دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 04:13 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا....}

فصل
في قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.
وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}.


قد تنازع المفسرون في معنى «العود في ملتهم» ، على قولين:
أحدهما: وهو الذي وجدته منقولًا عن مفسري السلف، ما ذكر في تفسير عطية عن ابن عباس، وينقل منه عامة المفسرين:
[تفسير آيات أشكلت: 1/160]
ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما.
يروى عن محمد بن سعد العوفي، حدثني أبي، حدثني عمي،
[تفسير آيات أشكلت: 1/161]
حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، وينقل منه عامة المتأخرين من المفسرين: كالماوردي، والثعلبي، والواحدي،
[تفسير آيات أشكلت: 1/162]
والبغوي، وابن الجوزي، وغيرهم.
وقد روى ابن حاتم منه في هذه الآية عن ابن عباس، قال: «كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم، ويقهرونهم، ويدعون إلى العود في ملتهم فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا في ملتهم -وهي ملة الكفر-، وأمرهم أن يتوكلوا عليه».
[تفسير آيات أشكلت: 1/163]
وعطية مشهور بالتفسير عن السلف، وأما روايته عن ابن عباس ففيها لين، لكن مثل هذا التفسير مشهور عن عطية، وقد رواه عن ابن عباس السُّدِّي في التفسير المعروف الثابت عنه، وقد نقله عن أشياخه، والسدي ثقة روى له مسلم، وتفسيره رواه عنه أسباط بن نصر، وهو ثقة، روى له مسلم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/164]
وقد ذكر في أول تفسيره أنه أخذه عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس،
[تفسير آيات أشكلت: 1/165]
وعن مرة الهَمْداني عن ابن مسعود، وعن ناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن هو ينقله بلفظه ويخلط الروايات بعضها ببعض، وقد
[تفسير آيات أشكلت: 1/166]
يكون فيها المرسل، والمسند، ولا يميز بينهما، ولهذا يقال: ذكره السدي عن أشياخه. ففيه ما هو ثابت عن بعض الصحابة: ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما. وفيه ما لا يجزم به.
قال في تفسيره في قصة {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}: «ليس المراد عودهم إلى الكفر، فإن الأنبياء لم يكونوا كفارًا». وقال ابن عطية: «والعود أبدًا إنما هو
[تفسير آيات أشكلت: 1/167]
إلى حالة قد كانت، والرسل ما كانوا قط في ملة الكفر، والمعنى: أو لتعودن إلى سكوتكم عنا كما كنتم قبل الرسالة وكونكم أغفالًا. قال: وذلك عند الكفار كون في ملتهم».
فصاحب هذا القول أقر العود على معناه المعروف، ولكن جعله عَودًا إلى ترك الأمر والنهي ودعوتهم إلى الإيمان كما كانوا قبل أن يرسلوا، وجعلوا هذا عودًا في ملتهم عند أولئك الكفار، وهذا يرد عليه أمران:
أحدهما: أن هذا العود إنما يكون للرسل خاصة، فهم الذين أمروا ونهوا ودعوهم إلى اتباعهم.
وقال ابن عطية: «أو لتعودن في ملتنا: لتصيرن».
وقال أبو الفرج: «أو لتعودن في ملتنا يعني: ديننا، وهو الشرك، فإن قل: كيف قالوا: «أو لتعودن» ، وشعيب لم يكن في كفر قط؟ فعنه جوابان:
[تفسير آيات أشكلت: 1/168]
أحدهما: أنهم لما جمعوا في الخطاب معه من كان كافرًا، ثم آمن خاطبوا شعيبًا بخطاب أتباعه، وغلبوا لفظهم على لفظه لكثرتهم وانفراده.
والثاني: لتصيرن إلى ملتنا، فوقع القول على معنى الابتداء كما يقال: عاد عَليَّ من فلان مكروه، أي: قد لحقني منه ذلك، وإن لم يكن سبق منه مكروه.
قال الشاعر:
فإن تكن الأيام أحْسنَّ مَرَّة... إليَّ فقد عادت لهن ذنوبُ
قال: وقد شرحنا هذا في سورة البقرة في قوله: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.
[تفسير آيات أشكلت: 1/169]
قال: وقد ذكر معنى هذين الجوابين الزجاج، وابن الأنباري» ،
[تفسير آيات أشكلت: 1/170]
ولم يذكر في آية إبراهيم شيئًا. والجواب الأول -مع ضعفه- لا يتأتى في سورة إبراهيم.
وكذلك البغوي مع الثعلبي، وغيرهما، ذكرا الوجهين، ووجهًا ثالثًا، فقالا -واللفظ للبغوي-: «لترجعن إلى ديننا الذي نحن عليه. قال شعيب: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} لذلك فتجبرونا عليه؟ {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} يقول: إلا أن يكون قد سبق لنا في مشيئة الله أنا نعود فيها، فحينئذٍ يمضي قضاء الله فينا، وينفذ حكمه علينا.
قال: فإن قيل: ما معنى قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ولم يكن شعيب قط في ملتهم حتى يصح قولهم ترجع إلى ملتنا؟ قيل: معناه: أو لتدخلن في ملتنا، فقال: ما يكون لنا أن ندخل فيها.
وقيل معناه: إن صرنا في ملتكم، ومعنى «عاد»: «صار».
وقيل: أراد به قوم شعيب؛ لأنهم كانوا كفارًا فآمنوا فأجاب شعيب عنهم» ، ولم يذكر هذه التأويلات في سورة إبراهيم. بل فسرها بمقتضى
[تفسير آيات أشكلت: 1/171]
اللفظ: إلا أن ترجعوا، أو حتى ترجعوا إلى ديننا.
قلت: هؤلاء فسروا الملة بالكفر كما هو مدلول اللفظ، ولم يذكروا ما قاله ابن عطية. وابن عطية فسره بالعود إلى الحال التي كانوا عليها وقال: «العود إنما هو إلى الحال قد كانت» ، ولم يسوغ أن يكون بمعنى الابتداء. ومما يشهد لما قاله ابن الجوزي في البيت المتقدم، قول لبيد:
وما المَرءُ إلا كالشهاب وضَوئِهِ... يَحُورُ رَمَادًا بَعدَ إذ هو ساطع
[تفسير آيات أشكلت: 1/172]
أراد: يصير رمادًا، لا أنه كان رمادًا. ومثله قول أمية بن أبي الصلت:
تلك المكارِم لا قعبَان من لبَن... شيبًا بماءٍ فعادا بعدُ أبْوالا
قلت: ما ذكروه لا يشهد لمعنى الآية، فإن لفظها: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وقول شعيب: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} ، وكذلك قالوا للرسل، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العائد في هبته كالعائد في قيئه، ليس لنا مثل
[تفسير آيات أشكلت: 1/173]
السوء». وفي السنن: «ليس لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهبه لولده».
وكذلك قال لعمر: «لا تبتعه ولو أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته
[تفسير آيات أشكلت: 1/174]
كالعائد في قيئه» ، وفي لفظ: «كالكلب يقيء، ثم يعود فيه» ، ومنه قوله: «ومن كان يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار».
ويقال: عاد لذا، كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} ، وقال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} ، واللفظ في مثل هذا الموضع صريح بالعود إلى أمر كان عليه
[تفسير آيات أشكلت: 1/175]
الرسل وأتباعهم لا يحتمل غير ذلك كما قال ابن عطية.
لكن إذا قال: عاد لذا فهو فعل مثل ما كان منه أولاً، كالذين نهوا عن شيء كانوا يفعلونه، ثم عادوا له بعد النهي، وكالمظاهر الذي امتنع من زوجته وحرم عليه إمساكها ووطؤها، ثم عاد لإمساكها وجماعها. ولم يقل أحد قط إن العود في مثل هذا يكون فعلاً مبتدأ.
وأما قوله: فقد عادت لهُن ذنوب، وعادا بعد أبْوَالاً، وحار رمادًا، فتلك أفعال مطلقة ليس فيها أنه عاد لكذا، ولا عاد فيه. ولفظ العود: الرجوع، وهو يقتضي رجوعًا إلى شيء، ورجوعًا عن شيء. فعند الإطلاق قد يراد الرجوع عن
[تفسير آيات أشكلت: 1/176]
هذه الحال، والحور عنها ونحو ذلك، ويقتضي رجوعًا إلى شيء، ولهذا سمي المرتد عن الإسلام مرتدًا وإن كان ولد على الإسلام ولم يكن كافرًا عند عامة العلماء؛ لكونه رجع عن الإسلام.
* * *
[تفسير آيات أشكلت: 1/177]


التوقيع :
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تعالى, قوله

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir