فرع: والصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ عِندَ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ لِمَا أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِم في كتابِه العزيزِ، وبِمَا نَطَقَتْ بِهِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ في المدحِ لهم في جميعِ أَخْلَاقِهِم وأفعالِهم، وما بَذَلُوا مِنَ الأموالِ والأَرْوَاحِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- رَغْبَةً فيما عندَ اللهِ من الثوابِ الجزيلِ، والجزاءِ الجميلِ.
وأما ما شَجَرَ بَيْنَهُمْ بَعْدَهُ -عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ-، فمنهُ مَا وَقَعَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ كيومِ الجَمَلِ، ومِنْهُ مَا كَانَ عَنِ اجتهادٍ كيَوْمِ صِفِّينَ، والاجتهادُ يُخْطِئُ ويُصِيبُ، ولَكِنَّ صَاحِبَهُ مَعْذُورٌ وإِنْ أَخْطَأَ، ومأجورٌ أَيْضًا، وأما المصيبُ فله أَجْرَانِ اثنانِ. وكان عَلِيٌّ وأَصْحَابُهُ أَقْرَبَ للحَقِّ مِن مُعَاوِيَةَ وأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وقولُ المُعْتَزِلَةِ: (الصَّحَابَةُ عُدولٌ إلا مَن قَاتَلَ عَلِيًّا) قولٌ بَاطِلٌ مَرْذُولٌ ومَرْدُودٌ، وقد ثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنه قالَ عنِ ابنِ بنتِهِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ -وكان معه على المِنْبَرِ-: (إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ).
وظهَرَ مِصداقُ ذَلِكَ في نُزولِ الحَسَنِ لِمُعَاوِيَةَ عَنِ الأَمْرِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ عَلِيٍّ، واجتمعَتِ الكَلِمَةُ علَى مُعَاوِيَةَ، وسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ، وذلك سنةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الهجرةِ، فسَمَّى الجميعَ (مُسْلِمِينَ)، وقال تعالَى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فَسَمَّاهُمْ (مُؤْمِنِينَ) مَعَ الاقْتِتَالِ.
وَمَنْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ، يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ فِي الفَرِيقَينِ مِائَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ, واللهُ أَعْلَمُ وَجَمِيعُهُمْ صَحَابَةٌ, فَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ.
وَأَمَّا طَوَائِفُ الرَّوَافِضِ وَجَهْلُهُمْ وَقِلَّةُ عَقْلِهِمْ, وَدَعَاوِيهِمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَفَرُوا إِلَّا سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا, وَسَمَّوْهُمْ فَهُوَ مِنَ الهَذَيَانِ بِلَا دَلِيلٍ، إلا مُجَرَّدَ الرَّأْيِ الفاسِدِ عن ذِهْنٍ بَارِدٍ، وهَوًى مُتَّبَعٍ، وهو أَقَلُّ مِن أَنْ يُرَدَّ، والبُرهانُ علَى خِلافِهِ أَظْهَرُ وأَشْهَرُ مما عُلِمَ مِنِ امتِثالِهِمْ أَوَامِرَهُ بَعْدَهُ -عليه الصلاةُ والسَّلامُ-، وفَتْحِهِمُ الأقاليمَ والآفاقَ، وتبليغِهِم عَنْهُ الكِتَابَ والسُّنَّةَ، وهِدَايَتَهِمُ الناسَ إلى طَرِيقِ الجنةِ، ومُوَاظَبَتِهِم على الصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ وأَنْوَاعِ القُرُبَاتِ في سَائِرِ الأَحْيانِ والأوقاتِ، معَ الشجاعةِ والبراعةِ والكَرَمِ والإيثارِ، والأخلاقِ الجَمِيلَةِ التي لم تَكُنْ في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ، ولا يَكُونُ أَحَدٌ بَعْدَهُم مِثْلَهُم في ذلك، فرَضِيَ اللهُ عنهُم أَجْمَعِينَ، ولَعَنَ مَنْ يَتَّهِمُ الصَّادِقَ ويُصَدِّقُ الكَاذِبِينَ. آمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.