دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الأقسام العامة > المنتديات > المنتدى العام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الأولى 1433هـ/12-04-2012م, 09:38 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الاغتباط بالتخلص من الإحباط

الاغتباط بالتخلص من الإحباط

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيه أما بعد:

فإن الإحباط شعور يَعْتَوِرُ الإنسان فيُقْعِدُه عن العمل لتحقيق الأمل، ويُسْلِمُه إلى العجز والكسل، ويصيبه بآفات تفتك بالعزيمة وتنحرف بالإرادة، حتى تذيقه حسرة الخسران، ومرارة الحرمان، وتعزله عن ميدان النجاح والفلاح.
وهذه القضية النفسية التي لها آثار خطيرة وأضرار كبيرة لم يكن الله ليتركنا فيها بلا هدى نهتدي به، ولا فرقان نميّز به ما نأتي وما نذر، بل بيّن الله لنا فيها ما يشفي ويكفي، ويغني من يؤمن بالله ويتّبع هداه عن كثير مما يتكلفه الناس اليوم في معالجة هذه الآفة الخطيرة، قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) }
ولن نجد لأداوائنا أحسن من الشفاء الذي يأتينا من ربّنا الذي خلقنا ولم نك من قبل شيئاً، وأبدع تفاصيل خلقنا، وعلم دقائق شؤون أنفسنا، وما يعترضها من الآفات، وما تحتاجه ليتمَّ لها الشفاء.
وجعل مع هذا الشفاء هدى نهتدي به، ورحمة نتفيّؤها ونحيا بها، وموعظة ننتهي بها عن أسباب الشقاء وما يوردنا المهالك، فمن اتّعظ بمواعظ الله، واتّبع هداه، وقَبِل رحمته واستعدّ لشفاء ما في صدره؛ فقد تمّ له فرحه، وانشرح صدره، واطمأنّ قلبه، وقرّت عينه، وطابت حياته، {قل بفضل الله وبرحمته} قدّم الجارّ والمجرور لإفادة التعظيم المشعر بالحصر، وأكّد ذلك بقوله: {فبذلك فليفرحوا} فهو أحقّ ما يفرح به.
فمن وجد هذا الفرَح الإيمانيّ في نفسه فهو في خير عظيم، وعلى هدى مستقيم.
ومن قلّ نصيبه منه فليراجع نصيبه من الأسباب الأربعة؛ فتقصيره فيها هو الذي أورثه ضعف الفرح، واضمحلال البهجة، واستيلاء الخوف والحزن عليه.

وهذه المقالة أردتّ أن بيّن فيها بعض أسباب معالجة هذه الآفة الخطيرة، ببيان بعض ما أرشد الله إليه في القرآن العظيم الذي قال فيه: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} فهو أقوم في كل شيء في العقائد والأحكام والسلوك والأخلاق والتزكية.
ثمّ بيان بعض ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بهديه الذي هو أحسن الهدي في كل الأمور، كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
« إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد » رواه النسائي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

قال سفيان بن عيينة: «إن رسول الله ﷺهو الميزان الأكبر، فعليه تُعرض الأشياء، على خلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل» رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

وأصل هذه القضية الكبيرة أن الشعور باليأس والإحباط والفشل وعدم جدوى الأسباب كلّ ذلك من إلقاءات الشيطان على الإنسان ليحزنه ويضعفه ويستحوذ عليه، ثم يملي عليه ما شاء حتى يورده المهالك، وقد حذرنا الله من كيد الشيطان ومكره واتباع خطواته؛ فقال تعالى: ﴿ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
فأصل الفوز والفلاح: حسن الظنّ بالله واتّباع هداه.
وأصل الخيبة والحرمان: سوء الظنّ بالله، والإعراض عن هداه.

والشعور باليأس والإحباط يدل على أمرين:
أحدهما: أن المصاب به ليس على يقين من صحة المسلك الذي يسلكه.
والآخر: أن لديه شيء من آثار سوء الظن بالله عز وجل وضعف في الإيمان به والتصديق بوعده.

وهو فرصة لمحاسبة النفس، وتصحيح الخطأ، وتقويم المسار، فإذا صحح العبد أخطاءَه وهذَّب نفسه وطهّرها من كلّ ما لا يرضي الله؛ فينبغي أن يكون على يقين تام بأنه على الحق، وأن يتوكل على الله، ويثق بوعده ونصره، ويقطع على الشيطان محاولاته في التشكيك والتيئيس.
وهذا عام في كل القضايا التي تعترض الإنسان والهموم التي تواجهه سواء أكانت دعوية أم اجتماعية أم مالية أم غيرها، والأدلة في الكتاب والسنة على هذه الحقيقة الكبيرة كثيرة:
منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً)) (تغدو: تذهب في أول النهار، وتروح: ترجع في آخره، خماصاً: جياعاً، بطاناً: شبعى)
وقال تعالى: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وقال: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
والله عز وجل كريم وهاب لا يُرَغِّبُ في شيء ثم يخلف وعده أبداً، فمن سأل الله وهو مصدق بوعده مؤمن به متوكل عليه فليكن على يقين تام بالإجابة، فليصبر وليحتسب وليبذل ما يستطيع من الأسباب التي هدى الله إليها حتى يأتيه فرج الله، وليحذر كل الحذر أن يقطع عليه الشيطان الطريق ويحول بينه وبين التصديق بوعد الله فيبقى أسير همومه وضيق حاله، فلا هو سلم من الأذى، ولا هو صبر فظفر بوعد الله.

وهذه المواقف تتجلى بحق في الأزمات، وانظر إلى مواقف الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه كيف تجلى لديهم اليقين بالله وبصدق وعده، واليقين بصحة منهجهم ومسلكهم؛ فهذا موسى عليه السلام خلد الله له في القرآن هذا الموقف المشرف العظيم إذ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
فالبحر أمامه والعدو خلفه، ومع ذلك لم يتزعزع إيمانه بالله تعالى ، ولم يسئ الظن به جل وعلا، ولم تجعله المواقف الشديدة يشكّ في صحّة منهجه، وحسن عاقبة من يتّبع هذا المنهج.

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى فيه: ﴿ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
ولما شكى إليه أبو بكر قال له: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!!))

وانظر إلى هذا الموقف العظيم الذي سجله الله لهود عليه السلام وجعل له سورة في القرآن الكريم تنويهاً بذكره وتشريفاً له وحثاً على الاتساء به، قال تعالى: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
تأمل كيف يفيض خطابه لقومه عزة وثقة وإيماناً وثباتاً، وكيف تحدَّاهم وهم قوم جبابرة عتاة مستكبرون؛ فلم يستطيعوا أن يضروه شيئا مع حرصهم على إيذائه والفتك به، فلم يخفهم وذلك لتوكله على الله وقوة إيمانه ويقينه به.
وقوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
فيه معنى الثقة بعدل الله وصدق وعده ونصره لأوليائه، فيمتنع أن يخذل من آمن به وتوكل عليه وسعى في مرضاته.

وهكذا فليكن الإيمان واليقين بالله، فإن الله تعالى يحب أن يُحسَن الظن به، ويحب أن يجيب دعاء الداعي المؤمن به.

وفي الحديث القدسي: [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما شاء]
وهذا الحديث خطير جداً وفيه بيان سر عظيم من أسرار القضاء والقدر، فالقضاء على نوعين: خير وشر، وكلاهما يجب الإيمان به.
وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل.
كما قال تعالى: ﴿ وذَ ‌ٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وقال: ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾
والله عز وجل يمقت من يسيء الظن به، وقد توعد من أساء الظن به بالعذاب العظيم، وبين أن سوء الظن بالله من ألصق صفات الكفار والمنافقين، قال تعالى: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
فليحذر المسلم من التشبه بالكفار والمنافقين في هذه الخصلة الذميمة.

فإذا أحسن العبد الظنّ بربّه علم أنّه ما من بلاء يُبتلى به إلا ولله فيه هدى يحبّ أن يُتّبع فيه، عظم هذا البلاء أم صغر؛ فيحمله ذلك على طلب هدى الله في ذلك البلاء، ومن استهدى الله هداه الله؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: [يا عبادي كلكم ضالّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم].

وإذا اجتمع للعبد الطمأنينة بالهدى والثقة بحسن العاقبة اطمأنّ قلبه وقويت نفسه حتى تدفع كيد الشيطان ولم يضرّها ما يلقيه مما يحاول به تحزينه وتيئيسه وتشكيكه في صحّة ما يتّبعه من هدى الله.
وهذه القوّة النفسية لها أثرها العظيم في دفع كثير من الآفات، بل هي أصل للقوى النافعة،
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المؤمِن القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعِن بالله ولا تعجَز وإن أصابك شيء فلا تقُل لو أني فعلتُ كان كذا وكذا ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
فهذا الحديث العظيم يبين للمؤمن منهجه في طلب ما يحتاجه والأخذ بأسباب القوة ويسلم به من كيد الشيطان.
- ((المؤمِن القويّ خير وأحبّ إلى الله مِن المؤمِن الضعيف)) وصف القوي في الحديث يشمل جميع معاني القوة وأولها قوة الإيمان بالله تعالى وقوة الإخلاص وقوة العزيمة على فعل الخير، وكل مؤمن كان قوياً في أمرٍ من الأمور وشكرَ الله تعالى على هذه القوة؛ فهو خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في ذلك الأمر.
وهذا يشمل جميع معاني القوة من قوة البدن والعلم والمال والجاه وغيرها.
- ((وفي كلٍّ خَير)) لأن المؤمن ولو كان فيه ضعف فأصل الخير فيه لإيمانه، وهذا فيه تنبيه للقوي على ألا يزدري الضعيف.
- ((احرِص على ما ينفعك)) هذا فيه الحث على الاجتهاد في بذل الأسباب، و((ما ينفعك)) عام في أمور الدين والدنيا؛ فكل ما ينفع المؤمن فهو مطالب بالحرص عليه، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع.
فمن زعم أنه متوكل على الله وأن قلبه لا يتعلق بغيره وهو لا يبذل الأسباب المشروعة لطلب الرزق وما يحتاج إليه من أمور الدنيا فهو كاذب، والامتحان يكشف يكذبه، فإنه إذا احتاج انكشف تعلّق قلبه.
- ((واستعِن بالله)) فإن العبد لا يدرك شيئاً من الخير إلا بعون الله تعالى وتوفيقه، وهذه الاستعانة تعلِّق قلبه بالله وتدفع عنه التعلق بالأسباب.
- ((ولا تعجَز)) العجز هو القعود عن بذل الأسباب مع إمكانها.
- ((وإن أصابك شيء فلا تقل لوْ أني فعلتُ كان كذا وكذا ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل)) وهذا حال المؤمن حين يصيبه ما يكره من مصيبة بفقد ما يحب أو فوات ما يطلب من الخير؛ وإذا بذل الأسباب ولم يحصل له مطلوبه فليحسن الظن بالله وليرض بقضائه وليرج ثوابه فيما أصابه.
والمؤمن إذا اجتمع في قلبه حسن الظن بالله والرضى بقضائه علم أن ما تطلبه نفسه لن يفوتها؛ فهو إما أن يعجل لها فتهنأ به، وإما أن يؤخر لها أو تعوض خيراً منه وإذا أخَّر الله لعبده المؤمن تحقيق ما يطلب فليعلم أن هذا التأخير خير له، لأن الله تعالى يختار لعبده فيأتيه حين يأتيه وهو على حال أكمل وأفضل.
من طلب التعطر وثوبه متسخ كان إلى تنظيف ثوبه أحوج منه إلى ما طلب من الطيب، فلو أخر عنه الطيب حتى ينقى ثوبه مما به حتى يأخذه وهو على حال النظافة والنقاء لكان ذلك أجمل في حقه وأكمل.
فإذا أُخّرَ عنك شيء من الخير فاعمد إلى تطهير قلبك.
وقد قال الله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم تشكرون} وهذه الآية تبيّن حقيقة عظيمة من حقائق الابتلاء ومقاصده، وهي أنّ الله لم يكن ليبتلينا من أجل أن يهلكنا بالبلاء أو يوقعنا في الحرج، ولكن يريد أن يطهّرنا، فيطهّر قلوبنا من التعلّق بغيره والركون إلى الدنيا ومتاعها وشهواتها وتعظيم الأسباب المادية، ويطهّر مقاصدنا وأعمالنا من أن نشرك به شيئاً أو نقصد ما لا يرضاه من الكبر والطغيان، والبغي والعدوان، والحقد والحسد، وغيرها من المقاصد السيئة التي يكون في بعض القلوب اشتمال على بعضها؛ فيأتي البلاء ليطهّر القلب من هذه المقاصد والأعمال القلبية السيئة.
ويطهر أقوالنا أيضاً من كلّ ما لا يرضاه، وأمر القول عند ورود المصيبة ونزول البلاء مهمّ جداً؛ فالقول الذي يقوله العبد عند ورود البلاء له أثر عظيم؛ فإن قال ما يرضي الله من القول الطيب الصادر عن قلب راضٍ بالله يحسن الظنّ به كان ذلك من أعظم أسباب توفيقه ونزول السكينة والرحمة عليه وتأييد الله له: {وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
وقال عن عباده الذين أثنى عليهم ثناء يغري بالاتساء بهم: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين . وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين} ،فهؤلاء قد أحسنوا القول لمّا حضرهم الابتلاء ببأس الأعداء فطهّروا قلوبهم وأقوالهم واستغفروا لذنوبهم ليحققوا كمال التطهّر ؛ فنزل عليهم التأييد ونالوا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ثبتوا في غزوة أحد: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}.
وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن عند ورود البلاء، أن يطهّر قلبه ومقاصد وأن يحسن القول ويحسن الظنّ بالله ويستغفر لذنوبه فيأتيه التأييد وينال العاقبة الحسنة بإذن الله تعالى.
ولتتبيّن هذه الحقيقة تأمل حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم.
فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم.
فيقول: ماذا قال عبدي؟
فيقولون: حمدك واسترجع.
فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسمّوه بيت الحمد).
رواه الترمذي وابن حبان.
فكان السؤال عن قول العبد حين أصابته المصيبة له أثر عظيم.
وهذه قضية يغفل عنها من يتعلّق بالأسباب المادية فتراه يتفوّه بكلام يدل على سوء الظنّ بالله والتسخط على قضائه وقدره والتعلّق بالأسباب الدنيوية، والله تعالى يريد أن يطهّرنا من ذلك.

وخلاصة القول: أن المخرج من الإحباطات والشعور بالفشل يكون بأمور:
الأمر الأول: الجمع بين اليقين والتوكل؛ فيكون عند المؤمن يقين عظيم بأنه على الحق، وذلك يُدرك بالعلم الصحيح، فشعور المؤمن بأنه على الحق يدفع عنه أذى كثيراً من شياطين الإنس والجن وتضليلاتهم وقلبهم للحقائق وتسميتهم للأمور بغير اسمها، وعذل الجهلة له، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فلما اشتد نكير الكفار عليه واجتمعت كلمتهم على وصفه بأبشع الأوصاف واتهامه بالكذب والسحر والجنون وطلب الرياسة وأنه داعية ضلال كما قالوا: ﴿ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا أتاه التثبيت من الله ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ
فجمع بين اليقين بأنه على الحق المبين، وهذا يورثه إقداما وشجاعة وثباتاً على الحق.
والتوكل على الله يفيض على قلبه من الطمأنينة والانشراح والتصديق بوعد الله ما يذهب عن القلب آثار كيدهم وتضليلهم.
وتحقيق التوكل يكون بصدق الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه وفعل ما هدى إليه من الأسباب.
ومن حقق اليقين والتوكل استراح، وأتاه ما يرجو و خير مما يرجو؛ مع ما يُدَّخر له من الثواب العظيم.
فإذا أتبعَ ذلك بعبادة الرضا فقد كمَّل هذه المقامات وذاق طعم الإيمان ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا)).

الأمر الثاني: التصديق بوعد الله، وحسن الظن به، وتتبع -هداك الله - ما ذكره الله في كتابه الكريم، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الوعود الكريمة فاعتنِ بها عنايتك بالكنوز العظيمة فإنها وعود حق لا تتخلف أبداً ﴿ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
ومتى امتلأ قلبك بالتصديق بوعد الله، وصدقت في بذل ما تستطيع من الأسباب: تخلصت من اليأس والإحباط ((واعْلَم أنّ النَّصرَ مع الصّبر وأن الفرج مع الكَرب وأنَّ مع العُسرِ يُسراً)).
الأمر الثالث: الاستعاذة بالله من نزغات الشياطين، وما تلقيه في قلب العبد من الوساوس والخطرات المضلة والمردية. ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ
الأمر الرابع: أن يعلم العبد أنه لا يُكلَّف من الأسباب إلا ما يستطيع ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ، ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا وما زاد على قدر الاستطاعة فلا يكلَّف به، وهذه الأسباب مع صدق التوكل كافية في تحقيق ما وعده الله به.

الأمر الخامس: أن يعلم أنّ مدار الابتلاء على تحقيق أمرين عظيمين؛ من حققهما فقد نجح في الابتلاء وتكفّل الله له بالعاقبة الحسنة والأجر العظيم، وهما: الصبر والتقوى؛ كما قال الله تعالى: {فاصبر إن العاقبة للمتقين}، وكما قال يوسف عليه السلام فيما حكى الله عنه: {إنّه من يتّق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}.
فإذا اشتدّت عليك البلوى فاعلم أن انجلاءها بالصبر والتقوى.
وغاية الصبر إلى أن يحكم الله ؛ فلا تستعجل ولا تيأس، واعلم أنّك ما دمت متّبعاً لهدى الله فكلّ تأخّر هو خير لك؛ {واتّبع ما يوحي إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}

شعر:
ألا رُبّ من يشتكي دهْرَه .. تشكّي المريض لما يألم
ويُلقي الملام على غيره .. ويُشقي الفؤاد وقد يظلم
ولم يفقه السرّ في أنّه .. مرادٌ به به القدر المحكم
فلله في كلّ حادثة .. يقدّرها حكم فاعلموا
وهل أنت إلا امرؤ مبتلى .. أتتّبع الحقّ أم تأثم
إذا كنت متّقيا صابراً .. فماذا يضيرك ما يُبرم

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، ونسألك قلوباً سليمة وألسنة صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب.



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 جمادى الأولى 1433هـ/12-04-2012م, 10:32 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل,
انتفعت كثيرا بماكتبت.

شيخنا , قلت : وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل.
فهل توقع فشل أمر معين , لوجود بعض الإشارات والعلامات لذلك , ووقع, هل يعتبر مثل هذا من سوء الظن بالله؟

بارك الله في علمك وعملك.


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 جمادى الأولى 1433هـ/12-04-2012م, 02:48 PM
نهال بنت القاضي نهال بنت القاضي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 878
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا و بارك فيكم
كلمات رائعة اللهم بارك

و لي سؤال شيخنا، و سؤالي على نفس الجزئية التي سألت فيها أم سفيان "فالقضاء على نوعين: خير وشر، وكلاهما يجب الإيمان به.
وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل."
و لكن سؤالي هو: أليس أيضًا قضاء الشر يكون أحيانًا في ظننا شر، لكنه في الحقيقة خير ، و يكون للعباد المؤمنين، و أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؟ و أن الابتلاء بالشر يكون -مع صبر العبد و رضاه و شكره- سببًا لتكفير السيئات و رفع الدرجات؟

و جزاكم الله خيرا و نفع بكم
اللهم آمين

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 جمادى الأولى 1433هـ/13-04-2012م, 12:21 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سفيان مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل,
انتفعت كثيرا بماكتبت.

شيخنا , قلت : وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل.
فهل توقع فشل أمر معين , لوجود بعض الإشارات والعلامات لذلك , ووقع, هل يعتبر مثل هذا من سوء الظن بالله؟

بارك الله في علمك وعملك.
آمين، ولك بمثل، وجزاك الله عني خيراً.
توقع الفشل وعدم نجاح بعض الأسباب المادية لقرائن وأمور معقولة تشير إلى ذلك: ليس من سوء الظن بالله .
سوء الظن بالله يكون في مثل هذه الأمور في جانبين:
الجانب الأول: أن يظن أن الأسباب الشرعية التي وعد الله بالنفع بها لا تنفعه، مثل الدعاء والتوكل والتقوى ونحو ذلك، وهذه الحال قد تعرض لبعض المسلمين ليس عن اعتقاد جازم، وإنما هي إلقاءٌ من الشيطان يساكنه فيؤثر فيه ويحصل بذلك ما يحصل له من سوء الظن بالله جل وعلا، ولو أنه سُئل : هل تعتقد أن الدعاء ينفع؟ لأجاب بنعم.
أما من أنكر استجابة الله للدعاء وأن النفع والضر بيد الله فهذا مكذب لله تعالى خارج عن الملة، فهذا الاعتقاد لا يصدر من مسلم.
وإنما الشائع لدى المحبطين هو ما تقدم من تأثرهم بما يلقي الشيطان، وأما من جاهد وساوس الشيطان وطهر قلبه من سوء الظن بالله؛ فهو مؤمن مجاهد.
الجانب الآخر: أن يظن أن الله يختصه بأن يضيق عليه في الأسباب المادية حتى لا يجعل له مخرجاً فيكون في قلبه سوء ظن بالله وسخط واعتراض على قضائه وقدره،
كما قال المعري:
إذا كان من يشقى برزقك عاقل = وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب العباد على امرئ = رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا

فهذا الصنف هو الذي وقع في الحرج والضيق وسوء الظن بالله جل وعلا، والسنة الكونية أنهم يعاقبون على سوء ظنهم بالله جل وعلا في الدنيا قبل الآخرة.
وسوء ظنهم بالله إنما كان سببه ما في قلوبهم من التعلق بالدنيا والرقِّ لها، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على أصحاب هذا الصنف فقال: (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)). رواه البخاري.
قال العلماء: هذا دعاء عليه بالتعاسة والانتكاسة فهو من نكبة إلى نكبة، وكلما أصابه بلاء لم يهتد للخروج منه، كما يتعسر على من غارت الشوكة في قدمه أن يستخرجها.
وهذا من صفات المنافقين كما قال الله تعالى فيهم: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون}.

فالذي يعتقد أن الله لا ينفعه بالأسباب الشرعية أو يختصه بأن لا ينفعه بالأسباب المادية حتى يضيق عليه ولا يجعل له مخرجاً فهو مسيء للظن بالله جل وعلا.
وهذا لا يعارضه من يبتلى ببعض الابتلاءات فيطول عليه أمدها؛ فإن طول أمد البلاء يكون خيراً للمؤمن إذا صبر ورضي، وما يفتحه الله له من فضله ورحمته وبركاته خير له مما فاته.
فإذا أتاه الفرج كان فيه من العوض ما هو خير له مما فاته، فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، والمعونة من الله على قدر المؤونة.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الأولى 1433هـ/13-04-2012م, 12:43 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت القاضي مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا شيخنا و بارك فيكم
كلمات رائعة اللهم بارك

و لي سؤال شيخنا، و سؤالي على نفس الجزئية التي سألت فيها أم سفيان "فالقضاء على نوعين: خير وشر، وكلاهما يجب الإيمان به.
وسبب قضاء الشر: سوء الظن بالله عز وجل."
و لكن سؤالي هو: أليس أيضًا قضاء الشر يكون أحيانًا في ظننا شر، لكنه في الحقيقة خير ، و يكون للعباد المؤمنين، و أن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؟ و أن الابتلاء بالشر يكون -مع صبر العبد و رضاه و شكره- سببًا لتكفير السيئات و رفع الدرجات؟

و جزاكم الله خيرا و نفع بكم
اللهم آمين
آمين ، ولك بمثل، وجزاك الله عني خيراً.
وقضاء الله تعالى هو من جهة فعله جل وعلا الذي هو تقديره خير كله دائماً ، فالله تعالى لا يقضي شيئاً عبثاً ، وله في كل ما يقضيه ما يستحق عليه الحمد.
وأما من جهة المخلوقات والمقدرات ففيها الخير والشر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث جبريل في معرض بيان معنى الإيمان: ((وتؤمن بالقدر خيره وشره))
فالمقدَّر يكون فيه خير وفيه شر.
وأما فعل الله تعالى فهو خير كله ، حتى خلقه لإبليس وللكفار والظلمة فيه من الخير والحكمة والمصالح الشرعية بالابتلاء ما هو خير عظيم، وأما بالنسبة للعباد فالمؤمن يكون قضاء الله له كله خير بشرط أن يقوم بواجب الإيمان من الصبر على الضراء والشكر إذا أصابته سراء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله له خيرٌ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)) رواه مسلم من حديث صهيب.
وفي الباب حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له)) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه وأبو يعلى وابن حبان وصححه الألباني.
فالمؤمن لا يكون له القضاء إلا خيراً ما دام قائماً بالإيمان.
فإن عصى ربما أصابه شيء من الشر فيكون شراً من وجه وخيراً من وجه آخر، شر لأنه عقوبة وعذاب، وخير لأنه كفارة له بإذن الله.

وهذا رابط لموضوع ذو صلة بالسؤال:
http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=8441

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 جمادى الأولى 1433هـ/13-04-2012م, 08:28 AM
نهال بنت القاضي نهال بنت القاضي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 878
افتراضي

جزاكم الله خيرا

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 جمادى الأولى 1433هـ/13-04-2012م, 10:39 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

جزاك الله خيراً ,
إجابه شافيه.


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الأولى 1433هـ/13-04-2012م, 11:19 PM
عبد الملك عبد الملك غير متواجد حالياً
المسار المفتوح
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
الدولة: مصر
المشاركات: 15
افتراضي

جزاكم الله خيرا ، وبارك فيكم وفي علمكم وعملكم أسأل الله لنا ولكم الإخلاص في القول والعمل
حقا معالجة نافعة اللهم بارك ، كأنما لامست جرحا
أسأل الله أن يرزقنا صدق التوكل عليه وحسن الظن به
يحضرني في هذا المضمار يقين البطل خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو مما يتعجب له العجب
هذا البطل الواثب، والسيف الضارب؛ يحاصر ذات مرة بلدة من البلدان الروم قنسرين؛ فتستعصي عليه هذه المدينة، فيكتب رسالة لقائدها من قلب صادق تخرج الكلمات منه صواعق وقذائف، يقول لذلك القائد الرومي - وهو قائد بلدة قنسرين -: "من خالد بن الوليد إلى قائد الروم في بلدة قنسرين، أما بعد: فأين تذهبون منا، والله لو صعدتم إلى السماء لأصعدنا الله إليكم، أو لأمطركم علينا"، فما كان من ذلك الرجل إلا أن رعب وفزع، وألقى الله الرعب في قلبه، فقال: اخرجوا، وافتحوا أبواب المدينة لا طاقة لنا بهؤلاء.
وهو هو صاحب ذالكم اليقين الذي جعله يشرب سما فكان له دواءا
"وقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم ، فقال : ائتوني به [ ص: 259 ] فأتوه به ، فأخذه بيده ثم قال . بسم الله ، واقتحمه ، فلم يضره . فكأن المصنف رمز إلى أن السلامة من ذلك وقعت كرامة لخالد بن الوليد ، فلا يتأسى به في ذلك لئلا يفضي إلى قتل المرء نفسه ." فتح الباري بشرح صحيح البخاري


وأسوق هنا حادثة وقعت يرويها الشيخ وحيد بن عبد السلام بالي حفظه الله في زماننا مثالا رائعا لليقين

* أحد الشباب كان مستقيماً يدعو إلى الله في قريته وفي خارجها ، كان يخطب في الناس ؛ يدعوهم إلى العقيدة الصافية ويحذرهم من الذهاب إلى السحرة المعادين لله ، ويعلمهم أن السحر كفر .
وكان في القرية ساحر مشهور ، كلما أراد شاب الزواج ذهب إليه ليعطيه المبلغ الذي يطلبه وإلا كان جزاؤه أن يعقد عن زوجته ؛ فلا يجد بداً من العودة إلى الساحر ليفك له السحر وحينئذ يأخذ الثمن مضاعفاً لأنه لم يحترم الساحر قبل الزواج
كان الشاب المستقيم يحارب السحر علانية باسمه ويفضحه ويحذر الناس منه ، ولم يكن قد تزوج بعد ، لذلك كان الناس ينتظرون ما الذي سيحدث يوم زواجه
وأقبل الشاب على الزواج فجاءني وقص علي القصة فقال :
إن الساحر يتوعدني وإن أهل القرية ينتظرون لمن ستكون الغلبة ، فما رأيك ؟ هل تستطيع أن تعطيني شيئاً من التحصينات ضد السحر ، خاصة وأن الساحر سيبذل قصارى جهده وسيصنع أشد سحره لأنني قد أهنته كثيراً
فقلت : نعم أستطيع ولكن بشرط أن ترسل إلى الساحر وتقول له : إنني سأتزوج في يوم كذا وكذا وأتحداك فاصنع ما شئت وأحضر معك من شئت من السحرة إن لم تستطع . واجعل هذا التحدي علناً أمام الناس .
قال : هل أنت متأكد ؟
قلت : نعم .. متأكد أن الغلبة للمؤمنين وأن الذل والصغار على المجرمين
وفعلاً أرسل الشاب للساحر متحدياً وانتظر الناس في لهفة وشوق هذا اليوم العصيب
وأعطيت الشاب بعض التحصينات .. وكانت النتيجة أن تزوج الشاب ودخل بأهله ولم يؤثر فيه سحر الساحر .. واندهش الناس وتعجبوا ، وكان هذا الأمر نصراً للعقيدة ودليلاً على صمود أهلها وحماية الله لهم أمام أهل الباطل .. وارتفع شأن هذا الشاب بين أهله وعشيرته وسقطت هيبة الساحر والله أكبر ولله الحمد وما النصر إلا من عند الله .
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة " الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار– علاج بعض أنواع السحر " وحيد بالي شريط 4
نقلت تفريغها من موقع صيد الفوائد



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض ، مما يرون من ثواب أهل البلاء " حسنه العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة
يقول القحطاني رحمه الله في نونيته :
بالله ثق وله أنب وبه استعن فإذا فعلت فأنت خير معان
وإذا عصيت فتب لربك مسرعا حذر الممات ولا تقل لم يان
وإذا بليت بعسرة فاصبر لها فالعسر فرد بعده يسران

أرجوا المعذرة ، لعلها إساءة أدب أن يتحدث مثلي في حضرتكم ، أسأل الله حسن الأدب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


التوقيع :
قد استرد السبايا كل منهزم ... لم يبق في أسرهم إلا سبايانا
وما رأيت سياط الظلم دامية ....إلا رأيت عليها لحم أسرانا
هل ترى يا أمتي ألقاك يوما .....تكتبين لنا من النصر المفاخر
ذلك الحلم الذي أرجوه دوما ......أن أراك عزيزة والله قادر
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 جمادى الأولى 1433هـ/14-04-2012م, 09:24 PM
الصورة الرمزية محمد بدر الدين سيفي
محمد بدر الدين سيفي محمد بدر الدين سيفي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: الجزائر(صانها الله تعالى وسائر بلاد المسلمين)
المشاركات: 1,159
افتراضي

جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب: فكلماتكم ( تذكيرية للثبات وتحفيزية للنبات ) ؛ الثبات على الحق والعقيدة السّلفية المحضة ، والنّبات بالأعمال الصالحات المبنية عليها وأن لا نيأس أو نقط..والله المستعان..

وأحببت شيخنا الكريم -بعد الإذن من جنابكم- أن أَذكُـر بعض الفوائـد على قول الله تعالى [ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ]. وقد ضمنتموها مقالكم ، وكان من الموافقات العجيبة أني كتبتُ هذه الآية -أثناء القراءة في إحدى الكتب- وبلون أحمر على صبورة صغيرة في المكتبة المنزلية الخاصة بي لكي تكون نصب عيناي للثبات والنبات، ونظرا للانشغالات -والله المستعان-أنساني الشيطان الرجوع لتفسيرها ، وقد كان مقالكم سببـًا في مراجعة بعض التفساير لأهل العلم على الآية، والتي منها : قول الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور -رحمه الله-كما في (التحرير والتنوير) على قوله تعالى [
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ] ؛ قال: " وفي الآية إشارة إلى أن الذي يعلم أن الحق في جانبه حقيق بأن يثق بأن الله مُظهر حقّه ولو بعد حين ".اهـ

أسأل الله تعالى الثبات والنبات..والتوفيق والسداد..


التوقيع :
قال الزهري رحمه الله: (العلم ذكر يحبه ذكورة الرجال، ويكرهه مؤنثوهم).اهـ
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1433هـ/21-04-2012م, 05:32 PM
ابو اويس ابو اويس غير متواجد حالياً
المستوى الأول - الدورة الأولى
 
تاريخ التسجيل: Apr 2012
المشاركات: 6
افتراضي

السلام عليكم بارك الله فيكم

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 15 جمادى الآخرة 1433هـ/6-05-2012م, 12:37 AM
جمال بن رابح حويشي جمال بن رابح حويشي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 129
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل وزادكم علما وفهما ونفع بكم آمين .
كما يقال وكأن موضوعكم نزل على القلب بردا وسلاما وبلسما شافيا ان شاء الله ...
فلكم يعاني من هذا الاحباط الكثير من طلبة العلم خاصة وذلك لا يخفى ... وأنا واحد من أولئك ولكني لم أكن يوما سيِّء الظن بالله بل إني والحمد لله موقن بنصره وتوفيقه ولكنها كما قال شيخنا حفظه الله إلقاءات يلقيها الشيطان عصمنا الله من كيده وشره ...
ولي سؤال شيخنا لو تكرمتم ...انا حسن الظن بالله كما ذكرت آنفا ,لكني أُرجع في كثير من الأحيان قلة التوفيق وعدم جني ثمار العمل إلى سوء عملي وتقصيري سواءً في جنب الله أو في بذل الاسباب, فهل هذا من المنهي عنه وهل يدخل في سوء الظن بالله جل وعلا ؟
واسأل الله تعالى أن يوفقنا واياكم الى العلم النافع والعمل الصالح .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 شعبان 1433هـ/25-06-2012م, 01:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله جميعاً خيراً كثيراً على دعواتكم الطيبة بارك الله فيكم.
وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الموضوع ويبارك فيه، وأن يعيذنا جميعاً من كيد الشيطان وشركه.

اقتباس:
ولي سؤال شيخنا لو تكرمتم ...انا حسن الظن بالله كما ذكرت آنفا ,لكني أُرجع في كثير من الأحيان قلة التوفيق وعدم جني ثمار العمل إلى سوء عملي وتقصيري سواءً في جنب الله أو في بذل الاسباب, فهل هذا من المنهي عنه وهل يدخل في سوء الظن بالله جل وعلا ؟
هذا ليس من سوء الظن بالله، بل الواجب أن يرجع الإنسان سبب فشله وما يصيبه من السوء إلى نفسه كما قال الله تعالى : {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير}
لكن إذا كان الإنسان قد بذل وسعه ثم غلبه ما لا يقدر على دفعه فليعلم أن فيما أصابه خير كثير لأن الله تعالى لا يختار لمن اتبع هداه إلا ما هو خير له، وكثير مما تكره النفس مما يصيبها يكون وراءه خير كثير كما قال الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}
وهذا يدفع الإنسان للسير على الهدى المستقيم في معاملة النفس ؛ فيرفق بها ولا يحمّلها ما لا تطيق، وأيضاً لا يقرّها على تفريطها وتقصيرها.


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 28 ربيع الثاني 1437هـ/7-02-2016م, 12:30 AM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

جزاكم الله عنا خير الجزاء شيخنا الفاضل ونفع بكم الإسلام والمسلمين
الحمد لله رب العالمين


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 29 ربيع الثاني 1437هـ/8-02-2016م, 02:26 AM
رمضان إمام رمضان محمد علي رمضان إمام رمضان محمد علي غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
الدولة: مصر - القاهرة
المشاركات: 320
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم - رزقكم الله الجنة بسلام اللهم امين -- موضوع مفيد جدا - لكن طويل جدا جدا
ونشكركم علي جهدكم

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاغتباط, بالتخلص


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir