دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > البرهان في علوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:38 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات من الأدوات

...

النوع السابع والأربعون: في الكلام على المفردات من الأدوات
والبحث عن معاني الحروف مما يحتاج إليه المفسر لاختلاف مدلولها
ولهذا توزع الكلام على حسب مواقعها وترجح استعمالها في بعض المحال على بعض بحسب مقتضى الحال
كما في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ، فاستعملت "على" في جانب الحق و"في" في جانب الباطل لأن صاحب الحق كأنه مستعل يرقب نظره كيف شاء ظاهرة له الأشياء وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام ولا يدري أين توجه
وكما في قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} فعطف هذه الجمل الثلاث بالفاء ثم لما انقطع نظام الترتيب عطف بالواو فقال تعالى: {وَلْيَتَلَطَّفْ} ،إذ لم يكن التلطف مترتبا على الإتيان بالطعام كما كان الإتيان منه مرتبا على التوجه في طلبه والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث بتسليم العلم له سبحانه
وكما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية فعدل عن اللام
إلى "في" في الأربعة الأخيرة إيذانا بأنهم أكثر استحقاقا للتصدق عليهم ممن سبق ذكره باللام لأن "في" للوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه وفي تكرير حرف الظرف داخلا على سبيل الله دليل على ترجيحه على الرقاب والغارمين
قال الفارسي: وإنما قال: {وَفِي الرِّقَابِ} يقل والرقاب ليدل على أن العبد لا يملك
وفيه نظر بل ما ذكرناه من الحكمة فيه أقرب
وكما في قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي}، فإنه يقال: أحسن بي وإلي وهي مختلفة المعاني وأليقها بيوسف عليه السلام "بي" لأنه إحسان درج فيه دون أن يقصد الغاية التي صار إليها
وكما في قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، ولم يقل "على" كما ظن بعضهم لأن "على" للاستعلاء والمصلوب لا يجعل على رؤوس النخل وإنما يصلب في وسطها فكانت في أحسن من على
وقال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} ،ولم يقل في الأرض لأن عند الفناء ليس هناك حال القرار والتمكين
وقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} وقال: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً}، وما قال: على الأرض وذلك لما وصف العباد بين أنهم لم يوطنوا أنفسهم في الدنيا وإنما هم عليها مستوقرون ولما أرشده ونهاه عن فعل التبختر قال لا تمش فيها مرحا بل امش عليها هونا وقال تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}
وقال: ابن عباس الحمد الله الذي قال: { عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ،ولم يقل في صلاتهم
وقال: صاحب الكشاف في قوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} فلو سقطت من جاز كون الحجاب في الوسط وإن تباعدت وإذا أتيت بـ" من" أفادت أن الحجاب ابتداء من أول ما ينطلق عليه "من" وانتهى إلى غايته فكأن الحجاب قد ملأ ما بينك وبينه
وقال: كرر الجار في قوله: {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ليكون أدل على شدة الختم في الموضعين حين استجد له تعدية أخرى
وهذا كثير لا يمكن إحصاؤه والمعين عليه معاني المفردات فلنذكر مهمات مطالبها على وجه الاختصار

الهمزة
أصلها الاستفهام وهو طلب الإفهام وتأتي لطلب التصور والتصديق بخلاف هل فإنها للتصور خاصة والهمزة أغلب دورانا ولذلك كانت أم الباب
واختصت بدخولها على الواو نحو: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا}
وعلى الفاء نحو: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى}
وعلى ثم نحو: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ}
و"هل" أظهر في الاختصاص بالفعل من الهمزة وأما قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}و: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ،فذلك لتأكيد الطلب للأوصاف الثلاثة، حيث إن الجملة الاسمية أدل على حصول المطلوب وثبوته وهو أدل على طلبه من فهل تشكرون وهل تسلمون لإفادة التجدد
واعلم أنه يعدل بالهمزة عن أصلها فيتجوز بها عن النفي والإيجاب والتقرير وغير ذلك المعاني السالفة في بحث الاستفهام مشروحة فانظره فيه

مسألة في دخول الهمزة على رأيت
وإذا دخلت على رأيت امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب وصارت بمعنى أخبرني كقولك أرأيك زيدا ما صنع في المعنى تعدى بحرف وفي اللفظ تعدى بنفسه
ومنه قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى}
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}

مسألة في دخول الهمزة على "لم"
وإذا دخلت على لم أفادت معنيين:
أحدهما: التنبيه والتذكير نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}
والثاني: التعجب من الأمر العظيم كقولك: ألم تر إلى فلان يقول كذا ويعمل كذا على طريق التعجب منه وكيف كان فهي تحذير أم حرف عطف نائب عن تكرير الاسم والفعل نحو أزيد عندك أم عمرو؟
وقيل: إنما تشرك بين المتعاطفين كما تشرك بينها "أو"
وقيل: فيها معنى العطف وهي استفهام كالألف إلا أنها لا تكون في أول الكلام لأجل معنى العطف
وقيل هي "أو" أبدلت الميم من الواو ليحول إلى معنى يريد إلى معنى "أو"
وهي قسمان: متصلة ومنفصلة:
فالمتصلة: هي الواقعة في العطف والوارد بعدها وقبلها كلام واحد والمراد بها الاستفهام عن التعيين فلهذا يقدر بأي وشرطها أن تتقدمها همزة الاستفهام ويكون ما بعدها مفردا أو في تقديره
والمنفصلة: ما فقد فيها الشرطان أو أحدهما وتقدر بـ"بل" والهمزة
ثم اختلف النحاة في كيفية تقدير المنفصلة في ثلاث مذاهب حكاها الصفار:
أحدها: أنها تقدر بهما وهي بمعناهما فتفيد الإضراب عما قبلها على سبيل التحول والانتقال كـ" بل" والاستفهام عما بعدها ومن ثم لا يجوز أن تستفهم مبتدئا كلامك بـ" أم" ولا تكون إلا بعد كلام لإفادتها الإضراب كما تقدم
قال أبو الفتح: والفارق بينها وبين" بل" أن ما بعد "بل" منفي وما بعد أم مشكوك فيه
والثاني: أنها بمنزلة بل خاصة والاستفهام محذوف بعدها وليست مفيدة الاستفهام وهو قول الفراء في معاني القرآن
والثالث: أنها بمعنى الهمزة والإضراب مفهوم من أخذك في كلام آخر وترك الأول
قال الصفار: فأما الأول،فباطل لأن الحرف لا يعطي في حيز واحد أكثر من معنى واحد فيبقى الترجيح بين المذهبين وينبغي أن يرجح الأخير لأنه ثبت من كلامهم إنها لإبل أم شاء
ويلزم على القول الثاني حذف همزة الاستفهام في الكلام وهو من مواضع الضرورة قال والصحيح أنها لا تخلو عن الاستفهام وكذلك قال سيبويه انتهى
واعلم أن المتصلة يصير معها الاسمان بمنزلة "أي" ويكون ما ذكر خبرا عن "أي" فإذا قلت أزيد عندك؟أم عمرو؟فالمعنى أيهما عندك؟والظرف خبر لهما
ثم المتصلة تكون في عطف المفرد على مثله نحو أزيد عندك أم عمرو كقوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ،أي أي المعبودين خير وفي عطف الجملة على الجملة المتأولتين بالمفرد نحو: {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} ،أي الحال هذه أم هذه؟
والمنقطعة إنما تكون على عطف الجمل وهي في الخبر والاستفهام بمثابة بل والهمزة ومعناها في القرآن التوبيخ كما كان في الهمزة كقوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} أي بل أتخذ؟لأن الذي قبلها خبر والمراد بها التوبيخ لمن قال ذلك وجرى على كلام العباد
وقوله: {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} ثم قال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} تقديره بل أيقولون؟كذا جعلها سيبويه منقطعة لأنها بعد الخبر.
ثم وجه اعتراضا: كيف يستفهم الله عن قولهم هذا وأجيب بأنه جاء في كلام العرب يريد أن في كلامهم يكون المستفهم محققا للشيء لكن يورده بالنظر إلى المخاطب كقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقد علم الله أنه لا يتذكر ولا يخشى لكنه أراد لعله يفعل ذلك في رجائكما
وقوله: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ؟ بهمزة منقطعة للإنكار وقد تكون بمعنى بل من غير استفهام كقوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وما بعدها في سورة النمل
قال ابن طاهر: ولا يمتنع عندي إذا كانت بمعنى بل أن تكون عاطفة كقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} وقوله: {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} وقال البغوي في قوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين
وقال الفراء وقوم من أهل المعاني: الوقف على قوله أم وحينئذ تم الكلام وفي الآية إضمار والأصل: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} أم تبصرون ثم ابتدأ فقال: {أَنَا خَيْرٌ}
قلت: فعلى الأول تكون منقطعة وعلى الثاني متصلة
وفيها قول ثالث،قال أبو زيد: إنها زائدة وإن التقدير أفلا تبصرون أنا خير منه! والمشهور أنها منقطعة لأنه لا يسألهم عن استواء علمه في الأول والثاني لأنه إنما أدركه الشك في تبصرهم بعد ما مضى كلامه على التقرير وهو مثبت وجواب السؤال بلى فلما أدركه الشك في تبصرهم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ}
وسأل ابن طاهر شيخه أبا القاسم بن الرماك: لم لم يجعل سيبويه أم متصلة! أي أفلا تبصرون أم تبصرون؟أي أي هذين كان منكم؟فلم يحر جوابا،وغضب وبقى جمعة لا يقرر حتى استعطفه
والجواب من وجهين: أحدهما أنه ظن أنهم لا يبصرون فاستفهم عن ذلك ثم ظن أنهم يبصرون لأنه معنى وقوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ} ،فأضرب عن الأول واستفهم كذلك أزيد عندك أم لا؟
والثاني: أنه لو كان الإبصار وعدمه متعادلين لم يكن للبدء بالنفي معنى فلا يصح إلا أن تكون منقطعة
وقد تحتمل المتصلة والمنقطعة كما قال في قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ} قال الواحدي إن شئت جعلت قبله استفهاما رد عليه وهو قوله: {أَلَمْ تَعْلَمْ} وإن شئت منقطعة عما قبلها مستأنفا بها الاستفهام فيكون استفهاما متوسطا في اللفظ مبتدأ في المعنى كقوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} الآية ثم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} انتهى
والتحقيق ما قاله أبو البقاء إنها هاهنا منقطعة إذ ليس في الكلام همزة تقع موقعها وموقع أم أيهما والهمزة في قوله {أَلَمْ تَعْلَمْ} ليست من أم في شيء والتقدير بل أتريدون أن تسألوا فخرج بـ "أم" من كلام إلى آخر وقد تكون بمعنى أو كما في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ}
وقوله: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى}
ومعنى ألف الاستفهام عند أبي عبيد كقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلوا رَسُولَكُمْ} أي تريدون؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} وقوله: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ،أي أيحسدون؟
وقوله: {مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ} أَي زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ؟
وقوله: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} أي أله!
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} أي أتسألهم أجرا؟
وقوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} قيل: أي أظننت هذا؟ومن عجائب ربك ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف!
وقيل: بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال أحسبت؟وحسبت بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه: أعلمت أن زيدا خرج بمعنى الأمر أي اعلم أن زيد خرج فعلى هذا التدريج يكون معنى الآية اعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم
وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} تقديره بل أتخذ بهمزة مقطوعة على الإنكار ولو جعلناه همزة وصل لصار إثباتا تعالى الله عن ذلك ولو كانت أم المنقطعة بمعنى بل وحدها دون الهمزة وما بعد بل متحقق فيصير ذلك في الآية متحققا تعالى الله عن ذلك
مسألة في ضرورة تقدم الاستفهام على "أم"
أم لا بد أن يتقدمها استفهام أو ما في معناه والذي في معناه التسوية فإن الذي يستفهم استوى عنده الطرفان ولهذا يسأل وكذا المسئول استوى عنه الأمران
فإذا ثبت هذا فإن المعادلة تقع بين مفردين وبين جملتين والجملتان يكونان اسميتين وفعليتين ولا يجوز أن يعادل بين اسمية وفعلية إلا أن تكون الاسمية بمعنى الفعلية أو الفعلية بمعنى الاسمية كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} أي أم صمتم
وقوله: {أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ} لأنهم إذا قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء فكأنه قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء؟
قال الصفار: إذا كانت الجملتان موجبتين قدمت أيهما شئت وإن كانت إحداهما منفية أخرتها فقلت أقام زيد أم لم يقم ولا يجوز ألم يقم أم لا ولا سواء على ألم ثم أم قمت لأنهم يقولون سواء على أقمت أم لا يريدون أم لم تقم فيحذفون لدلالة الأول فلا يجوز هذا سواء علي أم قمت لأنه حذف من غير دليل فحملت سائر المواضع المنفية على هذا قال: فإنه لا بد أن يتقدمها الاستفهام أو التسوية بخلاف أو فإنه يتقدمها كل كلام إلا التسوية فلا تقول سواء علي قمت أو قعدت لأن الواحد لا يكون سواء

مسألة
قال الصفار: ينبغي أن يعلم السؤال أو غير السؤال بـ "أم"
فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو فجواب هذا زيد أو عمرو وجواب أو نعم أولا ولو قلت في جواب الأول نعم أو لا كان محالا لأنك مدع أن أحدهما عنده
فإن قلت: وهل يجوز أن تقول زيد أو عمرو في جواب أقام زيد أو عمرو؟
قلت: يكون تطوعا بما لا يلزم ولا قياس يمنعه
وقال الزمخشري وابن الحاجب: وضع أم للعلم بأحد الأمرين بخلاف أو فأنت مع أم عالم بأن أحدهما عنده مستفهم عن التعيين ومع أو مستفهم عن واحد منهما على حسب ما كان في الخبر فإذا قلت أزيد عندك أو عمرو فمعناه هل واحد منهما عندك ومن ثم كان جوابه نعم أو لا مستقيما ولم يكن ذلك مستقيما في أم لأن السؤال عن التعيين إذن نوعان:
الأول: أن تدل على إنشاء السببية والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها نحو أزورك فتقول إذن أكرمك وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجملة الفعلية فتنصب المضارع المستقبل إذا صدرت ولم تفصل ولم يكن الفعل حالا
والثاني: أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم أو منبهة على سبب حصل في الحال وهي في الحال غير عاملة لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عليه نحو إن تأتني إذن آتك والله إذن لأفعلن ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط
وتدخل هذه على الاسمية نحو أزورك فتقول إن أنا أكرمك
ويجوز توسطها وتأخرها
ومن هذا قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فهي مؤكدة للجواب وتربطه بما تقدم
وذكر بعض المتأخرين لها معنى ثالثا وهي أن تكون مركبة من إذ التي هي ظرف زمن ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكن حذفت الجملة تخفيفا وأبدل التنوين منها كما في قولهم حينئذ
وليست هذه الناصبة المضارع لأن تلك تختص به وكذلك ما عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص وهذه لا تختص به بل تدخل على الماضي نحو: {وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً} {إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الأِنْفَاقِ} و: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ} وعلى الاسم،نحو إن كنت ظالما فإذن حكمك في ماض وقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ورام بعض النحويين جعلها فيه بمعنى بعد
واعلم أن هذا المعنى لم يذكره النحاة لكنه قياس قولهم إنه قد تحذف الجملة المضاف إليها إذ ويعوض عنها التنوين كيومئذ ولم يذكروا حذف الجملة من إذا وتعويض التنوين عنها
وقال الشيخ أبو حيان: في التذكرة ذكر لي علم الدين البلقيني أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن إذن عوض من الجملة المحذوفة وليس هذا بقول نحوي انتهى
وقال القاضي ابن الجويني: وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال أنا آتيك إذن أكرمك بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذف أتيتني وعوض التنوين عن الجملة فسقطت الألف لالتقاء الساكنين
وقال: ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل هذا المثال منصوب بـ "إذن" لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا للفعل ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعده إذا أريد به إذ الزمانية معوضا عن جملته التنوين كما أن منهم من يجزم ما بعدها نحو من يزرني أكرمه يريد بذلك الشرطية ولا يمنع مع ذلك الرفع بها إذا أريد الموصولة نحو من يزورني أكرمه
قيل: ولو لا قول النحاة إنه لا يعمل إلا ما يختص وإن إذن عاملة في المضارع لقيل إن إذن في الموضعين واحدة وإن معناها تقييد ما بعدها بزمن أو حال لأن معنى قولهم: أنا أزورك فيقول السامع إذن أكرمك وهو بمعنى قوله أنا أكرمك زمن أو حال أو عند زيارتك لي
ثم عند سيبويه معناها الجواب فلا يجوز أن تقول إذن يقوم زيد ابتداء من غير أن تجيب به أحد
وأما قوله تعالى: {فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} فيحمل على أنه لجواب مقدر،وأنه أجاب بذلك قوله:
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي بأنعمنا فأجاب: لم أفعل ذلك كفرا للنعمة كما زعمت بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي بدليل قراءة بعضهم { وأنا من الجاهلين }

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 175 ـ 189 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:40 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إذا
نوعان ظرف ومفاجأة
فالتي للمفاجأة نحو: خرجت فإذا السبع
وتجيء اسما وحرفا فإذا كانت اسما كانت ظرف مكان وإذا كانت حرفا كانت من حروف المعاني الدالة على المفاجأة كما أن الهمزة تدل على الاستفهام فإذا قلت خرجت فإذا زيد فلك أن تقدر إذا ظرف مكان ولك أن تقدرها حرفا فإن قدرتها حرفا كان الخبر محذوفا والتقدير موجود وإن قدرتها ظرفا كان الخبر وقد تقدم كما تقول عندي زيد فتخبر بظرف المكان عن الجثة والمعنى حيث خرجت فهناك زيد
ولا يجوز أن يكون في هذه الحالة ظرف زمان لامتناع وقوع الزمان خبرا عن الجثة وإذا امتنع أن تكون للزمان تعين أن تكون مكانا وقد اجتمعا في قوله تعالى: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} فإذا الأولى ظرفية والثانية مفاجأة
وتجيء ظرف زمان وحق زمانها أن يكون مستقبلا نحو {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
وقد تستعمل للماضي من الزمان كـ "إذ" كما في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ} ،لأن قالوا ماض فيستحيل أن يكون زمانه مستقبلا
ومثله قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ} {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً} {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ،لأن الانفضاض واقع في الماضي
وتجئ للحال كقوله تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}،: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} والتقدير والنجم هاويا والليل غاشيا والنهار متجليا فـ "إذا" ظرف زمان والعامل فيه استقرار محذوف في موضع نصب على الحال والعامل فيها اقسم المحذوف
وقد استشكل الزمخشري تقدير العامل في ذلك وأوضحه الشيخ أثير الدين فقال: إذا ظرف مستقبل ولا جائز أن يكون العامل فيه فعل القسم المحذوف لأن اقسم إنشائي فهو في الحال وإذا لما يستقبل فيأبى أن يعمل الحال في المستقبل لاختلاف زمان العامل والمعمول ولا جائز أن يكون ثم مضاف أقيم المقسم به مقامه أي وطلوع النجوم ومجيء الليل لأنه معمول لذلك الفعل فالطلوع حال ولا يعمل في المستقبل ضرورة أن زمان العامل زمان المعمول ولا جائز أن يعمل فيه نفس المقسم به لأنه ليس من قبيل ما يعمل ولا جائز أن يقدر محذوف قبل الظرف ويكون قد عمل فيه فيكون ذلك العامل في موضع الحال وتقديره والنجم كائنا إذا هوى والليل كائنا إذا يغشى لأنه يلزم كائنا ألا يكون منصوبا بعامل إذ لا يصح ألا يكون معمولا لشيء مما فرضناه أن يكون عاملا
وأيضا فيكون المقسم به جثة وظروف الزمان لا تكون أحوالا عن الجثث كما لا تكون أخبارا لهن أما الوجه الأول فهو الذي ذكره أبو البقاء قال في قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} العامل في الظرف فعل القسم المحذوف تقديره اقسم بالنجم وقت هويه
وما ذكره الشيخ عليه من الإشكال فقد يجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن الزمانين لما اشتركا في الوقوع المحقق نزلا منزلة الزمان الواحد ولهذا يصح عطف أحدهما على الآخر كقوله تعالى: {إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ} ثم قال: {وَيَجْعَلَ}
وهو قريب من جواب الفارسي لما سأله أبو الفتح عن قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} مستشكلا إبدال إذ من اليوم فقال اليوم حال وظلمتم في الماضي فقال إن الدنيا والآخرة متصلتان وإنهما في حكم الله تعالى سواء فكأن اليوم ماض وكأن إذ مستقبله
والثاني: أنه على ظاهره ولا يلزم ما ذكر لأن الحال كما تأتي مقارنة تأتي مقدرة وهي أن تقدر المستقبل مقارنا فتكون أطلقت ما بالفعل على ما بالقوة مجازا وجعلت المستقبل حاضرا كقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
وأما الوجه الثاني فيمكن أن يقال يجوز تقديره وهو العامل ولا يلزم ما قال من اختلاف الزمانين لأنه يجوز الآن أن يقسم بطلوع النجم في المستقبل ويجوز أن يقسم بالشيء الذي سيوجد
وأما الوجه الأخير فهو الذي ذكره ابن الحاجب في شرح المفصل فقال إذا ثبت إنها لمجرد الظرفية فليست متعلقة بفعل القسم لأنه يصير المعنى اقسم في هذا الوقت فهي إذن في موضع الحال من الليل انتهى
وقد وقع في محذور آخر وهو أن الليل عبارة عن الزمان المعروف فإذا جعلت إذا معمولة لفعل هو حال من الليل لزم وقوع الزمان في الزمان وهو محال وقوله يلزم ألا يكون له عامل
قلنا: بل له عامل وهو فعل القسم ولا يضر كونه إنشاء لما ذكرنا أنها حال مقدرة
وأما الشبهة الأخيرة فقد سألها أبو الفتح فقال كيف جاز لظرف الزمان هنا أن يكون حالا من الجثة وقد علم امتناع كونه صلة له وصفه وخبرا !
وأجاب بأنها جرت مجرى الوقت الذي يؤخر ويقدم وهي أيضا بعيدة لا تنالها أيدينا ولا يحيط علمنا بها في حال نصبها إحاطتنا بما يقرب منها فجرت لذلك مجرى المعدوم
فإن قيل: كيف جاز لظرف الزمان أن يكون حالا من النجم؟
وأجاب: بأن مثل هذا يجوز في الحال من حيث كان فضله انتهى
وقد يقال: ولئن سلمنا الامتناع في الحال أيضا فيكون على حذف مضاف أي وحضور الليل وتجعله حالا من الحضور لا من الجثة
والتحقيق وبه يرتفع الإشكال في هذه المسألة أن يدعي أن إذا كما تجرد عن الشرطية كذلك تجرد عن الظرفية فهي في هذه الآية الشريفة لمجرد الوقت من دون تعلق بالشيء تعلق الظرفية الصناعية وهي مجرورة المحل هاهنا لكونها بدلا عن الليل كما جرت بـ "حتى" في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} والتقدير اقسم بالليل وقت غشيانه أي أقسم بوقت غشيان الليل وهذا واضح
فإن قلت: هل صار أحد إلى تجردها عن الظرفية والشرطية معا؟
قلت: نعم نص عليه في التسهيل فقال وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى أو مبتدأ
وعلم مما ذكرنا زيادة رابع وهو البدلية.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 190 ـ 193 ) ]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:41 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


فائدة
وتستعمل أيضا للاستمرار كقوله : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا}
وقوله: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ}
فهذا فيما مضى لكن دخلت "إذا" لتدل على أن هذا شأنهم أبدا ومستمر فيما سيأتي كما في قوله:
وندمان يزيد الكأس طيبا
سقيت إذا تغورت النجوم

ثم فيه مسائل:
الأولى : المفاجأة عبارة عن موافقة الشيء في حال أنت فيها قال تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}، وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
قالوا ولا تقع بعد "إذا" المفاجأة إلا الجملة الاسمية وبعد "إذا" إلا الفعل الماضي ومذهب المبرد وتبعه أكثر المتأخرين أن المفاجأة نقلها إلى المكان عن الزمان ومعنى الآية موافقة الثعبان لإلقاء موسى العصا في المكان وكذلك قولهم خرجت فإذا السبع أي فإذا موافقة السبع وعلى هذا لا يكون مضافا إلى الجملة بعدها
الثانية: الظرفية ضربان ظرف محض وظرف مضمن معنى الشرط
فالأول: نحو قولك راحة المؤمن إذا دخل الجنة
ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
ومنه إذا كنت علي راضية وإذا كنت علي غضبى لأنه لو كان فيها معنى الشرط لكان جوابها معنى ما تقدم ويصير التقدير الأول إذا يغشى أقسم فيفسد المعنى أو يصير القسم متعلقا على شرط لا مطلقا فيؤدي إلى أن يكون القسم غير حاصل الآن وإنما يحصل إذا وجد شرطه وليس المعنى عليه بل على حصول القسم الآن من غير تقييد وكذا حكم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}
ومما يتمحض للظرفية العارية من الشرط قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}، لأنه لو كان فيها معنى الشرط لوجبت الفاء في جوابها
والضرب الثاني: يقتضي شرطا وجوابا ولهذا تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد إذ كقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} وكذا كثر وقوع الفعل بعد ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو إذا جئتني أكرمتك
ومنه إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت
وتختص المضمنة معنى الشرط بالفعل،ومذهب سيبويه أنها لا تضاف إلا إلى جملة فعلية ولهذا إذا وقع بعدها اسم قدر بينه وبينها فعل محافظة على أصلها فإن كان الاسم مرفوعا كان فاعل ذلك الفعل المقدر كقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وإن كان منصوبا كان مفعولا والفاعل فيه أيضا ذلك المقدر كقوله
*إذا ابن أبي موسى بلالا بلغته*
والتقدير إذا بلغت
ومنهم من منع اختصاصها بالفعل لجواز إذا زيد ضربته
وعلى هذا فالمرفوع بعدها مبتدأ وهو قول الكوفيين واختاره ابن مالك وعلى القولين فمحل الجملة بعدها الجر بالإضافة والفاعل فيها جوابها وقيل ليست مضافة والعامل فيها الفعل الذي يليها لا جوابها
تنبيه: مما يفرق فيه بين المفاجأة والمجازاة أن إذا التي للمفاجأة لا يبتدأ بها كقوله: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} والتي بمعنى المجازاة يبتدأ بها نص عليه سيبويه فقال في الأولى إذا جواب بمنزلة الفاء وإنما صارت جوابا بمنزلة الفاء لأنه لا يبدأ بها كما لا يبدأ بالفاء
قال: ابن النحاس ولكن قد عورض سيبويه بأن الفاء قد تدخل عليها فكيف تكون عوضا منها والجواب أنها إنما تدخل توكيدا وأما قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} فيحتمل أنها متمحضة الظرفية لعدم الفاء في جوابها مع ما ويحتمل أن يكون ما جواب قسم مقدر لا جواب الشرط فلذلك لم يجئ بالفاء
الثالثة: جوز ابن مالك أن تجيء لا ظرفا ولا شرطا وهي الداخلة عليها حتى الجارة كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} أو الواقعة مفعولا كقوله عليه السلام إني لأعلم إذا كنت علي راضية وكما جاز تجردها عن الشرط جاز تجردها عن الظرف وتحصل أنها تارة ظرف لما يستقبل وفيها معنى الشرط نحو {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وتارة ظرف مستقبل غير شرط نحو: {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} وتارة ظرف غير مستقبل نحو: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} وتارة لا ظرف ولا شرط وتارة لا تكون اسم زمان وهي المفاجأة
الرابعة: أصل إذا الظرفية لما يستقبل من الزمان كما أن إذ لما مضى منه ثم يتوسع فيها فتستعمل في الفعل المستمر في الأحوال كلها الحاضرة والماضية والمستقبلة فهي في ذلك شقيقة الفعل المستقبل الذي هو يفعل حيث يفعل به نحو ذلك قالوا إذا استعطي فلان أعطى وإذا استنصر نصر كما قالوا فلان يعطي الراغب وينصر المستغيث من غير قصد إلى تخصيص وقت دون وقت قال الزمخشري في كشافة القديم
الخامسة : تجاب الشرطية بثلاثة أشياء:
أحدها: الفعل نحو إذا جئتني أكرمتك
وثانيها : الفاء نحو إذا جئتني فأنا أكرمك
وثالثها: "إذا" المكانية قال تعالى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ،وقوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}
وما قبلها إما جوابها نحو إذا جئتني أكرمتك أو ما دل عليه جوابها كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} والمعنى فإذا نفخ في الصور تقاطعوا ودل عليه قوله: {فَلا أَنْسَابَ}
وكذا قوله: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} وإنما احتيج لهذا التقدير لأن ما بعد ما النافية في مثل هذا الموضع لا يعمل فيه ما قبلها وأيضا فإن بشرى مصدر والمصدر لا يتقدم عليه ما كان في صلته
ومن ذلك قوله: {إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} فالعامل في إذا الأولى ما دل عليه
{إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} والتقدير خرجتم ولا يجوز أن يعمل فيه تخرجون لامتناع أن يعمل ما بعد إذا المكانية فيما قبلها وحكمها في ذلك حكم الفاء
ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} فالعامل في إذا ما دل عليه قوله: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} والتقدير فإذا نقر في الناقور صعب الأمر
وقوله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} فالعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} من معنى بعثتم أو مبعوثون
فإن قيل: أيجوز نصب إذا بقوله جديد لأن المعنى عليه؟
قيل: لا يجوز لامتناع أن يعمل ما بعد إن فيما قبلها وهذا يسمى مجاوبة الإعراب والمعنى للشيء الواحد وكان أبو علي الفارسي يلم به كثيرا وذلك أنه يوجد في المنظوم والمنثور والمعنى يدعو إلى أمر والإعراب يمنع منه وقد سبق بيانه في نوع ما يتعلق بالإعراب
السادسة: إذا توافق إن في بعض الأحكام وتخالفها في بعض:
فأما الموافقة فهي أن كل واحد منهما يطلب شرطا وجزاء نحو إذا قمت قمت وإذا زرتني أكرمتك
وكل واحدة منهما تطلب الفعل فإن وقع الاسم بعد واحدة منهما قدر له فعل يرفعه يفسره الظاهر مثاله في إن قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} وقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ومثاله في إذا قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما بعدها في السورة من النظائر وكذا قوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} وما بعدها من النظائر و{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} وأما الأحكام التي تخالفها ففي مواضع:
الأول: إلا تدخل إلا على مشكوك نحو إن جئتني أكرمتك ولا يجوز إن طلعت الشمس آتيك لأن طلوع الشمس متيقن ثم إن كان المتيقن الوقوع مبهم الوقت جاز كقوله تعالى {أَفَإِنْ مِتَّ} ونظائره
وأما إذا فظاهر كلام النجاة يشعر بأنها لا تدخل إلا على المتيقن وما في معناه نحو إذا طلعت الشمس فأتني وقوله:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
تروي عظامي بعد موتي عروقها
وقوله
*إذا طلعت شمس النهار فسلمي*
وذلك لكونها للزمن المعين بالإضافة على مذهب الأكثر ولم يجزموا بها في الاختيار لعدم إبهامها كالشروط ولذلك وردت شروط القرآن بها كقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} ونظائرها السابقة لكونها متحققة الوقوع
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} فقد أشكل دخولها على غير الواقع
وأجيب بأن التبديل محتمل وجهين:
أحدهما: إعادتهم في الآخرة لأنهم أنكروا البعث
والثاني: إهلاكهم في الدنيا وتبديل أمثالهم فيكون كقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} فإن كان المراد في الدنيا وجب أن يجعل هذا بمعنى إن الشرطية لأن هذا شيء لم يكن فهي مكان إن لأن الشرط يمكن أن يكون وألا يكون ألا ترى إلى ظهورها في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ} وإنما أجاز لـ "إذا" أن تقع موقع إن لما بينهما من التداخل والتشابه
وقال: ابن الجويني الذي أظنه أنه يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك لأنها ظرف وشرط فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك كـ "إن" وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف
وإنما اشترط فيما تدخل عليه إن أن يكون مشكوكا فيه لأنها تفيد الحث على الفعل المشروط لاستحقاق الجزاء ويمتنع فيه لامتناع الجزاء وإنما يحث على فعل ما يجوز ألا يقع أما ما لابد من وقوعه فلا يحث عليه وإنما امتنع دخول إذا على المشكوك إذا لحظت فيها الظرفية لأن المعنى حينئذ التزام الجزاء في زمان وجود الشرط والتزام الشيء في زمان لا يعلم وجود شرط فيه ليس بالتزام ولما كان الفعل بعد إن مجزوما به يستعمل فيه ما ينبئ عن تحققه فيغلب لفظ الماضي كقوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} فجيء بـ "إذا" في جانب الحسنة وبـ "إن" في جانب السيئة لأن المراد بالحسنة جنس الحسنة ولهذا عرفت وحصول الحسنة المطلقة مقطوع به فاقتضت البلاغة التعبير بـ "إذا" وجيء بـ "إن" في جانب السيئة لأنها نادرة بالنسبة إلى الحسنة المطلقة كالمرض بالنسبة إلى الصحة والخوف بالنسبة إلى الأمن ومنه قوله تعالى في سورة الروم: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} وقوله: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ} بلفظ إذا مع الضر فقال السكاكي نظر في ذلك إلى لفظ المس وتنكير الضر المفيد للتعليل ليستقيم التوبيخ وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر وللتنبيه على أن مس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به
وأما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} بعد قوله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي أعرض عن الشكر وذهب بنفسه وتكبر والذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير للمعرض المتكبر لا المطلق الإنسان ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض المتكبر يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا
الثاني: من الأحكام المخالفة أن المشروط بـ "إن" إذا كان عدما لم يمتنع الجزاء في الحال حتى يتحقق اليأس من وجوده ولو كان العدم مشروطا بـ "إذا" وقع الجزاء في الحال مثل إن لم أطلقك فأنت طالق لم تطلق إلا في آخر العمر وإذا قال إذا لم أطلقك فأنت طالق تطلق في الحال لأن معناه أنت طالق في زمان عدم تطليقي لك فأي زمان تخلف عن التطليق يقع فيه الطلاق وقوله: إن لم أطلقك تعليق للطلاق على امتناع الطلاق ولا يتحقق ذلك إلا بموته غير مطلق
الثالث: أن إن تجزم الفعل المضارع إذا دخلت عليه وإذا لا تجزمه لأنها لا تتمحض شرطا بل فيها معنى التزام الجزاء في وقت الشرط من غير وجوب أن يكون معللا بالشرط
وقد جاء الجزم بها إذا أريد بها معنى إن وأعرض عما فيها من معنى الزمان كقوله
*وإذا تصبك خصاصة فتجمل*
الرابع: أن إذا هل تفيد التكرار والعموم
فيه قولان حكاهما ابن عصفور:
أحدهما: نعم فإذا قلت: إذا قام زيد قام عمرو أفادت أنه كلما قام زيد قام عمرو
والثاني: لا يلزم
قال: والصحيح أن المراد بها العموم كسائر أسماء الشرط وأما إن ففيها كلام عن ابن جني يأتي في باب إن
الخامس: أنك تقول: أقوم إذا قام زيد فيقتضي أن قيامك مرتبط بقيامه لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه بل يعاقبه على الاتصال بخلاف أقوم إن قام زيد فيقتضي أن قيامك بعد قيامه وقد يكون عقبه وقد يتأخر عنه
فالحاصل أن التقييد بالاستقبال دون اقتضاء مباعدة بخلاف إذا ذكره أبو جعفر ابن الزبير في كتابه ملاك التأويل
السادس: قيل: قد تأتي زائدة كقوله: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} تقديره انشقت السماء كما قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}،{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}
ورد هذا بأن الجواب مضمر ويحوز مجيئها بمعنى إذ وجعل منه ابن مالك قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً}
ورد بفوات المعنى لأن إذا تفيد أن هذا حالهم المستمر بخلاف إذ فإنها لا تعطي ذلك
وقولهم: إذا فعلت كذا فيكون على ثلاثة أضرب:
أحدها: يكون المأمور به قبل الفعل تقول إذا أتيت الباب فالبس أحسن الثياب ومنه قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}
الثاني: أن يكون مع الفعل كقولك إذا قرأت فترسل
الثالث: أن يكون بعده كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا}.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 194 ـ 203 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:43 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي

فائدة:
من الأسئلة الحسنة في قوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أنه يقال: لم أتى قبل أضاء بـ "كلما"؟
وقبل أظلم بـ "إذا" وما وجه المناسبة في ذلك؟
وفيه وجوه: الأول: أن تكرار الإضاءة يستلزم تكرار الإظلام فكان تنويع الكلام أعذب.
الثاني: أن مراتب الإضاءة مختلفة متنوعة فذكر كلما تنبيها على ظهور التعدد وقوته لوجوده بالصورة والنوعية والإظلام نوع واحد فلم يؤت بصيغة التكرار لضعف التعدد فيه بعد ظهوره بالنوعية وإن حصل بالصورة.
الثالث: قاله الزمخشري وفيه تكلف أنهم لما اشتد حرصهم على الضوء المستفاد من النور كانوا كلما حدث لهم نور تجدد لهم باعث الضوء فيه لا يمنعهم من ذلك تقدم فقده واختفاؤه منهم وأما التوقف بالظلام فهو نوع واحد.
وهذا قريب من الجواب الثاني لكنه بمادة أخرى ويفترقان بأن جواب الزمخشري يرجع التكرار فيه إلى جواب كلما لا إلى مشروطها الذي يليها ويباشرها فطلب تكراره وهو الأولى في مدلول التكرار والجواب المتقدم يرجع إلى تكرار مشروطها يتبعه الجواب من حيث هو ملزومه وتكرره فرع تكرر الأول.
الرابع: أن إضاءة البرق منسوبة إليه وإظلامه ليس منسوبا إليه لأن إضاءته هي لمعانه والظلام أمر يحدث عن اختفائه فتظلم الأماكن كظلام الأجرام الكثائف فأتى بأداة التكرار عند الفعل المتكرر من البرق وبالأداة التي لا تقتضي التكرار عند الفعل الذي ليس متكررا منه ولا صادرا عنه.
الخامس: ذكره ابن المنير أن المراد بإضاءة البرق الحياة وبالظلام الموت فالمنافق تمر حاله في حياته بصورة الإيمان لأنها دار مبنية على الظاهر فإذا صار إلى الموت رفعت له أعماله وتحقق مقامه فتستقيم كلما في الحياة وإذا في الممات وهكذا كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي)) فاستعمل مع الحياة لفظ التكرار والدوام واستعمل مع لفظ الوفاة لفظ الاختصار والتقييد.
وقيل: إن ذلك لأحد معنيين إما لأن الحياة مأثورة لازدياد العمل الصالح الذي الهمم العالية معقودة به فعرض بالاستكثار منه والدوام عليه ونبه على أن الموت لا يتمنى ولكن إذا نزل وقته رضي به وأما لأن الحياة يتكرر زمانها وأما الموت مرة واحدة.
وجواب آخر أن الكلام في الأنوار هو الأصل المستمر وأما خفقان البرق في أثناء ذلك فعوارض تتصل بالحدوث والتكرار فناسب الإتيان فيها بكلما وفي تلك بـ "إذا" والله أعلم

إذ:
ظرف لماضي الزمان يضاف للجملتين كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} وتقول أيدك الله إذ فعلت؟ وأما قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} فـ "ترى" مستقبل وإذ ظرف للماضي وإنما كان كذلك لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد وذلك عند الله قد كان لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ فهو كائن لا محالة.
وقيل: المعنى ولو ترى ندمهم وخزيهم في ذلك اليوم بعد وقوفهم على النار فـ "إذ" ظرف ماضي لكن بالإضافة إلى ندمهم الواقع بعد المعاينة فقد صار وقت التوقف ماضيا بالإضافة إلى ما بعده والذي بعده هو مفعول ترى.
وأجاز بعضهم مجيئها مفعولا به كقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ومنعه آخرون وجعلوا المفعول محذوفا وإذ ظرف عامله ذلك المحذوف والتقدير: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} إذاً واذكروا حالكم.
ونحوه قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى} قيل: قال: له ذلك لما رفعه إليه.
وتكون بمعنى حين كقوله: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي حين تفيضون فيه.
وحرف تعليل نحو {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ}.
وقيل: تأتي ظرفا لما يستقبل بمعنى إذا وخرج عليه بعض ما سبق.
وكذا قوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} وأنكره السهيلي لأن إذا لا يجيء بعدها المضارع مع النفي.
وقد تجيء بعد القسم كقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} لانعدام معنى الشرطية فيه.
وقيل تجيء زائدة نحو: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} وقيل هي فيه بمعنى قد.
وقد تجيء بمعنى أن حكاه السهيلي في الروض عن نص سيبويه في كتابه قال ويشهد له قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
وعليه يحمل قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} قال وغفل الفارسي عما في الكتاب من هذا وجعل الفعل المستقبل الذي بعد لن عاملا في الظرف الماضي فصار بمنزلة من يقول سآتيك اليوم أمس.
قال: وليت شعري ما تقول في قوله تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فإن جوز وقوع الفعل في الظرف الماضي على أصله فكيف يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لاسيما مع السين وهو قبيح أن تقول غدا سآتيك فكيف إن قلت غدا فسآتيك فكيف إن زدت على هذا وقلت أمس فسآتيك وإذا على أصله بمعنى أمس.

تنبيه: في وقوع إذ بعد واذكر.
حيث وقعت إذ بعد واذكر فالمراد به الأمر بالنظر إلى ما اشتمل عليه ذلك الزمان لغرابة ما وقع فيه فهو جدير بأن ينظر فيه وقد أشار إلى هذا الزمخشري في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}.
وقوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً ِذْ قَالَ لأَبِيهِ} ونظائره
أو تقع في الخبر والطلب فأما في الخبر فلها فيه معان:
الأول: الشك نحو قام زيد أو عمرو.
الثاني: الإبهام وهو إخفاء الأمر على السامع مع العلم به كقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً}.
وقوله: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} ،يريد إذا أخذت الأرض زخرفها وأخذ أهلها الأمن أتاها أمرنا وهم لا يعلمون أي فجأة فهذا إبهام لأن الشك محال على الله تعالى
وقوله: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}.
فإن قلت: يزيدون فعل ولا يصح عطفه على المجرور بـ "إلى" فإن حرف الجر لا يصح تقديره على الفعل ولذلك لا يجوز مررت بقائم ويقعد على تأويل قائم وقاعد
قلت: يزيدون خبر مبتدأ محذوف في محل رفع والتقدير أوهم يزيدون قاله ابن جني في المحتسب
وجاز عطف الاسمية على الفعلية بـ "أو" لاشتراكهما في مطلق الجملة
فإن قلت: فكيف تكون أو هنا لأحد الشيئين والزيادة لا تنفك عن المزيد عليه؟
قلت: الأمر كذلك ولهذا قدروا في المبتدأ ضمير المائة ألف والتقدير وأرسلناك إلى مائة ألف معها زيادة ويحتمل أن تكون على بابها للشك وهو بالنسبة إلى المخاطب أي لو رأيتموهم لعلمتم أنهم مائة ألف أو يزيدون.
الثالث: التنويع كقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي أن قلوبهم تارة تزداد قسوة وتارة ترد إلى قسوتها الأولى فجيء بـ "أو" لاختلاف أحوال قلوبهم.
الرابع: التفصيل كقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ،أي قالت اليهود: لا يدخل الجنة إلا من كان هودا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا الذين هم نصارى وكذلك قوله: {كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى}.
الخامس: للإضراب كـ "بل" كقوله: {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} و{مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} على حد قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.
السادس: بمعنى الواو كقوله: {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً}.
{لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}.
وأما في الطلب فلها معان:
الأول: الإباحة نحو تعلم فقها أو نحوا كقوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} الآية وكذلك قوله: {كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يعني إن شبهت قلوبهم بالحجارة فصواب أو بما هو أشد فصواب.
وقوله: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} {أَوْ كَصَيِّبٍ}.
والمعنى أن التمثيل مباح في المنافقين إن شبهتموهم بأي النوعين.
قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} إباحة لإيقاع أحد الأمرين.
الثاني: التخيير نحو خذ هذا الثوب أو ذاك ومنه قوله تعالى: { فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ} الآية فتقديره فافعل كأنه خير على تقدير الاستطاعة أن يختار أحد الأمرين لأن الجمع بينهما غير ممكن.
والفرق بينهما أن التخيير فيما أصله المنع ثم يرد الأمر بأحدهما لا على التعيين ويمتنع الجمع بينهما وأما الإباحة فأن يكون كل منهما مباحا ويطلب الإتيان بأحدهما ولا يمتنع من الجمع بينهما وإنما يذكر بـ "أو" لئلا يوهم بأن الجمع بينهما هو الواجب لو ذكرت الواو ولهذا مثل النحاة الإباحة بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} وقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} لأن المراد به الأمر بأحدهما رفقا بالمكلف فلو أتى بالجمع لم يمنع منه بل يكون أفضل.
وأما تمثيل الأصوليين بآيتي الكفارة والفدية للتخيير مع إمكان الجمع فقد أجاب عنه صاحب البسيط بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور لأن أحدهما ينصرف إليه الأمر والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ولا يمتنع في خصال الكفارة لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ولا يمنع من التبرع.
واعلم أنه إذا ورد النهي عن الإباحة جاز صرفه إلى مجموعهما وهو ما كان يجوز فعله أو إلى أحدهما وهو ما تقتضيه أو .
وأما قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فليس المراد منه النهي عن إطاعة أحدهما دون الآخر بل النهي عن طاعتهما مفردين أو مجتمعين وإنما ذكرت أو لئلا يتوهم أن النهي عن طاعة من اجتمع فيه الوصفان.
وقال ابن الحاجب: استشكل قوم وقوع أو في النهي في هذه الآية فإنه لو انتهى عن أحدهما لم يتمثل ولا يعد يمتثل إلا بالانتهاء عنهما جميعا.
فقيل: إنها بمعنى الواو والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعيين فيها من القرينة لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما فيجيء التعميم فيهما من جهة النهي الداخل وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر قال فهذا معنى دقيق يعلم منه أن أو في الآية على بابها وأن التعميم لم يجئ منها وإنما جاء من جهة المضموم إليها انتهى.
ومن هذا وإن كان خبرا قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} لأن الميراث لا يكون إلا بعد إنفاذ الوصية والدين وجد أحدهما أو وجدا معا.
وقال أبو البقاء في اللباب: إن اتصلت بالنهي وجب اجتناب الأمرين عند النحويين كقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ولو جمع بينهما لفعل المنهي عنه مرتين لأن كل واحد منهما أحدهما.
وقال: في موضع آخر مذهب سيبويه أن أو في النهي نقيضية أو في الإباحة.
فقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين إذن في مجالستهما ومجالسة من شاء منهما فضده في النهي لا تطع منهم آثما أو كفورا أي لا تطع هذا ولا هذا والمعنى لا تطع أحدهما ومن أطاع منهما كان أحدهما فمن ها هنا كان نهيا عن كل واحد منهما ولو جاء بالواو في الموضعين أو أحدهما لأوهم الجمع.
وقيل: أو بمعنى الواو لأنه لو انتهى عن أحدهما لم يعد ممتثلا بالانتهاء عنهما جميعا.
قال الخطيبي: والأولى أنها على بابها وإنما جاء التعميم فيها من النهي الذي فيه معنى النفي والنكرة في سياق النفي تعم لأن المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فالتعميم فيهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا فالمعنى لا تطع واحدا منهما فسمى التعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها فيما ذكرناه لأنه لا يحصل الانتهاء عن أحدهما حتى ينتهي عنهما بخلاف الإثبات فإنه قد ينتهي عن أحدهما دون الآخر.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 204 ـ 212 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:43 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


تنبيهان:
الأول: روى البيهقي في سننه في باب الفدية بغير النعم عن ابن جريج قال كل شيء في القرآن فيه أو للتخيير إلا قوله تعالى: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} ليس بمخير فيهما.
قال الشافعي: وبهذا أقول.
والثاني: من أجل أن مبناها على عدم التشريك أعاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد بخلاف الواو وأما قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فقد قيل: إن أو بمعنى الواو ولهذا قال: {بِهِمَا} ولو كانت لأحد الشيئين لقيل به وقيل على بابها ومعنى{ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً}إن يكن الخصمان غنيين أو فقيرين أو منهما أي الخصمين على أي حال كان لأن ذلك ذكر عقيب قوله: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} يشير للحاكم والشاهد وذلك يتعلق باثنين
وقيل: الأولوية المحكوم بها ثابتة للمفردين معا نحو جاءني زيد أو عمرو ورأيتهما فالضمير راجع إلى الغني والفقير المعلومين من وجوه الكلام فصار كأنه قيل فالله أولى بالغني والفقير
ويستعمل ذلك المذكور وغيره ولو قيل فالله أولى به لم يشمله ولأنه لما لم يخرج المخلوقون عن الغنى والفقر صار المعنى افعلوا ذلك لأن الله أولى ممن خلق ولو قيل أولى به لعاد إليه من حيث الشهادة فقط.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 213 ـ 214 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:44 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إن المكسورة الخفية:
ترد لمعان:
الأول: الشرطية وهو الكثير نحو: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ}
ثم الأصل في عدم جزم المتكلم بوقوع الشرط كقوله: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وعيسى جازم بعدم وقوع قوله.
وقد تدخل على المتيقن وجوده إذا أبهم زمانه كقوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}.
وقد تدخل على المستحيل نحو: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}.
ومن أحكامها أنها للاستقبال وأنها تخلص الفعل له وإن كان ماضيا كقولك إن أكرمتني أكرمتك ومعناه إن تكرمني وأما قولهم إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس وقوله: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} ، فقيل: معنى أكرمتني اليوم يكون سبب للإخبار بذلك.
وإن ثبت كان قميصه قد من قبل يكون سببا للإخبار بذلك.
قاله ابن الحاجب وهي عكس لو فإنها للماضي وإن دخلت على المضارع.

مسألة:
إن دخلت "إن" على لم يكن الجزم بـ"لم" لا بها كقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا}.
{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} وإن دخلت على لا كان الجزم بها لا بـ"لا" كقوله تعالى: {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي}.
والفرق بينهما أن لم عامل يلزم معموله ولا يفرق بينهما بشيء وإن يجوز أن يفرق بينهما وبين معمولها معمول معمولها نحو إن زيدا يضرب أضربه.
وتدخل أيضا على الماضي فلا تعمل في لفظه ولا تفارق العمل وأما لا فليست عاملة في الفعل فأضيف العمل إلى إن.
الثاني: بمنزلة لا وتدخل على الجملة الاسمية كقوله في الأنعام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}،بدليل ما في الجاثية: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}.
وقوله: {إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ}.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}.
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}.
{إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ}.
{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً}.
{إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}.
{إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا}.
وعلى الجملة الفعلية نحو: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى}.
{إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً}.
{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً}.
{وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً}.
{إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}.
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وزعم بعضهم أن شرط النافية مجيء إلا في خبرها كهذه الآيات أو لما التي بمعناها كقراءة بعضهم: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} بتشديد الميم أي ما كان نفس إلا عليها حافظ
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.
{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
ورد بقوله: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ}.
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ}.
{إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ}.
{بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وأما قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} فالتقدير وإن أحد من أهل الكتاب.
وأما قوله: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} فالأولى شرطية والثانية نافية جواب للقسم الذي أذنت به اللام الداخلة على الأولى وجواب الشرط محذوف وجوبا.
واختلف في قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فقال الزمخشري وابن الشجري إن نافية أي فيما ما مكناكم فيه إلا أن إن أحسن في اللفظ لما في مجامعة مثلها من التكرار المستبشع ومثله يتجنب قالا ويدل على النفي قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} وحكى الزمخشري أنها زائدة قال والأول أفخم
وقال ابن عطية ما بمعنى الذي وإن نافية وقعت مكان ما فيختلف اللفظ ولا تتصل ما بـ "ما" والمعنى لقد أعطيناهم من القوة والغنى ما لم نعطكم ونالهم بسبب كفرهم هذا العقاب فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم.
وقيل إن شرطية والجواب محذوف أي الذي إن مكناكم فيه طغيتم.
وقال وهذا مطرح في التأويل.
وعن قطرب أنها بمعنى قد حكاه ابن الشجري.
ويحتمل النكرة الموصوفة.
واعلم أن بعضهم أنكر مجيء النافية وقال في الآيات السابقة إن ما محذوفة والتقدير ما إن الكافرون إلا في غرور ما إن تدعون ما إن أدري ونظائرها كما قال الشاعر:

وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا

فحذفت ما اختصارا كما حذف لا في {تَاللَّهِ تَفْتَأُ}.
الثالث: مخففة من الثقيلة فتعمل في اسمها وخبرها ويلزم خبرها اللام كقوله تعالى: {وَإِنَّ كُلاً لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ}.
ويكثر إهمالها، نحو: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، في قراءة من خفف لما أي أنه كل نفس لعليها حافظ.
الرابع: للتعليل بمعنى إذ عند الكوفيين كقوله: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} قال بعضهم لم يخبرهم بعلوهم إلا بعد إن كانوا مؤمنين.
وقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
قال بعضهم: لو كانت للخبر لكان الخطاب لغير المؤمنين.
وكذا: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} ونحوه مما الفعل في محقق الوقوع والبصريون يمنعون ذلك وهو التحقيق كالمعنى مع "إذا".
وأجابوا عن دخولها في هذه المواطن لنكته وهي أنه من باب خطاب التهييج نحو إن كنت ولدي فأطعمني.
وأما قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فالاستثناء مع تحقق الدخول تأدبا بأدب الله في المشيئة والاستثناء من الداخلين لا من الرؤيا لأنه كان بين الرؤيا وتصديقها سنة ومات بينهما خلق كثير فكأنه قال كلكم إن شاء الله.
الخامس: بمعنى "لقد" في قوله: {إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} أي لقد كنا.
{إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً}.
و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}.
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

فائدة:
ادعى ابن جني في كتاب القد أن إن الشرطية تفيد معنى التكثير لما كان في هذا الشياع والعموم لأنه شائع في كل مره ويدل لذلك دخولها على أحد التي لا يستعمل إلا في النفي العام كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} لأنه ليس في واحد يقتصر عليه فلذلك أدخل عليه أحد الذي لا يستعمل في الإيجاب.
قال: يجوز أن تكون أحد هنا ليست التي للعموم بل بمنزلة أحد من أحد وعشرين ونحوه إلا أنه دخله معنى العموم لأجل إن كما في قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ} {إِنِ امْرُؤٌ}.

تنبيه:
قيل: قد وقع في القرآن الكريم إن بصيغة الشرط وهو غير مراد في مواضع:
{وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}.
وقوله: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}.
وقوله: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ}.
وقوله: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}.
وقد يقال أما الأولى فيمتنع النهي عن إرادة التحصن فإنهن إذا لم يردن التحصن يردن البغاء والإكراه على المراد ممتنع:
وقيل: إنها بمعنى إذا لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن التحصن أو هو شرط مقحم لأن ذكر الإكراه يدل عليه لأنهن لا يكرهنهن إلا عند إرادة التحصين وفائدة إيجابه المبالغة في النهي عن الإكراه فالمعنى إن أردن العفة فالمولى أحق بإرادة ذلك.
وأما الرابعة فهو يشعر بالإتمام ولا نسلم أن الأصل الإتمام وقد قالت عائشة رضي الله عنها فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر وأما البواقي فظاهر الشرط ممتنع فيه بدليل التعجب المذكور لكنه لا يمنع مخالفة الظاهر لعارض.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4/ 215 ـ 222 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:45 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أن المفتوحة الهمزة الساكنة النون:
ترد لمعان:
الأول: حرفا مصدريا ناصبا للفعل المضارع وتقع معه في موقع المبتدأ والفاعل والمفعول والمضاف إليه.
فالمبتدأ يكون في موضع رفع،نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}.
{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}.
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
والفاعل كقوله تعالى: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا}.
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا}.
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} في قراءة من نصب جواب.
وتقع معه موقع المفعول به فيكون في موضع نصب نحو: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى}.
{يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}.
{وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ}.
وقوله: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ}.
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ} ،معناه بأن أنذر فلما حذفت الباء تعدى الفعل فنصب
ومنه في أحد القولين: {إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} نصب على البدل من قوله: {مَا أَمَرْتَنِي بِهِ}.
والمضاف إليه فيكون في موضع جر كقوله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ}،{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} أي من قبل إتيانك.
وإنما لم ينصب في قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا} وإن كان المعنى لوحينا لأن الفعل بعدها لم يكن مستحقا للإعراب ولا يستعمل إلا أن تعمل فيه العوامل.
وقد يعرض لـ "أن" هذه حذف حرف الجر كقوله تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا}.
أي بأن يقولوا كما قدرت في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم ومذهب سيبويه أنها في موضع نصب ونفاها الخليل على أصل الجر.
وتقع بعد عسى فتكون مع صلتها في تأويل مصدر منصوب إن كانت ناقصة نحو عسى زيد أن يقوم ومثله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}.
وتكون في تأويل مصدر مرفوع إن كانت تامة كقولك عسى أن ينطلق زيد ومثله: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً}.
الثاني: مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين وما في معناه ويكون اسمها ضمير الشأن وتقع بعدها الجملة خبرا عنها نحو: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}.
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}.
{وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}.
{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ}.
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا}.
{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وجعل ابن الشجري منه: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} ، أي أنه يا إبراهيم.
الثالث: مفسرة بمنزلة أي التي لتفسير ما قبلها بثلاثة شروط تمام ما قبلها من الجملة وعدم تعلقها بما بعدها وأن يكون الفعل الذي تفسره في معنى القول كقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}.
قال ابن الشجري: تكون هذه في الأمر خاصة وإنما شرط مجيئها بعد كلام تام لأنها تفسير ولا موضع لها من الإعراب لأنها حرف يعبر به عن المعنى.
وخرج بالأول: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأن الكلام لم يتم فإن ما قبلها مبتدأ وهي في موضع الخبر ولا يمكن أن تكون ناصبة لوقوع الاسم بعدها بمقتضى أنها المخففة من الثقيلة.
وأما قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} فقيل إنها مفسرة لأن الانطلاق متضمن لمعنى القول.
وقال: الخليل يريدون أنهم انطلقوا في الكلام بهذا وهو امشوا أي اكثروا يقال أمشى الرجل ومشى إذا كثرت ماشيته فهو لا يريد انطلقوا بالمشي الذي هو انتقال إنما يريد قالوا هذا
وقيل: عبارة عن الأخذ في القول فيكون بمنزلة صريحة وأن مفسرة وقيل مصدرية
فإن قيل: قد جاءت بعد صريح القول كقوله تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}.
قلنا لا دلالة فيه لاحتمال أنها مصدرية.
وقال الصفار: لا تتصور المصدرية هنا بمعنى إلا عبادة الله لأن القول لا يقع بعده المفرد إلا أن يكون هو المقول بنفسه أو يكون في معنى المقول نحو قلت خبرا وشعرا لأنهما في معنى الكلام أو يقول قلت زيدا أي هذا اللفظ وهذا لا يمكن في الآية لأنهم لم يقولوا هذه العبارة فثبت أنها تفسيرية أي اعبدوا الله.
وقال السيرافي: ليست أن تفسيرا للقول بل للقول بل للأمر لأن فيه معنى القول فلو كان ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لذكر القول.
الرابع: زائدة وتكون بعد لما التوقيتية كقوله تعالى في سورة العنكبوت ولما أن جاءت رسلنا لوطا.
بدليل قوله: في سورة هود: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً} فجاء فيها على الأصل.
وأما قوله: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} فجيء بـ "إن" ولم يأت على الأصل من الحذف لأنه لما كان مجيء البشير إلى يعقوب عليه السلام بعد طول الحزن وتباعد المدة ناسب ذلك زيادة أن لما في مقتضى وصفها من التراخي,.
وذهب الأخفش إلى أنها قد تنصب الفعل وهي مزيدة كقوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا} وأن في الآيتين زائدة بدليل: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ}.
الخامس : شرطية في قول الكوفيين كقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ}.
قالوا: ولذلك دخلت الفاء.
السادس: نافية بمعنى لا في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} أي لا يؤتى أحد والصحيح أنها مصدرية.
وزعم المبرد أن يؤتى متصل بقوله: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} واللام زائدة.
وقيل: أن يؤتى في موضع رفع أي إن الهدى أن يؤتى.
السابع: التعليل بمنزلة لئلا كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}.
وقال البصريون: على حذف مضاف أي كراهة أن تضلوا.
وكذا قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا}.
وقوله: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى}.
الثامن : بمعنى إذ مع الماضي كقوله: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ}.
وقيل بل المعنى لأن جاءهم أي من أجله.
قيل ومع المضارع كقوله: {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} أي إذا آمنتم والصحيح أنها مصدرية
وأجاز الزمخشري أن تقع أن مثل ما في نيابتها عن ظرف الزمان وجعل منه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} وقوله: {إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} ورد بأن استعمالها للتعليل مجمع عليه وهو لائق في هاتين الآيتين والتقدير لأن آتاه ولئلا يصدقوا.



[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 223 ـ 228 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:45 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إن المكسورة المشددة:
لها ثلاثة أوجه:
أحدها: للتأكيد نحو: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}.
وللتعليل،أثبته ابن جني من النحاة وكذا أهل البيان وسبق بيانه في نوع التعليل من قسم التأكيد
وبمعنى "نعم" في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فيمن شدد النون.
قال أبو إسحاق: عرضت هذا على محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق فرضياه.
وقال ابن برهان: كأنهم أجمعوا بعد التنازع على قذف النبيين بالسحر صلى الله عليهما
وعبارة غيره هي بمعنى أجل وإن لم يتقدم سؤال عن سحرهم فقد تقدم: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ} فتكون على هذا القول مصروفة إلى تصديق ألسنتهم فيما ادعوه من السحر
واستضعفه الفارسي بدخول اللام في خبر المبتدأ وهو لا يجوز إلا في ضرورة.
فإن قدرت مبتدأ محذوفا أي فهما ساحران فمردود لأن التأكيد لا يليق به الحذف.
وقيل: دخلت اللام في خبر المبتدأ مراعاة للفظ أو لما كانت تدخل معها في الخبرية.
وقيل: جاء على لغة بني الحارث في استعمال المثنى بالألف مطلقا.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4/ 229)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:46 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أن المفتوحة المشددة:
يجيء للتأكيد كالمكسورة واستشكله بعضهم لأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك منها لم تفد توكيدا وهو ضعيف لما علم من الفرق بين أن والفعل والمصدر.
وقال: في المفصل إن وأن تؤكدان مضمون الجملة إلا أن المكسورة الجملة معها على استقلالها بفائدتها والمفتوحة تقلبها إلى حكم المفرد.
قال ابن الحاجب: لأن وضع إن تأكيد للجملة من غير تغيير لمعناها فوجب أن تستقل بالفائدة بعد دخولها وأما المفتوحة فوضعها وضع الموصولات في أن الجملة معها كالجملة مع الموصول فلذلك صارت مع جملتها في حكم الخبر فاحتاجت إلى جزء آخر ليستقل معها بالكلام فتقول إن زيدا قائم وتسكت وتقول أعجبني أن زيدا قائم فلا تجد بدا من هذا الجزء الذي معها لكونها صارت في حكم الجزء الواحد إذ معناه أعجبني قيام زيد ولا يستقل بالفائدة ما لم ينضم إليه جزء آخر فكذلك المفتوحة مع جملتها ولذلك وقعت فاعلة ومفعولة ومضافا إليها وغير ذلك مما تقع فيه المفردات.
ومن وجوه الفرق بينهما أنه لا تصدر بالمفتوحة الجملة كما تصدر بالمكسورة لأنها لو صدرت لوقعت مبتدأ والمبتدأ معرض لدخول إن فيؤدي إلى اجتماعهما.
ولأنها قد تكون بمعنى لعل كما في قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} وتلك لها صدر الكلام فقصدوا إلى أن تكون هذه مخالفة لتلك في الوضع.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 230)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:46 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إنما:
لقصر الصفة على الموصوف أو الموصوف على الصفة وهي للحصر عند جماعة كالنفي والاستثناء.
وفرق البيانيون بينهما فقالوا: الأصل أن يكون ما يستعمل له إنما مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كقولك إنما هو أخوك وإنما هو صاحبك القديم لمن يعلم ذلك ويقر به وما يستعمل له النفي والاستثناء على العكس فأصله أن يكون مما يجهله المخاطب وينكره نحو: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ}.
ثم إنه قد ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له النفي والاستثناء نحو: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} الآية ونحو: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} والرسل ما كانوا على دفع البشرية عن أنفسهم وادعاء الملائكية لكن الكفار كانوا يعتقدون أن الله لا يرسل إلا الملائكة وجعلوا أنهم بادعائهم النبوة ينفون عن أنفسهم البشرية فاخرج الكلام مخرج ما يعتقدون وأخرج الجواب أيضا مخرج ما قالوا حكاية لقولهم كما يحكى المجادل كلام خصمه ثم يكر عليه بالإبطال كأنه قيل الأمر كما زعمتم أننا بشر ولكن ليس الأمر كما زعمتم من اختصاص الملائكة بالرسالة فإن الله يبعث من الملائكة رسلا ومن الناس.
وقد ينزل المجهول منزلة المعلوم لادعاء المتكلم ظهوره فيستعمل له إنما كقوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فإن كونهم مصلحين منتف فهو مجهول بمعنى أنه لم يعلم بينهم صلاح فقد نسبوا الإصلاح إلى أنفسهم وادعوا أنهم كذلك ظاهر جلي ولذلك جاء الرد عليهم مؤكدا من وجوه.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 231 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:47 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إلى:
لانتهاء الغاية وهي مقابلة من ثم لا يخلوا أن يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل وإن لم يقترن بها قرينة تدل على أن ما بعدها داخل فيما قبلها أو غير داخل فيصار إليه قطعا وإن لم يقترن بها.
واختلف في دخول ما بعدها في حكم ما قبلها على مذاهب.
أحدها: لا تدخل إلا مجازا لأنها تدل على غاية الشيء ونهايته التي هي حده وما بعد الحد لا يدخل في المحدود ولهذا لم يدخل شيء من الليل في الصوم في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
الثاني: عكسه أي أنه يدخل ولا يخرج إلا مجازا بدليل آية الوضوء.
والثالث: أنها مشتركة فيهما لوجود الدخول وعدمه.
والرابع: إن كان ما بعدها من جنس ما قبلها أو جزءا كالمرافق دخل وإلا فلا والحق أنه لا يطلق فقد يدخل نحو: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقد لا يدخل نحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
وقيل: في آية المرافق: أنها على بابها وذلك أن المرفق هو الموضع الذي يتكئ الإنسان عليه في رأس العضد وذلك هو المفصل وفريقه فيدخل فيه مفصل الذراع ولا يجب في الغسل أكثر منه
وقيل: إلى تدل على وجوب الغسل إلى المرافق ولا ينبغي وجوب غسل المرفق لأن الحد لا يدخل في المحدود ولا ينفيه التحديد كقولك سرت إلى الكوفة فلا يقتضي دخولها ولا ينفيه كذلك المرافق إلا أن غسله ثبت بالسنة.
ومنشأ الخلاف في آية الوضوء أن إلى حرف مشترك يكون للغاية والمعية واليد تطلق في كلام العرب على ثلاثة معان على الكفين فقط وعلى الكف والذراع والعضد فمن جعل إلى بمعنى مع وفهم من اليد مجموع الثلاثة أوجب دخوله في الغسل ومن فهم من إلى الغاية ومن اليد ما دون المرفق لم يدخلها في الغسل.
قال الآمدي: ويلزم من جعلها بمعنى مع أن يوجب غسلها إلى المنكب لأن العرب تسمية يدا
وقد تأتي بمعنى مع كقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}.
{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}.
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}.
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.
{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}.
وقيل: ترجع إلى الانتهاء والمعنى في الأول من يضيف نصرته إلى نصرة الله وموضعها حال أي من أنصاري مضافا إلى الله؟
والمعنى في الأخرى: ولا تضيفوا أموالكم إلى أموالهم وكني عنه بالأكل كما قال: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي لا تأخذوا.
وقد تأتي للتبيين قال ابن مالك وهي المعلقة في تعجب أو تفضيل بحب أو بغض مبينة لفاعلية مصحوبها كقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ}.
ولموافقة اللام كقوله: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} وقيل للانتهاء وأصله والأمر إليك.
وكقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وموافقة "في" في قوله تعالى: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} وقيل المعنى بل أدعوك إلى أن تزكي.
وزائدة كقراءة بعضهم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} بفتح الواو.
وقيل: ضمن تهوي معنى تميل.

تنبيه:
من الغريب أن إلى قد تستعمل اسما فيقال: انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليك حكاه ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري.
ولم يقف الشيخ ابن حيان على هذا فقال في تفسيره في قوله: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ،وقوله:{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} إلى حرف جر بالإجماع وظاهرها أنها متعلقة بـ "هزي"
وكيف يكون ذلك مع القاعدة المشهورة أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير متصل
وقد يرفع المتصل وهما المدلول واحد فلا تقول ضربتني ولا ضربتك إلا في باب ظن والضمير المجرور عندهم بالحرف كالمنصوب المستقل فلا تقول هززت إلي ولا هززت إليك.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4/ 232 ـ 234)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:48 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


ألا بالفتح والتخفيف:
تأتي للاستفتاح وفائدته التنبيه على تحقيق ما بعدها ولذلك قل وقوع الجمل بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم نحو: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ}.
{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}.
{أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.
{أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ}.
{أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}.
{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ}.
وتأتي مركبة من كلمتين همزة الاستفهام ولا النافية.
والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا كقوله تعالى: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ}.
وقوله: {قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ}.
والتقدير إنهم ليسوا بمتقين وليسوا بآكلين.
وللعرض وهو طلب بلين نحو: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
{أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 235)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:49 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


ألا بالفتح والتشديد:
حرف تحضيض مركبة من أن الناصبة ولا النافية كقوله تعالى: {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ} {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ}.
ثم قيل: المشددة أصل والمخففة فرع قيل بالعكس.
وقيل: الهمزة بدل من الهاء وبالعكس حكاه ابن هشام الخضراوي في حاشية سيبويه.

إِلاَّ:
ترد لمعان:
الأول: الاستثناء وينقسم إلى متصل وهو ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه نحو جاء القوم إلا زيدا والى منقطع وهو ما كان من غير جنسه.
وتقدر بـ "لكن" كقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} و{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ} وقوله: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } في سورة الانشقاق و{إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} في آخر الغاشية.
وكذلك: {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} ودخول الفاء في {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ} دليل انقطاعه ولو كان متصلا لتم الكلام عند قوله رسول.
وقوله: {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} ويجوز أن تكون {تَذْكِرَةً} بدلا من {لِتَشْقَى} وهو منصوب بـ "أنزلنا" تقديره ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة.
وقوله: {وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى} فابتغاء وجه ربه ليس من جنس النعم التي تجزى.
وقوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} فقولهم: {رَبُّنَا اللَّهُ} ليس بحق يوجب إخراجهم.
وقوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} لا حرج عليهم في قعودهم وإنما كان منقطعا لأن القاعد عن ضرر وإن كانت له نية الجهاد ليس مستويا في الأجر مع المجاهد لأن الأجر على حسب العمل والمجاهد يعمل ببدنه وقلبه والقاعد بقلبه.
وقوله: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ}.
إذ لو كان متصلا لكان المعنى فهل آمنت قرية إلا قوم يونس فلا يؤمنون فيكون طلب الإيمان من خلاف قوم يونس وذلك باطل لأن الله تعالى يطلب من كل شخص الإيمان فدل على أن المعنى لكن قوم يونس.
وقال الزجاج: يمكن اتصاله لأن قوله: {فَلَوْلا} في المعنى نفي فإن الخطاب لما يقع منه الإيمان وذلك إذا كان الكلام نفيا كان ما بعد إلا يوجب إنكاره قال: ما من قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس.
وقد رد عليه الآمدي بأن جعل إلا متقطعة عما قبلها لغة فصيحة وإن كان جعلها متصلة أكثر وحمل الكلام على المعنى ليس بقياس.
ومنه قوله تعالى: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ} فإن من رحم بمعنى المرحوم ليس من جنس العاصمين وإنما هو معصوم فدل على أنها بمعنى لكن.
فإن قيل: يمكن اتصاله على أن {مَنْ رَحِمَ} بمعنى الراحم أي الذي يرحم فيكون الثاني من جنس الأول.
قيل: حمل هذه القراءة على القراءة الأخرى أعني قراءة {مَنْ رَحِمَ} بضم الراء حتى يتفق معنى القراءتين.
الثاني: بمعنى بل كقوله تعالى: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً} أي بل تذكرة
الثالث: عاطفة بمعنى الواو في التشريك كقوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} معناه ولا الذين ظلموا وقوله: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ} أي ومن ظلم تأولها الجمهور على الاستثناء المنقطع.
الرابع: بمعنى "غير" إذا كانت صفة ويعرب الاسم بعد إلا إعراب غير كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، وليست هنا للاستثناء وإلا لكان التقدير: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل.
ومثله قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ}، فلو كان استثناء لكان من غير الجنس لأن أنفسهم ليس شهودا على الزنا لأن الشهداء على الزنا يعتبر فيهم العدد ولا يسقط الزنا المشهود به بيمين المشهود عليه.
وإذا جعل وصفا فقد أمن فيه مخالفة الجنس فـ "إلا" هي بمنزلة غير لا بمعنى الاستثناء لأن الاستثناء إما من جنس المستثنى منه أو من غير جنسه ومن توهم في صفة الله واحدا من الأمرين فقد أبطل.
قال: الشيخ عبد القاهر الجرجاني: هذا توهم منه وخاطر خطر من غير أصل ويلزم عليه أن تكون إلا في قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} وقوله: ضل من تدعون إلا إياه استثناء وأن تكون بمنزلة غير وذلك لا يقوله أحد لأن إلا إذا كانت صفة كان إعراب الاسم الواقع بعدها إعراب الموصوف بها وكان تابعا له في الرفع والنصب والجر.
وقال: والاسم بعد إلا في الآيتين منصوب كما ترى وليس قبل إلا في واحد منهما منصوب بإلا.
واعلم أنه يوصف بما بعد إلا سواء كان استثناء منقطعا أو متصلا قال المبرد والجرمي في قوله تعالى: {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} لو قرئ بالرفع قليل على الصفة لكان حسنا والاستثناء منقطع.
الخامس: بمعنى بدل وجعل ابن الضائع منه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} أي بدل الله أي عوض الله وبه يخرج على الإشكال المشهور في الاستثناء وفي الوصف بـ "إلا" من جهة المفهوم.
بقي أن يقال: إن ابن مالك جعلها في الآية صفة وأنها للتأكيد لا للتخصيص لأنه لو قيل لو كان فيهما آلهة فسدتا لصح لأن الفساد مرتب على تعدد الآلهة.
فيقال: ما فائدة الوصف المقتضي ها هنا للتأكيد؟وجوابه أن آلهة تدل على الجنس أو على الجمع فلو اقتصر عليه لتوهم أن الفساد مرتب على الجنس من حيث هو فأتى بقوله: {إِلاَّ اللَّهَ} ليدل على أن الفساد مرتب على التعدد وهذا نظير قولهم في: {إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} أن الوصف هنا مخصص لا مؤكد لأن {إِلَهَيْنِ} يدل على الجنسية وعلى التثنية فلوا اقتصر عليه لم يفهم النهي عن أحدهما فأتى بـ "اثنين" ليدل على أن النهي عن الاثنين على ما سبق
السادس: للحصر إذا تقدمها نفي إما صريح كقوله تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أو مقدر كقوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} فإن إلا ما دخلت بعد لفظ الإيجاب إلا لتأويل ما سبق إلا بالنفي أي فإنها لا تسهل وهو معنى كبيرة وإما لأن الكلام صادق معها أي وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين بخلاف ضربت إلا زيدا فإنه لا يصدق.
السابع: مركبة من إن الشرطية ولا النافية ووقعت في عدة مواقع من القرآن.
نحو: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}.
{إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ}.
{إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}.
{وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
{وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ}.
ولأجل الشبه الصوري غلط بعضهم فقال في إلا تفعلوه أن الاستثناء منقطع أو متصل.
وعجبت من ابن مالك في شرح التسهيل حيث عدها في أقسام إلا لكنه في شرح الكافية قال في باب الاستثناء لا حاجة للاحتراز عنها.

فائدة:
قال الرماني في تفسيره معنى إلا اللازم لها الاختصاص بالشيء دون غيره فإذا قلت جاءني القوم إلا زيدا فقد اختصصت زيدا بأنه لم يجئ وإذا قلت ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجيء وإذا قلت ما جاءني زيد إلا راكبا فقد اختصصت هذه الحال دون غيرها من المشي والعدو ونحوه.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 236 ـ 241 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:49 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أَمَّا المفتوحة الهمزة المشددة الميم:
كلمة فيها معنى الشرط بدليل لزوم الفاء في جوابها.
وقدرها سيبويه بـ "مهما" وفائدتها في الكلام: أنها تكسبه فضل تأكيد تقول زيد ذاهب،فإذا قصدت أنه لا محالة ذاهب قلت: أما زيد فذاهب ولهذا قال سيبويه مهما يكن من شيء فزيد ذاهب.
وفي إيرادها في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} إحماد عظيم للمؤمنين ونعي على الكافرين لرميهم بالكلمة الحمقاء.
والاسم الواقع بعدها إن كان مرفوعا فهو مبتدأ كقوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ}،{وَأَمَّا الْغُلامُ}،{وَأَمَّا الْجِدَارُ}.
وإن كان منصوبا،فالناصب له ما بعد الفاء على الأصح كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}.
وقرئ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} بالرفع والنصب،فالرفع بالابتداء لاشتغال الفعل عنهم بضميرهم.
وتذكر لتفصيل ما أجمله المخاطب وللاقتصار على بعض ما ادعى.
فالأول: كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} ،فهذا تفصيل لما جمع في قوله: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ} وبيان أحكام الشقي والسعيد
والثاني: كما لو قيل: زيد عالم شجاع كريم فيقال أما زيد فعالم أي لا يثبت له بما ادعى سوى العلم.
واختلف في تعدد الأقسام بها فقيل إنه لازم وحمل قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} على معنى وأما الراسخون ليحصل بذلك التعدد بعدها وقطعه عن قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ}
ومنهم من قال: إنه غير لازم بل قد يذكر فيها قسم واحد ولا ينافي ذلك أن تكون للتفصيل ما في نفس المتكلم كقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} حكى القولين ابن جمعة الموصلي في شرح الدرة وصحح الأول.
والأقرب الثاني، والتقدير في الآية: وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم ودل عليه {وَالرَّاسِخُونَ} الآية.
قال بعضهم: وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، إلى قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ}.
وهذا حكاه ابن قتيبة عن بعض المتقدمين قال فالفاسقون هاهنا هم الذين في قلوبهم زيغ وهم الضالون بالتمثيل ثم خالفه فقال وأنت إذا جعلت المتبعين المتشابه بالتأويل المنافقين في اليهود المحرفين له دون المؤمنين كما قال الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي غير الإسلام وضح لك الأمر وصح ما قلناه من معرفة الراسخين بالمتشابه وعلى هذا فالوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}.
وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ} ، فقيل: الفاء جواب أما ويكون الشرط لا جواب له وقد سد جواب أما مسد جواب الشرط.
وقيل: بل جواب الشرط والشرط وجوابه سد مسد جواب أما.
وتجيء أيضا مركبة من أم المنقطعة وما الاستفهامية وأدغمت الميم في الميم كقوله تعالى: {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 242 ـ 244)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:50 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إِمَّا المكسورة المشددة:
نحو: اشتر لي إما لحما وإما لبنا.
وكقوله تعالى: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً}.
{إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ}.
{فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وانتصب منا وفداء على المصدر أي من مننتم وفاديتم.
وقال صاحب الأزهية: حكمها في هذا القسم التكرير ولا تكرير إذا كان في الكلام عوض من تكريرها تقول إما تقول الحق وإلا فاسكت وإلا بمعنى إماظ.
وبمعنى الإبهام،نحو: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} {إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ}.
{إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}.
وتكون بمعنى الشرطية مركبة من إن الشرطية وما الزائدة وهذه لا تكرر.
والأكثر في جوابها نون التوكيد، نحو: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً}{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ}{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ}{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} وإنما دخلت معها نون التوكيد للفرق بينهما وبين التي للتخيير.
واختلف في قوله تعالى: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} فقال البصريون للتخيير فانتصاب شاكرا وكفورا على الحال.
وقيل: التخيير هنا راجع إلى إخبار الله بأنه يفعل ما يشاء.
وقيل: حال مقيدة أي إما أن تجد عندهما الشكر فهو علامة السعادة أو الكفر فهو علامة الشقاوة فعلى هذا تكون للتفصيل.
وأجاز الكوفيون أن تكون ها هنا شرطية أي إن شكر وإن كفر.
قال مكي: وهذا ممنوع لأن الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن تضمر بعد إن فعلا كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} ولا يجب إضماره هنا لأنه يلزم رفع شاكر بذلك الفعل.
ورد عليه ابن الشجري بأن النحويين يضمرون بعد إن الشرطية فعلا يفسره ما بعده من لفظه فيرتفع الاسم بعد أن يكون فاعلا لذلك المضمر كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ}{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} كذلك يضمرون بعده أفعالا تنصب الاسم بأنه مفعول به كقولك إن زيدا أكرمته نفعك أي إن أكرمت.

أل:
تقدمت بأقسامها في قاعدة التنكير والتعريف.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 245 ـ 246 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:51 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


الآن:
اسم للوقت الحاضر بالحقيقة وقد تستعمل في غيره مجازا.
وقال قوم: هي حد للزمانين أي ظرف للماضي وظرف للمستقبل وقد يتجوز بها عما قرب من الماضي وما يقرب من المستقبل حكاه أبو البقاء في اللباب.
وقال ابن مالك لوقت حضر جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو ببعضه بقوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً}{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}.
وهذا سبقه إليه الفارسي فقال الآن يراد به الوقت الحاضر ثم قد تتسع فيه العرب فتقول أنا الآن أنظر في العلم وليس الغرض أنه في ذلك الوقت اليسير يفعل ذلك ولكن الغرض أنه في وقته ذلك وما أتى بعده كما تقول أنا اليوم خارج تريد به اليوم الذي عقب الليلة.
قال ابن مالك: وظرفيته غالبة لا لازمة.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 247)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:52 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أف:
صوت يستعمل عند التكره والتضجر واختلف في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فقيل: اسم لفعل الأمر أي كفا أو اتركا.
وقيل: اسم لفعل ماض أي كرهت وتضجرت حكاهما أبو البقاء.
وحكى غيره ثالثا أنه اسم لفعل مضارع أي أتضجر منكما.
وأما قوله تعالى في سورة الأنبياء: {أُفٍّ لَكُمْ} ، فأحال أبو البقاء على ما سبق في الإسراء وقضيته تساوي المعنيين.
وقال العزيزي في غريبه في هذه أي تلفا لكم فغاير بينهما وهو الظاهر وفسر صاحب الصحاح أف بمعنى قذرا.
[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 248)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:53 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أنَّى:
مشتركة بين الاستفهام والشرط ففي الشرط تكون بمعنى أين نحو أنى يقم زيد يقم عمرو
وتأتي بمعنى كيف كقوله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}.
{فَأَنَّى لَهُمْ}،{أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة.
وقال الضحاك: متى شئتم ويرده سبب نزول الآية.
وقال بعضهم من أي جهة شئتم وهو طبق سبب النزول
وتجيء بمعنى من أين نحو: {أَنَّى لَكِ هَذَا}.
وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ}.
{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}.
قال ابن فارس: والأجود أن يقال في هذا أيضا كيف وقال ابن قتيبة المعنيان متقاربان
وقرئ شاذا: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً} أي من أين فيكون الوقف عند قوله {إِلَى طَعَامِهِ}
وتكون بمعنى متى كقوله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}.
وقوله: {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} ، ويحتمل أن يكون معناه من أين.
والحاصل أنها للسؤال عن الحال وعن المكان.
قال الفراء: أنى مشاكلة لمعنى أين إلا أن أين للموضع خاصة وأنى تصلح لغير ذلك.
وقال ابن الدهان: فيها معنى يزيد على أين لأنه لو قال: أين لك هذا؟كان يقصر عن معنى أنى لك لأن معنى أنى لك من أين لك فإن معناه مع حرف الجر لأنه يرى أنه وقع في الجواب كذلك قوله: {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ، ولم يقل هو عند الله وجواب أنى لك غير جواب من أين لك هذا فاعرفه.

[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 249 ـ 250)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:54 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


أيان:
في الكشاف في آخر سورة الأعراف قيل اشتقاقه من "أي" فعلان منه لأن معناه أي وقت وأي فعل من أويت إليه لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه وهو بعيد.
وقيل أصله أي أوان.
وقال السكاكي: جاء أيان بفتح الهمزة وكسرها وكسر همزتها يمنع من أن يكون أصلها أي أوان كما قال بعضهم حذفت الهمزة من أوان والياء الثانية من أي فبعد قلب الواو واللام ياء أدغمت الياء الساكنة فيها وجعلت الكلمتان واحدة.
وهي في الأزمان بمنزلة متى إلا أن متى أشهر منها وفي أيان تعظيم ولا تستعمل إلا في موضع التفخيم بخلاف متى قال تعالى: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}،{أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}،{أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}،{أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}.
وقال صاحب البسيط: إنها تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظم أمره.
قال: وسكت الجمهور عن كونها شرطا.
وذكر بعض المتأخرين مجيئها لدلالتها بمنزلة متى ولكن لم يسمع ذلك.

[ البرهان في علوم القرآن]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:54 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


إي:
حرف جواب بمعنى نعم كقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} ، ولا يأتي قبل النهي صلة لها.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 251 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:55 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


حرف الباء :
أصله للإلصاق ومعناه اختلاط الشيء بالشيء ويكون حقيقة وهو الأكثر نحو به داء ومجازا كـ "مررت به" إذ معناه جعلت مروري ملصقا بمكان قريب منه لا به فهو وارد على الاتساع
وقد جعلوا منه قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}
وقد تأتي زائدة:
إما مع الخبر نحو: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
وإما مع الفاعل نحو: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} فـ "الله" فاعل وشهيدا نصب على الحال أو التمييز والباء زائدة ودخلت لتأكيد الاتصال أي لتأكيد شدة ارتباط الفعل بالفاعل لأن الفعل يطلب فاعله طلبا لا بد منه والباء توصل الأول إلى الثاني فكأن الفعل يصل إلى الفاعل وزادته الباء اتصالا
قال ابن الشجري: فعلوا ذلك إيذانا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في عظم المنزلة فضوعف لفظها ليضاعف معناها
وقيل: دخلت الباء لتدل على المعنى لأن المعنى اكتفوا بالله
وقيل: الفاعل مقدر والتقدير كفى الاكتفاء بالله فحذف المصدر وبقي معموله دالا عليه
وفيه نظر لأن الباء إذا سقطت ارتفع اسم الله على الفاعلية كقوله
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
*كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا*
وإما مع المفعول كقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}
وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أي تبذلونها لهم
وقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
وقوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} جعلت المفتون اسم مفعول لا مصدرا كالمعقول والمعسور والميسور
وقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}
{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ}
وقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} ونحوه
والجمهور على أنها لا تجيء زائدة وأنه إنما يجوز الحكم بزيادتها إذا تأدى المعنى المقصود بوجودها وحالة عدمها على السواء وليس كذلك هذه الأمثلة فإن معنى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} ،كما هي في أحسن بزيد ومعنى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} اجعلوا المسح ملاصقا برؤسكم وكذا {بِوُجُوهِكُمْ} أشار إلى مباشرة العضو بالمسح وإنما لم يحسن في آية الغسل فاغسلوا بوجوهكم لدلالة الغسل على المباشرة وهذا كما تتعين المباشرة في قولك أمسكت به وتحتملها في أمسكته
وأما قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} فحذف المفعول للاختصار
وأما {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} فمعناه: تلقون إليهم النصيحة بالمودة
وقال ابن النحاس: معناه تخبرونهم بما يخبر به الرجل أهل مودته
وقال السهيلي: ضمن {تُلْقُونَ} معنى ترمون من الرمي بالشيء يقال ألقى زيد إلي بكذا أي رمى به وفي الآية إنما هو إلقاء بكتاب أو برسالة فعبر عنه بالمودة لأنه من أفعال أهل المودة فلهذا جيء بالباء
وأما قوله: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} ،فليست زائدة وإلا للحق الفعل قبلها علامة التأنيث لأنه للنفس وهو مما يغلب تأنيثه
وجوز في الفعل وجهان: أحدهما: أن تكون كان مقدرة بعد كفى ويكون بنفسك صفة له قائمة مقامه
والثاني : أنه مضمر يفسره المنصوب بعده أعني حسيبا كقولك نعم رجلا زيد
وتجيء للتعدية وهي القائمة مقام الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المفعول به نحو: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} أي أذهب
كما قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}
ولهذا لا يجمع بينهما فهما متعاقبتان وأما قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} فقيل: أسرى وسرى بمعنى كسقى وأسقى والهمزة ليست للتعدية وإنما المعدي الباء في بعبده
وزعم ابن عطية أن مفعول أسرى محذوف وإن التعدية بالهمزة أي أسرى الليلة بعبده
ومذهب الجمهور أنها بمعنى الهمزة لا تقتضي مشاركة الفاعل للمفعول وذهب المبرد والسهيلي أنها تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في الفعل بخلاف الهمزة ورد بقوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ}
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} ألا ترى أن الله لا يذهب مع سمعهم فالمعنى لأذهب سمعهم
وقال الصفار: وهذا لا يلزم لأنه يحتمل أن يكون فاعل ذهب البرق ويحتمل أن يكون الله تعالى ويكون الذهاب على صفة تليق به سبحانه كما قال {وَجَاءَ رَبُّكَ}
قال: وإنما الذي يبطل مذهبه قول الشاعر:
ديار التي كانت ونحن على منى
تحل بنا لولا بحاء الركائب
أي تجعلنا حلالا لا محرمين وليست الديار داخلة معهم في ذلك
واعلم أنه لكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما فإن قلت: كيف جاء: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} والهمزة في أنبت للنقل؟
قلت: لهم في الانفصال عنه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون الباء زائدة
والثاني: أنها باء الحال كأنه قال: تنبت ثمرها وفيه الدهن أي وفيهما الدهن والمعنى تنبت الشجرة بالدهن أي ما هو موجود منه وتختلط به القوة بنبتها على موقع المنة ولطيف القدرة وهداية إلى استخراج صبغة الآكلين.
والثالث: أن نبت وأنبت بمعنى وللاستعانة وهي الدالة على آلة الفعل نحو كتبت بالقلم ومنه في أشهر الوجهين: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
وللتعليل بمنزلة اللام كقوله: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}
{فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}
وللمصاحبة بمنزلة مع وتسمى باء الحال كقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ} أي مع الحق أو محقا
{يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا}
وللظرفية بمنزلة في
وتكون مع المعرفة نحو: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ}
{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
ومع النكرة نحو: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}
{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}
قال أبو الفتح في التنبيه وتوهم بعضهم أنها لا تقع إلا مع المعرفة نحو كنا بالبصرة وأقمنا بالمدينة
وهو محجوج بقول الشماخ:
وهن وقوف ينتظرن قضاءه
بضاحي غداة أمره وهو ضامز
أي في ضاحي وهي نكرة
وللمجاوزة كـ "عن" نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} أي عن الغمام
{بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أي وعن أيمانهم
وللاستعلاء كعلى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قنطار كما قال: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ}
ونحو: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} أي عليهم كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ}
وللتبعيض كـ "من" نحو: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي منها وخرج عليه: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}
والصحيح أنها باء الاستعانة فإن مسح يتعدى إلى مفعول وهو المزال عنه وإلى آخر بحرف الجر وهو المزيل فيكون التقدير فامسحوا أيديكم برءوسكم.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 252 ـ 257)]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 10:59 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


بل :
حرف إضراب عن الأول وإثبات للثاني يتلوه جملة ومفرد
فالأول: الإضراب فيه،إما بمعنى ترك الأول والرجوع عنه بإبطاله وتسمى حرف ابتداء كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} أي بل هم عباد وكذا: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}
وإما الانتقال من حديث إلى حديث آخر والخروج من قصة إلى قصة من غير رجوع عن الأول وهي في هذه الحالة عاطفة كما قاله الصفار كقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}
{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً}
وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} ،انتقل من القصة الأولى إلى ما هو أهم منها
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} ليست للانتقال بل هم متصفون بهذه الصفات
وقوله: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}
وفي موضع: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
وفي موضع: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}
والمراد تعديد خطاياهم واتصافهم بهذه الصفات وبل لم ينو ما أضافه إليهم من إتيان الذكور والإعراض عن الإناث بل استدرك بها بيان عدوانهم وخرج من تلك القصة إلى هذه الآية
وزعم صاحب البسيط وابن مالك أنها لا تقع في القرآن إلا بهذا المعنى وليست كذلك لما سبق وكذا قال ابن الحاجب في شرح المفصل إبطال ما للأول وإثباته للثاني إن كان في الإثبات نحو جاء زيد بل عمرو فهو من باب الغلط فلا يقع مثله في القرآن ولا في كلام فصيح وإن كان ما في النفي نحو ما جاءني زيد بل عمرو ويجوز أن يكون من باب الغلط يكون عمرو غير جاء ويجوز أن يكون مثبتا لعمرو المجيء فلا يكون غلطا انتهى
ومنه أيضا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}
وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ}
وقوله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} ، ترك الكلام الأول وأخذ بـ "بل" في كلام ثان ثم قال حكاية عن المشركين {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} ثم قال {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} ثم ترك الكلام الأول وأخذ ب بل في كلام آخر فقال: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}
والثاني -أعني ما يتلوها مفرد- فهي عاطفة ثم إن تقدمها إثبات نحو اضرب زيدا بل عمرا وأقام زيد بل عمرو فقال النحاة هي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه فلا يحكم عليه بشيء ويثبت ما بعدها وإن تقدمها نفي أو نهي فهي لتقرير ما قبلها على حاله وجعل ضده لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو ولا يقم زيد بل عمرو
ووافق المبرد على ما ذكرنا غير أنه أجاز مع ذلك أن تكون ناقلة مع النهي أو النفي إلى ما بعدها
وحاصل الخلاف أنه إذا وقع قبلها النفي هل تنفي الفعل أو توجبه؟


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 258 ـ 260 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 11:00 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


بلى:
لها موضعان:
أحدهما: أن تكون ردا لنفي يقع قبلها كقوله تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} أي عملتم السوء
وقوله: {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى}
وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} ثم قال: {بَلَى} أي عليهم سبيل
والثاني: أن تقع جوابا لاستفهام دخل عليه نفى حقيقة فيصير معناها التصديق لما قبلها كقولك ألم أكن صديقك ألم أحسن إليك فتقول بلى أي كنت صديقي
ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
ومنه: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ،أي أنت ربنا فهي في هذا الأصل تصديق لما قبلها وفي الأول رد لما قبلها وتكذيب
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} أي كنتم معنا ويجوز أن يقرن النفي بالاستفهام مطلقا أعم من الحقيقي والمجازي فالحقيقي كقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى}: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى}
ثم قال الجمهور: التقدير بل نحييها قادرين لأن الحساب إنما يقع من الإنسان على نفي جمع العظام وبلى إثبات فعل النفي فينبغي أن يكون الجمع بعدها مذكورا على سبيل الإيجاب
وقال الفراء: التقدير فلنحيها قادرين لدلالة أيحسب عليه وهو ضعيف لأنه عدول عن مجيء الجواب على نمط السؤال
والمجازي كقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فإن الاستفهام هنا ليس على حقيقته بل هو للتقرير لكنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده بـ "بلى"
وكذلك قال ابن عباس: لو قالوا نعم لكفروا ووجهه أن نعم تصديق لما بعد الهمزة نفيا كان أو إثباتا
ونازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس من وجه أن الاستفهام التقريري إثبات قطعا وحينئذ فنعم في الإيجاب تصديق له فهلا أجيب بما أجيب به الإيجاب فإن قولك ألم أعطك درهما بمنزلة أعطيتك
والجواب من أوجه:
أحدها: ذكره الصفار أن المقرر قد يوافقه المقرر فيما يدعيه وقد لا فلو قيل في جواب: ألم أعطك نعم لم يدر هل أراد نعم لم تعطني فيكون مخالفا للمقرر أو نعم أعطيتني فيكون موافقا فلما كان يلتبس أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 261 ـ 262 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 11:01 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


تنبيهات :
الأول: ما ذكرنا من كون بلى إنما يجاب بها النفي هو الأصل وأما قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} فإنه لم يتقدمها نفي لفظا لكنه مقدر فإن معنى {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} ما هداني فلذلك أجيب بـ "بلى" التي هي جواب النفي المعنوي ولذلك حققه بقوله: {قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} وهي من أعظم الهدايات
ومثله: {بَلَى قَادِرِينَ} فإنه سبق نفي وهو {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم في اعتقادهم أن الله لا يجمع عظامهم فرد عليهم بقوله: {بَلَى قَادِرِينَ} وقال ابن عطية حق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير وهذا القيد الذي ذكره في النفي لم يذكره غيره وأطلق النحويون أنها جواب النفي
وقال الشيخ أثير الدين: حقها أن تدخل على النفي ثم حمل التقرير على النفي ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب وأجابه بنعم
وسأل الزمخشري: هلا قرن الجواب بما هو جواب له وهو قوله: {أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} ولم يفصل بينهما بآية؟
وأجاب بأنه إن تقدم على إحدى القرائن الثلاث فرق بينهن وبين النظم فلم يحسن وإن تأخرت القرينة الوسطى نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ثم التعليل بفقد الهداية ثم تمني الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ثم أجاب عما اقتضى الجواب من بينها
الثاني: اعلم أنك متى رأيت بلى أو نعم بعد الكلام يتعلق بها تعلق الجواب وليس قبلها ما يصلح أن يكون جوابا له فاعلم أن هناك سؤالا مقدرا لفظه لفظ الجواب ولكنه اختصر وطوي ذكره علما بالمعنى كقوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}،فقال : المجيب بلى ويعاد السؤال في الجواب
وكذا قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}، ليست بلى فيه جوابا لشيء قبلها بل ما قبلها دال على ما هي جواب له والتقدير ليس من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته خالدا في النار أو يخلد في النار فجوابه الحق بلى
وقد يكتفي بذكر بعض الجواب دالا على باقيه كما قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ} أي بلى نجمعها قادرين فذكر الجملة بمثابة ذكر الجزاء من الجملة وكاف عنها
الثالث: من القواعد النافعة أن الجواب إما أن يكون لملفوظ به أو مقدر
فإن كان المقدر فالجواب بالكلام،كقولك لمن تقدره مستفهما عن قيام زيد قام زيد أو لم يقم زيد ولا يجوز أن تقول نعم ولا لا لأنه لا يعلم ما يعني بذلك وإن كان الجواب الملفوظ به فإن أردت التصديق قلت نعم وفي تكذيبه بلى فتقول في جواب من قال أما قام زيد نعم إذا صدقته وبلى إذا كذبته
وكذلك إذا أدخلت أداة الاستفهام على النفي ولم ترد التقرير بل أبقيت الكلام على نفيه فتقول في تصديق النفي نعم وفي تكذيبه بلى نحو ألم يقم زيد فتقول في تصديق النفي نعم وفي تكذيبه بلى
الرابع: يجوز الإثبات والحذف بعد بلى فالإثبات كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ}
وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}
ومن الحذف قوله تعالى: {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا} ،فالفعل المحذوف بعد بلى في هذا الموضع يكفيكم أي بلى يكفيكم إن تصبروا
وقوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} ،أي قد آمنت
وقوله: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} ثم قال بلى أي تمسسكم أكثر من ذلك
وقوله: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ثم قال بلى أي يدخلها غيرهم
وقوله: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى}
وقد تحذف بلى وما بعدها كقوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أي بلى قلت لي.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 263 ـ 265 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 18 ذو الحجة 1430هـ/5-12-2009م, 11:01 PM
نورة آل رشيد نورة آل رشيد غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,563
افتراضي


ثم :
للترتيب مع التراخي وأما قوله: {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} والهداية سابقة على ذلك فالمراد ثم دام على الهداية بدليل قوله: {وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}
وقد تأتي لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ}
وقوله: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}
وتقول: زيد عالم كريم ثم هو شجاع
قال ابن بري: قد تجيء ثم كثيرا لتفاوت ما بين رتبتين في قصد المتكلم فيه تفاوت ما بين مرتبتي الفعل مع السكوت عن تفاوت رتبتي الفاعل كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فـ "ثم" هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من رتبة العدل مع السكوت عن وصف العادلين
ومثله قوله تعالى: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلى قوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ،دخلت لبيان تفاوت رتبة الفك والإطعام من رتبة الإيمان إلا أن فيها زيادة تعرض لوصف المؤمنين بقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}
وذكر غيره في قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} أن ثم دخلت لبعد ما بين الكفر وخلق السموات والأرض
وعلى ذلك جرى الزمخشري في مواضع كثيرة من الكشاف كقوله تعالى: {لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال كلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمرو أعني أن منزلة الاستقامة على الخبر مباينة لمنزلة الخير نفسه لأنها أعلى منها وأفضل
ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}
إن قلت: ما معنى ثم الداخلة في تكرير الدعاء؟قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية من الدعاء أبلغ من الأولى
وقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} قال جاء بـ "ثم" لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة على العتق والصدقة لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره
وقال الزمخشري في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} أن ثم هذه فيها من تعظيم منزلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإجلال محله والإيذان بأنه أولى وأشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ملته
واعلم أنه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن ثم قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالواو لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما أما إذا قلنا إنها ترد لقصد التفاوت والتراخي عن الزمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة لا أن تقول إن ثم قد تكون بمعنى الواو
والحاصل أنها للتراخي في الزمان وهو المعبر عنه بالمهلة وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد فيه ولم يقصد في هذا ترتيب زماني بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه وتحريك النفوس لاعتباره
وقيل: تأتي للتعجب بنحو: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}
وقوله: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كُلاً}
وقيل: بمعنى واو العطف كقوله: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} أي هو شهيد
وقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
والصواب أنها على بابها لما سبق قبله
وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا}،
وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا فالمعنى وصورناكم
وقيل: على بابها والمعنى ابتدأنا خلقكم لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوره وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثم صوره
وأما قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} وقد كان قضى الأجل فمعناه أخبركم أني خلقته من طين ثم أخبركم أني قضيت الأجل كما تقول كلمتك اليوم ثم كلمتك أمس أي أني أخبرك بذالك ثم أخبرك بهذا وهذا يكون في الجمل، فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب قاله ابن فارس
قيل: وتأتي زائدة كقوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} إلى قوله: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} لأن تاب جواب إذا من قوله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ}
وتأتي للاستئناف كقوله تعالى: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}
فإن قيل: ما المانع من الجزم على العطف؟
فالجواب أنه عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء كأنه قال ثم أخبركم أنهم لا ينصرون
فإن قيل: أي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟
قيل: لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتوليهم وحين رفع كان النصر وعدا مطلقا كأنه قال ثم شأنهم وقصتهم أني أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منعت عنهم النصرة والقوة ثم لا ينهضون بعدها بنجاح ولا يستقيم لهم أمر
واعلم أنها وإن كانت حرف استئناف ففيها معنى العطف وهو عطف الخبر على جملة الشرط والجزاء كأنه قال أخبركم أنهم يقاتلونكم فيهزمون ثم أخبركم أنهم لا ينصرون
فإن قيل: ما معنى التراخي في ثم؟
قيل التراخي في الرتبة لأن الأخبار التي تتسلط عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الإدبار وكقوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ}
ثَمَّ المفتوحة
ظرف للبعيد بمعنى قال تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ}
وقرئ: {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} ،أي هنالك الله شهيد بدليل: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}
وقال الطبري في قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} معناه أهنالك، وليست ثم العاطفة وهذا وهم اشتبه عليه المضمومة بالمفتوحة.


[ البرهان في علوم القرآن ( 4 / 266 ـ 270 )]


التوقيع :
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" من رزق همة عالية يعذب بمقدار علوها .... من علت همته طلب العلوم كلها ، و لم يقتصر على بعضها ، و طلب من كل علم نهايته ، و هذا لا يحتمله البدن .
ثم يرى أن المراد العمل فيجتهد في قيام الليل و صيام النهار ، و الجمع بين ذلك و بين العلم صعب" .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السابع, النوع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir