دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 12 ربيع الثاني 1432هـ/17-03-2011م, 04:47 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَأَرْكَانُ الحَجِّ: الإِحْرام، والوُقُوفُ، وَطَوافُ الزِّيَارةِ والسَّعْيُ قوله: «وأركان الحج» ، سبق في أول المناسك شروط الحج: شروط وجوبه، وشروط صحته، وشروط إجزائه، وقد اعترض بعض الناس على هذا التقسيم: على الشروط، وعلى الأركان، وعلى الواجبات، والسنن، وقال أين هذا في كتاب الله، أو في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وإذا لم نجد ذلك في كتاب الله أو في سنة رسوله فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(1)] ، فيرد على صاحبه، فيقال:
الأمور قسمان:
أمور غائية، وأمور وسيلة.
فأما الأمور الغائية فهي التي هي غاية ومقصودة لذاتها، فإنها لا تفعل إلا بإذن من الشرع، ولا يمكن لأحد أن يشرعها أو يتعبد لله بها.
وأما الأمور التي هي وسيلة فيقصد بها الوصول إلى الغاية، فهذه ليس لها حد شرعي، بل لها قاعدة شرعية وهي أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل تختلف باختلاف الأزمان، واختلاف الأحوال، واختلاف الأماكن، واختلاف الأمم، وإذا كان كذلك فالوسائل بابها مفتوح، فالعلماء ـ رحمهم الله ـ رأوا أن من وسائل تقريب العلم إلى الأذهان، وإلى الحصر أن يقولوا: هذه شروط، وهذه أركان، وهذه واجبات، وهذه سنن، وقالوا: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد فعل هذا المبدأ فنجده أحياناً يقول: ((ثلاثة لا يكلمهم الله)) [(2)]، ((سبعة يظلهم الله في ظله)) [(3)] ، مع أنهم لا ينحصرون في سبعة، ولا ينحصرون في ثلاثة، ولكن هذا من باب تقريب العلم للأفهام.
يبقى النظر فيما إذا قال: هذا شرط، أو هذا واجب، فهنا يطالب بالدليل فيقال له: من أين لك أن هذا شرط، وأن هذا واجب، وأن هذا ركن، وأن هذه سنة؟ هذا هو الذي يطالب فيه الإنسان بالدليل، أما تقسيم الأشياء إلى أقسام تقريباً للأفهام فإنه من باب الوسائل، ولو أردنا أن نسلك هذا المسلك لقلنا أيضاً تقسيم العلم إلى توحيد، وطهارة، وصلاة وزكاة وصيام وحج وبيوع ورهان وما أشبه ذلك، أيضاً هذا بدعة، أين في السنة أنها قسمت هكذا؟ فينبغي للإنسان أن يكون فهمه واسعاً، وأن يعرف مقاصد الشريعة، وأن لا يجعل الوسائل مقاصد، فإنه بذلك يضل، ويبدع أناساً كثيرين من أهل العلم المحققين.
حينئذٍ نقول: تقسيم العلم إلى أبواب ليس به بأس، وتقسيم الأبواب إلى شروط، وأركان، وواجبات، ومستحبات ليس به بأس؛ لأننا نريد أن نقرب العلم كما كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يستعمل تقريب العلم، لكن بأساليب مختلفة.
وقوله: «وأركان»: جمع ركن، والركن هو جانب البيت الأقوى، وهي التي تسمى عندنا بالزاوية، وهي أقوى ما في الجدار، وسمي ركناً؛ لأن بعضه يسند بعضاً حيث يتلاقى به طرفا الجدار لأن جانب الشيء الأقوى يسمى ركناً.
قوله: «الإحرام» هذا هو الركن الأول، سبق لنا أن الإحرام هو نية النسك، وليس لبس ثوب الإحرام؛ لأن الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرماً ولو كان عليه قميصه وإزاره، ولا يكون محرماً ولو لبس الإزار والرداء إذا لم ينو.
والنية محلها القلب فيكون داخلاً في النسك إذا نوى أنه داخل فيه، لكن يجب أن تعرف الفرق بين من نوى أن يحج، ومن نوى الدخول في الحج، فالثاني هو الركن، أما من نوى أن يحج فلم يحرم، فلا صلة له بالركن ولهذا ينوي الإنسان الحج من رمضان ومن رجب ومن قبل ذلك، ولا نقول إن الرجل تلبس بالنسك أو دخل في النسك أو أحرم.
وهل يشترط مع النية لفظ؟ الصحيح أنه لا يشترط.
ومن العلماء من قال: إنه لا بد من التلبية مع النية، وجعل التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة.
والدليل على أن الإحرام ركن، قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(4)].
قوله: «والوقوف» هذا هو الركن الثاني، أي: بعرفة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((الحج عرفة)) [(5)] ، ولقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}[البقرة: 198] ، فقوله: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} يدل على أن الوقوف بعرفة لا بد منه، وأنه أمر مسلم وأن الوقوف بالمزدلفة بعد الوقوف بعرفة.
قوله: «وطواف الزيارة» ، هذا هو الركن الثالث.
ويقال له: طواف الإفاضة، وهو الطواف الذي يقع في يوم العيد أو ما بعده ومراده الطواف بالبيت.
ويشترط أن يقع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، فلا يصح أن يطوف قبل عرفة ولا مزدلفة، لا بد أن يطوف بعدهما لقول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ، فمزدلفة تلي عرفة، وقال لما ذكر ذكر النحر والذبح: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج] ، فجعل الطواف بعد الوصول إلى منى هو كذلك، وعليه فيشترط لصحة طواف الإفاضة أن يكون بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة، وعليه فلو أن الإنسان انطلق من عرفة ليطوف طواف الإفاضة، ثم عاد إلى مزدلفة وبات بها، فطوافه لا يصح ويكون نفلاً.
ودليل ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج] الشاهد قوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا}؛ لأن الجملة هذه فعل مضارع مقرون بلام الأمر فيكون أمراً.
قوله: «والسعي» هذا هو الركن الرابع، وهو المذهب، وقيل: إنه واجب يجبر بدم، وقيل: إنه سنة، وهذا أضعف الأقوال، وأصح الأقوال أنه ركن لا يتم الحج إلا به، والدليل على ذلك ما يلي:
أولاً: قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] .
ثانياً : قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)) [(6)].
ثالثاً : قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «والله ما أتم الله حج رجل ولا عمرته لم يطف بهما» [(7)] ، أي: بالصفا والمروة.
فإن قال قائل: كيف تقولون: إن السعي بين الصفا والمروة ركن، وقد قال الله تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ونفي الجناح لا يدل على الوجوب، بل يدل على رفع الإثم فقط، فكيف تجعلونه ركناً لا يصح الحج إلا به؟! هذا إيراد وارد.
قلنا: إن قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} يكفي دليلاً في مشروعية السعي حيث جعلهما من شعائر الله، وقد قال الله تعالى: {ومَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} والطواف بهما تعظيم لهما، فيكون قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}دليلاً على أن من طاف بهما فقد عظم شعائر الله وأنه لا جناح عليه.
وأما قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، فهذا رفع توهم وقع من بعض الناس حين نزول الآية، وذلك أنه كان على الصفا والمروة صنمان يعبدان من دون الله، فتحرج المسلمون من أن يطوفوا بالصفا والمروة، وعليهما صنمان قبل الإسلام، فنفى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذلك الجناح؛ ليرتفع الحرج عن صدورهم، فكان الغرض من نفي الجناح رفع الحرج عن صدورهم، حتى لا يبقى فيها قلق.
هذه أربعة أركان.
مسألة: زاد بعض العلماء المبيت بالمزدلفة، واستدلوا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 198، 199] ، ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في حديث عروة بن المضرس -رضي الله عنه-: «من شهد صلاتنا هذه -يعني الفجر- ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه»[(8)] ، ففهم منه أن من لم يقف بالمزدلفة لم يتم حجه، وإلى هذا ذهب بعض السلف والخلف، وهو بلا شك قول قوي وقد مال إليه ابن القيم.
لكن الذين قالوا: إنه ليس بركن، قالوا: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:((الحج عرفة، من جاء قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك)) [(9)].
وأجابوا عن حديث عروة -رضي الله عنه- بأن الإتمام يكون على وجوه: تارة يكون إتماماً لا يصح الشيء إلا به، وتارة يكون إتماماً يصح الشيء بدونه مع التحريم، وتارة يكون إتماماً يصح الشيء بدونه مع نفي التحريم، والمراد بالإتمام في حديث عروة بالنسبة للمزدلفة إتمام الواجب الذي تصح العبادة بدونه، وهذا هو رأي الجمهور.
ومن العلماء من قال: إن الوقوف بالمزدلفة سنة وليس بركن ولا واجب؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الحج عرفة».
لكن أعدل الأقوال وأصوبها أنه واجب، وليس بركن والإنسان يتحرج أن يقول لشخص وقف بعرفة وطاف وسعى ولكنه يقف بالمزدلفة: إنه لا حج لك، ولكن يقول له: حجك صحيح وعليك دم، كما سيأتي في الواجبات.



[1] سبق تخريجه ص(158).
[2] انظر على سبيل المثال: «صحيح مسلم» (106)، (107)، (108).
[3] أخرجه البخاري في الأذان/ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة... (660)؛ ومسلم في الزكاة/ باب فضل إخفاء الصدقة (1031) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[4] سبق تخريجه ص(68).
[5] سبق تخريجه ص(19).
[6] سبق تخريجه ص(269).
[7] أخرجه مسلم في الحج/ باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن... (1277).
[8] سبق تخريجه ص(231).
[9] سبق تخريجه ص(19).


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أركان, الحج

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir