دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > أنموذج جليل لابن أبي بكر الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ربيع الأول 1432هـ/4-03-2011م, 03:05 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي سورة الأنبياء

سورة الأنبياء عليهم السلام
فإن قيل: كيف قال تعالى: (اقترب للنّاس حسابهم) وصفه بالقرب، وقد مضى من وقت هذا الإخبار أكثر من ستمائة عام ولم يوجد يوم الحساب بعد؟
قلنا: معناه أنه قريب عند الله تعالى، وإن كان بعيد عند الناس، كما قال تعالى: (إنّهم يرونه بعيدًا) وقال تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون)، الثاني: أن معناه أنه قريب بالنسبة إلى ما مضى من الزمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: إن مثل ما بقى من الدنيا في جانب ما مضى كمثل خيط في ثوب، الثالث: أن المراد به قرب حساب كل واحد في قبره إذا مات، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: من مات فقد قامت قيامته.
الرابع: أن كل آت قريب وإن طالت أوقات استقباله وترقبه، وإنما البعيد الذي وجد وانقرض، ولهذا يقول الناس إذا سافروا من بلد إلى بلد بعدما ولوا أظهرهم البلد الأول، البلد الثاني أقرب، وإن كان أبعد مسافة.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكرٍ من ربّهم محدثٍ) والذكر الآتي من الله تعالى هو القرآن، وهو قديم لا محدث؟
قلنا: المراد محدث إنزاله، الثاني: أن المراد به ذكر يكون غير القرآن من مواعظ الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره، ونسبته إلى
[أنموذج جليل: 334]
الله تعالى لأن موعظته كل واعظ بإلهامه وهدايته، الثالث: أن المراد بالذكر الذاكر، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قوله تعالى في سياق الآية: (هل هذا إلّا بشرٌ مثلكم) وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: (إلّا استمعوه) أي استمعوا ذكره أو موعظته
فإن قيل: النجوى المسارة فما معنى قوله تعالى: (وأسرّوا النّجوى)؟
قلنا: معناه بالغوا في إخفاء المسارة بحيث لم يفطن أحد لتناجيهم ومسارتهم تفصيلا ولا إجمالا، فإن الإنسان قد يرى اثنين يتساران فيعلم من حيث الإجمال أنهما يتساران، وإن لم يعلم تفصيل ما يتساران به، وقد يتساران في مكان لا يراهما أحد.
فإن قيل: كيف قال تعالى لمشركي مكة: (فاسألوا أهل الذّكر)
يعنى فاسألوا أهل الكتاب عمن مضى من الرسل، هل كانوا بشرًا أم ملائكة مع أن المشركين قالوا: (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالّذي بين يديه)؟
قلنا: هم وإن لم يؤمنوا بكتاب أهل الكتاب، ولكن النقل المتواتر من أهل الكتاب في القضية العقلية يفيد العلم لمن يؤمن بكتابهم ولمن لا
[أنموذج جليل: 335]
يؤمن به.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ولا يستحسرون) والاستحسار مبالغة في الحسور وهو الإعياء. فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفى عنهم أدنى الحسور أو مطلقه لا أقصاه.
قلنا: ذكر الاستحسار إشارة إلى أن ما هم فيه من التسبيح الدائم والعبادة المتصلة توجب غاية الحسور وأقصاه.
فإن قيل: قوله تعالى في وصف الملائكة: (بل عبادٌ مكرمون) إلى قوله تعالى: (مشفقون) يدل على أنهم لا يعصون الله تعالى، كما جاء هذا مصرحًا به في قوله تعالى: (لا يعصون اللّه ما أمرهم) فإذا كانوا لا يعصون الله تعالى فلم يخافون حتى قال الله تعالى: (وهم من خشيته مشفقون)؟
قلنا: لما رأوا ما جرى على إبليس وعلى هاروت وماروت من القضاء والقدر خافوا من مثل ذلك، الثاني: أن زيادة معرفتهم بالله تعالى وقربهم في محل كرامته يوجد مزيد خوفهم، ولهذا قال أهل التحقيق: من كان بالله أعرف كان من الله أخوف، ومن كان إلى الله
أقرب (كان) من الله أرهب، وقال بعضهم: يا عجبًا من مطيع آمن ومن عاص خائف.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (أولم ير الّذين كفروا أنّ السّماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناهما)
[أنموذج جليل: 336]
وهم لم يروا ذلك؟
قلنا: معناه أو لم يعلموا ذلك بأخبار من قبلهم أو بوروده في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، ونظيره قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّماوات والأرض) وقول تعالى: (ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابًا...الآية) ونظائره كثيرة.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيٍّ)
مع أن الملائكة أحياء والجن أحياء وليسوا مخلوقين من الماء بل من النور والنار كما قال تعالى: (وخلق الجانّ من مارجٍ من نارٍ)
وكذا آدم مخلوق من التراب، وناقة صالح مخلوقة من الحجر؟
قلنا: المراد به البعض وهو الحيوان كما في قوله تعالى: (وأوتيت من كلّ شيءٍ) وقوله تعالى: (وجاءهم الموج من كلّ مكانٍ) ونظائره كثيرة، الثاني: إن الكل مخلوق من الماء، ولكن البعض بواسطة والبعض بغير واسطة، ولهذا قيل: أنه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء، وخلق الجن من نار خلقها من الماء، وخلق
[أنموذج جليل: 337]
آدم من تراب خلقه من الماء.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (فلا تستعجلون) بعد قوله تعالى: (خلق الإنسان من عجلٍ) وكأنه تكليف ما لا يطاق؟
قلنا: هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة.
فإن قيل: كيف قال تعال: (ولا يسمع الصّمّ الدّعاء إذا ما ينذرون) مع أن الصم لا يسمعون الدعاء إذا ما ينشرون أيضًا؟
قلنا: اللام في الصم إشارة إلى المنذرين السابق ذكرهم بقوله تعالى: (قل إنّما أنذركم بالوحي) فهي لام العهد لا لام الجنس.
فإن قيل: كيف قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (بل فعله كبيرهم هذا) أحال كسر الأصنام إلى الصنم الكبير، وكان إبراهيم هو الكاسر لها؟
قلنا: قاله على (طريق) الاستهزاء ولتهكم بهم (لا) على طريق الجد، الثاني: أنه لما كان الحامل له على كثرها اغتياظه من رؤيتها مصفوفة مرتبة (للعبادة) مبجلة معظمة، وكان اغتياظه
[أنموذج جليل: 338]
من كبيرها أعظم لمزيد تعظيمهم له، أسند الفعل إليه كما يسند إلى سببه، والى الحامل عليه، الثالث: أنه أسنده إليه معلقًا بشرط منتف لا مطلقًا تقديره فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم.
فإن قيل: كيف صح مخاطبة النار بقوله تعالى: (نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم) ولخطاب إنما يكون مع من يعقل؟
قلنا: خطاب التحويل والتكوين لا يختص بمن يعقل، قال الله تعالى: (يا جبال أوّبي معه) وقال تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا) وقال تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء).
فإن قيل: كيف وصف تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بكونهم من الصالحين بقوله تعالى: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل... الآية) مع أن أكثر المؤمنين صالحون خصوصًا في الزمن الأول؟
قلنا: معناه أنهم من الصالحين للإدخال في الرحمة التي أريد بها النبوة على ما فسره (مقاتل أو الجنة على ما فسره) ابن عباس رضي الله عنهما ويؤيد ذلك قول سليمان عليه الصلاة والسلام: (وأدخلني برحمتك في عبادك الصّالحين) أي
[أنموذج جليل: 339]
الصالحين للعمل المرضى الذي سبق سؤاله.
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (والّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا) وقال في سورة التحريم
(ومريم ابنت عمران الّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا)؟
قلنا: حيث أنث أراد النفخ في ذاتها، وإن كان مبدأ النفخ من الفرج الذي هو مخرج الولد، أو جيب درعها على اختلاف القولين لأنه فرجة، وكل فرجة بين شيئين تسمى فرجًا في اللغة، وهذا أبلغ في الثناء عليها، لأنها إذا منعت جيب درعها مما لا يحل كانت لنفسها أمنع وحيث ذكر فظاهر.
فإن قيل: قوله تعالى: (وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون) يدل على (أنه) يجب أن يرجعوا لأن كل ما حرم أن لا يوجد وجب أن يوجد فكيف معنى الآية؟
قلنا: معناها وواجب على أهل قرية عزمنا على إهلاكهم أو قدرنا إهلاكهم أنهم لا يرجعون عن الكفر إلى الإيمان أو أنهم لا يرجعون بعد إهلاكهم إلى الدنيا، فالحرام هنا بمعنى الواجب، كذا قاله ابن عباس رضي الله عنهما ويؤيده قول الشاعر:
فإن حرامًا لا أرى الدهر باكيًا = على شجوة إلا بكيت على عمرو
وقد قيل لفظ الحرام على ظاهره، ولا زائدة، والمعنى ما سبق ذكره
[أنموذج جليل: 340]
والحرمة هنا بمعنى المنع كما في قوله تعالى: (وحرّمنا عليه المراضع من قبل) وقوله تعالى: (إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين).
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون)
وقال تعالى في موضع آخر: (وإن منكم إلّا واردها) وواردوها يكون قريبا منها لا بعيدًا؟
قلنا: معناه مبعدون عن آلامها وعذابها مع كونهم وارديها، أو معناه مبعدون عنها بعد ورودها بالإنجاء المذكور بعد الورود، فلا تنافى بينهما.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وما أرسلناك إلّا رحمةً للعالمين) مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن رحمة للكافرين الذي ماتوا على كفرهم بل نقمة، لأنه لولا إرساله إليهم ما عذبوا بكفرهم لقوله
تعالى: (وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولًا)؟
قلنا: كان رحمة للكافرين أيضًا من حيث إن عذاب الاستئصال أخر عنهم بسببه، الثاني: أنه كان رحمة عامة من حيث إنه جاء بما يسعدهم إن اتبعوه، ومن لم يتبعه فهو الذي قصر في حق نفسه وضيع نصيبه من الرحمة، ومثله صلى الله عليه وسلم كمثل عين
[أنموذج جليل: 341]
عذبة فجرها الله تعالى فسقى ناس زروعهم ومواشيهم منها فأفلحوا، وفرط ناس في السقي منها فضيعوا، فالعين في نفسها نعمة من الله تعالى للفريقين ورحمة، وإن قصر البعض وفرطوا، الثالث: أن المراد بالرحمة الرحيم وهو صلى الله عليه وسلم كان رحيمًا للفريقين ألا ترى أنهم لما شجوه يوم أحد وكسروا رباعيته حتى خر مغشيًا عليه فلما أفاق قال: اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون؟
فإن قيل: كيف قال تعالى هنا: (وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون) مع إخباره تعالى إياهم بقرب الساعة بقوله تعالى: (أتى أمر الله) وقوله تعالى: (اقتربت السّاعة) ونحوهما؟
قلنا: معناه ما أدرى أن العذاب الذي توعدونه وتهتدون به ينزل بكم عاجلا أو آجلًا، وليس المراد به قيام الساعة، ويرد على هذا الجواب أنه قريب على كل تقدير، لأنه إن كان قبل قيام الساعة فظاهر، وإن كان بعد قيام الساعة فهو كالمتصل بها لسرعة زمن الحساب فيكون قريبًا أيضًا.
فإن قيل: إذا كان المؤمنون يعتقدون أن الله تعالى لا يحكم إلا بالحق فما فائدة الأمر أو الإخبار المتعلق بقوله تعالى: (ربّ احكم بالحقّ)؟
[أنموذج جليل: 342]
قلنا: ليس المراد بالحق هنا ما هو نقيض الباطل، بل المراد به ما وعده الله تعالى إياه من نصر المؤمنين وخذلان الكافرين ووعده لا يكون إلا حقًا، فكأنه قال: عجل لنا وعدك وأنجزه ونظيره قوله تعالى: (توكّلنا ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)، الثاني أنه تأكيد لما في التصريح بالصفة من المبالغة وإن كانت لازمة للفعل، ونظيره في عكسه من صفة الذم قول تعالى: (ويقتلون الأنبياء بغير حقٍّ)
[أنموذج جليل: 343]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأنبياء, سورة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir