دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > البلاغة > عقود الجمان

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 03:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباب الثاني: أحوال المسند إليه

البَابُ الثَّانِي: أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ إِلَيْه
96 فَلِاجْتِـنَابِ عَبَثٍ قُلْ حَذْفُـهُ = أَوْ لاِخْتِبَـارِ سَامِـعٍ هَلْ يَنْـبُـهُ
97 أَوْ قَـدْرِ فَهْمِـهِ وَجَنْحٍ لِدَلِيـلْ = أَقْوَى هُـوَ الْعَقْـلُ لـهُ "قُلْتُ عَـلِيلْ"
98 أَوْ صَوْنِهِ عَنْ ذِكْرِهِ أَوْ صَوْنِكَا = أَوْ لِتَأَتِّـي الْجَحْدِ إِنْ يُـجْنَحْ لَكَا
99 أَوْ كَوْنِـهِ مُعَيَّـنًا أَوِ ادِّعَـــا = أَوِ الْمَقَــامِ ضَيِّــقًا أَوْ سُمِــعَا
100 وَذِكْرُهُ لِلْأَصْـلِ أَوْ يُحْتَـاطُ إِذْ = تَعْوِيلُـهُ عَلَى الْقَرِينَـةِ انْتُــبِذْ
101 أَوْ سَامِـعٍ لَيْـسَ بِذِي تَذْكِـيرِ = أَوْ كَثْـرَةِ الْإِيضَـاحِ وَالتَّقْرِيـرِ
102 أَوْ قَصْدِهِ تَحْقِيـرَهُ أَوْ رِفْـعَـتَـهْ = أَوْ بَرَكَــاتِ شَأْنِــهِ أَوْ لَذَّتَــهْ
103 أَوْ بَسْطَهُ الْكَلاَمَ حَيْثُ يُطْلَبُ = طُـولُ الْمَقَامِ كَالَّذِي يُسْتَعْـذَبُ
104 وَكَوْنُـهُ مَعْرِفَـةً فَمُضْــمَرُ = إِذِ الْمَقَــامُ غَائِـبٌ أَوْ حَاضِــرُ
105 وَالْأَصْلُ فِي الْخِطَابِ أَنْ يُعَيَّنَا = مُخَاطَـبٌ وَفَــقْدُ ذَاكَ يُعْتَـنَى
106 كَقَوْلِـهِ سُبْحَانَــهُ: "وَلَـوْ تَـرَى" = لِكَيْ يَعُمَّ كُلَّ شَخْصٍ قَدْ يَرَى
107 وَعَلَـمٌ لِأَجْـلِ أَنْ يَحْضُـرَ فِـي = ذِهْــنٍ بِعَيْنِـهِ وَبِاسْـمِهِ الْوَفِـي
108 فِي الاِبْتِدَا كَـ"قُـلْ هُوَ اللهُ أَحَـدْ" = أَوْ لِكِنَايَـــةٍ وَرِفْعَـــةٍ وَضِـدْ
109 أَوْ لِتَبَــرُّكٍ وَلَـذَّةٍ، وَمَـا = يُوصَـلُ لِلتَّـقْرِيرِ أَوْ أَنْ فُخِّـمَا
110 أَوْ فَـقْدِ عِلْمٍ سَامِعٍ غَيْرَ الصِّلَـهْ = كَـ"إنَّ مَا أَهْـدَى إِلَيْـكَ يَعْمَلَـهْ"
111 أَوْ هُجْنَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِسْمِ كَذَا = تَنْـبِيهُهُ عَلَى الْخَطَا وَنَحْـوِ ذَا
112 أَوْ لِإِشَارَةٍ إِلَـى وَجْهِ الْبِنَـا = لِخَبَرٍ وَقَــدْ يَكُــونُ ذَا هُنَا
113 ذَرِيـعَةً لِرَفْـعِ شَــأْنِ الْمُسْــنَدِ = أَوْ غَيْـــرِهِ أَوْ لِسِــوَاهُ وَزِدِ
114 ذَرِيعَـةً لِأَجْلِ تَحْقِيـقِ الْخَـبَرْ = وَقَالَ فِي الْإِيضَـاحِ: (فِي هَـذَا نَظَرْ)
115 وَاسْمُ إِشَارَةٍ لِكَيْ يُمَيَّزَا = أَكْمَلَ تَمْيِيــزٍ كَـ"هَـذَا مَنْ غَزَا"
116 كَـذَا لِتَعْرِيـضٍ بِـأَنَّ السَّامِـعْ = مُسْتَبْـلِدٌ كَالْبَيْتِ ذِي الْمَجَامِعْ(1)
117 أَوْ لِبَيَــانِ حَالِــهِ مِـنْ قُـرْبِ = أَوْ بُعْـدٍ اوْ تَحْـقِيـرِهِ بِالْقُــرْبِ
118 أَوْ رَفْعِهِ بِالْـبُـعْــدِ أَوْ تَحَـقُّـرِ = أَوْ كَوْنِهِ بِالْوَصْفِ بَعْدَهُ حَرِيْ
119 أَوْ لَمْ يَكُنْ بِغَيْـرِ ذَاكَ يُعْرَفُ = قَدْ زَادَهُ عَلَى الْمَوَاضِي يُوسُفُ
120 ثُـمَّ بِـ(أَلْ) إِشَــارَةً لِمَـا عُهِـدْ = أَوْ لِحَقِــيقَــةٍ وَرُبَّـــمَا تَرِدْ
121 لِوَاحِــدٍ لِعَهْــدِهِ فِي الذِّهِـنِ = نَحْـوُ "ادْخُلِ السّوقَ"وَلاَ عَهْدَ عُــي
122 كَالنُّـكْرِ مَعْنًى وَلِأَفْـرَادٍ تَعُـمْ = حَقِيقَـةً كَعَـالِمِ الْغَيْـبِ قَــدُمْ
123 وَمِنْـهُ عُـرْفِيْ وَعُمُـومُ الْمُفْــرَدِ = أَشْمَـلُ إِذْ صَحَّ وُجُـودُ مُفْـرَدِ
124 وَرَجُلَـيْنِ مَعَ قَوْلٍ" لاَ رِجَـالْ = فِي الدَّارِ" دُونَ مَا إِذَا فَرْدٌ يُقَالْ
125 وَلاَ تَنَــافِيْ بَـيْنَ الاِسْتِغْـرَاقِ = وَبَــيْنَ الاِفْــرَادِ بِالاِتِّــفَاقِ
126 لِأَنَّهُ يَدْخُلُ مَعْ قَطْـعِ النَّظَرْ = عَـنْ وَحْدَةٍ، وَبِالْإِضَافَةِ اسْتَقَرْ
127 لِلاِخْتصَارِ أَوْ لِـتَـعْظِـيمِ الْمُضَـافْ = إِلَيْهِ أَوْ مُضَافِ هَذَا أَوْ خِلاَفْ
128 هَذَيْـنِ أَوْ إِهَـانَـةٍ كَـ"عَبْــدِي = عَبْـدُ إِمَـامِ الْمُسْلِمِــينَ عِنْـدِي"
129 قُلْتُ: وَالاِسْـتِـغْرَاقِ لَكِنْ سَكَـتُوا = عَنْـهُ، وَمِنْ (أَلْ) ذَا بِهَذَا أَثْبَـتُ
130 وَيُوسُـفٌ :وَلِإِشَـارَةٍ إِلَى = نَـــوْعِ مَجَــازٍ وَلِتَرْقِيقٍ جَلاَ
131 وَكَوْنُهُ نَكِـرَةً لِوَحْــدَتِهْ = كَـ"رَجُـلٌ" نَوْعِيَّـــةٍ أَوْ رِفْعَتِــهْ
132 أَوْ ضِـدِّهَا أَوْ كَثْرَةٍ أَوْ قِلَّتِـهْ = وَقَــدْ أَتَــى لِرِفْعَــةٍ وَكَثْرَتِـهْ
133 "قَدْ كُذِّبَتْ رُسْلٌ" مِثَالٌ فَافْهَمِ = وَغَيْــرُهُ نُكِّـرَ قَصْـدَ الْعِـظَـمِ
134 نَحْـوُ "بِحَـرْبٍ" وَلِضِــدٍّ "ظَـنَّا" = وَالنَّــوْعُ وَالْإِفْـرَادُ حَقًّا عَـنَّا
135 فِي "دَابَةٍ مِـنْ مَاءٍ" الَّـذِي تُـلِي = أَوْ قُصِدَ الْعُمُـومُ إِنْ نَـفْيًا وَلِي
136 أَوْ لِتَجَاهُـلٍ أَوَ انْ لاَ يُدْرِكَـا = ذُو الْقَوْلِ وَالسَّـامِعُ غَيْرَ ذَلِكَا
137 ثُـمَّ مِـنَ الْقَوَاعِـدِ الْمُشْتَهِــرَهْ = إِذَا أَتَـــتْ نَكِــرَةٌ مُكَــرَّرَهْ
138 تَغَايَرَا وَإِنْ يُعَــرَّفْ ثَـانِي = تَوَافَــقَا كَــذَا الْمُـعَرَّفَـــانِ
139 شَاهِدُهَا الَّذِي رَوَيْنَا مُسْـنَدَا = "لَنْ يَغْلِبَ الْيُسْرَيْنِ عُسْـرٌ أَبَدَا"(2)
140 وَنَقَـضَ السُّبْكِيُّ ذَا بِأَمْثِـلَةْ = وَقَـالَ: ذِي قَاعِــدَةٌ مُسْتَشْـكَلَةْ(3)
141 وَوَصْـفُـهُ لِلْـكَشْفِ وَالتَّخْصِيصِ أَوْ = تَـأَكُّدٍ وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ رَأَوْا
142 وَكَوْنُـهُ أُكِّــدَ لِلتَّقْرِيــرِ مَـعْ = تَوَهُّـمِ الْمَجَازِ وَالسَّهْوِ انْــدَفَعْ
143 أَوْ عَدَمِ الشُّمُـولِ، وَالْبَيَانُ قَـرْ = لِكَشْـفِهِ نَحْوُ "أَبُو حَفْصٍ عُــمَرْ"
144 وَالْعَـطْفُ لِلـتَّـفْـصِيلِ بِالْإِيجَازِ فِي = ذَا الْبَابِ وَالْمُسْـنَدِ أَوْ رَدٍّ نُـفِيْ
145 بِـهِ الْخَطَا فِي "جَا أَبُوكَ لاَ الْأَجَـلْ" = أَوْ صَرْفِ حُكْمٍلِلسِّوَى فِي عَطْفِ (بَلْ(
146 وَالشَّكِّ وَالـتَّشْكِيكِ، قُلْتُ: أَوْسِوَى = ذَلِـكَ مِـمَّا حَـرْفَ عَطْفٍ قَدْ حَوَى
147 وَبَدَلُ الشَّيْءِ وَبَعْضٍ وَاشْتِمَالْ = لِزَيْـدِ تَـقْـرِيـرٍ وَإِيضَـاحٍ يُقَـالْ
148 وَالْفَصْلُ تَخْصِيصًا لَهُ بِالْمُسْنَدِ = وَالْمَيْــزَ مِـنْ نَعْــتٍ وَلِلتَّأَكُّـدِ
149 وَكَوْنُـهُ مُؤَخَّــرًا فَلاِقْــتِـضَا = تَقَــدُّمِ الْمُسْنَــدِ أَمْـرٌ مُرْتَضَى(4)
150 وَكَوْنُـهُ مُقَـدَّمًا إِذْ هُوْ الْمُهِــمْ = لِكَوْنِـهِ الْأَصْـلَ وَمُخْـرِجٌ عُـدِمْ
151 أَوْ لِتَـمَكُّنْ خَبَرٍ فِي الذِّهْنِ إِذْ = فِـي الْمُبْتَـدَا تَشَــوُّقٌ لَـهُ أُخِـذْ
152 أَوْ سُرْعَةِ السُّــرُورِ لِلـتَّفَاؤُلِ = أَوْ لِمَسَـاءَةِ الْعُــدُوِّ الْعَــاذِلِ
153 أَوْ كَوْنِهِ يُوهِـمُ الاِسْتِلْذَاذَ بِـهْ = أَوْ لاَزِمَ الْخَـاطِرِ وَالَّذِي شُبِـهْ
154 قِيلَ: وَلِلتَّخْصِيـصِ بِالْـفِـعْلِ الْخَبَرْ = تَالِيَ نَـفْيٍ نَحْـوُ "مَـا أَنَـاأُضَـرْ"
155 أَيْ بَلْ سِوَايَ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحْ = "وَلاَ سِـوَايَ" وَالْقِيَاسُ مُتَّضِــحْ
156 وَلاَ كَـ"مَا أَنَـا رَأَيْـتُ أَحَـــدَا" = وَ"مَـا أَنَا ضَرَبْـتُ إِلاَّ مَـنْ عَـدَا"
157 وَمَا سِوَى التَّـالِيْ لِـتَخْصِيصٍ وَرَدْ = عَلَى الَّذِي يَزْعُـمُ غَيْرَهُ انْفَـرَدْ
158 أَوْ شَـارَكُـوا نَحْـوُ "أَنَا الَّذِي عَلاَ" = بِـنَحْــوِ "لاَ غَيْــرِيَ" أَكِّـدْ أَوَّلاَ
159 وَنَحْــوِ "وَحْـدِيْ" ثَانِـيًا وَوَرَدَا = تَـقْـوِيَةَ الْحُكْمِ كَـ"ذَا يُولِي النَّـدَا"
160 وَلَوْ نُفِيْ الْفِعْلُ كَـ"أَنْتَ لاَ تَذُمْ" = فَذَا عَلاَ عَنْ "لاَ تَـذُمْ" وَلَوْ تَضُمْ
161 أَنْتَ" إِذِ التَّـأْكِيدُ لِلْمَحْكُومِ لاَ = لِلْحُكْمِ وَالْفِـعْلُ إِنِ النُّكْرَ تَـلاَ
162 فَهْوَ لِجِنْـسٍ أَوْ لِفَـرْدٍ حَصَرَهْ = كَـ"رَجُلٌ جَـا لاَ رِجَالٌ" أَوْ "..مَـرَةْ"
163 وَقَـالَ يُوسُـفُ: كَـذَا إِنْ قُـدِّرَا = فاَعِـلُهُ مَعْـنًى فَـقَـطْ مُؤَخَّـرَا
164 وَإِنْ يَجُزْ وَلَـمْ يُقَـدَّرْ أَوْ مُنِـعْ = لَمْ يُسْتَفَدْ غَيْرُ التَّقَوِّي فَاسْتَمِعْ
165 إِلاَّ مُنَكَّرًا وَلَوْ أَنْ أُخِّـرَا = فَفَـاعِلاً فِـي اللَّفْظِ أَيْضًا قُـدِّرَا
166 بِجَعْلِهِ مِنَ الضَّمِيرِ مُبْدَلاَ = خَشْيَـةَ فَقْـدٍ لِلْخُصُـوصِ إِذْ خَلاَ
167 مِنْ سَبَبٍ سِوَاهُ فَالْمَنْعُ لَزِمْ = مِـنِ ابْتِدَاهُ لاَ مُعَـرَّفٌ وُسِــمْ
168 بِشَرْطِ فَقْدِ مَانِعِ التَّخْصِيصِ لاَ = "شرٌّ أَهَــرَّ ذَا أَذًى" أَمَّا عَلَـى
169 جِنْسٍ فَلاِمْــتِـنَاعِ أَنْ يُـرَادَ "مَا = أَهَرَّ شَـرٌّ غَيْــرُ خَيْــرٍ" وَأَمَا
170 عَلَى انْفِــرَادٍ فَهْوَ لَيْــسَ يَجْنَحُ = لِقَصْدِهِمْ وَإِذْ هُمُـو قَـدْ صَرَّحُوا
171 تَخْـصِيصَهُ إِذْ أَوَّلُوا بِـ"مَـا أَهَرْ = إِلاَّ" فَبِالتَّنْكِيرِ فَـظِّـعْ شَـأْنَ شَرْ
172 وَفِـي جَمِــيعِ قَوْلِهِ هَـذَا نَظَرْ = قَالَ: وَ"زَيْدٌ قَائِمٌ" إِذِ اسْتَتَرْ
173 فِيهِ ضَمِيرٌ فِـي التَّقَـوِّي يَقْرُبُ = مِنْ "قَامَ" لاَ كَمِثْلِهِ إِذْ يُنْسَبُ
174 لِشِبْهِ خَالٍ صِيغَةً وَمِـنْ هُنَا = لَمْ يَكُ جُمْلَةً وَلاَ كَهِيْ بِنَا
175 مِمَّا يُرَى تَقْـدِيمُهُ كَـاللاَّزِمِ = "مِثْلُكَ لاَ يَبْخَلُ يَا ابْنَ الْعَالِمِ"
176 وَمِثْــلُهُ "غَـيْرُكَ لاَ يَجُودُ" أَيْ = أَنْتَ إِذَا لَمْ يَكُ تَعْرِيضٌ بِشَيْ
177 وَرُبَّمَا قُدِّمَ إِذْ عَمَّ كَـ"كُلْ = لَمْ يَأْتِ" إِذْ تَأْخِيرُهُ هُنَا يَدُلْ
178 عَلَى انْتِفَا الْحُكْمِ عَنِ الْمَجْمُوعِ لاَ = عَنْ كُلِّ فَرْدٍ وَهْوَ حُكْمٌ قُبِلاَ
179 اَلشَّيْخُ: إِنْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَتَتْ = "كُلٌّ" بِأَنْ أَدَاتُهُ تَقَدَّمَتْ
180 كَقَوْلِهِ: "مَا كُلُّ مَا تَمَنَّى" = أَوْ عَمَلُ الْمَنْفِيِّ فِيهِ عَنَّا
181 كَـ"مَا أَتَى الرِّجَالُ كُلُّهُمْ"، وَ"لَنْ = آخُذَ كُلَّ الْمَالِ" أَوْ ذَا قَدِّمَنْ
182 تَوَجَّهَ النَّفْيُ إِلَى الشُّمُولِ ثُمْ = أُثْبِتَ لِلْبَعْضِ وَإِلاَّ فَلْيَعُمْ
183 كَـ"أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِي = عَلَيَّ ذَنْباً كُـلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ "


مَسْأَلَة [ الخروج عن مقتضى الظاهر]
184 قَدْ يَخْرُجُ الْكَلاَمُ عَمَّا ذُكِرَا = مِنْ ذَلِكَ الْمُضْمَرُ عَمَّا أُظْهِرَا
185 كَـ"نِعْمَ عَبْدًا" وَضَمِيرِ الشَّانِ = لِيَثْبُتَ التَّالِيهِ فِي الْأَذْهَانِ
186 وَعَـكْسُـهُ إِشَارَةً لِلاِعْـتِـنَـا = بِكَوْنِهِ مُمَيَّزًا إِذْ ضُمِّنَا
187حُكْمًا بَدِيعًا وَادِّعَاءَ الشُّهْرَةِ = أَوِ النِّدَا عَلَى كَمَالِ الْفِطْنَةِ
188 لِسَامِعٍ وَالضِّدِّ وَالتَّهَكُّمِ = بِهِ كَمِثْلِ مَا إِذَا كَانَ عَمِيْ
189 وَغَيْرَهَا زِيَادَةَ التَّمْكِينِ قَدْ = مَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: "اللهُ الصَّمَدْ"
190 أَوْ لِـيُـقَوِّيْ دَاعِيَ الْـمَأْمُورِ = أَوْ يُدْخِلَ الرَّوْعَ عَلَى الضَمِيرِ
191 أَوِ الْمَهَابَةِ وَالاِسْتِعْطَافِ = قُلْتُ كَذَا الْوُصْلَةُ لِلْأَوْصَافِ
192 وَعِظَمِ الْأَمْرِ وَتَنْبِيهٍ عَلَى = عِلِّـيَّةٍ، وَعَوْدُ مَعْنَاهُ عَلاَ
193 وَقَالَ فِي الْمِفْتَاحِ: كُلُّ مَا ذُكِرْ = لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِذَا الَّذِي قُدِرْ
194 بَلْ غَيْبَةٌ وَأَخَوَاهَا قَدْ نُـقِلْ = كُلٌّ لِآخَرَ الْتِفَاتٌ مُسْتَقِلْ
195 وَرُدَّ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ أَخَصْ = لِأَنَّهُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنًى بِـنَصْ
196 مِنَ الثَّلاَثِ بَعْدَ ذِكْرٍ بِسِوَاهْ = مِنْهَا لِيَرْفُلَ الْكَلاَمُ فِي حُلاَهْ
197 لِأَنَّ نَقْلَ الْقَوْلِ فِي الْمَهَايِعِ = أَنْشَطُ لِلْإِصْغَاءِ فِي الْمَسَامِعِ(5)
198 وَقَدْ يَخُصُّ كُلَّ مَوْضِعٍ نُكَتْ = كَمِثْلِ مَا أُمُّ الْكِتَابِ قَدْ حَوَتْ
199 فَالْعَبْدُ إِذْ يَحْمَدُ مَنْ يَحِقُّ لَهْ = ثُمَّ يَجِيءُ بِالسُّـمَى الْمُبَجَّلَةْ
200 فَكُلُّهَا مُحَرِّكُ الْإقْبَالِ = وَمَالِكُ الْأُمُورِ فِي الْمَآلِ
201 فَيُوجِبُ الْإِقْبَالَ وَالْخِطَابَا = بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّطْلاَبَا
202 لِلْعَوْنِ فِي كُلِّ مُهِمٍّ يَقْصِدُ = وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا قَدْ يَرِدُ
203 وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَةٍ كَمَا فِي = عَرُوسِ الاَفْرَاحِ وَفِي الْكَشَّافِ
204 وَمِنْ خِلاَفِ الْمُقْتَضَى أَنْ جَاوَبَا = مُخَاطِـبًا بِغَيْرِ مَا تَرَقَّبَا
205 بِحَمْلِهِ عَلَى خِلاَفِ قَصْدِهِ = لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ ضِدِّهِ
206 أَوْ سَائِلاً بِغَيْرِ مَـا قَـدْ سَأَلَهْ = لِأَنَّهُ الْأَوْلَى أَوِ الْمُهِمُّ لَهْ(6)
207 وَمِنْهُ مَاضٍ عَنْ مُضَــارِعٍ وُضِعْ = لِكَوْنِهِ مُحَقَّقًا نَحْوُ "فَزِعْ"(7)
208 قُلْتُ وَلِلْإِشْرَافِ أَوْ إِبْـرَازِكَـا = فِي مَعْرِضِ الْحَاصِلِ غَيْـرَ ذَلِكَا
209 وَمِنْهُ قَلْبٌ كَـ"عَرَضْتُ الْإِبِـــلاَ = عَلَى الْحِيَاضِ" ثُمَّ هَلْ ذَا قُبِلاَ
210 ثَالِثُهَا الْأَصَحُّ إِنْ لَمْ يَقْتَـــضِ = مَعْنًى لَطِيفًا لاَ وَإِلاَّ فَارْتُضِيْ
211 كـ"مَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَـــاؤُهُ = كَأَنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ"
212 وَمِنْهُ ذِكْرُ جَمْـعٍ اوْ مُثَـنَّى = أَوْ مُفْرَدٍ عَنْ آخَرٍ قَدْ عَنَّا
213 وَالاِنْـتِـقَالُ عَنْ خِطَابِ بَعْـضِ ذِي = إِلَى خِطَابِ آخَرٍ نَوْعٌ شَذِيْ


(1) الفرزدق:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم= إذا جمعتنا يا جريرالمجامع
(2) قال الشيخ عليالأجهوري:
وإن يُـعَـدْ منـكَّرٌ منـكَّرا = فالثـانِ غـيرُ أول بـلا مرا
وفي سوى ذا الثانِ عينُ الأول = إلى ثلاثـة فذو الأصـل جلي
قلت: وفي مغني اللبيب حكما = بأن هـذا كـله مـا سُلـما
إذ قوله "فوق العذاب" أبطله = و"الصلح خير" قد أبان خـلله
وذا لأن الصـلح عَمَّ الأولا = والشيء فوق نفسه لن يعـقلا
وقـوله "عـليـهم كتـابا" = يـرده فـاستـمع الخـطابا
وقوله" والنفس بالنفس" وما = شاكلها يـخالف اللذ رسـما
وقوله أيضا "وفي الأرض إله" = لأن ربي واحـد بلا اشتبـاه
إلا إذا قيـل بـأن ذلـك = إن لم تكن قـرينـة هنـالك
فإن تكـن ثَـم فـلا يُعوَّل = إلا عليـها فالمراد يسـهل

(3) الأخضري:
وأكدوا تقريرا او قصد الخلوص= من ظن سهو أو مجاز أو خصوص

(4) الأخضري:
وقدموا للأصل أو تشويف = لخبر تلذذ تشريف
وحط اهتمام او تنظيم = تفاؤل تخصيص او تعميم

(5) الأخضري:
والالتفات وهو الانتقال من= بعض الأساليب إلى بعض قمن

(6) الأخضري في الجوهر المكنون:
ومن خلاف المقتضى صرف مرادْ= ذينطق او سؤل لغير ما أراد
لكونه أولـى بـه وأجدرا = كقصة الحجاج والقبعثرى

(7)
كذا المضارعُ لماضٍ للحضورْ = "تخطفه" "كن فيكون" "فتثيرْ"
· السبك العجيب:
وعبروا عما مضى والآتي = بحاضر في مهيع الثبات
· مدني الحبيب:
يعبرون ما مضى واستقبلا = كما عن الحاضر في الذهن انجلى
كأنه مشاهد حال الخبر = كإن ربك ليحكم العبر

  #2  
قديم 28 صفر 1433هـ/22-01-2012م, 09:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عقود الجمان للسيوطي


أحوال المسند إليه
فلاجتناب عبث قل حذفه = أو لاختبار سامع هل ينبه
أو قدر فهمه وجنح لدليل = أقوى هو العقل له قلت عليل
أو صونه عن ذكره أو صونكا = أو لتأتي الجحدان تجنح لكا
أو كونه معينا أو ادعا = أو المقام ضيق أو سمعا
هذا باب الأحوال العارضة للمسند إليه وفيه أبحاث: البحث الأول في حذفه ويكون لنكت، منها الاحتراز عن العبث لدلالة القرينة عليه كقول المستهل: الهلال، ومنها اختبار السامع هل يتنبه أو لا؟ ومنها اختبار مقدار تنبهه هل يتنبه بالقرائن الخفية أم لا؟ ومنها العدول إلى أقوى الدليلين العقل واللفظ والأقوى هو العقل لأن دلالته قطعية كقوله* قال لي كيف أنت قلت عليل* لم يقل أنا عليل لذلك ومثله الطيبي بقوله تعالى: وما أدراك ما هيه نار حامية، ومنها صونه عن ذكرك له بلسانك تعظيما له كقوله:
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم = دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه
نجوم سماء كلما انقض كوكب = بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
وفي معناه قول يزيد:
وإياك واسم العامرية إنني = أغار عليها من قم المتكلم
وقول التلخيص إيهام صونه لا حاجة إلى لفظة إيهام لما فيها من الإيهام كما قاله ابن السبكي فلذلك حذفتها، ومنها عكسه وهو صون لسانك عن ذكره تحقيرا له كقوله:
قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم = واستو ثقوا من رتاج الباب والدار
وفي معناه قول القائل
وإذ ذكرتكم غسلت فمي = ولقد علمت بأنه نجس
ومنها تأتي الإنكار والجحد إذا أوخذ نحو زان سارق أي زيد ليتأتي لك أن تقول ما أردته بل غيره ومنها أن يكون معينا بأن يكون الخبر لا يصلح إلا له إما حقيقة نحو خالق لما يشاء أي الله أو إدعاء نحو يعطي بدرة ووهاب الألوف أي السلطان، ومنها ضيق المقام وهو من زيادتي وذكره في الإيضاح ومثله الطيبي في التبيان بقوله قلت عليل، ومنها كونه سمع كذلك إذ الأمثال لا نغير وهو من زيادتي أيضا وذكره السكاكي والطيبي ومثله بقولهم، رمية من غير رام.
وذكره للأصل أو يحتاط إذ = تعويله على القرينة انتبذ
[شرح عقود الجمان: 14]
أو سامع ليس بذي تذكير = أو كثرة الإيضاح والتقرير
أو قصده تحقيره أو رفعته = أو بركات شأنه أو لذته
أو بسطه الكلام حيث يطلب = طول المقام كالذي يستعذب
البحث الثاني في ذكره فيكون لنكت، منها كونه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه من قرينة أو غيرها ومنها الاحتياط لضعف التعويل على القرينة إما لضعفها أو ضعف فهم المخاطب، ومنها إيهام غباوة السامع قال الطيبي كقولك لعابد الصنم: الصنم لا تصرف له، ومنها زيادة الإيضاح والتقرير كقوله تعالى {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} ومنها قصد تحقيره لكون اسمه مما يقتضى الإهانة نحو السارق اللئيم حاضر، ومنها تعظيمه لكون اسمه مما يدل على التعظيم نحو أمير المؤمنين حاضر، ومنها التبرك باسمه كقولك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائل هذا القول، ومنها الاستلذاذ بذكره نحو الحبيب الحاضر، ومنها بسعد الكلام حيث يطلب طول المقام استعذابا له نحو هي عصاي ولذلك زاد على الجواب بقوله أتوكأ عليها وما بعده وقول التلخيص كغيره حيث الإصغاء مطلوب، قال ابن السبكي فيه نظر لأن المطلوب هو الكلام المستدعي من موسى لا الإصغاء وإنما أخذ ذلك الإصغاء من جانبه تعالى فلذلك لا يسمى إصغاء ولو سمى فإنما المقصود كلام الله تعالى له وأن يصغى هو له وذلك لا يحصل ببسط الجواب إلا أن يقال قصد تطويل المكالمة والمراجعة ولذلك عدلت إلى ما عبرت في النظم.
وكونه معرفة فمضمر = إذ المقام غائب أو حاضر
والأصل في الخطاب أن يعينا = مخاطب وفقد ذاك يعتني
كقوله سبحانه ولو ترى = لكي يعم كل شخص قد يرى
البحث الثالث في تعريفه وذلك لنكت تظهر من جهة التعريف لأنه إما بالإضمار وذلك لكون المقام للتكلم أو الخطاب أو الغيبة ويعم الأولين قولي أو حاضر، مثال الأول قوله:
ونحن التاركون لما سخطناه = ونحن الآخذون لما رضينا
والثاني قوله:
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني = وأشمت بي من كان فيك يلوم
والثالث قول أبي تمام:
يمين أبي إسحاق طالت يد العلا = وقامت قناة الدين واشتد كاهله
هو البحر من أي النواحي أتيته = فلجته المعروف والجود ساحله
والأصل في الخطاب أن يكون لمعين مفردا أو مثنى أو جمعا وقد لا يقصد به معين ليعم كل مخاطب على سبيل البدل نحو فلان لئيم إن أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك فلا تريد به مخاطبا بعينه بل تريد أن أكرم أو أحسن إليه فتخرجه في صورة الخطاب ليعم فإن معاملته لا تختص بواحد دون آخر ومنه قوله تعالى ولو ترى إذ وقفوا على النار ونحوه من الآيات أخرج في صورة الخطاب ليعم إذ المراد أن حالهم تناهت في الظهور بحيث لا يختص براء دون آخر فلا يختص بالخطاب مخاطب دون مخاطب بل كل من تتأتي منه الرؤية فله مدخل فيه وكذلك حديث (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) رواه ابن ماجه ونحوه.
وعلم لأجل أن يحضر في = ذهن بعين باسمه الوفي
[شرح عقود الجمان: 15]
في الابتداء كقل هو الله أحد = أو لكناية ورفعة وضد
من طرق التعريف العلمية وذلك لنكت، منها إحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسمه الخاص به فاحترز بعينه أي شخصه عن إحضار باسم جنسه وباسمه عن إحضاره بضميره أو إشارة أو غيرها مثال ذلك قوله تعالى: {قل هو الله أحد} ومنها الكناية عن معنى يصلح له العلم نحو أبو لهب فعل كذا كناية عن كونه جهنميا، ومنا تعظيمه أو أهانته لكونه من الأعلام المحمودة أو المذمومة.
ومنها التبرك بذكره والاستلذاذ به وهما المذكوران في أول البيت الآتي.
أو لتبرك ولذة وما = يوصل للتقرير أو إن فخما
أو فقد علم سامع غير الصلة = كأن ما أهدي إليك يعمله
أو هجنة التصريح بالاسم كذا = تنبيه على الخطأ ونحو ذا
أو لإشارة إلى وجه إلينا = لخبر وقد يكون ذا هنا
ذريعة لرفع شأن المسند = أو غيره أو لسواه وزد
ذريعة لأجل تحقيق الخبر = وقال في الإيضاح في هذا نظر
من طرق التعريف كونه موصولا وذلك لنكت، منها زيادة التقرير نحو {وراودته التي هو في بيتها} عدل عن اسمها وهو زليخا أو راغيل زيادة لتقرير المراودة بذكر السبب وهو كونه في بيتها وقال الفرزدق:
أتحبسني بين المدينة والتي = إليها رقاب الناس يهوي منيبها
أي مكة وعدل زيادة للإنكار مشيرا إلى أن هذا المكان لا يصلح إلا للإنابة والخضوع لا للتجبر والعدوان، ومنا التفخيم نحو فغشيهم من اليم ما غشيهم، ومنها كون المخاطب لا يعلم من أحواله شيئا غير الصلة كقولك الذي كان معنا أمس رجل عالم والتي أهداها إليك فلان يعمله وهي الناقة القوية الحمولة، ومنها استهجان ذكر الاسم إذا كان مما يستهجن وله صفة كمال كقولك الذي يعلم الفقه رجل نبيه، ومنها تنبيه المخاطب على خطئه كقوله:
إن الذين ترونهم إخوانك = يشفي غليل صدروهم أن تصرعوا
ومنها الإشارة إلى وجه بناء المسند على المسند إليه بأن يذكر في الصلة ما يناسبه نحو {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فإن الاستكبار الذي تضمنته الصلة مناسب لإسناد سيدخلون جهنم داخرين أي ذليلين إلى الموصول وربما يكون ذريعة إلى التعريض بتعظيم شأن المسند وهو الخبر نحو:
إن الذي سمك السماء بنى لنا = بيتا دعائمه أعز وأطول
فإن ذكر الصلة التي هي سمك السماء مشعر بتعظيم المبنى عليه وهو البيت الذي بناه سامك السماء ورافعها أو تعظيم غيره نحو {الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين} فإنه قصد به تعظيم شأن شعيب صلى الله عليه وسلم ونحو الذي يرافقك يستحق الإجلال والرفع فيه تعظيم المخاطب وقولي أو لسواه من زيادتي أي وقد يكون ذريعة لسوى ما ذكر كالإهانة نحو الذي يرافقك يستحق الإذلال والصفع وكالتسلية كقول أبي العلاء:
إن الذي الوحشة في داره = تؤنسه الرحمة في لحده
[شرح عقود الجمان: 16]
والتشويق إلى الخبر كقوله:
والذي حارث البرية فيه حيوان مستحدث من جماد
وقولي وزد والبيت الذي بعده من زيادتي أيضا وذكر السكاكي والطيبي من نكت الموصولية أن تكون ذريعة إلى تحقيق الخبر كقوله:
إن التي ضربت بيتا مهاجرة = بكوفة الجند غالت ودها غول
قال في الإيضاح: وفيه نظر لأنه لا يظهر فرق بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر وتحقيق الخبر، وأجاب ابن السبكي عنه بأن الفرق واضح فإن الإيماء إلى وجه بنائه أن يذكر ما يناسبه وتحقيقه أن يذكر ما يحقق وقوعه بأي نوع كان الفرق بين بناء الشيء على غيره وتحقيقه واضح.
واسم إشارة لكي يميزا = أكمل تمييز كهذا من غزا
كذا لتعريض بأن السامع = مستبلد كالبيت ذي المجامع
أو لبيان حاله من قرب = أو بعد أو تحقيره بالقرب
أو رفعه بالبعد أو تحقر = أو كونه بالوصف بعده حري
أو لم يكن بغير ذاك يعرف = قد زاده على المواضي يوسف
من طرق التعريف كونه اسم إشارة وذلك لنكت: منها أن يقصد تمييزه أكمل تمييز لإحضاره في ذهن السامع حسابا لإشارة كقول الفرزدق في زين العابدين رضي الله تعالى عنه:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته = والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله قاطبة = هذا التقي النقي الطاهر العلم
وكقول ابن الرومي:
هذا أبو الصقر فردا في محاسنه = من نسل شيبان بين الضال والسلم
ومنها التعريض ببلادة المخاطب وغباوته حتى إنه لا تميز له الشيء إلا بالإشارة إليه كقول الفرزدق يخاطب جريرا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم = إذا جمعتنا يا جرير المجامع
ومنها بيان حال المشار إليه من قرب أو بعد كقولك للقريب هذا زيد وللبعيد ذلك زيد وذكر في التلخيص وغيره التوسط وتركته لأن المختار عندي تبعا لسيبويه وابن مالك أنه ليس لاسم الإشارة إلا مرتبتان وإن مشينا على طريق أهل البيان أمكن دخوله في العبارة، ومنها قصد تحقيره بقربه كقوله تعلى حكاية عن الكفار {أهذا الذي يذكر آلهتكم} ومنها قصد تعظيمه بالبعد نحو ذلك الكتاب، ومنها قصد تحقيره بالبعد نحو ذلك اللعين فعل كذا ومثله الطيبي بقوله تعالى: {فذلك الذي يدع اليتيم} ومنها التنبيه بعد ذكر المشار إليه بأوصاف قبله على أنه جدير بما يرد بعده من أجلها نحو {أولئك على هدى} الآية فذكر الأوصاف بعد الذين ونبه باسم الإشارة على أن المشار إليه وهو الدين جدير بذلك، ومنها أن لا يكون طريق إلى معرفة المسند إليه إلا باسم الإشارة وهذا من زيادتي وقد ذكره السكاكي في المفتاح، وبقى من النكت قصد تعظيمه بالقرب نحو {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}:
ثم بأل إشارة لما عهد = أو لحقيقة وربما ترد
[شرح عقود الجمان: 17]
لواحد لعهده في الذهن = نحو أدخل السوق ولا عند عني
كالنكر معنى ولأفراد نعم = حقيقة كعالم الغيب قدم
ومنه عرفي وعموم المفرد = أشمل إذ صح وجود مفرد
ورجلين مع قول لا رجال = في الدار دون ما إذا فرد يقال
ولا تنافي بين الاستغراق = وبين الأفراد بالاتفاق
لأنه يدخل مع قطع النظر = عن وحدة وبالإضافة استقر
التعريف بالألف واللام يكون لنكت، منها الإشارة إلى معهود إما لفظا نحو فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة، كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول، أو تقديرا نحو وليس الذكر كالأنثى: أي ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت والذكر في قوله: {إني نذرت لك ما في بطني محررا} لاستلزام التحرر الذكر إذ لم يكونوا ينذرون تحرير الإناث أو حسا وهو مبصر كقولك لمن سدد سهما القرطاس أو علما نحو: إذ هما في الغار، بالواد المقدس، إذ يبايعونك تحت الشجرة، ومنها الإشارة إلى نفس الحقيقة نحو الرجل خير من المرأة: أي حقيقة الرجل من حيث هي وقوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} وقول أبي العلاء:
والخل كالماء يبدي لي ضمائره = مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
وقد يراد بهذا واحد باعتبار عهديته في الذهن كقولك ادخل السوق حيث لا عند فإن الدخول إنما يكون في سوق واحد وكذا قولك ابتداء دخلت السوق في بلد كذا وهذا في المعنى كالسكرة إذ لم يكن لمعين يعرفه المخاطب فصار شائعا بحسب الظاهر ولهذا يوصف بالجمل قال تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} وقال الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني = فمضيت نمت قلت لا يعنيني
ومنها استغراق الأفراد إما حقيقة كعالم الغيب والشهادة: أي كل غيب وكل شهادة أو عرفا نحو جمع الأمير الصاغة: أي صاغة بلده لا كل صاغة ثم الاستغراق في المفرد أشمل من الجمع ولذلك كان قولك لا رجال في الدار بصدق إذا كان فيها رجل أو رجلان بخلاف قولك لا رجل فيها، فإن قيل إفراد الاسم يدل على الوحدة والاستغراق على التعدد فيتنافيان، الجواب أن الحرف إنما يدخل عليه عند إرادة الاستغراق مجردا مقطوع النظر عن الوحدة والتعدد وقولي وبالإضافة استقر متعلق بالأبيات الآتية:
للاختصار أو لتعظيم المضاف = إليه أو مضاف هذا أو خلاف
هذين أو إهانة كعبدي = عبد إمام المسلمين عندي
قلت والاستغراق لكن سكتوا = عنه ومن أل ذا بهذى أثبت
ويوسف رأي الإشارة إلى = نوع مجاز وترقق جلا
تعريفه بالإضافة لنكت، منها أن تكون أخصر طريق والمقام يقتضي الاختصار كقوله:
هواي مع الركب اليمانين مسعد = جنيب وجثماني بمكة موثق
فإنه أخصر من قوله الذي أهواه أو الذي قلبي إليه مائل والمقام مقتض لذلك فإن جعفر بن علية قال حين حبس بمكة وحال المحبوسين ضيق، وبعده
[شرح عقود الجمان: 18]
عجبت لمسراها وأتي تخلصت = إلى وباب السجن دوني مغلق
ومما يدخل في الاختصار أن يعني عن تفصيل كقوله:
أولاد جفنة حول قبر أبيهم = قبر ابن مارية الكريم المفضل
فإنه لو عددهم لطال، ومنها تعظيم المضاف إليه نحو عبدي فعل كذا تعظيما لك بأن لك عبدا أو المضاف نحو: {إن عبادي ليس عليهم سلطان}، ومنه قولي عبد إمام المسلمين أو خلاف هذين كقولي عبد إمام المسلمين عندي لتعظيمك بحضور الخليفة عندك، ومنها التحقير كقولك عبد الحجام حضر وهو المراد بقولي أو إهانة، ومنها الاستغراق ولم يذكروه قال ابن السبكي عجبت من أهل هذا الشأن كيف لم يذكروا إرادة الاستغراق من الإضافة وهي من أدوات العموم كما أن أداة التعريف كذلك بل عموم الإضافة أبلغ، ومنها الإشارة إلى مجاز لطيف كقوله:
إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة = سهيل أذاعت غزلها في القرائب
أضاف الكوكب إلى الخرقاء يعين أنها تنام إلى طلوعه وقت الصبح فعند ذلك تشعر بالبرد فتفرق غزلها على القرائب ذكره السكاكين ومنها الترقق ذكره السكاكي أيضا كقولك محبك على الباب وهذان البيتان من زيادتي كما ميزت بقلت:
ودونه نكرة لوحدته = كرجل نوعية أو رفعته
أو ضدها أو كثرة أوقلته = وقد أتى لرفعه وكثرته
قد كذبت رسل مثال فافهم = وغيره نكر قصدا لعظم
نحو بحرب ولضد ظنا = والنوع والإفراد حقا عنا
في دابة من ماء الذي تلى = أو قصد العموم إن نفيا ولي
أو لتجاهل أو أن لا يدركا = ذو القول والسامع غير ذلكا
البحث الرابع في تنكيره، وذلك لأمور، منها الإفراد نحو: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} أي رجل واحد، ومنها النوعية بأن يراد به نوع مخالف للأنواع المعهودة نحو: {وعلى أبصارهم غشاوة} أن نوع غريب من الغشاوة لا يتعارفه الناس بحيث غطى ما لا يغطيه شيء من الغشاوات، ومنها تعظيمه بمعنى أنه أعظم من أن يعين ومنها التحقير بمعنى انحطاط شأنه إلى حد لا يمكن أن يعرف واجتمعا في قوله:
له حاجب في كل أمر يشينه = وليس له عن طالب العرف حاجب
أي له حاجب عظيم وليس له حاجب حقير فكيف بالعظيم، ومنها التكثير بمعنى أن ذلك الشيء كثير حتى أنه لا يحتاج إلى تعريف نحو إن له لا بلا وإن له لغنما وقوله تعالى: {قالوا أئن لنا لأجرا} ومنها التقليل نحو: {ورضوان من الله أكبر} أي رضوان من الله قليل أكبر وقد يجتمع التعظيم والتكثير نحو: {فقد كذبت رسل من قبلك} أي رسل عظام ذوو عدد كثير وقد ينكر غير المسند إليه للتعظيم نحو{فأذنوا بحرب من الله} وللتحقير نحو: {إن نظن إلا ظنا} وللنوعية والأفراد واجتمعا في قوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} ولقصد العموم يعد النفي لأن النكرة في سياق النفي تعم وهذا وما بعده من زيادتي، وللتجاهل وإيهام أنك لا تعرف شخصه كقولك هل لكم في حيوان على صورة إنسان يقول كذا أو أن لا يعرف المتكلم أو السامع من حقيقته غير ذلك:
[شرح عقود الجمان: 19]
ثم من القواعد المشتهرة = إذا أتت تكره مكرره
تغايرا وإن يعرف ثاني = توافقا كذا المعرفان
شاهدها الذي روينا مسندا = لن يغلب اليسر بن عسر أبدا
ونقض السبكي ذي بأمثله = وقال ذي قاعدة مستشكله
هذه الأبيات من زوائدي نبهت فيها على قاعدة مهمة تتعلق بالتعريف والتنكير وذكرها ابن السبكي هنا وذلك أن الاسم إذا كرر مرتين فإن كانا نكرتين فالثاني غير الأول أو معرفتين أو الثاني فقط فهو عينه أو الأول معرفة والثاني نكرة فقولان فالأول والثاني كاليسر والعسر في قوله تعالى: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} والثالث نحو: {فيها مصباح المصباح} {رسولا فعصى فرعون الرسول} والرابع كقوله:
عفونا عن بني ذهل = وقلنا القوم أخوان
عسى الأيام أن يرجعن = قوما كالذي كانوا
وأصل هذه القاعدة الحديث الذي أشرنا إليه في النظم فأنه جعل العسر الثاني في الآية هو الأول واليسر الثاني غير الأول، وقد روى مرفوعا وموقوفا فالأول ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن الحسن قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك وهو يقول لن يغلب عسر يسرين- فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا-) وهذا مرسل وإسناده صحيح إلا أن مراسيل الحسن اختلف فيها فبعضهم صححها وبعضهم قال هي شبه الريح لأخذه عن كل أحد لكن يعتضد هذا بشواهد فقد قال الحاكم صحت الرواية بذلك عن عمر بن الخطاب وعن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، قلت وأخرج عبد الرزاق في تفسيره عن جعفر بن سليمان عن ميمون بن أبي حمزة عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود قال (لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين) وأخرجه سعيد بن منصور في سنته عن أبي شهاب عبد ربه عن نافع عن ميمون الأعور عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كان العسر في جحر ب لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) وفي إسناده أبو مالك النخعي ضعيف وروى في الأوسط من حديث انس قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فنظر إلى جحر بجبال وجهه فقال: لو كانت العسرة تجيء حتى تدخل هذا الجحر لجاءت اليسرة حتى تخرجها ثم تلا رسول الله صلى الله عليه ولسلم فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) فهذه شواهد يقوى بعضها بعضا قال الشيخ بهاء الدين بن السبكي وقد أكثر الحنفية من التفريع عليها في كتبهم الفقهية، قلت وتفرع عليها عندنا أيضا فروع، منها إذا قال أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة فالمجزوم به وقوع طلقتين اعتبار بكل جزء من طلقة ثم يسرى ولو باع بنصف دينار وثلث دينار وسدس دينار لم يلزمه دينار صحيح بل دفع شيء من كل كما في شرح المهذب ثم قال الشيخ بهاء الدين الظاهر أن هذه القاعدة غير محررة لا نتفاضها بأمثلة كثيرة منها في المعرفتين قوله تعالى- هل جزاء الإحسان إلا الإحسان- فإنهما معرفتان والثاني غير الأول العمل والثاني الثواب- وكتبا عليهم فيها أن النفس بالنفس-
[شرح عقود الجمان: 20]
أي المقتولة بالقاتلة وكذا قوله تعالى- الحر بالحر- الآية وفي تعريف الثاني قوله تعالى- وما يتبع أكثره إلا ظنا إن الظن لا يغني- أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير- فإن الثاني فيهما غير الأول، وفي النكرتين قوله تعالى- يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير- فإن الثاني هو الأول- خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قولة- الآية، قلت: الظاهر أن هذه الآيات ونحوها لا تخرج عن القاعدة عند التأمل فإن اللام في الإحسان فيما يظهر للجنس لا للعهد كما قال وحينئذ يكون في المعنى كالنكرة وكذا آية النفس والجر بخلاف آية العسر فإن آل فيها إما لمعهود ذهني وهو ما حصل له صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من الشدة من الكفار أو للاستغراق كما يفيده الحديث وكذا آية الظن لا نسلم فيها أن الثاني غير الأول بل هو عين الأول قطعا، إذ ليس كل ظن مذموما كيف وأحكام الشريعة ظنية وكذا آية الصلح لا مانع من أن يكون المراد منها الصلح المذكور وهو الذي بين الزوجين، واستحباب الصلح في سائر الأمور يكون مأخوذا من السنة أو من الآية بطريق القياس بل لا يجوز القول بعموم الآية وأن كل صلح خير لأن ما أحل حراما من الصلح أو حرم حلالا فهو ممنوع وكذا آية القتال ليس الثاني فيها عين الأول بلا شك لأن نزول الآية والمراد بالثاني جنس القتال لا ذاك بعينه فتأمل هذا وخرج عليه ما أشكل عليك.
تنبيه: قال ابن السبكي المراد بذكر الاسم مرتين كونه مذكورا في كلام واحد أو كلامين بينهما تواصل بأن يكون أحدهما معطوفا على الآخر أوله به تعلق ظاهر وتناسب واضح، قلت وعلى هذا لا ترد الآية التي أوردها وهي قوله تعالى- وكذلك أزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون، في الأول للعهد وهو القرآن وفي الثاني للجنس فيكون فيحكم النكرة معنى.
ووصفه للكشف والتخصيص أو = تأكد والمدح والذم رأوا
وكونه أكد للتقرير مع = توهم المجاز والسهو اندفع
أو عدم الشمول والبيان قر = لكشفه نحو أبو حفص عمر
والعطف للتفصيل بالإيجاز في = ذا الباب والمسند أو رد نفي
به الخطأ في جا أبوك لا الأجل = أو صرف حكم للسوى في عطف بل
والشك والتشكيك قلت أو سوى = ذلك مما حرف عطف قد حوى
وبد الشيء وبعض واشتمال = لزيد تقرير وإيضاح يقال
البحث الخامس في إتباعه، فأما وصفه فلأمور منها كشفه بأن يكون محتاج إلى كشف معناه كقوله تعالى- هدى للمتقين الذين يؤمنون- الآية وكقولك الجسم الطويل العريض العميق يحتاج إلى فراغ يشغله، وقول أو بس: الألمعي الذي يظن الظن = كأن قد رأى وقد سمعا
ومنها تخصيصه بصفة تميزه نحو زيد التاجر عندك ومنها تأكيده نحو- لا تتخذوا إلهين اثنين- وقولك أمس الدار كان يوما عظيما، ومنها مدحه نحو: الحمد لله رب العالمين الآيتين ومنها ذمه نحو- فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم- وأما تأكيده فلا إرادة التقرير نحو قمت أنت ولدفع توهم المجاز أو السهو نحو جاء السلطان أو الجيش نفسه لئلا يتوهم مجيء طلائعه أو أنك سهوت في ذلك ودفع توهم عدم
[شرح عقود الجمان: 21]
منهما خلاف الأصل فالنكتة فيه أشد من الأصل، وأما التقديم فلكونه المهم والاهتمام حاصل بأمور، منها ان يكون الأصل ولا مقتضى للعدول عنه لأن الأصل في المحكوم عليه التقديم فإن وجد مقتض للعدول لم يتقدم كالفاعل إذ مرتبة العامل التقدم على المعمول، ومنها أن يتمكن الخبر في ذهن السامع لأن في المبتدأ تشويقا إليه كقول أبي العلاء
والذي حارت البرية فيه = حيوان مستحدث من جماد
يعنى الإنسان من حيث عوده بعد الفناء أو حياته بالروح ومؤنه بمفارقتها، ومنها تعجيل المسرة لكون المسند إليه فيه تفاؤل نحو سعد في دارك أو المساءة لكونه فيه تطير نحو السفح في دارك ومنها إيهام أن يستلذ بذكره لكونه محبوبا فلا يقدم غيره عليه أو أنه ملازم للخاطر لا يزول عنه لكونه مطلوبا نحو الله ربي، وليلي يسر القلب ذكر صفاتها، وما أشبه ذلك، قال في التبيان وكالتعظيم نحو- الله نور السموات والأرض- وككون الكلام فيه كما كان المطلوب اتصافه بالخبر نحو أن يقال كيف الزاهد فتقول: الزاهد يشرب ويطرب ونحو ذلك:
قبل وللتخصيص بالفعل الخبر = تالي ففي نحو ما أن أضر
أي بل سواي ولهذا لم يصح = ولا سواي القياس متضح
ولا كما أنا رأيت أحدا = وما أنا ضربت إلا من عدا
وما سوى التالي لتخصيص ورد = على الذي يزعم غيره انفرد
أو شاركوا نحو أنا الذي علا = بنحو لا غيري أكد أولا
ونحو وحدي ثانيا ووردا = تقوية الحكم كذا يولى الندا
ولو نفي الفعل كأنت لا تذم = فذا علا عن لا تذم ولو تضم
أنت إذا التأكيد للمحكوم لا = للحكم والفعل أن النكر تلا
فهو لجنس أو لفرد حصره = كرجل جا لا رجال أو مره
هذا القول لعبد القاهر الجرجاني وهو أنه قد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي إن ولي أعني المسند إليه أداة نفي بأن وقع بعدها بلا فصل نحو ما أنا أضر أي بل غيري فالتقديم يفيد نفي الفصل عن المتكلم وثبوته لغيره ولهذا لا يصح أن يقال ولا غيري لمناقضة منطوقه لمفهوم الأول ومثله قوله صلى الله عليه وسلم (ما أن حملتكم ولكن الله حملكم) وقول المتنبي:
وما أن أسقمت جسمي به = ولا أنا أضرمت في القلب نارا
أي بل الجالب له غيري وكما لا يصح أن يقال ما أنا فعلت كذا ولا غيري لا يصح أن يقال ما أنا رأيت أحدا ولا ما أنا ضربت إلا فلانا لأنه يقتضي أن إنسانا غير المتكلم رأي كل أحد وضرب كل أحد دون فلان لأنه في الأول ففي الرؤية على وجه العموم في المفعول فيجب أن يثبت لغيره على وجه العموم فيه، وفي الثاني ففي الضرب الواقع على سوى زيد فيجب أن يثبت لغيره الضرب على ما سواه وإن لم يتلى النفي بأن يتأخر حرفه أو يفقد من الكلام أصلا فتاوة يكون التقديم للتخصيص والرد على من زعم انفراد غير المسند إليه بالفعل أو مشاركته له نحو أنا سعيت في حاجتك أي لا غيري إن قصد الرد على من زعم انفراد غيره أو وحدي إن رد على من زعم المشاركة وهذا معنى
[شرح عقود الجمان: 23]
دون التخصيص نحو هو يعطي الجزيل وذا يولي الجميل يقصد أن يقوى في ذهن السامع أنه يفعل ذلك لا أن غيره لا يفعله وسواه في هذين كان الفعل مثبتا كما مثلنا أو منفيا نحو أنت لا تكذب فهو أبلغ في نفي الكذب من لا تكذب لما في الأول من تكرر الإسناد المفقود في الثاني ومن لا تكذب أنت، وإن كان فيه تأكيد بلفظ أنت لأنه لتأكيد الحكم لعدم تكرار الإسناد، وهذا معنى قول، فذا علا عن لا تذم ولو تضم، أنت إلخ أي ولو ضممت أنت إلى لا تذم وقت لا تذم أنت هذا المذكور من إفادة التخصيص تارة والتقوى أخرى فيما إذا بني الفعل على معرفة فإن بني نكرة، وهو معنى قولي: والفعل إن النكر تلا، فإنه يفيد تخصيص الجنس أو الواحد بالفعل نو رجل جاءني أي لا أكثر إذا عرف المخاطب أنه خال من جنس الرجال ولم يدر وحدته فيكون لتخصيص الواحد أولا امرأة إذا عرف أنه أتاك آت ولا يدري جنسه فيكون لتخصيص الجنس فإبراز مفهوم المثال في النظم فيه لف ونشر غير مرتب والضمير في قولي فهو للتقديم وقولي تالي نفي بالنصب حال من المسند إليه المتقدم أول البحث وقولي ولا كما أنا رأيت معطوف على ولا سواي وقولي لتخصيص ورد بتشديد الدال مصدر وقولي تقوية الحكم بالنصب مفعول له ونصب المفعول وله وجره باللام إذا كان مضافا سيان ما في التسهيل وأفادنا شيخنا العلامة الكافيجي في الفرق بين التقوية والتأكيد أن التقوية أعم وأنها ترجع إلى الألفاظ غالبا والتأكيد إلى المعاني.
وقال يوسف كذا إن قدرا = فاعله معنى فقط مؤخرا
وإن يجز ولم يقدر أو منع = لم يستفد غير التقوى فاستمع
إلا منكر ولو إن أخرا = ففاعلا في اللفظ أيضا قدرا
بجعله من الضمير مبدلا = خشية فقد للخصوص إذ خلا
من سبب سواه فالمنع لزم = من ابتداء لا معرف وسم
بشرط فقد مانع التخصيص لا = شر أهر ذا أذى أما على
جنس فلامتناع أن يراد ما = أهرشر غير خير وأما
على انفراد فهو ليس بجنح = لقصدهم وإذ همو قد صرحوا
تخصيصه إذ أولوا بما أهر = إلا فبالتنكير فظع شأن شر
وفي جميع قوله هذا نظر = قال وزيد عالم إذا استتر
فيه ضمير في التقوى يقرب = من قام لا كمثله إذ ينسب
لشبه خال صفة ومن هنا = لم يك جملة ولا كهي بنا
يوسف السكاكي قال كقول الجرجاني لكن خالفه في شروط وتفاصيل، فقال إن التقديم يفيد التخصيص بالخبر الفعلي بشرط أن يقدر كونه في الأصل مؤخرا على أنه فاعل في المعنى فقط لا في اللفظ نحو أنا قمت فإنه بجوز أن يقدر أصله قمت أنا فيكون أنا فاعلا معنى تأكيدا لفظا ثم قدم فخرج عن ذلك صورتان: الأولى أن لا يجوز تقديره فاعلا مؤخرا معنى لا لفظا كزيد قام فإنه لو قدر تأخره كان فاعلا لفظا، الثانية أنه يجوز كما في أنا قمت ولكن لا يعتقد ذلك فهاتان الصورتان يفيد التقديم فيهما التقوى دون التخصيص نعم إن كان في الصورة الأولى نكرة نحو رجل جاءني أفاد التخصيص
[شرح عقود الجمان: 24]
لا على تقدير كونه لو أخر فاعلا بل على تقدير أنه بدل من الضمير في جاء على حد: وأسروا النجوى الذين ظلموا، وإنما لم يقدر ذلك في المعرفة مثل زيد جاء لعدم الموجب لأنه في النكرة اضطر إلى تقديره متأخرا ليفيد التخصيص ليكون مسوغا للابتداء بالنكرة إذ لا سبب له سواه ولا حاجة إليه في زيد قام، وهذا معنى قولي خشية فقد للخصوص إلخ وقولي فالمنع لزم من ابتداء من زيادتي، ثم شرد ذلك في المنكر أن لا يمنع من التخصيص مانع، فإن منع لم يجز مثاله قولهم شر أهر ذا ناب إذ لا يمكن أن يكون هنا للتخصيص لأنه إما للجنس أو للفرد كما تقدم ولا جائز أن يكون للجنس لأنه يصير تقديره ما أه ذا ناب إلا شر لا خير أن المهر لا يكون إلا شرا فلا فائدة في نفيه عنه إذ لا يصح نفي الشيء حتى يصح اتصافه ولا يكون للواحد لأنه يصير تقديره ما أهر إلا شر واحد لا أكثر وذلك غير مقصود بلا شك لكن الأئمة لما صرحوا بتخصيصه حيث أولوه بما أهر ذا ناب إلا شر الجمع بين الكلامين أن يفظع شأن الشر تنكيره ويصير المعنى نوع غريب من أنواع الشر أهر فيصح حينئذ، هذا تقدير مذهب السكاكي، قال صاحب التلخيص: وفيما قاله نظر أما أولا فلآن الفاعل اللفظي والمعنوي سواء في امتناع التقديم ما داما على حالهما لأن كلا من الفاعل والتابع لا يجوز تقديمه فتجويز تقديم المعنوى دون اللفظي تحكم، وأما قوله في المنكر لا سبب للتخصيص سوى تقدير التقديم، وهو المسوغ للابتداء فممنوع أيضا لجواز أن يكون المسوغ التقوية أو ما يفهمه من التهويل والتحقير ونحو ذلك، وأما قوله لا يقال المهر شر لا خير فممنوع كيف وقد قال الشيخ عبد القاهر قدم شرا لأن المعنى الذي أهره من جنس الشر لا من جنس الخير ثم قال السكاكي ويقرب من زيد قام زيد قائم في إفادة التقوى لتضمنه الضمير كمقام وليس مثله لأنه يشبه الخالي من الضمير من جهة أنه لا يتغير بالخطاب والتكلم والغيبة تقول أنت قائم، وأنا قائم، وهو قائم فلا يتغير كما تقول أنت رجل وأنا رجل وهو رجل، فصارت التقوية الحاصلة بالضمير الذي لا يتصرف ضعيفة ولهذا لا يحكم بأنه أي اسم الفاعل مع ضميره جملة ولا أنه عومل معاملتها في البناء بل قضوا بأنه مفرد، وهو معرب تقول رجل قائم ورجلا قائما ورجل قائم، قال ابن الحاجب: لا خلاف بينهم في ذلك قلت نعم استثنى صورتان يكون فيهما جملة نص عليهما جماعة إذا وقع صلة لأل أو مبتدأ وله فاعل يغني عن الخبر:
مما يرى تقديمه كاللازم = مثلك لا يبخل يا ابن العالم
ومثله غيرك لا مجود أي = أنت إذا لم يك تعريض لشيء
من المسند إليه الذي يرى تقديمه على المسند كاللازم لفظ مثل غير إذا استعمل على سبيل الكناية من غير تعريض بأحد نحو مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود أي أنت لا تبخل وأنت تجود، فليس المراد فيه بلفظ مثل غيره إفادة الحكم المضاف إليه كما قال:
ولم أقل مثلك أعنى به = سواك يا فردا بلا مشبه
وقال المتنبي، غيري بأكثر هذا الناس ينخدع، لم يرد أن يعرض بواحد يصفه بأنه ينخدع بل أراد أنه ليس ممن ينخدع، ثم قال صاحب التلخيص: واستعمال مثل وغير هكذا مركوز في الطباع والسر في التقديم أنه يفيد التقوى وهو أعون على إثبات الحكم المقصود بطريق الكناية التي هي أبلغ، قال الشيخ سعد الدين: وليس معنى كاللازم أنه قد يقدم وقد لا يقدم بل المراد
[شرح عقود الجمان: 25]
أنه كان مقتضى القياس أنه يجوز التأخير لكن لم يرد الاستعمال إلا على التقديم نص عليه في دلائل الأعجاز:
وربما قدم إذ عم ككل = لم يأت إذ تأخيره هنا يدل
على انتفاء الحكم عن المجموع لا = عن كل فرد وهو حكم قبلا
الشيخ إن في حيز النفي أتت = كل بأن أداته تقدمت
كقوله ما كل ما تمنى = أو عمل نلتقي فيه عنا
كما أتى الرجال كلهم وأن = آخذ كل المال أو ذا قدمن
توجه النفي إلى الشمول ثم = أثبت للبعض وإلا فليعم
كأصبحت أم الخيار تدعى = على ذنبا كله لم أصنع
قال كثيرون من أهل هذا الفن: قد يكون تقديم المسند إليه لإفادة العموم نحو كل إنسان لم يأت فإنه يفيد نفي الحكم عن كل واحد ما إذا أخر نحو لم يأت كل إنسان فإنه يفيد نفي الحكم عن مجموع الأفراد لا عن كل فرد وهو يصدق ينفي فرد واحد وهو حكم واضح يقضي به للذوق واستعمالات العرب ووقع في التلخيص تعليله على طريقة أهل المنطق ورده فربما توهم الناظر أنه رد القول وليس كذلك كما نبه عليه السبكي فقال عقبه وقال عبد القاهر ليبين أنه إنما رد فيما تقدم الدليل لا المدلول انتهي وقد نبهت على ذلك من زيادتي بقولي وهو حكم قبلا وأسقطنا التعليل ورده لأنا معاشر أهل السنة لا ننجس تصانيفنا بقدر المنطق الذي اتفق أكثر المعتبرين خصوما المحدثين والفقهاء من كل المذاهب خصوصا الشافعية وأهل الغرب على تحريمه والتغليظ على المشتغلين به وإهانتهم وعقوبتهم وقد جمعت في ذلك تأليفا نقلت فيه كلام الأئمة في الحط عليه وهو كتاب مهم وقد نص أئمة الحديث كالسلفي والذهبي وابن رشيد على عدم قبول رواية المشتغل به وقد تركت الآخذ عن جماعة لذلك وبالله التوفيق، وقولي الشيخ هو عبد القاهر إمام الفن ومخترعه وهو مرفوع بقال مقدرا وهو كلام موافق لما قبله إلا أن فيه زيادة تحرير فقال إذا وقعت كل في حز النفي بأن تقدمت عليها أداته فهي لنفي الشمول لا لنفي كل فرد نحو قول المتنبي:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه = تجرى الرياح بما لا تشتهي السفن
وكذا إذا وقعت معمولة للمنفي فعلا كان أو وصفا فهو أعم من قول التلخيص للفعل المنفي نحو ما جاء القوم كلهم وما جاء كل القوم ولم آخذ كل الدراهم وكل الدراهم لم آخذ وهو معنى قولي أو ذا قدمن وإذ توجه النفي إلى الشمول أفاد الثبوت لبعض ما أضيف إليه في الفاعل والتعلق به في المفعول وإن لم تكن داخلة في حيز النفي بأن قدمت عليه ولم تقع معمول للمنفي هم المنفي كل فرد كقول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي = على ذنبا كله لم أصنع
برفع كل أي لم أصنع شيئا مما تدعيه وكذلك حديث الصحيحين لما قال صلى الله عليه وسلم ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال كل ذلك لم يكن أي لم يقع قصر ولا نسيان كما في الحديث الآخر لم أنس ولم نقصر.
مسئلة
قد يخرج الكلام عما ذكرا = من ذلك المضمر عما أظهرا
[شرح عقود الجمان: 26]
كنعم عبدا وضمير الشان = ليثبت التالية في الأذهان
وعكسه إشارة للاعتنا = بكونه مميزا إذ ضمنا
حكما بديعا وادعاء الشهرة = أو الندا على كمال الفطنة
لسامع والضد والتهكم = به كمثل ما إذا كان عمي
وغيرها زيادة التمكين قد = مثله بقوله الله الصمد
أو ليقوى داعي المأمور = أو يدخل الروع على الضمير
أو الهابة والاستعطاف = قلت كذا الوصلة للأوصاف
وعظم الأمر وتنبيه على = علته وعود معناه علي
جميع ما تقدم في هذا الباب من الحذف والذكر وما بعدهما هو مقتضى الظاهر وقد يخرج الكلام على خلافه لنكتة فمن وضع المضمر موضع الظاهر كنعم عبدا مكان نعم العبد إذ المقام يقتضى الإظهار لعدم تقدم المسند إليه فأضمر معادا إلى متعقل في الذهن والتزم تفسيره بنكرة ليعلم جنس التعقل وكذا ضمير الشأن والقصة نحو- هو الله أحد، وإن هي إلا حياتنا الدنيا- والسر في ذلك في الموضعين قصد أن يتمكن في ذهن السامع ما يتلو الضمير: أي يجيء بعده لأنه بالضمير يتهيأ له ويتشوق فيتمكن بعد وروده فضل تمكن لأن المحصول بعد الطلب أعز من المنساق بلا لعب ومنه عكسه وهو وضع الظاهر موضع المضمر فإن كان الظاهر اسم إشارة ففائدته كمال العناية بتمييزه لتضمنه حكما بديعا كقول ابن الرواندي:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه = وجاهل جاهل تلقاه مرزقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة = وصبر العالم التحرير زنديقا
فإن أصله هو: أي ما تقدم من إعياء مذاهب العاقل ورزق الجاهل فعدل إلى الإشارة لكمال العناية بتمييزه ليرى السامعين أن هذا المعنى المتميز هو الذي له الحكم العجيب وهو جعل الأوهام حائرة والعالم التحير زنديقا وقد يكون لإدعاء شهرته وأنه كامل الظهور فلا يخفي ومنه من غير باب المسند إليه قوله:
تعاللت كي أشجي وما بك علة = تريدين قتلي قد ظفرت بذلك
والأصل به أولا نداء على كمال فطنة السامع بأن الأشياء عنده كالمحسومة فيشار له أو ضد ذلك: أي النداء على كمال بلادته بأنه لا يدرك غير المحسوس أو التهكم والاستهزاء بالسامع بأن يكون أعمي أو لا مشار إليه موجود أصلا فيشار إليه وضع الإضمار تهكما به وإن كان غير إشارة فله نكت: منها زيادة التمكين عند السامع نحو- قل هو الله أحد الله الصمد- أي الذي يصمد إليه ويقصد في الحوائج لم يقل هو الصمد لزيادة التمكين، ومنها تقوية داعي المأمور وإدخال الروع: أي الفزع أو المهابة: أي الإجلال على قلب السامع كقول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا مكان أنا آمرك ومنها الاستعطاف كقوله:
إلهي عبدك العاصي أتاكا = مقر بالذنوب وقد دعاكا
فإن تغفر فأنت لذاك أهل = وإن تطرد فمن يرجو سواكا
الأصل أنا أتيتك فعدل عنه لما في لفظ عبدك من التخضع واستحقاق الرحمة وترقب الشفقة ومنها
[شرح عقود الجمان: 27]
وهو وما بعده من زيادتي أن يقصد التوصل بالظاهر إلى الوصف نحو: فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي بعد قوله إني رسول الله، ومنها تعظيم الأمر نحو: أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير، قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق إلخ، ومنها التنبيه على العلية أي كونه علة للحكم المنسوب إليه كقوله تعالى- فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا- ثم نبهت من زيادتي على أن وضع الظاهر موضع المضمر إذا كان بمعنى الأول لا بلفظه أحسن كقوله تعالى- الحمد لله الذي خلق السموات والأرض- ثم قال الله تعالى- ثم الذين كفروا بربهم يعدلون:
وقال في المفتاح كل ما ذكر = ليس بمختص بذا الذي قدر
بل غيبة وأخواها قد نقل = كل لآخر التفات مستقل
ورد فالأشهر أنه أخص = لأنه التعبير عن معنى بنص
من الثلاث بعد ذكر بسواه = منها ليرفل الكلام في حلاه
لأن نقل القول في المهابع = أنشط للإصغاء في المسامع
وقد يخص كل موضع نكت = كمثل ما أم الكناب قد حوت
فالعبد إذ يحمد من يحق له = ثم يجيء بالسمي المبجلة
فكلها محرك الإقبال = لمالك الأمور في المآل
فيوجب الإقبال والخطابا = بغاية الخضوع والتطلابا
للعون في كل مهم يقعد = وقس عليه كل ما قد برد
ولم يكن في جملة كما في = عروس الأفراح وفي الكشاف
قال السكاكي: هذا المذكور من نقل الكلام، عن الحكاية إلى الغيبة ليس مختصا بالمسند إليه ولا بهذا القدر بكل من الغيبة والخطاب والتكلم ينقل إلى آخر في المسند إليه وغيره ويسمى التفاتا والمشهور أن الالتفات التغبير عن معنى بواحد من الثلاثة بعد التعبير عنه بغيره منها وهذا أخص من قول السكاكي لأن قول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا التفات على رأيه لأنه منقول عن أنا لا علي الثاني لعدم تقدم خلافه، ثم أقسام الالتفات ستة كما عرفت: الأول من التكلم إلى الخطاب نحو- ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون- والأصل وإليه أرجع، الثاني منه إلى الغيبة نحو: إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر، الثالث من الخطاب إلى التكلم نحو:
طحا بك قلب في الحسان طروب = بعيد الشباب عصر حان مشيب
تكلفني ليلي وقد شط وليها = وعادت عواد بيننا وخطوب
فالتفت في قوله تكلفني من قوله بك، الرابع منه إلى الغيبة نحو: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم والأصل بكم، الخامس من الغيبة إلى الخطاب نحو: مالك يوم الدين إياك نعبد، السادس منها إلى التكلم نحو: الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه، ثم النكتة في الالتفات أن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن وأشهى للقلب وألذ للسمع وأكثر إصغاء لما فيه من التنقل لما جبات عليه النفوس من الضجر وربما اختص كل موقع منه بلطائف ونكت كالفاتحة فإن العبد إذا ذكر الله تعلى وحمده ثم ذكر صفاته التي كل صفة منها تبعث على شدة الإقبال
[شرح عقود الجمان: 28]
وآخرها مالك يوم الدين المفيد أنه تعالى مالك الآمر كله في يوم الجزاء فحينئذ يوجب الإقبال عليه والخطاب بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات ثم نبهت من زيادتي على أن الالتفات لا يكون في جملة بل في جملتين صرح به الزمخشري في الكشاف وابن السبكي في شرحه المسمى عروس الأفراح قال ولا يلزم عليه أن يكون في نحو أنت صديقي الالتفات وليس كذلك:
ومن خلاف المقتضي إن جاوبا = مخاطبا بغير ما ترقبا
بحمله على خلاف قصده = لأنه أولى به من ضده
أو سائلا بغير ما قد سأله = لأنه الأولى أو المهم له
من خلاف المقتضى بالفتح أي مقتضى الظاهر مجاوبة المخاطب بغير ما يترقب وسماه عبد القاهر المغالطة والسكاكي الأسلوب الحكيم وذلك بحمل كلامه على خلاف قصده تنبيها على أنه أولى بالقصد كقول القبعثري وقد قال له الحجاج متوعدا لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحلم على الأدهم والأشهب أراد الحجاج أن يقيده فتلقاه القبعثري بغير ما ترقبه من فهمه التوعد بألطف وجه مشيرا إلى أن من كان مثله في السلطنة والسعة غنما يناسبه أن يجود بأن يحمل على الأدهم والأشهب من الخيل لا أن يقيد فقال له الحجاج إنه حديدي فقال لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا.
ومنه إجابة السائل بغير ما يتطلب تنبيها على أنه الأولى أو الأهم قالوا كقوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج سألوا عن الهلال لم يبدو دقيقا ثم يتزايد حتى يستوى ثم ينقص حتى يعود كما بدا فأي فائدة تحت ذلك؟ فأجيبوا ببيان حكمة ذلك وهي أنه معرفة المواقيت والحلال والآجال وجازف بعضهم في العبارة حتى تعدى إلى أن قال لأنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة وهذه قلة أدب منه وجهل بمقدار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد كانوا أدق نظرا وأذكي فطنه من ألوف من أضرابه فظن أنه وأمثاله يسهل عليهم إدراك ذلك ويصعب على مثل أولئك أما شعر من السائل عن ذلك هو معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وهل ذلك بأدق من دقائق الفقه والفرائض التي اشتهر عنهم بعضها بالتوقيف وبعضها بالاستنباط مما لم يصل المذكور ولا غيره من أهل هذه الفنون إلى فهم عشر معشارها ثم هل اعتقد أن علم الهيئة مما يعتبر أو يلتفت إليه كلا بل هو هذيان بقول لا دليل عليه وليس إلى التوصل إلى تصحيحه من سبيل قد قالوا زعما منهم إن الأرض كرة لا سطح تنزل القرآن بأنها سطح قال تعالى- وإلى الأرض كيف سطحت- وقالوا لا تكسف الشمس إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين للمقابلة التي يزعمونها قابلهم الله عليها فكسفت يوم موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وكان عشر بيع الأول كما رواه الزبير بن بكار وكسفت يوم قتل الحسين رضي الله عنه كما هو مشهور في التواريخ وغيرها وكان يوم عاشوراء وقد روى ما يقتضي أنهم لم يسئلوا عن سبب زيادة الهلال ونقصانه بل عن سبب خلقه فروى أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قالوا بلغنا أنهم قالوا يا رسول الله لم خلقت الأهلة فأنزل الله تعالى: يسئلونك عن الأهلة الآية وإنما أطنبت في هذا المقام تنفيرا للناس عن هذا الكلام الشنيع وخوف أن يتلقفه من لم يرسخ في قلبه تقوى فيتداولوه على ألسنتهم ومن لم يتأدب مع الصحابة وسلف الأمة ويترك شغب أهل الفلسفة لم يلتفت إليه كائنا من كان:
[شرح عقود الجمان: 29]
ومنه ماض عن مضارع وضع = لكونه محققا نحو فزع
قلت وللاشراف أو إبراز كا = في معرض الحاصل غير ذلكا
ومنه قلب كعرضت الابلا = على الحياض ثم هل ذا قبلا
ثالثهما الأصح إن لم يقتضي = معنى لطيفا لا وإلا فارتضى
كمهمه مغبرة أرجاؤه = كأن لون أرضه سماؤه
من خلاف المقتضى وضع الماضي، موضع المستقبل تنبيها على تحقق وقوعه نحو: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض والآية الأخرى فصعق ونادى أصحاب الأعراف وهو كثير.
وإما للإشراف أي مشارفة وقوعه أي مقاربته نحو: وليخش الذين لو تركوا الآية أي لو شارفوا أن يتركوا ومثله الطيبي بنحو قولك: مت أولا براز غير الحاصل في معرض الحاصل لقوة الأسباب الظاهرة كقول المشترى اشتريت حال انعقاد أسبابه ذكره الطيبي وليس منه التعبير بلفظ اسم الفاعل والمفعول علن المضارع نحو: وإن الدين لواقع ذلك يوم مجموع له الناس خلاف لصاحب التلخيص لأنهما صالحان للمستقبل حقيقة، ومنه القلب، ومنه القلب وهو المؤخر وعكسه كعرضت الإبل على الحوض والأصل عرضت الحوض على الإبل وأدخلت القلنسوة في رأسي والأصل أدخلت رأسي فيها، واختلف في قبوله على أقوال قيل يقبل والتزم قائله وهو السكاكي أنه يورث الكلام ملاحة ورده غيره مطلقا لأنه عكس المطلوب ونقيض المقصود وهذان القولان مطويان في النظم والحق كما قال صاحب التلخيص أنه إن تضمن معنى لطيفا قبل وإلا فلا فمن الأول قوله تعالى: ويوم يعرض الذين كفروا على النار وهو من باب عرضت الإبل على الحوض والنكتة الإشارة إلى أنهم مقهورون ومجبورون فكأنهم لا اختيار لهم والنار متصرفة فيهم وهم كالمتاع الذي يتصرف فيه من يعرض عليه وكقول الشاعر* ومهمة مغبرة أرجاؤه* البيت والمهمة المفازة والمغبرة المملوءة غبارا والأرجاء النواحي جمع رجا بالقصر والأصل كأن لون سمائه لغبرتها أرضه أي كلونها والنكتة فيها المبالغة في وصف لون السماء بالغبرة حتى صار بحيث يشبه الأرض في ذلك مع أن الأرض أصل فيه ونظيره في القرآن إنما البيع مثل الربا والأصل إنما الربا مثل البيع فقلب مبالغة إلا أن هذا من باب قلب التشبيه وهو متفق عليه إنما الخلاف في غيره ومن المردود قوله:
فلما أن جرى سمن عليها = كما طيلت بالفدن السياعا
يصف ناقته بالسمن والفدن القصر والسياع الطين بالسين المهملة والأصل كما طيلت بالسياع الفدن واليس في هذا القلب اعتبار لطيف.
ومنه ذكر جمع أو مثنى = أو مفردا عن آخر قدعنا
والانتقال من خطاب بعض = ذي إلى خطاب آخر نوع شذى
هذان البيتان من زيادتي وفيهما مسئلتان مهمتان لهما شبه بالالتفات وليستا منه الأولى التعبير بواحد من المفرد والمثنى والمجموع عن آخر منها وهو من أنواع المجاز بخلاف الالتفات والمسئلة الآتية فأنهما حقيقتان مثال المفرد عن المثنى قول الأعشى:
فرجى الخير وانتظري إياتي = إذا ما القارظ العنزي آبا
وإنما هما القارظان لأن المثل حتى ينوب القارظان ومنه في غير المسند إليه والله ورسوله أحق أن
[شرح عقود الجمان: 30]
ير ضوه أي يرضوهما ومثال المفرد عن الجمع* وذبيان قد زلت بأقدامها النعل* أي النعال وقال تعالى- والملائكة بعد ذلك ظهير* إن الإنسان خلق هلوعا- أي الأناسي بدليل إلا المصلين ومثال المثنى عن المفرد ألقيا في جهنم أي ألق قفا نبك أي قف وعن الجمع لبيك وحنانيك وقوله تعالى- ثم ارجع البصر كرتين- إذ المراد التكثير لا مرتان ومثال الجمع عن المفرد، رب ارجعون أي راجعني وشابت مفارقه وليس له غير مفرق وعن المثنى فقد صفت قلوبكما والأصل قلبا كما.
الثانية الانتقال من خطاب واحد من الثلاثة إلى آخر منها، مثاله من خطاب الواحد إلى الاثنين لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء وإلى الجمع: أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ومثاله من الجمع إلى الواحد: وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين وإلى الاثنين يا معشر الجن والإنس إلى قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان والنكتة في هذه المسألة كالنكتة في الالتفات.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:14 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir