هذا المعنى حين انقدحَ في ذهني ، شعرتُ أن السماءَ فتحتْ أمامي أبوابها ، وقررتُ أن أقومَ بتجربةٍ عمليةٍ ، لأقفَ على مدى قدرتي في قراءة وجهٍ واحدٍ
من القرآن ( صفحة واحدة فقط ) !!
وتسمرتُ أمام ساعةِ المسجدِ الكبيرةِ ، التي تتصدرُ الواجهة ، وضبطتُ عيني على عقاربها ، ثم شرعتُ أقرأ ، قراءة فيها شيء من سرعة
حين رفعتُ رأسي إلى الساعةِ عندَ آخرِ كلمةٍ في ذيلِ تلك الصفحةِ ، كانت المفاجأةُ التي لم تكنْ في الحسبان !!
لقد نجحتُ بامتيازٍ في قراءة صفحةٍ كاملةٍ في دقيقة واحدة فقط !!!!
وأعدتُ التجربةَ مع الصفحةِ الثانيةِ ، ثم الثالثة ، والرابعةِ ، والخامسةِ ...
وفي كل مرةٍ كنتُ أجدُ نفسي أنتهي من قراءةِ الصفحةِ في تمامِ الدقيقةِ ، قد تزيدُ بضعة ثوانٍ أحياناً ، ولكنها تنقصُ بعضة ثوانٍ في صفحاتٍ أخرى !!!!
وهالني ما عثرتُ عليه ، وكدتُ أبكي من الفرحِ والحزنِ معاً !!
أما الفرحُ فلأني شعرتُ بنعمة اللهِ عليّ حينَ أعانني على ذلك ..
لأن معنى ذلك أنني قادرٌ على قراءةِ جزءٍ كاملٍ في عشرين دقيقة فقط !!
لأن الجزءَ من القرآنِ لا يتعدى العشرين صفحة!!
وأما بكاءُ الحزنِ والحسرة ، فلأن عمراً طويلاً مضى من حياتي انطوى وأنا مغيّب الوعي ، غافل عن هذا الكنز العظيم ، أتلهى بملهياتٍ كثيرةٍ ،
لا تسمن ولا تغني من جوع .. واحسرتاه !!!
قال الراوي :
ثم كانت الخطوةُ التاليةُ التي فتحَ الله بها على قلبي .. لأضربَ عصفورين بحجر واحدة ، في هذا المشروع الفريد بالنسبة لي ..
قلتُ لنفسي : هناكَ خمسُ صلواتٍ .. أكرمني اللهُ بالمحافظة عليها ، وإن كان يفوتني أحيانا بعض ركعاتها..
أما اليوم .. فلو أني أستغلُ هذه الصلوات ، لاستطعتُ أن أنجزَ قراءة أكثر من جزئين
بدون كلفةٍ ولا مشقةٍ ولا جهدٍ يُذكَـر ألبته ..!!كيف !؟
لو أني بادرتُ إلى المسجدِ بعد الأذانِ مباشرة ، فصليت السنة ، ثم قرأتُ لمدةِ خمس دقائق فقط ، ثم إذا انتهت الصلاةُ ألزمتُ نفسي بالبقاء في المسجد
لأقرأ خمس دقائق ( فقط ) .. لكانَ مجموعُ ما قرأته في الصلاةِ الواحدةِ عشر صفحات !!
أي أنني بهذا أكونُ قد قرأتُ ( نصف جزء ) !!
فإذا تكرر هذا في كل صلاةٍ ، لكان مجموع ما أقرأ في اليوم جزئين ونصف !!
وحتى أجعلها ثلاثة أجزاء ، سأوزعُ النصف المتبقي ( عشر دقائق ) هنا وهناك قبل وبعد الصلاة أو حتى قبيل النوم ..أو في أي وقت ..!!
المهم أن لا ينطوي هذا اليوم إلا وقد قرأتُ ثلاثةَ أجزاءٍ من كتاب الله تعالى ..
ومعنى ذلك :
أنني سأختم المصحفَ كاملاً في كل عشرة ايامٍ !!
أما إذا ضغطتُ على نفسي ، لأقرأ عشرَ صفحاتٍ قبل الصلاةِ .. وعشراً بعدها ..
فمعنى ذلك أنني سأقرأ خمسة أجزاء في كل يوم !!!!!!
يا إلهي !!! هل حقاً سيتحققُ لي ذلك !؟
أحسبه كالحلم الذي لم يراودني حتى في المنام !!!
وشرعتُ أنفذ ، مستعيناً بالله رب العالمين ..
ويسر اللهُ المهمة ، وأعان على أنجاز ما لم أتوقعه يوماً ، وأصبحت بفضل الله ومنه
أقرأ الأجزاء الثلاثةَ بكلِ يسرٍ ، وبلا مشقةٍ ، ولا كلفةٍ ، بل بكل انشراحِ صدر .
وربما مرت بي أيام يعينُ الله سبحانه فأتجاوز الثلاثة الأجزاء إلى الأربعة والخمسة !!
وذلك حين يشرح الله صدري لأجلس في المسجد وقتاً أطول ، أو يعين الله على استغلال أوقات الفراغ ، التي كانت تملأ مساحة يومي في بعض الأحيان !!
ويبقى سؤال لابد أن يثور هاهنا :
لنفترض أنني لم أتمكنْ من حضورِ الصلاة إلا مع الإقامة أو بعد الإقامة ، فمعنى ذلك أنه فاتني أن أقرأ شيئا قبل الصلاة .. فما العمل !؟؟
بسيطة أيها الحبيب !! عوض ما فاتك قبل الصلاة ، بالجلوس بعدها..
ألزم نفسك بذلك .. و كفى الله المؤمنين القتال !!
المهم أنْ تعوضَ ما فاتك في أي وقتٍ يتاحُ لك ..
فإنّ هذا القرآنَ مباركٌ ، ولابدَ أن ينفحَ قلبكَ ببركته ،
وهو نورٌ ، فلابدَ أن تقتبسَ روحُكَ من أنواره ،
وهو هدى ، فلا بد أن تجد نفسكَ فيه معالم طريق الهداية ،
وهو شفاء ، فلابد أن تذوقَ بركة شفائه لأمراض قلبك .. وهكذا ..
كفانا هجراً لكلام ربنا .. كفانا جفاء لهذا النور الخالد ..!
وخلاصة هذه الفكرة كالتالي :
استعانة بالله + تنظيم وقت + استغلال لأوقات الفراغ = إنجازٌ مذهلٌ مع كتاب الله ..!!
ولن أقول لك : جرّبْ وأنتَ الحكم ..!!
بل أقولُ لكَ جازما ً : توكل على الله وسترى ما يدهشك !!
دعونا نتفق على حدٍ أدنى وحدٍ أعلى مفتوح :
أما الحد الأدنى .. فقراءة جزئين في كلّ يومٍ لا ترض بأقل من ذلك
وأما الحد الأعلى فخمسة .. وما فوق
منقـــــول..ومن أراد أن ينقله فجزاه الله خيرا
اللهم أغفرلي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات