دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:37 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي أهل الـذمـة

100- وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ: = لإِحْرَازِ مَالٍ أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشْهَدِ
101- وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لاَ ضَرُورَةً = وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصَّدِ

  #2  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 08:39 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي غذاء الألباب للشيخ : محمد بن أحمد السفاريني



مطلب فِي بَيَانِ مَعْنَى الذِّمَّةِ وَبَيَانِ أَهْلِهَا
وَفِي تَسْمِيَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالسَّامِرَةِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا أَهْلَ ذِمَّةٍ لِإِحْرَازِ مَالٍ
, أَوْ لِقِسْمَتِهِ اشهد (وَمَكْرُوهٌ) شَرْعًا , وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ , وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا (اسْتِئْمَانُنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ اتِّخَاذُنَا أَمِينًا (أَهْلَ ذِمَّةٍ) أَيْ أَحَدًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا فِي الدِّينِ فَكَيْفَ نَأْمَنُهُمْ وَنَرْكَنُ إلَيْهِمْ , وَأَهْلُ الذِّمَّةِ هُمْ أَهْلُ الْعَقْدِ , وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الذِّمَّةُ الأمان فِي قَوْلِهِمْ: يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَالذِّمَّةُ الضَّمَانُ , وَالْعَهْدُ أَيْضًا , وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْيهَوُدُ وَالنَّصَارَى , وَالْمَجُوسُ إذْ لَا تُعْقَدُ الذِّمَّةُ إلَّا لَهُمْ , فَإِنَّ الْيَهُودَ وَمِنْهُمْ السَّامِرَةُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ , وَوَاحِدُ الْيَهُودِ يَهُودِيٌّ وَلَكِنَّهُمْ حَذَفُوا يَاءَ النَّسَبِ فِي الْجَمْعِ كَزِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ جَعَلُوا الْيَاءَ فِيهِ كَتَاءِ التَّأْنِيثِ فِي نَحْوِ شَعِيرَةٍ وَشَعِيرٍ , وَفِي تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُهُمْ: (إنَّا هُدْنَا إلَيْك) الثَّانِي: أَنَّهُمْ هَادُوا مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ تَابُوا , وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَدِينِ مُوسَى , وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ عِنْدَ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ أَيْ يَتَحَرَّكُونَ وَيَقُولُونَ: السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ تَحَرَّكَتْ حِينَ آتَى اللَّهُ مُوسَى التَّوْرَاةَ قَالَهُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ , الْخَامِسُ: نِسْبَتُهُمْ إلَى يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبَ فَقِيلَ لَهُمْ: يهوذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ , ثُمَّ عُرِّبَ بِالْمُهْمَلَةِ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُطْلِعِ .

وَأَمَّا السَّامِرَةُ فَهُمْ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ بَنْيِ إسْرَائِيلَ إلَيْهِمْ نُسِبَ السَّامِرِيُّ قَالَ الزَّجَّاجُ
: وَهُمْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِي الشَّامِ يُعْرَفُونَ بِالسَّامِرِيِّينَ هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ سِيدَهْ , وَهُمْ فِي زَمَانِنَا يُسَمَّوْنَ السَّمَرَةَ بِوَزْنِ الشَّجَرَةِ , وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مُتَشَدِّدُونَ فِي دِينِهِمْ , وَهُمْ مُقِيمُونَ بِقَصَبَةِ نَابُلُسَ , لَهُمْ دُورٌ وَأَمْلَاكٌ وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ خَالَفَتْ جَمِيعَ الْمِلَلِ فَزَعَمَتْ أَنَّ نَابُلُسَ هِيَ الْقُدْسُ وَهُمْ يُصَلُّونَ إلَى الْجَبَلِ الَّذِي قِبْلِيِّ نَابُلُسَ , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الصُّخَيْرَاتِ لَهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ وَيُزَخْرِفُونَ مِنْ عُقُولِهِمْ السَّخِيفَةِ وَضَلَالَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ أَشْيَاءَ يُرَوِّجُونَهَا عَلَى جُهَّالِهِمْ .

وَأَمَّا النَّصَارَى فَوَاحِدُهُمْ نصران
, وَالْأُنْثَى نَصْرَانَةٌ بِمَعْنَى نَصْرَانِيٍّ وَنَصْرَانِيَّةٍ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ يُقَالُ لَهَا نَصْرَانُ , وَيُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ , وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ صَفْدٍ وَالنَّصَارَى يُعَظِّمُونَهَا ; لِأَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى نَشَأَ بِهَا , والأفرنج فِرْقَةٌ مِنْ النَّصَارَى وَهُمْ الرُّومُ وَيُقَالُ لَهُمْ بَنُو الْأَصْفَرِ قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَصَّ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظِيَّةِ , وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ نِسْبَةٌ إلَى فَرَنْجَةَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَسُكُونِ ثَالِثَةٍ , وَهِيَ جَزِيرَةٌ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا فرنجي , ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ كَزِنْجِيٍّ وَزِنْجٍ , فَالْيَهُودُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالنَّصَارَى أَهْلُ الْإِنْجِيلِ , وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَيُكْرَهُ لَنَا أَنْ نَسْتَأْمِنَ أَحَدًا مِنْهُمْ لِإِحْرَازِ أَبْدَانِنَا فِي الطِّبِّ
, فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُنَا , وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَنَا فَكَيْفَ نَأْمَنُهُ عَلَى أَرْوَاحِنَا سِيَّمَا وَهُمْ يَطْلُبُونَا بِالثَّارَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا بِأَيْدِينَا مِنْ أَمْلَاكِهِمْ , وَأَنَّا سَلَبْنَاهُمْ مِلْكَهُمْ وَدَوْلَتَهُمْ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَيْفَ يُؤْمَنُ عَلَى بَدَنٍ , أَوْ غَيْرِهِ؟وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ مُنَبِّهًا بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَقَلِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى (لِ) أَجْلِ (إحْرَازٍ) أَيْ حِفْظِ (مَالٍ) مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ) أَيْ وَمَكْرُوهٌ اسْتِئْمَانُنَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (لِ) أَجْلِ (قِسْمَتِهِ) أَيْ الْمَالِ (اشْهَدْ) بِذَلِكَ وَاعْتَقِدْهُ وَإِيَّاكَ , وَالْعُدُولَ عَنْهُ .

مطلب فِي حُكْمِ اسْتِخْدَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ
قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ
: يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ .

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى
: وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَنَحْوَهُمَا .

وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ
: قُلْت لِعُمَرِ رضي الله عنهما: إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ مَالَكَ: قَاتَلَك اللَّهُ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفًا؟قَالَ: قُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ قَالَ: لَا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ وَلَا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: فَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ أَنْ يَجْعَلُوا فِي دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ يَهُودِيًّا , أَوْ نَصْرَانِيًّا انْتَهَى .

وَلِأَنَّ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ مَا لَا يَخْفَى
, وَهُوَ مَا يَلْزَمُ عَادَةً أَوْ يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ تَصْدِيرِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ , وَالْقِيَامِ لَهُمْ وَجُلُوسِهِمْ وَوُقُوفِ الْمُسْلِمِينَ وَابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ مَعَ تَذَلُّلِ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَخُضُوعِهِمْ لَدَيْهِمْ وَالتَّمَلُّقِ وَإِظْهَارِ الْحُبِّ , وَالْإِعْزَازِ لَهُمْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِمْ لِكَوْنِ الدِّيوَانِ فِي أَيْدِيهِمْ , وَذَكَرَ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ فِي كِتَابِهِ دُرَرِ الْآدَابِ وَمَحَاسِنِ ذَوِي الْأَلْبَابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى جَمِيعِ عُمَّالِهِ فِي الْآفَاقِ: أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّ عُمَرَ يُقْرِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامَ وَيَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُبِينِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا} الْآيَةَ , وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ مَنْ هَلَكَ قَبْلَكُمْ إلَّا بِمَنْعِهِ الْحَقَّ وَبَسْطِ يَدِ الظُّلْمِ , وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا مَضَى , إذَا قَدِمُوا بَلَدًا أَتَاهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ فَاسْتَعَانُوا بِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهِمْ لِعِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ , وَالْحِسَابِ وَالتَّدْبِيرِ وَلَا خِيَرَةَ وَلَا تَدْبِيرَ فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُدَّةٌ , وَقَدْ قَضَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا نعلمن أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُمَّالِ أَبْقَى فِي عَمَلِهِ رَجُلًا مُتَصَرِّفًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَّا نُكِّلَ بِهِ , وَلْيَكْتُبْ كُلٌّ مِنْكُمْ بِمَا فَعَلَهُ فِي عَمَلِهِ , وَأَمَرَ أَنْ يُمْنَعَ النَّصَارَى , وَالْيَهُودُ مِنْ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ إلَّا عَلَى الْأَكُفِّ .

قَالَ
, وَكَتَبَ إلَى حَيَّانَ عَامِلِهِ بِمِصْرِ بِاعْتِمَادِ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ حَيَّانُ: أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ دَامَ هَذَا الْأَمْرُ فِي مِصْرَ أَسْلَمَتْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَبَطَلَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَرَاجِ , فَأَرْسَلَ إلَيْهِ خَالِدًا , وَقَالَ لَهُ: ائْتِ مِصْرَ فَاضْرِبْ حَيَّانَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثِينَ سَوْطًا أَدَبًا عَلَى قَوْلِهِ وَقُلْ لَهُ: وَيْلَك يَا حَيَّانُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَضَعْ عَنْهُ الْجِزْيَةَ فَوَدِدْت أَنْ أَسْلَمُوا كَافَّةً , اللَّهُ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا لَا جَابِيًا .

قَالَ
: وَكَتَبَ فِي أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ بَعْضُ الزُّهَّادِ لَمَّا رَأَى تَمَكُّنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِهْمَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيَّامِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: بِأَبِي وَأُمِّي ضَاعَتْ الْأَحْلَامُ أَمْ ضَاعَتْ الْأَذْهَانُ , وَالْأَفْهَامُ مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ أَلَهُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قِيَامُ إلَّا تَكُنْ أَسْيَافُهُمْ مَشْهُورَةً فِينَا فَتِلْكَ سُيُوفُهُمْ أَقْلَامُ , ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّك تَحَمَّلْت أَمَانَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ , وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَاتِ , وَالْأَرْضِ , وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا فَتُسْلِمُ أَنْتَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ الَّتِي قَدْ تدركت بِهَا وَخَصَّك اللَّهُ بِهَا إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَا سَمِعْت تَفْسِيرَ جَدِّك عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلَّا أَحْصَاهَا , وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ التَّبَسُّمُ , وَالْكَبِيرَةَ الضَّحِكُ فَمَا ظَنُّك بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانَتِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ , وَقَدْ نَصَحْتُك وَهَذِهِ النَّصِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَيَّ مَا لَمْ تَصِلْ , فَإِذَا وَصَلَتْ إلَيْك صَارَتْ حُجَّةً عَلَيْك فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَدَّمَ إلَى جَمِيعِ الْعُمَّالِ فِي الْبِلَادِ أَنْ لَا يُتْرَكَ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ يَكْتُبُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُمَّالِ .

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْتَبَ أَحَدًا مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قُطِعَتْ يَدُهُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ
, وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ مِنْ قَصِيدَةٍ يَمْدَحُ بِهَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه وَيَحْثُّهُ عَلَى قَتْلِ الْقِبْطِ وَيُغْرِيه بِهِمْ وَأَنْشَدَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لِلْمَأْمُونِ لَمَّا اسْتَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ الْقِبْطِ فَقَالَ: هُمْ بَقِيَّةُ الْفَرَاعِنَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِمِصْرِ .

وَقَالَ لَهُ
: وَقَدْ نَهَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ اسْتِخْدَامِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: صِفْ لِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُهُمْ فِي مِصْرَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَخَذَتْ الْفُرْسُ الْمُلْكَ مِنْ أَيْدِي الْفَرَاعِنَةِ قَتَلُوا الْقِبْطَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ اصْطَنَعَتْهُ أَيْدِي الْهَرَبِ وَاخْتَفَى وَتَعَلَّمُوا كُتَّابًا وَأَطِبَّاءً وحسابا , فَلَمَّا مَلَكَتْ الرُّومُ كَانُوا هُمْ سَبَبًا لِإِخْرَاجِ الْفُرْسِ عَنْ مُلْكِهِمْ , وَأَقَامُوا فِي مَمْلَكَةِ الرُّومِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ , ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ , وَهِيَ: يَا عَمْرُو قَدْ مَلَكَتْ يَمِينُك مِصْرَنَا وَمَلَكْت فِيهَا الْعَدْلَ , والأقساطا فَاقْتُلْ بِسَيْفِك مَنْ تَعَدَّى طَوْرَهُ وَاجْعَلْ فَتُوحَ سُيُوفِك الأقباطا فِيهِمْ أُقِيمَ الْجَوْرُ فِي جَنْبَاتِهَا وَرَأَى الْأَنَامُ النَّفْيَ , والإفراطا عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَثَلَّثُوا لَاهُوتَهمْ وتوازروا وتعدوا الأشراطا لَا تَرْكَنَنَّ إلَى النَّصَارَى إنَّهُمْ شَعْبٌ عَلَى دِينِ الْإِلَهِ تعاطا وَاذْكُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلَهُ إنْ كُنْت فِي طَاعَاتِهِ مُحْتَاطًا لَا تقبلن لِمُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا تَرْعَى لَهُ ذِمَمًا وَلَا أَخْلَاطَا فَأَوْغَرَ صَدْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا عَادَ إلَى بَغْدَادَ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ أَسَاءُوا إلَى الْكِسَائِيِّ الِاعْتِمَادَ وَجَاهَرُوهُ بِالْبَغْيِ , وَالْفَسَادِ , فَلَمَّا قَرَأَ الْمَأْمُونُ قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}., فَقَالَ لَهُ الْكِسَائَيُّ: أَيَقْرَأُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ , فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِصَرْفِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِالْمَمْلَكَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ , وَاتَّفَقَ فِي أَيَّامِ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَجْلِسِهِ لَهُ حُرْمَةٌ وَوَقَارٌ , فَاسْتَأْذَنَهُ الْفَاضِلُ فِي إنْشَادِ بَيْتَيْنِ مِنْ الشِّعْرِ , فَأَذِنَ لَهُ فَأَنْشَدَ: يَا ابْنَ الَّذِي طَاعَتُهُ فِي الْوَرَى وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ إنَّ الَّذِي شُرِّفْت مِنْ أَجْلِهِ يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ فَقَالَ: أَصَحِيحٌ مَا يَقُولُ هَذَا؟فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَأَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ وَذَكَرَ السُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ الْمَزْبُورِ: أَنَّ النَّصَارَى فِي زَمَنِ الْآمِرِ بِاَللَّهِ اشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَامْتَدَّتْ أَيْدِيهمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْأَذِيَّةِ وَإِيصَالِ الْأَذَى إلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا أَرْبَابُ الدِّينِ , وَأَجْلَسَ كَاتِبًا مِنْهُمْ يُعْرَفُ بِالرَّاهِبِ , وَيُلَقَّبُ بِالْأَبِ الْقِدِّيسِ , فَصَادَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ مِصْرَ وَامْتَدَّتْ يَدُهُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ , فَلَامَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ عَلَى قَبِيحِ فِعْلِهِ وَمَا يَبْدُو مِنْهُ لِلْخَاصَّةِ , وَالْعَامَّةِ إشْفَاقًا عَلَيْهِ , فَكَانَ جَوَابُهُ نَحْنُ مُلَّاكُ هَذِهِ الْبِلَادِ حَرْثًا وَخَرَاجًا , وَإِنَّمَا مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَّا وَتَغَلَّبُوا عَلَيْنَا وَغَصَبُونَا وَاسْتَمْسَكُوهَا مِنْ أَيْدِينَا .

فَنَحْنُ مَهْمَا فَعَلْنَا بِالْمُسْلِمِينَ فَهُوَ قُبَالَةُ مَا فَعَلُوهُ بِنَا
, وَجَمِيعُ مَا نَأْخُذُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حِلٌّ لَنَا وَبَعْضُ مَا نَسْتَحِقُّهُ , فَإِذَا حَمَلْنَا إلَيْهِمْ مَالًا كَانَتْ الْمِنَّةُ لَنَا عَلَيْهِمْ , ثُمَّ أَنْشَدَ: بِنْتَ كَرَمٍ غَصَبُوهَا أَهْلَهَا وَأَهَانُوهَا بِدَوْسِ بالقدم , ثُمَّ عَادُوا حَكَّمُوهَا فِيهِمْ وَلَهَا أَمْرٌ بِخَصْمٍ يُحْتَكَمْ , وَنُقِلَ مِنْ مِثْلِ هَذَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ جِدًّا فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت , ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَحْسَن قَوْلَ الْجَاحِظِ: الْخِيَانَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ , ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ مَحَاسِنُهُمْ مساوي السفل ومساويهم فَضَائِحُ الْمِلَلِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ (تَنْبِيهٌ): اقْتَصَرَ النَّاظِمُ عَلَى كَوْنِ اسْتِئْمَانِنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي مَالٍ وَقِسْمَتِهِ مَكْرُوهًا , وَظَاهِرُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْغَزْوِ وَبِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ , فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ إلَّا خَوْفًا قَالَ الشَّيْخُ: وَمَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَيَحْرُمُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَزْوٍ وَعِمَالَةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ وَحِفْظِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ الْحَاجَةَ ; لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِأَدْنَى حَاجَةٍ , ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَكُونُ بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا وَجَهْبَذًا , وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ , وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ: وَيَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ مِنْ دِيوَانِ الْمُسْلِمِينَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) وَغَيْرِهِ , وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَشَارُوا أَوْ يُؤْخَذَ بِرَأْيِهِمْ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَارِقًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالذِّمَّةِ: إنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ دُعَاةٌ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ , .

وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصًّا
, وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِكُفَّارٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ , وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ لِحَاجَةٍ , وَعَنْهُ: يَجُوزُ مَعَ حُسْنِ رَأْيٍ فِينَا , زَادَ جَمَاعَةٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَقُوَّتُهُ بِهِمْ بِالْعَدُوِّ .

وَفِي الْوَاضِحِ رِوَايَتَانِ
: الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبَنَاهُمَا عَلَى الْإِسْهَامِ لَهُ , كَذَا قَالَ: وَفِي الْبُلْغَةِ: يُحَرَّمُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِحُسْنِ الظَّنِّ قَالَ: وَقِيلَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَطْلَقَ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَلِفُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ وَلَا يُعَاوَنُونَ وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعَانَةِ تَحْرِيمَهَا فِي الْعِمَالَةِ , وَالْكِتَابَةِ وَسَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ مِثْلِ الْخَرَاجِ قَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ وَأَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ , فَدَلَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ , وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ , وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفَاسِدُ أَوْ يُفْضِي إلَيْهَا , فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْجِهَادِ .

وَقَالَ شَيْخُنَا
: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانًا لِلْمُسْلِمِيْنَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ ; لِأَنَّهُ مِنْ الصِّغَارِ وَفِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَحْرِيمُ الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ فِيهِ أَعْظَمَ الضَّرَرِ ; لِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ , وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَا يَدْعُونَ إلَى أَدْيَانِهِمْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي الْفُرُوعِ .

فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ كَمَا عَلَيْهِ النَّاظِمُ
, وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ يَحْرُمُ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ رضي الله عنه .

قُلْت
: وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْأَثَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي رِسَالَةٍ لَهُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ , فَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ دِينَهُ وَيَنْصُرُ مِلَّةَ نَبِيِّهِ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ .

مطلب فِي كَرَاهَةِ اسْتِطْبَابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ
وَحِكَايَةِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَعَ الْيَهُودِيِّ وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ لَا ضَرُورَةً وَمَا رَكَّبُوهُ مِنْ دَوَاءٍ مُوَصَّدٍ
, (وَمَكْرُوهٌ اسْتِطْبَابُهُمْ) أَيْ طَلَبُ كَوْنِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ طَبِيبًا وَاِتِّخَاذَ أَحَدِهِمْ طَبِيبًا ; لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَافْتِقَادِ النَّصِيحَةِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ .

قَالَ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ فِي دُرَرِ الْآدَابِ يُقَالُ
: إنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ جَمَعَتْهُ الطَّرِيقُ مَعَ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ , وَهُوَ رَاكِبٌ , وَالْيَهُودِيُّ رَاجِلٌ , فَلَمَّا وَصَلَا إلَى بَابِ الْمَدِينَةِ مَسَكَ الْمِقْدَادُ الْيَهُودِيَّ , وَقَالَ لَهُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا صَحِبَ مُسْلِمٌ يَهُودِيًّا وَلَا عَامَلَهُ إلَّا غَشَّهُ وَأَنْتَ قَدْ سايرتني إلَى بَابِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَبِمَ غششتني؟فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: الْغِشُّ يَكُونُ فِي الْمُعَامَلَةِ , أَوْ فِي الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ , فَشَدَّدَ عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ , وَأَنَّهُ لَا يُخَلِّيه دُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُ فَلَمَّا ضَايَقَهُ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: تُؤَمِّنُنِي عَلَى نَفْسِي وَأَصْدُقُك؟قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقَ وَاَللَّهِ نَبِيُّك إنَّهُ لَمَّا أَعْيَانِي الْأَمْرُ فِي غِشِّك , وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَكْرُوهٍ أُوصِلُهُ إلَيْك كُنْت أَمْشِي عَلَى ظِلِّك الْمُمْتَدِّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَثْقُلُ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ مَثَابَتَهُمْ فِينَا وَسِيرَتَهُمْ فِي أَذِيَّتِنَا , فَهَلْ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ أَنْ يُسْلِمَ إلَيْهِمْ بَدَنَهُ؟ "

مطلب لَا يُكْرَهُ اسْتِطْبَابُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلضَّرُورَةِ
(
لَا) يُكْرَهُ اسْتِطْبَابُ أَهْلِ الذِّمَّةِ (ضَرُورَةً) أَيْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ , وَلِأَنَّ إدْخَالَ الضَّرَرِ مِنْ اسْتِطْبَابِهِ مُتَوَهَّمٌ , وَالْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ اتِّخَاذِ مَا يُزِيلُ الْمَعْلُومَ مِنْ الضَّرَرِ بِخَوْفِ إدْخَالِ ضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ .

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
: إذَا كَانَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ خَبِيرًا بِالطِّبِّ ثِقَةً عِنْدَ الْإِنْسَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يستطبه , كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُودِعَهُ الْمَالَ وَأَنْ يُعَامِلَهُ .

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يَسْتَطِبَّ الْحَارِثَ بْنَ كِلْدَةَ وَكَانَ كَافِرًا
, وَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ مُسْلِمًا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُودِعَهُ , أَوْ يُعَامِلَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ , وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى ائْتِمَانِ الْكِتَابِيِّ وَاسْتِطْبَابِهِ , فَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَايَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَلَيْسَ الْكِتَابِيُّ بِقَيْدٍ فَالْمَجُوسِيُّ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مطلب يُكْرَهُ أَخْذُ دَوَاءٍ مِنْ ذِمِّيٍّ لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَة

َ
(وَ) مَكْرُوهٌ (مَا) أَيْ شَيْءٌ أَوْ الَّذِي (رَكَّبُوهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَخْلِطَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَسْمُومَاتِ , أَوْ النَّجَاسَاتِ (مِنْ دَوَاءٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا دَاوَيْت بِهِ (مُوَصَّدٍ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَنْسُوجٍ وَمُرَكَّبٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوَصْدُ بِحَرَكَةٍ النَّسْجُ , وَالْوَصَّادُ النَّسَّاجُ .

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
: يُكْرَهُ أَنْ يُأْخُذَ مِنْهُ يَعْنِي الذِّمِّيَّ دَوَاءً لَمْ يُبَيِّنْ مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةَ , وَكَذَا مَا وَصَفَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ , أَوْ عَمِلَهُ , وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: أَدْخَلْت عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلَ يَصِفُ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَكْتُبُ مَا وَصَفَهُ , ثُمَّ أَمَرَنِي فَاشْتَرَيْته لَهُ قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ فِي الدَّوَاءِ الْمُبَاحِ , فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلدَّاءِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ , وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ فَلَا حَرَجَ فِي تَنَاوُلِهِ , وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَشَارَ بِالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ جَالِسًا وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ فَلَا يُقْبَلُ , وَإِذَا خَاطَبَ الْكَافِرَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَانَ حَسَنًا: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

مطلب لَا تَطِبُّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَا تَقْبَلُهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ
(
تَتِمَّةٌ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنَّهُ لَا تَطِبُّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَا تَقْبَلُهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ تَطِبُّهَا أَوْ تَقْبَلُهَا , وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَحْرِيمِ نَظَرِ الذِّمِّيَّةِ لِلْمُسْلِمَةِ , وَإِلَّا جَازَ وَعَنْهُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقْبَلُهَا وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَيُكْرَهُ أَنْ تَطِبَّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً , وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تَقْبَلَهَا فِي وِلَادَتِهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ فَظَهَرَ الْجَوَازُ , وَإِنَّمَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى , وَيَأْتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, الـذمـة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir