أمثلة من أقوال المفسرين
هذا المبحث من المباحث التي عني بها علماء التفسير البياني، وتتكرر أمثلته كثيراً في كتبهم، وسأذكر شيئاً من ذلك:
المثال الأول: تفسير قول الله تعالى: {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ}
- قال ابن القيّم رحمه الله: (وقوله: {فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ} متضمّن لمدح آخر لإبراهيم حيث رد عليهم السلام أحسن مما حيَّوه به؛ فإنَّ تحيتهم باسم منصوب متضمن لجملة فعلية تقديره: "سلمنا عليك سلاماً"، وتحية إبراهيم لهم باسم مرفوع متضمن لجملة اسمية تقديره سلام دائم أو ثابت أو مستقر عليكم، ولا ريب أن الجملة الاسمية تقتضي الثبوت واللزوم، والفعلية تقتضي التجدد والحدوث؛ فكانت تحية إبراهيم أكمل وأحسن).
المثال الثاني: تفسير قول الله تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم}
- قال شرف الدين الطيبي في حاشيته على الكشاف في تفسير قول الله تعالى: {ثمّ أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمّتهم أنفسهم} قال: (وفائدة عطف الجملة الاسمية على الفعلية: الإيذان بحدوث الأمن لأولئك، واستمرار الخوف على هؤلاء).
المثال الثالث: تفسير قول الله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}
- قال ابن عاشور في تفسير قول الله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}: (وأوثرت الجملة الإسمية في قوله: {ونحن نسبح} لإفادة الدلالة على الدوام والثبات، أي هو وصفهم الملازم لجبلتهم، وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي دون حرف النفي يحتمل أن يكون للتخصيص بحاصل ما دلت عليه الجملة الاسمية من الدوام، أي نحن الدائمون على التسبيح والتقديس دون هذا المخلوق).
المثال الرابع: تفسير قول الله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن}
- قال ابن الأثير في الجامع الكبير: (من هذا النحو قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن} فإنهم إنما خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية، وشياطينهم بالجملة الاسمية المحققة بإنَّ المشددة؛ فقالوا: في خطاب المؤمنين {آمنا}ولإخوانهم {إنا معكم} لأنهم في مخاطبة إخوانهم بما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اعتقاد الكفر والبعد من أن يزلّوا على صدق ورغبة ووفور نشاط، وكان ذلك متقبلاً منهم ورائجاً عند إخوانهم، وما قالوه للمؤمنين فإنما قالوه تكلفاً وإظهاراً للإيمان خوفاً ومداجاة، وكانوا يعلمون أنهم لو قالوه بأوكد لفظ وأشده لما راج لهم عند المؤمنين إلا رواجاً ظاهراً لا باطناً، ولأنهم ليس لهم من عقائدهم باعث قوي على النطق في خطاب المؤمنين بمثل ما خاطبوا به إخوانهم {إنا معكم} وهذه نكت دقيقة ولطائف خفية لا توجد في نوع من الكلام العربي إلا في القرآن الكريم، وما أكثر ذلك وأمثاله في أثنائه وأوفره! مودعاً في غضونه، فاعرفه وقس عليه).