دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > حلية طالب العلم

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي متن حلية طالب العلم كاملا

المـُــقـَـدِّمـَـةُ


الحمدُ للهِ ، وبعدُ :
فأُقَيِّدُ معالِمَ هذه ( الْحِلْيَةِ ) المبارَكَةِ عامَ 1408 هـ ، والمسلمونَ – وللهِ الحمدُ – يُعايِشونَ يَقَظَةً علْمِيَّةً ، تتَهَلَّلُ لها سُبُحَاتُ الوُجوهِ ، ولا تَزالُ تنشُطُ – متقدِّمَةً إلى الترَقِّي والنُّضوجِ – في أفئدةِ شبابِ الأُمَّةِ مَجْدَها ودَمَها الْمُجَدِّدَ لحياتِها ، إذ نَرَى الكتائبَ الشبابيَّةَ تَتْرَى ، يتَقَلَّبُون في أعطافِ العلْمِ مثْقَلِينَ بِحَمْلِه يَعُلُّونَ منه ويَنْهَلُون ، فلَدَيْهِم من الطموحِ والجامِعِيَّةِ ، والاطِّلاعِ الْمُدْهِشِ والغَوْصِ على مَكنوناتِ المسائلِ ، ما يَفرحُ به المسلمونَ نَصْرًا فسبُحانَ مَن يُحْيِي ويُميتُ قُلوبًا .
لكن ؛ لا بُدَّ لهذه النَّواةِ المبارَكَةِ من السَّقْيِ والتَّعَهُّدِ في مَساراتِها كافَّةً ؛ نَشْرًا للضماناتِ التي تَكُفُّ عنها العِثارَ والتعَثُّرَ في مَثانِي الطلَبِ والعمَلِ ؛ من تَمَوُّجَاتٍ فِكرِيَّةٍ وعَقَدِيَّةٍ ، وسُلوكيَّةٍ ، وطائِفِيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ .
وقد جَعَلْتُ طَوْعَ أيدِيهم رسالةً في ( التَّعَالُمِ ) تَكْشِفُ الْمُنْدَسِّينَ بينَهم خشيةَ أن يُرْدُوهم ، ويُضَيِّعُوا عليهم أمْرَهم ، ويُبَعْثِروا مَسيرتَهم في الطلَبِ فيَسْتَلُّوهُم وهم لا يَشْعُرون .
واليومَ أَخوكَ يَشُدُّ عَضُدَك ، ويأخُذُ بِيَدِك ، فأَجْعَلُ طَوْعَ بَنانِكَ رسالةً تَحمِلُ ( الصفةَ الكاشفةَ ) لحِلْيَتِك ، فها أنذا أَجْعَلُ سِنَّ القَلَمِ على القِرْطَاسِ ، فاتْلُ ما أَرْقُمُ لك أَنْعَمَ اللهُ بك عَيْنًا .
لقد تَوَارَدَتْ مُوجباتُ الشرْعِ على أنَّ التَّحَلِّيَ بمحاسِنِ الآدابِ ، ومَكارمِ الأخلاقِ ، والْهَدْيِ الحسَنِ ، والسمْتِ الصالِحِ: سِمَةُ أهلِ الإسلامِ وأنَّ العِلْمَ – وهو أَثْمَنُ دُرَّةٍ في تَاجِ الشرْعِ الْمُطَهَّرِ – لا يَصِلُ إليه إلا الْمُتَحَلِّي بآدابِه ، الْمُتَخَلِّي عن آفاتِه ، ولهذا عناه العلماءُ بالبحْثِ والتنبيهِ وأَفْرَدُوها بالتأليفِ ، إمَّا على وجهِ العمومِ لكافَّةِ العلومِ، أو على وَجهِ الْخُصوصِ ، كآدابِ حَمَلَةِ القرآنِ الكريمِ ، وآدابِ الْمُحَدِّث وآدابِ الْمُفْتِي وآدابِ القاضي ، وآدابِ الْمُحْتَسِبِ ، وهكذا .
والشأنُ هنا في الآدابِ العامَّةِ لِمَنْ يَسْلُكُ طريقَ التعلُّمِ الشرعيِّ .
وقد كان العلماءُ السابقون يُلَقِّنُونَ الطُّلَّابَ في حِلَقِ العِلْمِ آدابَ الطلَبِ وأَدْرَكْتُ خَبَرَ آخِرِ العَقْدِ في ذلك في بعضِ حَلقاتِ العلْمِ في المسجدِ النبويِّ الشريفِ ؛ إذ كان بعضُ الْمُدَرِّسينَ فيه ، يُدَرِّسُ طُلابَه كتابَ الزرنوجيِّ ( م سنة 593 هـ ) رَحِمَه الله تعالى ، الْمُسَمَّى : ( تعليمَ المتعلِّمِ طَريقَ التعلُّمِ ).
فعَسَى أن يَصِلَ أهلُ العلْمِ هذا الحبْلَ الوَثيقَ الهاديَ لأَقوَمِ طريقٍ فيُدْرَجُ تدريسُ هذه المادَّةِ في فواتِحِ دُروسِ المساجدِ ، وفي موادِّ الدراسةِ النِّظاميَّةِ ، وأَرْجُو أن يكونَ هذا التقييدُ فاتحةَ خيرٍ في التنبيهِ على إحياءِ هذه المادَّةِ التي تُهَذِّبُ الطالبَ وتَسلُكُ به الجادَّةَ في آدابِ الطلَبِ وحَمْلِ العلْمِ ، وأَدَبِه مع نفسِه ، ومع مُدَرِّسِه ، ودَرْسِه ، وزميلِه ، وكتابِه ، وثَمَرَةِ عِلْمِه ، وهكذا في مَراحلِ حياتِه .
فإليك حِلْيَةً تَحْوِي مجموعةَ آدابٍ ، نواقِضُها مَجموعةُ آفاتٍ ، فإذا فاتَ أَدَبٌ منها اقْتَرَفَ الْمُفَرِّطُ آفةً من آفاتِه ، فمُقِلٌّ ومُسْتَكْثِرٌ وكما أنَّ هذه الآدابَ درجاتٌ صاعدةٌ إلى السُّنَّةِ فالوجوبُ ، فنواقِضُها دَرَكَاتٌ هابطةٌ إلى الكراهةِ فالتحريمِ .
ومنها ما يَشْمَلُ عُمومَ الْخَلْقِ من كلِّ مُكَلَّفٍ ، ومنها ما يَخْتَصُّ به طالبُ العلْمِ ، ومنها ما يُدْرَكُ بضرورةِ الشرْعِ ، ومنها ما يُعْرَفُ بالطبْعِ ، ويَدُلُّ عليه عُمومُ الشرْعِ ، من الْحَمْلِ على مَحاسِنِ الآدابِ ومَكارِمِ الأخلاقِ ولم أَعْنِ الاستيفاءَ ، لكن سِياقَتَها تَجْرِي على سبيلِ ضَرْبِ الْمِثالِ ، قاصدًا الدَّلالةَ على الْمُهِمَّاتِ ، فإذا وافَقَتْ نفسًا صالحةً لها ، تناوَلَتْ هذا القليلَ فكَثَّرَتْه وهذا الْمُجْمَلَ ففَصَّلَتْه، ومَن أَخَذَ بها انْتَفَعَ ونَفَعَ، وهي بدَوْرِها مأخوذةٌ من أَدَبِ مَن بارَكَ اللهُ في عِلْمِهم وصاروا أئمَّةً يُهْتَدَى بهم ، جَمَعَنا اللهُ بهم في جَنَّتِه آمينَ .

  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:40 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الفصل الأول: آداب الطالب في نفسه [العلم عبادة]

الفصلُ الأوَّلُ :
آدابُ الطالبِ في نفسِه
العلْمُ عِبادةٌ :
أصلُ الأصولِ في هذه ( الْحِلْيَةِ )، بل ولكلِّ أمْرٍ مَطلوبٍ عِلْمُك بأنَّ العِلْمَ عِبادةٌ، قالَ بعضُ العُلماءِ : ( العِلْمُ صلاةُ السِّرِّ ، وعبادةُ القَلْبِ )
وعليه ؛ فإنَّ شَرْطَ العِبادةِ :
1-إخلاصُ النِّيَّةِ للهِ سبحانَه وتعالى ، لقولِه :{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ...} الآيةَ .وفي الحديثِ الفَرْدِ المشهورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... )) الحديثَ .
فإنْ فَقَدَ العِلْمُ إخلاصَ النِّيَّةِ ، انْتَقَلَ من أَفْضَلِ الطاعاتِ إلى أَحَطِّ المخالَفاتِ ولا شيءَ يَحْطِمُ العِلْمَ مثلُ الرياءِ : رياءُ شِرْكٍ ، أو رِياءُ إخلاصٍ ومِثلُ التسميعِ ، بأن يَقولَ مُسَمِّعًا : عَلِمْتُ وحَفِظْتُ .
وعليه فالْتَزِم التَّخَلُّصَ من كلِّ ما يَشوبُ نِيَّتَكَ في صِدْقِ الطلَبِ كحبِّ الظهورِ ، والتفوُّقِ على الأقرانِ ، وجَعْلِه سُلَّمًا لأغراضٍ وأعراضٍ من جاهٍ أو مالٍ أو تعظيمٍ أو سُمْعَةٍ أو طَلَبِ مَحْمَدَةٍ أو صَرْفِ وُجوهِ الناسِ إليك ، فإنَّ هذه وأَمثالَها إذا شَابَت النِّيَّةَ أَفْسَدَتْها وذَهَبَتْ بَرَكَةُ العلْمِ ولهذا يَتَعَيَّنُ عليك أن تَحْمِيَ نِيَّتَكَ من شَوْبِ الإرادةِ لغيرِ اللهِ تعالى ، بل وتَحْمِي الْحِمَى .

وللعُلماءِ في هذا أقوالٌ ومَوقفٌ بَيَّنْتُ طَرَفًا منها في الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ من كتابِ ( التعالُمِ ) ويُزادُ عليه نَهْيُ العلماءِ عن ( الطَّبُولِيَّاتِ ) وهي المسائلُ التي يُرادُ بها الشُّهْرَةُ .
وقد قيلَ: ( زَلَّةُ العالِمِ مَضروبٌ لها الطَّبْلُ )
وعن سفيانَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ :( كُنْتُ أُوتِيتُ فَهْمَ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا قَبِلْتُ الصُّرَّةَ سُلِبْتُهُ )
فاستَمْسِكْ رَحِمَك اللهُ تعالى بالعُروةِ الوُثْقَى العاصمةِ من هذه الشوائبِ ، بأن تكونَ مع – بَذْلِ الْجَهْدِ في الإخلاصِ – شديدَ الخوفِ من نَواقِضِه ، عظيمَ الافتقارِ والالتجاءِ إليه سبحانَه .
ويُؤْثَرُ عن سُفيانَ بنِ سَعيدٍ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه : ( مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ نِيَّتِي )
وعن عمرَ بنِ ذَرٍّ أنه قالَ لوالدِه : يا أبي ! ما لَكَ إذا وَعَظْتَ الناسَ أَخَذَهم البُكاءُ ، وإذا وَعَظَهم غيرُك لا يَبكونَ ؟ فقال : يا بُنَيَّ ! لَيْسَت النائحةُ الثَّكْلَى مثلَ النائحةِ المسْتَأْجَرَةِ .
وَفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ آمِينَ .

2- الْخَصْلَةُ الجامعةُ لِخَيْرَي الدنيا والآخِرةِ ( مَحَبَّةُ اللهِ تعالى ومَحَبَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وتَحقيقُها بتَمَحُّضِ المتابَعَةِ وقَفْوِ الأثَرِ للمعصومِ .قال اللهُ تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وبالجُملةِ فهذا أَصلُ هذه ( الْحِلْيَةِ )، ويَقعانِ منها مَوْقِعَ التاجِ من الْحُلَّةِ .
فيا أيُّها الطُّلابُ ها أنتم هؤلاءِ تَرَبَّعْتُم للدَّرْسِ وتَعَلَّقْتُمْ بأنْفَسِ عِلْقٍ ( طَلَبِ العلْمِ ) فأُوصِيكُمْ ونَفْسِي بتَقْوَى اللهِ تعالى في السرِّ والعَلانيةِ فهي العُدَّةُ ، وهي مَهْبِطُ الفضائلِ ، ومُتَنَزَّلُ الْمَحَامِدِ وهي مَبعثُ القوَّةِ ومِعراجُ السموِّ والرابِطُ الوَثيقُ على القُلوبِ عن الفِتَنِ فلا تُفَرِّطُوا .

  #3  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:41 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كن على جادة السلف الصالح

كنْ على جَادَّةِ السلَفِ الصالحِ
كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا بالتزامِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ .

قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى :
( وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولا الْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا ) اهـ.

وهؤلاءِ هم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى :
( وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ ) اهـ . فالْزَم السبيلَ { وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } .

  #4  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:42 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ملازمة خشية الله تعالى

مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى :

التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى :( أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى )
فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى، وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ .
وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَ بنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ : ( هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ ) اهـ .
وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .

  #5  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:42 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي دوام المراقبة

دوامُ الْمُراقَبَةِ :

التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ .
فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه .

  #6  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء

خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ :
تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ .
وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي .
قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ .
وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ ( الْكِبْرَ )؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ، وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ .
العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي = كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي
فالْزَمْ – رَحِمَك اللهُ – اللُّصُوقَ إلى الأرضِ والإزراءَ على نفسِك وهَضْمَها ومُراغَمَتَها عندَ الاستشرافِ لكِبرياءَ أو غَطرسةٍ أو حُبِّ ظُهورٍ أو عُجْبٍ ... ونحوِ ذلك من آفاتِ العِلْمِ القاتلةِ له الْمُذهِبَةِ لِهَيْبَتِه الْمُطْفَئِةِ لنورِه وكُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا أو رِفعةً في وِلايةٍ فالزَمْ ذلك ، تُحْرِزْ سعادةً عُظْمَى ، ومَقامًا يَغْبِطُكَ عليه الناسُ .
وعن عبدِ اللهِ بنِ الإمامِ الحُجَّةِ الراويةِ في الكتُبِ الستَّةِ بكرِ بنِ عبدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهما اللهُ تعالى قالَ :
( سَمِعْتُ إنسانًا يُحَدِّثُ عن أبي ، أنه كان واقفًا بعَرَفَةَ فَرَقَّ ، فقالَ : لولا أَنِّي فيهم ، لقُلْتُ قد غُفِرَ لهم ) .
خَرَّجَه الذهبيُّ ثم قالَ : ( قلتُ : كذلك يَنبغِي للعبْدِ أن يُزْرِيَ على نفسِه ويَهْضِمَها ) اهـ .

  #7  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي القناعة والزهادة

القناعةُ والزَّهادةُ :
التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ ( الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ ) .
ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ ) وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال : ( قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ ) .
يعني:( الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ ) اهـ .
وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .
وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في 17/12/1393 هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه :
( لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ ) فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .

  #8  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:12 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التحلي برونق العلم [حسن السمت ، والهدي الصالح]

التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ :
التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها .
وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ : ( كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ ) وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ : (حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولا طَعَّانٍ ) رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ :( يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ ) اهـ .
وقد قيلَ : ( مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به ) فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك .وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ .
وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ : ( جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه ) وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ : ( وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ ) .وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .

  #9  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التحلي بالمروءة

تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ :
التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ .
وعليه فتَنَكُّبُ ( خَوارِمِ الْمُروءةِ ) في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ .

  #10  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التمتع بخصال الرجولة

التمَتُّعُ بخِصَالِ الرجولةِ :
تَمَتَّعْ بِخِصالِ الرجولةِ من الشجاعةِ وشِدَّةِ البَأْسِ في الحقِّ ومَكارِمِ الأخلاقِ والبَذْلِ في سبيلِ المعروفِ حتى تَنْقَطِعَ دونَك آمالُ الرجالِ .
وعليه فاحْذَرْ نَوَاقِضَها : من ضَعْفِ الْجَأْشِ ، وقِلَّةِ الصبْرِ وضَعْفِ الْمَكَارِمِ فإنها تَهْضِمُ العِلْمَ وتَقْطَعُ اللسانَ عن قَوْلَةِ الْحَقِّ ، وتَأْخُذُ بناصيَتِه إلى خُصومِه في حالةٍ تَلْفَحُ بسمومِها في وُجوهِ الصالحينَ من عِبادِه .

  #11  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:15 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي هجر الترفه

هَجْرُ التَّرَفُّهِ :
لا تَسْتَرْسِلْ في ( التَّنَعُّمِ والرفاهِيَةِ )؛ فإنَّ ( البَذاذةَ من الإيمانِ ) وخُذْ بوَصيةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في كتابِه المشهورِ وفيه : ( وإِيَّاكُم والتنَعُّمَ وزِيَّ العَجَمِ ، وتَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا .... ) .
وعليه فازْوَرَّ عن زَيْفِ الحضارةِ فإنه يُؤَنِّثُ الطِّباعَ ويُرْخِي الأعصابَ ويُقَيِّدُك بِخَيْطِ الأَوْهَامِ ويَصِلُ المُجِدُّونَ لغاياتِهم وأنتَ لم تَبْرَحْ مكَانكَ، مَشْغُولٌ بالتأَنُّقِ في مَلْبَسِكَ وإن كان منها شِيَاتٌ ليست مُحَرَّمَةً ولا مَكروهةً لكن ليست سَمْتًا صالحًا والحِلْيَةُ في الظاهرِ كاللِّباسِ عُنوانٌ على انتماءِ الشخصِ بل تَحديدٌ له ، وهل اللِّباسُ إلا وَسيلةٌ من وسائلِ التعبيرِ عن الذاتِ ؟!
فكُنْ حَذِرًا في لِباسِكَ؛ لأنه يُعَبِّرُ لغَيْرِكَ عن تَقْوِيمِك في الانتماءِ والتكوينِ والذوْقِ ، ولهذا قِيلَ : الْحِلْيَةُ في الظاهِرِ تَدُلُّ على مَيْلٍ في الباطِنِ والناسُ يُصَنِّفُونَكَ من لِباسِك بل إنَّ كيفِيَّةَ اللُّبْسِ تُعْطِي للناظِرِ تَصنيفَ اللابسِ من : الرصانةِ والتعَقُّلِ أو التَّمَشْيُخِ والرَّهْبَنَةِ أو التصابِي وحُبِّ الظهورِ، فخُذْ من اللِّباسِ ما يَزينُك ولا يَشينُك ولا يَجْعَلْ فيكَ مَقالًا لقائلٍ ولا لَمْزًا لِلَامِزٍ ، وإذا تلاقَى مَلْبَسُك وكيفيَّةُ لُبْسِك بما يَلتَقِي مع شَرَفِ ما تَحْمِلُه من العِلْمِ الشرعيِّ كان أَدْعَى لتعظيمِك والانتفاعِ بعلْمِك، بل بِحُسْنِ نِيَّتِك يكونُ قُرْبَةً إنه وسيلةٌ إلى هِدايةِ الْخَلْقِ للحَقِّ .وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أَحَبُّإليَّ أن أَنْظُرَ القارِئَ أبيضَ الثيابِ ) . أي : ليَعْظُمَ في نفوسِ الناسِ فيَعْظُمَ في نفوسِهم ما لَدَيْهِ من الْحَقِّ .
والناسُ – كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى – كأسرابِ الْقَطَا ، مَجبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببَعْضٍ .فإيَّاكَ ثم إيَّاكَ من لِباسِ التصابِي، أمَّا اللِّباسُ الإفرنجيُّ فغَيرُ خافٍ عليك حُكْمُه ، وليس معنى هذا أن تأتِيَ بلِباسٍ مُشَوَّهٍ لكنه الاقتصادُ في اللِّباسِ برَسْمِ الشرْعِ ، تَحُفُّه بالسمْتِ الصالحِ والْهَدْيِ الْحَسَنِ .
وتَطْلُبُ دلائلَ ذلك في كتُبِ السنَّةِ والرِّقاقِ ، لا سِيَّمَا في ( الجامعِ ) للخطيبِ .
ولا تَسْتَنْكِرْ هذه الإشارةَ فما زالَ أهلُ العِلْمِ يُنَبِّهُون على هذا في كُتُبِ الرِّقاقِ والآدابِ واللِّباسِ ، واللهُ أَعْلَمُ .

  #12  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الإعراض عن مجالس اللغو

الإعراضُ عن مَجَالِسِ اللَّغْوِ :

لا تَطَأْ بِساطَ مَن يَغْشُونَ في نادِيهم الْمُنْكَرَ ، ويَهْتِكُون أستارَ الأَدَبِ مُتَغَابِيًا عن ذلك ، فإنْ فعَلْتَ ذلك فإنَّ جِنايَتَكَ على العِلْمِ وأَهْلِه عظيمةٌ .

  #13  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الإعراض عن الهيشات

الإعراضُ عن الْهَيْشَاتِ :
التَّصَوُّنُ من اللَّغَطِ والْهَيْشَاتِ ، فإنَّ الغَلَطَ تحتَ اللَّغَطِ ، وهذا يُنافِي أَدَبَ الطَّلَبِ .
ومن لَطيفِ ما يُسْتَحْضَرُ هنا ما ذَكَرَه صاحبُ ( الوَسيطِ في أُدباءِ شِنْقِيطَ ) وعنه في ( مُعْجَمِ الْمَعاجِمِ ) .
( إنه وَقَعَ نِزاعٌ بينَ قَبيلتينِ ، فسَعَتْ بينَهما قَبيلةٌ أُخرى في الصُّلْحِ فتَرَاضَوْا بِحُكْمِ الشرْعِ وحَكَّمُوا عالِمًا فاستَظْهَرَ قتلَ أربعةٍ من قبيلةٍ بأربعةٍ قُتِلُوا من القبيلةِ الأخرى ، فقالَ الشيخُ بابُ بنُ أحمدَ : مثلُ هذا لا قِصاصَ فيه . فقالَ القاضي : إنَّ هذا لا يُوجَدُ في كتابٍ .فقالَ : بل لم يَخْلُ منه كتابٌ . فقالَ القاضي : هذا ( القاموسُ ) – يعني أنه يَدْخُلُ في عُمومِ كتابٍ - .
فتَنَاوَلَ صاحبُ الترجمةِ ( القاموسَ ) وَأَوَّلَ ما وَقَعَ نَظَرُه عليه : ( والْهَيْشَةُ الفتنةُ وأمُّ حُبَيْنٍ وليس في الْهَيْشاتِ قَوَدٌ ) أي : في القتيلِ في الفِتنةِ لا يُدْرَى قاتِلُه فتَعَجَّبَ الناسُ من مِثْلِ هذا الاستحضارِ في ذلك الموقِفِ الْحَرِجِ ) اهـ ملَخَّصًا .

  #14  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التحلي بالرفق

التحَلِّي بالرِّفْقِ :
الْتَزِم الرِّفْقَ في القوْلِ ، مُجْتَنِبًا الكلمةَ الجافيةَ فإنَّ الْخِطابَ اللَّيِّنَ يتَأَلَّفُ النفوسَ الناشِزَةَ .
وأَدِلَّةُ الكتابِ والسنَّةِ في هذا مُتكاثِرَةٌ .

  #15  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:18 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي التأمل

التأمُّلُ :
التَّحَلِّي بالتأمُّلِ ، فإنَّ مَن تَأَمَّلَ أَدْرَكَ ، وقيلَ : ( تَأَمَّلْ تُدْرِكْ ) .
وعليه فتَأَمَّلْ عندَ التَّكَلُّمِ : بماذا تَتَكَلَّمُ ؟ وما هي عائدتُه ؟ وتَحَرَّزْ في العِبارةِ والأداءِ دونَ تَعَنُّتٍ أو تَحَذْلُقٍ ، وتَأَمَّلْ عندَ المذاكرةِ كيفَ تَختارُ القالَبَ المناسِبَ للمعنى الْمُرادِ ، وتَأَمَّلْ عندَ سؤالِ السائلِ كيف تَتَفَهَّمُ السؤالَ على وجْهِه حتى لا يَحْتَمِلَ وَجهينِ ؟ وهكذا .

  #16  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 11:19 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الثبات والتثبت

الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ :
تَحَلَّ بالثباتِ والتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ ( مَن ثَبَتَ نَبَتَ ) .

  #17  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 03:49 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الفصلُ الثاني : كيفيــّـَة الطلَبِ والتـلــَقِّي

الفصلُ الثاني :
كيفيَّةُ الطلَبِ والتلَقِّي
كيفيَّةُ الطلَبِ ومَراتِبُه :
( مَن لم يُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولَ )
( ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَ عنه جُمْلَةً )
وقيلَ أيضًا : ( ازدحامُ العِلْمِ في السمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ ) .
وعليه فلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه ، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛ وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ .
قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا }
وقالَ تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } .وقالَ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }
فأمامَك أمورٌ لا بُدَّ من مُراعاتِها في كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
- حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
- ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
- عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِ وتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
- لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلى آخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
- اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِ العِلْمِيَّةِ .
- جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .

وكان من رأيِ ابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأن يُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
لكن تَعَقَّبَه ابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُ القرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ، فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه .
أمَّا الْخَلْطُ في التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ في الفَهْمِ والنشاطِ .

وكان من أهلِ العلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ .وهكذا ؛ دَفْعًا للتشويشِ.
واعْلَمْ أنَّ ذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدى المشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَ عليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه .
والحالُ هنا تَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِ وضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه .

  #18  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:21 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي مراحل الطلب

وقد كان الطلَبُ في قُطْرِنا بعدَ مَرحلةِ الكتاتيبِ والأخْذِ بحفْظِ القرآنِ الكريمِ يَمُرُّ بِمَراحلَ ثلاثٍ لدى المشايِخِ في دُروسِ المساجدِ : للمبتدئينَ ثم الْمُتَوَسِّطِينَ ، ثم الْمُتَمَكِّنِينَ .
ففي التوحيدِ : ( ثلاثةُ الأصولِ وأَدِلَّتُها ) و( القواعدُ الأربَعُ ) ،
ثم ( كشْفُ الشُّبهاتِ ) ثم ( كتابُ التوحيدِ ) أربَعَتُها للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ رَحِمَه اللهُ تعالى ، هذا في توحيدِ العِبادةِ .
وفي توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ : ( العقيدةُ الوَاسِطِيَّةُ ) ، ثم ( الْحَمَوِيَّةُ ) و ( التَّدْمُرِيَّةُ )؛ ثلاثتُها لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، فـ ( الطحاوِيَّةُ ) مع ( شَرْحِها ) .
وفي النحوِ : ( الآجُرُّومِيَّةُ ) ثم ( مُلْحَةُ الإعرابِ ) للحَريريِّ ، ثم ( قَطْرُ النَّدَى ) لابنِ هِشامٍ ( وألْفِيَّةُ ابنِ مالِكٍ ) مع ( شَرْحِها ) لابنِ عَقيلٍ .
وفي الحديثِ : ( الأربعينَ ) للنوويِّ ، ثم ( عُمْدَةُ الأحكامِ ) للمَقْدِسِيِّ ، ثم ( بُلوغُ الْمَرامِ ) لابنِ حَجَرٍ ، و ( الْمُنْتَقَى ) للمَجْدِ ابنِ تَيميةَ ؛ رَحِمَهم اللهُ تعالى ، فالدخولُ في قراءةِ الأمَّهاتِ السِّتِّ وغيرِها .
وفي الْمُصطَلَحِ : ( نُخبَةُ الفِكَرِ ) لابنِ حَجَرٍ ، ثم ( أَلْفِيَّةُ العِراقيِّ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفى الفِقْهِ مَثَلًا : ( آدابُ المشيِ إلى الصلاةِ ) للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ ، ثم ( زادُ المستَقْنِعِ ) للحَجَّاويِّ رَحِمَه اللهُ تعالى أو ( عُمْدَةُ الفِقْهِ ) ثم ( الْمُقْنِعُ ) للخِلافِ المذهبيِّ ، و ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ؛ ثلاثتُها لابنِ قُدامةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي أصولِ الفقهِ : ( الوَرَقَاتُ ) للجُوَيْنيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، ثم ( رَوضةُ الناظِرِ ) لابنِ قُدامةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى .
وفي الفرائضِ : ( الرَّحْبِيَّةُ ) ثم مع شُروحِها ، و ( الفوائدُ الجلِيَّةُ ) .
وفي التفسيرِ ( تفسيرُ ابنِ كثيرٍ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، وفي أصولِ التفسيرِ : ( الْمُقَدِّمَةُ ) لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي السيرةِ النبوِيَّةِ : ( مُخْتَصَرُها ) للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ وأَصْلُها لابنِ هِشامٍ ، وفي ( زادِ الْمَعادِ ) لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفي لِسانِ العَرَبِ : العنايةُ بأشعارِها ؛ كـ ( المعلَّقَاتِ السبْعِ ) والقراءةُ في ( القاموسِ ) للفيروزآباديِّ رَحِمَه اللهُ تعالى .
.... وهكذا من مَراحلِ الطلَبِ في الفُنونِ .
وكانوا مع ذلك يَأخذون بجَرْدِ الْمُطَوَّلَاتِ ؛ مثلِ ( تاريخِ ابنِ جَريرٍ ) وابنِ كثيرٍ ؛ وتفسيرِهما ، ويُرَكِّزُون على كُتُبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ، وتلميذِه ابنِ القَيِّمِ رَحِمَهما اللهُ تعالى . وكُتُبِ أئِمَّةِ الدعوةِ وفتاوِيهم لا سِيَّمَا مُحَرَّرَاتِهم في الاعتقادِ .

......... وهكذا كانت الأوقاتُ عامرةً في الطلَبِ ومجالِسِ العِلْمِ ، فبعدَ صلاةِ الفَجْرِ إلى ارتفاعِ الضُّحَى ، ثم تكونُ القَيلولةُ قُبَيْلَ صلاةِ الظهْرِ ، وفي أعقابِ جَميعِ الصلواتِ الخمْسِ تُعْقَدُ الدروسُ ، وكانوا في أَدَبٍ جَمٍّ وتَقديرٍ بعِزَّةِ نفْسٍ من الطَّرَفَيْنِ على مَنهجِ السلَفِ الصالِحِ رَحِمَهُم اللهُ تعالى ، ولذا أَدْرَكُوا وصارَ منهم في عِدادِ الأئِمَّةِ في العِلْمِ جَمْعٌ غَفيرٌ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .فهل من عودةٍ إلى أصالةِ الطلَبِ في دِراسةِ المختَصَراتِ الْمُعتَمَدَةِ لا على المذَكَّرَاتِ ، وفي حِفْظِها لا الاعتمادِ على الفَهْمِ فحَسْبُ ، حتى ضاعَ الطلَّابُ فلا حِفْظَ ولا فَهْمَ .وفي خُلُوِّ التلقينِ من الزَّغَلِ والشوائبِ والكَدَرِ ، سيْرٌ على مِنْهَاجِ السلَفِ ؟ واللهُ الْمُستعانُ .

......... وقالَ الحافظُ عثمانُ بنُ خُرَّزَاذَ (م سنة 282 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى : ( يَحتاجُ صاحبُ الحديثِ إلى خَمْسٍ ، فإن عُدِمَتْ واحدةٌ فهي نَقْصٌ : يَحتاجُ إلى عَقْلٍ جَيِّدٍ ، ودِينٍ ، وضَبْطٍ ، وحَذَاقَةٍ بالصِّناعةِ مع أَمانَةٍ تُعْرَفُ منه ) . قلتُ : أي الذهبيُّ : ( الأمانةُ جزءٌ من الدينِ ، والضبْطُ داخلٌ في الْحِذْقِ ، فالذي يَحتاجُ إليه الحافظُ أن يكونَ تَقِيًّا ، ذَكِيًّا ، نَحْوِيًّا ، لُغَوِيًّا ، زَكِيًّا ، حَيِيًّا ، سَلَفِيًّا يَكفِيه أن يَكتُبَ بيَدَيْهِ مِئَتَي مُجَلَّدٍ ، ويُحَصِّلَ من الدواوينِ الْمُعْتَبَرَةِ خَمْسَ مِئَةِ مُجَلَّدٍ وأن لا يَفْتُرَ من طلَبِ العِلْمِ إلى الْمَمَاتِ بِنِيَّةٍ خالِصَةٍ ، وتوَاضُعٍ وإلا فلا يَتَعَنَّ ) اهـ .

  #19  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:28 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تلقي العلم عن الأشياخ

تلَقِّي العِلْمِ عن الأشياخِ :
الأصلُ في الطلَبِ أن يكونَ بطريقِ التلقينِ والتلَقِّي عن الأساتيذِ والْمُثَافَنَةِ للأشياخِ ، والأخْذِ من أفواهِ الرجالِ لا من الصحُفِ وبُطونِ الكُتُبِ والأَوَّلُ من بابِ أَخْذِ النَّسيبِ عن النَّسيبِ الناطقِ ، وهو الْمُعَلِّمُ، أمَّا الثاني عن الكتابِ ، فهو جَمادٌ ، فأَنَّى له اتِّصَالُ النَّسَبِ ؟ .
وقد قيلَ : ( مَن دَخَلَ في العِلْمِ وَحْدَه ، خَرَجَ وَحْدَه ) أي : مَن دَخَلَ في طَلَبِ العِلْمِ بلا شيخٍ ، خَرَجَ منه بلا عِلْمٍ ، إذ العلْمُ صَنعةٌ ، وكلُّ صَنعةٍ تَحتاجُ إلى صانعٍ ، فلا بُدَّ إِذَنْ لتَعَلُّمِها من مُعَلِّمِها الحاذِقِ .
وهذا يَكادُ يكونُ مَحَلَّ إجماعِ كلمةٍ من أهلِ العلمِ ؛ إلا مَن شَذَّ مِثلَ : عَلِيِّ بنِ رِضوانَ الْمِصرِيِّ الطبيبِ ( م سنة 453 هـ ) وقد رَدَّ عليه علماءُ عَصْرِه ومَن بَعْدَهم .
قالَ الحافظُ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى في تَرجمتِه له :
( ولم يكنْ له شيخٌ ، بل اشْتَغَلَ بالأَخْذِ عن الكُتُبِ ، وصَنَّفَ كتابًا في تَحصيلِ الصناعةِ من الكتُبِ ، وأنها أَوْفَقُ من الْمُعَلِّمِينَ وهذا غَلَطٌ ) اهـ .
وقد بَسَطَ الصَّفَدِيُّ في ( الوافِي ) الردَّ عليه ، وعنه الزَّبِيدِيِّ في ( شرْحِ الإحياءِ ) عن عددٍ من العُلماءِ مُعَلِّلِينَ له بعِدَّةِ عِلَلٍ ؛ منها ما قالَه ابنُ بَطْلانَ في الردِّ عليه :
( السادسةُ : يُوجَدُ في الكتابِ أشياءُ تَصُدُّ عن العلْمِ ، وهي مَعدومةٌ عندَ المُُُعَلِّمِ وهي التصحيفُ العارضُ من اشتباهِ الحروفِ مع عَدَمِ اللفظِ ، والغلَطِ بزَوَغَانِ البصَرِ ، وقِلَّةِ الْخِبرةِ بالإعرابِ أو فَسادِ الموجودِ منه وإصلاحِ الكتابِ وكتابةِ ما لا يُقْرَأُ وقِراءةِ ما لا يُكْتَبُ ومَذهبِ صاحبِ الكِتابِ وسُقْمِ النَّسْخِ ورَداءةِ النقْلِ ، وإدماجِ القارئِ مواضِعَ الْمَقاطِعِ وخلْطِ مَبادئِ التعليمِ وذِكْرِ ألفاظٍ مُصْطَلَحٍ عليها في تلك الصناعةِ وألفاظٍ يُونانِيَّةٍ لم يُخَرِّجْها الناقِلُ من اللغةِ ؛ كالنَّوْروسِ ، فهذه كلُّها مُعَوِّقَةٌ عن العِلْمِ وقد استراحَ المتعلِّمُ من تَكَلُّفِها عندَ قراءتِه على الْمُعَلِّمِ ، وإذا كان الأمْرُ على هذه الصورةِ فالقراءةُ على العُلماءِ أَجْدَى وأَفْضَلُ من قراءةِ الإنسانِ لنفسِه وهو ما أَرَدْنَا بيانَه ... قالَ الصَّفَدِيُّ : ولهذا قالَ العُلماءُ : لا تَأْخُذ العِلْمَ من صَحَفِيٍّ ولا من مُصْحَفِيٍّ ؛ يعني : لا تَقرأ القُرآنَ على مَن قَرأَ من الْمُصْحَفِ ولا الحديثَ وغيرَه على مَن أَخَذَ ذلك من الصُّحُفِ ... )اهـ .
والدليلُ المادِّيُّ القائمُ على بُطلانِ نَظرةِ ابنِ رِضوانَ أنك تَرَى آلافَ التراجِمِ والسِّيَرِ على اختلافِ الأزمانِ ومَرِّ الأعصارِ وتَنَوُّعِ المعارِفِ ، مشْحُونةً بتَسميةِ الشيوخِ والتلاميذِ ومُسْتَقِلٌّ من ذلك ومُسْتَكْثِرٌ ، وانْظُرْ شَذَرَةً من المكْثِرِينَ من الشيوخِ حتى بَلَغَ بعضُهم الأُلوفَ كما في ( الْعُزَّابِ ) من ( الإسفارِ ) لرَاقِمِه .
وكان أبو حَيَّانَ محمَّدُ يوسفَ الأندلسيُّ ( م سنةَ 745 هـ ) إذا ذُكِرَ عندَه ابنُ مالِكٍ ؛ يقولُ : ( أينَ شُيوخُه ؟ ) .
وقالَ الوليدُ : كان الأوزاعيُّ يَقولُ : كان هذا العِلْمُ كَرِيمًا يَتَلَاقَاهُ الرجالُ بينَهم فلمَّا دَخَلَ في الكُتُبِ ؛ دَخَلَ فيه غيرُ أَهْلِه .
ورَوَى مثْلَها ابنُ المبارَكِ عن الأَوْزَاعِيِّ . ولا ريبَ أنَّ الأَخْذَ من الصُّحُفِ وبالإجازةِ يَقَعُ فيه خَلَلٌ ، ولا سِيَّمَا في ذلك العَصْرِ ، حيث لم يكنْ بعدُ نَقْطٌ ولا شَكْلٌ فتَتَصَحَّفُ الكلمةُ بما يُحِيلُ المعنى ولا يَقَعُ مثلُ ذلك في الأَخْذِ من أفواهِ الرجالِ، وكذلك التحديثُ من الْحِفْظِ يَقَعُ فيه الوَهْمُ ؛ بخِلافِ الروايةِ من كتابٍ مُحَرَّرٍ ) اهـ .
ولابنِ خَلدونَ مَبحثٌ نَفيسٌ في هذا ؛ كما في ( الْمُقَدِّمَةِ ) له .
ولبعضِهم :
مَن لم يُشَافِهْ عالِمًا بأصُولِهِ = فيَقِينُه في الْمُشكِلاتِ ظُنُونُ
وكان أبو حَيَّانَ كثيرًا ما يُنْشِدُ:
يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتُبَ تَهْدِي = أَخَا فَهْمٍ لإدراكِ العلومِ
وما يَدْرِي الْجَهولُ بأنَّ فيها = غوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهِيمِ
إذا رُمْتَ العلومَ بغيرِ شيخٍ = ضَلَلْتَ عن الصراطِ المستقيمِ
وتَلْتَبِسُ الأمورُ عليك حتى = تصيرَ أَضَلَّ من ( تُومَا الحكيمِ )

,

  #20  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:34 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الفصل الثالث : أدب الطالب مع شيخه

الفصلُ الثالثُ
أدَبُ الطالبِ مع شيخِه
18 – رعايةُ حُرْمَةِ الشيخِ :
بما أنَّ العِلْمَ لا يُؤْخَذُ ابتداءً من الكُتُبِ بل لا بُدَّ من شيخٍ تُتْقِنُ عليه مفاتيحَ الطلَبِ ؛ لتَأْمَنَ من العِثارِ والزَّلَلِ ؛ فعليك إذنْ بالتَّحَلِّي برعايةِ حُرْمَتِه ؛ فإنَّ ذلك عُنوانُ النجاحِ والفلاحِ والتحصيلِ والتوفيقِ ، فليكنْ شيخُك مَحَلَّ إجلالٍ منك وإكرامٍ وتقديرٍ وتَلَطُّفٍ ، فخُذْ بِمَجَامِعِ الآدابِ مع شيخِك في جلوسِك معه ، والتحَدُّثِ إليه ، وحسْنِ السؤالِ والاستماعِ ، وحُسْنِ الأدَبِ في تصَفُّحِ الكتابِ أمامَه ومع الكتابِ وتَرْكِ التطاوُلِ والمماراةِ أمامَه ، وعدَمِ التقَدُّمِ عليه بكلامٍ أو مَسيرٍ أو إكثارِ الكلامِ عندَه ، أو مُداخَلَتِه في حديثِه ودَرْسِه بكلامٍ منك ، أو الإلحاحِ عليه في جَوابٍ ؛ متَجَنِّبًا الإكثارَ من السؤالِ ، لا سِيَّمَا مع شُهودِ الملإِ ، فإنَّ هذا يُوجِبُ لك الغُرورَ وله الْمَلَلَ .
ولا تُنادِيهِ باسْمِه مُجَرَّدًا ، أو مع لَقَبِه كقولِك : يا شيخَ فلان ! بل قلْ : يا شيخي ! أو يا شَيْخَنَا ! فلا تُسَمِّه ؛ فإنه أَرْفَعُ في الأَدَبِ ، ولا تُخاطِبْهُ بتاءِ الخِطابِ ، أو تُنادِيهِ من بُعْدٍ من غيرِ اضطرارٍ .
وانْظُرْ ما ذَكَرَه اللهُ تعالى من الدَّلالةِ على الأَدَبِ مع مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قولِه : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ... } الآيةُ .
وكما لا يَلِيقُ أن تَقولَ لوالِدِك ذي الأُبُوَّةِ الطينيَّةِ : ( يا فلانُ ) أو : ( يا وَالِدِي فلان ) فلا يَجْمُلُ بك مع شيخِك .
والتَزِمْ تَوقيرَ المجلِسِ وإظهارَ السرورِ من الدَّرْسِ والإفادةِ به : وإذا بدا لك خطأٌ من الشيخِ ، أو وَهْمٌ فلا يُسْقِطُه ذلك من عَيْنِكَ فإنه سَبَبٌ لِحِرْمَانِكَ من عِلْمِه ، ومَن ذا الذي يَنْجُو من الخطأِ سالِمًا ؟ .
واحْذَرْ أن تُمارِسَ معه ما يُضْجِرُه ومنه ما يُسَمِّيهِ الْمُوَلَّدُون : ( حربَ الأعصابِ ) بمعنى : امتحانِ الشيخِ على القُدرةِ العِلمِيَّةِ والتَّحَمُّلِ .
وإذا بَدَا لك الانتقالُ إلى شيخٍ آخَرَ ؛ فاستأْذِنْه بذلك ؛ فإنه أَدْعَى لِحُرْمَتِه وأَمْلَكُ لقَلْبِه في مَحَبَّتِك والْعَطْفِ عليكَ .
إلى آخِرِ جُملةٍ من الآدابِ يَعْرِفُها بالطبْعِ كلُّ مُوَفَّقٍ مُبارَكٍ وفاءً لحقِّ شيخِك في ( أُبُوَّتِه الدينيَّةِ ) أو ما تُسَمِّيه بعضُ القوانينِ باسمِ ( الرَّضاعِ الأدبيِّ ) وتَسميةُ بعضِ العُلماءِ له ( الأبُوَّةَ الدينيَّةَ ) أَلْيَقُ ؛ وتَرْكُه أَنْسَبُ .
واعْلَمْ أنه بِقَدْرِ رِعايةِ حُرْمَتِه يكونُ النجاحُ والفلاحُ ، وبقَدْرِ الْفَوْتِ يكونُ من عَلاماتِ الإخْفَاقِ .

....... تَنبيهٌ مُهِمٌّ :
أُعيذُك باللهِ من صَنيعِ الأعاجِمِ ، والطُّرُقِيَّةِ ، والْمُبتدِعَةِ الْخَلَفِيَّةِ ، من الْخُضوعِ الخارِجِ عن آدابِ الشرْعِ ، من لَحْسِ الأيدِي ، وتَقبيلِ الأكتافِ والقبْضِ على اليمينِ باليمينِ والشمالِ عندَ السلامِ ؛ كحالِ تَوَدُّدِ الكِبارِ للأَطفالِ ، والانحناءِ عندَ السلامِ ، واستعمالِ الألفاظِ الرَّخوةِ المتخاذِلَةِ : سَيِّدِي ، مَوْلَاي ، ونحوِها من أَلفاظِ الْخَدَمِ والعَبيدِ .
وانْظُرْ ما يَقولُه العَلَّامَةُ السَّلفيُّ الشيخُ محمَّدٌ البشيرُ الإبراهيميُّ الجزائريُّ ( م سنةَ 1380هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى في ( البصائِرِ )؛ فإنه فائقُ السِّيَاقِ .

19 - رأسُ مالِك – أيُّها الطالِبُ – من شَيْخِكَ :
القدوةُ بصالحِ أخلاقِه وكريمِ شمائِلِه ، أمَّا التلَقِّي والتلقينُ ، فهو رِبْحٌ زائدٌ ، لكن لا يَأْخُذُك الاندفاعُ في مَحَبَّةِ شيخِك فتَقَعَ في الشناعةِ من حيث لا تَدْرِي وكلُّ مَن يَنْظُرُ إليك يَدْرِي ، فلا تُقَلِّدْه بصوتٍ ونَغَمَةٍ ، ولا مِشْيَةٍ وحركةٍ وهَيْئَةٍ ؛ فإنه إنما صارَ شَيْخًا جَليلًا بتلك ، فلا تَسْقُطْ أنت بالتَّبَعِيَّةِ له في هذه .

20-نشاطُ الشيخِ في دَرْسِه :
يكونُ على قَدْرِ مَدارِكِ الطالبِ في استماعِه ، وجَمْعِ نفسِه وتَفَاعُلِ أحاسيسِه مع شيخِه في دَرْسِه ، ولهذا فاحْذَرْ أن تكونَ وسيلةَ قَطْعٍ لعِلْمِه بالكَسَلِ والفُتورِ والاتِّكاءِ وانصرافِ الذهْنِ وفُتورِه .
قالَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( حقُّ الفائدةِ أن لا تُسَاقَ إلا إلى مُبْتَغِيهَا ، ولا تُعْرَضَ إلا على الراغبِ فيها ، فإذا رَأَى الْمُحَدِّثُ بعضَ الفُتورِ من المستَمِعِ فليسكُتْ ، فإنَّ بعضَ الأُدباءِ قالَ : نَشاطُ القائلِ على قَدْرِ فَهْمِ الْمُسْتَمِعِ ) .
ثم ساقَ بسَنَدِه عن زيدِ بنِ وَهْبٍ ، قال : ( قالَ عبدُ اللهِ : حَدِّث القوْمَ ما رَمَقوكَ بأبصارِهم ، فإذا رأيتَ منهم فَتْرَةً فانْزِعْ ). اهـ .

  #21  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:36 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الكتابة عن الشيخ

21- الكتابةُ عن الشيخِ حالَ الدرْسِ والمذاكَرَةِ :
وهي تَختلِفُ من شيخٍ إلى آخَرَ فافْهَمْ .
ولهذا أدَبٌ وشَرْطٌ : أمَّا الأَدَبُ ؛ فيَنبغِي لك أن تُعْلِمَ شيخَك أنك ستَكْتُبُ أو كَتَبْتَ ما سَمِعْتَهُ مُذاكَرَةً .وأَمَّا الشرْطُ ؛ فتُشيرُ إلى أنك كتَبْتَه من سَماعِه من دَرْسِه .

  #22  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:39 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي التلقي عن المبتدع

22- التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ :
احْذَرْ ( أبا الْجَهْلِ ) المبْتَدِعَ ، الذي مَسَّهُ زَيْغُ العَقيدةِ ؛ وغَشِيَتْهُ سُحُبُ الْخُرافةِ ؛ يُحَكِّمُ الْهَوَى ويُسَمِّيهِ العَقْلَ ، ويَعْدِلُ عن النَّصِّ ، وهل العَقْلُ إلا في النصِّ ؟! ويَستمْسِكُ بالضعيفِ ويَبْعُدُ عن الصحيحِ ، ويُقالُ لهم أيضًا : ( أهلُ الشُّبُهَاتِ ) ( وأهلُ الأهواءِ ) ولذا كان ابنُ المبارَكِ رَحِمَه اللهُ تعالى يُسَمِّي المبتَدِعَةَ ( الأصاغِرَ ) .
وقالَ الذهبيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى :( إذا رأيتَ المتكَلِّمَ المبْتَدِعَ يَقولُ : دَعْنَا من الكتابِ والأحاديثِ وهاتِ ( العَقْلَ ). فاعْلَمْ أنه أبو جَهْلٍ وإذا رأيتَ السالكَ التوحيديَّ يَقولُ : دَعْنَا من النقْلِ ومن العَقْلِ وهاتِ الذَّوْقَ والوَجْدَ ؛ فاعْلَمْ أنه إبليسُ قد ظَهَرَ بصورةِ بَشَرٍ ، أو قد حَلَّ فيه ، فإن جَبُنْتَ منه فاهْرُبْ ، وإلا فاصْرَعْهُ وابْرُكْ على صَدْرِه واقْرَأْ عليه آيةَ الكُرْسِيِّ واخْنُقْهُ ) اهـ .
وقالَ أيضًا رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقرأتُ بخطِّ الشيخِ الموَفَّقِ قالَ : سَمِعْنَا دَرْسَه – أي: ابنِ أبي عَصْرونَ – مع أخي أبي عمرَ وانْقَطَعْنَا ، فسمعتُ أَخِي يقولُ : دَخَلْتُ عليه بَعْدُ ، فقالَ : لم انْقَطَعْتُم عَنِّي؟ قلتُ : إنَّ ناسًا يَقولون: إنك أَشْعَرِيٌّ. فقالَ : واللهِ ما أنا أَشعريٌّ. هذا معنى الْحِكايةِ ) اهـ .
وعن مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ : ( لا يُؤْخَذُ العِلْمُ عن أربعةٍ : سفيهٌ يُعْلِنُ السَّفَهَ وإن كان أَرْوَى الناسِ ، وصاحبُ بِدعةٍ يَدْعُو إلى هَواهُ ، ومَن يَكْذِبُ في حديثِ الناسِ ، وإن كنتُ لا أتَّهِمُه في الحديثِ ، وصالحٍ عابدٍ فاضلٍ إذا كان لا يَحْفَظُ ما يُحَدِّثُ به ) .
فيا أيُّها الطالِبُ ! إذا كنتَ في السَّعةِ والاختيارِ ؛ فلا تَأْخُذْ عن مُبْتَدِعٍ : رافِضِيٍّ أو خارجيٍّ أو مُرْجِئٍ أو قَدَرِيٍّ أو قُبُورِيٍّ . . . وهكذا ؛ فإنك لن تَبْلُغَ مَبْلَغَ الرجالِ – صحيحَ العَقْدِ في الدينِ مَتينَ الاتِّصالِ باللهِ صحيحَ النظَرِ تَقْفُو الأَثَرَ إلا بِهَجْرِ المبْتَدِعَةِ وبِدَعِهِم .
وكُتُبُ السِّيَرِ والاعتصامِ بالسُّنَّةِ حافلةٌ بإجهازِ أهلِ السُّنَّةِ على البِدْعَةِ ومُنابَذَةِ الْمُبْتَدِعَةِ والابتعادِ عنهم كما يَبْتَعِدُ السليمُ عن الأجْرَبِ المريضِ ولهم قِصَصٌ وواقعاتٌ يَطولُ شَرْحُها لكن يَطيبُ لي الإشارةُ إلى رُؤوسِ الْمُقَيَّدَاتِ فيها :
فقد كان السلَفُ رَحِمَهم اللهُ تعالى يَحتسِبونَ الاستخفافَ بهم وتَحقيرَهم ورَفْضَ المبتدِعِ وبِدْعَتَهُ ويُحَذِّرُون من مُخالَطَتِهم ومُشاوَرَتِهم ومُؤاكَلَتِهم فلا تَتَوَارَى نارُ سُنِّيٍّ ومُبتدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن لا يُصَلِّي على جَنازةِ مُبْتَدِعٍ ، فيَنصرِفُ وقد شُوهِدَ من العَلَّامَةِ الشيخِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ ( م سنة1389 هـ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، انصرافَه عن الصلاةِ على مُبْتَدِعٍ .
وكان من السلَفِ مَن يَنْهَى عن الصلاةِ خَلْفَهم ويَنْهَى عن حكايةِ بِدَعِهم ؛ لأنَّ القلوبَ ضَعيفةٌ والشُّبَهَ خَطَّافَةٌ .
وكان سهْلُ بنُ عبدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ لا يَرَى إباحةَ الأَكْلِ من الْمَيْتَةِ للمبتدِعِ عندَ الاضطرارِ ؛ لأنه باغٍ لقولِ اللهِ تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ … } الآيةَ . فهو باغٍ ببِدْعَتِه .
وكانوا يَطْرُدُونَهم من مَجالسِهم ؛ كما في قِصَّةِ الإمامِ مالِكٍ رَحِمَه اللهُ تعالى مع مَن سأَلَه عن كيْفِيَّةِ الاستواءِ وفيه بَعْدَ جوابِه المشهورِ : ( أَظُنُّكَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ ) وأَمَرَ به فأُخْرِجَ .
وأخبارُ السلَفِ مُتكاثِرَةٌ في النُّفْرَةِ من المبتَدِعَةِ وهَجْرِهم حَذَرًا من شَرِّهم وتَحجيمًا لانتشارِ بِدَعِهم وكَسْرًا لنفوسِهم حتى تَضْعُفَ عن نَشْرِ البِدَعِ ، ولأنَّ في مُعاشَرَةِ السُّنِّيِّ للمُبتدِعِ تَزكيةً له لدَى الْمُبْتَدِئِ والعامِّيِّ – والعامِّيُّ مُشْتَقٌّ من العَمَى ، فهو بِيَدِ مَن يَقودُه غالبًا - .
ونَرَى في كتابِ المصطَلَحِ ، وآدابِ الطلَبِ ، وأحكامِ الْجَرْحِ والتعديلِ : الأخبارَ في هذا، فيا أيُّها الطالِبُ ! كن سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، واحْذَر الْمُبْتَدِعَةَ أن يَفتِنُوكَ فإنهم يُوَظِّفُون للاقتناصِ والْمُخاتَلَةِ سُبُلًا ، يَفْتَعِلُون تَعبيدَها بالكلامِ المعسولِ – وهو : ( عَسَلٌ ) مَقلوبٌ – وهُطولِ الدَّمعةِ ، وحُسْنِ البَزَّةِ ، والإغراءِ بالْخَيالاتِ ، والإدهاشِ بالكَرَامَاتِ ، ولَحْسِ الأَيْدِي ، وتَقبيلِ الأَكْتَافِ ........
وما وراءَ ذلك إلا وَحَمُ البِدعةِ ، ورَهَجُ الفِتنةِ ، يَغْرِسُها في فؤادِك ويَعْتَمِلُكَ في شِرَاكِه ، فواللهِ لا يَصْلُحُ الأَعْمَى لقِيادةِ العِميانِ وإرشادِهم .
أمَّا الأَخْذُ عن عُلماءِ السنَّةِ فالْعَق العَسَلَ ولا تَسَلْ .
وفَّقَكَ اللهُ لرُشْدِكَ ؛ لتَنْهَلَ من مِيراثِ النُّبُوَّةِ صافيًا ، وإلا ، فلْيَبْكِ على الدِّينِ مَن كان باكيًا .
وما ذَكَرْتُه لك هو في حالِ السَّعةِ والاختيارِ ، أمَّا إن كنتَ في دِراسةٍ نِظاميَّةٍ لا خِيارَ لك ، فاحْذَرْ منه ، مع الاستعاذةِ من شَرِّه ؛ باليَقَظَةِ من دَسائسِه على حَدِّ قولِهم : ( اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ ) ولا تَتخاذَلْ عن الطلَبِ ، فأَخْشَى أن يكونَ هذا من التَّوَلِّي يومَ الزَّحْفِ ، فما عليك إلا أن تَتَبَيَّنَ أَمْرَه وتَتَّقِيَ شَرَّه وتَكْشِفَ سِتْرَهُ .
ومن النُّتَفِ الطريفةِ أنَّ أبا عبدِ الرحمنِ الْمُقْرِئَ حَدَّثَ عن مُرْجِئٍ ، فقيلَ له : لِمَ تُحَدِّثُ عن مُرْجِئٍ ؟ فقالَ : ( أَبيعُكم اللحمَ بالعِظامِ ) .
فالْمُقْرِئُ رَحِمَه اللهُ تعالى حَدَّثَ بلا غَرَرٍ ولا جَهالةٍ إذ بَيَّن فقالَ : ( وكان مُرْجِئًا ) .
وما سَطَّرْتُه لك هنا هو من قَواعدِ مُعْتَقَدِكَ ؛ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ؛ ومنه ما في ( العَقيدةِ السلَفِيَّةِ ) لشيخِ الإسلامِ أبي عثمانَ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرحمنِ الصابونيِّ (م سنةَ 449هـ ) ؛ قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه ، ولا يُحِبُّونَهُم ، ولا يَصْحَبُونَهم ، ولا يَسْمَعُون كلامَهم ، ولا يُجالسونَهم ولا يُجادلونَهم في الدِّينِ ، ولا يُناظِرُونَهم ، ويَرَوْنَ صَوْنَ آذانِهم عن سَماعِ أباطيلِهم التي إذا مَرَّتْ بالآذانِ ، وقَرَّتْ في القلوبِ ، ضَرَّتْ ، وجَرَتْ إليها من الوَساوِسِ والْخَطَراتِ الفاسدةِ ما جَرَتْ ، وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ) اهـ.
وعن سليمانَ بنِ يَسَارٍ أنَّ رَجُلًا يقالُ له : صَبِيغٌ ، قَدِمَ المدينةَ ، فجَعَلَ يَسألُ عن مُتشابِهِ القرآنِ ؟ فأَرْسَلَ إليه عمرُ رَضِي اللهُ عَنْهُ وقد أَعَدَّ له عَراجينَ النخْلِ ، فقالَ : مَن أنت ؟ قال : أنا عبدُ اللهِ صَبِيغٌ ، فأَخَذَ عُرجونًا من تلك العَراجينِ فضَرَبَه حتى دَمِي رأسُه ، ثم تَرَكَه حتى برَأَ ، ثم عادَ، ثم تَرَكَه حتى بَرَأَ ، فدَعَى به ليَعودَ ، فقالَ : إن كنتَ تُريدُ قَتْلِي ، فاقْتُلْنِي قَتْلًا جَميلًا فأَذِنَ له إلى أرْضِه ، وكتَبَ إلى أبي موسى الأشعريِّ باليَمَنِ : لا يُجالِسْهُ أحَدٌ من المسلمينَ .رواه الدارِمِيُّ .
وقيلَ : كان مُتَّهَمًا برأيِ الخوارجِ . والنوويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ في كتابِ ( الأذكارِ ) : ( بابُ : التَّبَرِّي من أهلِ البِدَعِ والمعاصِي ) .
وذَكَرَ حديثَ أبي موسى رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ من الصالِقَةِ ، والحالِقَةِ ، والشاقَّةِ ) . متَّفَقٌ عليه .
وعن ابنِ عمرَ بَراءَتُه من القَدَرِيَّةِ . رواه مسْلِمٌ .
والأمرُ في هَجْرِ المبتدِعِ يَنْبَنِي على مُراعاةِ المصالِحِ وتَكثيرِها ودَفْعِ الْمَفاسِدِ وتَقْلِيلِها ، وعلى هذا تَتَنَزَّلُ المشروعيَّةُ من عَدَمِها ؛ كما حَرَّرَه شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في مَوَاضِعَ .
والمبتدِعَةُ إنما يَكْثُرون ويَظْهَرون ؛ إذا قَلَّ العِلْمُ ، وفَشَا الْجَهْلُ، وفيهم يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رحِمَهُ اللهُ تعالى : ( فإنَّ هذا الصِّنْفَ يَكْثُرُون ويَظهرونَ إذا كَثُرَت الجاهليَّةُ وأَهْلُها ، ولم يكنْ هناك من أَهْلِ العلْمِ بالنُّبُوَّةِ والمتابَعَةِ لها مَن يُظْهِرُ أنوارَها الماحيةَ لظُلمةِ الضَّلالِ ، ويَكشِفُ ما في خِلافِها من الإِفْكِ والشرْكِ والْمُحَالِ ) اهـ .
فإذا اشْتَدَّ ساعِدُك في العِلْمِ ، فاقْمَعْ المبتدِعَ وبِدعتَه بلسانِ الْحُجَّةِ والبيانِ ، والسلامُ .

  #23  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:42 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الفصل الرابع : أداب الزمالة

الفصلُ الرابعُ
أدَبُ الزَّمَالةِ

23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :
صديقُ مَنْفَعَةٍ .
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ 125 هـ ) قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ ) .

  #24  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الفصل الخامس : آداب الطالب في حياته العملية [كـبر الهمة في العلم]

الفصلُ الخامسُ
آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ

24- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ، فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ، تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولا تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .

  #25  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 08:51 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي النهمة في الطلب


25- النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :

إذا عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَ بنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له :
لا يَكونُ السَّرِيُّ مِثْلَ الدَّنِيِّ = لا ولا ذو الذكاءِ مثلَ الغَبِيِّ
قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْ = ءُ قضاءً من الإمامِ عَلِيِّ

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
متن, حلية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir