دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 08:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباب السابع: الوصل والفصل

الباب السابع : الْوَصْلُ وَالْفَصْلُ
424 تَعَاطُفُ الْجُمَلِ يُدْعَى الْوَصْلاَ = وَتَرْكُهُ الْفَصْلُ، فَأَمَّا الْأُولَى
425 فَإِنْ يَكُنْ لَهَا مَحَلٌّ وَقُصِدْ = تَشْرِيكُ تَالِيهَا لَهَا فِيمَا وُجِدْ
426 فَاعْطِفْ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مَقْبُولاَ = تَنَاسُبٌ، لِلْفَقْدِ جِئْ مَفْصُولاَ
427 أَوْ لاَ مَحَلَّ وَارْتِبَاطٌ يُحْتَذَى = بِعَاطِفٍ لاَ الوَاوِ فَاعْطِفْهَا بِذَا
428 كَـ"رَاحَ زَيْدٌ ثُمَّ جَاءَ" أَوْ "فَجَا = عَمْرٌو" لِمُهْلَةٍ وَفَوْرٍ نُهِجَا
429 أَوْ لاَ وَلَمْ يُعْطَ الَّذِي لِلْأُولَى = لَهَا فَفَصْلٌ وَكَذَا إِنْ تُولَى
430 مَعَ كَمَالِ الاِتِّصَالِ أَوْ سِوَاهْ = مِنْ غَيْرِ إِيهَامٍ كِلاَهُمَا حَوَاهْ
431 أَوْ شِبْهِ هَذَيْنِ وَإِلاَّ فَصِلِ = أَمَّا كَمَالُ الاِنْقِطَاعِ الْمُكْمَلِ
432 فَلاِخْتِلاَفٍ بَيْنَ إِنْشَا وَخَبَرْ = لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ بِمَعْنًى مُسْتَقَرْ
433 كَـ"مَاتَ زَيْدٌ غَفَرَ الرَّحْمَنُ لَهْ" = أَوْ فَقْدِ جَامِعٍ هُنَاكَ شَمِلَهْ
434 ثُمَّ كَمَالُ الاِتِّصَالِ مِثْلُ أَنْ = تَكُونَ تَأْكِيدًا لِلاُولَى فَادْفَعَنْ
435 تَوَهُّمَ الْمَجَازِ وَالسَّهْوِ كَـ"لاَ = رَيْبَ" فَلَمَّا بِنِهَايَةِ الْعُلاَ
436 بُولِغَ فِي وَصْفِ الْكِتَابِ إِذْ جُعِلْ = اَلْمُبْتَدَا "ذَلِكَ" وَاللاَّمُ دَخَلْ
437 فِي خَبَرٍ جَازَ تَوَهُّمُ الْمَجَازْ = قَبْلَ تَأَمُّلٍ فَدَفْعُهُ يُجَازْ
438 فَهْوَ وِزَانُ "نَفْسِهِ" مُؤَكِّدَا = زَيْدًا كَذَاكَ قَوْلُهُ بَعْدَ :"هُدَى"
439 فَإِنَّ مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ إِلَى = دَرَجَةٍ نَحْوُ "الْهُدَى" لَنْ تُوصِلاَ
440 حَتىَّ كَأَنَّهُ هُدًى مَحْضٌ وَذَا = مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابُ قَطْعًا أُخِذَا
441 لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْكِتَابُ الْكَامِلُ = أَيْ فِي الْهُدَى إِذْ لاَ سِوَاهُ حَامِلُ
442 فَهْوَ وِزَانُ "زَيْدٍ" الثَّانِي إِذَا = كَرَّرْتَهُ فَقِسْ عَلَيْهِ وَخُذَا
443 أَوْ بَدَلاً مِنْ تِلْكَ غَيْرَ وَافِيَةْ = بِمَا يُرَادُ أَوْ كَغَيْرِ الْوَافِيَةْ
444 وَيَقْتَضِي الْمَقَامُ الاِعْتِنَاءَا = بِشَأْنِهِ لِنُكْتَةٍ تَرَاءَى
445 لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مَطْلُوبَا = فَظِيعًا اوْ لَطِيفًا اوْ عَجِيبَا
446 كَقَوْلِهِ جَلَّ: "أَمَدَّكُمْ بِمَا" = ثُمَّ "أَمَدَّكُمْ" وَعَدَّ الْأَنْعُمَا
447 فَالْقَصْدُ ذِكْرُ نِعَمٍ وَالثَّانِي = أَوْفَى بِهِ إِذْ فَصَّلَ الْمَعَانِي
448 وَلَمْ يُحِلْ فَهْوَ وِزَانُ "الْوَجْهِ" فِي = "أَعْجَبَ زَيْدٌ وَجْهُهُ الْبَدْرُ الْوَفِيْ"
449 كَذَلِكَ "ارْحَلْ لاَ تُقِيمَنْ عِنْدَنَا" = فَقَصْدُهُ إِظْهَارُ كُرْهٍ وَاعْتِنَا
450 وَ"لاَ تُقِمْ" أوْفَىَ بِهِ إِذْ دَلاَّ = مُطَابِقًا وَأَكَّدَ الْمَحَلاَّ
451 فَهْوَ وِزَانُ "الْحُسْنِ" فِي "أَعْجَبَنَا = وَجْهُ حَبِيبٍ حُسْنُهُ حِينَ دَنَا"
452 أَوْ كَوْنُهَا عَطْفَ بَيَانٍ لِلْخَفَا = مَعَ اقْتِضَا إِزَالَةٍ لَهُ وَفَى
453 كَـ"وَسْوَسَ" الَّذِي تَلاَهُ "قَالَ يَا = آدَمُ" فَهْوَ قَدْ أَبَانَ الْخَافِيَا
454 فَهْوَ وِزَانُ "عُمَرٍ" فِيمَنْ شَعَر = "أَقْسَمَ بِاللهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ"
455 وَشِبْهُ الاِنْقِطَاعِ كَوْنُ عَطْفِ ذِي = يُوهِمُهُ عَلَى سِوَاهَا وَخُذِ
456 "تَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي" الْبَيْتَ مَثَلْ، = وَسَمِّ بِالْقَطْعِ الَّذِي لِذَا انْفَصَلْ
457 وَشِبْهُ الاِتِّصَالِ كَوْنُهَا جَوَابْ = سُؤَالٍ الْاُولَى اقْتَضَتْهُ وَالصَّوَابْ
458 تَنْزِيلُهَا مَنْزِلَهُ فَتُفْصَلُ = فَصْلَ جَوَابِهِ وَقِيلَ يُجْعَلُ
459 مُقَدَّرًا لِنُكْتَةٍ كَالْإِغْنَا = عَنْهُ وَتَرْكُ السَّمْعِ مِنْهُ يُعْنَى
460 وَسَمِّهَا وَفَصْلَـهَا اسْتِئْنَافَا = وَهْوَ ثَلاَثُ أَضْرُبٍ قَدْ وَافَى
461 إِذِ السُّؤَالُ قَدْ يَكُونُ عَنْ سَبَبْ = حُكْمٍ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا يُنْتَخَبْ
462 أَوْ غَيْرَ ذَيْنِ ثُمَّ مِنْهُ مَا أَتَى = بِاسْمِ الَّذِي اسْتُؤْنِفَ عَنْهُ كَـ"الْفَتَى..
463 أَحْسِنْ إِلَيْهِ"، "أَلْفَتَى بِهِ حَرِيْ" = أَوْ وَصْفِهِ وَهْوَ أَشَدُّ فَاذْكُرِ
464 نَحْوُ "صَدِيقُكَ الْقَدِيمُ قَدْ أُهِلْ" = وَصَدْرُ الاِسْتِئْنَافِ رُبَّمَا خُزِلْ
465 أَوْ كُلُّهُ مَعْ قَائِمٍ مَقَامَهْ = أَوْ دُونَهُ، وَدَافِعٌ إِيهَامَهْ
466 بِوَصْلِهِ كَمِثْلِ قَوْلِ الدَّاعِ: "لاَ = وَأَيَّدَ اللهُ حِمَاكَ بِالْعُلاَ"
467 وَصِلْ إِذَا تَوَسُّطٌ بَيْنَهُمَا = يَكُونُ فِيهِمَا كَأَنْ تُلْفِيهِمَا
468 تَوَافَقَا إِنْشَاءً اوْ فَخَبَرَا = فِي لَفْظٍ اوْ مَعْنًى بِجَامِعٍ يُرَى
469 وَهْوَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْنَدِ = إِلَيْهِمَا وَالْمُسْنَدَيْنِ فَقَدِ
470 فَمِنْهُ عَقْلِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ فِي = تَصَوُّرٍ بَيْنَهُمَا إِذَا يَفِي
471 تَمَاثُلٌ أَوِ اتِّحَادٌ أَوْ يُرَى = تَضَايُفٌ كَأَصْغَرٍ وَأَكْبَرَا
472 وَإِنْ يَكُنْ بَيْنَ تَصَوُّرَيْهِمَا = شِبْهُ تَمَاثُلٍ فَلِلْوَهْمِ انْتَمَى
473 كَلَوْنَيِ الْبَيَاضِ وَالصُّفْرَةِ إِذْ = يُبْرِزْهُمَا كَالْمِثْلِ وَهْمٌ مَا انْتُبِذْ
474 كَذَا تَضَادٌ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادْ = أَوْ كَالسَّمَا وَالْأَرْضِ يُشْبِهُ التَّضَادْ
475 وَإِنْ يَكُنْ يَسْبِقُ فِي الْخَيَالِ = تَقَارُنٌ فَجَامِعٌ خَيَالِيْ
476 وَاخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُ فَاخْتَلَفَتْ = صُوَرُهُ فَوَضَحَتْ أَوْ فَخَفَتْ
477 وَحَسَّنَ الْوَصْلَ تَنَاسُبٌ وُجِدْ = فِي اسْمِيَّةٍ وَفِي مُضِيِّهَا وَضِدْ
478 قُلْتُ: وَفِي الشَّرْطِيَّةِ الظَّرْفِيَّةْ = وَالْحَصْرِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْمَزِيَّةْ

تَذْنِيبٌ
479 اَلْأَصْلُ فِي الْحَالِ الْمُفِيدِ نَقْلَةْ = خُلُوُّهُ فَإِنْ أَتَاكَ جُمْلَةْ
480 تَحْتَجْ لِمَا يَرْبِطُهَا فَإِنْ خَلَتْ = عَنْ مُضْمَرٍ فَهْيَ بِوَاوٍ قُرِنَتْ
481 وَكُلُّ جُمْلَةٍ تُرَى عَنْ مُضْمَرِ = مَا صَحَّ عَنْهُ نَصْبُهَا حَالاً عَرِيْ
482 يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَالاً عَنْهُ = بِالْوَاوِ، أَمَّا إِنْ تَكُنْ حَوَتْهُ
483 فَمَا عَلَى حُصُولِ وَصْفٍ مَا ثَبَتْ = مُقَارِنٍ لِمَا لَهُ قَدْ قَيَّدَتْ
484 دَلَّ فَضَاهَى الْمُفْرَدَ الْمُؤَصَّلاَ = فَامْنَعْ بِهَا الْوَاوَ، وَمَا لَيْسَ فَلاَ
485 فَأَوَّلٌ مُضَارِعٌ قَدْ أُثْبِتَا = فَالاِقْتِرَانُ إِذْ مُضَارِعًا أَتَى
486 وَبِالثُّبُوتِ فَالصِّفَاتُ تَحْصُلُ = وَمَا حَوَاهَا شَذَّ أَوْ مُؤَوَّلُ
487 وَإنْ نُفِيْ تُجُوِّزَا لِكَوْنِهِ = دَلَّ عَلَى الْقِرَانِ لاَ حُصُولِهِ
488 كَمُثْبَتِ الْمَاضِي فَلِلْحُصُولِ لاَ = لِلاِقْتِرَانِ وَلِذَا "قَدْ" دَخَلاَ
489 مُقَرِّبًا وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ = وَقَالَ : مَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ غَلِطْ
490 وَمَا نُفِيْ فَلاَ حُصُولَ إِذْ نُفِي = وَلَكِنِ اقْتِرَانُهُ حَقًّا يَفِي
491 لِأَنَّ (لَمَّا) نَفْيُهَا يَسْتَغْرِقُ = وَغَيْرُهَا نَفْيٌ لِمَا قَدْ يَسْبِقُ
492 وَالْأَصْلُ الاِسْتِمْرَارُ فِيهِ فَإِذَا = أَطْلَقْتَهُ فَالاِقْتِرَانُ يُحْتَذَى
493 خِلاَفَ مُثْبَتٍ فَإِنَّ الْفِعْلاَ = بِوَضْعِهِ عَلَى الْحُدُوثِ دَلاَّ
494 وَإِنْ تَكُنْ إِسْمِيَّةً فَالْمُرْتَضَى = جَوَازُ تَرْكِهَا بِعَكْسِ مَا مَضَى
495 فِي مُثْبَتِ الْمَاضِي وَلَكِنْ رُجِّحَا = دُخُولُهَا إِذِ الثُّبُوتُ مَا انْمَحَى
496 مَعْ كَوْنِ الاِسْتِئْنَافِ فِيهَا قَدْ بَدَا = وَقِيلَ: أَلْزِمْ إِذْ يَكُونُ الْمُبْتَدَا
497 ضَمِيرَ ذِي الْحَالِ وَإِنْ يَسْبِقْ خَبَرْ = ظَرْفٌ فَحُسْنُ تَرْكِهَا قَدِ اسْتَقَرْ
498 كَذَا لِحَرْفٍ دَاخِلٍ فِي الْمُبْتَدَا = أَوْ تَلَتِ الْجُمْلَةُ حَالاً مُفْرَدَا
499 قُلْتُ: وَذَاتُ الشَّرْطِ وَاوًا تَلْزَمُ = إِذْ فَقَدَتْ مَا لاِمْتِنَاعٍ يَحْتِمُ

  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 10:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


الوصل والفصل

[تعاطف الجمل يدعى الوصلا = وتركه الفصل فأما الأولى
فإن يكن لها محل وقصد = تشريك تاليها لها فيما وجد
فاعطف وشرط كونه مقبولا = تناسب للفقد جيء مفصولا
أو لا محل وارتباط يحتذي = بعاطف لا الواو فاعطفها بذا
كراح زيد ثم جاء أو فجا = عمرو بمهلة وفور نهجا
أولا ولم يعط الذي للأولى = لها فضل وكذا إن يولى
مع كمال الاتصال أو سواه = من غير إيهام كلاهما حواه
أو شبه هذين وإلا فصل = أما كمال الانقطاع المكمل
فلا اختلاف بين إنشا وخبر = لفظا ومعنى أو بمعنى مستقر
كمات زيد غفر الرحمن له = أو فقد جامع هناك شمله]
هذا هو الباب السابع وهو أعظم أبواب هذا العلم خطرًا وأصعبه مسلكًا وأدقه مأخذًا حتى قصر أبو علي الفارسي البلاغة على معرفة الوصل والفصل نقله غير واحد والمراد بالوصل عطف الجمل بعضها على بعض وبالفصل ترك التعاطف فإذا أنت جملة بعد جملة فالأولى إما أن يكون لها محل من الإعراب أولا فإن كان وقصد تشريك الثانية لها في حكم الإعراب الذي لها مثل الخبرية والحالية والوصفية عطفت عليها كما يعطف المفرد إذا قصد تشريكه لمفرد قبله في حكم إعرابه وشرط كون عطف الثانية على الأولى مقبولاً في فن البلاغة أن يكون بينهما تناسب بجهة جامعة نحو زيد يكتب ويشعر ويعطي ويمنع لما بين الكتابة والشعر من التناسب الظاهر والإعطاء والمنع من التضاد بخلاف زيد يكتب ويمنع أو يعطي ويشعر ولهذا عيب على أبي تمام قوله:
لا والذي هو عالم أن النوى = مر وأن أبا الحسين كريم
[شرح عقود الجمان: 58]
إذ لا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى وإن فقد قصد التشريك المذكور ترك العطف نحو: وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم لم يعطف الله يستهزئ بهم على إنا معكم لأنه ليس من مقولهم فلو عطف لفهم تشريكه له في المفعولية فيلزم كونه مقول المنافقين وليس كذلك وإن لم يكن لها محل فإن قصد ربط الثانية بها على معنى حرف عاطف غير الواو كالتعقيب المستفاد من الفاء والتراخي المستفاد من ثم وجب عطفها بذلك الحرف نحو دخل زيد فخرج أو ثم خرج عمرو وإن لم يقصد الربط المذكور فإن كان للأولى حكم لم يقصد إعطاؤه للثانية وجب الفصل نحو: وإذا خلوا الآية لأنه لم يعطف الله يستهزئ بهم على قالوا لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف لما تقدم من أن تقديم المفعول ونحوه يفيده فيلزم أن يكون استهزاء الله بهم مختصًا بحال خلوهم إلى شياطينهم وليس كذلك وإن لم يكن للأولى حكم لا يقصد إعطاؤه للثانية بأن لم يكن لها حكم زائد على مفهوم الجملة أو كان ولكن قصد إعطاؤه للثانية أيضًا فإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع بدون إيهام خلاف المقصود أو كمال الاتصال أو شبه كمال الانقطاع أو شبه كمال الاتصال وجب الفصل أيضًا وإلا بأن كان بينهما كمال الانقطاع مع الإبهام أو التوسط بين الكمالين فالوصل فهذه أحوال ستة الحال الأول كمل الانقطاع بأن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء لفظًا ومعنى أو معنى فقط أو يفقد الجامع قال الشاعر * وقيل رائدهم أرسوا نزاولها * فصل نزاولها عن أرسوا لأنه خبر لفظا ومعنى وأرسوا إنشاء لفظا ومعنى وقال اليزيدي:
ملكته حبلي ولكنه = ألقاه من زهد على غاربي
وقال إني في الهوى كاذب = انتقم الله من الكاذب
فصل انتقم لأنه إنشاء معنى إذ هو دعاء، وإن كان لفظه خبرًا إذ لفظ الفعل الخالي عن لفظ الطلب خبر ومثله مات فلان رحمه الله أي يرحمه الله تعالى فهو إنشاء معنى فلا يصح عطفه على مات فلان لأنه خبر لفظا ومعنى، وسيأتي بيان الجامع ومثال الفصل لفقده:
[ثم كمال الاتصال مثل أن = يكون توكيدا للأولى فادفعن
توهم المجاز والسهو كلا = ريب فلما بنهاية العلا
بولغ في وصف الكتاب إذ جعل = المبتدا ذلك واللام دخل
في خبر جاز توهم المجاز = قبل تأمل فدفعه يحاز
فهو وزان نفسه مؤكدا = زيدا كذاك قوله بعد هدى
فإن معناه بلوغه إلى = درجة نحو الهدى لن توصلا
حتى كأنه هدى محض وذا = من ذلك الكتاب قطعا أخذا
لأن معناه الكتاب الكامل = أي في الهدى إذ لا سواه حامل
فهو وزان زيد الثاني إذا = كررته فقس عليه وخذا
أو بدلا من تلك غير وافيه = بما يراد أو كغير الوافيه
ويقتضي المقام الاعتناء = بشأنه لنكتة تراءى
ككونه في نفسه مطلوبا = فظيعا أو لطيفا أو عجيبا
كقوله جل أمدكم بما = ثم أمدكم وعد الأنعما
[شرح عقود الجمان: 59]
فالقصد ذكر نعم والثاني = أوفى به إذ فصل المعاني
ولم يحل فهو وزان الوجه في = أعجب زيد وجهه البدر الوفي
كذلك ارحل لا تقيمن عندنا = فقصده إظهار كره واعتنا
ولا تقم أوفى به إذ دلا = مطابقا وأكد المحلا
فهو وزان الحسن في أعجبنا = وجه حبيب حسنه حين رنا
أو كونها عطف بيان للخفا = مع اقتضا إزالة له وفى
كوسوس الذي تلاه قال يا = آدم فهو قد أبان الخافيا
فهو وزان عمر فيمن شعر = أقسم بالله أبو حفص عمر
الحال الثاني كمال الاتصال بأن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو بدلاً منها أو عطف بيان وإنما وجب الفصل فيها لكونها توابع والتوابع عين المتبوع والعطف يقتضي المغايرة والموجب للتأكيد دفع توهم السهو أو المجاز ثم تارة تنزل الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير مع الاختلاف في معنى الجملتين وتارة منزلة التأكيد اللفظي في اتحاد المعنى فالأول كقوله تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه فإنه لما بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى في الكمال حيث جعل المبتدأ ذلك الدال على كمال العناية بتمييزه والتوسل ببعده إلى التعظيم وعلو الدرجة وتعريف الخبر باللام الدالة على الانحصار فمعنى ذلك الكتاب أنه الكتاب الكامل الذي يستحق أن يسمى كتابًا حتى كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص بل ليس بكتاب جاز أن يتوهم السامع قبل التأمل أن في ذلك مجازًا أي بسبب المبالغة فأتبع بقوله لا ريب فيه دفعا لهذا التوهم فهو وزان نفسه في قولك جاء زيد نفسه. والثاني كقوله تعالى هدى للمتقين فإن معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها لما في تنكير هدى من الإبهام والتفخيم وللإتيان به دون هاد حتى كأنه هداية محضة وهذا معنى ذلك الكتاب لأن معناه الكتاب الكامل أي في الهداية إذ هي المقصود من الإنزال فهو وزان زيد الثاني في قولك جاء زيد زيد، وأما البدل أي كون الثانية بدلاً من الأولى وذلك لكونها غير وافية بتمام المراد أو كغير الوافية به والمقام يقتضي الاعتناء بشأن المراد لنكتة ككونه مطلوبًا في نفسه أو نظيفًا أو لطيفًا أو عجيبًا فتنزل الثانية من الأولى منزلة بدل البعض أو الاشتمال فالأول كقوله تعالى: أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين إلخ. فإن المراد التنبيه على نعم الله تعالى والمقام يقتضي الاعتناء بشأنه لكونه مطلوبا في نفسه وقوله أمدكم بأنعام إلخ أوفى بتأديته لدلالته عليهم بالتفصيل من غير إحالة على علم المخاطبين المعاندين فهو وزان وجهه في أعجبني زيد وجهه لدخول الثاني في الأول لأن بما تعلمون يشمل الأنعام وغيرها. والثاني كقول الشاعر:
* أقول له ارحل لا تقيمن عندنا * فإن المراد كمال إظهار كراهة الإقامة وقوله لا تقيمن عندنا أوفى بتأديته لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد بالنون بخلاف ارحل فإن دلالته عليه بالتضمن فهو وزان حسنها في أعجبني الدار حسنها لأن عدم الإقامة مغاير للارتحال فلا يكون تأكيدا وغير داخل فيه فلا يكون بدل بعض مع ما بينهما من الملابسة فيكون بدل اشتمال وأما بدل الكل فلا يتأتى هنا استغناء بعطف البيان لأنه قريب منه وقال في الإيضاح لأنه تأكيد في المعنى ولأنه مقصود دون متبوعه والمقصود في البيان ونحوه الأول والثاني توضيح له ومن أمثلة ذلك من القرآن اتبعوا المرسلين اتبعوا الآية
[شرح عقود الجمان: 60]
فإن المراد حمل المخاطبين على اتباع الرسل وقوله اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون أوفى بتأديته وهو مشتمل عليه وقولنا في الموضعين أوفى بصيغة افعل المقتضية لكون الأولى وافية أيضًا مع ما تقدم من أنها غير وافية لأن الأولى وافية مع ضرب من القصور باعتبار الأجمال وعدم مطابقة الدلالة فصارت كغير الوافية. وأما البيان أي كونها عطف بيان للأولى لخفائها مع اقتضاء المقام إزالته فكقوله تعالى فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم الآية فصل قال عن وسوس لأن فيها تفسيرًا لها وبيانًا لها وكذا وما هم بمؤمنين يخادعون الله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم فإنه إذا خرج من جنس البشر فقد دخل في جنس آخر فاحتاج إلى بيان تعيينه. وقال أبو العلاء في سيف:
مقيم النصل في طرفي نقيض = يكون تباين منه اشتكالا
تبين فوقه ضحضاح ماء = وتبصر فيه للنار اشتعالا
أخفى في البيت الأول الماء والنار المشبه بهما طرائف السيف التي هي في متنه وعرائقه بقوله في طرفي نقيض وبالغ فيه حيث جعل التباين فيه تشابهًا وتشاكلاً ثم أوضحه بالبيت الثاني وذلك وزان عمر في قوله * أقسم بالله أبو حفص عمر * روى الحرث بن أبي أسامة في مسنده قال حدثنا أشهل بن حاتم قال حدثنا ابن عون بن محمد قال سأل عمر رجلاً عن إبله فذكر عجفاء ودبراء فقال عمر إني لأحسبها ضخاما سمانا قال فمضى فمر عليه عمر وهو في إبله يحدوها وهو يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ما إن بها من نقب ولا دبر فاغفر له اللهم إن كان فجر
فقال عمر ما هذا؟ قال أمير المؤمنين سألني عن إبلي فأخبرته عنها فزعم أنه يحسبها سمانا ضخاما وهي كما ترى قال فإني أمير المؤمنين ائتني في مكان كذا وكذا فأتاه فأمر بها فقبضت فأعطاه مكانها من إبل الصدقة.
[وشبه الانقطاع كون عطف ذي = يوهمه على سواها وخذ
تظن سلمى أنني البيت مثل = وسم بالقطع الذي لذا انفصل]
الحال الثالث شبه الانقطاع بأن يكون عطف الثانية على الأولى موهمًا لعطفها على غيرها وشبه بكمال الانقطاع باعتبار اشتماله على مانع من العطف إلا أنه لما كان خارجيًا يمكن رفعه بنصب قرينة لم يكن من كمال الانقطاع ويسمى الفصل لذلك قطعا وهو أخص من الاصطلاح السابق بقصر القطع الذي هو ترك العطف على تركه في هذا القسم مثاله:
وتظن سلمى أنني أبغى بها = بدلا أراها في الضلال تهيم
فصل أراها لأنه لو عطف لظن أنه معطوف على أبغي وليس مرادا بل يفسد المعنى:
[وشبه الاتصال كونها جواب = سؤال الأولى اقتضته والصواب
تنزيلها منزلة فتفصل = فصل جوابه وقيل يجعل
مقدرا لنكتة كالاغتنا = عنه وترك السمع منه يعتني
وسمها وفصلها استئنافا = وهو ثلاث أضرب قد وافى
إذ السؤال قد يكون عن سبب = حكم عموما أو خصوصا ينتخب
أو غير ذين ثم منه ما أتى = باسم الذي استؤنف عنه كالفتى
أحسن إليه الفتى به حرى = أو وصفه وهو أشد فاذكر
نحو صديقك القديم قد أهل = وصدر الاستئناف ربما خزل
[شرح عقود الجمان: 61]
فكله مع قائم مقامه = أو دونه ودافع إيهامه
بوصله كمثل قول الداعي لا = وأيد الله حماك بالعلا]
الحال الرابع شبه الاتصال بأن تكون الثانية جوابا عن سؤال اقتضته الأولى فتنزل الأولى منزلة السؤال فتفصل منها الثانية كما يفصل الجواب عن السؤال وقال السكاكي ينزل السؤال المفهوم منزلة السؤال الواقع لنكتة كإغناء السامع عن أن يسأل أو قصد أن لا يسمع منه لاحتقاره أو كراهة كلامه أو نحو ذلك. قال في الإيضاح كقصد أن لا ينقطع كلامك لكلامه أو تكثير المعنى بقليل اللفظ بطيء السؤال والعاطف ويسمى الفصل بذلك استئنافًا وكذا الجملة الثانية تسمى استئنافًا ومستأنفة. والاستئناف ثلاثة أضرب لأن السؤال الذي تضمنته الأولى والمقدر على رأي السكاكي إما عن سبب عام أو خاص أو لا عن سبب فالعام كقوله:
قال لي كيف أنت قلت عليل = سهر دائم وحزن طويل
كأن المخاطب لما سمع عليل قال ما سبب علتك قال سهر إلخ وإنما كان عاما إذ العادة إذا قيل فلان مريض أن يسأل عن مرضه وسببه لا أن يقال هل سبب علته كذا وكذا حتى يكون السؤال عن سبب خاص. والخاص نحو: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء كأنه قيل هل النفس أمارة بالسوء بقرينة التأكيد وهذا الضرب يستحسن له التأكيد كما سبق. الثالث نحو قالوا سلاما قال سلام أي فماذا قال: قال الشيخ عبد القاهر في الدلائل وكل ما في القرآن من قال بلا عاطف فقده على هذا. قال الشيخ بهاء الدين: يعني على الاستئناف، ومنه:
زعم العواذل أنني في غمرة = صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي
كأنه قيل هل صدقوا ثم من الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم من استؤنف عنه مثل أحسن إلى زيد زيد حقيق بالإحسان بإعادة اسم زيد، وقول أبي تمام:
سلبنا غطاء الحسن عن حر أوجه = تظل للب السالبيها سوالبا
وجوه لوان الأرض فيها كواكب = توقد للسارين كانت كواكبا
ومنه ما يبنى على صفة وهو أبلغ لأن فيه ذكر السبب بخلاف الأول نحو أحسن إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك والسؤال المقدر في القسمين لماذا أحسن إليه وهل هو حقيق بالإحسان، ومن هذا القسم قول أبي العلاء:
وقد عرضت عن الدنيا فهل زمني = معط حياتي لغير بعد ما عرضا
جربت دهري وأهليه فما تركت = لي التجارب في ود امرئ غرضا
فإنه حين أبدى شكاية الزمن حمل السامع على سؤال ماذا تشكو منه ولماذا استحق الشكاية، فقال إني جربت دهري وأهليه ومارستهم فلم يبق لي فيهم غرض وقد يحذف صدر الاستئناف فعلا كان أو اسما نحو {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} كأنه قيل من يسبح فقال يسبحه رجال أو المسبح رجال وقد يحذف الاستئناف كله إما مع قيام شيء مقامه يدل على المحذوف كقوله:
زعمتم أن إخوتكم قريش = لهم إلف وليس لكم إلاف
كأنه قيل صدقنا أم كذبنا فقال مقدرًا كذبتم. ثم استدل عليه بقوله لهم إلف إلخ أو لا، نحو {فنعم الماهدون} أي نحن. الحال الخامس الوصل لدفع الإيهام، وهو معنى قولي ودافع إيهامه بوصله
[شرح عقود الجمان: 62]
كقولهم لا وأيدك الله وصلت وإن كان بينهما كمال الانقطاع لأن الأولى خبر والثانية إنشاء لئلا يتوهم أن لا داخلة على جملة وأيدك الله فتكون دعاء عليه. وفي ربيع الأبرار أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه مر برجل يقال له أبو لفانة في يده ثوب فقال له الصديق رضي الله تعالى عنه أتبيع هذا الثوب؟ فقال لا رحمك الله فقال له الصديق قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون لا تقل هكذا قل لا ورحمك الله وحكاها صاحب المغرب بلفظ قل وعافاك الله. وسأل المأمون اليزيدي عن شيء فقال لا وجعلني الله فداءك فقال المأمون لله درك ما وضعت الواو موضعًا قط أحسن منها هنا وقد وجدت لهذا النوع مثالاً من الحديث وهو ما أخرجه أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فجاءه أعرابي فقال أعطني يا محمد فقال لا وأستغفر الله قال وكانت يمينه أن يقول لا وأستغفر الله وربما يقصد الشاعر المواربة فيترك الوصل. قال شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر:
الدوادار قال لي = سوف أقضي مآربك
ابذل المال قلت لا = حفظ الله جانبك
[وصل إذا توسط بينهما = يكون فيهما كأن تلفيهما
توافقا إنشاء أو فخبرا = في لفظ أو معنى بجامع يرى]
الحال السادس: الوصل لتوسط الجملتين بين كمال الاتصال وكمال الانقطاع بأن تتفق الجملتان في الخبرية أو الإنشائية لفظًا ومعنى أو معنى فقط وتحت ذلك ثمانية أقسام أن تكونا خبريتين لفظًا ومعنى إنشائيتين كذلك إنشائيتين معنى والأول خبر لفظا إنشائيتين معنى والأول إنشاء خبريتين معنى والأول خبر إنشائيتين معنى وهما خبران لفظا خبريتين معنى إنشائيتين لفظا ولا بد من تحقيق جامع بينهما على ما سيأتي مثاله {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} من القسم الأول والجامع التضاد {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} من الثاني {لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا} أي لا تعبدوا وأحسنوا من الثالث أو يقدر وتحسنون بمعنى أحسنوا فيكون من السابع:
[وهو يكون باعتبار المسند = إليهما والمسندين فقد]
الجامع بين الجملتين يجب أن يكون باعتبار المسند إليهما والمسندين جميعا: أي المسند إليه في الأولى والمسند إليه في الثانية وكذلك المسند في الأولى والمسند في الثانية نحو يشعر زيد ويكتب للمناسبة بين الشعر والكتابة ويعطي ويمنع لتضاد الإعطاء والمنع وزيد شاعر وعمرو كاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما من أخوة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك من الملابسات بخلاف ما إذا لم تكن كذلك وإن اتحد المسندان نحو خفي ضيق وخاتمي ضيق أو كانت ولا مناسبة نحو زيد شاعر وعمرو طويل وإن كان بين زيد وعمرو مناسبة لعدم تناسب الشعر وطول القامة:
[فمنه عقلي بأن يكون في = تصور بينهما إذا يفي
تماثل أو اتحاد أو يرى = تضايف كأصغر وأكبرا
وإن يكن بين تصوريهما = شبه تماثل فللوهم انتمى
كلوني البياض والصفرة إذ = يبرزهما كالمثل وهم ما انتبذ
كذا تضاد كالبياض والسواد = أو كالسما والأرض مشبه التضاد
[شرح عقود الجمان: 63]
وإن يكن يسبق في الخيال = تقارن فجامع خيالي
واختلفت أسبابه فاختلفت = صوره فوضحت أو فخفت]
الجامع بين الشيئين عقلي أو وهمي أو خيالي، فالعقلي علاقة تجمع الشيئين في القوة المفكرة بأن يكون بينهما اتحاد في التصور مثاله في الطرفين قام زيد أمس وقام زيد أمس مريدا بذلك قياما واحدا للتأكيد ومنه {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} وحديث «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن» وفي المسند فقط زيد يكتب وأخوه يكتب وفي المسند إليه فقط نحو زيد يكتب ويشعر أو تماثل فيهما مثاله زيد يعطي وأخوه يعطي وفي المسند زيد يعطي وهو يعطي إذا قصد غير الإعطاء الأول وفي المسند إليه زيد يعطي وأخوه يمنع، أو تضايف بأن يكون كل من الشيئين لا يمكن تعقله إلا بالقياس إلى تعقل الآخر كالأصغر والأكبر والأقل والأكثر والأعلى والأسفل، والوهمي بأن يكون بين تصوريهما شبه تماثل كلوني البياض والصفرة فإن الوهم يبرزهما في معرض المثلين لتقاربهما فيسبق إليه أنهما نوع واحد زيد في أحدهما عارض بخلاف العقل فإنه يعرف أنهما نوعان متباينان أو يكون بين تصوريهما تضاد كالسواد والبياض والإيمان والكفر وما يتصف بهما الأبيض والأسود والمؤمن والكافر أو شبه التضاد كالسماء والأرض لأن الأول في غاية الارتفاع والثاني لأن الأول هو السابق والثاني هو المسبوق بواحد فقط والوهم ينزل التضاد وشبهه منزلة التضايف في أنه لا يحضره أحد المتضادين أو شبهه إلا ويحضره الآخر ولذلك تجد الضد أقرب خطورًا بالبال مع الضد من سواه من المغايرات والخيال بأن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق على العطف لأسباب مؤدية إلى ذلك وهي مختلفة فلذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبا ووضوحًا ورب شيئين يجتمعان في خيال زيد دون خيال عمرو لملابسة لهما دون غيره ونحو ذلك وربما كان بين الأمرين جامع خيالي عند قوم دون قوم كقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الآية فإن هذه الأمور مجتمعة في خيال أهل البوادي فإن أكثر انتفاعهم بالإبل وانتفاعهم بها بالمرعى الناشئ عن المطر النازل من السماء المقتضى تلب وجوههم إلهيا ولا بد لهم من مأوى وحصن فكثر نظرهم إلى الجبال ولا بد لهم من التنقل من أرض إلى أرض فذكرت الأرض فصور هذه الأمور حاضرة في ذهنهم على الترتيب المذكور بخلاف الحاضر:
[وحسن الوصل تناسب وجد = في اسمية وفي مضيها وضد
قلت وفي الشرطية الظرفية = والحصر والتأكيد للمزية]
من محسنات الوصل بعد وجود المصحح تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية وتناسب الفعليتين في المضي والمضارعة ما لم يكن مانع من إرادة التجدد في إحداهما والثبوت في الأخرى نحو قام زيد وعمرو قاعد. ومنه {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} أي أحدثتم الدعوة أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم أو المضي في إحداهما والمضارعة في الأخرى أو في إحداهما الإطلاق وفي الأخرى التقييد بالشرط نحو {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر} قاله الشيخ بهاء الدين نقلاً. ومن التناسب أيضًا أن تكون الجملتان سواء في الشرطية والظرفية: أي إذا كان المعطوف
[شرح عقود الجمان: 64]
عليها شرطية أو ذات ظرف فلتكن الثانية كذلك. قال: وينبغي أن يدخل في هذا القسم ما إذا كان في إحداهما أداة حصر أو تأكيد بأن واللام ونحو ذلك.
تذنيب
[الأصل في الحال المفيد نقلة = خلوها فإن أتاك جملة
تحتج لما يربطها فإن خلت = عن مضمر فهي بواو قرنت]
لما كانت الحال الواقعة جملة تارة تدخلها الواو وتارة لا تدخلها صار لها في الصورة حالتا وصل وفصل فناسب ذكر ذلك في بابه وجعل كالذنابة لما قبله ثم الحال إما مؤكدة ولا تدخلها الواو أبدًا لأنها في معنى ما قبلها، أو منتقلة وهو الأكثر، والأصل فيها مفردة كانت أو جملة خلوها عن الواو لأنها في المعنى حكم على صاحبها كالخبر ووصف له كالنعت وكل منهما لا يصلح عطفه فكذا وكل من المضمر والواو وصالح للربط والأصل هو الضمير بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة والخبر والنعت الصلة وإنما يعدل عنه إذا تعذر:
[وكل جملة ترى عن مضمر = ما صح عنه نصبها حالا عرى
يصح أن تكون حالا عنه = بالواو أما إن تكن حوته
فما على حصول وصف ما ثبت = مقارن لماله قد قيدت
دل فضاهى المفرد المؤصلا = فامنع بها الواو وما ليس فلا
فأول مضارع قد أثبتا = فالاقتران إذ مضارعا أتى
وبالثبوت فالصفات تحصل = وما حواها شذ أو مؤول
وإن نفى تجوزا لكونه = دل على القران لا حصوله
كمثبت الماضي فللحصول لا = للاقتران ولذا قد دخلا
مقربا وبعضهم لم يشترط = وقال من أوجبها فقد غلط
وما نفى فلا حصول إذ نفى = ولكن اقترانه حقا يفي
لأن لما نفيها يستغرق = وغيرها نفي لما قد يسبق
والأصل الاستمرار فيه فإذا = أطلقته فالاقتران يحتذي
خلاف مثبت فإن الفعلا = بوضعه على الحدوث دلا
وإن تكن اسمية فالمرتضى = جواز تركها بعكس ما مضى
في مثبت الماضي ولكن رجحا = دخولها إذ الثبوت ما انحى
مع كون الاستئناف فيها قد بدا = وقيل الزم إذ يكون المبتدا
ضمير ذي الحال وإن يسبق خبر = ظرف فحسن تركها قد استقر
كذا بحرف داخل في المبتدا = أو تلت الجملة حالا مفردا
قلت وذات الشرط واوا تلزم = إذ فقدت ما لامتناع يحتم]
كل جملة خلت عن ضمير ما صح نصبها عنه حالاً تصح أن تقع حالاً عنه بالواو وأما الحاوية للضمير فإن كانت فعلية وصدرها مضارع مثبت امتنع دخول الواو نحو: ولا تمنن تستكثر لأن الأصل
[شرح عقود الجمان: 65]
في الحال المفردة وهي تدل على حصول صفة غير ثابتة مقارن لما جعلت الحال قيدا له وهو العامل والمضارع المثبت كذلك أما دلالته على حصول صفة فلكونه مثبتًا، وأما كون الصفة غير ثابتة أي منتقلة فلكونه فعلا وهو يدل على التجدد وعدم الثبوت، وأما المقارنة فلكونه فعلا مضارعًا وهو يصلح للحال وما ورد من قول الشاعر * نجوت وأرهنهم مالكا * فشاذ أو مؤول على حذف المبتدأ أي وأنا أرهنهم، وإن كان مضارعا منفيا جاز الأمران الإتيان بالواو وتركها على السواء نحو: وما لنا لا نؤمن فاستقيما ولا تتبعان على قراءة ابن ذكوان بتخفيف النون لأن المانع من الواو مجموع كون الفعل دالاً على الحصول والمقارنة فزال الحصول بالنفي وبقى المقارنة للمضارعة وبزوال جزء العلة يزول الامتناع فيجوز الإتيان بالواو وتركها اكتفاء بالضمير وكذا الماضي لفظا إذا كان مثبتًا أو معنى وهو المضارع المنفي بلم، أو لما نحو: أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر أو جاءوكم حصرت صدورهم أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم، أما جواز الأمرين في المثبت فلأنه دال على الحصول للإثبات دون المقارنة لكونه ماضيًا فلا يقارن الحال ولذلك شرط أن يكون مع قد ظاهرة أو مقدرة كما في حصرت لأنها تقرب الماضي من الحال هذا رأي جمهور النحاة والذي اختاره أبو حيان وجماعة آخرهم شيخنا العلامة الكافيجي منع الاشتراط قالوا وقد غلط من أوجبها ظنا أن حال الزمان والحال المبينة للهيئة واحدة وليس كذلك كما لا يخفى ولفظ قد إنما يقرب الماضي من الحال التي هي زمان المتكلم، وأما جواز الأمرين في النفي فدلالته على المقارنة دون الحصول، أما الثاني فلكونه منفيًا، وأما الأول فلأن لما من حروف النفي للاستغراق أي لامتداد النفي من حين الانتفاء إلى زمن التكلم وسائر الحروف مثل لم ولا لانتفاء متقدم على زمان المتكلم مع أن الأصل استمراره حتى تظهر قرينة على الانقطاع فيحصل بذلك الدلالة على المقارنة عند الإطلاق بخلاف المثبت فإن وضع الفعل على إرادة التجدد من غير أن يكون الأصل استمراره وإن كانت اسمية فالمشهور جواز تركها بعكس ما تقدم في الماضي المثبت لدلالتها على المقارنة لكونها مستمرة لا على حصول صفة غير ثابتة لدلالتها على الدوام والثبات نحو كلمته فوه إلى فيّ والمشهور أيضًا أن دخولها أولى من تركها لعدم دلالتها على عدم الثبوت مع ظهور الاستئناف فيها فحسن زيادة رابطة نحو: فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون، وقيل إن كان المبتدأ فيها ضمير صاحب الحال وجبت سواء كان خبره فعلاً أم اسمًا نحو جاء زيد وهو يسرع أو هو مسرع لأن الفائدة كانت حاصلة بدون الضمير فالإتيان به يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال فلا يصلح أن يستقل بالربط فتجب الواو وإن كان الخبر ظرفا مقدما كثر ترك الواو نحو جاء زيد على كتفه سيف وقوله:
* خرجت مع البازي على سواد * ويحسن ترك الواو في الجملة الاسمية أيضًا لعارض كدخول حرف غير الواو على المبتدأ لحصول نوع من الارتباط به كقوله:
فقلت عسى أن تبصريني كأنما = بنى حوالي الأسود الحوارد
فدخول كأنما على بني حسن ترك الواو منها لئلا يتوارد على الجملة حرفان وكذا إذا وقعت الجملة بعد حال مفردة كقوله:
والله يبقيك لنا سالما = برداك تبجيل وتعظيم
[شرح عقود الجمان: 66 ]
قال في الإيضاح: هذا كله إذا لم يكن صاحب الحال نكرة مقدمة فإن كان نحو جاءني رجل وعلى كتفه سيف وجبت الواو لئلا يشتبه الحال بالنعت هذا تقرير هذا الفصل على نمط ما وقع في التلخيص من التفسير وفيه عسر وغموض. وأما النظم فأنى سبرته سبرا حسنا حيث أصلت أن الجملة الحاوية للضمير ما دل منها على حصول الوصف الغير الثابت المقارن لما قيدته يمتنع منها وما لا فلا يمتنع بل يجوز دخولها وتركها ثم بينت أن الأول المضارع المثبت وعللته ثم ذكرت أنه إن نفى جاز الأمران وأن مثله مثبت الماضي ومنفيه وعللت كل قسم تلوه ثم ختمت بالاسمية وفروعها وقولي وإن يسبق خبر ظرف فيه تصريح بضابط المسئلة واقتصر في التلخيص على التمثيل، ثم نبهت من زيادتي على أن جملة الحال إذا وقعت شرطية تلزمها الواو نحو جاء زيد وإن يسأل يعط إذ لا حصول فيها ولا مقارنة فبعدت عن المفردة بزوال كل من خاصيتها وقد جزم أبو حيان في الارتشاف بجواز وقوع الشرطية حالاً وكذا أعرب الزمخشري قوله تعالى: {إن تحمل عليه يلهث} حالا.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, السابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir