دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 07:20 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أقسام أهل الضلال الخائضين في القَدَر

فصـــلٌ
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ: بِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ. وَأَهْلُ الضَّلاَلِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ انْقَسَمُوا إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ: مَجُوسِيَّةٍ، ومُشْركِيَّةٍ، وإبْلِيسيَّةٍ.
فَالْمَجُوسِيَّةُ، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَغُلاَتُهمْ أَنْكَرُوا الْعِلْمَ وَالْكِتَابَ، وَمُقْتَصِدَتُهمْ أَنْكَرُوا عُمُومَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَخَلْقَهُ، وَقُدْرَتَه، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: المُشْرِكِيَّةُ، الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْقَضَاءِ وَالْقدَرِ، وَأَنْكَرُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) فَمَنِ احْتَجَّ عَلَى تَعْطِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْقَدَرِ فَهُوَ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَهَذَا قَدْ كَثُرَ فِيمَنْ يَدَّعِي الْحَقِيقَةَ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: الإبليسِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْأَمْرَيْنِ، لَكِنْ جَعَلُوا هَذَا تَنَاقُضًا مِنَ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَطَعَنُوا فِي حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، كَمَا يُذْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ إِبْلِيسَ مُقَدِّمِهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْمَقَالاَتِ، وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَقُولُهُ أَهْلُ الضَّلاَلِ.

  #2  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 03:49 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فإنْ قالَ قائلٌ: أَفَلاَ يَصِحُّ على هذَا التَّقرِيرِ أنْ يَحتَجَّ بالقدرِ مَنْ خالَفَ الشَّرْعَ؟
فالجوابُ: أنَّ الاحْتِجَاجَ بالقَدَرِ على مخالَفةِ الشَّرْعِ لا يَصِحُّ كما دَلَّ على ذلكَ الكتابُ، والسُّنَّةُ، والنَّظَرُ.
أما الكتابُ: فمِنْ أدلَّتِهِ قولُهُ تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)([1]). فَأَبْطَلَ اللهُ حُجَّتَهُمْ هذِهِ بقولِهِ: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا)([2]) ومِنْهَا قولُهُ: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)([3]). فبيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ الحُجَّةَ قامتْ على النَّاسِ بإرسالِ الرُّسُلِ وَلاَ حُجَّةَ لهمْ على اللهِ بعْدَ ذلكَ، ولوْ كانَ القَدَرُ حُجَّةً ما انْتَفَتْ بإِرسَالِ الرُّسُلِ.

وأما السُّنَّةُ: فمِنْ أدلَّتِهَا ما ثَبَتَ في الصَّحيحَيْنِ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ ومقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ". قالُوا: يَا رسولَ اللهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ على كتابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ. ثُمَّ قَرَأَ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَىوَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىوَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىوَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىفَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)([4]).

وَأَمَّا النَّظَرُ فَمِنْ أَدِلَّتِهِ:
1- أنَّ تارِكَ الواجِبِ، وفاعِلَ المحرَّمِ يُقْدِمُ على ذلكَ باختيارِهِ لاَ يَشْعُرُ أنَّ أحداً أكْرَهَهُ عليْهِ، ولا يَعْلَمُ أنَّ ذلكَ مُقَدَّرٌ، لأنَّ القَدَرَ سِرٌّ مَكتومٌ فَلاَ يَعْلَمُ أحدٌ أنَّ شيئاً مَا قدَّرَهُ اللهُ تعالى إلا بعدَ وقوعِهِ، فكيفَ يَصِحُّ أنْ يَحتَجَّ بِحُجَّةٍ لا يَعْلَمُهَا قَبْلَ إِقْدَامِهِ على مَا اعْتَذَرَ بِهَا عَنْهُ؟!
وَلِماذَا لمْ يُقَدِّرْ أنَّ اللهَ تعالى كَتَبَهُ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَيَعْمَلُ بعملِهِمْ، دونَ أنْ يُقَدِّرَ أنَّ اللهَ كَتَبَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِهِمْ؟!
2- أَنَّ إِقْحَامَ النَّفْسِ في مآثمِ تَرْكِ الواجِبِ، وفِعْلِ المحرَّمِ ظلْمٌ لَهَا وَعُدْوَانٌ عَلَيْهَا كمَا قالَ اللهُ تعالى عنِ المكذِّبينَ لِلرُّسُلِ: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)([5]). وَلَوْ أَنَّ أحداً ظَلَمَ المُحْتَجَّ بالقَدَرِ على مخالفَتِهِ، ثُمَّ قالَ لهُ: ظُلْمِي إِيَّاكَ كانَ بقدَرِ اللهِ. لمْ يَقْبَلْ مِنْهُ هذِهِ الحُجَّةَ، فكيفَ لاَ يَقْبَلُ هذِهِ الْحُجَّةَ بِظلْمِ غَيْرِهِ لَهُ، ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَا بظلْمِهِ هوَ لنفسِهِ؟!.
3- أنَّ هذَا المحتجَّ لوْ خُيِّرَ في السَّفَرِ بَيْنَ بلدَيْنِ أحدُهُمَا: بلدٌ آمِنٌ مطمَئِنٌّ فيهِ أنْوَاعُ المآكِلِ، والمشاربِ، والتَّنَعُّمِ، والثاَني: بلَدٌ خائفٌ قَلِقٌ، فيهِ أنواعُ البؤْسِ، والشَّقَاءِ، لاخْتَارَ السَّفرَ إلى البلَدِ الأوَّلِ ولا يُمْكِنُ أنْ يَخْتَارَ الثَّانِي مُحْتَجَّاً بِالقَدَرِ، فلماذَا يَخْتَارُ الأَفْضَلَ في مَقَرِّ الدُّنْيَا، ولاَ يَخْتَارُهُ في مَقَرِّ الآخِرةِ؟!

فإنْ قالَ قائلٌ: ما الجوابُ عنْ قولِهِ تعالى لرسولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)([6]). فَأَخْبَرَ أَنَّ شِرْكَهُمْ واقعٌ بمشيئةِ اللهِ تعالى!.
قيلَ لهُ: الجوابُ عنْهُ: أنَّ اللهَ تعالى أخبرَ أنَّ شِرْكَهُمْ واقعٌ بمشيئتِهِ تسليةً لرسولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا دِفاعاً عَنْهُمْ، وإقامةً للعذْرِ لهمْ، بخلافِ احتجاجِ المشرِكينَ على شِرْكِهِمْ بمشيئةِ اللهِ فإنَّمَا قَصَدُوا بهِ دَفْعَ اللَّومِ عنْهُمْ وإقامةَ العُذْرِ على استمرارِهِمْ على الشِّرْكِ، ولهذَا أبْطَلَ اللهُ احتجاجَهُمْ ولمْ يُبْطِلْ أنَّ شِرْكَهُمْ واقعٌ بمشيئتِهِ.

فإنْ قَالَ قائلٌ: ما الجوابُ عمَّا ثَبَتَ في الصَّحيحَيْنِ وغيرِهِمَا عنْ أَبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى وَفي لَفْظٍ تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا، وَأَخْرَجتَنَا مِنَ الجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلاَمِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأرْبَعينَ سَنَةً، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فحَجَّ آدَمُ مُوسَى ثَلاَثاً". وعنْدَ أَحْمَدَ: "فَحَجَّهُ آدَمُ". أيْ غَلَبَهُ في الحُجَّةِ؟

قيلَ لهُ الجوابُ منْ وجهيْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّ موسى عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لمْ يَعْتِبْ على آدمَ في معصيةٍ تابَ منْها إلى اللهِ تعالى فاجْتَبَاهُ ربُّهُ وَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى فَإِنَّ هذَا بعيدٌ جِدًّا أَنْ يَقَعَ مِنْ مُوسَى عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلاَمُ وَهُوَ أجَلُّ قَدْراً منْ أنْ يلومَ أباهُ ويَعْتِبَ عليهِ في هذَا، وإنَّمَا عَنَى بذلكَ المصيبةَ الَّتي حَصَلَتْ لآدَمَ وبنِيهِ وهيَ الإِخْراجُ منَ الجَنَّةِ الَّذي قدَّرَهُ اللهُ عليْهِ بسببِ المعصيةِ فاحتجَّ آدمُ على ذلكَ بالقدَرِ منْ بابِ الاحتجاجِ بالقدَرِ على المصائبِ، لاَ على المعايِبِ فهُوَ كقولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "احْرِصْ عَلى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ، وَإنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وكَذَا، ولكنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". رواهُ مُسْلِمٌ.
فقدْ أَرشَدَ النَّبيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى تَفويضِ الأمْرِ إلى قدَرِ اللهِ بعْدَ فِعْلِ الأسبابِ الَّتي يَحصُلُ بهَا المطلوبُ ثمَّ يَتخلَّفُ.
ونظيرُ هذَا أنْ يُسافِرَ شَخْصٌ فيُصَابَ بحادِثٍ في سفرِهِ فيُقالَ لَهُ: لماذا تُسافِرُ؟ فيقولُ هذَا أمْرٌ مُقدَّرٌ والْمُقدَّرُ لاَ مَفَرَّ مِنْهُ، فإنَّهُ لا يَحتجُّ هُنَا بالقدَرِ على السَّفَرِ لأنَّهُ يَعلَمُ أَنَّهُ لاَ مُكْرِهٌ لَهُ وأنَّهُ لمْ يُسَافِرْ ليُصِيبَهُ الحادِثُ، وإنَّما يَحتَجُّ بالقدَرِ على المصيبةِ الَّتي ارتَبَطَتْ بهِ وهذَا هوَ الوجهُ الذِي اختارَهُ الشَّيْخُ المؤلِّفُ في هذِهِ العَقيدَةِ.

الوجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الاحْتِجَاجَ بالقَدرِ على ترْكِ الواجِبِ، أَوْ فِعْلِ المحرَّمِ بَعْدَ التَّوْبَةِ جائزٌ مقبولٌ، لأنَّ الأثَرَ المترتِّبَ على ذلكَ قدْ زالَ بالتَّوْبَةِ فانْمَحى بهِ توجُّهُ اللَّوْمِ على المُخالَفَةِ، فلمْ يَبْقَ إلاّ مَحْضُ القَدَرِ الّذي احتَجَّ بهِ لاَ ليستَمِرَّ على ترْكِ الواجِبِ، أَوْ فِعْلِ المحظورِ ولكنْ تفويضاً إلى قدَرِ اللهِ تعالى الَّذِي لا بُدَّ منْ وقوعِهِ.
وقدْ أشارَ إلى هذَا ابنُ القيِّمِ في شِفَاءِ العَلِيلِ وقالَ إِنَّهُ لَمْ يَدفَعْ بالقَدَرِ حَقّاً ولاَ ذَكَرَهُ حُجَّةً لَهُ على باطلٍ ولاَ محذورٍ في الاحتجاجِ بهِ، وأَمَّا الموضِعَ الّذِي يَضُرُّ الاحتجاجُ بهِ فَفِي الحالِ والمستقْبَلِ بأنْ يَرتكِبَ فِعْلاً محرَّماً، أوْ يَتركَ واجباً فيلومَهُ عليْهِ لائمٌ فيَحتجُّ بالقَدَرِ على إقامَتِهِ عليْهِ وإصرارِهِ فَيُبْطِلُ بالاحتجاجِ بهِ حَقًّا ويَرتكبُ باطلاً، كَما احْتَجَّ بهِ المُصِرُّونَ على شِرْكِهِمْ وعِبادتِهِمْ غيرَ اللهِ فقالُوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا)([7]). (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ)([8]). فاحْتَجُّوا بهِ مُصَوِّبينَ لِمَا همْ عليهِ وأنَّهُمْ لمْ يَنْدَمُوا على فِعْلِهِ ولمْ يَعزِمُوا على تَرْكِهِ ولمْ يُقِرُّوا بِفَسَادِهِ فهذَا ضِدُّ احتجاجِ منْ تَبيَّنَ لهُ خطأُ نفسِهِ، ونَدِمَ، وعَزَمَ كلَّ العَزْمِ على أنْ لاَ يعودَ.. ونُكتَةُ المسألةِ أنَّ اللَّوْمَ إذَا ارتَفعَ صَحَّ الاحتجاجُ بالقَدَرِ، وإذا كانَ اللَّوْمُ واقعاً فالاحتجاجُ بالقَدَرِ باطلٌ، ثُمَّ ذَكَرَ حديثَ عليٍّ رضيَ الله عنهُ حينَ طرَقَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفاطمةَ ليْلاً فقالَ: (ألا تُصَلِّيَانِ). الحديثُ. وأَجابَ عنْهُ بأنَّ احْتجاجَ عليٍّ صحيحٌ (ولذلكَ لمْ يُنكِرْ عليْهِ النَّبيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([9]). صَاحبُهُ يُعْذَرُ فيهِ فالنَّائِمُ غيرُ مُفَرِّطٍ واحْتِجَاجُ غَيْرِ المفَرِّطِ بالقَدَرِ صَحِيحٌ.

([1]) سورة الأنعام، الآية: 148.

([2]) سورة الأنعام، الآية: 148.

([3]) سورة النساء، الآية: 165.

([4]) سورة الليل، الآيات: 5-10.

([5]) سورة هود، الآية: 101.

([6]) سورة الأنعام، الآيتان: 106، 107.

([7]) سورة الأنعام، الآية: 148.

([8]) سورة الزخرف، الآية: 20.

([9]) ما بين القوسين مني.

  #3  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 03:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فَصْلٌ
إذَا تبيَّنَ أنَّهُ لاَ بُدَّ للإِنْسَانِ منَ الإيمانِ بالقدَرِ، والإِيمانِ بالشَّرعِ فاعلَمْ أنَّ النَّاسَ انقَسَمُوا في ذلكَ إلى قسْمَيْنِ:
القِسْمُ الاَوَّلُ: أهلُ الهُدى، والفلاَحِ الذينَ آمَنُوا بقضاءِ اللهِ وقدَرِهِ على مَا سَبَقَ بيانُهُ مِنَ المراتِبِ الأَرْبَعِ، وآمَنُوا أيضاً بشرعِهِ فقامُوا بأمرِهِ ونَهيِهِ وآمَنُوا بمَا تَرَتَّبَ على ذلكَ منْ جزاءٍ، ولمْ يَحتَجُّوا بقدَرِهِ على شرْعِهِ، أوْ بشرْعِهِ على قدَرِهِ ولمْ يَجعلُوا ذلكَ تناقُضاً منَ الخالِقِ، وهؤلاءِ همْ أهلُ الحقِّ الّذينَ حقَّقُوا مقامَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)([1]). المؤمنينَ بمقْتَضى قولِهِ تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)([2]).
القِسْمُ الثَّاني: أهلُ الضَّلالِ، والهلاكِ المخالِفونَ للجماعةِ وهمْ ثلاثُ فِرَقٍ: مجوسيَّةٌ، ومُشْرِكيَّةٌ، وإبليسيَّةٌ.
فالمجوسيَّةُ همُ: القَدَرِيَّةُ الّذينَ آمَنُوا بشَرْعِ اللهِ، وكذَّبُوا بقدِرِهِ، فغُلاتُهُمْ أَنكَرُوا عُمومَ علْمِ اللهِ تعالى وقالُوا: إنَّ اللهَ تعالى لمْ يُقَدِّرْ أعْمالَ العِبادِ ولاَ عِلْمَ لهُ بهَا قَبْلَ وقوعِهَا، ومُقتَصِدُوهُمْ آمَنُوا بعِلْمِ اللهِ بهَا قَبْلَ وقوعِهَا وأَنكَرُوا أنْ تكونَ واقعةً بقدَرِ اللهِ تعالى وأنْ تكونَ مخلوقَةً لهُ.
وهؤلاءِ همُ المعتزِلةُ ومنْ وَافَقَهُمْ. ومَذهبُهُمْ باطلٌ بما سَبَقَ في أدلَّةِ مراتِبِ القَدَرِ.
والمشركيَّةُ همُ: الّذينَ أَقرُّوا بقَدَرِ اللهِ واحتَجُّوا بهِ على شرْعِهِ كمَا قالَ اللهُ تعالى عنهُمْ: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا)([3]).
والإِبليسيَّةُ همُ: الّذينَ أقرُّوا بالأمريْنِ بالقدَرِ، وبالشَّرعِ لكنْ جَعلُوا ذلكَ تناقُضاً منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وطَعنُوا في حكمتِهِ تعالى، وقالُوا: كيفَ يأمُرُ العِبادَ ويَنهاهُمْ، وقدْ قَدَّرَ عليْهِمْ ما قَدَّرَ ممَّا قدْ يكونُ مخالِفاً لمَا أَمَرَهُمْ بهِ ونهاهُمْ عنْهُ فهلْ هذَا إلا التناقُضُ المحْضُ والتَّصَرُّفُ المنافي للحِكْمَةِ؟
وهؤلاءِ أَتْباعُ إبليسَ فقدِ احتجَّ على اللهِ عزَّ وجَلَّ حينَ أَمَرَهُ أنْ يَسجُدَ لآدَمَ فقالَ إبليسُ: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)([4]).
والردُّ على هاتيْنِ الفرقَتَيْنِ معلومٌ مِنَ الرَّدِّ على المحتجِّينَ بالقدَرِ على معصيةِ اللهِ تعالى.

([1]) سورة الفاتحة، الآية: 5.

([2]) سورة الأعراف، الآية: 54.

([3]) سورة الأنعام، الآية: 148.

([4]) سورة الأعراف، الآية: 12.

  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


فصـــلٌ

قولُه:
إذا ثَبَتَ هذا فمعلومٌ، أنه يَجبُ الإيمانُ بخلقِ اللهِ وأمرِه، وبقضائِه وشرعِه وأهلُ الضلاَلِ الخائضون في القدَرِ انقَسَموا إلى ثلاثِ فرَقٍ: مجوسيَّةٌ، ومشرِكيَّةٌ، وإبليسيَّةٌ:

فالمجوسيَّةُ: الذين كذَّبوا بقدرةِ اللهِ وإن آمَنوا بأمرِه ونهيِه، فغُلاتُهم أَنكَروا العلْمَ والكتابَ ومقتصِدوهم أَنكَروا عُمومَ مشيئتِه وخلقِه وقدرتِه، وهؤلاءِ هم المعتزِلةُ ومن وافَقَهم.

والفِرقةُ الثانيةُ، المشركيَّةُ، الذين أقرُّوا بالقضاءِ والقدَرِ، وأَنكَروا الأمرَ والنهيَ، قالَ تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} فمن احتَجَّ على تعطيلِ الأمْرِ والنهيِ بالقدَرِ فهو من هؤلاءِ، وهذا قد كثُرَ فيمن يدَّعِي الحقيقةَ من المتصوِّفةِ.

والفِرقة الثالثةُ: وهم الإبليسيَّةُ، الذين أَقرُّوا بالأمْرَيْن لكن جَعلوا هذا تناقُضاً من الربِّ سبحانَه وتعالى وطَعنوا في حكمتِه وعدْلِه، كما يُذكرُ عن إبليسَ مقدَّمِهم كما نَقلَه أهلُ المقالاَتِ، ونُقلَ عن أهلِ الكتابِ.

الشرْحُ:
يقولُ الشيخُ إذا تقرَّرَ أن أصْلَ الدِّينِ وزُبدَةَ التوحيدِ هو تحقيقُ شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وشَهادةِ أن محمَّداً رسولُ اللهِ فلابدَّ بالإضافةِ إلى ذلك من الإيمانِ بخلْقِ اللهِ وقضائِه وشرْعِه وأمرِه؛ فإن الإيمانَ بالقدَرِ السابقِ مرتبِطٌ بالإيمانِ بالشرْعِ ارتباطاً وثيقاً؛ فالإيمانُ بأن اللهَ خالقُ كلِّ شيءٍ، وربُّه ومليكُه، وأنه علِمَ الأشياءَ وكتَبَها قبلَ أن تكونَ, مستلزِمٌ للإيمانِ بأن اللهَ شرَعَ الشرائعَ، فأمَرَ ونَهَى، ووَعَدَ وتوعَّدَ، وسيُجازي كلاّ بعملِه - ولا يظلِمُ ربُّكَ أحداً - وأهلُ الزيْغِ المخبِّطُون في قدَرِ اللهِ انقسَموا في هذا البابِ إلى ثلاثةِ أصنافٍ: مجوسيَّةٌ ومشرِكيَّةٌ وإبليسيَّةٌ:

فالمجوسيَّةُ: هم القدَريَّةُ المشبِّهون بالمجوسِ لإخراجِهم أفعالَ العِبادِ عن قدرةِ اللهِ وهم قسمان: غُلاةٌ ومقتصِدون، فالغُلاةُ أَنكَروا مرتَبَتَي العلْمِ والكتابةِ كمَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، وهشامِ بنِ عمرٍو الغُوطِيِّ أما غيرُ الغُلاةِ منهم فلم يُنكِروا المرتبتين السابقتَيْن وإنما أَنكَروا عُمومَ مرتَبَتَي الخلْقِ والمشيئةِ! وإذاً فهذا الصِّنفُ هم المعتزِلةُ ومن وَافقَهم من الشيعةِ، فهنا أربعُ مراتبَ:

أوَّلاً: مرتبةُ العلْمِ السابقِ، ثانياً: مرتبةُ الكتابِ وهي أن اللهَ كتَبَ مقاديرَ الخلائقِ وما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ في اللوحِ المحفوظِ، ثالثاً: مرتبةُ المشيئةِ وهي إثباتُ مشيئةِ اللهِ النافذةِ وقدرتِه الشامِلةِ. رابعاً: مرتبةُ الخلْقِ والإيجادِ فكلُّ ما سوى اللهِ فهو مخلوقٌ موجودٌ كائنٌ بعدَ أن لم يكنْ، قالَ الحافظُ ابنُ رجبٍ (والإيمانُ بالقدَرِ على درجتين، أحدُهما: الإيمانُ بأن اللهَ سَبقَ في علْمِه ما يَعملُه العِبادُ من خيرٍ وشرٍّ وطاعةٍ ومعصيَةٍ قبلَ خلقِهم وإيجادِهم، ومن هو منهم من أهلِ الجنَّةِ. ومن هو منهم من أهلِ النارِ، وأعدَّ لهم الثوابَ والعقابَ جزاءً لأعمالِهم قبلَ خلقِهم وتكوينِهم، وأنه كتَبَ ذلك عندَه وأَحصاه، وأن أعمالَ العِبادِ تَجري على ما سَبقَ في علْمِه وكتابِه، والدرجةُ الثانيةُ: أن اللهَ خلَقَ أفعالَ العِبادِ كلَّها من الكفرِ والإيمانِ والطاعةِ والعصيانِ وشاءَها منهم فهذه الدرجةُ يُثبتُها كثيرٌ من القدَريَّةِ ونَفاها غلاتُهم).

الصِّنف الثاني: هم الذين اعترَفوا بالقضاءِ والقدَرِ وزَعموا أن ذلك لا يُوافقُ الأمْرَ والنهيَ واحتَجُّوا بالقدَرِ تَماماً كما قالَ المشرِكون فيما حَكى اللهُ عنهم: {لَوْ شَاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} و {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} و {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} فهؤلاءِ حقيقةُ أمرِهم تعطيلُ الشرائعِ والأمْرِ والنهيِ مع الاعترافِ بالربوبيَّةِ العامَّةِ، وهذا الاعتقادُ الفاسدُ قد فَشَى في كثيرٍ من أهلِ التصوُّفِ المدَّعِين التحقيقَ والمعرفةَ وهم مجبِّرَةُ المشركيَّةِ.

الصِّنفُ الثالثُ: أقرُّوا بالأمْرِ والنهيِ، وبالقضاءِ النافذِ والقدَرِ السابقِ، ولكن جَعلوا الجمْعَ بينَ هذا وذاك تناقُضاً من الربِّ تعالى وتقدَّسَ عن قولِهم عُلُوًّا كبيراً، فطَعنوا في حكْمَةِ الربِّ عزَّ وجلَّ وعدلِه، وهؤلاءِ هم الملاحِدةُ والزنادقةُ المشبَّهون برئيسِهم إبليسَ في اعتراضِه على ربِّه، كما نُقلَ ذلك عن أهلِ الكتابِ فيما حَكاه أربابُ المقالاَتِ كالشهرستانيِّ فقد ذَكرَ في كتابِه - المِللُ والنِّحَلُ - أنه جاءَ في التوراةِ وفي شرْحِ الأناجيلِ: (أن إبليسَ لَعَنَه اللهُ اعتَرَضَ على ربِّه باعتراضاتٍ منها قولُه: إني سلَّمْتُ أن الباري تعالى إلهي وإلهَ الخلْقِ عالِمٌ قادرٌ ولا يُسألُ عن قدرتِه ومشيئتِه، فإنه مَهْمَا أَرادَ شيئاً قالَ له كن فيكونُ، وهو حكيمٌ. ولكن لقد علِمَ قبلَ خلقي أيَّ شيءٍ يَصْدُرُ عنِّي ويَحصُلُ مني فَلِمَ خَلَقني أوَّلاً، وما الحكمةُ في خلقِه إيَّايَ، وقالَ إذا خلَقَني على مُقتَضى إرادتِه ومشيئتِه فلِمَ كلَّفني بمعرفتِه وطاعتِه، وما الحكمةُ في التكليفِ بعد أن لا يَنتفعَ بطاعةٍ ولا يَتضرَّرَ بمعصيةٍ، قالَ شارحُ الإنجيلِ فأَوْحى اللهُ تعالى إلى الملائكةِ عليهم السلامُ أنْ قُولوا له إنك في تسليمِك الأوَّلِ أني إلهُك وإلهُ الخلْقِ غيرُ صادِقٍ ولا مخلِصٍ إذ لو صَدَقْتَ أني إلهُ العالمين ما احتَكمْتَ عليَّ بِلِمَ، فأنا اللهُ الذي لا إلهَ إلا أنا لا أُسألُ عما أَفعلُ والخلْقُ مسؤولون) قالَ الشيخُ: (وهو سبحانَه خالِقُ كلِّ شيءٍ وربُّه ومليكُه وله فيما خلَقَه حكمةٌ بالغةٌ ونعمةٌ سابغةٌ ورحمةٌ عامَّةٌ وخاصَّةٌ وهو لا يُسألُ عما يَفعلُ وهم يُسألون لا لمجرَّدِ قدرتِه وقهرِه بل لكمالِ علمِه وقدرتِه ورحمتِه وحكمتِه فإنه سبحانَه وتعالى أَحكمُ الحاكمين وأرحمُ الراحمين). والخوْضُ: هو اعتقادُ الباطلِ والتكلُّمُ به في آياتِ اللهِ وأحاديثِ رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قولُه:
والمقصودُ أن هذا مما تقوَّلَه أهلُ الضلالِ.

. . .
الشرْحُ:
يقولُ الشيخُ: والخُلاصةُ أن مقالَةَ الأصنافِ الثلاثةِ هي مما افترَاه أهلُ الزَّيْغِ والإلحادِ.

  #5  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 07:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


مذاهِبُ الفِرَقِ الضالَّةِ في القدَرِ
قولُه: (فَصْلٌ، إذا ثَبَتَ هذا فمن المعلومِ أنه يَجِبُ الإيمانُ بخلْقِ اللهِ وأَمْرِه وبقضائِه وشَرْعِه، وأَهْلُ الضلالِ الخائضونَ في القَدَرِ انْقَسَمُوا إلى ثلاثِ فِرَقٍ: مجوسيَّةٍ ومُشْرِكِيَّةٍ وإبْلِيسِيَّةٍ فالمجوسيَّةُ: الذين كذَّبُوا بقَدَرِ اللهِ، وإن آمَنُوا بأَمْرِه ونَهْيِه، فغُلاَتُهُمْ أَنْكَرُوا العلْمَ والكتابَ ومُقْتَصِدُوهُمْ أَنْكَرُوا عُمومَ مشيئتِه وخَلْقِه وقُدْرَتِه، وهؤلاءِ هم المُعتَزِلَةُ ومَن وَافَقَهُمْ.

والفِرقةُ الثانيةُ الْمُشْرِكِيَّةُ، الذين أَقَرُّوا بالقضاءِ والقَدَرِ، وأَنْكَرُوا الأمْرَ والنهيَ.
قالَ تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } فمَن احْتَجَّ على تعطيلِ الأمْرِ والنهيِ بالقَدَرِ فهو من هؤلاءِ، وهذا قد كَثُرَ فيمن يَدَّعِي الحقيقةَ من الْمُتَصَوِّفَةِ.

والفِرقةُ الثالثةُ: وهم الإبليسيَّةُ، الذين أَقَرُّوا بالأمرينِ، لكن جَعَلُوا هذا تَنَاقُضًا من الربِّ سبحانَهُ وَتَعَالَى، وطَعَنُوا في حِكْمَتِه وعَدْلِه، كما يُذْكَرُ ذلك عن إبليسَ مُقَدَّمِهِم، كما نَقَلَه أهلُ الْمَقالاَتِ. ونُقِلَ عن أهْلِ الكتابِ.
والمقصودُ: أنَّ هذا مِمَّا تقولُه أهْلُ الضَّلاَلِ ).

التوضيحُ

إذا تَبَيَّنَ لنا أن أَصْلَ الدِّينِ هو الشَّهادتانِ فلا بُدَّ كذلك من الإيمانِ بالقَدَرِ والشرْعِ، وهما الْخَلْقُ والأمْرُ كما سَبَقَ، وقد ضَلَّ في هذا البابِ فِرَقٌ ثلاثٌ هي المجوسيَّةُ والْمُشرِكيَّةُ والإبليسيَّةُ وتفصيلُ هذه الْفِرَقِ كما يَلِي:

الأُولى: الْمَجُوسِيَّةُ: وهم الذين أَنْكَروا القَدَرَ وأَقَرُّوا بالشرْعِ وهم كما سَبَقَ غُلاةٌ أَنْكَروا مَرْتَبَتَيِ العلْمِ والكتابةِ ( كمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ ) ومُقتصِدُون أَنْكَروا ( عُمومَ ) مَرْتَبَتَيِ الخلْقِ والمشيئةِ، وهم المُعتَزِلَةُ، ومَن وافَقَهم من الشِّيعَةِ.
وسُمُّوا بذلك؛لأنهم أَثْبَتُوا خالِقًا غيرَ اللهِ، وهو العَبْدُ، حيث زَعَمُوا أنه خالِقٌ لفِعْلِه.

الثانيةُ: الْمُشرِكِيَّةُ: الذين أَقَرُّوا بالقَدَرِ، لكنهم غَلَوْا فيه حتى أَنْكَرُوا الأمْرَ والنَّهْيَ، فصَادَمُوا الشرْعَ بالقَدَرِ، وسُمُّوا بذلك؛ لأنهم احْتَجُّوا على تعطيلِ الشرْعِ بالقَدَرِ، كما قالَ الْمُشرِكونَ ( فيما حَكَى اللهُ عنهم ):{ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } وهذا حالُ كثيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الحقيقةَ الْكَوْنيَّةَ ويَفْنَى في الربوبيَّةِ من الصوفيَّةِ.

الثالثةُ: الإبليسيَّةُ: وهم الذين أَقَرُّوا بالأمرينِ - الشرْعِ والقَدَرِ - ولكنهم جَعَلُوا هذا تَنَاقُضًا وطَعَنُوا في حِكْمَةِ اللهِ تعالى وعَدْلِه، كما نَقَلَ الشَّهْرسْتَانيُّ ذلك عن إبليسَ حيث اعْتَرَضَ على ربِّه باعتراضاتٍ منها أنه يُسَلِّمُ بقَدَرِ اللهِ وحُكْمِه ولكن يَطْعَنُ في الحكْمَةِ من خَلْقِه له مع عِلْمِ اللهِ تعالى بما سَيَحْدُثُ منه، وهذا مَذكورٌ عندَ أهلِ الكتابِ في التوارةِ والإنجيلِ، ولكن كَذَّبَ شيخُ الإسلامِ هذه القصَّةَ، وبَيَّنَ أنها قد تكونُ من وَضْعِ بعضِ الْمُكَذِّبِينَ بالقَدَرِ من أهلِ الكتابِ أو زَنادقةِ المسلمينَ، ويُمْكِنُ أن يُسْتَدَلَّ لهذه الطائفةِ بقولِ إبليسَ فيما حكاه اللهُ عنه:{ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } وكذلك { أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا }.

فهنا أَقَرَّ إبليسُ بِخَلْقِ اللهِ تعالى وقُدرَتِه، وكذلك أَقَرَّ بشَرْعِه، ولكنه طَعَنَ في حكْمَةِ اللهِ وعَدْلِه؛ لأنه أمَرَه بالسجودِ لِمَنْ هو دونَه بزَعْمِه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, أقسام

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir