو عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
( سيد وحصورا)، قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال : ( كان ذكره مثل هذا).
- وقال ابن كثير أنه حديث غريب جدا.

- وروى ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ليس أحدٌ يلقى اللّه إلا يلقاه بذنبٍ غير يحيى بن زكريّا. قرأ سعيدٌ:
(وسيّدًا وحصورًا) ثمّ أخذ شيئًا من الأرض فقال: الحصور ما كان ذكره مثل ذي، وأشار يحيى القطّان بطرف أصبعه السّبّابة.
- قال ابن كثير هذا موقوف، وهو أقوى إسنادا من المرفوع، وفي صحة المرفوع نظر.

- وروى ابن جرير عن يونس عن أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: (ليس أحدٌ إلاّ يلقى اللّه يوم القيامة ذا ذنبٍ إلاّ يحيى بن زكريّا، كان حصورًا معه مثل الهدبة.)

- وروى ابن جرير عن سعيد بن عمرو السكوني عن بقية بن الوليد عن عبد الملك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: (الحصور الّذي لا يشتهي النّساء، ثمّ ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواةً فقال: ما كان معه إلاّ مثل هذه).
- وبلفظ قريب رواه أيضا ابن جرير من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ابن العاص، وفي السند شك أهو عبد الله أو أبوه.

* النظر في الأقوال والترجيح:
- أما فقد تبين لك أن أصل الحصر المنع والحبس، ومن معاني الحصور لغة: الذي لا يأتي النساء، والذي لا ينفق على ندمائه أو لاينفق على الشراب بخلا، وهو الممسك البخيل، وهو الكتوم للسر الذي لا يخرجه.
- وأن أقوال السلف جاءت على معنى واحد منها وهو عدم إتيان النساء، ولا يخفى عليك أن بعض الأقوال لا تليق بمقام الأنبياء والرسل، أما القول بأن الحصور الكتوم للسر، فهو إن كان صحيح لغة لكنه لم يرد
عن أحد من السلف تفسير الحصور في الآية به.

- قال أبو حيان في البحر المحيط: (أنه الذي لا يأتي النساء) وذكر قول الشاعر:

وحَصُورًا لا يُرِيدُ نِكاحًا ∗∗∗ لا ولا يَبْتَغِي النِّساءَ الصِّباحا

ورويت أقوالا أخرى:
- فقيل الحصور هو المانع نفسه عن الشهوات مع القدرة، ذكره أبو حيان وأبو السعود.
-وقيل: الحاصر نفسه عن معاصي الله، ذكره أبو حيان.
- وقيل: الهيوب، ذكره أبو حيان ومكي بن أبي طالب.
-وقيل: الحصور هنا هو الذي لا يأتي الذنوب كأنه محصور عنها أي: ممنوعاً منها.
- وهذه الأقوال لم أقف على نسبتها إلى السلف فيما وقفت عليه من مراجع.

- وذكر مكي بن أبي طالب قولا في معنى الحصور فقال: (الحصور هنا هو الذي لا يأتي الذنوب كأنه محصور عنها أي: ممنوعاً منها.)، وقال ابن عطية: (وأجمع من يعتدّ بقوله من المفسرين على أن هذه الصفة ليحيى عليه السلام
إنما هي الامتناع من وطء النساء إلا ما حكى مكي ..) ا.هــ.

* الخلاصة:
ومن تلك المقدمات يتبين لك الراجح بإذن الله:
1. أنبياء الله عز وجل أكمل الناس خلقا وخلقا، وأي وصف يفهم منه الطعن في عصمتهم أو النقص من حالهم فلا يصح أن ينسب إليهم، بل هو مردود.
2. أن الله عز وجل قد مدح يحيى عليه السلام، وجاء وصفه حصورا في سياق مدح، فلا يعقل أن يؤول هذا الوصف إلى ما فيه نقص أو ذم، فضلا عن كونه وصفا لنبي من أنبياء الله عز وجل.
3. الذي ترجح مما ورد عن السلف ومن الآثار التي حسن بعضها، أن وصف الحصور هنا هو الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، ولا يتسق أن يكون المدح لمن عجز عن شيء إجبارا لا اختيارا.
4. والذي يفهم أن عدم إتيان يحيى عليه السلام النساء ورغبته عنهن لا لعلة فيه أو عدم قدرة، بل لعفته عليه السلام وامتناعه عن الشهوات بكفاية الله ذلك الأمر، فعدم القدرة على النكاح نقص، والفضل في حبس النفس
ومنعها عن ذلك وهذا المستحق للمحمدة.
5. فضل الله بعض أنبيائه على بعض، وخص بعضهم على بعض بأمور لتكون في حقهم هى الأكمل والأنسب لحالهم، وهو الحكيم سبحانه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وأكملهم مقاما، قال فيما صح في البخاري ومسلم
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكني أُصَلِّي وأنامُ، وأصومُ وأُفْطِرُ، وأتزوَّجُ النساءَ، فمن رغِبَ عنْ سُنَّتِي فليسَ مِنِّي)، فليس التبتل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

- فحصورا هو الذي لا يأتي النساء لعفته مع قدرته على إتياهن.
وذلك الذي رجحه ابن جرير، وابن كثير وابن عطية، وغيرهم ممن ذكرت.

والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى

[أمل عبد الرحمن]

تقويم المجلس الرابع من مجالس تفسير سورة آل عمران

إنشاد راجح أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.