دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:26 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الواجب الموسَّع

مَسْأَلَةُ: الْأَكْثَرِ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا، وَنَحْوِهِ وَقْتَ لْأَدَائه، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَخِّرِ الْعَزْمُ على الامتثال، خِلَافًا لِقَوْمٍ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ فَإِنْ أَخَّرَ فَقَضَاءٌ، وَقِيلَ الْآخَرُ، فَإِنْ قُدِّمَ فَتَعْجِيلٌ، وَالْحَنَفِيَّةُ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَالْآخَرُ وَالْكَرْخِيُّ: إنْ قُدِّمَ وَقَعَ وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ مُكَلَّفًا، وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَصَى، فإن عَاشَ وَفَعَلَهُ، فَالْجُمْهُورُ أَدَاءً وَالْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَالْحُسَيْنُ قَضَاءً، وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ، فَالصَّحِيحُ لَا يَعْصِي بِخِلَافِ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ.

  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى (أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الظُّهْرِ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ) فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَعَ فَقَدْ أُوقِعَ فِي وَقْتِ أَدَائِهِ الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ وَلِذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَقَوْلُهُ جَوَازًا رَاجِعٌ إلَى الْوَقْتِ لِبَيَانِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً بِشَرْطِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَخِّرِ) أَيْ مُرِيدِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (الْعَزْمُ) فِيهِ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ فِي الْوَقْتِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الْعَزْمِ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ عَنْ الْمَنْدُوبِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَاجِبِ عَنْ الْوَقْتِ يُؤْثِمُ. (وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْأَوَّلُ) مِنْ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (فَإِنْ أَخَّرَ) عَنْهُ (فَقَضَاءٌ)، وَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَلِنَقْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ (وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْآخَرُ) مِنْ الْوَقْتِ لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ الْفِعْلِ قَبْلَهُ (فَإِنْ قُدِّمَ) عَلَيْهِ بِأَنْ فُعِلَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلٌ) أَيْ فَتَقْدِيمُهُ تَعْجِيلٌ لِلْوَاجِبِ مُسْقِطٌ لَهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) وَقْتَ أَدَائِهِ (مَا) أَيْ الْجُزْءَ الَّذِي (اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ) أَيْ لَاقَاهُ الْفِعْلُ بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَدَاءُ بِجُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ (فَالْآخَرُ) أَيْ فَوَقْتُ أَدَائِهِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْوَقْتِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْفِعْلِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِيمَا قَبْلَهُ.
(وَ) قَالَ (الْكَرْخِيُّ: إنْ قُدِّمَ) الْفِعْلُ عَلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (وَقَعَ) مَا قُدِّمَ (وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ الْمُقَدِّمِ لَهُ (مُكَلَّفًا) إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَقَعَ مَا قَدَّمَهُ نَفْلًا فَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ أَنْ يَبْقَى مِنْ إدْرَاكِهِ الْوَقْتُ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ إلَى آخِرِهِ الْمُتَبَيِّنِ بِهِ الْوُجُوبُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَنْهُ وَيُؤْمَرُبِهِ قَبْلَهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صِفَةُ التَّكْلِيفِ فَحَيْثُ وَجَبَ فَوَقْتُ أَدَائِهِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ; لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِيمَا شَرَطَهُ فَذَكَرُهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلِ الْمَعْلُومِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُنْكِرَةٌ لِلْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا يَفْضُلُ عَنْ الْوَاجِبِ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ) عَقِبَ مَا يَسَعُهُ مِنْهُ مَثَلًا (عَصَى) لِظَنِّهِ فَوَاتَ الْوَاجِبِ بِالتَّأْخِيرِ (فَمَنْ عَاشَ وَفَعَلَهُ) فِي الْوَقْتِ (فَالْجُمْهُورُ) قَالُوا: فِعْلُهُ (أَدَاءً) ; لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا. (وَ) قَالَ (الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَالْحُسَيْنُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ فِعْلُهُ (قَضَاءً) ; لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي تُضَيِّقَ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَبِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ) مِنْ الْمَوْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَمَاتَ فِيهِ قَبْلَ الْفِعْلِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (لَا يَعْصِي) ; لِأَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ لَهُ وَالْفَوَاتَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ: يَعْصِي وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي (وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ) فَإِنَّ مَنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوْتِ أَيْ مُضِيِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فِيهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ يَعْصِي عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ وَقِيلَ: لَا يَعْصِي لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَهُ وَعِصْيَانِهِ فِي الْحَجِّ مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ، وَقِيلَ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مسألة: الأكثر أن جميع وقت الظهر جوازاً ونحوه وقت لأدائه، ولا يجب على المؤخر العزم على الامتثال خلافاً لقوم).
ش: اختلفوا في الواجب الموسع، وهو أن يكون وقته زائداً على فعله، والجمهور على أن جميع الوقت وقت لأدائه، بمعنى: أي جزء أوقعه فيه وقع عن الواجب، ولا يقيد الوجوب بأول ولا بآخر، وهو معنى قول أصحابنا: إن الفعل يجب بأول الوقت وجوباً موسعاً، وله تأخره عن أوله، ولا ينافيه قولهم: إنه لو مات أو جن أو حاضت قبل أن يمضي من وقت الصلاة ما يمكن فعلها فيه، فإنا نتبين أن الصلاة لم تجب، كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره، فإنَّ المقصود بالمذكور هنا الوجوب ظاهراً، واحترز بقوله: جوازاً عن وقت الضرورة، فإنَّه أوسع من ذلك، وهذا قيد زاده على المصنفين لا بد منه، وأراد بنحوه: غيرها من الواجبات الموسع وقتها، وأشار بقوله: (ولا يجب) إلى أنه على هذا القول هل يجب العزم على الفعل قبل خروج الوقت، أو يكفي عدم العزم على عدم الفعل ؟ وفيه وجهان حكاهما الماوردي في (الحاوي)، وقالَ النَّوَوِيّ في (شرح المهذب): وأصحهما الوجوب، وبه جزم في (المستصفى) وخالف الْمُصَنِّف، وقالَ: لا يعرف القول بوجوب العزم إلا عن القاضي ومن تابعه كالآمدي، وبالغ في تشنيع هذا القول على قائله، قالَ: وهو معدود من هفوات القاضي ومن العظائم في الدين، فإنَّه إيجاب بلا دليل، وكأنه أعمد قول الإمام في (البرهان) القائلون بذلك لا أراهم يوجبون تجديد العزم في الجزء الثانِي، بل يحكمون بأن العزم الأول ينسحب على جميع الأزمنة، كانسحاب النية على العبادة الطويلة معَ عزوبها قالَ الْمُصَنِّف في (شرح المختصر) الفعل في أول الوقت إن لم يكن واجباً فلا حاجة إلى البدل، وإن كانَ تمام الواجب، فيتأدى ببدله، وإلا يلزم أن يكون واجبان، ولا دليل عليه، وقد ألم القاضي في كتاب (التقريب) بهذا البرهان القاطع، ثمَّ حام على إفساده فقالَ: قول خصومي: إنه لا دليل على العزم ـ ممنوع، بل دليله أنه إذا ثبت جواز الترك معَ الحكم عليه بأنه واجب، فلا بد أن يكون تركه على خلاف الفعل ليتميز عنه، فيتعين القول بوجوب العزم لذلك، وضعفه الْمُصَنِّف، وقالَ: يكفي في تميزه عن الفعل، أن إخراج الوقت عنه يؤثم من غير احتياج إلى ما ذكر، قالَ: وأقوال الشافعي لا تؤخذ من الفروع، وهذه نصوص الشافعي ومتقدمي أصحابه موجودة، ليس فيها هذه المقالة، قالَ: وإنما موضع النظر أن من نوى الترك هل يعصى بالنية ؟ وفيه تفصيل، وهو أنه إن اقترن بهذه النية عدم الفعل عصى بهما جميعاً، لحديث: ((ما لم تتكلم)) وإلا ففي معصيته بالنية التي كذبها الفعل نظر واحتمال، وحديث: ((الفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) يدل على عدم المعصية، لكن القاضي حكى الإجماع على أن العزم يؤخذ به، وكأن العزم قدر زائد على النية، انتهى، وقطع الشيخ في (اللمع) بوجوب العزم على الامتثال على الفور وقالَ ابن برهان في (الوجيز) العزم تابع للفعل، فإنَّ كانَ المعزوم عليه على الفور، كانَ العزم على الفور، وإن كانَ على التراخي فعلى التراخي.
ص: (وقيل: الأول، فإنَّ أخر فقضاء، وقيل: الآخر، فإنَّ قدم فتعجيل، والحنفية: ما اتصل به الأداء من الوقت وإلا فالآخر، والكرخي: إن قدم وقع واجباً بشرط بقائه مكلفاً).
ش: المنكرون للواجب الموسع اختلفوا على مذاهب: أحدها: أن الوجوب يتعلق بأول الوقت فإنَّ أخره عنه فقضاء، وعزاه البيضاوي لبعض الشافعية، وهو لا يعرف عنهم، لكن الشافعي في (الأم) حكاه عن بعض المتكلمين، ووجهه: أن الوجوب معَ جواز التأخير متنافيان، والأصل ترتب المسبب على سببه، فيكون الوجوب الذي هو مسبب، أول الوقت، وما بعده قضاء، يسد مسد الأداء.
والثاني: أنه متعلق بآخره، فإنَّ قدمه فتعجيل، وعزي للحنفية.
والثالث: أنه متعلق بالجزء الذي يتصل به الأداء وإلا فآخر الوقت الذي يسع الفعل ولا ينفصل عنه، وادعى الصفي الهندي أنه المشهور عن الحنفية، وتابعه الْمُصَنِّف، لكن المشهور عنهم قول الجمهور، كما ثبت في كتاب (الوصول إلى ثمار الأصول).
والرابع: أن المكلف إذا أتى به أول الوقت فهو موقوف، فإنَّ بقي بصفة التكليف إلى آخر الوقت كانَ ما فعله واجباً وإلا فنفل، وعزى للكرخي، وإنما قاله مراراً مما ورد على أصحابه من تعلقه بآخر الوقت من إجزاء النفل عن الفرض، فاختار هذه الطريقة وهي ضعيفة؛ لأنَّ كون الفعل حالة الإيقاع لا يوصف بكونه فرضاً ولا نفلاً خلاف القواعد، وحكي عنه أَيْضاًً أن الواجب يتعين بالفعل في أي وقت كان.
ص: (ومن أخر معَ ظن الموت، عصى فإنَّ عاش وفعله، فالجمهور: أداء، وقالَ القاضيان أبو بكر والحسين: قضاء).
ش: ما سبق فيما إذا كانَ يغلب على ظنه السلامة إلى آخر الوقت، فإنَّ كانَ يتوقع الهلاك، ويغلب على ظنه عدم البقاء ـ فإنَّ الوقت يتضيق عليه بالظن، فإنَّ أخر عصى بالاتفاق لجراءته على التأخير، فلو عاش وفعله في الوقت، فذهب الْغَزَالِيّ وجماعة إلى أنه أداء، إذ لا عبرة بالظن الذي يتبين خطؤه، وبه يعرف أن التضييق ليس مؤثراً في نفس الأمر، وذهب القاضي أبو بكر والقاضي حسين إلى أنه قضاء، نظراً إلى الظاهر، فإنَّه حكم بالتضييق أولاً فيكون الوقت قد خرج، والصحيح الأول، فإنَّ النظر في الأداء والقضاء إلى أمر الشارع لا إلى غيره، وينبغي أن يكون موضع خلاف القاضي إذا مضى من وقت الظن إلى حين الفعل زمن يسع الفرض، حتى يتجه القول بالقضاء، أمَّا إذا لم يمض ذلك وبقي منه بقية فشرع فيها، فليكن على الخلاف إذا وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها خارجه، والصحيح إن وقع ركعة في الوقت فالجميع أداء وإلا فقضاء، ثمَّ في كلام الْمُصَنِّف أمور: أحدها: تصوير المسألة ذكره غيره، وإنما هو مثال وليس بقيد كما يقتضيه تعليلهم، بل الضابط ظن الإخراج عن وقته بأي سبب كان، يمنع من الوجوب كالحيض والإغماء والجنون، ولهذا قالَ إمام الحرمين في (النهاية) في الكلام على مبادرة الاستحاضة: لو كانت معتادة طروء الحيض عليها في أثناء الوقت من يوم معين، فإنَّ الوقت يتضيق عليها الثانِي: ما عزاه للجمهور يقتضي أنه الراجح، لكن ذكر الرافعي فيما إذا صلى بالاجتهاد، ثمَّ بان أنه بعد الوقت، فهل يكون قضاء أو أداء ؟ وجهان أصحهما: قضاء، نظراً لما في نفس الأمر؛ لأنَّه المكلف به، ويفرق بينَهما بأن هذا خارج الوقت في نفس الأمر، ومسألتنا في الوقت في نفس الأمر وخارجة في ظنه.
الثالث: ما نقله عن القاضي أبي بكر هو كذلك في كتاب (التقريبئ) وأما القاضي حسين، فلا يعرف عنه التصريح بذلك، والظاهر أن الْمُصَنِّف أخذه بالاستلزام من قَوْلُه: فيما إذا شرع في الصلاة ثمَّ أفسدها ثمَّ صلاها في وقتها، كانت قضاء؛ لأنَّه بالشروع يضيق الوقت بدليل أنه لا يَجُوز الخروج عنها، فلم يبق لها وقت شروع، فإذا أفسدها فقد فات وقت الشروع، فلم يكن فعلها بعد ذلك إلا قضاء وفيه نظر؛ لأنَّ مأخذهما مختلف، فمأخذ القاضي أبو بكر في أنها قضاء لاعتقاده أن الوقت قد خرج، كما سبق في تعريف القضاء، وأما القاضي حسين، فإنَّه معَ القول بأنها قضاء يقول: إن الوقت باق، وبهذا صرح في باب صفة الصلاة من تعليقه، فقالَ: قد يكون الظهر ظهراً في الوقت، ولا يكون أداء بأن يشرع فيها ثمَّ يفسدها، والوقت باق، فيلزمه أن يصليها في الوقت ثانياً بنية القضاء، ثمَّ قالَ بعدها بنحو ورقة: مقتضى قول أصحابنا أنه ينوي القضاء؛ لأنَّه يقضي ما التزمه في الذمة؛ لأنَّ الشروع يلزم الغرض في الذمة، بدليل أن المسافر لو نوى إتمام الصلاة، وشرع فيها ثمَّ أفسدها، لا يقضيها مقصورة، بل تامة؛ لأنَّه التزم الإتمام، قالَ: وعلى قول القفال يتخير بينَ نية القضاء والأداء، وكذا لما ذكر المتولي في (التتمة) المسألة صرح بأنها قضاء، وإن فعلت في الوقت، ولا شك في خروجه عن قاعدة الأصول، وليقيد كلام القاضي بما إذا فعلها ثانياً بعد مضي جميع وقت فعلها لأنَّ يتحقق الفوات كما سبق وقد خالفهم الشيخ أبو إسحاق فجزم في (اللمع) بأنها أداء، والتحقيق خلاف ذلك، وأنها إعادة لا قضاء ولا أداء.
ص: (ومن أخر معَ ظن السلامة، فالصحيح لا يعصي، بخلاف ما وقته العمر كالحج).
ش: الموسع قد يكون وقته محدوداً كالصلاة، وقد يكون مدة العمر كالحج، وقضاء الفائتة بعذر، فأما الأول فيعصي فيه بطريقين: لخروج وقته، وبتأخيره عن وقت يظن فوته بعده كما سبق، فإنَّ غلب على ظنه السلامة فمات قبل الفعل، فقيل يعصي، وإلا لم يتحقق الوجوب، والصحيح: لا يعصي؛ لأنَّه مأذون له في التأخير، وهذا فيما إذا كانَ الطارئ يرفع الوجوب كالموت، فإنَّ كانَ لا يرفعه كالنوم والنسيان، فقال ابن الصَّلاَحِ (في الفتاوى): إذا نام في أثناء الوقت إلى أن خرج، فينبغي أن يعصي قطعاً، قالَ: فإنَّ غلبه النوم فكالموت، وأما الموسع بالعمر، فيعصي فيه بالموت على الصحيح، سواء غلب على ظنه قبل ذلك البقاء أم لا؛ لأنَّ التأخير له مشروط بسلامة العاقبة، وهو في غاية الإشكال؛ لأنَّ العاقبة عندَه مستورة.
والثاني: لا يموت عاصياً، ولكنه ينسب إلى التفريط، كما ينسب تارك الصلاة عن أول وقتها حتى مات، وهو أشكل من الأول، للزوم انتفاء ثمرته، وقد أطلق الماوردي وغيره حكايته هكذا، والصواب تقييده بما إذا كانَ عازماً على الفعل ثمَّ اخترمته المنية، وكذا حكى ابن الصباغ في (الشامل) فمن لم يعزم عصى قطعاً، وليس من موضع الخلاف، وبه يرتفع الإشكال السابق، وجعل ابن الرفعة التقييد وجهاً غير وجه الإطلاق، وحكاها أربعة أوجه، وليس بجيد، لكن يمكن توجيهه بأنه مفرع على أنه لا يجب العزم في الواجب الموسع كما سبق.
والثالث: يفرق بينَ الشيخ فيعصي، والشاب فلا، واختاره الْغَزَالِيّ، وعلى هذا فلم يتعرضوا لضابطه، وحكى الحوزي عن الأصحاب: تقدير التأخير المستنكر ببلوغه نحو من خمسين سنة أو ستين؛ لأنَّ العمر في الأغلب من الناس ستون، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أعمار أمتي ما بينَ الستين إلى السبعين)) وهو غريب.

  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: الأكثر أن جميع وقت الظهر جوازاً، ونحوه وقت لأدائه، ولا يجب على المؤخر العزم على الامتثال خلافاً لقوم، وقيل: الأول، فإن أخر فقضاء، وقيل: الآخر فإن قدم فتعجيل والحنفية: ما اتصل به الأداء من الوقت وإلا فالآخر، والكرخي، إن قدم وقع واجباً بشرط بقائه مكلفاً.
ش: اختلف في إثبات الواجب الموسع، وهو ما كان وقته زائداً على فعله، كصلاة الظهر، فأثبته الجمهور، بمعنى أن جميعه وقت لأدائه، فأي جزء أوقعه فيه وقع عن الواجب.
وتقييد المصنف وقت الظهر بالجواز ليخرج وقت الضرورة كوقت العصر في حق المسافر، وهو من زيادة المصنف على غيره.
وقوله: (ونحوه) أي ونحو وقت الظهر من الواجبات الموسع وقتها، ثم اختلف هؤلاء في أنه إذا أخرها عن أول الوقت هل يجب عليه العزم على إيقاعها في بقية الوقت أم لا يجب ذلك؟ فنقل الإمام الرازي وجوب العزم عن أكثر أصحابنا، وأكثر المعتزلة، ونصره القاضي أبو بكر والآمدي وصححه النووي في (شرح المهذب) وادعى المصنف أن ذلك لا يعرف إلا عن القاضي ومن تابعه كالآمدي، وأنه معدود من هفواته، ومن العظائم في الدين، فإنه إيجاب بلا دليل.
وعلى القول بإنكار الواجب الموسع أربعة أقوال، حكاها المصنف.
أحدها: أن الواجب يختص بأول الوقت، فإن أخره كان قضاء، حكاه الإمام والرازي في (المعالم) عن بعض الشافعية، وهو غلط، فلم يقل به أحد منهم، ولعل سبب الاشتباه أن الشافعي حكاه في (الأم) عن بعض أهل الكلام وغيرهم ممن يفتي.
الثاني: أن الوجوب يختص بآخر الوقت، فإن فعله في أوله كان تعجيلاً وهو محكي عن الحنفية.
الثالث: أنه يختص بالجزء الذي يتصل به الأداء، وإلا فآخر الوقت الذي يسع الفعل ولا يفضل عنه، وحكاه المصنف عن الحنفية تبعاً لقول والده والصفي الهندي أنه المشهور عندهم.
الرابع: وهو محكي عن الكرخي، أنه إن أوقع العبادة في أول الوقت وقع فعله واجباً بشرط بقائه مكلفاً، فإن مات في أثناء الوقت أو خرج عن التكليف بجنون أو نحوه فما فعله أولاً نفل، كذا حكاه عنه الإمام والآمدي وابن الحاجب، وحكى عنه الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع أن الواجب يتعين بالفعل في أي وقت كان، وحكى عنه الآمدي القولين معاً، ولم يحك المصنف هذه المقالة الأخيرة، وبها تكمل في المسألة سبعة مذاهب.
ص: ومن أخر مع ظن الموت عصى، فإن عاش وفعله فالجمهور أداء، وقال القاضيان أبو بكر والحسين: قضاء.
ش: إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر الوقت، تضيق عليه الوقت اعتباراً بظنه، فإن أخر العبادة عصى فإن تخلف ظنه فعاش وفعلها في الوقت فقال الجمهور، هي أداء، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه، حكاه عنهم ابن الحاجب، وقال السبكي: إنه الحق.
وقال القاضي أبو بكر والقاضي الحسين: هي قضاء.
وقال الشارح: إنه لا يعرف عن القاضي حسين التصريح بذلك، والظاهر أن المصنف أخذه بالاستلزام من قوله، فيما إذا شرع في الصلاة ثم أفسدها ثم صلاها في وقتها إنها قضاء لتضيق الوقت بالشروع، فإنه لا يجوز له الخروج عنها، فلم يبق لها وقت شروع، فكانت قضاء، وفيه نظر، فإن القاضي أبا بكر قال: إنها قضاء لاعتقاده أن الوقت خرج، وقال القاضي الحسين: إن الوقت باق مع كونها قضاء.
قلت: الظاهر أن مراد القاضي حسين بقاء الوقت في حق غيره، لا في حقه هو، فهي كمقالة القاضي أبي بكر، والله أعلم.
واعلم أن تصوير المسألة بالموت مثال، فلو ظن الفوات بسبب آخر كإغماء وجنون وحيض فالحكم كذلك، ولهذا قال في (النهاية): لو اعتادت طرو الحيض عليها في أثناء الوقت من يوم معين تضيق الوقت عليها.
ص: ومن أخر مع ظن السلامة فالصحيح لا يعصي بخلاف ما وقته العمر كالحج.
ش: هذا مقابل لقوله فيما تقدم: (ومن أخر مع ظن الموت) والقسمان في الواجب المؤقت المحدود الطرفين، فإذا أخر الصلاة مع ظن السلامة بالاستصحاب فمات في أثناء الوقت فالصحيح أنه لا يعصي، لأنه مأذون له في التأخير، وقيل: يعصي، وإلا لم يتحقق الوجوب، أما لو أخر فنام إلى خروج الوقت عن غير غلبة فإنه يعصي إن غلب على ظنه أنه لا يستيقظ إلا بعد خروجه، أو استوى عنه الاحتمالان كما صرح ابن الصلاح بالثانية.
أما الموسع بمدة العمر كالحج وقضاء الفائتة بعذر فإنه يعصي فيه بالموت، على الصحيح، وإن لم يغلب على ظنه قبل ذلك الموت، وقيل: لا، وقيل: يعصي الشيخ دون الشاب، واختاره الغزالي، وحكى الجوزي عن الأصحاب تقدير التأخير المستنكر ببلوغه نحوا من خمسين سنة أو ستين سنة، وهو غريب، والفرق على الصحيح بين هذا وبين المحدود الطرفين خروج الوقت في الحج بالموت بخلاف الصلاة، فإن وقتها باق، ونظير الحج أن يموت آخر وقت الصلاة فإنه يعصي لخروج الوقت والله أعلم.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الموسَّع, الواجب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir