دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 06:26 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المخصص المتصل: 1: الاستثناء

(المُخَصِّصُ) قِسْمَانِ:
الأَوَّلُ: المُتَّصِلُ، وَهُوَ خَمْسَةٌ:
- الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ الإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ مُطْلَقًا وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ عَادَةً، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى شَهْرٍ وَقِيلَ سَنَةً وَقِيلَ أَبَدًا، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْ عَطَاءٍ وَالحَسَنِ فِي المَجْلِسِ، وَمُجَاهِدٍ إلى سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ، وَقِيلَ بِشَرْطِ أَنْ يُنْوَى الكَلَامِ، وَقِيلَ يجوز فِي كَلَامِ اللَّهِ فَقَطْ، أَمَّا المُنْقَطِعُ فَثَالِثُهَا متواطئ وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ وَالخَامِسُ الوَقْفُ، وَالأَصَحُّ وِفَاقًا لِابْنِ الحَاجِبِ أَنَّ المُرَادَ بِعَشَرَةٍ فِي قَوْلِك عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ العَشَرَةُ بِاعْتِبَارِ الأَفْرَادِ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى البَاقِي تَقْدِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ ذِكْرًا، وَقَالَ الأَكْثَرُ المُرَادُ سَبْعَةٌ، وَإِلَّا قَرِينَةٌ وَقَالَ القَاضِي عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً بإزاء اسْمَيْنِ: مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ، وَلَا يَجُوزُ المُسْتَغْرِقُ خِلَافًا لِشُذُوذٍ، قِيلَ وَلَا الأَكْثَرُ، وَقِيلَ وَلَا المُسَاوِي، وَقِيلَ إنْ كَانَ العَدَدُ صَرِيحًا، وَقِيلَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ العَدَدِ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَقِيلَ لا مُطْلَقًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالعَكْسِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالمُتَعَدِّدَةُ وإنْ تَعَاطَفَتْ فَللأَوَّلِ، وَإلا فَكُلٌّ لِمَا يَلِيهِ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ، وَالوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ للكُلِّ تفريقاً وقيل جمعا وَقِيلَ إنْ سِيقَ الكُلُّ لِغَرَضٍ، وَقِيلَ إنْ عُطِفَ بِالوَاوِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالإِمَامُ للأَخِيرَةِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ، وَقِيلَ بِالوَقْفِ، وَالوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ أَوْلَى بِالكُلِّ، أَمَّا القِرَانُ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ لَفْظًا فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي غَيْرِ المَذْكُورِ حُكْمًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالمُزَنِيِّ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


السابع عشر: ما معنى قولكم في الاستثناء: (من متكلم واحد وقيل مطلقاً)؟
. . .
وأما قولنا في الاستثناء: (من متكلم واحد وقيل مطلقاً) فأشرنا به إلى المسألة التي نقلناها في الشرح عن القاضي وهي: ما إذا قال الله تعالى: {فاقتلوا المشركين}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحال: ((إلاَّ زيداً)) هل يكون تخصيصا بمنفصل أو بمتصل؟ وقد ذكرها الإمام الرازي بحثاً، وكذلك ذكرها الشيخ صفي الدين الهندي، وكأنهما لم يريا فيها نقلاً، ونحن وجدناها مسطورة في كلام مقدم الجماعة، وأستاذ الطائفة القاضي أبي بكر في كتاب (التقريب والإرشاد).

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(الْمُخَصِّصُ) أَيْ الْمُفِيدُ لِلتَّخْصِيصِ (قِسْمَانِ) (الْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ) أَيْ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ يُقَارِنَ الْعَامَّ (وَهُوَ خَمْسَةٌ) أَحَدُهَا (الِاسْتِثْنَاءُ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ (الْإِخْرَاجُ) مِنْ مُتَعَدِّدٍ (بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا)، نَحْوُ خَلَا وَعَدَا وَسِوَى صَادِرًا ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ (مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا) فَقَوْلُ الْقَائِلِ إلَّا زَيْدًا عَقِبَ قَوْلِ غَيْرِهِ جَاءَ الرِّجَالُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي لَغْوٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} كَانَ اسْتِثْنَاءً قَطْعًا لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُرْآنًا. (وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عَادَةً) فَلَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى شَهْرٍ وَقِيلَ سَنَةً وَقِيلَ أَبَدًا) رِوَايَاتٌ عَنْهُ (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي الْمَجْلِسِ وَ) عَنْ (مُجَاهِدٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ إلَى (سَنَتَيْنِ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (بِشَرْطِ أَنْ يُنْوَى فِي الْكَلَامِ) لِأَنَّهُ مُرَادٌ أَوَّلًا (وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي كَلَامِ اللَّهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ أَوَّلًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} نَزَلَ بَعْدَ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} إلَخْ فِي الْمَجْلِسِ وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَغَيْرُهُ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّك إذَا نَسِيت} أَيْ إذَا نَسِيت قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَذَكَّرْتَ فَاذْكُرْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ تَوَسُّعًا فَقَوْلُهُ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} أَيْ مَشِيئَةَ رَبِّكَ. (أَمَّا) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُنْقَطِعُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَكْسَ الْمُتَّصِلِ السَّابِقِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إلَّا الْحِمَارَ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ (متواطئ) فِيهِ وَفِي الْمُتَّصِلِ أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَيْ الْمُخَالَفَةِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ الْآتِيَيْنِ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ لِتَبَادُرِ غَيْرِهِ أَيْ الْمُتَّصِلِ إلَى الذِّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ كَالْمُتَّصِلِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَيُحَدُّ بِالْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ وَهَذَا الْقَوْلِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ (وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُكَرَّرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَطْوِيِّ الثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت (وَالْخَامِسُ الْوَقْفُ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَمْ فِي أَحَدِهِمَا أَمْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا كَانَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِثْنَائِيِّ شِبْهُ التَّنَاقُضِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُسْتَثْنَى فِي ضِمْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ يُنْفَى صَرِيحًا وَكُلُّ ذَلِكَ أَظْهَرُ فِي الْعَدَدِ لِنُصُوصِيَّتِهِ فِي آحَادِهِ دَفَعَ ذَلِكَ فِيهِ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِهِ بِقَوْلِهِ.
(وَالْأَصَحُّ وِفَاقًا لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَشَرَةٍ فِي قَوْلِك) مَثَلًا لِزَيْدٍ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ الْعَشَرَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ) أَيْ الْآحَادِ جَمِيعِهَا (ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ) بِقَوْلِهِ إلَّا ثَلَاثَةً (ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي) وَهُوَ سَبْعَةٌ (تَقْدِيرًا وَإِنْ كَانَ) الْإِسْنَادُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ (ذِكْرًا) فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ الْبَاقِي مِنْ عَشَرَةٍ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِثْبَاتُ وَلَا نَفْيَ أَصْلًا فَلَا تَنَاقُضَ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْمُرَادُ) بِعَشَرَةٍ فِيمَا ذُكِرَ (سَبْعَةٌ وَإِلَّا) ثَلَاثَةٌ (قَرِينَةٌ) لِذَلِكَ بَيَّنَتْ إرَادَةَ الْجُزْءِ بِاسْمِ الْكُلِّ مَجَازًا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً) أَيْ مَعْنَاهُ بِإِزَاءِ (اسْمَيْنِ مُفْرَدٌ) وَهُوَ سَبْعَةٌ (وَمُرَكَّبٌ) وَهُوَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً وَلَا نَفْيَ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ وَوَجْهُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَوْفِيَةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ بِخِلَافِهِمَا. (وَلَا يَجُوزُ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُسْتَغْرِقُ) بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْمُسْتَغْرَقِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيِّ (قِيلَ وَلَا) يَجُوزُ (الْأَكْثَرُ) مِنْ الْبَاقِي، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا سِتَّةً فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (وَلَا الْمُسَاوِي) بِخِلَافِ الْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (إنْ كَانَ الْعَدَدُ) فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (صَرِيحًا)، نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّرِيحِ، نَحْوُ خُذْ الدَّرَاهِمَ إلَّا الزُّيُوفَ وَهِيَ أَكْثَرُ كَذَا حَكَى الْقَوْلَ فِي شَرْحَيْهِ كَغَيْرِهِ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ شَمِلَتْ الْعِبَارَةُ هُنَا حِكَايَتَهُ فِي الْمُسَاوِي (وَقِيلَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْعَدَدِ عَقْدٌ صَحِيحٌ)، نَحْوُ لَهُ مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ إلَّا تِسْعَةً. (وَقِيلَ) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ (مُطْلَقًا) وقَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا} أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَسْتَعْجِلُك اصْبِرْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ قَائِلٍ بِحَسَبِ اسْتِقْرَائِهِ وَفَهْمِهِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ إذْ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ. (وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِيهِمَا وَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَالَ إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَنَحْوُ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدًا وَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا يَدُلُّ الْأَوَّلُ عَلَى إثْبَاتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَالثَّانِي عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ وَقَالَ لَا وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مُخْرَجٌ مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ مِنْ قِيَامٍ وَعَدَمِهِ مَثَلًا أَوْ مُخْرَجٌ مِنْ الْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ أَيْ لَا حُكْمَ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ دَخَلَ فِي نَقِيضِهِ وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بِعُرْفِ الشَّرْعِ وَفِي الْمُفَرَّغِ، نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ.(وَ) الِاسْتِثْنَاءَاتُ (الْمُتَعَدِّدَةُ إنْ تَعَاطَفَتْ فَلِلْأَوَّلِ) أَيْ فَهِيَ عَائِدَةٌ لِلْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً وَإِلَّا ثَلَاثَةً وَإِلَّا اثْنَيْنِ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَعَاطَفْ (فَكُلٌّ) مِنْهَا عَائِدٌ (لِمَا يَلِيهِ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ)، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ يَخْرُجُ مِنْ الْخَمْسَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْعَشَرَةِ تَبْقَى سِتَّةٌ فَإِنْ اسْتَغْرَقَ كُلَّ مَا يَلِيهِ بَطَلَ الْكُلُّ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً عَادَ الْكُلُّ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ وَإِنْ اُسْتُغْرِقَ الْأَوَّلُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً قِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَبَعًا وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ اعْتِبَارًا لِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ وَقِيلَ سِتَّةٌ اعْتِبَارًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. (وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ) عَائِدٌ (لِلْكُلِّ) حَيْثُ صَلَحَ لَهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إنْ سِيقَ الْكُلُّ لِغَرَضٍ) وَاحِدٍ عَادَ لِلْكُلِّ، نَحْوُ حَبَسْتُ دَارِي عَلَى أَعْمَامِي وَوَقَفْت بُسْتَانِي عَلَى أَخْوَالِي وَسَبَّلْت سِقَايَتِي لِجِيرَانِي إلَّا أَنْ يُسَافِرُوا وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ، نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ وَاحْبِسْ دِيَارَك عَلَى أَقَارِبِك وَأَعْتِقْ عَبِيدَك إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (وَقِيلَ إنْ عُطِفَ بِالْوَاوِ) عَادَ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْفَاءِ وَثُمَّ مَثَلًا فَلِلْأَخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا الْآمِدِيُّ حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ.
(وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيُّ (لِلْأَخِيرَةِ) فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ عَوْدِهِ لِلْكُلِّ وَعَوْدِهِ لِلْأَخِيرَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى مَا الْحَقِيقَةُ مِنْهُمَا وَيَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِالْقَرِينَةِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ انْتَفَى الْخِلَافُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ} إلَى قَوْلِهِ {إلَّا مَنْ تَابَ} فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ بِلَا خِلَافٍ وقَوْله تَعَالَى {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى قَوْلِهِ {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إجْمَاعًا وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} إلَى قَوْلِهِ {إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ أَيْ الدِّيَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إلَى قَوْله تَعَالَى {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْجَلْدِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي عَوْدِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْخِلَافُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا. (وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ) نَحْوُ تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (أَوْلَى بِالْكُلِّ) أَيْ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ (أَمَّا الْقِرَانُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لَفْظًا) بِأَنْ تُعْطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) بَيْنَهُمَا (فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حُكْمًا) أَيْ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ لِإِحْدَاهُمَا مِنْ خَارِجٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْمُزَنِيِّ) مُنَافِي قَوْلِهِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد {لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ} فَالْبَوْلُ فِيهِ يُنَجِّسُهُ بِشَرْطِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَذَلِكَ حِكْمَةُ النَّهْيِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكَذَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ لِلْقِرَانِ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ فِي الْحُكْمِ لِدَلِيلِ غَيْرِ الْقِرَانِ وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيُّ فِيهِ لِمَا تَرَجَّحَ عَلَى الْقِرَانِ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدِيثِ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ وَيَكْفِي فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) المخصص قسمان:
(ش) المخصص حقيقة، هو:إرادة المتكلم ويطلق على الدال على الإرادة مجازا، وهو المراد هنا. ثم هو إما منفصل أو متصل، لأنه إما أن يستقل بنفسه كالمنفصل أو لا، بل تعلق معناه باللفظ الذي قبله كالمتصل.
(ص) الأول المتصل وهو خمسة (أشياء الأول) الاستثناء وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها.
(ش) نوع الجمهور المتصل أربعة أنواع، وزاد ابن الحاجب - وتبعه – المصنف خامسا:
فالأول: الاستثناء وعرفه بما ذكره فقوله: إخراج جنس يندرج تحته كل المخصصات وقوله: (بإلا) أخرج منه ما عدا الاستثناء.
وقوله: أو إحدى أخواتها أي: مثل: خلا وعدا وحاشا.
وخص إلا بالذكر لأنها أصل أدوات الاستثناء وإنما عبر بأو، للتنبيه على فساد تعبير المنهاج بالواو، كما قاله في شرحه، والعذر له جعلها بمعنى أو، لأن الاستثناء لا يكون بالمجموع بل بواحد منها، ولم يحتج إلى تقييد إلا بغير الصفة احترازا عن الصفة كقوله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} كما فعل في المنهاج لأن السابق إلى ذهن السامع عند ذكر إلا، معنى الاستثناء فأغنى ذلك عن الاحتراز لا سيما مع تقدم ذكر الإخراج، كذا اعتذر الشيخ جمال الدين بن مالك في (شرح الكافية) عمن لم يقيد، وهو مصرح بأن إلا التي للصفة لا إخراج فيها، وسيأتي تحقيق معناه، وقوله:(بإلا أو إحدى أخواتها) فخرج ما لو قال: علي ألف استثنى مائة أو أحط، وفيه وجهان في (الحاوي) للماوردي:
أحدهما: أنه استثناء صحيح، لأنه صرح بحكمه فأغنى عن لفظه.
والثاني: لا يصح، لأنه واعد بالاستثناء إذ قال أستثني وأحط من بغير استثناء أو قال أحط.
(ص) من متكلم واحد وقيل مطلقا.
(ش) اعتبر بعض الأصوليين في الاتصال كونه من متكلم واحد، فيخرج ما لو قال الله تعالى {فاقتلوا المشركين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الاتصال: ((إلا الذميين)) فهو منفصل وقيل: منقطعا، ونزلوا استثناء النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الاستثناء المصرح به في كلام الله تعالى وجعلوه متصلا، وكان ينبغي للمصنف تأخير هذا الخلاف عن ذكر الاتصال، وهو في ترجيح الأول متابع للهندي.
وقال القاضي أبو بكر في (التقريب): إنه الصحيح لكن مأخذه في ذلك البناء على ما رآه أن من شرط الكلام صدوره من ناطق واحد حتى لو قال القائل مثلا: زيد، فقال آخر: قائم لم يكن كلاما، وقد زيف ابن مالك هذه المقالة وقال: بل هو كلام، لاشتماله على حد الكلام، وليس اتحاد الناطق معتبرا، كما لم يجب اتحاد الكاتب معتبرا في كون الخط خطا، وللقاضي أن يمنع اشتماله على حد الكلام.
وقوله: (فإنه لو اصطلح رجلان إلى آخره) ليس مثله فإنه إذا كتب رجل (زيد) سمى هذا خطا، ولو لم يكتب معه غيره، بخلاف ما إذا قال: (زيد) فإنه ليس كلاما فافترقا، ثم ولو كتب مع زيد فاضل ونحوه من كاتب آخر يمتنع كون المجموع خطا، بل هما خطان بحسب الحقيقة، ثم قال: فإن قيل: لو كان كلاما لترتب عليه ما ترتب عليه من نطق الواحد من إقرار وتعديل وتجريح وقذف وغير ذلك وذلك منتف فبطل كونه كلاما يترتب عليه ما ترتب عليه من نطق الواحد وأجاب بأن انتفاء ترتيب الحكم على الكلام لا يمنع كونه كلاما، فإن بعض الكلام صريح وبعضه غير صريح فنطق المصطلحين، وإن كان كلاما فهو غير صحيح، لأن السامع لا يعلم ارتباط أحد جزئيه بالآخر، كما يعلم ذلك من نطق الواحد، فلذلك اختلفا في الحكم، وما ذكره من انتفاء ترتب الحكم عليه يوافقه ما في الرافعي لو قال لي عليك مائة، فقال: لا درهما، لم يكن مقرا بما عدا المستثنى على الأصح.
(ص) ويجب اتصاله عادة وعن ابن عباس إلى شهر، وقيل: سنة وقيل: أبدا، وعن سعيد بن جبير أربعة أشهر، وعطاء والحسين في المجلس ومجاهد سنتين، وقيل: ما لم يأخذ في كلام آخر، وقيل: بشرط أن ينوي في الكلام، وقيل يجوز في كلام الله فقط.
(ش) يشترط في الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه عادة وإلا لما استقر عتق ولا طلاق ولا حنث لجواز الاستثناء بعده ولأن المستثنى منه في حكم الجملة الواحدة واحترز بقوله: (عادة) عما إذا طال الكلام، فإن ذلك لا يمنع صحة الاستثناء كما قاله الإمام وكذلك قطع الكلام بالنفس والسعال، ونقل عن ابن عباس: أنه لا يشترط الاتصال.
واختلف النقل عنه على ثلاث روايات، فقيل يجوز تأخيره إلى شهر وقيل: سنة وقيل: أبدا، وعن سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر وعن عطاء والحسن أنهما جوزا الاستثناء ما دام في المجلس، حكاه الشيخ أبو إسحاق وعن مجاهد سنتين وقيل: يجوز ما لم يأخذ في كلام آخر وقيل: يشترط أن ينوي في الكلام وعلى هذا نزل القاضي مذهب ابن عباس فقال: لعل مراده – إن صح النقل – ما إذا نوى الاستثناء متصلا بالكلام، ثم أظهر نيته بعده فإنه يدين.
وقول المصنف في الكلام أعم من أن تكون النية قبل الفراغ أو من أو من اللفظ والأصح اشتراطه قبل الفراغ وإنما لم يذكر المصنف هذا لأنها مسألة فقهية لا تشتد حاجة الأصولي إليها وليست (قيل) هنا في كلامه للتمريض وإنما يكون إذا قوبل بمذهب مختار وقال قوم بصحة الاستثناء المنفصل في كتاب الله دون غيره وحمل بعضهم مذهب ابن عباس عليه وأنه جوز ذلك في استثناءات القرآن.
سؤال: لو قال له: علي ألف إلا شيئا، رجع في تفسير الشيء إليه وقد استشكل على اشتراط اتصال الاستثناء حيث قبل منه التفسير المنفصل عن اللفظ، والجواب: ليس أصل الاستثناء كالتفسير، لأن الاستثناء لفظ ظاهره الإسقاط، فإذا اتصل جعل منعا لابتداء الوجوب، إذ الكلام بآخره، وإذا انفصل تمحص ابتداء إسقاط فكان مردودا.
فأما اللفظ المجمل فيجوز إن تراخى تفسيره عن وقت وروده، كألفاظ الشريعة، قال الروياني: وعلى هذا قال أصحابنا: لو فسر المجمل تفسيرا غير مقبول فأراد أن يستأنف تفسيرا آخر مكن منه، ولو وصل بالأصل استثناء يرفع الجميع ثم أراد أن يستثني مرة أخرى لم يمكن.
(ص) أما المنقطع فثالثها متواطئ والرابع مشترك والخامس الوقف.
(ش) المراد بالمنقطع عندهم: ما كان من غير الجنس كقولك: ما بالدار أحد إلا الحمار، وقد اختلف فيه: هل هو استثناء حقيقة أو مجازا والأكثرون على أنه مجاز فيه ولهذا لا يحمل العلماء الاستثناء على المنقطع إلا عند تعذر المتصل.
والثاني: أنه حقيقة؛ لأنه استعمل والأصل في الإطلاق الحقيقة.
والثالث: أنه متواطئ أي بقول بالاشتراك المعنوي على المتصل والمنقطع.
والرابع: بالاشتراك اللفظي بكونه موضوعا لكل واحد منهما أولا إذا لا قدر مشترك بينهما فإن المتصل إخراج والمنفصل يختص بالمخالف من غير إخراج.
الخامس: الوقف وهو من زوائده على المختصر، ولم يذكره في شرحه، ولا يخفى ما في التعداد من التداخل فإن أحدهما مجاز والآخر حقيقة واختلف القائلون به، هل هو حقيقة على سبيل التواطؤ أو على سبيل الاشتراك؟ واعلم أن المصنف لم يذكر حد المنقطع، وذكر ابن الحاجب على القول بالاشتراك والمجاز أنه لا يمكن جمع الاستثناء المتصل والمنقطع في حد واحد، لأن أحدهما مخرج من حيث المعنى والآخر غير مخرج وإذا اختلفا في الحقيقة بعد رجعهما بحد واحد، نعم يمكن حدهما بحد واحد باعتبار اللفظ وهو أن يقال: هو المذكور بعد إلا وأخواتها وفيما قاله نظر، فإن صحة تعريف المطلق لا يفتقر إلى ذكر جميع أنواعه في التعريف حتى يمنع اختلاف حقيقة نوعي المستثنى عن تعريف المستثنى من حيث هو.
(ص) والأصح وفاقا لابن الحاجب: أن المراد بعشرة في قولك: عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت ثلاثة، ثم أسند إلى الباقي تقديرا وإن كان قبله ذكرا. وقال الأكثر: المراد سبعة، و(إلا) قرينة، وقال القاضي: عشر إلا ثلاثة، بإزاء اسمين مفرد ومركب.
(ش) اختلف في تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب.
أحدها، وبه قال ابن الحاجب: أن المستثنى منه يراد به أفراده ولكن لا بحكم الإسناد حتى يخرج منه ما يريد إخراجه بالأداة فإذا أخرج منه ما أراد فحينئذ بحكم الإسناد فإذا قال له علي عشرة إلا ثلاثة فالمراد بالعشرة عشرة باعتبار أفراده ولكن لا بحكم إسناد الخبر، وقوله إلى المبتدأ وهو عشرة إلا بعد إخراج الثلاثة منه، ففي اللفظ استند إلى عشرة، وفي المعنى استند إلى سبعة والإسناد بعد الإخراج فلم يسند إلا إلى سبعة، وعلى هذا فليس الاستثناء مبينا للمراد بالأول بل به يحصل الإخراج.
والثاني: وعزي للأكثر، أن المراد بعشرة: سبعة، و(إلا) قرينة تبين أن الكل استعمل وأريد الجزء مجازا وعلى هذا فالاستثناء مبين لغرض المتكلم بالمستثنى منه، فإذا قال: علي عشرة كان (ظاهرا في الجميع، فإذا قال: إلا ثلاثة فقد بين أن مراده) بالعشرة سبعة فقط كما في سائر التخصيصات.
والثالث: أن المستثنى والمستثنى منه جميعا وضعا لمعنى واحد، وهو ما يفهم من الكلام آخرا، حتى كأن العرب وضعت اسمين لمعنى السبعة، أحدهما مفرد وهو السبعة والثاني مركب وهو عشرة إلا ثلاثة.
تنبيهان:
الأول: أصل الخلاف في هذه المسألة إشكال معقولية الاستثناء لأنك إذا قلت: جاء القوم إلا زيدا، فلا يخلو إما أن يكون زيد دخل في القوم أم لا، فإن لم يكن دخل، فكيف صح إخراجه، وقد أجمع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج وإن كان قد دخل فقد تناقض الكلام، لأنك أثبته أولا، ثم نفيته، وذلك يؤدي إلى أن لا يكون الاستثناء في كلام إلا وهو كذب من أحد الطرفين وهو باطل لاشتمال القرآن عليه. ولهذه الشبهة فر القاضي إلى مذهبه السابق، وقال: لا إخراج فيه فعورض بإجماع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج ما بعد ذكر (إلا) مما قبلها، وإجماعهم حجة في تفاصيل العربية، وصار ابن الحاجب إلى ما سبق، وقال: إنه يرفع الإشكالين.
قال في (شرح المفصل): ولا يحكم بالنسبة إلى بعد كمال ذكر المفردات في كلام المتكلم فإذا قال المتكلم: قام القوم إلا زيدا، فهم القيام أولا بمفرده وفهم القوم بمفرده وإن فيهم زيدا، وفهم إخراج زيد منه، بقوله: إلا زيدا، ثم حكم بنسبة القيام إلى هذا الفرد الذي أخرج منه، وقد يحصل الجمع بين المسالك المقطوع بها على وجه يستقيم وهو أن الإخراج حاصل بالنسبة إلى المفردات وفيه توفية بإجماع النحويين، وتوفية إنك ما نسبت إلا بعد أن أخرجت زيدا، ولا يؤديى إلى المناقضة المذكورة،قلت: لكن فيه مخالفة لمذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المستثنى لم يندرج في الاسم المستثنى منه ولا في حكمه، ومذهب الكسائي لا يندرج في المستثنى منه وهو مسكوت عنه فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا فزيد يحتمل أنه قام وأنه لم يقم، وذهب الفراء إلى أن زيدا، لم يخرج من القوم، وإنما خرج وصفه من وصفهم، نبه على هذا الاستدراك إمام العصر القاضي محب الدين – برد الله مضجعه.
الثاني: ينشأ من هذا الخلاف خلاف في عد الاستثناء من المخصصات فعلى قول القاضي ليس بتخصيص وعلى قول الأكثرين تخصيص، لأن اللفظ قد أطلقه البعض إرادة وإسنادا وأما على قول ابن الحاجب فمحتمل لكونه أريد الكل وأسند إلى البعض، كذا قاله ابن الحاجب، وينبغي القطع بأنه ليس بتخصيص لأن التخصيص شرطه الإرادة المتعارفة وهي منتفية إلا في قصد الاستثناء كما سبق، وتظهر فائدة الخلاف في كون الاستثناء مبينا، أم لا، ما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة، ووقع الاستثناء بعد موتها، فإن قلنا: ليس ببيان، طلقت ثلاثا وإلا فثنتان.
(ص) ولا يجوز المستغرق خلافا لشذوذ.
(ش) أي سواء في العدد وغيره، فلو قال: عشرة إلا عشرة أو اقتلوا المشركين إلا المشركين، لم يصح لأن الاستثناء من أنواع التخصيص، وكما لا يجوز أن يرفع التخصيص جميع ما تقدم، كذلك الاستثناء وادعى جماعة منهم الآمدي وابن الحاجب الإجماع عليه وأشار المصنف بالشذوذ إلى ما حكاه القرافي في (المدخل) لابن طلحة في: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا – قولين في اللزوم، وقد رأيتهما فيه فعدم اللزوم يقتضي تصحيح الاستثناء المستغرق ويقرب من ذلك ما نقله الشيخ أثير الدين عن الفراء: أنه يجوز أن يكون أكثر، ومثله بقوله: علي ألف إلا ألفين، قال إلا أنه يكون منقطعا، وقريب منه ما حكاه المحاملي في التجريد، إذ قال: له علي ألف إلا ثوبا وفسر الثوب بما قيمته ألف فيه وجهان: (أصحهما بطلان التفسير والاستثناء والثاني: يبطل التفسير فقط فيطالب ببيان صحيح، وليس لنا وجه بصحة التفسير أيضا، فيكون مستغرقا كما يوهمه إيراد المصنف، وهذا إذا كانت الصيغة ألف درهم، كما عبر به في (الروضة) أما لو كان التعبير بألف منكر، كما نقله المصنف عن (التجريد) فإنه يطالب بتفسيرها كما قال الرافعي، فإن فسرها بالثياب كان من الجنس وإلا فلا) وينبغي تقييد محل الإجماع بما إذا اقتصر عليه، فلو عقبه باستثناء آخر، فالخلاف فيه ثابت عندنا فيما إذا قال: علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة، فقيل: يلزمه عشرة، فإن الاستثناء الأول لم يصح، وقيل:يلزمه ثلاثة، واستثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا اقتصر عليه، أما إذا عقبه باستثناء صحيح فيصح، وهذا هو الصحيح والثالث: يلزمه سبعة والاستثناء الأول لا يصح ويسقط من البين.
(ص) وقيل: لا الأكثر ولا المساوي: وقيل: إن كان العدد صريحا.
(ش) ما ضعفه المصنف هو مذهب نحاة البصرة، قال صاحب (الارتشاف) ذهب البصريون إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر ولا المساوي وإنما يستثنى دون النصف وذهب أبو عبيدة إلى جواز استثناء الأكثر، وذهب قوم إلى جواز المساوي دون الأكثر. انتهى.
وبالأول قال القاضي، وبالثاني قال كثير من الأصوليين، فلو قال: علي عشرة إلا تسعة لزمه درهم واحتجوا بأنه يجوز إخراج أكثر أفراد العموم بالتخصيص، فكذلك إخراج أكثر الجملة بالاستثناء، وبالثالث قالت الحنابلة ونقل الشيخ أبو إسحاق عنهم امتناع المساوي أيضا كالقاضي وقال قوم: إن كان العدد صريحا لم يجز استثناء الأكثر، مثل: عشرة إلا تسعة، وإلا جاز مثل خذ هذه الدراهم إلا ما في الكيس الفلاني، وكان ما في الكيس أكثر من الباقي وقال بعض النحويين: الصحيح الامتناع في الأكثر، لأن المسألة لغوية، وقد أنكر أهل اللغة جواز ذلك، وإذا كان ليس في اللغة فلا يفيد وأما الآية التي احتجوا بها في قوله تعالى:{إلا عبادك منهم المخلصين} مع قوله:{إلا من اتبعك من الغاوين} فاستثناء كل واحد منهما من الآخر، وأيهما كان الأكثر حصل المقصود ففيها جوابان:
أحدهما: أنه استثنى في إحدى الآيتين (المخلصين) من نبي آدم وهم الأقل وفي الأخرى استثنى (الغاوين) من جميع العباد وهم الأقل، فإن الملائكة من عباد الله تعالى قال تعالى:{بل عباد مكرمون} وهم غير غاوين.
وثانيهما: أن قوله:{إلا من اتبعك من الغاوين} استثناء منقطع بمعنى لكن، بدليل أنه قال في الآية الأخرى:{وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي} وحيث قلنا: يجوز الأكثر، فلا خلاف في استكراهه واستحسان استثناء القليل وقال ابن فارس في (فقه العربية): الصحيح في العبارة أن يقال: يستثنى القليل من الكثير، ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه، وقول من قال: يستثنى الكثير من القليل ليس بجيد، واحتج على جواز النصف بقوله تعالى:{قم الليل إلا قليلا نصفه} فالضمير في (نصفه) عائد إلى الليل (ونصفه) بدل منه، فإما أن يكون من الليل بعد الاستثناء فيكون (إلا قليلا) نصفا، وأما من قليل فتبين به إنما أراد بالقليل نصف الليل.
(ص) وقيل: لا يستثنى من العدد عقد صحيح، وقيل: لا مطلقا.
(ش) الكلام في الاستثناء من العدد مبني على صحته، وللنحاة فيه مذاهب:
أحدها: لا يجوز، لأنها نصوص وصححه ابن عصفور وأجاب عن نحو قوله تعالى:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} بأن الألف لما كان يستعمل للتكثير كقولك أقعد ألف سنة، تريد زمنا طويلا، قلت: ويحتمل أن الاستثناء إنما جاء فيها باعتبار النقص الذي في السنين، فتكون السنة أطلقت وأريد بها المعظم، فالاستثناء لم يرد على العدد، وإنما ورد على المعدود وهو السنين.
والثاني: وهو المشهور، الجواز.
والثالث: إن كان المستثنى عقدا من العقود لم يجز نحو عشرين إلا عشرة وإن لم تكن عقدا أجاز، نحو: مائة إلا ثلاثة وممن حكى هذه الثلاثة الشيخ أبو حيان في (شرح التسهيل)، ولبعض الأصوليين مذهب رابع: لا يجوز أن يستثنى الأكثر ولا يجوز استثناء عقد تام بالنسبة إلى المستثنى فلا يجوز له عشرة إلا واحدا، ويجوز إلا نصف واحد آخر من الواحد ولا يجوز له على مائة إلا عشرة، ويجوز إلا تسعة ولا يجوز على ألف إلا مائة ويجوز إلا تسعة وتسعين وهذه المذاهب كلها تنفع في الأقارير فأما الطلاق فمحصور في الثلاث وإنما يجيء الخلاف السابق في استثناء الأكثر أولا.
تنبيه: ذكر المصنف في شرح المختصر أن القاضي حسين والمتولي وافقا ابن عصفور في المنع، حيث قالا: لو قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا ثلاثة، لا يصح، لأنه نص وليس كما قال فإنهما صرحا بجواز الاستثناء من العدد مع تقديم الاستثناء كقوله: أربعتكن إلا ثلاثة طوالق، وإنما منعناه مع التأخير.
وكذا حكاه عنهما الرافعي وليس مدركهما في ذلك ما توهمه المصنف، وإلا لمنعناه مطلقا ولجاء هنا قول بالتفصيل بين التقديم والتأخير ولا أثر لذلك، وإنما مدركهما أن الحكم في صورة التقديم وقع بعد الإخراج، فلا يلزمه التناقض بخلاف الصورة السابقة.
(ص) والاستثناء من النفي إثبات وبالعكس خلافا لأبي حنيفة.
(ش) الاستثناء من النفي إثبات عندنا، لأن الاستثناء ضد المستثني منه وهو مذهب نحاة البصرة، وقال أبو حنيفة ليس بإثبات بل هو مسكوت عنه فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فالقوم محكوم عليهم بالقيام، وزيد محكوم عليه بعدم القيام وعنده مسكوت عنه غير محكوم عليه بشيء واختاره الإمام في (المعالم) والحق مذهب الجمهور، لأن قولنا: لا إله إلا الله توحيد وإثبات للإله، فلو لم يكن المستثنى من النفي مثبتا لم يكن لا إله إلا الله توحيدا، والحنفية يقولون: إنما استفيد الحكم بالتوحيد من القرائن، فإن ظاهر حال كل متلفظ بها أنه إنما يقصد بها التوحيد لا التعطيل وأما العكس وهو الاستثناء من الإثبات نفي نحو قام القوم إلا زيدا فهو نفي القيام عن زيد ونقل جماعة منهم الإمام في (المعالم): الاتفاق، وليس كذلك، بل الخلاف جار فيه كما قاله الهندي وغيره، ولهذا أجرى المصنف الخلاف في الحالين وقدم ما الخلاف فيه (محقق، وآخر ما الخلاف) مشكوك فيه ليبين أنه يخالف فيهما جميعا، وهذا من محاسنه فإنه لو عكس كالمنهاج والمختصر لتوهم أن قوله: خلافا لأبي حنيفة – مقصور على الثاني ومراده شمول الأمرين.
تنبيهان:
الأول: حاصل مذهب الجمهور: أن الاستثناء دال على نقيض ما تقدم من النفي أو الإثبات من جهة دلالة العقل على أن النقيضين لا ثالث لهما، فلو كان لهما ثالث لم يكن أن يتعين النفي ولا الثبوت بل أمكن أن يقال الواقع هو القسم الثالث.
الثاني: أن الخلاف يقوى في غير الاستثناء المفرغ، أما المفرغ فيقوى أنه إثبات قطعا، فإذا قلت: ما قام إلا زيد، فليس معك شيء تثبت له القيام فيكون فاعلا به إلا زيد، فهو متعين ضرورة للإثبات بخلاف قولك: ما قام أحد إلا زيد ويحتمل أن يقال: كمل الكلام قبل الاستثناء وصار هذا فضلة فأمكن ألا يكون محكوما عليه بشيء لقول الحنفية.
(ص) (والمتعددة إن تعاطفت فللأول وإلا فكل لما يليه ما لم يستغرقه)
(ش) الاستثناءات المتعددة إما أن يكون بعضها معطوفا على بعض أو لا، فإن كان الأول عاد الكل إلى الأول المستثنى منه، نحو قوله: علي عشرة إلا أربعة وإلا ثلاثة وإلا اثنين، فإن الكل يرجع إلى الأول، فلا يلزم المقر إلا واحدا لأن الاستثناء يجب أن يتعقب المستثنى منه ولا يجوز فصلة عنه، فإذا عطف بعضه على بعض صار كالجملة الواحدة، وإلا لم يصح أن يكون استثناء و وجهه بعض أصحابنا بأنه عطف على المنفى فيكون نفيا.
وإن لم يكن بعضها معطوفا على بعض، فإما أن يكون استثناء الثاني مستغرقا للأول، أو لا، فإن كان مستغرقا إما بالتساوي نحو: له عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة.
وإما بالزيادة نحو عشرة إلا ثلاثة إلا أربعة – فإنها لا تبطل، بل تعود جميعها إلى المستثنى منه حملا للكلام على الصحة كذا قاله في (المحصول) و(المنهاج) وهو في الزائد صحيح وفي المساوي معارض بأن الثاني يكون توكيدا لما قاله الرافعي في الإقرار وإن لم يكن الثاني مستغرقا عاد الثاني إلى الأول، نحو: عشرة إلا ثمانية إلا سبعة فيلزمه تسعة كذا قطعوا به، لكن ذكر الرافعي في الطلاق في كلامه على الاستثناء من النفي إثبات، لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، أنه يقع ثنتان وقال الحناطي: يحتمل أن يعود الاستثناء الثاني إلى أول اللفظ.
قال في (الروضة): والصواب الأول.
فائدتان: الأولى هذه المسألة مفرعة على جواز الاستثناء من الاستثناء وهو الصحيح كقوله تعالى:{إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته}.
قال الروياني: ومن أهل اللغة من ينكر ذلك. ويقول: العامل في الاستثناء الفعل الأول بتقوية حرف الاستثناء والعامل الواحد لا يعمل في معمولين، ويقول في الآية: إن الاستثناء الثاني من قوله (أجمعين) وغيره يجوز ذلك، وبقول العامل (إلا) الثانية لا يقال: سكت الأصوليون عن عكس هذه المسألة وهي أن يتعدد المستثنى منه، ويتحد المستثنى، لأنا نقول هي مسألة الاستثناء عقب الجمل وسنذكرها.
(ص) والوارد بعد جمل متعاطفة للكل وقيل: إن سبق الكل لغرض وقيل: إن عطف بالواو، وقال أبو حنيفة والإمام: للأخيرة، وقيل: مشترك، وقيل بالوقف.
(ش) الاستثناء الواقع عقب جمل، عطف بعضها على بعض كقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات} الآية، اختلفوا فيه فعندنا يعود إلى الجميع ما لم يقم دليل على إرادة البعض، لأن الأصل اشتراك المتعاطفين في جميع المتعلقات كالحال والشرط، وتكون الجمل معطوفا بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة، هذا هو المشهور عند الشافعي وأصحابه.
وكان ابن الرفعة يتوقف في نسبة ذلك إليه، لأن ابن الصباغ نقل عن نص البويطي، إذا قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا وقعت ثلاث قال ابن الصباغ: وهذا إنما هو، لأنه أوقع جملتين، واستثنى إحداهما بجملتها، فلم يقع لأن الاستثناء يرجع إلى الأخيرة من الجملتين. انتهى.
وجوابه أن شرط العود للجميع إمكان عوده إلى كل واحدة منهما وهو منتف هنا فلهذا خص بالأخيرة. وذكر المصنف في (شرح المختصر) في الجواب عن مثل هذا السؤال تخصيص المسألة بغير العدد وليس كما قال.
ثم القائلون بعوده إلى الجميع منهم من شرط فيه أن يساق الكلام لغرض واحد كأكرم بني تميم واخلع عليهم، فإن الغرض التعظيم فيهما، فإن اختلفا عاد إلى الأخيرة وهي قول أبي الحسين. ومنهم من شرط كون العطف بالواو وهذا ما نقله الرافعي في كتاب الوقف عن إمام الحرمين بعد أن ذكر أن أصحابنا أطلقوا العطف، فقال: رأى الإمام تقييده بأمرين:
أحدهما: أن يكون العطف بالواو الجامعة، فإن كان ثم، اختص بالأخيرة والثاني: ألا يتخلل بين الجملتين كلام طويل، وعليه جرى الآمدى وابن الحاجب والصواب أن (الفاء) و(ثم) و(حتى) كالواو، وقد صرح الغزالي في باب الوقف من (البسيط) بأن كل حرف يقتضي الترتيب كذلك، وصرح القاضي في (التقريب) بالفاء وغيرها، وذهب أبو حنيفة إلى عوده للأخيرة لأن الجملة الأولى قد استقرت من غير استثناء لأنه إذا تخلل بين المستثنى والمستثنى منه كلام استقر، ولم يجز أن يرجع إليه، واختاره الإمام في (المعالم) وقال المرتضى: مشترك لأنه جاء لهما وعن القاضي والغزالي الوقف بمعنى عدم العلم بمدلوله في اللغة فلا يدرى ما حكمه.
سؤال كان القاضي جلال الدين القزويني رحمه الله تعالى يقول: إن عود الاستثناء إلى الجميع يلزم منه توارد عوامل على معمول واحد. وجوابه أن من يجعل العامل هو (إلا) – ومنهم ابن مالك – لا يرد عليه ذلك، ومن يجعل العامل غيرها، له أن يقول: إنه قد حذف من المتقدم لدلالة المتأخر ثم إن توارد العوامل على معمول واحد فيه خلاف، وقد ذكروا في باب النعت، إذا قلت: جاءني زيد وأتى عمرو العاقلان فابن مالك وجماعة يجوزون ذلك من غير قطع، وغيرهم يمنعه ويقدره مقطوعا على تقديره مبتدأ.
(ص) والوارد بعد مفردات أولى بالكل.
(ش) صور الأصوليون المسألة بالوارد بعد الجمل، والظاهر أنه جرى على الغالب، فإن الوارد بعد المفردات أولى بعوده إلى الكل لعدم استقلالها، ولهذا اقتضى كلام الجماعة، الاتفاق في المفردات، وجعل الرافعي قوله: عمرة وحفصة طالقتان إن شاء الله تعالى – من باب الاستثناء عقب الجمل.
(ص) أما القران بين الجملتين لفظا فلا يقتضي التسوية في غير المذكور حكما، خلافا لأبي يوسف والمزني.
(ش) القران بين الشيئين (في اللفظ في حكم) لا يقتضي التسوية بينهما في غيره من الأحكام ولهذا يعطف الواجب على المندوب، كقوله تعالى:{كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} وقال أبو يوسف من الحنفية والمزني منا: يقتضي التسوية لأن العطف يقتضي الشركة، كقوله تعالى:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} يقتضي أن لا تجب الزكاة على الصبي كالصلاة للاشتراك في العطف وهو ضعيف، فإن الأصل ألا يشترك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المذكور، فإن اشتركا في غيره فلدليل خارج لا أنه من نفس العاطف وقد أجمعوا على أنه لو كان عمومان وخص أحدهما لم يلزم منه تخصيص الآخر، وهنا أمور:
أحدها: أن المصنف و غيره أطلقوا الخلاف في هذه المسألة والذي في كتب الحنفية التفصيل بين الجمل الناقصة فالقران فيها موجب القران في الحكم بخلاف الجمل التامة ومثلوا الأول بقوله تعالى {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا}. لأن حكم الجملتين لما لم يختلف كانتا كالجملة الواحدة، والإشهاد في المفارقة غير واجب، فكذا في الرجعة، ومثلوا الثاني بقوله:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فإن كل واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها لم يلحقها ما ينافي استقلالها فلا يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى.
الثاني: أن ما ذكره في تفسير القران مخالف لتفسير الجدليين، فإنهم قالوا: صورته أن يجمع بين شيئين في الأمر أو في النهي، ثم يبين حكم أحدهما، فيستدل بالقران على ثبوت ذلك الحكم للآخر، ومثلوه بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل)).
فقرن البول فيه بالاغتسال ثم البول فيه يفسده، فكذا الاغتسال وهذا غير مرضي عند المحققين لاحتمال أن يكون النهي عن الاغتسال فيه لمعنى غير المعنى الذي منع من البول فيه لأجله، ولعل المعنى في النهي عن الاغتسال فيه أنه لا يرفع جنابة كما هو مذهب المصري.
الثالث: لا يخفى وجه مناسبة ذكر هذه المسألة هنا، وغيره ذكرها في باب الأدلة المختلف فيها، وهو السبب، وذكرها صاحب (البديع) في المفاهيم.

  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: والمخصص قسمان: الأول المتصل، وهو خمسة: الاستثناء وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها من متكلم واحد، وقيل: مطلقا.
ش: المخصص حقيقة إرادة المتكلم ويطلق على الدال عليها مجازا وهو المراد هنا، وهو منقسم إلى متصل وهو ما لا يستقل بنفسه، ومنفصل وهو ما استقل، فالأول خمسة أشياء:
أحدها: الاستثناء وهو الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها، مثل (خلا) و(عدا) و(حاشا) وخص (إلا) بالذكر لأنها أصل أدوات الاستثناء وعبر بأو لأن الإخراج بأحدها لا بها جميعا، ولم يقيد إلا بغير الصفة كما فعل البيضاوي احترازا عن مثل قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لأن المتبادر إلى الفهم من (إلا) الاستثناء فاستغني بذلك مع تقدم ذكر الإخراج كذا اعتذر به ابن مالك في (شرح الكافية) وهو صريح في أن (إلا) التي للصفة لا إخراج فيها.
وخرج بقوله: (من متكلم واحد) ما لو قال الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم على الاتصال إلا أهل الذمة، فلا يكون استثناء بل هو من المخصصات المنفصلة، كذا رجحه الصفي الهندي وقال القاضي أبو بكر في (التقريب): إنه الصحيح، لكنه بناه على رأيه أن شرط الكلام صدوره من ناطق واحد، وقد ضعفه ابن مالك، وقال بعضهم في المثال المتقدم: بل هو استثناء متصل، وجعلوا صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم كالمصرح به في كلام الله تعالى.
ص: ويجب اتصاله عادة. وعن ابن عباس إلى شهر. وقيل: سنة وقيل: أبدا، وعن سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر، وعن عطاء والحسن في المجلس، ومجاهد: سنتين، وقيل: ما لم يأخذ في كلام آخر، وقيل: بشرط أن ينوى في الكلام، وقيل: في كلام الله فقط.
ش: يشترط اتصال المستثنى بالمستثنى منه، لأنهما في حكم جملة واحدة، ولولا ذلك لما استقر عتق ولا طلاق ولا حنث لجواز الاستثناء بعده، والمراد الاتصال العادي، فلا يضر طول الكلام المستثنى منه، ولا فصل المستثنى من المستثنى عنه، بتنفس أو سعال وحكي الخلاف في ذلك عن ابن عباس، ولم يثبته الأكثرون بل أولوه، ثم قيل عنه: يجوز إلى شهر وقيل: إلى سنة، وقيل: أبدا.
وحكي عن سعيد بن جبير جواز تأخيره أربعة أشهر، وعن عطاء بن أبي رباح والحسن البصري: يمتد ما دام المجلس موجودا.
وعن مجاهد: يجوز إلى سنتين، وقيل: يجوز تأخيره ما لم يأخذ في كلام آخر. وهذه مذاهب شاذة.
وقوله: (وقيل: يشترط أن ينوي في الكلام) هذا متفق عليه عند الذاهبين إلى اشتراط اتصاله، فلو لم تعرض له نية الاستثناء إلا بعد فراغ المستثنى منه، لم يعتد به، ثم قيل: يعتبر وجود النية في أول الكلام وقيل: يكتفى بوجودها قبل فراغه، وهذا هو الصحيح وتعبير المصنف عنه بـ (قيل) لا يدل على تمريضه وإنما يكون دالا على ذلك إذا أتى به في مقابلة ذكر مذهب مختار كذا قاله الشارح، وفيه نظر، فالاصطلاح أن لا يغتر بذلك إلا في قول ضعيف أو متوقف في ثبوته، والظاهر أن المصنف إنما ذكر ذلك تفريعا على مذهب من لا يشترط الاتصال، فمنهم من أخذه على إطلاقه ومنهم من قيده بأن ينوي ذلك في أثناء الكلام فيغتفر عنده الفصل الطويل في اللفظ إذا اقترنت نيته بأول الكلام وعلى هذا نزل القاضي مذهب ابن عباس فقال: لعل مراده – إن صح النقل عنه – ما إذا نوى الاستثناء متصلا بالكلام ثم أظهر نيته بعده، فإنه يدين وذهب بعضهم إلى جواز الاستثناء المنفصل في كلام الله تعالى فقط، وحمل بعضهم مذهب ابن عباس عليه، وأنه جوز ذلك في استثناءات القرآن فقط، وفي الفروع المرتبة على أنه لا يضر طول الفصل أنه لو قال: له علي ألف أستغفر الله إلا مائة – صح كما في زيادة (الروضة عن العدة) للطبري و(البيان) لكن قال: إن فيه نظراً، والله أعلم.
ص: أما المنقطع فثالثها متواطئ والرابع مشترك والخامس الوقف.
ش: الاستثناء المنقطع وهو ما كان من غير الجنس أي لم يدخل المستثنى في المستثنى منه، كقولك: جاء الناس إلا حمارا، فيه مذاهب.
أصحها: أنه مجاز.
والثاني: أنه حقيقة وعلى هذا مذهبان.
أحدهما: أن إطلاقه عليه وعلى المتصل من باب المتواطئ أي أن حقيقتهما واحدة، والاشتراك بينهما معنوي.
ثانيهما: أنه من الاشتراك اللفظي، أي أنه موضوع لكل منهما على انفراده فإنه ليس بينهما قدر مشترك فإن المتصل إخراج بخلاف المنفصل، وإذا كان التواطؤ والاشتراك فرعين على الحقيقة لم يحصل من ذلك إلا ثلاثة مذاهب، فجعل المصنف لها أربعة مردود، فالمذهب الأخير وهو الوقف ليس خامسا، وإنما هو رابع، وهو من زيادته على (المختصر) ولم يذكره المصنف في شرحه.
قلت: ويحتمل أن يكون خامسا، ويكون المذهب الثاني إنكار إطلاق لفظ الاستثناء على المنقطع لا بالحقيقة ولا المجاز، وهذا إن صح غريب والله أعلم.
ص: والأصح وفاقا لابن الحاجب: أن المراد بعشرة في قولك: عشرة إلا ثلاثة العشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت ثلاثة ثم أسند إلى الباقي تقديرا وإن كان قبله ذكرا. وقال الأكثر: المراد سبعة وإلا قرينة وقال القاضي: عشرة إلا ثلاثة بإزاء اسمين مفرد ومركب.
ش: أصل الخلاف في هذه المسألة ناشئ عن استشكال الاستثناء فإن المستثنى إن دخل في المستثنى منه تناقض الكلام لأنك أثبته ثم نفيته وإن لم يدخل فكيف صح إخراجه وقد أجمع أهل العربية على أن الاستثناء إخراج؟ فاختلف في تقديره على أقوال:
أحدها – وهو الذي صححه ابن الحاجب والمصنف-: أنه أريد جميع أفراد المستثنى منه, ولكن لم يحكم بالإسناد إلا بعد إخراج المستثنى، فإذا قلت: له علي عشرة إلا ثلاثة، فالمراد أولا العشرة، باعتبار الأفراد ولكن لا يحكم بإسناد الخبر، وهو (له) إلى المبتدأ وهو (عشرة) إلا بعد إخراج الثلاثة منه فأسند لفظا إلى عشرة، ومعنى إلى سبعة، ولم يقع الإسناد إلى بعد الإخراج فلم يسند إلا إلى سبعة، وليس الاستثناء مبينا للمراد بالأول بل به يحصل الإخراج.
قال ابن الحاجب: ففي هذا توفية بإجماع النحاة أن الاستثناء إخراج، ولا يؤدي إلى التناقض لأنك لم تنسب إلا بعد إخراج المستثنى.
الثاني – وبه قال الأكثرون -: أن المراد بعشرة في المثال المذكور سبعة وأداة الاستثناء نحو (إلا) قرينة على إطلاق اسم الكل وإرادة البعض مجازا، فالاستثناء موضع لمراد المتكلم.
الثالث – وبه قال القاضي أبو بكر: أن المستثنى والمستثنى منه جميعا وضعا لمعنى واحد وهو المفهوم منه آخرا فللسبعة اسمان مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة، فاحترز بهذا عما أورد من التناقض لكن بقي عليه مخالفة النحاة في أن الاستثناء إخراج، ولا إخراج على ما قرره وتظهر فائدة هذا الخلاف فيما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة، ووقع الاستثناء بعد موتها فإن قلنا: ليس ببيان طلقت ثلاثا وإلا فثنتان.
ص: ولا يجوز المستغرق خلافا لشذوذ وقيل لا الأكثر وقيل: ولا المساوي، وقيل: إن كان العدد صريحا.
ش: الاستثناء المستغرق نحو: (له علي عشرة إلا عشرة) باطل بالإجماع، كما حكاه الآمدي وابن الحاجب وغيرهما، لكن في (المدخل) لابن طلحة في: (أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا) قولان في اللزوم وعدم اللزوم يقتضي صحة الاستثناء المستغرق وهو الشذوذ الذي أشار إليه المصنف، وأغرب منه ما نقله الشيخ أبو حيان عن الفراء أنه يجوز أن يكون أكثر نحو: (له علي ألف إلا ألفين) لكن قال: إنه منقطع وقريب منه ما حكاه المحاملي في (التجريد) في قوله: (له علي ألف إلا ثوبا) وفسر الثوب بما قيمته ألف، أن فيه وجهين، ومحل الإجماع إن صح إذا اقتصر عليه فلو عقبه باستثناء آخر فالخلاف فيه مشهور، نحو: (له علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة) فقيل: يلزمه عشرة لبطلان الأول لاستغراقه، والثاني لترتبه عليه، وقيل: ثلاثة ومحل بطلان المستغرق عند الاقتصار عليه، فإن عقبه بما يصححه صح، وقيل سبعة ويحصل الاستثناء الثاني عائدا للأصل لبطلان الأول لاستغراقه.
ثم قال الجمهور: يصح استثناء المساوي نحو: (له علي خمسة إلا خمسة) والأكثر نحو: (له علي عشرة إلا تسعة) وقيل: يمتنع استثناء الأكثر، وحكاه البيضاوي عن الحنابلة وقيل: يمتنع المساوي أيضا وحكاه الشيخ أبو إسحاق والآمدي وابن الحاجب عن الحنابلة, وحكاه الشيخ أبو حيان عن نحاة البصرة وبه قال القاضي أبو بكر، وقال قوم: إن كان العدد صريحا لم يجز استثناء الأكثر نحو: (عشرة إلا تسعة) وإلا جاز مثل: خذ هذه الدراهم إلا ما في الكيس الفلاني، وكان ما فيه أكثر من الباقي كذا قرره الشارح، ومقتضى عبارة المصنف أنه يمتنع استثناء المساوي أيضا فيما إذا كان العدد صريحا، والله أعلم.
ص: وقيل: لا يستثنى من العدد عقد صحيح، وقيل: مطلقا.
ش: في الاستثناء من العدد مذاهب:
المشهور: الجواز مطلقا كغيره.
والثاني: المنع مطلقا، وصححه ابن عصفور، وأجاب عن قوله تعالى: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} بأن الألف يستعمل في التكثير كقولك: اقعد ألف سنة أي زمنا طويلا وذكر المصنف في (شرح المختصر) أن القاضي حسين والمتولي ذهبا إليه حيث قالا: لو قال لنسوته الأربع: أربعتكن طوالق إلا ثلاثة لم يصح لأنه نص.
وقال الشارح: ليس كما قال، فإنهما صرحا بالجواز مع تقدم الاستثناء كقوله أربعتكن إلا فلانة طوالق وذلك لوقوع الحكم بعد الإخراج فلا تناقض بخلاف التأخير ولو كان مدركهما ما توهمه المصنف لمنعاه مطلقا.
الثالث: أنه لا يجوز استثناء عقد صحيح، نحو: له مائة إلا عشرة ويجوز إلا ثلاثة.
ص: والاستثناء من النفي إثبات وبالعكس خلافا لأبي حنيفة.
ش: الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، هذا مذهب الشافعي والجمهور، وخالف أبو حنيفة فيهما كما حكاه الصفي الهندي، وتبعه المصنف، لكن الإمام في (المعالم) جعل الخلاف في الأولى فقط، وحكى الاتفاق على أن الاستثناء من الإثبات نفي، فلو قدم المصنف ذكر الاستثناء من الإثبات لفهم منه موافقة الإمام في تخصيص الخلاف بالاستثناء من النفي، فلما عكس تبين أن قوله خلافا لأبي حنيفة عائد إليهما.
ص: والمتعددة إن تعاطفت فللأول وإلا فكل لما يليه ما لم يستغرقه.
ش: الاستثناءات المتعددة إن تعاطفت أي عطفت بعضها على بعض فإنها ترجع كلها إلى الأول، وهو المستثنى منه، نحو: له علي عشرة إلا أربعة، وإلا ثلاثة وإلا اثنتين فلا يلزمه في هذه الصورة سوى درهم، وإن لم يعطف بعضها على بعض، رجع كل منهما لما يليه لا إلى المستثنى منه نحو: له علي عشرة، إلا ثمانية إلا سبعة، فالسبعة مثبتة مستثناة من الثمانية، فتضم إلى ما بقي من العشرة بعد الثمانية، وهو اثنان فيكون مقرا بتسعة، إلا أن يكون الاستثناء الثاني مستغرقا للأول، فيعودان معا للمستثنى منه، كقوله: له علي عشرة إلا ثلاثة، فيكن مقرا بأربعة.
ص: والوارد بعد جمل متعاطفة للكل تفريقا، وقيل: جمعا، وقيل: إن سيق الكل لغرض، وقيل: إن عطف بالواو، وقال أبو حنيفة والإمام: للأخيرة وقيل: مشترك وقيل بالوقف، والوارد بعد مفردات أولى بالكل.
ش: الاستثناء الواقع عقب جمل عطف بعضها على بعض، كقوله تعالى {والذين يرمون المحصنات} الآية، اختلف فيه على أقوال:
أحدها – وهو مذهب الشافعي -: أنه يعود للجميع إلا أن يقوم الدليل على إرادة البعض، كما في هذه الآية، فإنه حكم فيها بجلد القاذف، وعدم قبول شهادته، وأنه فاسق، ثم استثنى من تاب فلا يبقى فاسقا ولا مردود الشهادة، لكن الجلد لا يسقط، لما تقرر من أن حد الآدمي لا يسقط بالتوبة وقوله: (تفريقا وقيل: جمعا) لم يذكره الشارح ولم يشرحه وأشار به إلى الخلاف في أن المفرق يجمع أو يبقى على تفريقه, فإن جمعناه أعدنا الاستثناء للمجموع منهما وإن أبقيناه على تفريقه وهو الأصح جعلنا الاستثناء من كل منهما كما لو قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا، فإن قلنا: إن المفرق لا يجمع وهو الأصح أوقعنا الثلاث؛ لأن قوله: إلا أربعاً, استثناء من كل منهما, وهو باطل لاستغراقه وإن جمعنا المفرق فكأنه قال: ستا إلا أربعا فيقع ثنتان ولم أر من تعرض لهذا التفريع وإن كان الخلاف في التفريق والجمع معروفا.
فقوله: تفريقا أي يجعل الاستثناء من كل من المفرقين مع بقائهما على تفريقهما.
وقوله: وقيل: جمعا، أي: يجمع المفرق ويستثنى ذلك من الحاصل منهما، وقد عرفت كيفية ظهور ثمرة الخلاف وتوقف ابن الرفعة في نسبة هذا المذهب للشافعي، لنقل ابن الصباغ عن نص البويطي فيما لو قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعة، أنه يقع ثلاث، ثم قال ابن الصباغ: وهذا إنما هو لأنه أوقع جملتين، واستثنى إحداهما بجملتها فلم يقع لأن الاستثناء يرجع إلى الأخيرة من الجملتين.
وأجاب المصنف في (شرح المختصر) عن هذا بتخصيص المسألة بغير العدد، وليس كما قال.
وأجاب عنه الشارح بأن شرط العود للجميع إمكان عوده إلى كل واحد منهما وهو منتف هنا فلهذا اختص بالأخيرة والحق عندي بناؤه على ما قررته قريبا، والله أعلم.
المذهب الثاني: أنه يعود للكل إن سيق الكل لغرض واحد، كأكرم بني تميم، واخلع عليهم، فإن الغرض فيهما التعظيم، فإن اختلفا عاد للأخيرة فقط وهو قول أبي الحسين البصري من المعتزلة.
الثالث: عوده للكل إن كان العطف بالواو فإن كان بـ (ثم) أو غيرها اختص بالأخيرة وبه قال إمام الحرمين، وعليه جرى الآمدي وابن الحاجب وهو الذي في (المحرر) للرافعي، و(المنهاج) للنووي وتوهم بعضهم أن ذلك قيد في المسألة وليس كذلك بل هو قول مخالف للمشهور، وهو الذي يقتضيه كلام المصنف، وصرح الغزالي في (البسيط) في الوقف بأن كل حرف يقتضي الترتيب كذلك، وصرح القاضي أبو بكر في (التقريب) بالفاء وغيرها، وهو المعتمد.
وقد أفردت ذلك بالكلام عليه.
الرابع: اختصاصه بالجملة الأخيرة وبه قال أبو حنيفة، ولهذا قال: إن شهادة القاذف مردودة، ولو تاب، واختاره الإمام فخر الدين في (المعالم).
الخامس: أنه مشترك بينهما لوروده تارة للجميع، وتارة للأخيرة، وبه قال المرتضى من الشيعة.
السادس: الوقف في المسألة لعدم العلم بمدلوله، وبه قال القاضي أبو بكر والغزالي واختاره الإمام فخر الدين في (المحصول) و(المنتخب).
أما الاستثناء المتعقب للمفردات فهو أولى بعوده لكلها لعدم استقلالها، ولهذا اقتضى كلام جماعة الاتفاق فيها. وقال الرافعي في الطلاق: إذا قال: حفصة وعمرة طالقان إن شاء الله – فهو من باب الاستثناء عقب الجمل.
ص: أما القران بين الجملتين لفظا فلا يقتضي التسوية في غير المذكور حكما خلافا لأبي يوسف والمزني.
ش: القران بين الجملتين في اللفظ في حكم من الأحكام لا يقتضي التسوية بينهما في غيره عند الجمهور، ويدل له قوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه} فعطف واجبا على مباح، وقال أبو يوسف والمزني: إنه يقتضي التسوية، لأن العطف يقتضي الشركة، واستدل بعض الحنفية بذلك على أنه لا تجب الزكاة في مال الصبي كما لا تجب عليه الصلاة لقرنهما في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} لكن الذي في كتب الحنفية تخصيص ذلك بالجمل الناقصة نحو قوله: {فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا} فهما كجملة واحدة والإشهاد في المفارقة غير واجب، وكذا في الرجعة بخلاف قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فإن كلا من الجملتين مستقلة بنفسها فلا يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المتصل, المخصص

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir