دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 ذو القعدة 1442هـ/13-06-2021م, 01:15 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الأحرف السبعة

فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الأحرف السبعة

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 ذو القعدة 1442هـ/13-06-2021م, 01:20 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

1017 - 5 مسألة:
في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنزل القرآن على سبعة أحرف» ما المراد بهذه السبعة. وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها. وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف. وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أم لا. وإذا جازت القراءة بها فهل تجوز الصلاة بها أم لا؟ أفتونا مأجورين. [الفتاوى الكبرى: 4 / 414]
الجواب:قال تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت: 728هـ):
(الحمد لله رب العالمين. هذه مسألة كبيرة قد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب، وغيرهم، حتى صنف فيها التصنيف المفرد، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب " شرح الشاطبية ". فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطا فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك، وذكر ألفاظها وسائر الأدلة إلى ما لا يتسع له هذا المكان، ولا يليق بمثل هذا الجواب، ولا نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين، والشام، إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة من القرآن وتفسيره والحديث، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية، فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غيره من العلماء أن القراءات السبعة هي الحروف السبعة، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم.
ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المائتين. ولا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده، بل قد يكون معناها متفقا أو متقاربا كما قال عبد الله بن مسعود: إنما هو كقول أحدكم أقبل، وهلم، وتعال.
وقد يكون معنى أحدها ليس هو معنى الآخر، لكن كلا المعنيين حق، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض، وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث حديث:
«أنزل القرآن على سبعة أحرف: إن قلت غفورا رحيما أو قلت عزيزا حكيما، فالله كذلك ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة» . وهذا كما في القراءات المشهور: إلا أن يخافا ألا يقيما. وإلا أن يخافا ألا يقيما، وإن كان مكرهم لتزول. ولتزول منه الجبال، وبل عجبت، وبل عجبت، ونحو ذلك.
ومن القراءات ما يكون المعنى فيها متفقا من وجه، متباينا من وجه كقوله: يخدعون ويخادعون، ويكذبون ويكذبون، ولمستم ولامستم، وحتى يطهرن ويطهرن، ونحو ذلك، وهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية يجب الإيمان بها كلها، واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى، ظنا أن ذلك تعارض، بل كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - من كفر بحرف منه فقد كفر به كله.
وأما ما اتحد لفظه ومعناه، وإنما يتنوع صفة النطق به كالهمزات والمدات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها ونحو ذلك مما تسمى القراءات الأصول، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد، مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى، إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا، ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها، مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه النقط أو الشكل.
ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعين من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف، بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة سفيان بن عيينة.
وأحمد بن حنبل، وبشر بن الحارث، وغيرهم يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع، وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق، وغيرهم على قراءة حمزة، والكسائي.
وللعلماء في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب ويقرءونه في الصلاة، وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم. وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة وجرت له قضية مشهورة فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه: ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها أو لم تثبت عنده كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات فليس له أن يقرأ إلا بعلمه فإن القراءة كما قال زيد بن ثابت سنة يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه، وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ولا أن يخالفه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» .
وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء - رضي الله عنهما - {والليل إذا يغشى} [الليل: 1] {والنهار إذا تجلى} [الليل: 2] {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3] . كما قد ثبت ذلك في الصحيحين، ومثل قراءة عبد الله: فصيام ثلاثة أيام متتابعات. وكقراءته: {إن كانت الأزقية واحدة} . ونحو ذلك. فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك:
إحداهما: يجوز ذلك لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرءون بهذه الحروف في الصلاة.
والثانية: لا يجوز ذلك وهو قول أكثر العلماء، لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن ثبت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم - «أن جبريل - عليه السلام - كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين» ، والعرضة الأخيرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر، وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره.
وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل وهو أن القراءات السبعة هل هي حرف من الحروف السبعة أم لا، فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على جبريل.
والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول. وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر الباقلاني، وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين. بمصحف وأمر بترك ما سوى ذلك. قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة.
ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة، وإن كان جائزا لهم، مرخصا لهم فيه، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبا عليهم منصوصا بل مفوضا إلى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره. وأما ترتيب آيات السور فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم.
قالوا: فكذلك الأحرف السبعة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعا سائغا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور. ومن هؤلاء من يقول بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أوفق لهم، أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون إنه نسخ ما سوى ذلك.
وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.
وأما من قال عن ابن مسعود إنه يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه، وإنما قال: قد نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم أقبل، وهلم، وتعال، فاقرءوا كما علمتم. أو كما قال، فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها، ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول ليس هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن.
وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين. ولهذا كان في المسألة: قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات، أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة وهي الفاتحة عند القدرة عليها لم تصح صلاته، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها.
وهذا القول ينبني على أصل، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها، فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا.
وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره، ممن أثبت البسملة من القرآن في غير سورة النمل. لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه، والصواب القطع بخطإ هؤلاء، وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف، إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن، وجردوه عما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور ولكن مع ذلك لا يقال هي من السورة التي بعدها كما ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية أنزلها الله في أول كل سورة، وإن لم تكن من السورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.
وسواء قيل بالقطع في النفي والإثبات فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت، بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء إن كل واحد من القولين حق، وإنها آية من القرآن في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين، وليست آية في بعض القراءات، وهي قراءة الذين يصلون. لا يفصلون بها.
وأما قول السائل ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف، فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد، بل القراءة سنة متبعة، وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمامي، وقد قرأ بعضهم بالياء، وبعضهم بالتاء، لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف. ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء، ويتنوعون في بعض كما اتفقوا في قوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة: 74] في موضع وتنوعوا في موضعين، وقد بينا أن القراءتين كالآيتين فزيادة القراءات لزيادة الآيات، لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذلك أخصر في الرسم.
والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب، لا على حفظ المصاحف، كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن ربي قال لي قم في قريش فأنذرهم، فقلت أي رب إذا يثلغوا رأسي أي يشدخوا فقال: إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا فابعث جندا أبعث مثليهم، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق أنفق عليك» .
فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرءونه إلا نظرا لا عن ظهر قلب.
وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من الصحابة كالأربعة الذين من الأنصار، وكعبد الله بن عمرو. فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف، وكذلك ليست هذه القراءات السبعة هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها باتفاق العلماء المعتبرين، بل القراءات الثابتة عن أئمة القرآن كالأعمش، ويعقوب، وخلف، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة عند من ثبت ذلك عنده، كما ثبت ذلك.
وهذا أيضا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمامي الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان والأئمة بعدهم، هل هو بما فيه من القراءات السبعة وتمام العشرة وغير ذلك، هل هو حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: والأول: قول أئمة السلف والعلماء.
والثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم، وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضا خلافا يتضاد في المعنى ويتناقض، بل يصدق بعضها بعضا كما تصدق الآيات بعضها بعضا. وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع، لا إلى الرأي والابتداع.
أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل إن ذلك حرف من الأحرف السبعة، فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف، مع تنوع الأحرف في الرسم، فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى، وهذا من أسباب تركهم المصاحف أول ما كتبت غير مشكولة ولا منقوطة لتكون صورة الرسم محتملة للأمرين كالتاء والياء، والفتح والضم، وهم يضبطون باللفظ كلا الأمرين، ويكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيها بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين. فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعا كما قال أبو عبد الرحمن السلمي، وهو الذي روى عن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . كما رواه البخاري في صحيحه
وكان يقرئ القرآن أربعين سنة، قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا.
ولهذا دخل في معنى قوله «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» تعليم حروفه ومعانيه جميعا، بل تعلم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الإيمان، كما قال جندب بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وغيرهما: تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا، وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان.
وفي الصحيحين: عن حذيفة قال: «حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين، رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ونزل القرآن» ، وذكر الحديث بطوله، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك.
وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس. وتلقاه أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه، وذلك مما أوحاه الله إليه كما قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}[الشورى: 52] وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست شاذة حينئذ، والله أعلم. [الفتاوى الكبرى: 4 / 414- 424]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
صيد, فتوى


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir