دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > البرهان في علوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 شوال 1430هـ/14-10-2009م, 05:47 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي النوع الخامس والعشرون: علم مرسوم الخط

النوع الخامس والعشرون: علم مرسوم الخط
ولما كان خط المصحف هو الإمام الذي يعتمده القارئ في الوقف والتمام ولا يعدو رسومه ولا يتجاوز مرسومه قد خالف خط الإمام في كثير من الحروف والأعلام ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق بل على أمر عندهم قد تحقق وجب الاعتناء به والوقوف على سببه
ولما كتب الصحابة المصحف زمن عثمان رضي الله عنه اختلفوا في كتابة التابوت فقال زيد التابوه وقال النفر القرشيون التابوت وترافعوا إلى عثمان فقال اكتبوا التابوت فإنما أنزل القرآن على لسان قريش.
قال ابن درستويه: خطان لا يقاس عليهما خط المصحف وخط تقطيع العروض
وقال أبو البقاء: في كتاب اللباب ذهب جماعة من أهل اللغة إلى كتابة الكلمة على لفظها إلا في خط المصحف فإنهم اتبعوا في ذلك ما وجدوه في الإمام والعمل على الأول فحصل أن الخط ثلاثة أقسام خط يتبع به الاقتداء السلفي وهو رسم المصحف وخط جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه وهو خط العروض فيكتبون التنوين ويحذفون همزة الوصل وخط جرى على العادة المعروفة وهو الذي يتكلم عليه النحوي.
واعلم أن للشيء في الوجود أربع مراتب:
الأولى: حقيقته في نفسه والثانية مثاله في الذهن وهذان لا يختلفان باختلاف الأمم والثالثة اللفظ الدال على المثال الذهني والخارجي والرابعة الكتابة الدالة على اللفظ وهذان قد يختلفان باختلاف الأمم كاختلاف اللغة العربية والفارسية والخط العربي والهندي ولهذا صنف الناس في الخط والهجاء إذ لا يجري على حقيقة اللفظ من كل وجه.
وقال الفارسي: لما عمل أبو بكر بن السراج كتاب الخط والهجاء قال لي اكتب كتابنا هذا قلت له نعم إلا أني آخذ بآخر حرف منه قال وما هو قلت قوله ومن عرف صواب اللفظ عرف صواب الخط.
قال أبو الحسين بن فارس: في كتاب فقه اللغة يروى أن أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها في طين وطبخه فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب إسماعيل الكتاب العربي وكان ابن عباس يقول أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل عليه السلام قال والروايات في هذا الباب كثيرة ومختلفة.
والذي نقوله إن الخط توقيفي لقوله: {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وقال تعالى: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}.
وإذا كان كذا فليس ببعيد أن يوقف آدم وغيره من الأنبياء عليهم السلام على الكتاب
وزعم قوم أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها وأنهم لم يعرفوا نحوا ولا إعرابا ولا رفعا ولا نصبا ولا همزا.
ومذهبنا فيه التوقيف فنقول إن أسماء هذه الحروف داخلة في الأسماء التي علم الله تعالى آدم عليه السلام.
قال وما اشتهر أن أبا الأسود أول من وضع العربية وأن الخليل أول من وضع العروض فلا ننكره وإنما نقول إن هذين العلمين كانا قديما وأتت عليهما الأيام وقلا في أيدي الناس ثم جددهما هذان الإمامان.
ومن الدليل على عرفان القدماء من الصحابة وغيرهم ذلك كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو والياء والهمز والمد والقصر فكتبوا ذوات الياء بالياء وذوات الواو بالواو ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا نحو الخبء والدفء والملء فصار ذلك كله حجة وحتى كره بعض العلماء ترك اتباع المصحف.
وأسند إلى الفراء قال اتباع المصحف إذا وجدت له وجها من كلام العرب وقراءة الفراء أحب إلى من خلافه.
وقال أشهب: سئل مالك رحمه الله هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء فقال لا إلا على الكتبة الأولى رواه أبو عمرو الداني في المقنع ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة
وقال في موضع آخر سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن تغير من المصحف إذا وجدا فيه كذلك فقال لا قال أبو عمرو يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ نحو الواو في {أُولُو الأَلْبَابِ} {وَأُولاتُ} و{الربوا} ونحوه
وقال الإمام أحمد رحمه الله تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك.
قلت: وكان هذا في الصدر الأول والعلم حي غض وأما الآن فقد يخشى الإلباس ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجهال ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه لئلا يؤدي إلى دروس العلم وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة وقد قال البيهقي في شعب الإيمان من كتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على حروف الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف ولا يخالفهم فيها ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم وروى بسنده عن زيد قال القراءة سنة.
قال سليمان بن داود الهاشمي: يعنى ألا تخالف الناس برأيك في الاتباع قال وبمعناه بلغني عن أبى عبيد في تفسير ذلك وترى القراء لم يلتفتوا إلى مذهب العربية في القراءة إذا خالف ذلك خط المصحف واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها

مسألة: في كتابة القرآن بغير الخط العربي
هل يجوز كتابة القرآن بقلم غير العربي؟ هذا مما لم أر للعلماء فيه كلاما ويحتمل الجواز لأنه قد يحسنه من يقرأه بالعربية والأقرب المنع كما تحرم قراءته بغير لسان العرب ولقولهم القلم أحد اللسانين والعرب لا تعرف قلما غير العربي قال تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}

اختلاف رسم الكلمات في المصحف والحكمة فيه:
واعلم أن الخط جرى على وجوه فيها ما زيد عليه على اللفظ ومنها ما نقص ومنها ما كتب على لفظه وذلك لحكم خفية وأسرار بهية تصدى لها أبو العباس المراكشي الشهير بابن البناء في كتابه عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل وبين أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها.
ومنها التنبيه على العوالم الغائب والشاهد ومراتب الوجود والمقامات والخط إنما يرتسم على الأمر الحقيقي لا الوهمي.
الزائد وأقسامه:
الأول: ما زيد فيه والزائد أقسام
القسم الأول: زيادة الألف.
الأول : الألف وهي إما أن تزاد من أول الكلمة أو من آخرها أو من وسطها فالأول تكون بمعنى زائد بالنسبة إلى ما قبله في الوجود مثل {لأَذْبَحَنَّهُ} و{وَ لأ َوْضَعُوا خِلالَكُمْ} زيدت الألف تنبيها على أن المؤخر أشد في الوجود من المقدم عليه لفظا فالذبح أشد من العذاب والإيضاع أشد إفسادا من زيادة الخبال واختلفت المصاحف في حرفين: {لا إِلَى الْجَحِيمِ} و{لا إلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} فمن رأى أن مرجعهم إلى الجحيم أشد من أكل الزقوم وشرب الحميم وأن حشرهم إلى الله أشد عليهم من موتهم أو قتلهم في الدنيا أثبت الألف ومن
لم ير ذلك لأنه غيب عنا فلم يستو القسمان في العلم بهما لم يثبته وهو أولى وكذلك: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ} {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} لأن الصبر وانتظار الفرج أخف من الإياس والإياس لا يكون في الوجود إلا بعد الصبر والانتظار.
والثاني : يكون باعتبار معنى خارج عن الكلمة يحصل في الوجود لزيادتها بعد الواو في الأفعال نحو يرجوا ويدعوا وذلك لأن الفعل أثقل من الاسم لأنه يستلزم فاعلا فهو جملة والاسم مفرد لا يستلزم غيره فالفعل أزيد من الاسم في الوجود والواو أثقل حروف المد واللين والضمة أثقل الحركات والمتحرك أثقل من الساكن فزيدت الألف تنبيها على ثقل الجملة وإذا زيدت مع الواو التي هي لام الفعل فمع الواو التي هي ضمير الفاعلين أولى لأن الكلمة جملة مثل قالوا وعصوا إلا أن يكون الفعل مضارعا وفيه النون علامة الرفع فتختص الواو بالنون التي هي من جهة تمام الفعل إذ هي إعرابه فيصير ككلمة واحدة وسطها واو كالعيون والسكون فإن دخل ناصب أو جازم مثل: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} ثبتت الألف.
وقد تسقط مواضع للتنبيه على اضمحلال الفعل نحو: {سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} فإنه سعى في الباطل لا يصح له ثبوت في الوجود
وكذلك: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} و{جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً} {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ} {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ}، فإن هذا المجيء ليس على وجهه الصحيح
وكذلك: {فَإِنْ فَاءُوا} وهو فيء بالقلب والاعتقاد
وكذا: {تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ} اختاروها سكنا لكن لا على الجهة المحسوسة لأنه سوى بينهما وإنما اختاروها سكنا لمرضاة الله بدليل وصفهم بالإيثار مع الخصاصة فهذا دليل زهدهم في محسوسات الدنيا وكذلك: {فَاءُوا} لأنه رجوع معنوي
وكذلك: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} حذفت ألفه لأن كيفية هذا الفعل لا تدرك إذ هو ترك المؤاخذة إنما هو أمر عقلي
وكذلك: {وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} هذا عتو على الله لذلك وصفه بالكبر فهو باطل في الوجود
وكذلك سقطت من: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} ولم تسقط من {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} لأن غضبوا جملة بعدها أخرى والضمير مؤكد للفاعل في الجملة الأولى وكالوهم جملة واحدة الضمير جزء منها
وكذلك زيدت الألف بعد الهمزة في حرفين: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ} و: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} تنبيها على تفصيل المعنى فإنه يبوء بإثمين من فعل واحد وتنوء المفاتح بالعصبة فهو نوءان للمفاتح لأنها بثقلها أثقلتهم فمالت وأمالتهم وفيه تذكير بالمناسبة يتوجه به من مفاتح كنوز مال الدنيا المحسوس إلى مفاتح كنوز العلم الذي ينوء بالعصبة أولي القوة في يقينهم إلى ما عند الله في الدار الآخرة
وكذلك زيدت بعد الهمزة من قوله: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِا} تنبيها على معنى البياض والصفاء بالنسبة إلى ما ليس بمكنون وعلى تفصيل الإفراد يدل عليه قوله: : {كَأَمْثَالِ} وهو على خلاف حال: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ} فلم تزد الألف للإجمال وخفاء التفصيل
وقال أبو عمرو كتبوا اللؤلؤا في الحج والملائكة بالألف واختلف في زيادتها فقال أبو عمرو كما زادوها في كانوا وقال الكسائي لمكان الهمزة
وعن محمد بن عيسى الأصبهاني كل ما في القرآن من لؤلؤ فبغير الألف في مصاحف البصريين إلا في موضعين في الحج والإنسان
وقال عاصم الجحدري كلها في مصحف عثمان بالألف إلا التي في الملائكة
والثالث: تكون لمعنى في نفس الكلمة ظاهر مثل: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} زيدت الألف دليلا على أن هذا المجيء هو بصفة من الظهور ينفصل بها عن معهود المجيء وقد عبر عنه بالماضي ولا يتصور إلا بعلامة من غيره ليس مثله فيستوى في علمنا ملكها وملكوتها في ذلك المجيء ويدل عليه قوله تعالى في موضع آخر: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} وقوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}
هذا بخلاف حال: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} حيث لم تكتب الألف لأنه على المعروف في الدنيا وفي تأوله بمعنى البروز في المحشر لتعظيم جناب الحق أثبتت الألف فيه أيضا
وكذلك: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً}، الشيء هنا معدوم وإنما علمناه من تصور مثله الذي قد وقع في الوجود فنقل له الاسم فيه من حيث إنه يقدر أنه يكون مثله في الوجود فزيدت الألف تنبيها على اعتبار المعدوم من جهة تقدير الوجود إذ هو موجود في الأذهان معدوم في الأعيان
وهذا بخلاف قوله في النحل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ}. فإن الشيء هنا من جهة قول الله لا يعلم كيف ذلك بل نؤمن به تسليما لله سبحانه فيه فإنه سبحانه يعلم الأشياء بعلمه لا بها ونحن نعلمها بوجودها لا بعلمنا فلا تشبيه ولا تعطيل
وكذلك: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلأِهِ} زيدت الألف بين اللام والهمزة تنبيها على تفصيل مهم ظاهر الوجود
ومثله زيادتها في مائة لأنه اسم يشتمل على كثرة مفصلة بمرتبتين آحاد وعشرات
قال أبو عمرو في المقنع لا خلاف في رسم ألف الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج نحو: {عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} وهو نعت كما أثبتوها في الخبر نحو: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} و{الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} ولم تحذف إلا في خمسة مواضع
قال: ولا خلاف في زيادة الألف بعد الميم في مائة ومائتين حيث وقعا،
ولم تزد في فئة ولا فئتين وزيدت في نحو: {تَبُوءَ بإِثْمِي} و{لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن رسمت خطا في المصحف إلا في هذين الموضعين ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في قوله: {مَوْئِلاً} في الكهف لا غير

القسم الثاني: زيادة الواو.
الزائد الثاني الواو زيدت للدلالة على ظهور معنى الكلمة في الوجود في أعظم رتبة في العيان مثل {سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} {سَأوُرِيكُمْ آيَاتِي}
ويدل على ذلك أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد
وكذلك أولي وأولوا وأولات زيدت الواو بعد الهمزة حيث وقعت لقوة المعنى على أصحاب فإن في أولي معنى الصحبة وزيادة التمليك والولاية عليه وكذلك زيدت في أولئك وأولائكم حيث وقعا بالواو لأنه جمع مبهم يظهر فيه معنى الكثرة الحاضرة في الوجود وليس للفرق بينه وبين أولئك كما قاله قوم لانتفاضة بأولا.

القسم الثالث: زيادة الياء.
الزائد الثالث الياء زيدت لاختصاص ملكوتي باطن وذلك في تسعة مواضع كما قاله في المقنع:
{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ}
{مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}
{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}
{وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ}
{أَفَإِنْ مِتَّ}
{مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}
و: {بأَيبِّكُمُ الْمَفْتُونُ}
قال أبو العباس المراكشي إنما كتبت {بأييد} بياءين فرقا بين الأيد الذي هو القوة وبين الأيدي جمع يد ولا شك أن القوة التي بنى الله بها السماء هي أحق بالثبوت في الوجود من الأيدي فزيدت الياء لاختصاص اللفظة بمعنى أظهر في أدراك الملكوتي في الوجود
وكذلك زيدت بعد الهمزة في حرفين:
{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} {أَفَإِنْ مِتَّ}
وذلك لأن موته مقطوع به والشرط لا يكون مقطوعا به ولا ما رتب على الشرط هو جواب له لأن موته لا يلزم منه خلود غيره ولا رجوعه عن الحق فتقديره أهم الخالدون إن مت فاللفظ للاستفهام والربط والمعنى للإنكار والنفي فزيدت الياء لخصوص هذا المعنى الظاهر للفهم الباطن في اللفظ
وكذلك زيدت بعد الهمزة في آخر الكلمة في حرف واحد في الأنعام: {مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} تنبيها على أنها أنباء باعتبار أخبار وهي ملكوتية ظاهرة
وكذلك: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} كتبت بياءين تخصيصا لهم بالصفة لحصول ذلك وتحققه في الوجود فإنهم هم المفتونون دونه فانفصل حرف أي بياءين لصحة هذا الفرق بينه وبينهم قطعا لكنه باطن فهو ملكوتي وإنما جاء اللفظ بالإبهام على أسلوب المجاملة في الكلام والإمهال لهم ليقع التدبر والتذكار كما جاء: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ومعلوم أنا على هدى وهم على ضلال
الناقص وأقسامه

الوجه الثاني : ما نقص عن اللفظ ويأتي فيه أيضا الأقسام السابقة:
القسم الأول: حذف الألف.
الأول الألف كل ألف تكون في كلمة لمعنى له تفصيل في الوجود له اعتباران اعتبار من جهة ملكوتية أو صفات حالية أو أمور علوية مما لا يدركه الحس
فإن الألف تحذف في الخط علامة لذلك واعتبار من جهة ملكية حقيقية في العلم أو أمور سفلية فإن الألف تثبت
واعتبر ذلك في لفظتي القرآن والكتاب فإن القرآن هو تفصيل الآيات التي أحكمت في الكتاب فالقرآن أدنى إلينا في الفهم من الكتاب وأظهر في التنزيل قال الله تعالى في هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
وقال في فصلت: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} ولذلك ثبت في الخط ألف القرآن وحذفت ألف الكتاب
وقد حذفت ألف القرآن في حرفين هو فيهما مرادف للكتاب في الاعتبار قال تعالى في سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وفي الزخرف: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} والضمير في الموضعين ضمير الكتاب المذكور قبله وقال بعد ذلك في كل واحدة منهما: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فقرينته هي من جهة المعقولية وقال في الزخرف: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}
وكذلك كل ما في القرآن من الكتاب وكتاب فبغير ألف إلا في أربعة مواضع هي الرعد بأوصاف خصصته من الكتاب الكلي
في الرعد: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} فإن هذا كتاب الآجال
فهو أخص من الكتاب المطلق أو المضاف إلى الله
وفي الحجر: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} فإن هذا كتاب إهلاك القرى وهو أخص من كتاب الآجال
وفي الكهف: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ} فإن هذا أخص من الكتاب الذي في قوله: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} لأنه أطلق هذا وقيد ذلك بالإضافة إلى الاسم المضاف إلى معنى في الوجود والأخص أظهر تنزيلا
وفي النمل: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} هذا الكتاب جاء تابعا للقرآن والقرآن جاء تابعا للكتاب كما جاء في الحجر: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} فما في النمل له خصوص تنزيل مع الكتاب الكلي فهو تفصيل للكتاب الكلى بجوامع كليته
ومن ذلك حذف الألف في: {بِسْمِ اللَّهِ} تنبيها على علوه في أول رتبة الأسماء وانفراده وأن عنه انقضت الأسماء فهو بكليها يدل عليه إضافته إلى اسم الله الذي هو جامع الأسماء كلها أولها ولهذا لم يتسم به غير الله بخلاف غيره من أسمائه فلهذا ظهرت الألف معها تنبيها على ظهور التسمية في الوجود
وحذفت الألف التي قبلها الهاء من اسم الله وأظهرت التي مع اللام من أوله دلالة على أنه الظاهر من جهة التعريف والبيان الباطن من جهة الإدراك والعيان
وكذلك حذفت الألف قبل النون من اسمه الرحمن حيث وقع بيانا لأنا نعلم حقائق تفصيل رحمته في الوجود فلا يفرق في علمنا بين الوصف والصفة وإنما الفرقان
في التسمية والاسم لا في معاني الأسماء المدلول عليها بالتسمية بل نؤمن بها إيمانا مفوضا في علم حقيقته إليه
قلت: وعلماء الظاهر يقولون: للاختصار وكثرة الاستعمال وهو من خصائص الجلالة الشريفة فإن همزة الوصل الناقصة من اللفظ في الدرج تثبت خطا إلا في البسملة وفي قوله في هود: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَيهَا} ولا تحذف إلا بشرطين:
أن تضاف إلى اسم الله ولهذا أثبتت في: {بِاسْمِ رَبِّكَ} وأن تكون قبله الباء ولم يشترط الكسائي الثاني: فجوز حذفها كما تحذف في بسم الملك والجمهور على الأول
وكذلك حذف الألف في كثير من أسماء الفاعلين مثل قدر وعلم وذلك أن هذه الألف في وسط الكلمة.
وكذلك الألف الزائدة في الجموع السالمة والمكسرة مثل القنتين والأبرار والجلل والإكرم واختلف واستكبر فإنها كلها وردت لمعنى مفصل يشتمل عليه معنى تلك اللفظة فتحذف حيث يبطن التفصيل وتثبت حيث يظهر.
وكذلك ألف الأسماء الأعجمية كإبرهيم لأنها زائدة لمعنى غير ظاهر في لسان العربي لأن العجمي بالنسبة إلى العربي باطن خفي لا ظهور له فحذفت ألفه.
قال أبو عمرو: اتفقوا على حذف الألف من الأعلام الأعجمية المستعملة كإبرهيم وإسمعيل وإسحق وهرون ولقمن وشبهها وأما حذفها من سليمن وصلح وملك وليست بأعجمية فلكثرة الاستعمال فأما ما لم يكثر استعماله من الأعجمية
فبالألف كطالوت وجالوت ويأجوج ومأجوج وشبهها.
واختلفت المصاحف في أربعة هاروت وماروت وهامان وقارون فأما داود فلا خلاف في رسمه بالألف لأنهم قد حذفوا منه واوا فلم يجحفوا بحذف ألف أخرى ومثله إسرائيل ترسم بالألف في أكثر المصاحف لأنه حذف منه الياء.
وكذلك اتفقوا على حذف الألف في جمع السلامة مذكرا كان كالعلمين والصبرين والصدقين أو مؤنثا كالمسلمت والمؤمنت والطيبت والخبيثت فإن جاء بعد الألف همزة أو حرف مضعف ثبتت الألف نحو السائلين والصائمين والظانين والضالين وحافين ونحوه
قال أبو العباس وقد تكون الصفة ملكوتية روحانية وتعتبر من جهة مرتبة سفلى ملكية هي أظهر في الاسم فتثبت الألف كالأواب والخطاب والعذاب و{أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} و{الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}.
وقد تكون ملكية وتعتبر من جهة عليا ملكوتية هي أظهر في الاسم فتحذف الألف كالمحرب ولأجل هذا التداخل يغمض ذلك فيحتاج إلى تدبر وفهم ومنه ما يكون ظاهر الفرقان كالأخير والأشرار تحذف من الأول دون الثاني.
ومنه ما يخفي كالفراش ويطعمون الطعام فالفراش محسوس والطعام ثابت ووزنهما واحد وهما جسمان لكن يعتبر في الأول مكان التشبيه فإن التشبيه محسوس وصفة التشبيه غير محسوس فالمشبه به غير محسوس في حالة الشبه إذ جعل جزءا من صفة المشبه به من حيث هو مستفرش مبثوث لا من حيث هو جسم وأما الطعام فهو المحسوس المعطى للمحتاجين
وكذلك: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} ثبتت الألف في الأول لأنه سفلي بالنسبة إلى طعامنا لمكان التشديد عليهم فيه وحذفت من الثاني لأنه علوي بالنسبة إلى طعامهم لعلو ملتنا على ملتهم.
وكذلك: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَمَ} فحذفت لعلو هذا الطعام.
وكذلك: {غَلَّقَتِ الأَبْوَبَ} غلقت فيه التكثير في العمل فيدخل به أيضا ما ليس بمحسوس من أبواب الاعتصام فحذفت الألف لذلك ويدل عليه: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} فأفرد الباب المحسوس من أبواب الاعتصام.
وكذلك: {وَفُتِحَتْ أَبْوَبُهَا} محذوف لأنها من حيث فتحت ملكوتية علوية و: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ} ملكية من حيث هي لهم فثبتت الألف و: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ}، ثابتة لأنها من جهة دخولهم محسوسة سفلية
وكذلك: {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} من حيث حصرها العدد في الوجود ملكية فثبتت الألف
وكذلك الجراد والضفدع الأول ثابت فهو الذي في الواحدة المحسوسة والثاني محذوف لأنه ليس في الواحدة المحسوسة والجمع هنا ملكوتي من حيث هو آية.
وكذلك: {أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} حذفت لأنها أمثال كلية لم يتعين فيها للفهم جهة التماثل و: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ} ثابت الألف لأنه تعين للفهم جهة التماثل وهو البياض والصفاء. {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَلَهُمْ} حذفت للعموم و: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} ثابت في الفرقان لأنها المذكورة حسية مفصلة ومحذوفة في الإسراء لأنها غير مفصلة باطنة
وكذلك: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَحِدَةٌ} و: {دُكَّتَا دَكَّةً وَحِدَةً} الأولى محذوفة لأنها روحانية لا تعلم إلا إيمانا والثانية ثابتة جسمانية يتصور أمثالها من الهوي
وكذلك ألف {كِتَبِيَهْ} محذوفة لأنه ملكوتي وألف: {حِسَابِيَهْ} ثابتة لأنها ملكية وهما معا في موطن الآخرة.
وكذلك: {الْقَاضِيَةَ} ملكوتية {مَالِيَهْ} ملكي محسوس فحذف الأول وثبت الثاني
وكذلك: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَلُوتَ} حذف لأنه الاسم: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} ثبت لأنه مجسد محسوس فحذف الأول وثبت الثاني.
وكذلك: {سُبْحَنَ} حذفت لأنه ملكوتي إلا حرفا واحدا واختلف فيه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي} فمن أثبت الألف قال هذا تبرئة من مقام الإسلام وحصره الأجسام صدر به مجاوبة للكفار في مواطن الرد والإنكار ومن أسقط فلعلو حال المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشغله عن الحضور تقلبه في الملكوت الخطاب في الملك وهو أولى الوجهين
وكذلك: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلثَةٍ} ثبتت ألف {ثَالِثُ} لأنهم جعلوه أحد ثلاثة مفصلة فثبتت الألف علامة لإظهارهم التفصيل في الإله تعالى الله عن قولهم وحذفت ألف: {ثَلثَةٍ} لأنه اسم العدد الواحد من حيث هو كلمة واحدة وكذلك: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} حذفت من {إِلَهٌ} وثبتت في {وَاحِدٌ} ألفه لأنه إله في ملكوته تعالى عن أن تعرف صفته بإحاطة الإدراك واحد في ملكه تنزه بوحدة أسمائه عن الاعتضاد والاشتراك هذا من جهة إدراكنا وأما من جهة ما هي عليه الصفة في نفسها فلا يدرك ذلك بل يسلم علمه إلى الله تعالى فتحذف.
وكذلك سقطت الألف الزائدة لتطويل هاء التنبيه في النداء في ثلاثة أحرف:
{أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} و{أَيُّهَ السَّاحِرُ} و{أَيُّهَ الثَّقَلانِ} والباقي بإثبات الألف والسر في سقوطها في هذه الثلاثة الإشارة إلى معنى الانتهاء إلى غاية ليس وراءها في الفهم رتبة يمتد النداء إليها وتنبيه على الاقتصار والاقتصاد من حالهم والرجوع إلى ما ينبغي.
وقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} يدل على أنهم كل المؤمنين على العموم والاستغراق فيهم وقوله تعالى حكاية عن فرعون. {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وقول فرعون. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} يدل على عظم علمه عندهم ليس فوقه أحد وقوله: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} فإقامة الوصف مقام الموصوف يدل على عظم الصفة الملكية فإنها تقتضي جميع الصفات الملكوتية والجبروتية فليس بعدها رتبة أظهر في الفهم على ما ينبغي لهم من الرجوع إلى اعتبار آلاء الله في بيان النعم ليشكروا وبيان النقم ليحذروا.
وكذلك حذفت الألف الآتية لمد الصوت بالنداء مثل. {يَقُومُ} {يعِبَادِ} لأنها زائدة للتوصل بين المرتبتين وذلك أمر باطن ليس بصفة محسوسة في الوجود.
قال أبو عمرو كل ما في القرآن من ذكر آيتنا فبغير الألف إلا في موضعين في {بِآيَاتِنَا} و{آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}.
وكل ما فيه من ذكر أيها فبالألف إلا في ثلاثة مواضع محذوفة الألف في النور {أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} وفي الزخرف { أَيُّهَ السَّاحِرُ }وفي الرحمن {أَيُّهَ الثَّقَلانِ} وكل ما فيه من ساحر فبغير الألف إلا في واحد في الذاريات {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}.

القسم الثاني: حذف الواو.
الثاني حذف الواو اكتفاء بالضمة قصدا للتخفيف فإذا اجتمع واوان والضم فتحذف الواو التي ليست عمدة وتبقى العمدة سواء كانت الكلمة فعلا مثل {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} أو صفة مثل مثل الموءدة وليؤس والغاون أو اسما مثل داود إلا أن ينوى كل واحد منهما فتثبتان جميعا مثل تبوءوا فإن الواو الأولى تنوب عن حرفين لأجل الإدغام فنوبت في الكلمة والواو الثانية ضمير الفاعل فثبتا جميعا.
وقد سقطت من أربعة أفعال تنبيها على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود.
أولها: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} فيه سرعة الفعل وإجابة الزبانية وقوة البطش.
وهو وعيد عظيم ذكر مبدؤه وحذف آخره ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}.
وثانيها: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} حذفت منه الواو علامة على سرعة الحق وقبول الباطل له بسرعة بدليل قوله: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} وليس {يَمْحُ} معطوفا على {يَخْتِمْ} الذي قبله لأنه ظهر مع {يَمْحُ} الفاعل وعطف على الفعل ما بعده وهو {وَيُحِقُّ الْحَقَّ}
قلت: إن قيل: لم رسم الواو في {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} وحذفت في: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} ؟
قلت: لأن الإثبات الأصل وإنما حذفت في الثانية لأن قبله مجزوم وإن لم يكن معطوفا عليه لأنه قد عطف عليه: {وَيَحِقَّ} وليس مقيدا بشرط ولكن قد يجيء بصورة العطف على المجزوم وهذا أقرب من عطف الجوار في النحو والله أعلم.
وثالثها: {وَيَدْعُ الإنسان بِالشَّرِّ} حذف الواو يدل على أنه سهل عليه ويسارع فيه كما يعمل في الخير وإتيان الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير.
ورابعها: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} حذف الواو لسرعة الدعاء وسرعة الإجابة.

القسم الثالث : حذف الياء.
الثالث : حذف الياء اكتفاء بالكسرة نحو فارهبون فاعبدون.
قال أبو العباس: الياء الناقصة في الخط ضربان ضرب محذوف في الخط ثابت في التلاوة وضرب محذوف فيهما.
فالأول : هو باعتبار ملكوتي باطن وينقسم قسمين:
ما هو ضمير المتكلم وما هو لام الكلمة.
فالأول : إذا كانت الياء ضمير المتكلم مثل: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ثبتت الياء الأولى لأنه فعل ملكوتي وكذلك: {فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} حذفت الياء لاعتبار ما آتاه الله من العلم والنبوة فهو المؤتى الملكوتي من قبل الآخرة وفي ضمنه الجسماني للدنيا لأنه فان والأول ثابت
وكذلك: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وعلم هذا المسئول غيب ملكوتي بدليل قوله: {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، فهو بخلاف قوله: {فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً}
لأن هذا سؤال عن حوادث الملك في مقام الشاهد كخرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار
وكذلك: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} فحذف الضمير في الخط.
دلالة على الدعاء الذي من جهة الملكوت بإخلاص الباطن.
وكذلك: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} هو الاتباع العلمي في دين الله بالجوارح المقصود بها وجه الله وطاعته.
وكذلك: {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} ثبتت الياء في المقام لاعتبار المعنى من جهة الملك وحذفت من الوعيد لاعتباره ملكوتيا فخاف المقام من جهة ما ظهر للأبصار وخاف الوعيد من جهة إيمانه بالأخبار.
وكذلك: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} هو التأخير بالمؤاخذة لا التأخير الجسمي فهو بخلاف قوله: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} لأن هذا تأخير جسمي في الدنيا الظاهرة.
وكذلك: {عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} ، سياق الكلام في أمور محسوسة والهداية فيه ملكوتية وقد هداه الله في قصة الغار وهو في العدد: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} حتى خرج بدينه عن قومه بأقرب من طريق أهل الكهف حين خرجوا بدينهم عن قومهم وعدوهم على ما قص الله علينا فيه وهذه الهداية بخلاف ما قال موسى: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} فإنها هداية السبيل المحسوسة إلى مدين في عالم الملك بدليل قوله: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ}.
وكذلك: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}.
وكذلك: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} هو في طريق الهداية لا في مسير موسى إلى ربه بدليل: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} ولم يأمره بالمسير الحسي إنما أمره أن يخلفه في قومه ويصلح وهذا بخلاف قول هارون: {فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} فإنه اتباع محسوس في ترك ما سواه بدليل قوله وأطيعوا أمري وهو لا أمر له إلا الحسي.
وكذلك: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} حيث وقع لأن النكير معتبر من جهة الملكوت لا من جهة أثره المحسوس فإن أثره قد انقضى وأخبر عنه بالفعل الماضي والنكير اسم ثابت في الأزمان كلها فيه التنبيه على أنه كما أخذ أولئك يأخذ غيرهم.
وكذلك: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} خاف موسى عليه السلام أن يكذبوه فيما جاءهم به وأن يكون سببه من قبله من جهة إفهامه لهم بالوحي فإنه كان عالي البيان لأنه كليم الرحمن فبلاغته لا تصل إليها أفهامهم فيصير إفصاحه العالي عند فهمهم النازل عقدة عليهم في اللسان يحتاج إلى ترجمان فإن يقع بعده تكذيب فيكون من قبل أنفسهم وبه تتم الحجة عليهم
وكذلك: {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} هو الإرادة الأخروي الملكوتي.
وكذلك: {أَنْ تَرْجُمُونِ} ليس هو الرجم بالحجارة إنما هو ما يرمونه من بهتانهم.
وكذلك: {فَحَقَّ وَعِيدِ}{لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} هو الأخروي الملكوتي.
وكذلك: {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} ، {رَبِّي أَهَانَنِ} هذا الإنسان يعتبر منزلته عند الله في الملكوت بما يبتليه في الدنيا وهذا من الإنسان خطأ لأن الله تعالى يبتلي الصالح والطالح لقيام حجته على خلقه.
والقسم الثاني : من الضرب الأول إذا كانت الياء لام الكلمة سواء كانت في الاسم أو الفعل نحو: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} حذفت تنبيها على المخلص لله الذي قلبه ونهايته في دعائه في الملكوت والآخرة لا في الدنيا.
وكذلك: {الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} هو داع ملكوتي من عالم الآخرة.
وكذلك: {يَوْمَ يَأْتِ} هو إتيان ملكوتي أخروي آخره متصل بما وراءه من الغيب.
وكذلك: {الْمُهْتَدِ}.
وكذلك: {وَالْبَادِ} حذف لأنه على غير حال الحاضر الشاهد وقد جعل الله لها سرا
وكذلك: {كَالْجَوَابِ} من حيث التشبيه فإنه ملكوتي إذ هو صفة تشبيه لا ظهور لها في الإدراك الملكي
وكذلك: {يَوْمَ التَّلاقِ} و{التَّنَادِ} كلاهما ملكوتي أخروي.
وكذلك: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} وهو السرى الملكوتي الذي يستدل عليه بآخره من جهة الانقضاء أو بمسير النجوم.
وكذلك: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ} تعتبر من حيث هي آية يدل ملكها على ملكوتها فآخرها بالاعتبار يتصل بالملكوت بدليل قوله: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ}.
وكذلك: حذف ياء الفعل من يحيى إذا انفردت وثبتت مع الضمير مثل: { مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ}، {قُلْ يُحْيِيهَا} لأن حياة الباطن أظهر في العلم من حياة الظاهر وأقوى في الإدراك
الضرب الثاني: الذي تسقط فيه الياء في الخط والتلاوة فهو اعتبار غيبة عن باب الإدراك جملة واتصاله بالإسلام لله في مقام الإحسان وهو قسمان منه ضمير المتكلم ومنه لام الفعل.
فالأول: إذا كانت الياء ضمير المتكلم فإنها إن كانت للعبد فهو الغائب وإن كانت للرب فالغيبة للمذكور معها فإن العبد هو الغائب عن الإدراك في ذلك كله فهو في هذا المقام مسلم مؤمن بالغيب مكتف بالأدلة فيقتصر في الخط لذلك على نون الوقاية والكسرة ومنه من جهة الخطاب به الحوالة على الاستدلال بالآيات دون تعرض لصفة الذات ولما كان الغرض من القرآن جهة الاستدلال واعتبار الآيات وضرب المثال دون التعرض لصفة الذات كما قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وقال: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} كان الحذف في خواتم الآي كثيرا مثل. {فَاتَّقُونِ} {فَارْهَبُونِ} {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} وهو كثيرا جدا.
وكذلك ضمير العبد مثل: {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ} غائب عن علم إرادته الرحمن إنما علمه بها تسليما وإيمانا برهانيا.
وكذلك قوله: في العقود. {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} الناس كلي لا يدل على ناس بأعيانهم ولا موصوفين بصفة فهم كلي ولا يعلم الكلي من حيث هو كلي بل من حيث أثر البعض في الإدراك ولا يعلم الكلي إلا من حيث هو أثر الجزئي في الإدراك فالخشية هنا كلية لشيء غير معلوم الحقيقة فوجب أن يكون الله أحق بذلك فإنه حق وإن لم نحط به علما كما أمر الله سبحانه بذلك ولا يخشى غيره وهذا الحذف بخلاف ما جاء في البقرة: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ضمير الجمع يعود على: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} من الناس فهم بعض لا كل ظهروا في الملك بالظلم فالخشية هنا جزئية فأمر سبحانه أن يخشى من جهة ما ظهر كما يجب ذلك من جهة ماستر.
وكذلك حذفت الياء من: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} و: {قُلْ يَا عِبَادِ} فإنه خطاب لرسوله عليه السلام على الخصوص فقد توجه الخطاب إليه في فهمنا وغاب العباد كلهم عن علم ذلك فهم غائبون عن شهود هذا الخطاب لا يعلمونه إلا بوساطة الرسول وهذا بخلاف قوله: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} فإنها ثبتت لأنه خطاب لهم في الاخرة غير محجوبين عنه جعلنا الله منهم إنه منعم كريم وثبت حرف النداء فإنه أفهمهم نداءه الأخروي في موطن الدنيا في يوم ظهورهم بعد موتهم وفي محل أعمالهم إلى حضورهم يوم ظهورهم الأخروي بعد موتهم وفي محل جزائهم
وكذلك: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى} ثبت الضمير وحرف النداء في الخط فإنه دعاهم من مقام إسلامهم وحضرة امتثالهم إلى مقام إحسانهم ومثله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} في العنكبوت فإنه دعاهم من حضرتهم في مقام إيمانهم إلى حضرتهم ومقام إحسانهم إلى ما لا نعلمه من الزيادة بعد الحسنى.
وكذلك سقطتا في موطن الدعاء مثل: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} حذفت الياء لعدم الإحاطة به عند التوجه إلى الله تعالى لغيبتنا نحن عن الإدراك وحذف حرف النداء لأنه أقرب إلينا من أنفسنا وأما قوله: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} فأثبت حرف النداء لأنه دعا ربه من مرتبة حضوره معهم في مقام الملك لقوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ} وأسقط حرف ضميره لمغيبه عن ذاته في توجهه في مقام الملكوت ورتبة إحسانه في إسلامه.
وكذلك في مثل: {يَا قَوْمِ} دلالة على أنه خارج عنهم في خطابه كما هو ظاهر في الإدراك وإن كان متصلا بهم في النسبة الرابطة بينهم في الوجود العلوية من الدلائل.
والقسم الثاني: إذا كانت الياء لام الكلمة في الفعل أو الاسم فإنها تسقط من حيث يكون معنى الكلمة يعتبر من مبدئه الظاهر شيئا بعد شيء إلى ملكوتية الباطن إلى ما لا يدرك منه إلا إيمانا وتسليما فيكون حذف الياء منبها على ذلك وإن لم يكمل اعتباره في الظاهر من ذلك الخطاب بحسب عرض الخطاب مثل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} هو {مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ } وقد ابتدأ ذلك لهم في الدنيا متصلا بالآخرة.
وكذلك: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا} حذفت لأنه يهديهم بما نصب لهم في الدنيا من الدلائل والعبر إلى الصراط المستقيم برفع درجاتهم في هدايتهم إلى حيث لا غاية قال الله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.
وكذلك: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ} في الروم هذه الهداية هي الكلية على التفصيل بالتوالي التي ترقى العبد في هدايته من الأرباب إلى ما يدركه العيان ليس ذلك للرسول عليه السلام بالنسبة إلى العيان ويدل على ذلك قوله قبلها: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} الآية فهذا النظر من عالم الملك ذاهبا في النظر إلى عالم الملكوت إلى ما لا يدرك إلا إيمانا وتسليما وهذا بخلاف الحرف الذي في النمل: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} فثبتت الياء لأن هذه الهداية كلية كاملة بدليل قوله: {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}.
وكذلك: {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} و {الْوَادِ الأَيْمَنِ} هما مبدأ التقديس الذي وصفا به فانتقل التقديس واليمن منهما إلى الجمال ذاهبا بهما إلى ما لا يحيط بعلمه إلا الله.
وكذلك: {وَادِ النَّمْلِ} هو موضع لابتداء سماع الخطاب من أخفض الخلق وهي النملة إلى أعلاهم وهو الهدهد والطير ومن ظاهر الناس وباطن الجن إلى قول العفريت إلى قول الذي عنده علم من الكتاب إلى ما وراء ذلك من هداية الكتاب إلى مقام الإسلام لله رب العالمين
وكذلك: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ} سقطت الياء تنبيها على أنها لله من حق إنشائها بعد أن لم تكن إلى ما وراء ذلك مما لا نهاية له من صفاتها.
وكذلك: {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} حذفت الياء تنبيها على أنها تجري من محل اتصافها بالخناس إلى محل اتصافها بالكناس وذلك يفهم لأنه اتصف بالخناس عن حركة تقدمت بالوصف الظاهر ويفهم منه وصف بالجوار في الباطن وهذا الظاهر مبدأ لفهمه كالنجوم الجارية داخل تحت معنى الكلمة.

فصل: في حذف النون.
ويلحق بهذا القسم حذف النون الذي هو لام فعل فيحذف تنبيها على صغر مبدأ الشيء وحقارته وأن منه ينشأ ويزيد إلى ما لا يحيط بعلمه غير الله مثل {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً} حذفت النون تنبيها على مهانة مبتدأ الإنسان وصغر قدره بحسب ما يدرك هو من نفسه ثم يترقى في أطوار التكوين {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} ، فهو حين كان نطفة كان ناقص الكون كذلك كل مرتبة ينتهي إليها كونه هي ناقصة الكون بالنسبة لما بعدها فالوجود الدنيوي كله ناقص الكون عن كون الآخرة كما قال الله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}.
كذلك: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} حذفت النون تنبيها على أنها وإن كانت صغيرة المقدار حقيرة في الاعتبار فإن إليه ترتيبها وتضاعيفها ومثله: {إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ}.
وكذلك: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ} جاءتهم الرسل من أقرب شيء في البيان الذي أقل من مبدأ فيه وهو الحس إلى العقل إلى الذكر ورقوهم من أخفض رتبة وهي الجهل إلى أرفع درجة في العلم وهي اليقين وهذا بخلاف قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} فإن كون تلاوة الآيات قد أكمل كونه وتم.
وكذلك: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} هذا قد تم كونه.
وكذلك: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} هذا قد تم كونهم غير منفكين إلى تلك الغاية المجعولة لهم وهي مجيء البينة.
وكذلك: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} انتفي عن إيمانهم مبدأ الانتفاع وأقله فانتفى أصله.

فصل: فيما كتبت الألف فيه واوا على لفظ التفخيم.
وذلك في أربعة أصول مطردة وأربعة أحرف متفرعة.
فالأربعة الأصول هي {الصلوة} و{الزكوة} و{ الحيوة} و{الربوا}.
والأربعة الأحرف قوله في الأنعام والكهف {بِالْغَدَوةِ}، والنور {كَمِشْكَواةٍ} وفي المؤمن {النَّجَوةِ} وفي النجم {وَمَنَاةَ} فأما قوله: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ}{إِنَّ صَلاتِي}{حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} فالرسم بالألف في الكل.
والقصد بذلك تعظيم شأن هذه الأحرف فإن الصلاة والزكاة عمودا الإسلام والحياة قاعدة النفس ومفتاح البقاء وترك الربا قاعدة الأمان ومفتاح التقوى ولهذا قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} ويشتمل على أنواع الحرام وأنواع الخبائث وضروب المفاسد وهو نقيض الزكاة ولهذا قوبل بينهما في قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}.
واجتنابه أصل في التصرفات المالية وإنما كتبت بالألف في سورة الروم لأنه ليس العام الكلي لأن الكلي منفي في حكم الله عليه بالتحريم وفي نفي الكلي نفي جميع جزئياته.
فإن قلت: فلم كتب الزكاوة هنا بالواو وهلا جرت على نظم ما قبلها من قوله: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً}.
قلت: لأن المراد بها الكلية في حكم الله ولذلك قال: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
وأما كتاب {النجوة} بالواو فلأنها قاعدة الطاعات ومفتاح السعادات قال الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ}.
وأما {الغدوة} فقاعدة الأزمان ومبدأ تصرف الإنسان مشتقة من الغدو.
وأما "المشكوة" فقاعدة الهداية ومفتاح الولاية قال الله تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}
وأما {منوة} فقاعدة الضلال ومفتاح الشرك والإضلال وقد وصفها الله بوصفين أحدهما يدل على تكثيرهم الإله من مثنى ومثلث والثاني يدل على الاختلاف والتغاير فمن معطل ومشبه تعالى الإله عما يقولون.

فصل: في مد التاء وقبضها.
وذلك أن هذه الأسماء لما لازمت الفعل صار لها اعتباران أحدهما من حيث هي أسماء وصفات وهذا تقبض منه التاء والثاني من حيث أن يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود فهذا تمد فيه كما تمد في قالت وحقت وجهة الفعل والأمر ملكية ظاهرة وجهة الاسم والصفة ملكوتية باطنة.
فمن ذلك الرحمة مدت في سبعة مواضع للعلة المذكورة:
بدليل قوله في أحدها : {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فوضعها على التذكير فهو الفعل.
وكذلك: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} والأثر هو الفعل ضرورة.
والثالث: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ}.
والرابع في هود: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ}.
والخامس: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ}.
والسادس: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}.
والسابع: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
ومنه النعمة بالهاء إلا في أحد عشر موضعا مدت بها في البقرة: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} في آل عمران، والمائدة وفي إبراهيم موضعان والنحل ثلاثة مواضع وفي لقمان وفاطر والطور
والحكمة فيها ما ذكرنا أن الحاصلة بالفعل في الوجود تمد نحو قوله في إبراهيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} بدليل قوله: {إِنَّ الأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} فهذه نعمة متصلة بالظلوم الكفار في تنزيلهما وهذا بخلاف التي في سورة النحل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} كتبت مقبوضة لأنها بمعنى الاسم بدليل قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فهذه نعمة وصلت من الرب فهي ملكوتية ختمها باسمه عز وجل وختم الأولى باسم الإنسان.
ومن ذلك الكلمة مقبوضة إلا في موضع في الأعراف: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} هو ما تم لهم في الوجود الأخروي بالفعل الظاهر دليله في الملك وهو الاختلاف وتمامها أن لها نهاية تظهر في الوجود بالفعل فمدت التاء.
ومنها السنة مقبوضة إلا في خمسة مواضع حيث تكون بمعنى الإهلاك والانتقام الذي في الوجود.
أحدها في الأنفال: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ} ويدل عليها أنها من الانتقام قوله قبلها: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله بعدها {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
وفي فاطر: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} ويدلك على أنها بمعنى الانتقام قوله تعالى قبلها: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} وسياق ما بعدها
وفي المؤمن: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ}.
أما إذا كانت السنة بمعنى الشريعة والطريقة فهي ملكوتية بمعنى الاسم تقبض تاؤها كما في الأحزاب {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي حكم الله وشرعه.
وفي الإسراء: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا}.
ومنه: {بَقِيَّتُ اللَّهِ} فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى ما يبقى في أموالهم من الربح المحسوس لأن الخطاب إنما هو فيها من جهة الملك ومنه {فِطْرَتَ اللَّهِ} فرد وصفها بأنها فطر الناس عليها فهي فصل خطاب في الوجود كما جاء "كل مولود يولد على الفطرة" الحديث
ومنه: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فرد مدت تاؤه لأنه بمعنى الفعل إذ هو خبر عن موسى وهو موجود حاضر في الملك وهذا بخلاف: {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} فإنه هنا بمعنى الاسم وهو ملكوتي إذ هو غير حاضر.
ومنه: {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} مدت في موضعين في سورة المجادلة لأن معناها الفعل والتقدير ولا تتناجوا بأن تعصوا الرسول ونفس هذا النجو الواقع منهم في الوجود هو فعل معصية لوقوع النهي عنه.
ومنه اللعنة مدت في موضعين في آية المباهلة وفي آية اللعان وكونهما بمعنى الفعل ظاهر
ومنه الشجرة في موضع: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} لأنها بمعنى الفعل اللازم وهو تزقمها بالأكل بدليل قوله تعالى: {فِي الْبُطُونِ} فهذه صفة فعل كما في الواقعة: {لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} وهذا بخلاف قوله: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} فإن هذه وصفها بأنها: {فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} وأنها {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} فهو حلية للاسم فلذلك قبضت تاؤها ومنه الجنة مدت في موضع واحد في الواقعة: {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} لكونها بمعنى فعل التنعم بالنعيم بدليل اقترانها بالروح والريحان وتأخرها عنهما وهما من الجنة فهذه جنة خاصة بالمنعم بها وأما: {مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} و: {أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} فإن هذا بمعنى الاسم الكلي
ولم تمد: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} لأنها اسم ما يفعل بالمكذب في الآخرة أخبرنا الله بذلك فالمؤمن يعلمه تصديقا ولا يحذف لفعل أبدا والضابط لذلك أن ما كان بمعنى الاسم لم تمد تاؤه مثل: {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} و{صِبْغَةَ اللَّهِ} و{زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} و{تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} و{رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} و{حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}.
ومنه: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} مدت التاء تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة ولم يضف في القرآن ولد إلى والد ووصف به اسم الولد إلا عيسى وأمه عليهما السلام لما اعتقد النصارى فيهما أنهما إلهان فنبه سبحانه بإضافتهما الولادية على جهة حدوثهما بعد عدمهما حتى أخبر تعالى في موطن بصفة الإضافة دون الموصوف وقال: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} لما غلوا في إلاهيته أكثر من أمه كما نبه تعالى على حاجتهما وتغير أحوالهما في الوجود بلحقهما ما يلحق البشر قال الله تعالى: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}.
ومنه امرأة هي في سبعة مواضع وهي خمس من النساء امرأت عمران وامرأت فرعون وامرأت نوح وامرأت لوط وامرأت العزيز كلها ممدودة تنبيها على فعل التبعل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف في الموجود والمحسوس وأربع منهن منفصلات في بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن وواحدة خاصة واصلت بعلها باطنا وظاهرا وهي امرأت عمران فجعل الله لها ذرية طيبة وأكرمها بذلك وفضلها على العالمين وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله وتوكلا عليه وخوفا منه فنجاها وأكرمها وهي امرأت فرعون واثنتان منهن انفصلتا عن أزواجهما كفرا بالله فأهلكهما الله ودمرهما ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله كما لم تضر امرأت فرعون وصلتها الظاهرة بأخبث عبيد الله وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها فلم تبلغ من ذلك مرادها مع تمكنها من الدنيا واستيلائها على ما مالت إليه بحبها وهو في بيتها وقبضتها فلم يغن ذلك عنها شيئا وقوتها وعزتها إنما كانا لها من بعلها العزيز ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها كما لم يضر يوسف ما امتحن به منها ونجاه الله من السجن ومكن له في الأرض وذلك بطاعته لربه ولا سعادة إلا بطاعة الله ولا شقاوة إلا بمعصيته فهذه كلها عبر وقعت بالفعل في الوجود في شأن كل امرأة منهن فلذلك مدت تاءاتهن.

فصل: في الفصل والوصل.
اعلم أن الموصول في الوجود توصل كلماته في الخط كما توصل حروف الكلمة الواحدة والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط كما تفصل كلمة عن كلمة.
فمنه إنما بالكسر كله موصول إلا واحدا: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ} لأن حرف ما هنا وقع على مفصل فمنه خير موعود به لأهل الخير ومنه شر موعود به لأهل الشر فمعنى ما مفصول في الوجود والعلم.
ومنه أنما بالفتح كله موصول إلا حرفان: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} وقع الفصل عن حرف التوكيد إذ ليس لدعوى غير الله وصل في الوجود إنما وصلها في العدم والنفي بدليل قوله تعالى عن المؤمن: {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الْآخِرَةِ} فوصل أنما في النفي وفصل في الإثبات لا لانفصاله عن دعوة الحق.
ومنه كلما موصول كله إلا ثلاثة:
في النساء: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} فما ردوا إليه ليس شيئا واحدا في الوجود بل أنواع مختلفة في الوجود وصفة مردهم ليست واحدة بل متنوعة فانفصل ما لأنه لعموم شيء مفصل في الوجود.
وفي سورة إبراهيم: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} فحرف ما واقع على أنواع مفصلة في الوجود.
وفي قد أفلح: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} والأمم مختلفة في الوجود فحرف ما وقع على تفاصيل موجودة لتفصل.
وهذا بخلاف قوله: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ} فإن هؤلاء هم بنو إسرائيل أمة واحدة بدليل قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} والمخاطبون على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقتلوا الأنبياء إنما باشره آباؤهم لكن مذهبهم في ذلك واحد فحرف ما إنما يشمل تفاصيل الزمان وهو تفصيل لا مفصل له في الوجود إلا بالفرض والتوهم لا بالحس فوصلت كل لاتصال الأزمنة في الوجود وتلازم أفرادها المتوهمة.
وكذلك: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} هذا موصول لأن حرف ما جاء لتعميم الأزمنة فلا تفصيل فيها في الوجود وما رزقوا هو غير مختلف لقوله تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً}.
ومنه أينما موصول إذا كانت ما غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها مثل: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا} {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا}{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} فهذه كلها لم تخرج عن الأين الملكي وهو متصل حسا ولم يختلف فيه الفعل الذي مع ما وتفصل أين حيث تكون ما مختلفة الأقسام في الوصف الذي بعدها مثل: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} {أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}.
ومنه بئسما موصول إلا ثلاثة أحرف اثنان في البقرة: {بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}، {بِئْسَ مَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ}.
وفي الأعراف: {بِئْسَ مَا خَلَفْتُمُونِي}.
فحرف ما ليس فيه تفصيل لأنه بمعنى واحد في الوجود من جهة كونه باطلا مذموما على خلاف حال ما في المائدة: {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فحرف ما يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل وكذلك: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} حرف ما مفصول لأنه يعمل ما بعده من الأقسام.
ومنه: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } حرفان فصل الضمير منهما لأنه مبتدأ وأضيف اليوم إلى الجملة المنفصلة عنه.
و{يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} و {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} وصل الضمير لأنه مفرد فهو جزء الكلمة المركبة من اليوم المضاف والضمير المضاف إليه.
ومنه في ما مفصول أحد عشر حرفا:
في البقرة: {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} وذلك لأن ما يقع على فرد واحد من أنواع ينفصل بها المعروف في الوجود وعلى البدلية أو الجمع يدل على ذلك تنكيره المعروف ودخول حرف التبعيض عليه فهو حسي يقسم وحرف ما وقع على كل واحد منهما على البدلية أو الجمع وأما قوله فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، فهذا موصول لأن ما واقعة على شيء واحد غير مفصل يدلك عليه وصفه بالمعروف.
وكذلك {فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} وهو مفصول لأن شهوات الأنفس مختلفة أو مفصلة في الوجود كذلك فتدبره في سائرها.
ومنه: {لِكَيْلا} موصول في ثلاثة مواضع وباقيها منفصل وإنما يوصل حيث يكون حرف النفي دخل على معنى كلى فيوصل لأن نفي الكلي نفي لجميع جزئياته فعلة نفيه هي علة نفي أجزائه وليس للكلي المنفي أفراد في الوجود وإنما ذلك فيه بالتوهم ويفصل حيث يكون حرف النفي دخل على جزئي فإن نفي الجزئي لا يلزم منه نفي الكلي فلا تكون علته علة نفي الجمع:
في الحج وفي الأحزاب: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} وفي الحديد: { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}.
فهذه هي الموصولة وهي بخلاف: {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} في النحل لأن الظرف في هذا خاص الاعتبار وهو في الأول عام الاعتبار لدخول من عليه وهذا كقوله تعالى عن أهل الجنة: {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} اختص المظروف بقبل في الدنيا ففيها كانوا مشفقين خاصة وقال تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فهذا الظرف عام لدعائهم بذلك في الدنيا والآخرة فلم يختص المظروف بقبل بالدنيا.
وكذلك: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} فهذا المنفي هو حرج مقيد بظرفين.
وكذلك: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} فهذا النفي هو كون: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} دولة بين الأغنياء من المؤمنين وهذه قيود كثيرة.
ومن ذلك هم ونحوه من الضمائر تدل على جملة المسمى من غير تفصيل والإضمار حال لا صفة وجود فلا يلزمها التقسيم الوجودي إلا الوهمي الشعري والخطأ بما يرسم على العلم الحق.
ومن ذلك مال أربعة أحرف مفصولة وذلك أن اللام وصلة إضافية فقطعت حيث تقطع الإضافة في الوجود:
فأولها: في سورة النساء: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ} هذه الإشارة للفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل لهم.
{كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} فقطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما كما أخبر سبحانه والله قد وصل ذلك وأمر به في قوله: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل فقطع لام وصلهم في الخط علامة لذلك وفيه تنبيه على أن الله يقطع وصلهم بالمؤمنين وذلك في يوم الفصل: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}.
والثاني : في سورة الكهف: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً} وهؤلاء قطعوا بزعمهم وصل جعل الموعد لهم بوصل إحصاء الكتاب وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف.
والثالث: في سورة الفرقان {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} فقطعوا وصل الرسالة لأكل الطعام فأنكروا فقطعوا قولهم هذا ليزول عن اعتقادهم أنه رسول فقطع اللام علامة لذلك.
والرابع: في المعارج {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفات كما يدل عليه: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} قطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقطع الله طمعهم في دخول الجنة ولذلك قطعت اللام علامة عليه
ومن ذلك: {ابْنَ أُمَّ} في الأعراف مفصول على الأصل وفي طه {ابنؤم} موصول لسر لطيف وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر إليه فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجود ولما تمادى ناداه بحرف النداء ينبهه لبعده عنه في الحال لا في المكان مؤكدا لوصلة الرحم بينهما بالربط فلذلك وصل في الخط ويدل عليه نصب الميم ليجمعهما الاسم بالتعميم
ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها وهي الألف والواو والدال والذال والراء والزاي لأنها علامات لانفصالات ونهايات وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.

فصل: في بعض حروف الإدغام.
فمنه: {عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} ، فرد ظهر فيه النون وقطع عن الوصل لأن معنى ما عموم كلى تحته أنواع مفصلة في الوجود غير متساوية في حكم النهي عنها ومعنى عن المجاوزة للكلى مجاوزة لكل واحد من جزئياته ففصل علامة لذلك.
وكذلك: {مِنْ مَا} ثلاثة أحرف مفصولة لا غير:
في النساء: {مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، وفي الروم: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وفي المنافقين: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
وحرف ما في هذه كلها مقسم في الوجود بأقسام منفصلة غير متساوية في الأحكام وهي
بخلاف قوله: {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } فإنها وإن كان تحتها أقسام كثيرة فهي غير مختلفة في وصفها بكتب أيديهم فهو نوع واحد يقال على معنى واحد من تلك الجهة هو في إفراده بالسوية.
وكذلك أم من بالفصل أربعة أحرف لا غير:
في النساء: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} وفي التوبة: {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} وفي الصافات: {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} وفي السجدة: {أَمَّ منْ يَأْتِي}.
فهذه الأربعة الأحرف من فيها تقسم في الوجود بأنواع مختلفة في الأحكام بخلاف غيرها مثل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي} فهذا موصول لأنه من نوع واحد حيث يمشى على صراط مستقيم وكذا: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً} لا تفاصيل تحتها في الوجود.
وكذلك: {عَنْ مَنْ} مفصول:
حرفان في النور: {عَنْ مَنْ يَشَاءُ} وفي النجم: {عَنْ مَنْ تَوَلَّى } حرف من فيهما كلي وحرف عن للمجاوزة عن الكلي مجاوزة لجميع0 جزئياته دون العكس فلا وصلة بين الجزأين في الوجود فلا يوصلان في الخط.
وكذلك ممن موصول كله لأن من بفتح الميم جزئي بالنسبة إلى ما فمعناه أزيد من جهة المفهوم ومعنى ما أزيد من جهة العموم والزائد من جهة المفهوم منفصل وجودا بالحصص والحصة منه لا تنفصل والزائد من جهة المفهوم لا ينفصل وجودا.
وكذلك: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} في سورة الرعد فردة مفصولة ظهر فيها حرف الشرط في الخط لوجهين:
أحدهما: أن الجواب المرتب عليه بالفاء ظاهر في موطن الدنيا وهو البلاغ بخلاف قوله:
{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} إنه أخفي فيه حرف الشرط في الخط لأن الجواب المرتب عليه بالفاء خفي عنا وهو الرجوع إلى الله.
والثاني: أن القصة الأولى منفصلة من الشرط وجوابه وانقسم الجواب إلى جزأين:
أحدهما : الترتيب بالفاء وهو البلاغ والثاني المعطوف عليه وهو الحساب وأحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة والأول ظاهر لنا
والثاني: خفي عنا.
وهذا الانقسام صحيح في الوجود فقد انقسمت هذه الشرطية إلى شرطين لانفصال
جوابها: إلى قسمين متغايرين ففصل حرف الشرط علامة لذلك وإذا انفصلت لزم كتبه على الوقف والشرطية الأخرى لا تنفصل بل هي واحدة لإيجاد جوابها فانفصال حرف الشرط علامة لذلك.
وكذلك: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فرد في القصص ثابت النون وفي هود: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} فرد بغير نون أظهر حرف الشرط في الأول لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو: {فَاعْلَمْ} متعلق بشيء ملكوتي ظاهر سفلي وهو اتباعهم أهواءهم وأخفي في الثاني لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء ملكوتي خفي علوي وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد
ومن ذلك أن لن كله مفصول إلا حرفان {أَلَّنْ َنجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} في الكهف: {أَلَّنْ َنجْمَعَ عِظَامَهُ} في القيامة سقطت النون منهما في الخط تنبيها على أن ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم ما ليس بمعلوم نسبوه إلى الحي القيوم فأدغم حرف توكيدهم الكاذب في حرف النفي السالب هو بخلاف قوله: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} فهؤلاء لم ينسبوا ذلك لفاعل إذ ركب الفعل لما لم يسم فاعله وأقيموا فيه مقام الفاعل فعدم بعثهم تصوروه من أنفسهم وحكموا به عليها توهما فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة ولكونه حقا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد ظاهرا وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب.
ومن ذلك كل ما في القرآن أن لا فهو موصول إلا عشرة مواضع فهي مفصولة تكتب النون فيها باتفاق وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها:
أولها في الأعراف: {أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} و {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ}
و{أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} في التوبة.
{أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} و {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ} في هود.
و{أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} في الحج.
و{ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} في يس.
و{وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ} في الدخان.
و{أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} في الممتحنة.
و{ أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا} في القلم.
وواحد فيه خلاف: {أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ} في الأنبياء.
فتأمل كيف صح في الوجود هذا التوكيد الأخير فلم يدخلها عليهم مسكين على غير ما قصدوا وتخيلوا فيه.
وكذلك لام التعريف المدغمة في اللفظ في مثلها أو غيرها لما كانت للتعريف وشأن المعرف أن يكون أبين وأظهر لا أخفى وأستر ظهرت في الخط ووصلت بالكلمة لأنها صارت جزءا منها حيث هي معرفة بها هذا هو الأصل وقد حذف حيث يخفي معنى الكلمة مثل اليل فإنه بمعنى مظلم لا يوضح الأشياء بل يسترها ويخفيها وكونه واحدا إما للجزئي أو للجنس فأخفي حرف تعريفه في مثله فإن تعين للجزئي بالتأنيث رجع إلى الأصل ومثل الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما فإنه مبهم في المعنى والكم لأن أول حده للجزئي وللجنس للثلاث أو غيرها ففيه ظلمة الجهل كالليل ومثل الئي في الإيجاب فإن لام التعريف دخلت على لا النافية وفيها ظلمة العدم كالليل ففي هذه الظلمات الثلاث يخفي حرف التعريف.
وكذلك الأيكة نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل لتحريك اللام وحذفت ألف عضد الهمزة ووصل اللام فاجتمعت الكلمتان فصارت ليكه علامة على اختصار وتلخيص وجمع في المعنى وذلك في حرفين أحدهما في الشعراء جمع فيه قصتهم مختصرة وموجزة في غاية البيان وجعلها جملة فهي آخر قصة في السورة بدليل قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} فأفردها والثاني في ص جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جهة واحدة هم آخر أمة فيها ووصف الجملة قال تعالى: {أُولَئِكَ الأَحْزَابُ} وليس الأحزاب وصفا لكل منهم بل هو وصف جميعهم.
وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظير هذين الحرفين أحدهما في الحجر: {وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} أفردهم بالذكر والوصف والثاني في ق: {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} جمعوا فيه مع غيرهم ثم حكم على كل منهم لا على الجملة قال تعالى: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} فحيث يعتبر فيهم التفضيل فصل لام التعريف وحيث يعتبر فيهم التوصيل وصل للتخفيف
وكذلك: {لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} حذفت الألف ووصلت لأن العمل في الجدار قد حصل في الوجود فلزم عليه الأجر واتصل به حكما بخلاف: {لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} ليس فيه وصلة اللزوم
فصل: في حروف متقاربة تختلف في اللفظ لاختلاف المعنى.
مثل: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصطَةً}{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصطُ}، فبالسين السعة الجزئية كذلك علة التقييد وبالصاد السعة الكلية بدليل علو معنى الإطلاق وعلو الصاد مع الجهارة والإطباق وكذلك: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ}{فِي أَيِّ صُورَةٍ}{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ}{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} فبالسين ما يحصر الشيء خارجا عنه وبالصاد ما تضمنه منه وكذلك: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} {وَكَانُوا يُصِرُّونَ} فبالسين من السر وبالصاد من التمادي وكذلك: {يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ} و{مِنَّا يُصْحَبُونَ} فبالسين من الجر وبالصاد من الصحبة وكذلك: { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ} {وَكَمْ قَصَمْنَا} بالسين تفريق الأرزاق والإنعام وبالصاد تفريق الإهلاك والإعدام وكذلك {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بالضاد منعمة بما تشتهيه الأنفس وبالظاء منعمة بما تلذ الأعين وهذا الباب كثير يكفي فيه اليسير.

فصل: في كتابة فواتح السور كتبوا الم والمر والر موصولا.
إن قيل لم وصلوه والهجاء مقطع لا ينبغي وصله لأنه لو قيل لك ما هجاء زيد؟
قلت: زاي ياء دال وتكتبه مقطعا لتفرق بين هجاء الحروف وقراءته
قيل: إنما وصلوه لأنه ليس هجاء لاسم معروف وإنما هي حروف اجتمعت يراد بكل حرف معنى.
فإن قيل: لم قطعوا حم عسق ولم يقطعوا المص وكهيعص؟
قيل: حم قد جرت في أوائل سبع سور فصارت اسما للسور فقطعت مما قبلها.
وجوزوا في: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {ص وَالْقُرْآنِ} وجهين: من جزمهما فهما حرفان ومن كسر آخرهما فعلى أنه أمر كتب على لفظهما.

البرهان في علوم القرآن ( 1 / 376 ـ 431 )


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخامس, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir