دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 08:24 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الواجب المخيَّر

مَسْأَلَةُ: الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ الْكُلَّ، وَيَسْقُطُ بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ مُعَيَّنٌ، فَإِنْ فَعَلَ غَيْرُهُ سَقَطَ، وَقِيلَ هُوَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، فَإِنْ فَعَلَ الْكُلُّ، فَقِيلَ الْوَاجِبُ أَعْلَاهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا، فَقِيلَ: يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ، وَقِيلَ لَمْ تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ.

  #2  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) مُبْهَمٍ (مِنْ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي أَيَّتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا (يُوجِبُ وَاحِدًا) مِنْهَا (لَا بِعَيْنِهِ)، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ لَهَا لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ (وَقِيلَ) يُوجِبُ (الْكُلَّ) فَيُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ (وَيَسْقُطُ) الْكُلُّ الْوَاجِبُ (بِوَاحِدٍ) مِنْهَا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (وَقِيلَ الْوَاجِبُ) فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا (مُعَيَّنٌ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْمَأْمُورَ بِهِ ; لِأَنَّهُ طَالَبَهُ وَيَسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَجْهُولِ. (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ الْمُعَيَّنَ فَذَاكَ، وَإِنْ فَعَلَ (غَيْرُهُ) مِنْهَا (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ عِلْمِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ بَلْ يَكْفِي فِي عِلْمِهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى قَوْلِنَا: التَّمَيُّزُ أَحَدُ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ (مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ) لِلْفِعْلِ مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْهَا يَفْعَلُ قُلْنَا الْخُرُوجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا لِخُصُوصِهِ لِلْقَطْعِ بِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَهِيَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى نَفْيِ إيجَابِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَنَفَيْهِمْ تَحْرِيمَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَتُعْرَفُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَفْعَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا.
(فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ عَلَى قَوْلِنَا (الْكُلُّ) وَفِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَأَدْنَى كَذَلِكَ (فَقِيلَ الْوَاجِبُ) أَيْ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ كَثَوَابِ سَبْعِينَ مَنْدُوبًا أَخْذًا مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (أَعْلَاهَا) ثَوَابًا ; لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لَا يُنْقِصُهُ عَنْ ذَلِكَ.
(وَإِنْ تَرَكَهَا) بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (فَقِيلَ: يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا) عِقَابًا إنْ عُوقِبَ ; لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَثَوَابُ الْوَاحِدِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرُ التَّأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصُ وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا حَتَّى أَنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَمَادَى بِهِ الْوَاجِبُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ.
(وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ) مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ فِي أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ كَمَنْعِهِمْ إيجَابَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِيهِمَا (وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ) أَيْ وَالْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ نَحْوَ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْبَيْضَ، يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ تَرْكُهُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ: ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكٍ وَفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا سَوَاءٌ أَفُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ: الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ، وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلِتَحْقِيقِ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، حَتَّى أَنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا (وَقِيلَ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ مِنْ طَرَفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لَمْ تَرِدْ بِهِ) أَيْ بِتَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ (اللُّغَةُ) حَيْثُ لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَتْ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وقَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ لِمُسْتَنِدِهِ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ.

  #3  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


ص: (مسألة الأمر بواحد من أشياء يوجب واحداً لا بعينه، وقيل: الكل ويسقط بواحد، وقيل: الواجب معين، فإنَّ فعل غيره سقط، وقيل: هو ما يختاره المكلف).
ش: هذه مسألة الواجب المخير كخصال الكفارة، وحكي فيها أربعة مذاهب، أصحها: أن الواجب واحد لا بعينه، وهو الكل المشترك بينَ الخصال المأمور بها، ونقل القاضي إجماع سلف الأمة وأئمة الفقهاء عليه، وحرر ابْن الْحَاجِبِ معنى الإبهام فقالَ: إن متعلق الوجوب هو القدر المشترك بينَ الخصال ولا تخيير فيه؛ لأنَّه لا يَجُوز تركه، ومتعلق التخيير خصوصيات الخصال ولا وجوب فيها والثاني: أن الكل واجب ولكن يسقط بفعل واحد، ونقله القاضي عن أبي علي وابنه من المعتزلة، وبعض الفقهاء، ولم يصحح إمام الحرمين النقل عنه، قالَ: لأنَّه لا يؤثم التارك إثم من ترك واجبات، ولا يثبت لمن فعل الجميع ثواب واجبات ومن فعل واحداً سقط عنه الوجوب فلا خلاف معنى، قلت: مأخذ الخلاف الحسن والقبح العقليان، إذ الوجوب عندَه يتبع الحسن الخاص، فيجب عندَ التخيير استواء الجميع في الحسن الخاص وإلا وقع التخيير بينَ حسن وغيره، وهذا تحقيق ما نقلوه عنه، وأنه لم يرد ما لمحه الإمام من الثواب والعقاب، ولهذا قالَ الناصرون لمذهبه: إن إيجاب مبهم ممتنع، إذا كانَ واحد من الثلاثة واجباً واثنان غير واجب، لخلا اثنان من المقتضي للوجوب، فلا بد وأن يكون كل واحد بخصوصه مشتملاً على صفة تقتضي وجوبه، ولكن كل منهما يقوم مقام الآخر ولهذا يسمى بالواجب المخير.
والثالث: أن الواجب مبهم عندَنا معين عندَ اللَّه تَعَالَى، ويسقط الوجوب به، وبفعل غيره من الأشياء المذكورة، ويسمى قول التراجم؛ لأنَّ الأشاعرة تنسبه إلى المعتزلة، والمعتزلة تنسبه إلى الأشاعرة، واتفق الفريقان على فساده، قالَ والد الْمُصَنِّف، وعندي أنه لم يقل به أحد، وإنما المعتزلة تضمن ردهم علينا ومبالغتهم في تقرير تعلق الوجوب بالجميع ـ ذلك، فصار معنى يرد عليهم، وأما رواية أصحابنا له عن المعتزلة ـ، فلا وجه له، لمنافاته قواعدهم، قلت: لكن أبا الحسين القطان من أئمة أصحابنا حكاه في كتابه (أصول الفقه) عن بعض الأصوليين. والرابع: أن الواجب واحد وهو ما يفعله المكلف كذا حكاه ابْن الْحَاجِبِ ، وأغرب ابن السمعاني في (القواطع) فحكاه عن جمهور الفقهاء: إنه يتعين بالفعل، فيكون مبهما قبل الفعل متعينا بعد الفعل بفعله. انتهى.
قيل: فلو فعل الجميع كانَ الكل واجباً على هذا القول. واعلم أن تعبير الْمُصَنِّف عنه بقوله: (ما يختاره المكلف) غير مطابق، والذي تحققته أنه قول خلاف الذي قيل، ولهذا قالَ الشيخ تقي الدين في (شرح الإلمام) اختلف في الواجب المخير، فقيل: الكل واجب على البدل، وقيل: الواجب واحد لا بعينه يتعين باختيار المكلف، وقيل يتعين بالفعل لا بالاختيار، انتهى.
وحينئذ تصير المذاهب خمسة، ولا يقال: إن هذا هو القول الأول الصحيح؛ لأنَّ مذهب أصحابنا أنه مبهم لم يزل وإذا فعل فمتعلق الوجوب مسمى أحدهما لا ذلك المفعول بخصوصه، ثمَّ قالَ المحققون منا كإمام الحرمين والشيخ إبي إسحاق وغيرهما، ومنهم كأبي الحسين البصري: إنه لا خلاف بينَ الفريقين في المعنى لاتفاقهما على أنه لا يجب الإتيان بالكل، ولا ترك كل واحد، وعليه أن يأتي بأي واحد منها شاء نعم، يتحقق الخلاف على القولين السابقين عن ابن دَقِيقِ العِيدِ: أن الوجوب التخييري هل معناه: أن باختياره يصير واجباً أو أن باختياره يصير معينا للوجوب ؟ وقالَ ابن فورك، والغزالي: تظهر فائدته في الثواب كما سيأتي.
تنبيه: موضع المسألة ما إذا كانَ ثابتاً بالنص في أصل المشروعية، وأما ما شرع من غير تنصيص على التخيير، كتخيير المستنجي بينَ الماء والحجر، والتخيير في الحج بينَ الإفراد والقران والتمتع ونحوها، فهذا لا يدخل في المسألة والغالب في أكثرها الترجيح، وقد يستحب الجمع بينَهما كالماء والحجر، لكن الشيخ أبو مُحَمَّد الجويني في باب الاستنجاء من (الفروق) جعل التخيير بينَ الماء والحجر، من هذا الباب.
ص: (فإن فعل الكل فقيل: الواجب أعلاها، وإن تركها فقيل: يعاقب على أدناها).
ش: حق الْمُصَنِّف أن يقول فعل الكل معاً، فإنَّه لو فعلها على التعاقب، كانَ الأول هو الواجب، ويتصور فعل الكل معا في الكفارة بأن يوكل فيها أو يوكل في البعض، ويباشر في البعض، وتتفق أفعالهم في وقت واحد، وما حكاه الْمُصَنِّف من أن الواجب أعلاها، حكاه ابن السمعاني في (القواطع) عن الأصحاب، فقالَ: قالَ أصحابنا: إذا فعل الجميع فالواجب أعلاها، لتكثير ثوابه، انتهى.
وحكاية هذا عن الأصحاب غريب، ولعله بناه على اختياره أن الوجوب يتعين بالفعل، ونقله عن الجمهور وسبق منازعته فيه، وقياس قول الأصحاب أن الواجب أحدها:ـ أنه يثاب على مسمى واحد منها؛ لأنَّه الواجب من غير نظر إلى الأعلى؛ لأنَّ الأعلى ليس هو الواجب بخصوصه، وقد نقل القاضي عن أصحابنا أن الواجب واحد إذا أتي بالجميع من غير تقييد بالأعلى، وجزم الشيخ أبو إسحاق في (اللمع) بأنه يسقط عنه الفرض بواحد منها، والباقي تطوع، وأما إذا تركها فالقول بأنه يعاقب على أدناها نقله ابن السمعاني عن الأصحاب، وقد يوجه بأن الوجوب يسقط بفعل الأدنى، وقد أنكر عليه بعضهم، وقالَ: إنما هو قول القاضي أبو بكر، قلت: وعبارة القاضي أبي الطيب الطبري، يأثم بمقدار عقاب أدناها لا أنه نفس عقاب أدناها، وينبغي أن يأتي هنا قول أنه لا يعاقب إلا على مسمى أحدها.
ص: (ويَجُوز تحريم واحد لا بعينه، خلافاً للمعتزلة وهي كالمخير).
ش: النهي عن واحد من الأشياء على التخيير كقوله: لا تكلم زيداً أو عمراً، يقتضي تعلق النهي بواحد لا بعينه، فله فعل أحدهما دون الآخر، وإنما يمتنع الجمع بينهما، هذا قول أصحابنا وقاسوه على الأمر بواحد من أشياء، فإنَّه لا يقتضي وجوب الجميع، فكذلك الأمر بالترك في أحد شيئين لا يقتضي وجوب تركهما وإلحاقهما بالمخيرة، وذكره الآمدي وابْن الْحَاجِبِ ، لكن المعتزلة لم يوجبوا فعل الجميع هناك، وههنا أوجبوا اجتناب الجميع، فلا يَجُوز له فعل واحد منهما، وبنوا هذا على أصلهم: أن النهي لا يرد إلا عن قبيح، فإذا نهي عنهما ثبت قبحهما وكانا منهيين وإن ورد النهي بلفظ التخيير، اللهم إلا أن يدل دليل على أن كل واحد منهما منهي عنه بشرط وجود الآخر، فيكون للتخيير ههنا فائدة بأن يقال: لا تأكل أو لا تشرب، ويدل الدليل على أنه إنما نهى عن الأكل بعد وجوب الشرب، وكذا إنما نهي عن الشرب بعد وجود الأكل فيكونا منهيين على طريقة التخيير على هذا الوجه، هذا تحرير مذهب المعتزلة كما قالَ ابن السمعاني وغيره، وحينئذ فلا يصح إطلاق إلحاقها بالمخير، واستشكل القرافي القول بأن النهي يرد معَ التخيير بينَ أمرين فصاعداً، وفرق بينه وبين الأمر بواحد من أشياء، بأن الأمر هناك يتعلق بمفهوم أحدها الذي هو قدر مشترك بينها، لصدقه على كل واحد منها، ومتعلق التخيير الخصوصيات، ولا يلزم من إيجاب المشترك إيجاب الخصوصيات كما في إيجاب رقبة مطلقة في العتق، لا يلزم منه إيجاب رقبة معينة، وأما النهي فإنَّه يتعلق بمشترك حرمت أفراده كلها، ويلزم فيه من تحريم المشتركات تحريم الخصوصيات، ثمَّ أجاب عن الجمع بينَ الأختين ونحوها، بأن التحريم إنما يتعلق بالمجموع عيناً لا بالمشترك بينَ الأفراد، والمطلوب أن لا يدخل ماهيته في الوجود وهو المجموع، والماهية تنعدم بانعدام جزء منها، قالَ بعض الفضلاء: والظاهر أن هذا مرادهم بتحريم واحد من الأشياء لا ذاك الذي استشكله، وهو الكلي المشترك؛ لأنَّ من المحال عقلاً أن يفعل الإنسان فرداً من جنس أو نوع أو كلي مشترك من حَيْثُ الجملة، ولا يفع ذلك المشترك المنهي عنه، فإنَّ الكلي مندرج في الجزئي بالضرورة، لكن يشكل كل هذا إحالتهم الكلام في هذه على الكلام في الأمر بواحد من أشياء.
ص: (وقيل: لم ترد به اللغة).
ش: ذكر الْمُصَنِّف أن الماوردي حكاه في (شرح البرهان)، قلت: وقد سبقه إليه القاضي في (التقريب) فحكاه عن بعض المعتزلة، وأولوا قَوْلُه تَعَالَى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} على جعل (أو) بمعنى الواو، وقالَ الإمام في (التلخيص) أنكر معظم المعتزلة النهي عن شيئين على التخيير، ثمَّ اختلفوا، فمنهم من أنكره من جهة اللفظ واللغة، ومنهم من منعه من جهة العقل؛ لأنَّه إذا قبح أحدهما قبح الآخر، قالَ: فأما ما أنكروه من جهة اللغة فساقط لا طائل تحته، فإنا لم نخالفهم في لفظ بعينه فيفرض الكلام فيه، وإنما خالفناهم في تصور ورود النهي على معرض التخيير، فإنَّ استبعدوا ذلك في الألفاظ التي استشهدوا بها أوردنا عليهم من الصرائح ما لا يجدون إلى جحده سبيلاً، وأما المنكرون له عقلاً، فمبني على أن القبح يرجع إلى صفة ذاتية، وهو باطل.

  #4  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 04:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: الأمر بواحد من أشياء يوجب واحداً لا بعينه، وقيل: الكل ويسقط بواحد، وقيل: الواجب معين، فإن فعل غيره سقط، وقيل: هو ما يختاره المكلف.
ش: الأمر بواحد من أشياء وهو الواجب المخير كخصال الكفارة فيه مذاهب.
أصحها: أن الواجب منها واحد لا بعينه، وحكى القاضي أبو بكر إجماع سلف الأمة وأئمة الفقهاء عليه، وحرر ابن الحاجب معنى الإبهام فيه فقال: إن متعلق الوجوب هو القدر المشترك بين الخصال، ولا تخيير فيه، لأنه لا يجوز تركه، ومتعلق التخيير خصوصيات الخصال، ولا وجوب فيها.
قلت: أراد بالقدر المشترك أحد قسميه وهو المبهم بين شيئين أو أشياء، كأحد الرجلين، فأما القسم الآخر وهو المتواطئ، كالرجل فلا إبهام فيه، لأن حقيقته معلومة متميزة عن غيرها، ولا يقال: إن الوجوب يتعلق بخصوصياته لا على التعيين، ولا على التخيير، وليس من الواجب المخير في شيء، والله أعلم.
الثاني ـ وهو قول المعتزلة ـ أن الكل واجب، لا على معنى أنه يجب الإتيان بجميعها، بل يسقط الواجب بفعل واحد منها، فلا خلاف بيننا وبينهم في المعنى، لكن فروا من انتفاء وجوب بعضها، لما فيه من التخيير بين واجب وغيره، بناء على قاعدتهم في أن الأحكام تابعة للمصالح، فإن كان بعض الخصال ليس فيه مقتضى الوجوب لم يصح التخيير بينه وبين ما فيه مقتضى الوجوب وإلا لزم القول بوجوب الكل.
الثالث: أن الواجب معين، أي عند الله تعالى، ويسمى هذا قول التراجم، لأن كلا من الأشاعرة والمعتزلة ترويه عن الأخرى وهي تنكره، فاتفق الفريقان على بطلانه.
قال والد المصنف: وعندي أنه لم يقل به قائل، وعلى هذا القول قولان:
أحدهما: أن الآتي ببعض الخصال إن صادف الواجب فذاك، وإلا فقد أتى ببدله، فيسقط الوجوب بفعل ذلك البدل.
ثانيهما: أن الواجب يتعين باختيار المكلف، فأي خصلة أتى بها تعينت للوجوب.
ص: فإن فعل الكل فقيل الواجب أعلاها وإن تركها فقيل: يعاقب على أدناها.
ش: المراد ما إذا فعلها دفعة واحدة، فإنه إذا أتى بها على التعاقب كان الأول هو الواجب، والقول بأن الواجب أعلاها، وأنه في الترك يعاقب على أدناها حكاه في (المحصول).
وقال ابن التلمساني: إنه الحق، وحكاه ابن السمعاني في (القواطع) عن الأصحاب، وضعفه صاحب (الحاصل) لأنه يوجب تعيين الواجب، وفيه نظر، فإنه لا يلزم من تعيينه بعد الإيقاع تعينه في أصل التكليف والمحذور هو الثاني.
ص: ويجوز تحريم واحد لا بعينه، خلافاً للمعتزلة، وهي كالمخير، وقيل: لم ترد به اللغة.
ش: اختلف في الحرام المخير فأثبته الأشاعرة، ونفاه المعتزلة، ومثاله نكاح الأختين، ونقل السبكي عن شيخه علاء الدين الباجي أنه قال: الحق نفيه، لأن المحرم، الجمع بينهما لا إحداهما، ولا كل واحدة منهما، ثم قال السبكي: وأنا أقول كذلك: إن المحرم في الأختين الجمع بينهما، وأثبت الحرام المخير، وأمثله، بما إذا أعتق إحدى أمتيه، فإنه يجوز له وطء إحداهما، ويكون الوطء تعييناً للعتق في الأخرى، وكذا طلاق إحدى امرأتيه، إذا قلنا بأحد القولين: إن الوطء تعيين، قال: ففي هذين المثالين الحرام واحدة، لا بعينها.
وهذه المسألة كالتخيير، وهو الأمر بخصلة مبهمة من خصال معينة، وبنى المعتزلة نفي الحرام المخير على أصلهم في تبعية الحكم للمصالح، وقالوا: النهي عن إحداهما يدل على قبحهما، فيجب اجتنابهما فلا يثبت الحرام المخير، فامتناعه من جهة العقل، وحكى المصنف قولاً أن امتناعه من جهة اللغة، فإنها لم ترد به، وأجاب قائل هذا عن قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفوراً} بأن (أو) بمعنى (الواو) وقال إمام الحرمين: إنه ساقط لا طائل وراءه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المخيَّر, الواجب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir