دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الثاني 1432هـ/17-03-2011م, 04:04 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

ثُمَّ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ، وَيَخْرُجُ إِلى الصَّفَا مِن بَابِهِ فَيَرْقَاهُ حَتَّى يَرَى البَيْتَ
قوله: «ثم يستلم الحجر» ، أي: بعد الصلاة يعود خلف المقام ويستلم الحجر، كما ثبت ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم[(1)].
والظاهر أن استلام الحجر لمن أراد أن يسعى، وأما من طاف طوافاً مجرداً ولم يُرد أن يسعى فإنه لا يسن له استلامه، وهذا الاستلام للحجر كالتوديع لمن قام من مجلس، فإنه إذا أتى إلى المجلس سلَّم، وإذا غادر المجلس سلم.
ولم يذكر المؤلف سوى الاستلام، وعليه فلا يسن تقبيله في هذه المرة، ولا الإشارة إليه، بل إن تيسر أن يستلمه فعل، وإلا انصرف من مكانه إلى المسعى.
قوله: «ويخرج إلى الصفا من بابه» ، أي: من باب الصفا لأنه أيسر، وكان المسجد الحرام فيما سبق له أبواب دون المسعى، أي: أن حدوده دون المسعى، وله أبواب يخرج الناس منها.
قوله: «فيرقاه» أي: الصفا «حتى يرى البيت» أي الكعبة، ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ ماذا يسن إذا قرب من الصفا؛ لأن الكتاب مختصر، ولكن يسن إذا دنا من الصفا أن يقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به[(2)]، وتلاوة هذه الآية كتلاوة {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}.
أي: أن الإنسان يشعر بأنه يفعل ذلك طاعة لله، وامتثالاً لأمره ـ سبحانه وتعالى ـ.
وقوله: «فيرقاه» : أي: يرقى الصفا، حتى يرى الكعبة[(3)] فيستقبلها، ظاهره لا يصعد أكثر من ذلك لكن لو خاف من الزحام فصعد أكثر فحسن.

ويُكَبِّرُ ثَلاَثاً، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، ثُمَّ يَنْزِلُ مَاشِياً إِلَى العَلَمِ الأوَّلِ، ثُمَّ يَسْعَى شدِيداً إِلَى الآخر ........
قوله: «ويكبر ثلاثاً، ويقول ما ورد» ، أي: يقول الله أكبر وهو رافع يديه كرفعهما في الدعاء ثلاث مرات، ويقول ما ورد ومنه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما أحب، ثم يعيد الذكر مرة ثانية، ثم يدعو بما أحب ثم يعيد الذكر مرة ثالثة[(4)]، وينزل متجهاً إلى المروة.
قوله: «ثم ينزل ماشياً إلى العَلَم الأول» ، العَلَم يعني ما جُعل علامة، وهو الشيء الشاخص البيِّن ومنه سمي الجبل علماً، قال الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ} [الرحمن] ، وكان في هذا المكان عمود أخضر، ولا يزال موجوداً إلى الآن، وقد ازداد وضوحاً بالأنوار التي تحيط بهذا المكان.
وقوله: «إلى العلم الأول» يعني الذي يلي الصفا، لأن هناك علمين: علماً جنوبياً، وعلماً شمالياً، فالذي يلي الصفا جنوبي، والذي يلي المروة شمالي.
قوله: «ثم يسعى شديداً إلى الآخر» ، «شديداً» صفة لموصوف محذوف، والتقدير سعياً شديداً، والسعي هنا بمعنى الركض، فيسعى سعياً شديداً بقدر ما يستطيع، لكن بشرط ألا يتأذى أو يؤذي، فإن خاف من الأذية عليه، أو على غيره فليمش، وليسع بقدر ما تيسر له، وكذلك لو كان معه نساء يخاف عليهن سقط عنه السعي الشديد.
والدليل على ذلك فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنه كان يسعى حتى تدور به إزاره من شدة السعي[(5)].
فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه يسعى سعياً شديداً بين العلمين.
فالجواب: أنه كان في هذا المكان واد، أي مسيل مطر، والوادي في الغالب يكون نازلاً ويكون رخواً رملياً فيشق فيه المشي العادي، فيركض ركضاً.
وأصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها ـ رضي الله عنها ـ لما خلَّفها إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندها، سقاءً من ماء، وجراباً من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفدَ الماء ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها، فجاع الصبي، وجعل يتلوى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحداً، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعياً شديداً، حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، ورقيت لتسمع وتتحسس على المروة، ولم تسمع شيئاً، حتى أتمت هذا سبع مرات، ثم أحست بصوت، ولكن لا تدري ما هو، فإذا جبريل نزل بأمر الله ـ عزّ وجل ـ، فضرب بجناحه أو برجله الأرض مكان زمزم الآن، فنبع الماء في الحال، ففرحت بذلك فرحاً شديداً، وجعلت تحجر الماء، وخافت أن يتسرب وينفد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكان عيناً معيناً)) ، ولكن من رحمة الله ـ عزّ وجل ـ أنها حجرته، ولو كان عيناً معيناً لصار فيه ضيق على الناس؛ لأن هذا المكان صار مسجداً، وشربت من هذا الماء، وصار هذا الماء شراباً وطعاماً، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((ماء زمزم لما شرب له)) [(6)]، إن شربته لعطش رويت، ولجوع شبعت، ودرَّت على الولد، وهيأ الله لها قوماً من جرهم مروا بمكة، فتعجبوا أن تكون الطيور تأوي إلى هذا المكان، وقالوا: لا يمكن أن تأوي إلى هذا المكان إلا وفيه ماء، ولم يكونوا على عهدٍ بماء في هذا المكان، فجاءوا نحو هذه الجهة فوجدوا إسماعيل وأمه، فنزلوا عندهم، والقصة مطولة في صحيح البخاري[(7)]، وفيها قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((فلذلك سعى الناس)) .
فهذا هو السبب في كون الناس يسعون سعياً شديداً إذا وصلوا هذا المكان، والآن ليس فيه واد، لكن فيه علامة على هذا الوادي وهو هذا العلم الأخضر.
فالإنسان إذا سعى يستحضر أولاً: سنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وثانياً: حال هذه المرأة وأنها وقعت في شدة عظيمة حتى أنجاها الله، فأنت الآن في شدة عظيمة من الذنوب فتستشعر أنك تحتاج إلى مغفرة الله ـ عزّ وجل ـ كما احتاجت هذه المرأة إلى الغذاء، واحتاج ولدها إلى اللبن، وقد قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصفا: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله)) أبدأ بما بدأ الله به[(8)]، ليشعر نفسه أنه إنما طاف بالصفا والمروة؛ لأنهما من شعائر الله ـ عزّ وجل ـ ولذلك لا تقرأ هذه الآية إلا إذا أقبل على الصفا حين ينتهي من الطواف وأما بعد ذلك فلا تقرأ.
مسألة: إذا سعى هو وزوجته ووصلا إلى العلم الأخضر فهل يسعى سعياً شديداً وزوجته معه؟
الجواب: لا يسعى سعياً شديداً، لا سيما في أيام المواسم والزحام فإنه لو سعى ضيعها.
لكن هنا إشكال وهو أنه إذا كان أصل سعينا بين العلمين سعي أم إسماعيل وهي امرأة، فلماذا لا نقول: إن النساء أيضاً يسعين؟
الجواب: من وجهين :
الأول: أن أم إسماعيل سعت وحدها ليس معها رجال.
الثاني: أن بعض العلماء كابن المنذر حكى الإجماع على أن المرأة لا ترمل في الطواف ولا تسعى بين العلمين، وعليه فلا يصح القياس؛ لأنه قياس مع الفارق ولمخالفة الإجماع إن صح.

ثُمَّ يَمْشِي وَيَرْقَى المَرْوَةَ وَيَقُولُ مَا قَاله عَلَى الصَّفَا، ثُم يَنْزلُ فَيَمْشِي فِي مَوْضعِ مَشيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيه إلى الصَّفَا يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَاً، ذَهَابُهُ سَعْيةٌ، وَرَجُوُعُهُ سَعْيَةٌ، فَإِنْ بَدَأ بالمَرْوَةِ سَقَطَ الشَّوْطُ الأَوَّلُ.
قوله: «ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا يفعل ذلك سبعاً، ذهابه سعية، ورجوعه سعية» ، أي: فليس السعي دورة كاملة، بل نصف دورة من الصفا إلى المروة سعية، ومن المروة إلى الصفا سعية أخرى.
وقوله: «ويرقى المروة» ليس بشرط، وإنما الشرط أن تستوعب ما بين الجبلين، ما بين الصفا والمروة، فما هو الذي يجب استيعابه؟
الجواب: الذي يجب استيعابه حده حد الممر الذي جعل ممراً للعربات، وأما ما بعد مكان الممر فإنه من المستحب، وليس من الواجب، فلو أن الإنسان اختصر في سعيه من حد ممر العربات لأجزأه؛ لأن الذين وضعوا ممر هذه العربات وضعوها على أن منتهاه من الجنوب والشمال هو منتهى المسعى.
قوله: «فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول» ، لأنه يشترط أن يبدأ بالصفا، فإذا بدأ بالمروة فإنه يسقط الشوط الأول ويلغيه، كما لو بدأ بالسجود في الصلاة، قبل الركوع فإنه يسقط ولا يعتبر.
وظاهر كلامه ولو كان ابتداؤه بالمروة عمداً، وفيه نظر والأولى أن يبطل جميع سعيه لأنه متلاعب وعلى غير أمر الله ورسوله، وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(9)].
مسألة: لم يذكر المؤلف اشتراط النية، فالنية في السعي كالنية في الطواف، وقد سبق أن القول الراجح أنه لا يشترط له نية؛ لأن النسك الذي هو فيه يعين أنه للعمرة أو الحج، وكذلك نقول في السعي.
والمؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أتى بالسعي بعد الطواف، فهل يشترط أن يتقدمه طواف؟
الجواب: نعم يشترط، فلو بدأ بالسعي قبل الطواف وجب عليه إعادته بعد الطواف؛ لأنه وقع في غير محله.
فإن قال قائل: ما تقولون فيما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل، فقال له رجل: سعيت قبل أن أطوف قال:((لا حرج)) [(10)]؟
فالجواب: أن هذا في الحج، وليس في العمرة.
فإن قيل: ما ثبت في الحج ثبت في العمرة إلا بدليل؛ لأن الطواف والسعي في الحج وفي العمرة كليهما ركن؟
فالجواب: أن يقال: إن هذا قياس مع الفارق؛ لأن الإخلال بالترتيب في العمرة يخل بها تماماً؛ لأن العمرة ليس فيها إلا طواف، وسعي، وحلق أو تقصير، والإخلال بالترتيب في الحج لا يؤثر فيه شيئاً؛ لأن الحج تفعل فيه خمسة أنساك في يوم واحد، فلا يصح قياس العمرة على الحج في هذا الباب.
ويذكر عن عطاء بن أبي رباح عالم مكة -رحمه الله- أنه أجاز تقديم السعي على الطواف في العمرة، وقال به بعض العلماء.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز مع النسيان أو الجهل، لا مع العلم والذكر.

وَتُسَنُّ فِيْهِ الطَّهَارَةُ والسِّتَارَة والمُوَالاَةُ ثُمَّ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعاً لاَ هَدْيَ مَعَهُ قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ وتَحَلَّلَ، وإلاَّ حَلَّ إِذَا حَجَّ، والمُتَمَتِّعُ إِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ.
قوله: «وتسن فيه الطهارة» ، أي: من الحدث والنجس أيضاً [(11)]، فلو سعى محدثاً، أو سعى وهو جنب، أو سعت المرأة وهي حائض، فإن ذلك مجزئ، لكن الأفضل أن يسعى على طهارة.
فإن قال قائل: ما الدليل على أن هذا سنة؟ قلنا: لأنه من الذكر، والأصل في الذكر أن يكون على طهر، ولأن هذا هو الظاهر من حاله صلّى الله عليه وسلّم، لأنه لما انتهى من الركعتين شرع في السعي مباشرة.
قوله: «والستارة» ، أي: يُسن فيه ستر العورة، ومن المعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يسعى عرياناً عُرياً كاملاً، لكن ربما يكون إزاره أو قميصه في سعيه للحج بعد التحلل الأول خفيفاً ترى من ورائه البشرة، أو يكون فيه خرق ترى من ورائه العورة، ففي هذه الحال سعيه صحيح؛ لأن الستر فيه سنة.
قوله: «والموالاة» ، أي: يُسن أن تكون الأشواط متوالية، وليس ذلك بشرط، فلو سعى الشوط الأول في أول النهار، وأتم في آخر النهار فسعيه صحيح، لكنه خلاف السنة، ولو سعى الشوط الأول في الساعة الواحدة، والثاني في الساعة الثانية، والثالث في الساعة الثالثة، والرابع في الساعة الرابعة، والخامس في الساعة الخامسة، والسادس في الساعة السادسة، والسابع في الساعة السابعة، لكان سعيه صحيحاً، لأن الموالاة سنة.
لكن المذهب أن الموالاة فيه شرط كالطواف، ومن ثم صرف الشارح في الروض عبارة الماتن إلى هذا المعنى فقال: «تسن الموالاة بينه وبين الطواف» ، وهذا صرف للعبارة عن ظاهرها، وإنما صرفها الشارح عن ظاهرها من أجل أن تطابق المذهب، لأن صاحب المتن اشترط في خطبة الكتاب: أنه على قول واحد وهو الراجح في مذهب أحمد، والراجح في مذهب أحمد أن الموالاة في السعي شرط، كما أن الموالاة في الطواف شرط، وهذا القول أصح، ويدل لهذا القول:
أولاً: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سعى سعياً متوالياً [(12)]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((خذوا عني مناسككم)) [(13)].
ثانياً: أن السعي عبادة واحدة فاشترط فيه الموالاة كالصلاة والطواف.
ثالثاً: أن الإنسان لو فرق السعي كما سبق لم يقل أحد: إنه سعى سبعة أشواط لتفريق السعي.
لكن لو فرض أن الإنسان اشتد عليه الزحام فخرج ليتنفس، أو احتاج إلى بول أو غائط فخرج يقضي حاجته ثم رجع، فهنا نقول: لا حرج؛ لعموم قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ولأنه رويت آثار عن السلف في هذا؛ ولأن الموالاة هنا فاتت للضرورة، وهو حين ذهابه قلبه معلق بالسعي، ففي هذه الحال لو قيل بسقوط الموالاة لكان له وجه.
مسألة: لو أقيمت صلاة الفريضة في أثناء الطواف؟ نقول: اختلف العلماء في هذا:
فمنهم من قال: إن كان الطواف نفلاً قطعه وصلى لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة)) [(14)]، وأعلى أحوال الطواف أن يلحق بالنافلة، فإذا أقيمت الفريضة قطعه وصلى الفريضة ثم بنى، وأما إن كان فرضاً فإنه يستمر في الطواف ولو فاتته صلاة الفريضة.
وقال آخرون: إن الموالاة ليست بشرط وأنه يجوز أن يقطعه، ويقطع الموالاة بين أشواطه ولا حرج، لكن الذي ينبغي أن نعلم أن العبادة الواحدة تجب الموالاة بين أجزائها لتكون عبادة واحدة إلا ما دل الدليل على جواز التفريق، والقول الراجح في مثل أنه إذا أقيمت صلاة الفريضة فإنه يقطعه بنية الرجوع إليه بعد الصلاة.
فإذا قطعه -ولنفرض أنه قطعه حين حاذى الحجر- فإذا قضيت الصلاة هل يبدأ الطواف من المكان الذي قطعه فيه أو يبدأ الطواف من جديد؟
اختلف العلماء في هذا، فالمشهور من المذهب أنه لا بد أن يبدأ الشوط من جديد، والقول الراجح أنه لا يشترط وأنه يبدأ من حيث وقف، لأن ما قبل الوقوف وقع مجزئاً وما وقع مجزئاً لا يجب علينا رده؛ لأننا لو أوجبنا رده لأوجبنا على الإنسان العبادة مرتين وهذا لا نظير له.
مسألة: صلاة الجنازة هل يقطع الطواف من أجلها؟
الظاهر نعم؛ لأن صلاة الجنازة قصيرة فلا يكون الفاصل كثيراً فيعفى عنه.
قوله: «ثم إن كان متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره» ، أي: ثم إن كان الساعي متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره، والتقصير هنا أفضل من الحلق لحديث ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (( كان معه هدي فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحل)) [(15)]، ومن أجل أن يتوفر الحلق للحج.
وظاهر هذا التعليل أنه لو قدم مكة مبكراً في شوال مثلاً، فإن الحلق في حقه أفضل؛ لأنه سوف يتوفر الشعر للحلق في الحج.
وقوله: «لا هدي معه» فإن كان معه هدي، فإنه لا يحل؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا أن معي الهدي لأحللت معكم)) [(16)].
وظاهر كلام المؤلف أنه يمكن أن يتمتع مع سوق الهدي؛ لأنه قال ((متمتعاً لا هدي معه)) ، ولكن كيف يمكن أن يتمتع، وقد ساق الهدي، ومن ساق الهدي لا يحل إلا يوم العيد {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؟ يقولون في هذه الصورة: إذا طاف وسعى أدخل الحج أي: أحرم بالحج بدون تقصير، وهل يكون قارناً في هذه الحال؟
الجواب: يقولون: ليس بقارن، ولهذا يلزمونه بطواف وسعي في الحج، كما طاف وسعى في العمرة، ولو كان قارناً لكفاه السعي الذي كان عند قدومه، وعليه فيلغز بهذه المسألة فيقال: متمتع حرم عليه التحلل بين العمرة والحج فما الجواب؟
الجواب: أنه متمتع ساق الهدي.
والصواب أنه إذا ساق الهدي امتنع التمتع لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم)) [(17)]، وعلى هذا فليس أمام سائق الهدي إلا القران أو الإفراد. وإذا قلنا: إنه إذا كان معه الهدي لا يحل وهو متمتع صار هذا نسكاً رابعاً لم تأت به السنة: أن يكون متمتعاً لا يحل بين العمرة والحج فهذا لا نظير له، وعلى هذا فقوله ـ رحمه الله ـ ((لا هدي معه)) مبني على قول ضعيف.
قوله: «وتحلل» ، أي: من عمرته فحل له كل شيء حتى النساء.
قوله: «وإلا حل إذا حج» كلمة «إلا» يدخل فيها ثلاث صور، أي: بأن كان مفرداً، أو قارناً، أو متمتعاً ساق الهدي على القول بصحة هذه الصورة فيحل إذا حج يعني إذا جاء وقت الحل في الحج؛ لتعذر الحل منه قبل أن يبلغ الهدي محله.
قوله: «والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية» ؛ لأنه شرع في الركن المقصود، والتلبية إنما تكون قبل الوصول إلى المقصود، فإذا وصل إلى المقصود فلا حاجة إلى التلبية، فإذا شرع في الطواف فإنه يقطع التلبية ويشتغل بذكر الطواف، وعموم قوله: «والمتمتع» يشمل المتمتع الذي ساق معه الهدي.
وقيل: إن المتمتع يقطع التلبية إذا دخل حدود الحرم؛ لأن الحرم مقصوده وقد وصل إليه.
وقيل: إذا رأى البيت[(18)].
ولكن المذهب في هذا أصح.
وعلم من قوله: «والمتمتع» أن المفرد والقارن لا يقطعان التلبية، فمتى يقطعانها؟
الجواب: عند رمي جمرة العقبة يوم العيد؛ لأنه صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة)) [(19)]، ولأنه برميه جمرة العقبة شرع فيما يحصل به التحلل، وهو الرمي.



[1]ـ[2] كما في حديث جابر، ص(76).
[3]ـ[4] كما في حديث جابر في صفة حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم ص(76).
[5] أخرجه الإمام أحمد (6/421)؛ وابن خزيمة (2764)؛ والدارقطني (2/255)؛ والحاكم (4/70) عن حبيبة بنت أبي تجراة ـ رضي الله عنها ـ، وضعفه ابن عدي (4/1456)؛ وأبو حاتم كما في «العلل» (1/269)؛ والذهبي في «تلخيص المستدرك» وله طرق أخرى أخرجها الدارقطني (2/255)؛ والبيهقي (5/97)؛ وصححها ابن عبد الهادي في «التنقيح» كما في «نصب الراية» (3/56)؛ والذهبي في «تنقيح التحقيق» (1512) وانظر: «الإرواء» (1072).
[6] أخرجه الإمام أحمد (3/357، 372)؛ وابن ماجه في «المناسك»/ باب الشرب من زمزم (3062) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ وقد حسنه المنذري في «الترغيب» (2/334)؛ وابن القيم في «الزاد» (4/393).
[7] في كتاب الأنبياء (3364) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[8] كما في حديث جابر ص(76).
[9] سبق تخريجه ص(158).
[10] أخرجه أبو داود في «المناسك»/ باب من قدم شيئاً على شيء (2015) وصححه ابن خزيمة من حديث أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ (2774).
[11] وهذا هو المذهب.
[12] كما في حديث جابر ص(76).
[13] سبق تخريجه ص240.
[14] أخرجه مسلم في الصلاة/ باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة (710) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[15] أخرجه البخاري في الحج/ باب من ساق البدن معه (1691) ومسلم في الحج/ باب وجوب الدم على المتمتع (1227).
[16]ـ[17] سبق تخريجه ص(76) من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[18] ويؤيده أن عطاء سئل متى يقطع المعتمر؟ فقال: «قال ابن عمر: إذا دخل الحرم، وقال ابن عباس: حتى يمسح الحجر، قلت: يا أبا محمد أيهما أحب إليك؟ قال: قول ابن عباس».
أخرجه البيهقي (5/104)؛ وفي «الإرواء» (4/297): سنده صحيح.
وقد روي مرفوعاً عن ابن عباس: «أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر».
أخرجه أبو داود في المناسك/ باب متى يقطع المعتمر التلبية (1817)؛ والترمذي في الحج/ باب ما جاء متى يقطع التلبية في العمرة (919)؛ والبيهقي (5/105). وصححه الترمذي، وقال البيهقي: «رفعه خطأ، وكان ابن أبي ليلى كثير الوهم، وخاصة إذا روى عن عطاء فيخطئ كثيراً ضعفه أهل النقل»، ورواه البيهقي أيضاً عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً وضعفه (5/105).
[19] أخرجه البخاري في الحج/ باب الركوب والارتداف في الحج (1543)، (1544)؛ ومسلم في الحج/ باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة (1281).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir