دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:57 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقييده

النَّوْعُ الخَامِسُ وَالعِشْرُونَ: كِتَابَةُ الحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ

قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: مَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا سِوَى القُرْآنِ فَليَمْحُهُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ عُمَرُ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَأَبُو مُوسَى, وَأَبُو سَعِيدٍ, فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
قَالَ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ أَوْ فِعْلُهُ عَلِيٌّ, وَابْنُهُ الحَسَنُ, وَأَنَسٌ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ, فِي جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
قُلتُ: وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: (اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ)
وَقَدْ تَحَرَّرَ هَذَا الفَصْلُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِنَا المُقَدِّمَاتِ, وَلِلَّهِ الحَمْدُ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَعَلَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ حِينَ يُخَافُ التِبَاسُهُ بِالقُرْآنِ, وَالإِذْنُ فِيهِ حِينَ أُمِنَ ذَلِكَ. واللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حُكِيَ إِجْمَاعُ العُلَمَاءِ فِي الأَعْصَارِ المُتَأَخِّرَةِ عَلَى تَسْوِيغِ كِتَابَةِ الحَدِيثِ, وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ, شَائِعٌ ذَائِعٌ, مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا, فَيَنْبَغِي لِكَاتِبِ الحَدِيثِ -أَوْ غَيْرِهِ مِنَ العُلُومِ- أَنْ يَضْبِطَ مَا يُشْكِلُ مِنْهُ, أَوْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ, فِي أَصْلِ الكِتَابِ نَقْطًا وَشَكْلًا وَإِعْرَابًا, عَلَى مَا هُوَ المُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ, وَلَوْ قَيَّدَ فِي الحَاشِيَةِ لَكَانَ حَسَنًا.
وَيَنْبَغِي تَوْضِيحُهُ, وَيُكْرَهُ التَّدْقِيقُ وَالتَّعْلِيلُ فِي الكِتَابِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ لابْنِ عَمِّهِ حَنْبَلٍ -وَقَدْ رَآهُ يَكْتُبُ دَقِيقًا-: لَا تَفْعَل, فَإِنَّهُ يَخُونُكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ حَدِيثَيْنِ دَائِرَةً. وَمِمَّنْ بَلَغَنَا عَنْهُ ذَلِكَ أَبُو الزِّنَادِ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَإِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ, وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.
قلت: قَدْ رَأَيْتُهُ فِي خَطِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
قَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الدَّائِرَةَ غُفْلًا, فَإِذَا قَابَلَهَا نَقَطَ فِيهَا نُقْطَةً.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ: (عَبْدُ اللَّهِ فُلَانٌ), فَيَجْعَلُ (عَبْدُ) آخِرَ سَطْرٍ وَالجَلَالَةَ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ, بَل يَكْتُبُهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَليُحَافِظْ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ, وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِهِ, وَإِنْ تَكَرَّرَ فَلَا يَسْأَمْ, فَإِنَّ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.
قَالَ: وَمَا وُجِدَ مِنْ خَطِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الرِّوَايَةَ. قَالَ الخَطِيبُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ r نُطْقًا لَا خَطًّا.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَليَكْتُبِ الصَّلَاةَ وَالتَّسْلِيمَ مُجَلَّسَةً لَا رَمْزًا، قَالَ: وَلَا يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ), يَعْنِي: وَليَكْتُبْ r وَاضِحَةً كَامِلَةً.
قَالَ: وَليُقَابِل أَصْلَهُ بِأَصْلٍ مُعْتَمَدٍ, وَمَعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوْثُوقٍ بِهِ ضَابِطٍ. قَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ شَدَّدَ وَقَالَ: لَا يُقَابِلُ إِلَّا مَعَ نَفْسِهِ. قَالَ: وَهَذَا مَرْفُوضٌ مَرْدُودٌ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّخْرِيجِ وَالتَّضْبِيبِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الاصْطِلَاحَاتِ المُطَّرِدَةِ وَالخَاصَّةِ مَا أَطَالَ الكَلَامَ فِيهِ جِدًّا.
وَتَكَلَّمَ عَلَى كِتَابَةِ (ح) بَيْنَ الإِسْنَادَيْنِ, وَأَنَّهَا (ح) مُهْمَلَةٌ, مِنَ التَّحْوِيلِ أَوِ الحَائِلُ بَيْنَ الإِسْنَادَيْنِ, أَوْ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِهِ (الحَدِيثَ).
قلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا (خَاءٌ) مُعْجَمَةٌ, أَيْ إِسْنَادٌ آخَرُ، وَالمَشْهُورُ الأَوَّلُ, وَحَكَى بَعْضُهُمُ الإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.


  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ
كِتَابَةُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ وَتَقْيِيدُهُ:
قَدْ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: مَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو سَعِيدٍ، فِي جَمَاعَةٍ آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
قَالَ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ أَوْ فِعْلُهُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ الْحَسَنُ، وَأَنَسٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فِي جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
(قُلْتُ): وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: "اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ"، وَقَدْ تَحَرَّرَ هَذَا الْفَصْلُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِنَا الْمُقَدِّمَاتِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَعَلَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ حِينَ يُخَافُ الْتِبَاسُهُ بِالْقُرْآنِ، وَالْإِذْنُ فِيهِ حِينَ أُمِنَ ذَلِكَ. واللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حُكِيَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى تَسْوِيغِ كِتَابَةِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ، شَائِعٌ ذَائِعٌ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ[1].
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَيَنْبَغِي لِكَاتِبِ الْحَدِيثِ -أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ- أَنْ يَضْبِطَ مَا يُشْكِلُ مِنْهُ، أَوْ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ، فِي أَصْلِ الْكِتَابِ نَقْطًا وَشَكْلًا وَإِعْرَابًا، عَلَى مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ قَيَّدَ فِي الْحَاشِيَةِ لَكَانَ حَسَنًا[2].
وَيَنْبَغِي تَوْضِيحُهُ، وَيُكْرَهُ التَّدْقِيقُ[3] وَالتَّعْلِيلُ فِي الْكِتَابِ لِغَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِابْنِ عَمِّهِ حَنْبَلٍ -وَقَدْ رَآهُ يَكْتُبُ دَقِيقًا-: لَا تَفْعَلْ، فَإِنَّهُ يَخُونُكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَ كُلِّ حَدِيثَيْنِ دَائِرَةً. وَمِمَّنْ بَلَغَنَا عَنْهُ ذَلِكَ أَبُو الزِّنَادِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.
(قُلْتُ): قَدْ رَأَيْتُهُ فِي خَطِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الدَّائِرَةَ غُفْلًا، فَإِذَا قَابَلَهَا نَقَطَ فِيهَا نُقْطَةً.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ: "عَبْدُ اللَّهِ فُلَانٌ"، فَيَجْعَلُ "عَبْدُ" آخِرَ سَطْرٍ وَالْجَلَالَةَ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ، بَلْ يَكْتُبُهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: وَلْيُحَافِظْ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِهِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ فَلَا يَسْأَمْ، فَإِنَّ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.
قَالَ: وَمَا وُجِدَ مِنْ خَطِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الرِّوَايَةَ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ r نُطْقًا لَا خَطًّا[4].
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلْيَكْتُبِ الصَّلَاةَ وَالتَّسْلِيمَ مُجَلَّسَةً[5] لَا رَمْزًا، قَالَ: وَلَا يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، يَعْنِي: وَلْيَكْتُبْ r وَاضِحَةً كَامِلَةً.
قَالَ: وَلْيُقَابِلْ أَصْلَهُ بِأَصْلٍ مُعْتَمَدٍ، وَمَعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوْثُوقٍ بِهِ ضَابِطٍ. قَالَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ شَدَّدَ وَقَالَ: لَا يُقَابِلُ إِلَّا مَعَ نَفْسِهِ. قَالَ: وَهَذَا مَرْفُوضٌ مَرْدُودٌ[6].
وَقَدْ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّخْرِيجِ وَالتَّضْبِيبِ وَالتَّصْحِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمُطَّرِدَةِ وَالْخَاصَّةِ مَا أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ جِدًّا[7].
وَتَكَلَّمَ عَلَى كِتَابَةِ "ح" بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ، وَأَنَّهَا "ح" مُهْمَلَةٌ، مِنَ التَّحْوِيلِ أَوِ الْحَائِلُ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ، أَوْ عِبَارَةً عَنْ قَوْلِهِ "الْحَدِيثَ".
(قُلْتُ): وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهَا "خَاءٌ" مُعْجَمَةٌ، أَيْ إِسْنَادٌ آخَرُ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَحَكَى بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ.


[1] اختلف الصحابة قديما في جواز كتابة الأحاديث: فكرهها بعضهم، لحديث أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تكتبوا عني شيئًا إلا القرآن، ومن كتب عني شيئًا غير القرآن فليمحه)) رواه مسلم في صحيحه.
وأكثر الصحابة على جواز الكتابة، وهو القول الصحيح.
وقد أجاب العلماء عن حديث أبي سعيد بأجوبة:
فبعضهم أعله بأنه موقوف عليه، وهذا غير جيد، فإن الحديث صحيح.
وأجاب غيره بأن المنع إنما هو من كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، خوف اختلاطهما على غير العارف في أول الإسلام.
وأجاب آخرون بأن النهي عن ذلك خاص بمن وثق بحفظه، خوف اتكاله على الكتاب، وإن لم يثق بحفظه فله أن يكتب.
وكل هذه إجابات ليست قوية.
والجواب الصحيح: أن النهي منسوخ بأحاديث أخرى دلت على الإباحة.
فقد روى البخاري ومسلم: أن أبا شاه اليمني التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئًا سمعه من خطبته، عام فتح مكة، فقال: (اكتبوا لأبي شاه).
وروى أبو داود والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك الشيء فأكتبه؟ قال: نعم، قال: في الغضب والرضا؟ قال: نعم، فإني لا أقول فيهما إلا حقا).
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: (ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب).
وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: (كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع منه الحديث فيعجبه، ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: استعن بيمينك، وأومأ بيده إلى الخط).
وهذه الأحاديث، مع استقرار العمل بين أكثر الصحابة والتابعين، ثم اتفاق الأمة بعد ذلك على جوازها-: كل هذا يدل على أن حديث أبي سعيد منسوخ، وأنه كان في أول الأمر حين خيف اشتغالهم عن القرآن، وحين خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن. وحديث أبي شاه في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إخبار أبي هريرة، وهو متأخر الإسلام أن عبد الله بن عمرو كان يكتب، وأنه هو لم يكن يكتب، بدل على أن عبد الله كان يكتب بعد إسلام أبي هريرة، ولو كان حديث أبي سعيد في النهي متأخرًا عن هذه الأحاديث في الإذن والجواز، لعرف ذلك عند الصحابة يقينا صريحا، ثم جاء إجماع الأمة القطعي بعد قرينة قاطعة على أن الإذن هو الأمر الأخير، وهو إجماع ثابت بالتواتر العملي، عن كل طوائف الأمة بعد الصدر الأول. رضي الله عنهم أجمعين.
وقد قال ابن الصلاح (ص171): ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة. ولقد صدق رحمه الله.

[2] قال ابن الصلاح ص (171): على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم، على الوجه الذي رووه، شكلا ونقطا يؤمن معهما الالتباس. وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه. وذلك وخيم العاقبة، فإن الإنسان معرض للنسيان، وأول ناس أول الناس. وإعجام المكتوب يمنع من استعجامه، وشكله يمنع من إشكاله. لا ينبغي أن يعتني بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس، وقد أحسن من قال: (إنما يشكل ما يشكل).
وقد كان الأولون يكتبون بغير نقط ولا شكل، ثم لما تبين الخطأ في قراءة المكتوب لضعف القوة في معرفة العربية: كان اللفظ، ثم كان الشكل.
وينبغي ضبط الأعلام التي تكون محل لبس، لأنها لا تدرك بالمعنى، ولا يمكن الاستدلال على صحتها بما قبلها ولا بما بعدها. قال أبو إسحاق النجيرمي -بالنون المفتوحة ثم الجيم مفتوحة أو مكسورة- أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس، لأنه لا يدخله القياس، ولا قبله ولا بعده شيء يدل عليه).
ويحسن في الكلمات المشكلة التي يخشى تصحيفها أو الخطأ فيها أن يضبطها الكاتب في الأصل ثم يكتبها في الحاشية مرة أخرى بحروف واضحة، يفرق حروفها حرفا حرفا، ويضبط كلا منها، لأن بعض الحروف الموصولة يشتبه بغيره. قال ابن دقيق العيد: (من عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح الشكل، فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية، ويضبطوها حرفا حرفا). وقد رأينا ذلك في كثير من المخطوطات العتيقة.
وينبغي ضبط الحروف المهملة لبيان إهمالها، كما تعرف المعجمة بالنقط؛ لأن بعض القراء قد يتصحف عليه الحرف المهمل فيظنه معجما أن الكاتب نسي نقطه.
وطرق البيان كثيرة: فمنهم من يضع تحت الحرف المهمل مثل النقط الذي فوق المعجم المشابه له، كالسين، يضع تحتها ثلاث نقط، إما صفا واحدا هكذا (....) وإما مثل نقط السين المعجمة، ومنهم من يكتب الحرف نفسه بخط صغير تحت الحرف المهمل مثل (حـ) تحت الحاء، و(سـ) تحت السين، وهكذا. ومنهم من يكتب همزة صغيرة تحت الحرف أو فوقه.
ومنهم من يضع خطًّا أفقيا فوق الحرف هكذا (ــ) ومنهم من يضع فوقه رسما أفقيًا كعلامة الظفر هكذا (__) وتجد هذه العلامات كثيرا في الخطوط القديمة الأثرية.
وأرى أنه ينبغي أيضًا كتابة الهمزات في الحروف المهموزة، وأن تكون التي في أول الكلمة فوق الألف إن كانت مفتوحة، وتحتها إن كانت مكسورة. وأكثر الكاتبين يختارون وضع الهمزة فوق الألف مطلقًا، مفتوحة أو مكسورة، ولكن الذي اخترناه أولى وأوضح.

[3] التدقيق: الكتابة بالخط الدقيق. والتعليق: خلط الحروف التي ينبغي تفريقها.

[4] ذهب أحمد بن حنبل إلى أن الناسخ يتبع الأصل الذي ينسخ منه، فإن كان فيه ذلك كتبه، وإلا لم يكتبه، وفي كل الأحوال يتلفظ الكاتب بذلك حين الكتابة: فيصلي نطقًا وخطا، إذا كانت في الأصل صلاة. ونطقا فقط إذا لم تكن. وهذا هو المختار عندي، محافظة على الأصول الصحيحة لكتب السنة وغيرها، وكذلك اختاره في طبع آثار المتقدمين، وبه أعمل إن شاء الله.

[5] ضبطت في الأصل مشددة اللام مفتوحة، ومعناها تامة من غير نقص أو رمز.

[6] بعد إتمام نسخ الكتاب تجب مقابلته على الأصل المنقول منه، أو على أصل آخر مقابل، أو على نسخة منقولة من الأصل مقابلة.
وهذا التصحيح المنسوخ، خشية سقوط شيء منه أو وقوع خطأ في النقل.
قال عروة بن الزبير لابنه هشام: (كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا . قال: لم تكتب) وقال الأخفش: (إذا نسخ الكتاب ولم يعارض، ثم نسخ ولم يعارض: خرج أعجميًّا).
ويقابل الكاتب نسخته على الأصل مع شيخه الذي يروي عنه الكتاب، إن أمكن، وهو أحسن، أو مع شخص آخر، أو يقابل بنفسه وحده كلمة كلمة، ورجحه أبو الفضل الجارودي فقال: (أصدق المعارضة مع نفسك): بل ذهب بعضهم إلى وجوبه، فقال: (لا تصح مع أحد غير نفسه، ولا يقلد غيره).
وأرى أن هذا يختلف باختلاف الظروف والأشخاص، وكثير من الناس يتقنون المقابلة وحدهم، ويطمئنون إليها أكثر من المقابلة مع غيرهم.
وإذا لم يتمكن الكاتب من مقابلة نسخته بالأصل فيكتفي بأن يقابلها غيره ممن يثق به.
ويستحب لمن يسمع من الشيخ أن يكون بيده نسخة يقابل عليها، فإن لم يكن فينظر مع أحد الحاضرين في نسخته. وذهب ابن معين إلى اشتراط ذلك، فقد سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ: هل يجوز أن يحدث بذلك؟ فقال: (أما عندي فلا يجوز، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم). قال النووي: (والصواب، الذي قاله الجمهور، أنه لا يشترط).
أما إذا لم يعارض الراوي كتابه بالأصل: فذهب القاضي عياض إلى أنه لا يجوز له الرواية منه عند عدم المقابلة، والصواب الجواز، إذا كان ناقل الكتاب ضابطا صحيح النقل قليل السقط. وينبغي أن يبين حين الرواية أنه لم يقابل على الأصل المنقول منه، كما كان يفعل أبو بكر البرقاني، فإنه روى أحاديث كثيرة قال فيها: (أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل).
ثم إن الشروط التي سبقت في تصحيح نسخة الراوي ومقابلتها بأصلها الخ: تعتبر أيضًا في الأصل المنقول عنه، لئلا يقابل نسخته على أصل غير موثوق به، ولا يقابل على ما نقل منه.

[7] إذا سقط من الناسخ بعض الكلمات: وأراد أن يكتبها في نسخته، فالأصوب أن يضع في موضع السقط -بين الكلمتين- خطا رأسيا، ثم يعطفه بين السطرين، بخط أفقي صغير، إلى الجهة التي سيكتب فيها ما سقط منه، فيكون بشكل زاوية قائمة هكذا ] إلى اليمين، أو هكذا [ إلى اليسار، واختيار بعضهم أن يطيل الخط الأفقي حتى يصل إلى ما يكتبه، هو رأي غير جيد، لأن فيه تشويها لشكل الكتاب، ويزداد هذا التشويه إذا كثرت التصحيحات. ثم يكتب ما سقط منه، ويكتب بجواره كلمة (مسحـ) أو كلمة (رجع). والاكتفاء بالأولى أحسن وأولى.
وذهب بعضهم إلى أنه يكتب عقب السقط الكلمة التي تتلوه في صلب الكتاب، ولكن هذا غير مقبول، لئلا يظن القارئ أن الكلمة المكتوبة في الحاشية وفي الصلب مكررة في الأصل، وهو إيهام قبيح.
وإما إذا أراد أن يكتب شيئًا بحاشية الكتاب، على سبيل الشرح أو نحوه، ولا يكون إتمامًا لسقط من الأصل، فيحسن أن يرسم العلامة السابقة في وسط الكلمة التي يكتب عنها، فتكون العلامة فوقها، ليفرق بين التصحيح وبين الحاشية.
واختار القاضي عياض أن يضبب فوق الكلمة. وفي عصورنا هذه نضع الأرقام للحواشي، كما ترى في هذا الكتاب.
ومن شأن المتقنين في النسخ والكتابة أن يضعوا علامات توضح ما يخشى إبهامه.
فإذا وجد كلاما صحيحا معنى ورواية، وهو عرضة للشك في صحته أو الخلاف فيه كتب فوقه (صحـ).
وإذا وجد ما صح نقله وكان معناه خطأ وضع فوقه علامة التضبيب، وتسمى أيضًا (التمريض) وهي صاد ممدودة هكذا (صـ). ولكن لا يلصقها بالكلام، لئلا يظن أنه إلغاء له وضرب عليه.
وكذلك توضع هذه العلامة على موضع الإرسال أو القطع في الإسناد، وكذلك فوق أسماء الرواة المعطوفة، نحو (فلان وفلان)، لئلا يتوهم الناظر أن العطف خطأ، وأن الأصل (فلان عن فلان).
والأحسن في الإرسال والقطع والعطف ونحوها: وضع علامة التصحيح، كما هو ظاهر.
وفيما كان خطأ في المعنى: أن يكتب فوقه أو بجواره كلمة (كذا). وهو المستعمل كثيرا في هذه العصور.
وإذا غلط الكاتب فزاد في كتابته شيئًا: فإما أن يمحوه، إن كان قابلا للمحو، أو يكشطه بالسكين ونحوها: وهذا عمل غير جيد.
والأصوب أن يضرب عليه بخط يخطه عليه، مختلطًا بأوائل كلماته، ولا يطمسها.
وبعضهم يخط فوقه خطا منعطفًا عليه من جانبه، هكذا، ا] أو يضع الزيادة بين صفرين مجوفين 00 أو بين نصفي دائرة، وكل هذا موهم.
وإذا كان الزائد كثيرا فالأحسن أن يكتب فوقه في أول كلمة (لا) أو (من) أو (زائد) وفي آخره فوقه أيضًا كلمة (إلى)، ليعرف القارئ الزيادة بالضبط من غير أن يشتبه فيها.
وتجد هذا كثيرا في الكتب المخطوطة القديمة، التي عني أصحابها بصحتها ومقابلتها.
وإذا كانت الزيادة بتكرار كلمة واحدة مرتين، فقيل: يضرب على الثانية مطلقًا، وقيل بالتفصيل، فيضرب عليها إن كانتا في أول السطر أو وسطه، ويضرب على الأولى إن كانتا في آخر السطر، أو كانت الأولى في آخره والثانية في أول السطر التالي، مع ملاحظة أن لا يفصل بين الوصف والموصوف، ولا بين المضاف والمضاف إليه، وإن كانتا في وسط السطر أنقى أحسنهما صورة وأوضحهما.


  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا، وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد..،
قال المصنف رحمه الله تبارك وتعالى، ونفعنا بعلمه وبعلم شيخنا، وأجزل لهما المثوبة في الدارين، قال تحت عنوان: النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وضبطه وتقييده
قال: قد ورد في صحيح مسلم، عن أبي سعيد مرفوعا: ((من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه)).
قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو سعيد، في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين.
قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله: علي، وابنه الحسن، وأنس، وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع من الصحابة والتابعين.
قال: قلت: وثبت في الصحيحين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اكتبوا لأبي شاه)).
وقد تحرر هذا الفصل في أوائل كتابنا: (المقدمات) ولله الحمد.
قال البيهقي، وابن الصلاح، وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن، والإذن فيه حين أمن ذلك. والله أعلم.
وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث، وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير...

الشيخ: افتتح ابن كثير رحمه الله النوع الخامس والعشرين الذي عقده لكتابة الحديث وضبطه وتقييده، افتتحه بالكلام على الخلاف في جواز كتابة الحديث من عدمه، وهذه مسألة كان مختلفا فيها في العصر الأول، ثم بعد ذلك قضي على الخلاف؛ وذلك أنه جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي عليه الصلاة والسلام، أنه قال: ((لا تكتبوا عني غير القرآن، من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه)).
وجاءت أحاديث أخرى تدل على جواز الكتابة، فمنها الحديث الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير، أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قال: ((اكتبوا لأبي شاه ما شاء)). لأنه لما قام عليه الصلاة والسلام يخطب قام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه، وكانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم تضمنت أحكاما كثيرة كما هو معروف، فقال أبو شاه: يا رسول الله، إني لا أحفظ، فأمر من يكتب لي ما تقول. فقال: ((اكتبوا لأبي شاه ما شاء)). أو كما جاء في الحديث.
كذلك وردت أحاديث أخرى تدل على أن الكتابة كانت موجودة في عصره عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه كان يكتب عن النبي عليه الصلاة والسلام، فرآه بعض الرجال من قريش فقالوا له: تكتب عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو بشر يتكلم في الغضب والرضا.
فأوقع ذلك في نفس عبد الله بن عمرو ما أوقع، فتوقف عن الكتابة، وذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام يذكر له هذه المقولة، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن غضب: ((اكتب)) وأشار إلى فيه ((فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق)).
فهذا يدل على خلاف ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري.
كذلك أيضا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما سئل: هل عندكم شيء من العلم اختصكم به النبي صلى الله عليه وسلم دون غيركم؟ يعني: اختص عليا رضي الله عنه به، قال: لا، والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، إلا ما في هذه الصحيفة. وأبرز صحيفة فيها عقل الديات، وفيها أن لا يُقتل مسلم بكافر، وغير ذلك من الأحاديث، ولكنها أحاديث قليلة.
لكن وجود هذه الصحيفة يدل على أنه رضي الله عنه كان يكتب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نعلم أن علي رضي الله عنه كان من كتاب الوحي، فكان من الكتبة.
كذلك أيضا لما حضرت النبي عليه الصلاة والسلام الوفاة قال: ((ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تختلفوا بعده أبدا)). أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا في ذلك المجلس واضطربوا، فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوموا، ولم يكتب ذلك الكتاب، لكن أمره عليه الصلاة والسلام بإحضار الكتاب، وهمه بكتابة كتاب هذا يدل على أن كتابة الأحاديث جائزة؛لأن ذلك الكتاب سيكون من حديثه عليه الصلاة والسلام.
وهكذا في أدلة متعددة، مثل قول أبي هريرة: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري- أحد أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب.
فإذن الكتابة كانت موجودة في عصره صلى الله عليه وسلم، لكن هذا النهي الذي جاء من حديث أبي سعيد الخدري يعكر على هذه المسألة من أصلها، من العلماء من ذهب إلى تضعيف رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أعني: حديث أبي سعيد الخدري، وممن ذهب إلى ذلك البخاري رحمه الله تعالى، ومنهم من قال: بل إن رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم صحيح؛ لأن مثل البخاري يرى أنه موقوف على أبي سعيد الخدري، ومنهم من قال: بل هو صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
ولكن تبقى مسـألة فقه ذلك الحديث ما الذي يراد منه؟ استطاع العلماء أن يتبينوا ما سبب نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن كتابة الحديث، فوجدت عدة أسباب؛ من أهمها:
أن كتابة القرآن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام كانت بالطرق البدائية، فأولا: لم يكن الكتبة من الصحابة رضي تعالى عنهم كثيرين، وإنما كانوا قلة، وهذه القلة ينبغي أن تفرغ لكتابة الوحي، لكتابة القرآن، لماذا؟
لأن القرآن نحن متعبدون بتلاوته، وهو الذي يقرأ في الصلوات، ويترتب على القراءة به ما يترتب من الثواب المعروف: ((لا أقول الم حرف))... إلى آخر ما هنالك، فالقرآن ليس كالسنة من حيث التعبد بتلاوته.
ثم إن القرآن في ذلك الوقت كان يكتب في الرقاع واللخاف، وعلى الأحجار، وعلى الألواح، وهذه تسمى الطرق البدائية، فمثل هذه الألواح والرقاع وغيرها من أدوات الكتابة في ذلك العصر لو كتبت عليها السنة لاختلطت السنة بالقرآن، وهذا فيه ما فيه مما أشرت إليه؛ فإن السنة نحن لا نتعبد بتلاوتها، بخلاف القرآن.
وكذلك أيضا يمكن أن يكون في ذلك مزاحمة للقرآن؛ لأن السنة كثيرة، فالنبي عليه الصلاة والسلام عاش بعد بدء الوحي ثلاثا وعشرين سنة، فمن الصعوبة بمكان أن تكتب جميع حركاته وسكناته وأقواله وأفعاله - عليه الصلاة والسلام - طيلة هذه الثلاث وعشرين سنة، ولو كتبت لامتلأت الدنيا بما يكتب من سيرته عليه الصلاة والسلام في طيلة هذه الفترة الطويلة.
ثم إن هذا بلا شك سيكون فيه مزاحمة لكتاب الله، وربما اختلط القرآن بالسنة، والناس في ذلك العصر كانوا حديثي عهد بجاهلية، فقد يكون كثير منهم لا يستطيعون التمييز بين القرآن والسنة، وبخاصة والناس يدخلون في دين الله أفواجا.
لذلك وغيره من الأسباب الكثيرة كان النبي عليه الصلاة والسلام يمنعهم من أن يكتبوا غير القرآن؛ حتى لا يكون هناك إمكانية حدوث لبس بين السنة والقرآن، ونحمد الله - جل وعلا - أن هذا حصل، وأن هذا مدون في كتب أهل العلم، وإلا افتتن بذلك طائفة من جهلة أبناء المسلمين الذين يقرؤون لبعض المستشرقين.
فالمستشرقون ركزوا على الطعن في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الإسلام ككل سواء كان عقيدة أو شريعة، فمن جملة الطعون التي يحاولون توجيهها كون القرآن ليس من الله جل وعلا؛ فأحيانا يقولون: هذا القرآن إنما هو من محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما أخذه ولفقه مما تلقاه عن اليهود والنصارى وغيرهم، نفس المقولة التي قالها المشركون الأوائل: {إنما يعلمه بشر}.
ثم يزعمون أن هناك اختلاط بين القرآن والسنة، ولكن إذا ما قرأ أحد هؤلاء المفتونين بالقراءة في كتبهم، إذا ما قرأ هذه البحوث التي كتبها المسلمون عن منع النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة السنة في أول الإسلام، تنقطع حجتهم، ويهزمون بعد أن يطلعوا على مثل هذا الذي كتب.
وحتى نفس المستشرقين فإنهم حينما يتكلمون في مثل هذه القضية إنما يتكلمون بضعف، وبعضهم يدرك خطأ وجهة نظره، فيذهبون إلى الطعن من أبواب أخرى.
فعلى كل حال مثل هذا نحمد الله أنه وجد، لكنه أمر نسخ؛ لأنه بعد أن أمنت الفتنة وأمن من وقوع الغلط بين الناس، وعرفوا أن هذا هو القرآن، وأن تلك هي السنة، وبخاصة أن الذين يكتبون إنما هم أناس يستطيعون التميز بين القرآن والسنة، بعد ذلك أباح النبي عليه الصلاة والسلام الكتابة حينما أمن اللبس الذي كان يخشى منه قبل ذلك.
هناك أقوال للعلماء في محاولة التوفيق بين أحاديث النهي وأحاديث الإباحة، هذه أخشى من التطويل في الإفاضة فيها، ولكن من أهم أقوالهم:
إن النهي قد نسخ، وأن الذي استقر عليه الأمر: الإباحة، وعلى ذلك انعقد الإجماع بعد عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأما في عصر الصحابة فكان هناك شيء من الاختلاف مما تجدونه مشارا إليه عندكم في هذا الكتاب، وبالذات إذا أخذنا في الاعتبار أن بعض الذين كرهوا الكتابة إنما كرهوها أيضا لغرض آخر، بعضهم، لا لأجل أنها محرمة أو مكروهة، لا، وإنما كرهها لما يرى فيه من المصلحة.
وذلك أن الناس في ذلك العصر كانوا يعتمدون اعتمادا كليا على الحفظ، وكانوا يرون أن الكتابة تذهب الحفظ وتضعف الحفظ، ولذلك كانوا ينهون عنها لذلك الغرض.
ولذلك يقول مثل وهب بن منبه: ما كتب سوادا في بياض.
وكانوا لأجل تركيزهم على الحفظ قد صفت الذاكرة عندهم، حتى إن بعضهم كان يسد أذنيه في بعض الأحيان حتى لا يسمع كلاما فيحفظه؛ لأن كل ما يمر على هذه الأذن يطبع طباعة في هذه الذاكرة، وهذا جاء عن مثل الزهري رحمه الله تعالى فيما أظن، إن لم تخطئني الذاكرة؛ فإنه يقول: إني لأمر بالبقيع فأسد أذني بالكرسف -وهو القطن-؛ مخافة أن تسمع شيئا من الخناء فأحفظه.
لأجل هذا كان الزهري وغيره يكرهون الكتابة، فالزهري كان ينهى تلاميذه عن كتابة الأحاديث، لكن لما طلب منه بعض حكام بني أمية السماح لأبنائهم بكتابة الأحاديث؛ لأن أبناءه مرفهون، ما كانوا يستطيعون الحفظ كما يحفظ بقية الناس، فأخبرهم الزهري بأنه يمنع الناس من كتابة الأحاديث، قالوا: اسمح لأبنائنا، وأما الناس فشأنك بهم. فقال: لا، الناس عندي وأبناؤكم سواسية.
فجاء إلى الدرس وأباح للناس الكتابة، ثم بعد ذلك بأمر من عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، بعد أن رأى عمر بن عبد العزيز أن هذا العلم يخشى عليه من الدروس، أي: من الاندثار، كتب إلى الآفاق يطلب منهم أن يكتبوا كل ما عندهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو من سنة جارية.
فممن نهض بهذه المهمة: الزهري، وكان في المدينة، بأمر من عمر بن عبد العزيز، فهو أول من دون السنة تدوينا رسميا، وأما قبل ذلك فكان التدوين مفرقا في صحاف، وعند أناس معينين، لكن بعد قيام الزهري بهذه المهمة رحمه الله تعالى انعقد الإجماع على أهمية الكتابة، وعلى ضرورتها، بل وجدنا أهل العلم بعد ذلك يفضلون الكتابة على الحفظ؛ لأن الحافظة قد تخون صاحبها، وأما الكتاب فهو مضبوط، لا يمكن أن يتغير إذا أبعد عن أيدي العابثين.
بعض الذين حكيت عنهم الكراهية قد حكي عنهم الجواز، مثل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؛ فإنه رحمه الله ورضي عنه كان مكث شهرا يستخير الله - جل وعلا - ويستشير: هل يدون السنة أو لا؟ ثم بعد ذلك استقر رأيه على أن لا يدون السنة تدوينا رسميا، وهذه المحاولة منه تدل على أن أصل هذه القضية ليس كما يتصور من أنه مكروه كراهة تحريم، بل إن ذلك كان نتيجة اجتهاد، كما أشرت إليه، وإلا لو كان الأمر محرما لما فكر عمر بتدوين السنة، ولما مكث شهرا وهو يستخير الله - جل وعلا - ويستشير في تدوين السنة.
أما لماذا عدل عن تدوين السنة؟ فلأن الناس كانوا في ذلك العصر يدخلون أيضا في الدين، والفتوحات الإسلامية كما هو معلوم تاريخيا كانت مستمرة على قدم وساق، فربما أنه رضي الله عنه خشي من أن تختلط السنة على هؤلاء -الداخلين في الإسلام حديثا- بالقرآن، فعدل عن ذلك لهذا الغرض. والله أعلم.
القارئ: قال: فإذا تقرر هذا، فينبغي لكاتب الحديث أو غيره من العلوم أن يضبط ما يشكل منه، أو قد يشكل على بعض الطلبة في أصل الكتاب نقطا وشكلا وإعرابا على ما هو المصطلح عليه بين الناس، ولو قيد في الحاشية لكان حسنا، وينبغي توضيحه.

الشيخ: إذا عرفنا أن الأمر قد استقر على إباحة الكتابة، بل على الضدية من هذا، وهو تفضيل الكتابة على الحفظ، فهذه الكتابة لا بد لها من ضوابط، وللعلماء فيها أصول وقواعد.
والحقيقة لقد بلغ إتقان أهل الحديث بالذات؛ لأنهم هم القمة، وأما باقي المؤلفات الأخرى فلم يُعْنَ.. أو لم تُولَ من العناية كما أوليت المصنفات الحديثية، ولا تجدون عند العلماء الآخرين تبويبا لأجل الكتابة كما عند المحدثين، يعني: لو نظرتم مثلا في كتب الفقه: هل تجدون بابا معقودا يتحدث عن الكتابة؟ أو في أصول الفقه: هل تجدون بابا معقودا يتحدث عن أصول الكتابة؟
لا، كذلك عند المفسرين، وفي أصول التفسير، وهلم جرا، لم يعقدوا شيئا إنما الذي عني بهذا من هم؟ المحدثون، عنوا به عناية فائقة.
والحقيقة أن من نظر في طريقتهم في الكتابة، وفي ضبطها، وفي الإلحاقات، وفي المقابلة، وفي ضبط ما يشكل، وهلم جرا من الأمور - يتعجب ويدهش، فليست طريقتهم كطريقتنا الآن، الواحد يبدأ من أول السطر ثم يبدأ بعد ذلك يبدأ بسطر آخر تحته ويبتعد عن بداية الأول بسنتي سنتيين، ويستمر في الخط من هكذا، من جهة اليسار أيضا عدة سنتيات، وتجد الكتابة مبعثرة، وإذا مر بخطأ طمس عليه بالقلم وأخذ يشطب وغير ذلك مما هو معروف من كتابتنا في هذا العصر، لا، هذا ما كان موجودا عندهم.
تجد بدايتهم من أول السطر بالمللي، وانتهاءهم بنهاية السطر بالمللي، وإذا اضطروا للاستمرار في الكلمة، كما سننبه عليه إن شاء الله في مثل كتابة عبد الله، لو جاءك عبد في نهاية السطر، وبقيت لفظة الله، فكانوا يكرهون أن تكتب لفظة الله من أول السطر، فيفرق بين المضاف والمضاف إليه، يكتبون الله في النهاية، لكن لا يجعلونها ملاصقة للعبد، وإنما يجعلون مسافة للإشارة إلى أن انتهاء السطر هكذا.
ولذلك تجده خطا مستقيما من بداية الصفحة حتى نهايتها، فتكون كلمة الله هذه، معنى ذلك أنها جاءت في الهامش وهلم جرا. فعندهم ضوابط.
إذا أرادوا أن يشطبوا على كلمة يخطون خطا خفيفا يشعر أن هذه الكلمة شطبت، ويصوبون في الهامش، ما يصوبون عليها فوقها أو.. لا، والتصويب يأتي في الهامش، ووفق ضوابط، يضع كلمة: (صح) إذا كتب الكلمة الصحيحة قال: (صح) يعني: انتبه؛ فهذا تصحيح لهذه الكلمة التي شطبت في الداخل.
إذا مثلا زل به القلم، فقدم كلمة وأخر أخرى، فقدم ما حقه التأخير وأخر ما حقه التقديم، تجده يضع على الكلمتين اللتين قدمت إحداهما على الأخرى (ميم ميم) أي: انتبه؛ فهذه اقرأها قبل الأخرى، وهكذا في أمور عدة تجدونها مكتوبة بهذا مثلا إذا جاء ضبط الحروف، هم ما كانوا في السابق ينقطون، كانت كتاباتهم غير منقوطة، ولكن لما وجدوا من اللبس الذي قد يحدث أحيانا في تلك الكتب، ولأن التصحيف كان أكثر ما يحصل بسبب عدم النقط، رأوا ضرورة النقط، وضبط الأشياء التي تحتاج إلى ضبط، وشكلها.
فمثلا بعض التصحيف الذي حصل كله كان بسبب عدم النقط، مثلا: أبو بكر الصولي حينما صحف في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال)) أبو بكر الصولي صحفه وقال: ((من صام رمضان وأتبعه شيئا من شوال))؛ لأنك إذا ما نظرت إلى رسم ستا وشيئا، الرسم واحد، إذا أبعدت النقط والهمز وما إلى ذلك الرسم واحد، فيمكن أن تقرأ هكذا ويمكن أن تقرأ هكذا.
لذلك رأوا ضرورة النقط وضرورة الشكل، ولكن أحيانا لا ينقطون إلا الأشياء المشكلة، أما الواضحة التي لا تلتبس، فبعضهم كان لا ينقط، وبعضهم كان ينقط الجميع، ثم الأشياء التي تحتاج إلى ضبط كانوا يضبطونها، فمثلا: أكثر ما يحدث اللبس في الأسماء؛ لأن الاسم ليس هناك ما يدل عليه، لا قبله ولا بعده، فقد يحصل بسببه اللبس، وأما الكلام والمعاني فقد يكون الذي قبلها أو الذي بعدها يوضح المعنى المراد، ويبعد اللبس الذي قد يحدث.
فإذا جاءنا مثلا: بَشير، هناك بعض الرواة يقال له: بُشير بضم الباء، وبعضهم بَشير، ففي هذه الحال كانوا يستقبحون أن يكتب طالب علم الحديث هذه اللفظة دون أن يضبطها بالشكل، فلا بد أن يضع فوق الباء ضمة في بُشير، ولا بد أن يضع فوق الباء فتحة في بَشير، إذا كان لا يعجم في كثير من الأحيان، فعليه أن يعجم ما يحتاج إلى إعجام، ويقع بسببه اللبس، مثل: بشار ويسار، لو لم تعجم لاشتبه بشار بـ يسار.
فمثلا حينما يأتي محمد بن بشار، أو محمد بن يسار، ما تستطيع أن تميز هذا من هذا، إلا بالإعجام، أي: بالنقط، فلا بد من وقوع النقط، إذا جاء اسم آخر قد يشتبه مثلا بُريد ويزيد، هكذا أيضا يجب أن ينقط حتى لا يقع اللبس، وهو أكثر ما يقع كما قلت لكم في الأسماء.
لذلك كانوا يعنون بهذا عناية فائقة، بعض الحروف التي قد تلتبس مع حروف أخرى بسبب عدم النقط، إما دائما أو أحيانا، كانوا يميزونها عن المنقوطة، فمثلا الحاء تجدهم في بعض الأحيان يضعون تحتها حاء صغيرة؛ للدلالة على أن هذا الحرف غير منقوط، أما لو لم توضع، وكان الأصل عدم الإعجام، فإنها تنقط جيما، أو تنقط خاء، وهكذا.
ربما وضعوا أحيانا تحت الحرف الذي ينقط أعلاه وضعوا تحته نقطة، أو ربما أحيانا ثلاث نقط، وربما وضعوها على سطر واحد، وربما وضعوها ثلاثية.
المهم أن لهم قواعد في ضبط هذه الأمور، وهي قواعد في الحقيقة رائعة جدا، مثل ما لو أردت أن تلحق إلحاقا عندك سقط الآن في السطر، سقطت عندك كلمة، لكن تريد أن تلحقها، هم لا يرون أن تلحقها في نفس السطر، بل تلحقها في الهامش، لكن تأتي للموضع الذي حصل فيه السقط بين الكلمتين وتضع خطا صاعدا للأعلى، ثم تضع خطا صغيرا متفرعا منه، إما إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال، لكن إذا كان ذلك الإلحاق من أول السطر من جهة اليمين يختلف عن الإلحاق الذي يأتي من جهة الشمال، لماذا؟
لأنك إذا كنت من أول السطر قالوا: فإذا كنت في النصف الأول فينبغي أن تضع الخط المتفرع ذاهبا إلى جهة اليمين، وإذا كنت إلى الجهة الأخرى فضعه إلى جهة الشمال التي هي أقرب منه، ما السبب؟
قالوا: لأنك حينما تكون مثلا من أول السطر من جهة اليمين، وتضع اللحق إلى جهة اليسار هكذا، فمعنى ذلك أنه يمكن أن يصادفك لحق آخر في آخر السطر، ويضيق عليك الكلام في الهامش، أو لا تستطيع أن تثبته في الهامش؛ لأنك لا تستطيع أن تفرق بين الإلحاق الذي ههنا والإلحاق الذي ههنا، فكله يأتي في موضع واحد، فما الذي يدريني أن هذه الكلمة هي للسقط في الموضع الأول أو للسقط في الموضع الثاني؟.
لذلك لا بد أن يكون كل واحد منهما في جهة، فلو أنك جعلت الذي في جهة اليمين للشمال، والذي في الشمال لليمين، لترتب عليه أيضا تداخل في هذه السهام التي توجهها، أو هذه الخطوط المتفرعة.
على كل حال، الكلام الحقيقة عن هذه الأمور يمكن ما يكون واضحا، أو مستساغا عندكم، لكن من عانى من قراءة المخطوطات، ومن مطالعتها، ومن نسخها والتعامل مع الخطوط القديمة، ومع طريقتهم، عرف أن علماءنا رحمهم الله تعالى قد برعوا في ذلك غاية البراعة.
ولذلك تأتي هذه الأصول الخطية متقنة ورائعة جدا، ولعلكم إن شاء الله تواصلون طلب العلم وتنظرون في المخطوطات وتقرؤون فيها، وربما نسختم منها وحققتم وهكذا، فترون مصداقية هذا الكلام، بل إنني قصرت في تصويره جدا.

القارئ: قال: ويكره التدقيق والتعليق في الكتابة لغير عذر.
قال الإمام أحمد لابن عمه حماد، وقد رآه يكتب دقيقا: لا تفعل؛ فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه.
الشيخ: هذا من كلامه عن الخطوط، قالوا: يكره تدقيق الخط، أي: أن تكتبه بخط دقيق صغير ورأس القلم يكون دقيقا؛ لأن هذا يتعب الناظر الذي يأتي بعدك، حتى وإن كان نظرك جيدا، فينبغي أن تراعي ظروف الآخرين، فهذا الكتاب أنت لا تكتبه لنفسك فقط، فالكتاب سيتوارث بعدك، وربما نظر فيه أحد ينتفع به ,ما أشار إليه الإمام أحمد - رحمه الله - في كلامه لابن عمه: إنه يخونك في حال حاجتك إليه، هو معروف بأن الإنسان حينما يكبر يضعف بصره قليلا، والناس يختلفون في هذا، فبعد ذلك يصعب عليه قراءة الخطوط الدقيقة ويتمنى لو أنه كتب بخط أوضح من هذا، وأنتم تعرفون أن الناس أيضا يختلفون في قوة النظر وضعفها.
فعلى كل حال من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم في كتابته: أن لا يجعل الخط دقيقا بهذه الصورة التي أشرنا إليها، كذلك التعليق على الكتابة لغير عذر كرهوه، لا ينبغي أن يعلق على الكتابة إلا لعذر، مثل ما دام مثل ضبط مشكل، مثل ما قلنا في مثلا: بشار ويسار، أو بشير وبشير، كانوا يضبطون بُشير بضم الباء، وبَشير بفتح الباء، وبما أن الضمة والفتحة قد يداخلها التصحيف والتحريف أحيانا لذلك ما كانوا يكتفون بالشكل فقط، بل كانوا يضبطون أيضا بالنطق بالكلمة، فيكتبون في الهامش بضم الباء، أو بضم الموحدة، وفي بَشير بفتح الباء أو بفتح الموحدة، يكتبونه في الهامش، قالوا: هنا الحاجة داعية إلى التعليق.
أما إذا كان تعليقا لا حاجة إليه، فهذا كانوا يكرهونه في الكتاب؛ لأن الكتاب ينبغي أن يكون مشتملا على الأحاديث النبوية فقط، ولا يصاحبها شيء خشية من ماذا؟ خشية من أن يظن ظان بأن هذا داخل في متن الحديث، وهو في الحقيقة تعليق خارج عن متن الحديث.

القارئ: قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم الجربي، وابن جرير الطبري.
قال: قلت: قد رأيته بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلى، فإذا قابلها نقط فيها نقطة.
الشيخ:هذا كلام معناه أنه كلما انتهى من متن حديث وشرع في إسناد حديث آخر، ينبغي أن يضع بين الحديثين دائرة بالقلم، وهذه الدائرة ينبغي أن يدعها فارغة من الداخل، هذا في حال كتابته؛ أنه بعد أن يفرغ من الكتابة لا يكتفي بهذا، بل لا بد أن يرجع فيقابل خشية من ماذا؟
خشية من أن يكون سقط عليه شيء أو تحرف عليه شيء وتصحف، وهلم جرا، فإذا رجع للمقابلة معلوم بأنه لا يستطيع أن يقابل الكتاب بأكمله في لحظة واحدة، وإنما سيأخذه على دفعات، والمقابلة إما أن تكون فيما بينه وبين نفسه: يمسك الكتاب الذي نسخه ويمسك الأصل بجانبه، فينظر ههنا وينظر ههنا؛ ليتأكد من سلامة ما كتبه، أو يدفع أحد الكتابين لزميل له آخر، لكن بشرط أن يكون ثقة، وأن يكون عارفا أيضا بهذه الأصول، وأما دفعه إلى أي احد فهذا لا يصلح عندهم، فللمقابل أيضا شروط عندهم.
إذا دفعه للمقابل، أو قابل هو بنفسه، وانتهى إلى حد معين إلى نهاية حديث يضع في ذلك الموضع الذي انتهى إليه نقطة في داخل الدائرة التي رسمها، للدلالة على ماذا؟
للدلالة على أن المقابلة بلغت إلى هنا، وأحيانا كانوا يضعون نقطة في كل دائرة؛ للدلالة على أن كل هذه المواضع قد قوبلت، كل هذا جار عندهم، هذا معنى الدائرة وفي وسطها نقطة.
القارئ: قال ابن الصلاح: ويكره أن يكتب عبد الله بن فلان، فيجعل عبد لآخر سطر، والجلالة في أول سطر، بل يكتبهما في سطر واحد.

الشيخ: هذه المسألة التي تكلمنا عليها قبل قليل: الفصل بين المضاف والمضاف إليه في هذه الحال مستقبح عندهم، وكما قلت لكم: إذا ضاق عليه السطر يكتبها في الهامش، يجعل هناك حدا فاصلا بين "عبد" و "الله" مما يدل على أن هذا السطر قد التزم هو بنهايته.
القارئ: قال: وليحافظ على الثناء على الله والصلاة على رسوله، وإن تكرر، ولا يسأم؛ فإن فيه خيرا كثيرا، قال: وما وجد من خط الإمام أحمد في غير صلاة، فمحمول على أنه أراد الرواية.
قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نقطا، لا خطا.
قال ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة، لا رمزا.
قال: ولا يقتصر على قوله: عليه السلام، وعليه أن يكتب: صلى الله عليه وسلم واضحة كاملة.

الشيخ: هذا الكلام كله يتعلق بهذا الأدب الذي نص عليه المحدثون كما ترون، وما من كتاب من كتب مصطلح إلا وقد نصوا على مثل هذه المسألة.
ولذلك كانوا يقولون: المحدثون أكثر الناس أجرا؛ لأنهم أكثر الناس صلاة وتسليما على النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من المجالس يرد فيها ذكره صلى الله عليه وسلم فيصلى عليه، ومن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرة.
لذلك كانوا يعتبرون هذا عبادة يتقرب بها طالب العلم إلى الله جل وعلا، فينبغي أن يحافظ على الثناء على الله عز وجل، إذا كتب الله يكتب بعدها: عز وجل، أو: تعالى أو نحوها من العبارات التي تدل على الثناء عليه سبحانه، وإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، ولا يسأم، ولا يمل، ولا يقول: هذا الأمر يطول في هذه الحال، لا؛ فإنه يؤجر على هذا.
ومن حصل منه الإقبال بهذا، فإنه مستقبح منه، وأقبح منه من دل ذلك على عجزه، مثل: من يكتب ذلك رمزا، كأن يكتب (ص) أو (صلعم) أو (صلى) أو نحوها من العبارات التي تدل على الاختصار، هذا أقبح؛ لأن هذا يدل فعلا على عجزه.
ولذلك ينبغي أن يحذر طالب العلم ، أن يحذر طالب العلم من أن يكون بهذه المثابة، فصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم وثناؤه على الله عز وجل ينبغي أن يكون ديدنا له، وهذا ينبغي أن يكون كتابة ونطقا.
أما ما وجد في كتب بعض الأئمة، مثل الإمام أحمد من كونه في بعض الاحيان لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الموضع، فإن هذا دليل على أمانة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فإنه إذا نسخ من كتاب أو نقل من شيخ حديثا، ولم تذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموضع، فإنه يكتب ما تلقاه حرفيا، لكنه يصلي لفظا، فيكتب ذلك كتابة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لفظا، هذا من باب الأمانة.
وكثير من العلماء كانوا يحبذون أن يلتزم طالب العلم بالأمانة في الكتابة، فلا يزيد فيها ولا ينقص منها شيئا، وبعضهم كان يتسمح فيقول: مثل هذه المواضع لا بأس أن يصلي طالب العلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيها كتابة، وإن لم يكن ذلك في أصل الكتاب.
على كل حال هي مسألة محل اجتهاد، وأما قول ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة، لا رمزا، فهو ما أشرت إليه، أي: يكتبها كاملة، ولا يكتفي بالرمز في هذا، وكذلك بعضهم حينما يقول: عليه السلام، هذا يستقبح، فهذا يدل على عجزه أيضا، فإما أن يقول: عليه الصلاة والسلام، أو يقول: صلى الله عليه وسلم.

القارئ: قال: وليقابل أصله بأصل معتمد مع نفسه ومع غيره من موثوق به ضابط.
قال: ومن الناس من شدد وقال: لا يقابل إلا مع نفسه. قال: وهذا مرفوض مردود.

الشيخ:هذه المسألة التي تكلمنا عنها قبل قليل، لكن بعض العلماء يشدد فيقول: لا يقابل إلا مع نفسه، لماذا؟
خشية من أن يكون ذلك الذي جيء به للمقابلة ليس موثوقا به، فقالوا: أنت الذي ينبغي أن تضبط كتابتك بنفسك وتقابل، لكن هذا ليس بصحيح، بل الصواب أنه إذا جيء بإنسان موثوق به، وهو عارف بأصول الخط والكتابة، فلا بأس حينذاك أن يقابل معه.
القارئ: قال: وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح، وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة، ما أطال الكلام فيه جدا وتكلم على كتابة حاء بين الإسنادين، وأنها حاء مهملة من التحليل، أو الحائل بين الإسنادين، أو عبارة عن قوله: الحديث.
قال: قلت: ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة، أي: إسناد آخر، والمشهور الأول، وحكى بعضهم الإجماع عليه.

الشيخ: هذا الكلام كله يتعلق بالتصويب الذي قد يرد أحيانا، وفي بعض الإدخالات التي قد نجدها في كتب بعض أهل الحديث، فيقول الحافظ ابن كثير: إن أبا عمرو بن الصلاح صاحب المقدمة أطال الكلام في مسـألة الكتابة وضبطها.
وفعلا هو قد أطال الكلام فيها، بل وأطول منه ما ذكره السيوطي في (تدريب الراوي)، فلو رجعتم إليه لوجدتم العجائب المدهشة في طريقة علماء المسلمين في ضبط الكتابة، فكأن الحافظ ابن كثير اختصر هذا الكلام بالتنبيه على المهمات.
قال: إن ابن الصلاح تكلم على ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح ونحو ذلك، كل هذه من علامات التصويب في الكتابة، فالتخريج هذا لعله يقصد به -إلا إذا وجدتم هذا في الحاشية، أنا لا أتذكره الآن- لعله يقصد به حينما يريد أن يخرج تصويبا إلى خارج الكتابة، أي: إلى الهامش، وهو ما كنت أشرت إليه قبل قليل من أنه ينبغي إذا كان في الجهة اليمنى أن يضع خط إلى جهة اليمين أو إذا كان في الجهة اليسرى أن يضع الخط إلى جهة الشمال، وهو من التصحيح أيضا الذي يحتاج إلى إلحاق في الهامش.
أما مسـألة التضبيب فهذه يسمونها الضبة، الضبة: أن يضع حرف الضاد فوق الحرف المشكل، فإذا وجد في الكتاب كلمة إما غامضة أو فيها ما فيها من ما لا يستسيغه الواقف على ذلك الكتاب، ولكن الأمانة تدعوه إلى أن ينقل ما وجده حرفيا، دون أن يغير فيه، فإن عادتهم جرت بأن يضعوا فوق تلك الكلمة التي جاءت هكذا يضعون فوقها الضاد هذه، ويسمونها علامة التضبيب؛ يقول: انتبه، فأنا لم أخطئ في كتابتي، بل هكذا نقلتها، وهكذا هي في الأصل الذي نقلته منه.
وهذا من دقة المحدثين رحمة الله عليهم.
أما ما يتعلق بالحاء، فهذا تجدونه كثيرا في صحيح مسلم، وفي غيره من الكتب، ولكنه في صحيح مسلم أكثر، فهذا الصواب فيه أنه علامة التحويل، يأتي مسلم - رحمه الله - أو غيره بالحديث بعدة أسانيد والمتن واحد، وهذه الأسانيد تلتقي في راو معين، فبدلا من أن يورد الحديث مكررا بكل إسناد ومتن لا، يورد الحديث بمتن واحد وبالطرق المختلفة، ثم إن هذه الطرق قد لا يحتاج الأمر فيها إلى ذكر كل طريق كاملة من عند المصنف إلى الصحابي، لا بل قد تشترك هذه الطرق وتلتقي في راو في ثنايا الإسناد، فيحتاج أن يربط هذه الطرق كلها بذلك الراوي الذي في ثنايا الإسناد، فيورد الحديث مثلا لو فرضنا أن مداره على شعبة، ورواه عن شعبة مثلا ثلاثة، وهم غندر، ويحيى القطان، ووكيع مثلا، ورواه مثلا عن غندر محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ورواه عن يحيى القطان مثلا علي بن المديني، ورواه عن وكيع أبو بكر بن أبي شيبة، فتجد مسلما مثلا يقول:
حدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، قالا: غندر (ح) أي: حول إلى إسناد آخر، وحدثنا علي بن المديني قال: حدثنا يحيى القطان (ح) أي: حول إلى إسناد آخر، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قالوا جميعهم: حدثنا شعبة، وهكذا يسوق الإسناد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بدلا من أن يذكر الإسناد مكررا أو الحديث مكررا، لا يجمع هذه الطرق بهذه الصورة.
فهذا يسمى التحويل، هذا هو الأصوب، بعضهم قال: إنها إشارة إلى وجود حائل بين هذا الإسناد وذلك الإسناد، وبعضهم قال: هي إشارة إلى يعني تكملة الحديث، ولكن الصواب ما ذكرته لكم من أنه إشارة إلى التحويل.
أما ما أشار إليه الحافظ ابن كثير من أن بعض الناس يتوهم أنها خاء معجمة، أي: أنني سأنتقل إلى إسناد آخر، هذا ليس بصحيح، بل كانوا يرسمونها حاء مهملة، أي: ليست منقوطة.
قال: "والمشهور الأول، وحكى بعضهم الإجماع عليه". وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى.

وفي الختام أيها الإخوة أود تذكير إخواني، وتذكير نفسي أولا، بأن هذا العلم حجة علينا، إن لم نقم بواجبه، فهذا العلم أيها الإخوة له واجبات علينا وحقوق، من أهم واجباته العمل بما فيه، فأنتم تطلبون علما من أفضل العلوم، وهو علم ما يتعلق بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فطالب علم الحديث ينبغي أن يكون للحديث أثر عليه في معتقده، وفي فكره وتصوره، وفي سلوكه، وفي عبادته، وفي أخلاقه، وفي تعامله مع الآخرين، في كل شأن من شؤون حياته، وذلك هو العمل بالعلم.
ولذلك لو كتب الله لنا أن نتحدث عن آداب المحدث وطالب الحديث، ستجدونهم ينصون على ضرورة أن يكون عاملا بكل ما يعلم، وذكروا أن من دواعي حفظ العلم العمل بما فيه، بمعنى: أنك لو كان من جملة ما تلقيت قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)). فأنت حينما تأخذ هذا الحديث هكذا مجرد علم دون عمل به، يمكن أن تنساه، لكن إذا حرصت على العمل به، فأنت لست مطالبا بتكراره وحفظه، لماذا؟
لأن عملك بالحديث حفظ له في آن واحد، فإذا أردت أن تحفظ السنة فاعمل بها، فالعمل بما يعلم الإنسان أيها الإخوة هو أهم المهمات التي بعد العلم.
ولذلك يقول الحافظ ابن عساكر في قصيدة طويلة، في آخر كتابه أو رسالته النافعة في ذم من لا يعمل بعلمه:


اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل = لا يصلح العلم إن لم يحسن العمل
فالعلم زين وتقوى الله زينة = والمتقون لهم في علمهم شغل
في الحقيقة ممتعة ومطربة، كلها تدل على أن العلماء كانوا يعنون فعلا بأن يكون طالب العلم عالما.. عاملا بما يعلم.
وألف الخطيب البغدادي - رحمه الله - كتابا في هذا، لعلكم تعرفونه، وهو: (اقتضاء العلم العمل)، وما من كتاب من كتب الحديث إلا وينصون فيه على هذه المسألة، فهذه أذكر نفسي بها أولا، وإخواني بها ثانيا.
بالإضافة إلى أن هناك بعض العبارات التي تطلب للاستخفاف بجملة السنة، وبطلبة علم الحديث، وقد يوصفون بأنهم -وهذا شيء سمعته بنفسي- وصفوهم بأنهم لا يحسنون إلا التجريح والكلام في أعراض الناس، ولا يعرفون سوى النقض والهدم، وأما البناء فلا يحسنونه، ونناقش وندافع عن مثل هذه التهم أو ندفع مثل هذه التهم.
لكن ينبغي لطالب علم الحديث أن يتقي الله جل وعلا؛ فإنه أحيانا بسلوكه يتيح الفرصة للجهلة الذين يطعنون في طلبة علم الحديث، وأما أسلافنا وعلماؤنا الأولون فإنهم كانوا بخلاف ما عليه كثير ممن اتصف بالجهل في مثل هذه المسائل، وهو ينتسب إلى علم الحديث، فإنك تجد المحدث في سالف الزمن يجمع بين العلم والعمل، فتجده غاية وقمة في الأخلاق ومعاملة الناس، والنصح والشفقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والجهاد، بل والكرم والسخاء، وغير ذلك من سائر الأخلاق والآداب التي كانوا يتحلون بها رحمهم الله تعالى ورضي عنهم.
فهذه الوصية ينبغي في الحقيقة أن نضعها نصب أعيننا جميعا

سؤال: أحد الإخوة يقول: إنك ذكرت عن عمر بن الخطاب، أنه مكث شهرا يستخير الله، فهل من السنة أن يكرر الإنسان الاستخارة إذا لم ينشرح صدره إلى شيء؟
جواب: أقول: نعم، لا بأس من تكرار الاستخارة.

سؤال: يقول: لعلك تتكلم بشيء وجيز عن كتاب (السيف الحاد على من عمل بأحاديث الآحاد في أمور الاعتقاد)، وماذا تعرفون عن مصنفه وما القول الصحيح في خبر الآحاد في أمور الاعتقاد؟
جواب: أقول: هذه المسألة إن شاء الله إن أمد الله العمر، سيأتي الكلام عنها في مبحث حديث الآحاد، وترون إن شاء الله ما يسركم من التأصيل العلمي في تلك المسألة، أما هذا الكتاب فهذه أول مرة أسمع به
ـ يقول الأخ: إنه لمفتي عمان، مفتي عمان، الله المستعان، نحن نعرف أنه إباضي خارجي، وأنه يقول بأمور فظيعة، نسأل الله السلامة كالقول بخلق القرآن وغير ذلك من أمور الاعتزال.
سؤال: كتاب (اقتضاء العلم العمل) للخطيب البغدادي فيه ما فيه من الأحاديث الضعيفة، مع درجته ومرتبته في علم الحديث، ما الإجابة على ذلك؟
جواب: أقول: الكتاب الحمد لله طبع بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني، حفظه الله ورعاه، فتعليقاته على الأحاديث متضمنة للحكم على الحديث، فطالب العلم ينظر فيها ويتجنب الموضوع والضعيف إن شاء الله.

سؤال: متى يترك حديث المتكلم فيه؟
جواب: قلت لكم سابقا: إن الترك بالدرجة الأولى إذا كان الطعن في العدالة هذا بالدرجة الأولى، وأما الطعن في الحفظ فإنه لا يوجب الترك، إلا إذا فحش الغلط إلى درجة لا يمكن معها تحمل أحاديث ذلك الراوي، فذلك هو المتروك.

سؤال: هل كل من روى المناكير ضعيف؟
جواب: نقول: لا، لا يلزم من أن كل من روى المناكير ضعيف، ولكن إذا كثرت المناكير في أحاديثه فإن هذا أحيانا قد يقدح فيه.

سؤال: ما صحة حديث: قيدوا العلم بالكتاب؟
جواب: أقول: الذي يظهر لي أن هذا يصح موقوفا على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أما من حسنه من العلماء بطرقه فهذه محل اجتهاد، كما لا يخفى علينا.

سؤال: هل الأفضل في مسـألة التخريج والحكم على الحديث النظر يعني في كل كتاب من كتب التخاريج، وأقوال الأئمة، أم يكتفى بكتاب واحد؟
جواب: أقول: بل الأفضل أن ينظر في كل كتاب؛ لأنه قد يجد في كتاب ما لا يجده في الآخر.

سؤال: ما رأيي في كتاب الجامع بين الصحيحين؟
-يمكن الجمع بين الصحيحين لصالح الشامي صدر حديثا-.
جواب: ما اطلعت على الكتاب ولا أعرفه
سؤال: هل يكتفى بقوله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم وصل وسلم على نبينا محمد، أم لا بد من الصلاة الإبراهيمية في أذكار الصباح والمساء؟
جواب: أقول: بالنسبة لتلك الأذكار، إما أن تكون أذكار جاءت بلفظ معين، فالأولى أن يأتي بها بنفس اللفظ الذي ورد في الحديث، وإما أن تكون أذكارا هكذا مطلقا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة واحدة)). فهذه لا بأس أن يؤتى فيها بالصلاة الإبراهيمية، أو بقوله: صلى الله عليه وسلم، أو بقوله: اللهم صل على نبينا محمد، كل ذلك يجوز إن شاء الله.

سؤال: هل التضبيب يحسن فعله في هذا العصر عند تحقيق كتاب، أو أنه يشار في الحاشية كما هو معهود في هذا الزمن؟
جواب: أقول: أما هذا الزمن فهناك أصول تعورف فيها في التحقيق، فينبغي أن يكون التمشي بموجبها؛ لأن لكل عصر ما يناسبه، فلو أن طالب العلم عمل بهذه الطرق التي نذكرها، ما عرف الناس ذلك عنه، فلو وضع ضبة فوق الكلمة لما عرفوا أن المراد أن هذه الكلمة جاءت هكذا في الأصل.

سؤال: ما مدى صحة ما ينقل عن الإمام الشافعي من قوله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي = فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور = ونور الله لا يهدى لعاصي
جواب: أقول: هذا ينقل عن الشافعي، والله أعلم؛ لأنني لم أتثبت من صحته.

سؤال: يقول: فإن الظاهر أنها من وضع مبغضي الإمام الشافعي كجهلة الحنفية ومتعصبيهم، الذين اختلقوا الحديث في ذمه.
جواب: أقول: قد يكون، والعلم عند الله.

سؤال: ما الحكم عندما نكتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم - لفظة - الصلاة مشكلة، يعني: يقصد كما هو مرسوم في الكتب، توضع الكلمات: صلى الله عليه وسلم بعضها فوق بعض؟
جواب: لا بأس به، المهم أن تكون الصلاة كاملة، فهذا لا بأس به.

سؤال: ثم إني أثناء التلخيص من الدرس مباشرة أجد مشقة في كتابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ خوفا أن تفوتني بعض الكلمات.
جواب: أقول: لا بأس أن تدع المكان بياضا، ثم تلحق الصلاة بعد ذلك.

سؤال: في الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، هل يستحب إرداف الآل معه، فنقول: صلى الله عليه وآله وسلم؟
جواب: أقول: لا أعرف دليلا يدل على أن الآل لا بد أن تذكر دائما، وإن بعض المشايخ في هذا العصر كالشيخ مقبل يؤكد على هذا، لكنني ما وجدت أن دليله الذي يصير إليه دليل قطعي في هذه المسألة، وبخاصة أننا نجد أن كتب أهل العلم طافحة بقولهم: صلى الله عليه وسلم، وقل أن تجد كتابا يذكر فيه الآل.
أقول قل أن تجد كتابا، على كثرة كتب السنة، قل أن تجد واحدا منها يذكر فيه الآل، اللهم إلا مثل (المستدرك) للحاكم، وهذا كله مطبوع، أما الأصول الخطية فقد تكون إطلاقة الآل جاءت في اجتهاد بعض النساخ، والعلم عند الله، وقد تكون من قبل الحاكم، لست أدري
سؤال: فسؤال الأخ الذي قبل قليل عن أن هناك من جرح بمجرد قول الراوي في القرآن برأيه، وبقية الأئمة يوثقون؟
جواب: أقول: إن مثل هذا لا يعتبر جرحا يؤثر في الراوي، بحيث ترد روايته، اللهم إلا أن يكون قال قولا مستقبحا، قد يفضي مثلا به إلى الكفر، أو قال ببدعة، فإذا كان قوله هذا من أقوال أهل البدع، فهذه مسـألة تأتي مناقشتها إن شاء الله في حكم رواية المبتدع، إن أحيانا الله، وأما هكذا كونه قال برأيه في القرآن، فقد يكون هذا الرأي متعلقا بلغة عربية، أو بمسألة فقهية، أو ما إلى ذلك، فلا ندري ما هو الرأي الذي قاله؟ ومن هو الراوي؟ وما هي أقوال الأئمة فيه؟ كل هذا يحتاج إلى نظر.

سؤال: يقول: إذا ضعف الأئمة راو من الرواة، ثم وجدنا ابن معين - رحمه الله - يوثقه؟ نقول: إن توثيق ابن معين لا يزيده إلا ضعفا؛ لأنه يدل على أن الراوي استقبل ابن معين وتزين له، فوثقه ابن معين بناء على ظاهر حاله؟
جواب: هذا ممكن أن يكون، لذلك إعمال أقوال أئمة الجرح والتعديل كلها والنظر فيها كلها، والنظر في القرائن التي تحتف بالقول الذي قيل في الراوي هذا كله مما يمكن أن يساعد في الحكم على الراوي، ولعلي أضرب لكم على ذلك مثالا:
فهناك محمد بن حميد الرازي، هذا الراوي اختلفت فيه أقوال الأئمة ما بين مجرح جرحا شديدا، أوصله إلى درجة الكذب، وما بين موثق له، والذين وثقوه بعض كبار الأئمة، كالإمام أحمد، والذين جرحوه ممن هو دونه رتبة وزمنا، كابن خزيمة، وهناك بينهما أناس آخرون، لكن لما قيل لابن خزيمة: إن الإمام أحمد يوثقه، قال: إن الإمام أحمد لم يعرف من حاله ما عرفنا، وبينوا من حال هذا الرجل ما يدل فعلا على أنه يكذب.
ولذلك نجد بعض الأئمة يتسمحون، فيروون عنه كثيرا، كابن جرير الطبري في تفسيره وغيره، فلعل هذا بناء منهم على الاغترار بحاله، وأما من حيث التحقيق والتدقيق فالرجل هذا متهم... سقط... في ترجمته محمد بن حميد الرازي.

سؤال: ما رأيك في كتاب (الرفع والتكميل في الجرح والتعديل) لللكنوي بتحقيق عبد الفتاح أبي غدة؟
جواب: أقول: هذا الكتاب أنصح أن لا يقرأ فيه إلا طالب العلم المتمكن الذي يعرف ما له وما عليه، ويستطيع أن يختار من الأقوال ما ليس فيه ضرر، وأما أن يقرأه طلبة العلم الذين لا يعرفون، فإنهم قد يسلمون ببعض ما فيه من الأخطاء، فننبه على هذا، ونبهوا أيضا من ترون.

سؤال: ما الفرق أيضا أن يقال في الرجل: منكر الحديث، أو له مناكير، أو يروي مناكير؟ وهل مثل هذا يمكن أن يكون ثقة ؟ وهل له مناكير هي بمعنى يغرب كما نرى ذلك في كتب الرجال؟
جواب: أقول: هذه مسـألة واسعة جدا، ولعل الأخ السائل يرجع إلى بعض الكتب التي تحدثت عن مثل هذا، ومن جملتها وللأسف كتاب (الرفع والتكميل)، لو رجع إلى هذه العبارات في هذا الكتاب يجد الكلام فيها جيدا، إن شاء الله تعالى.
لكن على كل حال على وجه السرعة حينما يقال عن الرجل: منكر الحديث، فهذا حكم عليه هو بأن أحاديثه التي يرويها حكمها النكارة، وحينما يقال: له مناكير، فهذا لا يدل على أن كل حديثه منكر، وإنما "له" فهي تفيد وجود بعض حديثه فيه نكارة، و "له" تفيد القلة أيضا، وحينما يقال: يروي مناكير، لا يدل على أنه هو الذي يتحمل تبعة تلك المناكير، ولكنه يرويها، فهل هو الذي أخطأ فيها وتحمل تبعتها أو غيرهظ كل هذا محتمل، وهل مثل هذا يمكن أن يكون ثقة؟
نقول: نعم، ممكن أن يكون ثقة، حينما يقال: يروي مناكير، فيكون الحمل على غيره، وهل له مناكير هي بمعنى: يغرب؟
نقول: هذا يعود لنوع تلك المناكير التي استنكرت عليه، فمن الأئمة من يعد التفرد نكارة، فيطلق على الراوي هذا الوصف؛ لأجل تفرده بأحاديث، ومنهم من يكون قصده بالمناكير قصدا آخر: إما نكارة المتن، أو نكارة السند، أو غير ذلك من أنواع النكارة التي تنشد في محالها.

سؤال: قول الإمام أحمد: إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا، أليس مراد الإمام أحمد الرواية كما..... ما أدري المهم وليس العمل بالضعيف؟
جواب: كأن الأخ يريد أن يقول: هل مقصد الإمام أحمد مجرد الرواية وليس العمل؟
الجواب: أقول: مسـألة الرواية واضحة في مثل هذا القول ومسألة العمل أيضا واضحة في أقوال أخرى، ولا نعلم أحدا خالف في أن الإمام أحمد - رحمه الله - يرى العمل بالحديث الضعيف، ولكن منهم من يؤول فيقول: المقصود بالحديث الضعيف هو الحديث الحسن على ما كنا بيناه سابقا.

سؤال: مما يخص الحديث الضعيف، هل يجيز القائلون بالعمل به في فضائل الأعمال، هل يجيزون العمل به إذا كان ذكرا مثلا أو صلاة؟
جواب: نقول: هذه من الأشياء المحيرة، ولكن بناء على الشروط التي ذكرتها، وقلت: إن بعضها ليس محل اتفاق، تلك الشروط تخرج هذا التساؤل الذي ذكرته أيها الأخ، أي: فيما يتعلق بالصلاة مقيدة بزمان أو مكان أو هيئة، تلك شروط تخرج هذا الذي تساءلت عنه.
ولكن يمكن أن يكون مثلا إذا كانت صلاة الجماعة مرغبا فيها، فيمكن أن يرد حديث في الترغيب والحث على صلاة الجماعة، لكن دون أن يكون ذلك الثواب الذي ذكر في ذلك الحديث، دون أن يكون ذلك الثواب خارجا عن الأحاديث التي ذكرت بعض الثواب الوارد في الصلوات، مثل هذا يمكن أن يكون أو في الأدعية كما ذكرت أو غير ذلك مما يخرج أو يخرج التقييد بزمان أو مكان أو هيئة وهلم جرا.
وعلى كل حال يعني: إذا أردتم أن تتساءلوا، وحق لكم أن تتساءلوا، فنعم الحقيقة المسألة محل تساؤل، ولذلك قلنا: إن إغلاق الباب أولى وأبعد عن الشبهة، وفيه.. أو يتلاءم مع قاعدة سد الذرائع، ولكن نحن نتعامل مع شيء وجد، أي: لا بد أن نقول فيه برأي، فنبين رأيهم في هذه المسألة. وأما مسألة الموافقة فعلمتم رأيي فيها.
سؤال: يسأل أحد الإخوة عن الأكل قائما، هل يجوز أم لا؟
جواب: أقول: الأكل قائما لم يرد الحديث بالنهي عنه، ولكن أنس بن مالك رضي الله عنه اعتبره أشر من الشرب.
وعلى كل حال فالشرب أصلا أنا أرى أن الأدلة يمكن أن تحمل على الكراهة التنزيهية، وأنه بوسع الإنسان أن لا يشرب إلا جالسا، ولو شرب قائما لما كان في ذلك إن شاء الله حرمة، ولكن نكره له هذا الصنيع، فكذلك الأكل إذا ابتعد عن الشبهة وأكل جالسا، فهذا هو الأولى والأحسن، ولو أكل قائما لما رأينا أنه آثم بذلك.

سؤال: يسأل أحد الإخوة عن رواية عمرو بن شعيب عند المحدثين هل، هي ضعيفة أو لا؟
جواب: أقول: الأصل أنها حسنة، ما لم يكن هناك ما يستوجب ردها وتقديم غيرها عليها، فترد حينذاك، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: ربما قبلنا حديث عمرو بن شعيب وربما وجس في القلب منه.
سؤال: لماذا يجد الطالب كتب المصطلح لا تهتم بتحقيق جميع الأحاديث التي فيها وتنسبها إلى دواوين السنة، مع أنها كتبت في مصطلح الحديث، وكذا لا نجد الاهتمام بالقصص الصحيحة الثابتة، فما هو السبب؟
جواب: أقول: على كل حال، ما دام الحمد لله أن بعض هذه الكتب خدم كخدمة هذا الكتاب من الأخ علي حسن عبد الحميد جزاه الله خيرا، فالحمد لله، ويمكن أن ينهض بالبقية الباقية من قبل طلبة علم آخرين.

سؤال: هل يكون الفهم للمعنى شرطا من شروط الضبط؟
جواب: هذه المسألة الحقيقة فيها تفصيل، ولعل الأخ، أو تذكروني بها إن شاء الله في يوم غد؛ لأن كان الأولى أن نتكلم عنها فيما سبق، ونسيت ذلك، فلعل الفائدة تعم الجميع إن شاء الله.

سؤال: أليس قد نهي عن سجع الكلمات في الدعاء؟
جواب: والله يا إخوان أنا رأيي في الأدعية أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب من الدعاء أجمعه، فالدعاء الوجيز الجامع غير المتكلف، إذا صدر من قلب مخبت منيب، مع وجود الإخلاص، وتحري أوقات الإجابة، وعمل الأسباب الداعية إلى إجابة الدعاء، كتحري الحلال في المأكل والمشرب، ونحو ذلك، هذا هو الدعاء الذي إن شاء الله يرجى نفعه.
أما في الحقيقة ما نصنعه في مثل هذا الزمان، فإلى الله المشتكى، أحيانا قد يطرب السامعون للسجع والدعاء المطول، الذي يأخذ أحيانا حوالي الساعة، يجمد الدم في أرجل المصلين، ويتعبون، وكل هذا ليس من دين الله في شيء، من الذي فعل هذا؟ من..
سواء النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابة، أو التابعين أو غيرهم، كل هذا من التكلف، يمكن أن ينتقي من الدعاء أجمعه، وفي الغالب أننا نجد بعض هذه الأدعية فيها التعدي المنهي عنه.
ولعلكم تذكرون أن سعد بن أبي وقاص حينما سمع ابنه يقول: اللهم إني أسالك القصر الأبيض في الجهة اليمنى من الجنة، ونحو ذلك... نهاه، واعتبر ذلك من التعدي في الدعاء والتجزئة للدعاء، بحيث تسأل الجزئيات والدقائق الصغيرة.
هذا لا ينبغي، وإنما ينتقي الإنسان الجوامع، ووالله لأن تتقبل منا دعوة واحدة خير لنا من هذه الأدعية التي ندعو بها، والله أعلم هل تتقبل أم لا؟

سؤال: هل يرتقي الحديث الضعيف إلى أن يكون حديثا صحيحا؟
جواب: أقول: إذا كثرت طرقه كثرة ظاهرة جدا، يمكن أن يصل إلى درجة الصحيح.

سؤال: الإدراج في الإسناد، هل يسمى المزيد في متصل الأسانيد؟
جواب: أقول: فيه فرق، الإدراج يا أخي مردود، وأما المزيد في متصل الأسانيد فمقبول، ففرق بين هذا وذاك، وسيأتي إن شاء الله له مزيد توضيح حينما نتكلم عن المزيد في متصل الأسانيد.

سؤال: يسأل عن منزلة كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد؟
جواب: كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد كتاب فيه أحاديث صحيحة، وفيه أحاديث ضعيفة، لكن لعل الأخ يسأل عن مكانة نعيم بن حماد؛ لأن الحكم عليه هو الذي نستطيع من خلاله أن نحكم على الأحاديث الباقية على الكتاب.
فنعيم بن حماد لعل إن شاء الله الراجح من حاله أنه صدوق حسن الحديث، إلا إذا رضي ما يستنكر، ولم يمكن تحميل التبعة إلا هو، فحينذاك ليس أمامنا إلا أن نعل الحديث به.
سؤال: إذا كان الراوي يدلس تدليس التسوية، فهل لا بد له أن يصرح بالسماع في جميع طبقات السند؟
جواب: أقول: نعم، لا بد أن يصرح بالسماع في جميع طبقات السند.

سؤال: إذا روى العدل عن مجهول، هل هذا يعتبر توثيقا له؟
جواب: تقدم الكلام عنه.

سؤال: ما معنى قول ابن معين: إذا قال في الراوي ليس به بأس؟
جواب: إذا قال في الراوي: ليس به بأس فقد نص ابن معين على أنه ثقة، لكن بعد أيضا التدبر في كلام ابن معين وجدنا أنه إذا قال في الراوي: لا بأس به، أو ليس به بأس، فإنه لا يعني الثقة بالمعنى المتبادر للذهن، أي: أنه من الدرجة العليا، بل يكون أحسن حالا من الصدوق، ولكنه دون الثقة، وهو الذي يمكن أن يعبر عنه بأن حديثه جيد أو قوي، وهو أعلى من مرتبة الحسن.

سؤال: أحد الإخوة يسأل عن قاعدة: إذا تعارض قول النبي عليه الصلاة والسلام مع فعله قدم قوله صلى الله عليه وسلم، هل هي على إطلاقها؟
جواب: أقول: لا، هذه القاعدة في الحقيقة قاعدة خاطئة، يدندن حولها ابن حزم والشوكاني، وأهدرت بسببها كثير من نصوص الشريعة كله بسبب هذه القاعدة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، وفهم السلف لهذه القاعدة ينقضها نقضا من أصولها، ولولا الإطالة لأوردت عليكم بعض ما أنقضه بها.
سؤال: يقول: ما هي شروط الشافعي في المرسل؟
جواب: ذكرتها بالأمس يا إخوان، يعني: الإطالة فيها تأخذ منا وقتا، فلعل الأخ يراجع الشروط أو يراجع ما أحلت عليه من الكتب كـ (شرح علل الترمذي)

سؤال: لماذا يروي عطية العوفي عن الكلبي وهو كذاب؟
جواب: أقول: هذا أمر ارتضاه هو لنفسه، ولذلك هو مضعف عند أهل العلم.

سؤال: لماذا يروي هذا الراوي عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم؟
جواب: أنا قلت لكم: ليته لم يصنع، هو أخطأ في هذا الصنيع، وخطأه عليه الأئمة كالذهبي، راجعوا هذا الكلام في (سير أعلام النبلاء) مخطئ، فهو رأى أنه بذكره للسند يكون روى حديثا مرويا، فبعض العلماء يروي من الأحاديث كل ما أخذه، سواء كان موضوعا، أو صحيحا، أو حسنا، أو ضعيفا، فعنده أن الرواية بالسند تعفيه من الكلام عن الحديث.
وهذا لعله يأتي الكلام عليه إن شاء الله حينما نتكلم عن الحديث الضعيف، ولكن لو نسيناه فيقبح جدا بالإنسان، خاصة إذا كان عالما، أن يذكر حديثا وهو ضعيف، ولا ينص على ضعفه.
أما ذكره للحديث الموضوع، وهو يعلم وضعه، ولا ينص على وضعه، فهذا لا يجوز بحال من الأحوال، ولنا فيه تفصيل إن شاء الله، سيأتي في كلامنا على الحديث الموضوع، إن أحيانا الله.
سؤال: ما رأيكم في عنعنة الأعمش رحمه الله؟ وهل هو من المكثرين للتدليس؟ وهل حديثه: ((خلق الله آدم على صورة الرحمن)) صحيح وقد عنعن فيه؟
جواب: على كل حال يا أخي، أنا ذكرت بعض القواعد التي تشمل الأعمش وغيره، وإن أردت رأيي بالتفصيل في الأعمش حتى لا أطيل فيه؛ لأن المسألة تحتاج إطالة فراجع ترجمتي له في الحديث الأول من سنن سعيد بن منصور التي حققتها؛ فقد تكلمت عن الأعمش في حوالي ثلاث صفحات بالنسبة لتدليسه، فهذا هو رأيي فيه.

سؤال: يقول أحد الإخوة: جعلتم إسقاط مالك بن أنس بين يحيى بن سعيد والزهري في مثال هشيم، عن يحيى، عن مالك، عن الزهري من تدليس التسوية، والذي يبدو أن هذا من التسوية؛ فهم يفرقون بين من يسوي وبين من يدلس تدليس التسوية، وتدليس التسوية هو إسقاط ضعيف بين ثقتين، ومالك ليس من الضعفاء، فهل هذا داخل أيضا، أم أن الأمر كما ذكرت؟
جواب: أقول: يا أخي، لعلك جزاك الله خيرا تراجع المسألة بدقة وتحري في الألفاظ؛ فإنهم لم يفرقوا بين التسوية وبين تدليس تسوية، فما الفرق بين التسوية وبين تدليس التسوية ؟ هل قصدك أن يكون المسقط ههنا ثقة وأنه لا بد أن المسقط في تدليس التسوية ضعيف؟
أقول: هذا ليس بصحيح، والذي أصلا فصل في هذه المسألة هو الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت)، وهو ذكر هذا التفصيل في استدراكه على ابن الصلاح في هذه المسألة حينما عرف تدليس التسوية بأنه: إسقاط راو ضعيف بين ثقتين، لقي أحدهما الآخر، فيسوي الإسناد ثقات، وهو في الحقيقة ليس كذلك.
هذا تعريف ابن الصلاح لتدليس التسوية، فانتقده الحافظ ابن حجر على هذا التدليس بالمثال الذي أوردته، وقال: لا يلزم من تدليس التسوية أن يكون المسقط ضعيفا، بل قد يكون المسقط ثقة، ولكن الذي دفع للتدليس إنما هو الرغبة في علو الإسناد، أو إيهام علو الإسناد، فالتسوية تدليس، والتدليس تسوية، فليس هناك تفريق بين هذا وذاك.
فراجع المسألة، فهذا المثال الذي أوردته يقال له: تدليس التسوية، ولكن التسوية إما أن تكون تسوية الإسناد بأنه ثقات، أو تسوية الإسناد بأنه عال وهو ليس كذلك.

سؤال: ما نسمي السند الذي فيه رجل مجهول؟
جواب: قلت: نسميه إسنادا متصلا فيه راو مبهم، فيه راو مجهول، هذا هو الصحيح.

سؤال: إسناد فيه رجل جهالته جهالة عين، وإسناد آخر جهالته جهالة حال، هل يرقى إلى الحديث الحسن لغيره؟
جواب: أقول: هذا لا أستطيع أن أعطي الأخ فيه قاعدة ثابتة، ولكن كل حديث يمكن أن يجتهد على حدة، فافرض يا أخي أن هذا الرجل الذي جهالته جهالة عين، أو جهالته جهالة حال، تفرد عن إمام مشهور، الإمام المشهور لو تفرد عنه راو ثقة، لتكلموا فيه، أو صدوق لوجدت الكلام ينصب عليه أكثر، ويكون ذلك الحديث في مفاريده، فكيف براو مجهول أو مجهول جهالة حال؟
جواب: فإعطاء قاعدة في هذا ليس متأتية؛ فكل حديث ينظر فيه على حدة.

سؤال: هل يعتبر مالك من المدلسين ؟ وما نوع تدليسه؟
جواب: أقول: لا، لا يعتبر الإمام مالك من المدلسين، وما ذكر عنه من التدليس فليس بصحيح؛ لأنه - رحمه الله - كان لا يرتضي عكرمة مولى ابن عباس، فأسقطه من إسناد، ورورى الحديث عن شيخ لم يلقه هو نفس الإمام مالك، يعني: هو أخذ حديثا عن عكرمة، لا أدري هل هو عن سعيد بن جبير، المهم عن راو آخر، هذا الراوي لم يلقه الإمام مالك، وليس من شيوخه، فقالوا: إنه حينما أسقط عكرمة أصبح مدلسا، فالفرق واضح أن التدليس اشترطنا فيه ماذا؟
أن يلقى الراوي شيخه الذي أسقط الواسطة بينه وبينه، فيكون سمع منه أحاديث غير هذا الحديث، أما الإمام مالك - رحمه الله - فما صنع هذا الصنيع، فهذا يعتبر إرسالا أو انقطاعا على المعنى الذي ذكرناه سابقا، ولا يعتبر تدليسا، فأخطأ على الإمام مالك من قال: إنه دلس.

سؤال: للأخ اعتراض هو في محله، يقول: إن ابن حزم يجرح الراوي لمجرد تدليسه، مع أنه يقبل رواية أبي الزبير عن جابر مما رواه الليث عنه؟
جواب: الذي يظهر، والعلم عند الله، طبعا أنا حينما ذكرت ابن حزم بناء على أنه ذكر كما ترون في الكتاب، وفي التعليق عليه، وبخاصة بتعليق الأخ علي حسن عبد الحميد، لكن الذي يظهر أن ابن حزم - رحمه الله - يجرح بعض من وصف بالتدليس الذي فيه إسقاط راو ضعيف، أما إذا كان المدلس لا يسقط راويا ضعيفا، وإنما حاله مبهمة، لا يعرف هل يسقط راويا ضعيفا أو لا؟ أو عرف عنه أنه لا يسقط إلا راويا ثقة، فالذي يظهر أنه لا يجرح بهذا.

سؤال: يقول: لأبي عمرو الداني في مسـألة الاتصال قولان مذكوران في الكتاب الأول: قول الإمام مسلم الثاني أن يدرك الراوي شيخه، ويكون معروفا بالرواية عنه؟
جواب: أقول: الذي يظهر أن قول الإمام مسلم حكاه الداني حكاية، أليس كذلك؟

سؤال: إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة؟
جواب: لعل قوله: إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة. يمكن أن يلتقي مع قوله السابق، وهو: الاكتفاء بالمعاصرة، أي: يكون هذا الراوي يكثر من الرواية عن ذلك الشيخ، وإن لم يتحقق اللقاء، وإنما تحققت المعاصرة وروى عنه أحاديث كثيرة، فيمكن أن يلتقي القولان. هذا فيما يظهر والعلم عند الله.

سؤال: يسأل الأخ عن رأيي في اختصار القرطبي لصحيح مسلم، هل هو أقوى من اختصار المنذري؟
جواب: أقول: نعم، هو أقوى من اختصار المنذري.

سؤال: ويسألني أيضا عن اختصار الزبيدي لصحيح البخاري؟
جواب: أقول: ما اطعلت عليه، ولا أستطيع أن أحكم بلا علم.

سؤال: نرجو توضيح الفرق بين التدليس والمرسل الخفي؟
جواب: هذا سيأتي، أنا لم أذكر التفريق؛ لأنه يلزم على التفريق أن أعرف بالمرسل الخفي، فإذا عرفنا بالمرسل الخفي إن شاء الله نذكر الفرق بينه وبين التدليس.

سؤال: يقول: عنعنة الصحابي تقبل على إطلاق، سواء كان من كبار الصحابة أو صغار الصحابة الذين ليست لهم رواية؟
جواب: أقول: لا، الذين ليست لهم رواية ذكرنا التفصيل فيهم بالأمس، وإنما الكلام يتجه الآن ههنا على الصحابة الذين لهم رواية عن النبي عليه الصلاة والسلام.

سؤال: هل المقصود بالشيخ عند المحدثين ما نقل عنه كثير علم، أم يكتفى بحديث واحد يأخذه عنه فيقال: هذا شيخه؟
جواب: أقول: إذا كان ذلك الحديث الواحد الذي أخذه عن الشيخ يدل على أنه سمع ذلك الحديث من الشيخ، صرح فيه بالسماع - فهذا كاف في أن يكون ذلك الراوي شيخا له.

سؤال: هنا سؤال للأخ بمثال وهو سؤال جيد، يقول: وقفت على أثر في طبقات ابن سعد، لعلي أجعله مثالا لسؤالي، فروى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان... فذكر أثرا، فعنعن ابن جريج في السند هنا، وهو مدلس، لكن جاء في الرواية، أي: بعد أن ذكر الأثر، فقال: قلت لنافع: كذا وكذا. فهل نقول: إن هذا دليل على سماع الراوي عن نافع، وهو ابن جريج، وبالتالي ترتفع علة التدليس، أم نقول: إن هذا محتمل أن يكون من لفظ الراوي الساقط؟
جواب: أقول: إن كان قوله: قلت لنافع متصلا بذلك الأثر، فإنه يدل على سماعه له منه، وإن كان منفصلا عنه، فلا يدل على سماعه له منه، مثال ماذا؟
مثال حديث قتادة الذي في صحيح مسلم، حينما روى عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما. روى هذا الحديث عن أنس بصيغة العنعنة، فلم يصرح بالسماع من أنس، فأعل القاضي عياض هذا الحديث بتدليس قتادة، وأعله بعلل أخرى، لكن من جملتها قال: قتادة مدلس، ولم يصرح بالسماع من أنس.
لكن اندفع إعلال عياض لهذا الحديث بقول قتادة في آخر الحديث، قال: قلنا لأنس: فالأكل؟ فقال: ذلك شر أو أخبث. فهذا المثال يصلح كمثال أوضح لما يريده الأخ، فحينما قال قتادة: قلنا لأنس: فالأكل؟ دل على أنه أخذه عن أنس مباشرة بلا واسطة.

سؤال: أحد الإخوة يسأل عن صلاة التسابيح، هل يعمل بها؟
جواب: أقول: رأيي أن لا تعمل بها؛ فحديثها منكر وأدين الله بنكارته.

سؤال: ما قولي في تدليس أبي الزبير الذي في صحيح مسلم؟
جواب: أقول: هذه العبارة لا تحسن منك يا أخي، ولكن لو قلت: عنعنة أبي الزبير التي في صحيح مسلم؛ لأنه فرق بين أن تقول: العنعنة والتدليس، التدليس كأنك قد قطعت بأن الراوي دلس فأسقط واسطة، وأنت لم تتحقق من هذا، فأحاديث أبي الزبير التي في صحيح مسلم بالعنعنة أنا أقول: إنها مقبولة، ولا ينبغي أن نتوقف فيها، إلا إذا أعلها أحد العلماء بعلة، نجد أن تلك العلة غير العنعنة، وإنما لأجل تلك العلة أعل الحديث بالعنعنة، ولا أذكر أن الدارقطني أعل في صحيح مسلم شيئا من رواية أبي الزبير إلا حديثا واحدا، أي: بعنعنته، والباقي مشاه.

سؤال: لماذا لم يمش العلماء رواية أبي الزبير عن جابر، رغم أنه من المكثرين عن جابر؟
جواب: أقول: لم يمش العلماء رواية أبي الزبير عن جابر؛ لأنه عرف عنه أنه أخذ صحيفة بأكملها، أحاديث كثيرة لم يسمعها من جابر، ففرق بين هذا وفرق بين ذاك يا أخي، ذاك نقول فيه: يروي عن شيخ سمع منه الكثير، لو تحققنا أنه عن ذلك الشيخ الذي سمع منه الكثير، ولنأخذ مثالا عليه: لو وجدنا الأعمش، وهو من المكثرين من الرواية عن أبي وائل شقيق بن سلمة، لوجدناه روى أحاديث كثيرة عن أبي وائل شقيق بن سلمة بواسطة، لما قلنا في هذه الحال: إن عنعنته عن أبي وائل مقبولة، لا نقول هذا
سؤال: فيسأل أحد الإخوة فيقول: قلتم: إن سرقة الحديث تعني الوضع،أي: أن الحديث الموضوع لا فرق، ولكن يشكل علينا أن أحدهم قد يسرق الحديث،والحديث صحيح،ويلفق له سنداً لأجل الشهرة،فهل هذا يقال له: موضوع؟
جواب: أقول: نعم،يقال له: موضوع بذلك السند،وتعني: وضع السند،وأما المتن فإنه لا تحق له روايته؛لأنه لم يسمعه من شيخه،فأنت إذا حكمت على الحديث فاحكم عليه مع التقييد،قل بهذا السند،والأولى أن تنبه على أنه صحيح من غير هذا الطريق.

سؤال: هل الترك في قوله: لا يترك حديث الرجل حتى يجمع على تركه،هل تعني ترك من لا يكتب حديثه،وهو الضعيف،أم الذي لا يكتب وهو الضعيف جداً؟
جواب: أنا بينت بالأمس أن المقصود بقوله: حتى يجمع على تركه،المقصود بترك كتابة الحديث،وليس المقصود ترك الاحتجاج به،أي: بمعنى أنه ضعيف جداً.

سؤال: أحد الإخوة يسأل عن حديث: ((الدواوين عند الله ثلاثة)).قال: وهو في مستدرك الحاكم،وقد تعقبه الذهبي،وضعفه الألباني،وحسنه بعضهم بمجموع طرقه وشواهده،فما رأيكم؟
جواب: أقول: رأيي دونته في تخريج هذا الحديث في مختصر المستدرك؛فالحديث بلا شك أن طريقه التي أخرجها الحاكم ضعيفة،وفي ظني أنها هي الطريقة الوحيدة للحديث،وإن كان الحديث متنه يستشهد به كثيرٌ من العلماء.

سؤال: يقول أحد الإخوة: القصة التي ذكرها إبراهيم بن سعد الجوهري -أو ابن سعيد-، ذكرها الحافظ العراقي،وقال: الذي يغلب على ظني عدم صحتها، وقد ذكرها الخطيب البغدادي،وفي إسنادها أحمد بن كامل،قال فيه الحافظ أبو الحسن الدارقطني: كان متساهلاً وربما حدث من حفظه ما ليس من عنده؟
جواب: أقول: جزاك الله خيراً،وإذا كان في سند القصة أحمد بن كامل هذا،فهو أحمد بن كامل القاضي من شيوخ الحاكم،وأذكر أن الدارقطني قال عبارة تفيد ضعفه،فقال عنه: إنه لين،فمعنى ذلك أنه ضعفه.

سؤال: ما أدري ما مقصود الأخ بسؤاله،يقول: ماذا لو فهمنا قوله: يكتب حديثه وينظر فيه،أنه لو في عصرنا هذا وجدنا عبارة مثل هذه فنبحث في دواوين السنة عن روايات هذا الراوي ونقرنها برواية الثقات،وهناك يحصل الحكم؟

جواب: أقول: هذا الآن يا أخي غير متأت،كما بينته لك بالأمس،فدواوين السنة المطبوع منها فقط يكاد يكون مستحيلاً الإحاطة بما فيه بالتتبع الدقيق والرصد مع التخريج والحكم، هذا يكاد يكون مستحيلاً لأحد بعينه،وتجد أن هذه الجهود المبعثرة فلان وفلان،وهؤلاء المحققون،ولم يستطيعوا أن يوفوا باللازم،فكيف بالباقي من المخطوط الموجود الآن؟ وكيف بما فقد مما لم نعثر عليه؟ هذا غير متأت.

سؤال: ما هو المنهج الذي نسير عليه في دراسة المصطلح بعد هذا الكتاب؟
جواب: أقول: إذا كان طالب العلم استوعب جميع المسائل التي شرحناها في هذا الكتاب،وما سيأتي إن شاء الله تعالى،فأنا أرى أنه متهيئ للقراءة في المطولات،فينبغي أن ينظر في مثل: (تدريب الراوي) و(فتح المغيث) للسخاوي،ويهتم اهتماماً مركزاً على كتاب (النكت) للحافظ ابن حجر رحمه الله؛فإن هذا الكتاب أبدع فيه ابن حجر أيما إبداع،وليته أكمله.

سؤال: إن كان لديك شرح في المصطلح في أشرطة اذكره؛لكي نستفيد منه.
جواب: أقول: هناك شرح لـ (نخبة الفكر)،وهو كامل،وهناك شرح لألفية السيوطي،وقد شمل جميع المباحث المهمة تقريباً إلى ما كنا وقفنا عليه ههنا،بل وزيادة؛لأن المباحث التي جاءت متأخرة في هذا الكتاب كمبحث التواتر، والآحاد، والمزيد في متصل الأسانيد، وهلم جرا،كانت متقدمة هناك،وقد شملت بالشرح،فعلى كل حال هو شمل أغلب مباحث علم
ـ مقدمة مسلم نعم، لكنها لم تكمل،وذاك في علم المصطلح،يعني: بعد أن صنف ورتبت أنواعه.

سؤال: قد علق شعيب الأرناؤوط على هذه الألفاظ التي يطلقها البخاري بأنها تعتبر توثيقاً للراوي بكلام للشيخ الأعظم بأنه وجد من ذكرت فيه هذه الاصطلاحات فيه ضعف،وذكر أمثلة كثيرة من هذا،منهم ابن أبي ناجية،وغيرهم،حيث يصل إلى قرابة العشرة.
جواب: ما أدري،لعل الأخ السائل يبين ما هي الألفاظ التي أطلقها البخاري؛لأن الألفاظ التي مررنا عليها مما نسب للبخاري هي قوله: سكتوا عنه، فيه نظر، منكر الحديث، فإن كان يقصد هذه الألفاظ (غير مسموع)
ولا يمكن أن يقول أي إنسان له مساس بالعلم بأنها تعني التوثيق عند البخاري،لكن لعل الأخ أراد عبارات أخرى لست متنبهاً لها الآن،فعليه أن يذكرها.

سؤال: ألا يمكن أن يستفاد من حديث الصحابي الصغير،الذي نقل حديث المنافقين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو قول بعضهم: ما رأينا أوسع بطوناً،ولا أجبن عند اللقاء من هؤلاء القراء. يقصدون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فبداية الأمر لم يقبل الرسول عليه الصلاة والسلام كلام الصحابي الصغير،وبخاصة مع إنكار المنافقين قولهم ذلك،ثم نزل القرآن يصدق الصحابي الصغير؟
جواب: على كل حال هذا الصحابي الصغير فيما يظهر أنه أسامة بن زيد،ولم يكن صغيراً بالمعنى الذي يتبادر للذهن،أو نتكلم عنه في مباحثنا هذه؛لأنه كان في ذلك الوقت حوالي ستة عشر أو سبعة عشر عاماً،فهذا ليس بصغير،وليس هو موضع كلامنا ههنا.
ثم إن الصغير لا يمكن أن يذهب معهم إلى الغزو؛فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعرض الصحابة إذا أراد الغزو،فمن كان دون سن البلوغ نحاه،وكلامنا كله على من كان دون سن البلوغ.
سؤال: كيف يعدل من أضاع كثيراً من عمره في اللهو،ثم استفاق من رقاده؟ كيف يصبح طالب علم مجد مجتهد؟
جواب: أقول: هذا بإمكانه إن شاء الله أن يكون طالب علم مجد ومجتهد.
ومن باب المناسبة: كنت البارحة أتحدث مع بعض الإخوة عن هذه النقطة،وأورد بعض الاستشهادات،فذكرت لهم أن رجلاً كان كبيراً في السن،وكان يعمل فراشاً مستخدِماً،فواصل دراسته حتى أنهى الدكتوراة وهو على كبر السن،وأصبح رئيساً لقسم من الأقسام الدراسية في إحدى الجامعات،وكل هذا حصل له بعد هذه أو بعد هذا التقدم بالسن.
كذلك لو رجعنا للماضي نجد كثيراً من العلماء كلهم بهذه الصفة،وليس أدل على هذا من ابن حزم صاحب كتاب (المحلى)؛فإنه ما طلب العلم إلا وهو كبير في السن،ولكن حصل له من العلم الشيء الكثير.
فعلى كل حال العلم ليس موقوفاً على أحد،ولكن المشكلة أن يظن الإنسان أن العمر تقدمت به فيزيد الطين بلة،فلا يتدارك ما مضى من عمره.
وهذه المسائل يتنبه لها العاقل مهما كان،وأذكر أن في بعض ما يذكر عن بعض الأوربيين أنه كان في سفينة،وأخذت الأمواج تضرب بها يمنة ويسرة،وأوشكت السفينة على الغرق،ومع ذلك هو جالس،كان له غرفة في أسفل السفينة وجالس يكتب ويؤلف،فمر به رجل من المسلمين وقال له: أنت ترى الناس وما هم فيه الآن،وأنت جالس تكتب وتؤلف،وكأن شيئا لم يحدث! قال: نعم،ما يزال في العمر بقية.يعني: لماذا أضيع هذا العمر،وماذا يفيدني الصراخ والعويل،فيستفيد بما بقي من عمره، فالحكمة تؤخذ من كائن من كان.
فعلى كل حال الإنسان مسؤول عن هذا العمر،وكلما استغل كل دقيقة فيه في تزود من علم، وطاعة، في عبادة لربه جل وعلا،فهذا هو الذي يكون قد شغل وقته بما فيه الخير والصلاح،وأما من رأى أنه أهمل ثم قال: أهمل في بقية العمر، فهذا يدل على ضحالة التفكير.
تمت مراجعته وتهذيبه بواسطة ام العنان


  #5  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

القارئ: النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقييده
قد ورد في صحيح مسلم،عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعا ((من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه)).
قال ابن الصلاح: وممن روينا عنه كراهة ذلك: عمر، وابن مسعود،وزيد بن ثابت،وأبو موسى،وأبو سعيد،في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين.
قال: وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن،وأنس،وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم في جمع الصحابة والتابعين.
قلت: وثبت في الصحيحين،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اكتبوا لأبي شاه)).وقد تحرر هذا الفصل في أوائل كتابنا (المقدمات) ولله الحمد.
قال البيهقي وابن الصلاح وغير واحد: لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن والإذن فيه حين أمن ذلك.والله أعلم.
وقد حكي إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث،وهذا أمر مستفيض شائع ذائع من غير نكير.
الشيخ:نعم.هذا بالنسبة لكتابة الحديث وضبطه وتقييده،النوع الخامس والعشرون ابتدأه ابن كثير تبعا لابن الصلاح رحمه الله في قضية اختلاف السلف رضوان الله عليهم في كتابة الحديث،أو عدم كتابته،نحن نعرف أنه ورد الحديث المشهور ((لا تكتبوا عني)). حديث أبي سعيد الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ((لا تكتبوا عني)). قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني غير القرآن،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)).فهذا الحديث جاء ما يعارضه،وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((اكتبوا لأبي شاه)).وقول أبي هريرة رضي الله عنه: "ليس هناك أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر رواية مني غير عبد الله بن عمرو بن العاص؛فإنه كان يكتب ولا أكتب".
فهذان الحديثان،وأمثالهما أيضا أحاديث أخرى،تدل على وقوع الكتابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم للحديث،وجمع العلماء بين النهي وبين الإذن بجموع مختلفة؛منهم من يجعل الحديث حديث أبي سعيد،هذا موقوف عليه من كلامه،ومنهم من يقول: النهي عن الكتابة إنما هو لمن كتب الحديث مع القرآن في صفحة واحدة،يعني خشية.. في أول أن يختلط الحديث بالقرآن الكريم،ومنهم من يقول.. وهذا عول عليه كثير من العلماء،أن النهي كان في أول الأمر من أجل أن يحفظ القرآن ويضبط القرآن ويكتب،ثم بعد ذلك أذن بالكتابة،هذا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
بالنسبة للصحابة أيضا منهم من كره الكتابة،ومنهم عمر، ونقل أيضا عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى نهيهم عن الكتابة، ومنهم من إذا رأى ابنه أو غيره يكتب مزق الكتاب.
وورد الإذن بالكتابة عن بعض الصحابة،علي كان له صحيفة في السيف،في سيفه،التي فيها العقل وفكاك الأسير،وكذلك أيضا عبد الله بن عمرو بن العاص، هنالك صحيفة تسمى الصحيفة الصادقة، وكذلك أيضا بعض الصحابة.. وكذلك استمر الصراع أو مثل ما نقول: الاختلاف في الكتابة،حتى بعد عصر الصحابة في عصر التابعين،حتى من بعدهم،كان بعض السلف ينهى عن الكتابة،ولهم في ذلك أسباب؛منها:
خشوا أن يضعف الحفظ،وأن يعتمد الناس على الكتابة،ويقولون ، لهم عبارات:العلم ما حظاه الصدر،لا ما حواه (غير مسموع) يعني ويقولون أيضا: إن الكتابة تؤدي إلى أن ينتشر العلم عند من لا يستحقه،حتى يعني نقل عن الأوزاعي أظنه عن الأوزاعي،أنه يقول: كان العلم في صدور الرجال،يعني: بمعنى قوله مهيبا أو كذا، فلما صار إلى الكتب ابتذل أو نحو هذا،فيختلف نهي هؤلاء عن الكتابة،يعني له أسباب عديدة،ولكن كما قال ابن كثير رحمه الله: ما زالت الكتابة يعني تزحف،والإذن بها يكثر،حتى استقر الإجماع على العمل،يعني: على تجويز الكتابة،ولا سيما قاله بعض العلماء بعد،أو في العصور بعد أن تأخر الزمن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطالت الأسانيد،وخشي من الغلط،فصارت الكتابة هي المتعينة.
وكما تقدم قبل قليل،أن بعض العلماء لا يحدث إلا من كتاب،فضلا عن الإذن في الكتابة،لابد من الكتابة لطول الأسانيد والخشية من الغلط،فيقول ابن كثير: إجماع العلماء في الأعصار المتأخرة على تسويغ كتابة الحديث،والنهي عن الكتابة،أي: كان سببه انتهى مضى زمنه،سواء كان في عصر الرسول أو في عصر الصحابة، أو في عصر من بعدهم.
نعم الآن سيدخل في بعض القضايا المتعلقة بالكتابة،يعني: إرشادات أكثرها نمر عليها مرورا،ولكنها قد تفيد في عملنا نحن،وفي بحوثنا،وفي كتابتنا نحن.نعم منها الأول.
القارئ:فإذا تقرر هذا،فينبغي لكاتب الحديث أو غيره في العلوم،أن يضبط ما يشكل عليه،أو قد يشكل على بعض الطلبة في أصل الكتاب؛ نقطا وشكلا وإعرابا،على ما هو المصطلح عليه بين الناس،ولو قيد بالحاشية لكان حسنا،وينبغي توضيحه،ويكره التنقيط والتعليق بالكتاب لغير عذر.
قال الإمام أحمد (غير مسموع) حنبل،وقد رآه يكتب دقيقا لا تفعل؛فإنه يكون كأحوج ما تكون إليه.
الشيخ:نعم.هذا بالنسبة.. بعض الإرشادات بالنسبة للكاتب،منها أن يضبط العلماء في الضبط على يعني قسمين:
منهم من يحب أن يضبط كل شيء،كل شيء يضبط كتابته،فنجد بعض المخطوطات مضبوطة،كل الكلمات مضبوطة،ولكن هذا قليل،ومنهم من لا يضبط شيئا،منهم من لا يضبط شيئا،تجد في بعض المخطوطات يعني كتابة فقط، بل بعض المخطوطات وفي يعرفها طلاب.. يعني المتخصصون في المخطوطات يعني كل زمن له مصطلحاته بالنسبة للكتابة،بعضها،بعض المخطوطات لا تجد فيها نقطا أصلا، (بس) فقط حروف،ويعني.. الكلمات ولا تجد نقطا ولا شكلا.
ويعني بعض العلماء يقول: أضبط ما يشكل،تجد بعض العلماء في بعض المخطوطات التي كتبها الأئمة يضبطون إذا كانت الكلمة مشكلة،يضبطونها بالشكل،وهذا هو الذي ينبغي.. هذا هو الوسط؛لأن كثرة الضبط يعني قد تؤدي إلى الغلط،وكما تلاحظ،أنا لاحظت هذا،بعض من يبالغ في الضبط غالبا ما يقع في الغلط،قد يضبط كلمة غلط،فإذا كان الضبط على ما يشكل فقط كان يعني أجود.
وبعضهم يزيد الضبط،يسمونه الضبط ضبطان،الضبط بالقلم الذي هو يعني شكل فقط،وضبطبالحروف،ضبط بالحروف بأن يقول هو كذا وكذا وكذا، يعني: بكسر العين أو بعني بالمعجمة أو بالمهملة أو بكذا،هذا يسمونه الضبط بالحروف،والنوع الأول ضبط بالشكل،ويعني السائد هو الضبط بالشكل،أما الضبط بالحروف فيوجد أحيانا.
وبعضهم يضبط بطريقة ثانية،وهي أن ينقل الكلمة إلى الحاشية مفصولة الحروف ( حا – يا ) كذا يعني لمزيد ضبط،وهذا يعني يدركه من يعاني أو من يقرأ في المخطوطات،أو من يقوم بتحقيق كتاب،نعم،ويقول ينبغي توضيح، توضيح ماذا؟
توضيح الخط،يكره التدقيق والتعليق،التدقيق ما هو ؟ الخط الدقيق.
أما التعليق فهذا طريقة لبعض العلماء،التعليق اضطروا إليها أثناء الراوية،أثناء تحديث الشيخ،يسرع في الكتابة،يسمونها التعليق،فتأتي الكلمات يعني مثل أي لغة التي هي مشبوكة،يعني باب اللغات غير العربية،لكن بالعربية أيضا أحيانا يعني يشبكون الكلمات،كان ابن تيمية رحمه الله يقولون: يمسك القلم من أول السطر ولا يطلقه،ما يرفعه إلا في آخر السطر،يقول: إن هذا يؤدي إلى عسر قراءة،لكن يضطره أحيانا هو كما تعرفون مثلا ألف (الواسطية) يقولون: بين صلاة الظهر وبين صلاة.. أو أظنها الواسطية أو بعض رسائله بين صلاة الظهر وبين صلاة العصر،كتبها كلها إجابة في مجلس واحد،يضطر إلى السرعة،هذا يسمونه التعليق.
التعليق يعني: شبك الكلمات أو.. شبك الكلمات نعم،والتدقيق هو دقة الكتابة،يقولون: يكره أن تكتب،حتى بالأمس صادفت بعض الإخوان (غير مسموع) يقع لنا هذا قصدي أن هذه بعض الأمور،فلما رأى الخط دقيق قال: هذا ما يصلح (غير مسموع) لكن الآن بحمد الله جاء التكبير وجاءت أمور يعني استجدت أمور،فكانوا يكرهون التدقيق،يقول الإمام أحمد: يخونك أحوج ما تكون إليه، ما معنى كلامه ؟ يقول:إنه إذا تقدم بك العمر وضعفت قواك ومنها البصر فإن ما كتبته في شبابك قد لا تستطيع قراءته في كبرك.فينصح بتوضيح الكتابة. نعم.
القارئ: قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة.وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد وأحمد بن حنبل،وإبراهيم (غير مسموع) وابن جرير الطبري.
قلت: قد رأيته بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
قال الخطيب البغدادي:وينبغي أن يترك الدائرة غفلى،فإذا قابلها نقط فيها نقطة،قال ابن الصلاح: ويكره أن يكتب: عبد الله بن فلان،فيجعل (عبد) آخر سطر،والجلالة في أول سطر،بل يكتبهما في سطر واحد.
قال: وليحافظ على الثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله،وإن تكرر،فلا يسأم؛فإن فيه خيرا كثيرا.
قال: وما وجد من خط الإمام أحمد من غير صلاة فمحمول على أنه أراد الرواية.
قال الخطيب: وبلغني أنه كان يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم نقطا،لا خطا.
قال ابن الصلاح: وليكتب الصلاة والتسليم مجلسة،لا رمزا.
قال: ولا يقتصر على قوله: عليه السلام،يعني: وليكتب صلى الله عليه وسلم واضحة كاملة.
قال: وليقابل أصله بأصل معتمد، ومع نفسه أو غيره موثوق به ضابط.
قال: ومن الناس من شدد وقال: لا يقابل إلا مع نفسه.
قال:وهذا مرفوض مردود.
وقد تكلم الشيخ أبو عمرو على ما يتعلق بالتخريج التضبيب والتصحيح،وغير ذلك من الاصطلاحات المطردة والخاصة،ما أطال الكلام فيه جدا،وتكلم على كتابة حاء بين الإسنادين،وأنها حاء مهملة من التهويل،أو الحائل بين الإسناد،أو عبارة عن قوله: الحديثَ.
قلت: ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة،أي: إسناد آخر، والمشهور الأول،وحكى بعضهم الإجماع عليه.
الشيخ:نعم. هذه بعض التعليمات من ابن الصلاح،ابن الصلاح يعتبر مرجعا في هذا الجانب،الذي هو بالنسبة لتعليمات أو لإرشادات للكتابة،ويستفيد منها أكثر ما نستفيد منها نحن في قراءة المخطوطات،ولا سيما ما حذفه ابن كثير قوله ما يتعلق بالتخريج والتضبيب والتصحيح،وغير ذلك من الاصطلاحات،هذه اصطلاحات لهم حين يصححون أو حين يضربون على كلمة،أو حين يعني يريد أن يبين أنها صواب،أو يبين أنها خطأ،أو يشكك فيها،أو حين يريد أن يكتب شيئا في الحاشية.
وذكر من الاصطلاحات أن يفصل بين كل حديثين،هذه تعتبر نوع من تنسيق الكتابة،استجد الآن أمور منها علامات الترقيم،ومنها علامات التنصيص بين قوسين،ومنها علامات البيان،يعني: النقطتين البيانتين،ومنها مثلا بين الشرطتين الكلمات المعترضة،هذه اصطلاحات كان عندهم اصطلاحا يضع بين كل حديثين يفصل بين كل حديثين بدائرة.
وقال الخطيب: يحسن أن يتركها فراغ؛من أجل أنه عند المقابلة يضع نقطة من أجل أن يعرف أين بلغت المقابلة.
وكذلك اصطلح مثلا أن يقول: لا يحسن أن تكتب عبد في آخر السطر ولفظ الجلالة في أول،أو تكتب مثلا الدارقطني فتكتب (الدار) في آخر السطر و (قطني) في أول السطر، سطر يعني الكلمات التي مركبة تكتب جميعا؛لئلا يقع فيها غلط.
وكذلك بالنسبة للصلاة على النبي والتسليم والترضي على الصحابة،لا ينبغي –يقولون- أن يرمز لها برمز،أو أن تغفل،بعضهم يكتب صادا،أو ضادا أو يكتب (صلعم) حتى بعضهم يقرأها صلعم، هذا ما يصح،هذا لو افترضنا أنها كتبت رمزا فنطقا عند القراءة ينبغي أن تقرأ؛لأن بعضهم يخفف أيام احتاجوا إلى الورق،وكذا ربما يرمزون لها رمزا ويقولون: ينبغي أن يقرأها نطقا إذا كان يقرأ قراءة.
وكذلك بالنسبة للمقابلة،إذا كتب الراوي نسخة من الأصل يقولون: ينبغي أن يقابل على هذا الأصل،إما بنفسه،كما يشدد بعض من يشترط هذا أو عن طريق شخص آخر،ويسميها المقابلة، والمقابلة هذه من أعظم ما يكون بالنسبة للإرشادات،هذه يقولون: الكتاب إذا نسخ ثم لم يعارض،ثم نسخ ثم لم يعارض،يعني: نسخ وراء نسخ،ما يلبس أن يخرج كتاب آخر،غير الكتاب الأول.
وهذا صحيح؛أنت الآن اكتب، لو قال لك: انقل هذه الصفحة،إذا نقلتها ثم قرأتها مع شخص تجد أنه سقط منك كلمة كذا وكلمة كذا،فيلحقونها،يسمون هذه مقابلة،ويكتبون بعضهم بلغ،بلغ مقابلة،يعني هذه اصطلاحات يشاهدها من يقرأ في المخطوطات،وكثيرا ما يسمونه سبق النظر،أو انتقال البصر،أحيانا تأتيك كلمة في سطر وكلمة لها مشابهة بعد سطر أو سطرين،فالبصر ينتقل إلى الكلمة الثانية فتسقط.. هذا كثير جدا في المخطوطات عند المقابلة.
يتبين أن بعض الخطاطين أو بعض الكتاب أسقط سطرين أو ثلاثة،وسببه ما ذكرت،ويسمونه سقطا،بل وقع هذا في الرواية وقع هذا في الراوية،عند الرواة،وهذا من عيوب التحديث من الكتاب،هذا موضوع طويل،المهم أنه هذا بالنسبة للمقابلة ضرورية جدا،أنت الآن لو تقدم معروض لدائرة أو لشخص،أو ليعني مؤسسة،لابد من إعادة قراءته مرة أخرى،والتدقيق فيه،فستجد أنك أخطأت في كلمة أو سقط منك كلمة،فهذا هو الذي يسمونه المقابلة.
فيه مصطلح عند العلماء كتابة حاء هذه بين الإسنادين،وهذه يستخدمها الإمام مسلم كثير،ويستخدمها الإمام البخاري أحيانا،وأبو داود،وموجودة في صحيح ابن خزيمة،موجودة في غالب كتب السنة،هذه يسمونها حاء التحويل،منهم من يقول: إنها مختصرة من حائل تحول بين إسنادين،ومنهم من يقول:مختصرة من صح،يعني: أن الإسناد الثاني صحيح، لا تظنه غلطا، لا تظن فيه سقط،فأنا تعمدت ذلك،أن أحيل إسناد على إسناد،ومنهم من يقول مختصرة من الحد.. كلمة الحديث؛فإن الإسناد الأول إذا قطعه كأنه يقول: الحديث، الحديث.
وبعضهم يقول: إن بعض الناس توهم أنها خاء معجمة،أي: إسناد آخر،وليس هذا بصحيح، الصحيح إنها حاء،وهي تفيد التحويل،يعني: يقول مثلا مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم مثلا عن أبي معاوية (ح) وحدثنا مثلا محمد بن بشار عن مثلا يحيى بن سعيد القطان (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه (ح) أو يقول: كلهم عن الأعمش، فبدل أن يقول: حدثنا إسحاق بن أبي معاوية، عن الأعمش،عن إبراهيم،عن علقمة،عن ابن مسعود،يذكر الإسناد في كل مرة يقطعه ويكتب كلمة أو حرف (ح) ويجمع الجميع عند الأعمش.
هذه يسمونه التحويل،نبه عليه ابن كثير رحمه الله.ونحن الآن عند النوع السادس والعشرين،لعلنا نقف هنا،وبقي أنواع كثيرة،لكن خلال اليومين القادمين إن شاء الله تعالى لعلنا (غير مسموع).
سؤال: أحسن الله إليكم، ما صحة حديث: ((من كان لديه شعر فليكرمه))؟ وما معناه ؟
جواب: أما معناه.. صحته ما أدري والله الآن، ما أستحضر،لكن بالنسبة لمعناه هو أنه يقول: الشخص إذا ترك شعره،فلا ينبغي له أن يتركه يتشعث ويعني الغبار والعرق،يكرمه،ولهذا الإمام أحمد نقل عنه أنه كان يقول: لو استطعنا.. يعني الشعر يحتاج إلى مؤونة، يعني يقول: إنه يحتاج إلى مؤونة، يعتذر هو عن قص شعره؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له جمة،كان له شعر،يطيل شعر رأسه،ولكنه يعتني به، ويدهنونه،ويعني هذا هو إكرام الشعر،العناية به وعدم تركه يعني يتشعث ويغبر ويتسخ، هذا هو الكلام في الشعر....
سؤال: أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما هو الراجح لديكم في حديث:((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))؟
جواب: أما بالنسبة لصحة الحديث،فجمهور العلماء على أنه لا يصح،والتكلف في هذا الباب يعني لا ينبغي،ما يصح هذا الحديث، هذا الحديث لا يصح. نعم.
سؤال: أحسن الله إليكم، ما هي الكتب التي يعتمد عليها في تمييز الصحيح من الضعيف ؟
جواب: الكتب التي يعتمد عليها في التمييز أولا يعني هذا ما هو معروف عند العلماء،أهم كتاب بين ما مر بنا،وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم،اعتنى بهما وتفقه فيهما؛وستجد فيهما خيرا كثيرا، ثم ما بعد ذلك هناك كتب اهتمت بالصحيح، كما تقدم، يوجد فيها زوائد على البخاري ومسلم،مثل مستخرجات،ومثل صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة،وكذلك أيضا نعم هذه الكتب التي يعتمد عليها في التصحيح والتضعيف.نعم.
سؤال: أحسن الله إليكم، أفيدونا عمن يقول: لا فائدة من أخذ الإجازات في هذه الأزمان.
جواب: هو إذا أردت فائدة، فائدة، ما فيه فائدة، يعني ما ينبغي أن يعني نكون يعني نغمض عيوننا،المهم ما فيه فائدة،الإجازة ليس فيها فائدة علمية،ولكن فيها ارتباط وحنين إلى الماضي،وتشبه بالأئمة،ويعني التصاق بكتب السنة،وبالمناسبة الذي يروى ليس كتب السنة فقط؛ كتب التفسير وكتب اللغة وكتب الأدب والدواوين كلها تُروى بالإجازات،معروف عند العلماء رحمهم الله أنهم.. مثلا الخطيب البغدادي عندما ألف كتابه يحدثه تحديثا،يحدث به تحديثا ويروى عنه، فلم تقتصر الرواية فقط على كتب السنة.
فالمقصود أن الإجازات رأيي فيها أنها من هذا الباب،وليس فيها فائدة علمية،لا من جهة ضبط الكتب،ولا من جهة الصحة والضعف.
سؤال: أحسن الله إليكم، هل ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله قبل بعثته من سنته ؟
جواب: لا،ما كان قبل بعثته ليس من السنة،السنة هو ما بعث به صلى الله عليه وسلم.
سؤال: أحسن الله إليكم، ما الشرط الذي اشترطه النسائي وليس عند البخاري ومسلم ؟
جواب: ما فيه شرط عند النسائي اشترطه وليس عند البخاري ومسلم، ما فيه شرط، لكن كان رحمه الله له رأي في بعض المحدثين،هذا الذي جعل مثل هذه الكلمة يعني تشتهر،له رأي في بعض المحدثين،يعني ربما يخالف فيه البخاري،ربما يتكلم في بعض رجال البخاري،وإلا ليس له شرط في غير ما اشترطه البخاري ومسلم.
سؤال: أحسن الله إليكم، السؤال الأخير يقول: هل لديكم فضيلة الشيخ إجازات في الحديث ؟
جواب: لا،ما لدي إجازات، ما لدي إجازات في الحديث.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخامس, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir