دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > البرامج الخاصة > البرامج الخاصة > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ذو الحجة 1435هـ/20-10-2014م, 03:20 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي صفحة مذاكرة الطالب / ياسر المنير

بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 محرم 1436هـ/31-10-2014م, 10:55 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي أهميه دراسه الحليه

أ-اليقظه العلميه للمسلمين وخاصه الشباب منهم للاطلاع والغوص في مكنونات المسائل تحتاج إلى ضمانات وكوابح تضمن بقاء هذه النهضة أرأيتم الخوارج عندهم من الإيمان بمحبة كون المسلمين على الحق مالا يوجد في غيرهم لكن هذا قد زاد حتى كفروا المسلمين وأئمة المسلمين وخرجوا عليهم فصاروا كما قال النبي صلي الله عليه وسلم " يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرميه "
ب -الله جل وعلا قد رغَّب في طلب العلم، ورتَّب عليه الأجورَ العظيمة، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنّ الملائكه لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع .(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.( من خرج يطلب علمًا، فهو في سبيل الله حتي يرجع .
وذلك أن حاجة الأمة إلى العلماء أشد من حاجتها إلى وجود غيرهم من طوائف الناس ،سواءًكان من العُبَّاد، أو كان من أهل الجهاد أو كان من أهلالأمر بالمعروف والنهي هن المنكر ، وذلك أن هذه العبادات لا تصح إلا بعلم ، لو جاهدبدون علم ، لكان ما يؤدي إليه جهاده من الفساد أعظم ممايؤدي إليه من إصلاحالأحوال ، وهكذا في بقية الأعمال؛فمن تقربإلى اللهبصلاة ليست مبنية على علم ، فقد يكون فيها من المُبطلات والمُفسدات ما يجعلها غيرمقبولة عند الله عز وجل ، ولذلك اهتم الأئمة بالعلم ، ورغَّبوا فيه ، وجعلوه شرطافي العمل ، كما قال الإمام البخاري باب ( العلم قبل القول و العمل ) ، واستدل عليهبقوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّااللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
ج -أنَّ هذه الشريعة مبنية على الأخلاق الفاضلة ، وأنَّ أهل الإسلام يتمسكون بالخلقالطيب ، ومن أولى من يتمسك بالخلق الطيب هم علماء الشريعةوأنه من سنة العلماء التي توارثوها ، ورثها الصغير عن الكبير ، أنهم يتعلمون آدابطلب العلم قبل بدئهم بتعلم العلوم وأنه من فاتته هذه الآداب فاته خير كثير وفاته علم بسبب عدم تأدبه بآداب التعلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 محرم 1436هـ/1-11-2014م, 12:26 AM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي دوام المراقبه

الصفه الرابعه التى يجب ان يتحلى بها طالب العلم هى دوام المراقبه
والمراقبه تعنى ان هناك مراقب فمابالك ان يكون المراقب هو الله عز وجل لقوله ( ان الله لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء )-(يعلم السر واخفى ) – ( ان تخفوا ما فى صدوركم او تبدوه يعلمه الله )
لذا على طالب العلم ان يستشعر معيه الله ويراقب نيته ومقاصده كما يراقب اعماله الظاهره ليصل الى مرتبه الاحسان فيعبد الله كانه يراه فأن لم يكن يراه فان الله يراه والانسان فى طريقه الى الوصول لهذه المرتبه من العباده يخاف على نفسه ان يعاقبه الله بسبب ذنوبه وهو فى نفس الوقت يرجو من الله ان يسبغ عليه نعمه فالسير الى الله يكون بين الخوف والرجاء فأنهما للمسلم كالجناحين للطائر وراس هذا الطائر هو محبه الله .
ولتحقيق المحبه لله يجب الاقبال عليه بكليتك فمن كان مع الله كان الله معه وليمتلىء لسانك بذكر لله (فاذكرونى اذكركم )- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا).
فعندما يمتلىء قلبك بحب الله تستشعر نعمه وفضله عليك (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌمِمَّا يَجْمَعُونَ) فتجد نفسك مستبشره وفرحه ومسروره بأحكام الله وتشريعاته وبما انزل الله عليك من فضل بان جعلك من المسلمين وان ارسال الينا النبى الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وانزل الينا القرآن وان جعلنا من المسلمين وان وفقنا لان نتعلم الدين .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 محرم 1436هـ/1-11-2014م, 08:59 AM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي آداب ونواقض النفس

آداب النفس :
1-العفاف مما فى ايدى الناس وعفه عما يتعلق بالنظر للمحرم .
2-الحلم لايعجل بالعقوبه اذا اساء اليه أحد .
3-الصبر على ما يحصل عليه من آذى من الناس او اقرانه او معلمه .
4- التواضع للحق فأن بان له الحق خضع له ولم يبغ عنه بديلا.
5-سكون الطائر من الوقار والرزانه اى لايكون الانسان خفيفا ولا سريعا بل تكون عليه السكينه ولا تظهر عليه دلائل طيش فلا يتصرف تصرفات فيها تسرع .
6-خفض الجناح اى التواضع للخلق فكم من طالب علم فتح لمعلمه ابوابا لم يكن ليلق لها بالا.
7-متحملا ذل التعلم لعزه العلم انك لو اذللت نفسك للتعلم فانما تطلب عزها بالعلم.
نواقض هذه ألآداب :
فإنَّ المرء يكسب بهذه الآداب الأجر والثواب متى نوى التقرب بها لله ويكسب أيضا محبة الناس له لكن إذا اتصف الإنسان بضد هذه الآداب فإنه أولا: يأثم ،وثانيًا : يمْقُتُه الله ،وثالثاً : يحتقره الناس ويعلمون أنَّ في عقله مرضًا وعلة ، ومن ثَمَّ يجتنبونه ،ورابعا : يكون سببا لحرمان العلم والعمل به.
1-الخيلاء هي الإعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن كما جاء في الحديث (( من جر ثوابهخيلاء )) فالإعجاب يكون بالقلب فقط فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء وقوله : (فإنه نفاق و كبرياء) أما كونه كبرياء فواضح وأما كونه نفاقا فلأن الإنسان يظهر بمظهر أكبر من حجمه الحقيقي وهكذا المنافق يظهر بمظهر المخلص الناصح وهو ليس كذلك.
2- داء الجبابرة وهو الكبر وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينهوأوضحه فقال: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) .
وبطر الحق: هو ردُّالحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم وازدرائهم.
3-الحرص والحسد والحرص الإسراع بالنفس من أجل طمع والمراد بالحسدتمني زوال النعم التي أنعمها الله علىالغير .
هذه الأمور أول ذنب عُصي الله به لأنَّ آدم حسد بهإ ابليس ، وتكبّر إبليس ، كيف أسجد لمن خلقت طينا ، من كان مخلوقا من النار كيف يسجدلمخلوق من الطين.
و من أمثلة الكبرياء المذمومة :
-التطاول اى الترفع على المعلم ومضادة كلامه ورفع الصوت.
-الاسستنكاف اى الترفُّع عمن يأتيك بفائدة ، إذا كان هذا ممن هو دونك.
-التقصير عن العمل بالعلم فإنه من مظاهر التكبر، عندما يجد مجتمعاً منالمجتمعات يجعل الإنسان لا يؤدي سنةً كان يعتادها ، هذا كبر.
-التعالى( الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتى المُتَعالي = كَالسَّيْلِ حَرْبٌ للمَكانِالعالي)
المتعالي يعني : المتكبر ،كالسيل حرب للمكان العالي، المكان العالي لا يصله السيل إنما السيل يجري في مكان منخفض ، وهكذا العلم ،العلم لا يناله كما ورد عن بعض السلف ، العلم لا يناله مُستح ولامتكبِّر.
فالزم اللُّصوق إلى الأرض والإزراء على نفسك يعني : التنقص منها. ومراقبة النفس عند الاستشراف بالكبرياء) ، إذا تطلعت نفسك إلى التكبر على الخلق ، قم بإمساك لجامها ، وقِدْها ، ولا تجعلها تستشرف الكبرياء ، (أو الغطرسة أوحب الظهور أو الإعجاب بالنفس) ، فكل هذا من آفات النفس التي يجب علينا أن نُروِّضا لنفس من أجل مضادتها.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 جمادى الأولى 1436هـ/21-02-2015م, 03:38 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي القناعةُ والزَّهادةُ &التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ &الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ &مراحل الطلب:

القناعةُ والزَّهادةُ :
· التَّحَلِّي بالقَناعةِالتحلي بالقناعة من أهم خصال طالبالعلم يعني أن يقتنع بما أتاه الله عزوجل ولايطلب أن يكون في مصاف الأغنياءوالمترفين
· والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ ( الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّعن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِأراد بالزهد هنا الورع لأن هناك ورعاً وزهداً، والزهد أعلى مقاماً من الورع لأنالورع ترك ما يضر في الآخرةوالزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة
· ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( لو أَوْصَىإنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ ) لأن الزهاد هم أعقل الناس حيث تجنبوا ما لا ينفعهم في الآخرة, وهذا الذي قاله رحمهالله ليس على إطلاق لأن الوصايا والهبات والرهون ترجع إلى معناهافي العرف فإذا كان أعقل الناس في عرفنا هم الزهاد صرف لهم وإذا كان أعقل الناس همذوو المروءة والوقار والكرم بالمال صرف إليهم
· وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِالشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا فيالزهْدِ ؟ قال : قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِيعني: الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ فيالتجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ ) لأن من عرف البيوع وأحكامها وتحرز من الحرام واستحل الحلال فإن هذا هو الزاهد .
· وعليه فليكنْمُعْتَدِلًافي مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُمَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ .وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌالأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في17/12/1393 هـ رَحِمَهاللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِالوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه :
لقد جِئْتُ من البلادِشِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو القَناعةُ،ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَإليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِالمآرِبِ الدُّنيويَّةِ فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ . لا يريدون بذلك تزكية النفس إنما يريدون بذلك نفع الخلق وأن يقتدي الناس بهم
التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ :
1. التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِوالوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِوالتَّخَلِّي عن نواقِضِها . بحيث أن يكون ظاهر طالب العلم موافقًا للعلم الذي يطلبه بحيث يكون (حَسُنَ السمت والسمت هو الصورة الظاهرة ،بحيث تكون أخلاقه الظاهرة وكلامه وملبسه ، دالاً على كونه من طلبة العلم ، ومن ثَمَّ يلازمالسكينة)وهو طمأنينة النفس(والوقار، بحيث يكون ظاهره غيرَ مُنبِئٍ عن خلاف هذه ، وكذلك يتصفبالخشوع، فليس متسرعًا ولا متبادراً لما لا ينبغي ، وليسمتكلمًا بما لا يناسب حاله ، وكذلك يتصف بصفةالتواضعوهو ينافي التكبر ، ويكون ملازمًاللمَحجَّة،المراد بالمحجة :وسطالطريق الموصل إلى المُراد بحيث لا يكون ممن يميل جهة اليمين ولا جهة الشمال ،ويَعمُرظاهره وباطنه بعبادة الله تعالى وذكره والتخلِّي عن نواقض ذلك .


2. وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَهاللهُ تعالى قالَ : ( كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كمايَتَعَلَّمُون العِلْمَ ) بحيث تكون ظواهرهم موافقة لبواطنهم ، ظواهرهم متحلية بالأوصاف الشرعية والأخلاقالمَرعية
3. وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَلرَجُلٍ : (حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولاطَعَّانٍ ) والمتماوت:هو من كان متصفا بصفة موت القلب ، بحيث لا يكونباطنه معمورا لله جل وعلا ،ولا طعان :وهو الذي يبذللسانه في القدح في الآخرين والسب منهم.
4. رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ : يَجِبُ على طالبِالحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ وهو العمل الذي ليس له ثمرة، والعَبَثَ أن يحرك يديه حركات لا فائدة منها، والتبَذُّلَ في المجالِسِ لا يوجد له ضوابط في حديثهبالسُّخْفِ الأمور التوافه والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُر اى التنكيت على الآخرينوإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِمنه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُعن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وماأَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِيَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ ) اهـ . أن يتجنب اللعب والعبث , إلا ما جاءت به الشريعة وإدمان المزاح والإكثار منه، لا سيما عند عامة الناس , أما عند أصحابك وأقرانكفالأمر أهون , لكن عند عامة الناس إياك أن تفتح باب الامتهان فإن ذلك يذهب الهيبةمن قلوب الناس , فلا يهابونك ولا يهابون العلم الذي تأتي به
5. وقد قيلَ : ( مَنْأَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به ) فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَومُحادَثَتِك .وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذاأَرْيَحِيَّةٌ من مزاح أو ضحك والأريحية يعني ما يكون مُنتجا لراحة النفس ، بعض الناس يعد الضحك والتبذل وكثرةالمزاح من الأريحية التي ترتاح لها النفوس ، وهذا ليس من ذلك في شيء بل إنَّ الناسإذا وجدوا شخصا يُكثر من المزاح والتعليق على الآخرين ، فإنه حينئذ تنفر منه نفوسهم.
6. وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ : ( جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ لأن هذا يشغل عن طلب العلم، إني أَبْغَضُ الرجلَيكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه ) أن يكون الرجل مع أهله ثم يصبح يحدث الناس بما فعل , فإن هذا من أشر الناس منزلةعند الله عز وجلوفي كتابِ المحدَّثِالملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ : ( وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ ) .وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى.
المحدَّث : يعني به عمربن الخطاب رضي الله عنه , لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ((إن يكنفيكم محدثون فعمر
والمراد الملهم : الذي يلهمه الله عز وجل . وكأنه يُحدَّثبالوحي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بأن عمر إنما يتلقىالإصابة بواسطة , أما أبو بكر فيتلقاها بلاواسطة.لكن الذي أظهر عمر رضيالله عنه , هو طول خلافته , وتفرغه لأمور المسلمين العامة والخاصة , فكان مشتهرابذلك رضي الله عنه .
يقول في الكتاب الذي كتبه إلى أبي موسى في القضاء :
من تزين بما ليس فيه شانه الله ., إذا تزينالإنسان بأنه طالب علم , وقام يضرب الجبلين بعضهما ببعض , وكلما أتته مسألة منمسائل العلم شمر عن أكمامه , وقال أنا صاحبها , هذا حلال وهذا حرام , ولكن يأتيه طالب علم صغير , ويقول أخبرني عن كذا , فإذا بالله يفضحه ويبين أنهليس بعالم .وكذلك من تزين بعبادة وأظهر للناس أنه عابد , فلا بد أنيكشفه الله عز وجل لا بد أن ينكشف , أعاذنا الله وإياكم من الرياء .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة = وإن خالها تخفى على الناس تعلم .


















الثَّباتُ والتَّثَبُّتُ :
تَحَلَّ بالثباتِوالتَّثَبُّتِ لا سِيَّمَا في الْمُلِمَّاتِ والْمُهِمَّاتِ ومنه : الصبرُ والثباتُ في التَّلَقِّي وطيُّ الساعاتِ في الطلَبِ على الأشياخِ ، فإنَّ) مَن ثَبَتَ نَبَتَ(
الثبات والتثبيتهذان شيئان متشابهان لفظا لكنهما مختلفان معنى . فالثبات معناه الصبر والمصابرةوألا يمل ولا يضجر وألا يأخذ من كل كتاب نتفة أو من كل فن قطعة ثم يترك ففي الغالب أنه لا يحصلعلما، ولو حصل علما فإنما يحصل مسائل لا أصولا وتحصيل المسائل كالذي يلتقط الجرادواحدة بعد أخرى لكن التأصيل والرسوخ والثبات هذا هو المهم، واثبت بالنسبة للشيوخ واتثبت فيما ينقل عن الغير ثم يأتي دور المناقشة مع من؟ مع صاحبه الذي نقل عنه قبل أن تحكم على هذاالقول بأنه خطأ أو غير خطأ ، ولهذا قال: (منه الصبر والثبات في التلقي وطي الساعات في الطلب علىالأشياخ)هذا داخل في الثبات أم في التثبت؟ في الثبات(فإنمن ثبت نبت)ومن لم يثبت لم ينبت، ولم يحصل على شيء .
كيفيَّةُالطلَبِ ومَراتِبُه :
مَن لميُتْقِن الأصولَ ، حُرِمَ الوُصولمن فاته الأصول حرم الوصول، لأن الأصول هي العلم والمسائل فروع، كأصل الشجرةوأغصانها إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك ولذالك فأن الأصول هى : القواعد والضوابط التى تبنى على أصول من الكتاب والسنه ومثال ذالك (المشقة تجلب التيسير) هذا أصل من الأصول مأخوذ من الكتاب والسنة، من الكتاب من قولهتعالى : { وماجعل عليكم في الدين من حرج }من السنة قال النبي صلى الله عليه على آله وسلم لعمرانابن حصين:((صلقائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب)).
(ومَن رامَ العلْمَ جُملةً ، ذَهَبَعنه جُمْلَةً : العلم يؤخذ شيئا فشيئا كسلم لان العلم يحتاج مرونة وصبر وثبات وتدرج .
وقيلَ أيضًا :( ازدحامُ العِلْمِ فيالسمْعِ مَضَلَّةُ الفَهْمِ : لان الكثره قد تؤدى الى الاضلال فى الفهم وعليهفلا بُدَّ من التأصيلِ والتأسيسِ لكلِّ فَنٍّ تَطْلُبُه، بضَبْطِ أصْلِه ومُختصَرِه على شيخٍ مُتْقِنٍ ، لا بالتحصيلِ الذاتيِّ وَحْدَه ؛وآخِذًا الطلَبَ بالتدَرُّجِ:يؤخذ العلم من شيخ يتصف بالاتقان وايضا الامانه (إن خير من استأجرت القوي الأمين) ولابعتمد فى العلم على التحصيل الذاتي ولهذا قيل (من دليله كتابه خطؤه أكثر من صوابه) أما من أخذ عن عالم وشيخ فإنه يستفيد:
الفائدة الأولى : قصر المدة والفائدة الثانية قلة التكلف والفائدة الثالثة أن ذلك أحرى بالصواب؛ لأنهذا الشيخ قد علم وتعلم ورجح وفهم فيعطيك الشيء ناضجا لكنه يمرنك إذا كان عنده شيءمن الأمانة يمرنك على المراجعة والمطالعة.
قال: وآخِذًا الطلَبَبالتدَرُّجِ:
. ثم استدل بالآيات: قالَ اللهُ تعالى : { وَقُرْآنًافَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى نَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةًوَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا .}أمامَكأمورٌ لابُدَّ من مُراعاتِهافي كلِّ فنٍّ تَطْلُبُه :
-1 حفْظُ مُخْتَصَرٍ فيه .
- 2 ضبْطُه على شيخٍ متْقِنٍ .
-3 عدَمُ الاشتغالِ بالْمُطَوَّلاتِوتَفاريقِ الْمُصَنَّفاتِ قبلَ الضبْطِ والإتقانِ لأَصْلِه .
- 4 لا تَنْتَقِلْ من مُخْتَصَرٍ إلىآخَرَ بلا مُوجِبٍ ، فهذا من بابِ الضَّجَرِ .
-5 اقتناصُ الفوائدِ والضوابِطِالعِلْمِيَّةِ .
- 6 جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّي فيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُللتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍمُوَثَّقَةٍ
.أولا : حفظ مختصرفيه)، فمثلا إذا كنت تطلب النحو وكنت مبتدأ فلا أرى أحسن من متنالآجرومية ، ثم متن الألفية ألفية ابن مالك لأنهاخلاصة علم النحو كما قال هو نفسه:
أحصى من الكافية الخلاصة = كما اقتضى فنا بلا خصاصة
وفي الفقه احفظ زاد المستنقع لأن هذاالكتاب مخدوم بالشروح والحواشي والتدريس .
في الحديث: متن عمدة الأحكام وإن ترقيتفبلوغ المرام وإذا كنت تقول إما هذا أو هذا فبلوغ المرام أحسن لأنه أخصر ولأنالحافظ ابن حجر رحمه الله يبين درجة الحديث وهذا مفقود بالنسبة لعمدة الأحكام وإنكان درجة الحديث فيها معروفة لأنه لم يضع في هذا الكتاب إلا ما اتفق عليه الشيخانالبخاري ومسلم .
في التوحيد: من أحسن ما قرأنا كتاب التوحيدلشيخ الإسلام محمد بن الوهاب.
في الأسماء والصفات: منأحسن ما ألف فيما قرأت العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ثانيا ضبطه علىشيخ متقن، ولو قال: ضبطه وشرحه لكان أولى لأن المقصود ضبطه وتحقيق ألفاظه وما كانزائدا أو ناقصا وكذلك الشرح، استشرح هذا المتن على شيخ متقن وكما قلنا فيما سبق إنهيجب أن يضاف إلى الإتقان صفة أخرى وهي الأمانة لأن هذه من أهم ما يكون وأنتم تعلمونأن ذكر القوة والأمانة في القرآن متعدد لأن عليهما مدار العمل فقد قال العفريت منالجن{ أنا آتيكبه قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين }وقال صاحب مدين ، بل قالت ابنته: { يا أبت استئجرهإن خير من استأجرت القوي الأمين }وقال الله تعالى في وصف جبريل: {ذي قوة عند ذي العرشمكين مطاع ثم أمين} فعلى هذين الوصفين القوة والأمانة تبنى الأعمال كلها فلا بد منشيخ متقن ويكون أمينا،
الثالث :عدم الاشتغال بالمطولات وهذه أعنيالفقرة الثالثة مهمة جدا لطالب العلم أن يتقن المختصرات أولا حتى ترسخ العلوم فيذهنه ثم بعد ذلك يفيض إلى المطولات ولهذا قال: عدم الاشتغال بالمطولاتوتفاريق المصنفات قبل الضبط والإتقان لأصله أي لأصل ذلك العلم وقياس ذلك في الأمر المخصوصأن ينزل من لم يتعلم السباحة إلى بحر عميق فإنه لا يستطيع أن يتخلص فضلا عن أن يتقن .
الرابع : لا تنتقل من مختصر إلى آخر بلاموجب فهذا من باب الضجر . وهذه أيضا آفة يعني التنقل من مختصر إلى آخر أو من كتابفوق المختصر إلى آخر هذه آفة عظيمة تقطع على الطالب طلبه وتضيع عليه أوقاته .
خامسا : اقتناص الفوائد والضوابط العلميةالفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن أو التي يندر ذكرهاوالتعرض لها أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها هذه اقتنصها واضبطهابالكتابة قيد، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ولا حاجة أن أقيده أنا إن شاء الله ماأنساه احرص على الاهتمامبالضوابط ومن الضوابط ما يذكره الفقهاء تعليلا للأحكام فإن كل التعليلات للأحكامالفقهية تعتبر ضوابط لأنها تنبني عليها الأحكام فهذه أيضا احتفظ بها مثلا : إذا قال: إذا شك في طهارة الماء من نجاسته فإنه يبني علىاليقين هذه على كل حال تعتبر حكما وتعتبر ضابطا أيضا ، لأن الأصل بقاء ما كان علىما كان إذا ما شك في نجاسة طاهر ، فهو طاهر، أو في طهارة نجس فهو نجس لأن الأصلبقاء ما كان على ما كان ولو أن الإنسان كل ما مر عليه مثل هذه التعليلات حررهاوضبطها ثم حاول في المستقبل أن يبني عليها مسائل جزئية لكان في هذا فوائد كثيرة لهولغيره .
سادسا: جَمْعُ النفْسِ للطلَبِ والترَقِّيفيه ، والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه حتى تَفيضَ إلىالْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ .
هذا أيضا مهم أن الإنسانيجمع نفسه للطلب فلا يشتتها يمينا ويسارا يوما يطلب العلم ثم يوم يفكر يقول أفتحمكتبة، الناس رزقهم الله ويوم ثان يقول أروح إلى بيع الخضار ، هذا ليس بصحيح اجمعالنفس على الطلب ما دمت مقتنعا بأن هذا منهجك وسبيلك فاجمع نفسك عليه وأيضا اجمعنفسك على الترقي فيه لا تبقى ساكنا فكر فيما وصل إليه علمك من المسائل والدلائل حتىتترقى شيئا فشيئا واستعن بمن تثق به من زملائك وإخوانك فالحياء لا ينال العلم به أحد، فلا ينال العلم مستحي ولا مستكبر .
وقوله : (والاهتمامُ والتحَرُّقُ للتحصيلِ والبلوغِ إلى ما فوقَه) يعني معناه أن الإنسان يكون عنده شغف شديد تتحرق نفسه لينال ما فوق المنزلة التي هوفيها (حتى تَفيضَ إلى الْمُطَوَّلاتِ بسَابِلَةٍ مُوَثَّقَةٍ) تفيض: من المياه إذا فاض الماء بحيث امتلأ المكان الأول فانتقل بعضه إلى مكان آخر،هذا إفاضة الماء فاض الماء ، فهو يفيض من المختصرات إلى المطولات بسابلة ، ما هيالسابلة ؟ السحاب القوي الذي فيه مطر كثير ، موثقة بحيث يكون متوثقا من علمه.
وكانمن رأيِابنِ العربيِّ المالِكِيِّ أن لا يَخْلِطَ الطالبُ في التعليمِ بينَ عِلْمَين وأنيُقَدِّمَ تعليمَ العربيَّةِ والشعْرِ والْحِسابِ ، ثم يَنتَقِلَ منه إلى القُرآنِ .
لكنتَعَقَّبَهابنُ خَلدونَ بأنَّ العوائدَ لا تُساعِدُ على هذا وأنَّ الْمُقَدَّمَ هو دراسةُالقرآنِ الكريمِ وحِفْظُه ؛ لأنَّ الوَلَدَ ما دام في الْحِجْرِ يَنقادُ للحُكْمِ ،فإذا تَجاوَزَ البُلوغَ ؛ صَعُبَ جَبْرُه.
أمَّاالْخَلْطُفي التعليمِ بينَ عِلمينِ فأَكْثَرَ ؛ فهذا يَختلِفُ باختلافِ المتعلِّمينَ فيالفَهْمِ والنشاطِ إنك تقدم تعليم العربية هذا قد يكون مسلما بالنسبة لمن لا ينطق العربية وذلك لأنهلا يمكن أن يعرف القرآن إلا إذا تعلم العربية لكن من كان عربيا فليس من المُسَلَّمأن نقول تعلم العربية بمعنى: توسع فيها والشعر والحساب وقوله: لا يجمع بينعلمين، فيقال إن الناس يختلفون في الفهم والاستعداد فقد يكون سهلا على المرء أنيجمع بين علمين وقد يكون من الصعب أن يجمع بين علمين وكل إنسان طبيب نفسه ولكن ليحذر النشاط أو نشاط البدء لأنهبمنزلة السفر، فإن بعض الناس أول ما يبدأ يجد نفسه نشيطا نشيطا نشيطاثلاث مرات فيريد أن يلتهم العلوم جميعا فإذا به ينكث على الوراء لأنه كبر اللقمةومن كبر اللقمة فلا بد أن يغص حتى لو وجدت من نفسك قدرة وقوة لا تكلفها ما لا تطيقاتزن حتى تستمر.. .
وكانمن أهلِالعلمِ مَن يُدَرِّسُ الفقهَ الحنبليَّ في ( زادِ الْمُسْتَقْنِعِ ) للمبتدئينَ و (الْمُقْنِعِ ) لِمَن بعدَهم للخِلافِ المذهبيِّ ، ثم ( الْمُغْنِي ) للخِلافِالعالي ، ولا يَسْمَحُ للطبقةِ الأُولى أن تَجْلِسَ في دَرْسِ الثانيةِ .وهكذا؛ دَفْعًاللتشويشِ. فالحاصل أنه ينبغي أن المعلم يرتقى بالطلبة درجة فدرجة حتى يتقنوا ما تعلموه.
واعْلَمْأنَّذِكْرَ الْمُختصراتِ فالْمُطَوَّلَاتِ التي يُؤَسَّسُ عليه الطلَبُ والتلَقِّي لدىالمشايخِ تَختَلِفُ غالبًا من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ باختلافِ الْمَذاهِبِ وما نَشأَعليه عُلماءُ ذلك الْقُطْرِ من إتقانِ هذا المختَصَرِ والتمَرُّسِ فيه دونَ غيرِه قد يكون الإنسان في بلد ينتحلون مذهب الشافعي ستجد العلماء يدرسون أو يبنون أصولتدريسهم على كتب الشافعي، في بلد ينهج فيه أهله مذهب الإمام أحمد تجد العلماءيدرسون كتب هذا المذهب .
والحالُهناتَختلِفُ من طالبٍ إلى آخَرَ باختلافِ القرائحِ والفهومِ وقُوَّةِ الاستعدادِوضَعْفِه ، وبُرودةِ الذِّهْنِ وتَوَقُّدِه . وهناك أسباب أخرىأيضا وهي قوة الاستعداد للعلم وتلقيه وضعف ذلك وكذلك كثرة المشاغل وقلتها.
مراحل الطلب:
وقدكان الطلَبُفي قُطْرِنا بعدَ مَرحلةِ الكتاتيبِ والأخْذِ بحفْظِ القرآنِ الكريمِ يَمُرُّبِمَراحلَ ثلاثٍ لدى المشايِخِ في دُروسِ المساجدِ : للمبتدئينَ ثمالْمُتَوَسِّطِينَ ، ثم الْمُتَمَكِّنِينَ .
ففيالتوحيدِ
(ثلاثةُ الأصولِ وأَدِلَّتُها ) وتدور عليها من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
( القواعدُالأربَعُ) تدور على قوله تعالى: { والعصر * إنالإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر }
( كشْفُ الشُّبهاتِ ) شبهات بعض أهل الشرك التي أوردوها وأجاب عنها الشيخ رحمه الله .
( كتابُالتوحيدِ ) أربَعَتُها للشيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ رَحِمَه اللهُ تعالى ،هذا في توحيدِ العِبادةِ .
وفيتوحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ:
العقيدةُ الوَاسِطِيَّةُ ) وهي من أحسن كتب العقيدةوسميت الواسطية نسبة إلى واسط لأن بعض قضاتها قدم إلى الشيخ رحمه الله وطلب منه أنيكتب ملخصا في عقيدة السلف فكتب هذه العقيدة المباركة
( الْحَمَوِيَّةُ ) و ( التَّدْمُرِيَّةُ ) رسالتان أوسع من العقيدة الواسطية لكنها أجمع منهما لأنه ذكر فيها الأسماء والصفاتوالكلام على الإيمان باليوم الآخر وطريقة أهل السنة والجماعة ومنهجهم في الأمربالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك فهي أجمع من التدمرية والحموية لكن التدمريةوالحموية تمتازان بأنهما أوسع منها في باب الصفات ؛ ثلاثتُها لشيخِ الإسلامِ ابنِتَيميةَ رَحِمَه اللهُ فـ ( الطحاوِيَّةُ ) مع شَرْحِها .
وفيالنحوِ : ( الآجُرُّومِيَّةُ ) ثم ( مُلْحَةُ الإعرابِ ) للحَريريِّ ، ثم ( قَطْرُ النَّدَى ) لابنِ هِشامٍ ( وألْفِيَّةُ ابنِ مالِكٍ ) مع ( شَرْحِها ) لابنِ عَقيلٍ . راي الشيخ ابن عثيمين ان يبدا بالآجرومية كتاب صغير في النحو لكنه مبارك وجامع، مقسم، سهل وأنا أنصح به كل مبتدئ في النحو أنيقرأها ثم إلى الألفية أماأن نحشوا أذهاننا بكتب تعتبر كالتكرار لأولها فلا حاجة (ملحة الإعراب) هذه نظم فيهابيت مشهور عند الناس وهو قوله:
إن تجد عيبا فسد الخللا = فجل من لا عيبفيه وعلا
وفيالحديثِ : ( الأربعينَ ) للنوويِّ ، ثم ( عُمْدَةُ الأحكامِ ) للمَقْدِسِيِّ ، ثم ( بُلوغُ الْمَرامِ ) لابنِ حَجَرٍ ، و ( الْمُنْتَقَى ) للمَجْدِ ابنِ تَيميةَ ؛ رَحِمَهم اللهُ تعالى ،فالدخولُ في قراءةِ الأمَّهاتِ السِّتِّ وغيرِها .
وفيالْمُصطَلَحِ : ( نُخبَةُ الفِكَرِ ) لابنِ حَجَرٍ ، ثم ( أَلْفِيَّةُ العِراقيِّ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفىالفِقْهِ مَثَلًا : ( آدابُ المشيِ إلى الصلاةِ ) للشيخِمحمَّدِ بنِ عبدِ الوَهَّابِ ، ثم ( زادُ المستَقْنِعِ ) للحَجَّاويِّ رَحِمَهاللهُ تعالى أو ( عُمْدَةُ الفِقْهِ ) ثم ( الْمُقْنِعُ ) للخِلافِ المذهبيِّ ، و ( الْمُغْنِي ) للخِلافِ العالي ؛ ثلاثتُها لابنِ قُدامةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفيأصولِ الفقهِ : ( الوَرَقَاتُ ) للجُوَيْنيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، ثم ( رَوضةُ الناظِرِ ) لابنِقُدامةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى .
وفيالفرائضِ : ( الرَّحْبِيَّةُ ) ثم مع شُروحِها ، و ( الفوائدُ الجلِيَّةُ ) .
وفيالتفسيرِ ( تفسيرُ ابنِ كثيرٍ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ،وفي أصولِ التفسيرِ : ( الْمُقَدِّمَةُ ) لشيخِ الإسلامِ ابنِتَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى .
وفيالسيرةِ النبوِيَّةِ : ( مُخْتَصَرُها ) للشيخِ محمَّدِ بنِعبدِ الوَهَّابِ وأَصْلُها لابنِ هِشامٍ ، وفي ( زادِ الْمَعادِ ) لابنِ القَيِّمِرَحِمَه اللهُ تعالى .
وفيلِسانِ العَرَبِ :العنايةُ بأشعارِها ؛ كـ ( المعلَّقَاتِالسبْعِ ) والقراءةُ في ( القاموسِ ) للفيروزآباديِّ رَحِمَه اللهُتعالى .
.... وهكذا منمَراحلِ الطلَبِ في الفُنونِ .
وكانوامع ذلكيَأخذون بجَرْدِ الْمُطَوَّلَاتِ ؛ مثلِ ( تاريخِ ابنِ جَريرٍ ) وابنِ كثيرٍ ؛وتفسيرِهما ، ويُرَكِّزُون على كُتُبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ، وتلميذِه ابنِالقَيِّمِ رَحِمَهما اللهُ تعالى . وكُتُبِ أئِمَّةِ الدعوةِ وفتاوِيهم لا سِيَّمَامُحَرَّرَاتِهم في الاعتقادِ .

......... وهكذاكانت الأوقاتُ عامرةً في الطلَبِ ومجالِسِ العِلْمِ ،فبعدَ صلاةِ الفَجْرِ إلى ارتفاعِ الضُّحَى ، ثم تكونُ القَيلولةُ قُبَيْلَ صلاةِالظهْرِ ، وفي أعقابِ جَميعِ الصلواتِ الخمْسِ تُعْقَدُ الدروسُ ، وكانوا في أَدَبٍجَمٍّ وتَقديرٍ بعِزَّةِ نفْسٍ من الطَّرَفَيْنِ على مَنهجِ السلَفِ الصالِحِرَحِمَهُم اللهُ تعالى ، ولذا أَدْرَكُوا وصارَ منهم في عِدادِ الأئِمَّةِ فيالعِلْمِ جَمْعٌ غَفيرٌ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .فهلمن عودةٍ إلى أصالةِ الطلَبِ في دِراسةِ المختَصَراتِالْمُعتَمَدَةِ لا على المذَكَّرَاتِ ، وفي حِفْظِها لا الاعتمادِ على الفَهْمِفحَسْبُ ، حتى ضاعَ الطلَّابُ فلا حِفْظَ ولا فَهْمَ .وفيخُلُوِّ التلقينِ من الزَّغَلِ والشوائبِ والكَدَرِ ،سيْرٌ على مِنْهَاجِ السلَفِ؟واللهُالْمُستعانُ .

......... وقالَالحافظُ عثمانُ بنُ خُرَّزَاذَ (م سنة 282 هـ ) رَحِمَهاللهُ تعالى : ( يَحتاجُ صاحبُ الحديثِ إلى خَمْسٍ ، فإن عُدِمَتْ واحدةٌ فهينَقْصٌ : يَحتاجُ إلى عَقْلٍ جَيِّدٍ ، ودِينٍ ، وضَبْطٍ ، وحَذَاقَةٍ بالصِّناعةِمع أَمانَةٍ تُعْرَفُ منه ) . قلتُ : أي الذهبيُّ : ( الأمانةُ جزءٌ من الدينِ ، والضبْطُداخلٌ في الْحِذْقِ ، فالذي يَحتاجُ إليه الحافظُ أن يكونَ تَقِيًّا ، ذَكِيًّا ،نَحْوِيًّا ، لُغَوِيًّا ، زَكِيًّا ، حَيِيًّا ، سَلَفِيًّا يَكفِيه أن يَكتُبَبيَدَيْهِ مِئَتَي مُجَلَّدٍ ، ويُحَصِّلَ من الدواوينِ الْمُعْتَبَرَةِ خَمْسَمِئَةِ مُجَلَّدٍ وأن لا يَفْتُرَ من طلَبِ العِلْمِ إلى الْمَمَاتِ بِنِيَّةٍخالِصَةٍ ، وتوَاضُعٍ وإلا فلا يَتَعَنَّ ) اهـ .






رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الأولى 1436هـ/7-03-2015م, 08:21 AM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرس الأوَّل: بيانُ معنَى شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ

(لا إلهَ إلا اللهُ) أي لا مَعْبودَ بحقٍّ إلا اللهُ. والإلهُ: هو المألوهُ، أي المَعْبودُ.
فكلُّ ما يُعْبَدُ من دونِ اللهِ فعبادتُه باطلةٌ، وَمَن عبدَ غيرَ اللهِ فهو مُشرِكٌ كافِرٌ، كما قال اللهُ تعالى:﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[المؤمنون: ١١٧]. لأن العبادةَ حقٌّ للهِ وحدَه، خَلَقَنا لأجلِها كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)[الذاريات: ٥٦].
وهذا هو معنَى التَّوْحيدِ، وهو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ، فلا نَعْبُدُ إلا اللهَ وحدَه لا شريكَ له.
وبهذا التوحيدِ الذي هو معنَى (لا إلهَ إلا اللهُ) بَعَثَ اللهُ الرُّسلَ كلَّهم؛ قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)[الأنبياء: ٢٥].
وقد قَصَّ اللهُ علينا في كتابِه الكريمِ أنباءَ الرُّسلِ معَ أقوامِهم ، وبَيَّن لنا أنَّ أوَّلَ دعوةَ الرُّسُلِ كانت إلى توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ــ قال اللهُ تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)[الأعراف: ٥٩].
وقال: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُــ وقال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٨٥].
ــوقال يوسف عليه السلام: ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)[يوسف: 39].وكذلك كانت دعوةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى العالمين، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)[الأنبياء: ١٠٧-١٠٨].
وقد بدأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دعوةَ قومِه بمَكَّةَ إلى التوحيدِ، فدعاهم إلى أن يقولوا: (لا إلهَ إلا اللهُ) ويَجْتنبُوا عِبادةَ الأصنامِ، فاستكبَرَ أكثرُهم وأَبَوْا أن يُجِيبوه إلى كلمةِ التوحيدِ؛ فكانوا كما قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)[الصافات: ٣٥–٣6]. فردَّ اللهُ عليهم بقولِه: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) [الصافات: ٣7].
وعن ابن عبَّاسٍ رضِي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَن قال له: ((إنَّك تَقْدَمُ على قَوْمٍ من أهلِ الكتابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ما تدعوهم إلى أن يُوحِّدوا اللهَ)).
فتوحيدُ اللهِ تعالى هو مِفْتاحُ الدخولِ في الإسلامِ، وبدونِه لا يكون المَرْءُ مُسلمًا، وإذا ارْتَكَبَ العبدُ ما يَنْقُضُ هذا التوحيدَ فهو كافرٌ مشركٌ خارجٌ عن مِلَّةِ الإسلامِ.
وعن مُعاذِ بن جَبَل رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا مُعاذُ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبَادِ؟))قال مُعاذٌ: اللهُ ورسولُه أعلمُ.قال: ((حقُّ اللهِ على العبادِ أن يَعْبدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا))ثم قال له: ((يا مُعاذُ، أتدري ما حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فعلوا ذلكَ؟))قال معاذٌ: اللهُ ورسولُه أعلمُ.قال: ((حقُّ العبادِ على اللهِ إذا فعلوا ذلك أن لا يُعَذِّبَهم)).
فإذا شَهِدَ العبدُ أن لا إله إلا اللهُ؛ فقد شَهِدَ ببُطلانِ ما يُعْبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل، وشَهِدَ على نفسِه أن لا يَعْبُدَ إلا اللهَ عز وجل مُخْلِصًا له الدينَ.
وهذا هو الإسلامُ الذي أمَرَ اللهُ به، وقال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥].
الخُلاصة:
معنَى (لا إله إلا الله ) أي: لا مَعْبودَ بحقٍّ إلا اللهُ.
لا يَتحقَّقُ التوحيدُ إلا باجتنابِ الشركِ.
الغايةُ التي خُلِقنا من أجلِها: عبادةُ اللهِ وحدَه لا شريكَ له.
مَن عَبَد غيرَ اللهِ فهو مُشرِكٌ كافرٌ.
كلُّ رسولٍ دعا قومَه إلى التوحيدِ واجتنابِ الشِّرْكِ.
أصْلُ دعوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى التوحيدِ، فبدأ بدَعْوةِ قومِه إلى التوحيدِ، وأرسَلَ إلى الملوكِ يَدْعُوهم إلى التوحيدِ، وأَمَر أصحابَه أن تكونَ أوَّلُ دعوتِهم إلى التوحيدِ.
التوحيدُ هو حقُّ اللهِ على العِباد.
مَن لم يُوحِّد اللهَ فليسَ بمسلمٍ، وإنْ زَعَم أنه مُسْلِمٌ.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الأولى 1436هـ/7-03-2015م, 08:37 AM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي


الدرس الثاني: بيانُ معنَى شهادةِ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)


شهادةُ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ تَقْتَضِي الإيمانَ بأنَّ اللهَ تعالى أرسَلَ نَبِيَّه مُحمَّد بنَ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ رسولاً إلى الجِنِّ والإنسِ جَمِيعًا يَأْمُرُهم بعبادةِ اللهِ وحدَه، واجتنابِ ما يُعبَدُ من دونِ اللهِ عز وجل، ويُبَيِّنُ لهم شَرائِعَ الدِّينِ.
وتَقْتَضِي الإيمانَ بأنه عبدُ اللهِ ورسولُه، ولا يَجوزُ أن نَغْلُوَ في مَدْحِه؛ فنَصِفَه بصفاتٍ هي من خَصائصِ اللهِ جل وعلا.
فعن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما أنه سَمِعَ عُمَر بنَ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه يقولُ وهو على المِنْبرِ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النَّصارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فإنَّما أنا عَبْدُه؛ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه)). رواه البخاري.
وشهادةُ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ تستلزمُ ثلاثةَ أمورٍ عظيمةٍ هي:
1: مَحَبَّتُه صلى الله عليه وسلم، بل يَجِبُ علينا أن نُقدِّمَ مَحَبَّتَه صلى الله عليه وسلم على مَحَبَّةِ النفسِ والأهلِ والوَلَدِ.
فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حتى أكونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِه ووَالِدِه والناسِ أجْمَعينَ)). متفق عليه.
2: تصديقُ ما أخْبَرَ به من أُمورِ الغيبِ وغيرِه، فكلُّ ما صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو حَقٌّ وصِدْقٌ.
3: طاعتُه صلى الله عليه وسلم، وذلك بامتثالِ أوامرِه، واجتنابِ نواهيه.
وشهادةُ أن مُحمَّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الدينِ، بل لا يَدْخُل العبدُ في الإسلامِ حتى يَشْهَدَ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وإذا ارتكَبَ العبدُ ما يَنْقُضُ هذه الشهادةَ فليسَ بمُسلمٍ، بل هو كَافِرٌ مُرتَدٌّ عن دينِ الإسلامِ.
ومِمَّا يَنْقُضُ هذه الشهادةَ:
1: بُغْضُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسبُّه والاستهزاءُ به وبما جاء به من شرائعِ الدين، فمَن فعَلَ ذلك فهو كافرٌ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم، قال اللهُ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: ٦٥].
2: تكذيبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والشَّكُّ في صِدْقِه؛ لأن كلاًّ من المُكذِّبِ والشَّاكِّ غيرُ مُصَدِّق، ومن لم يُصَدِّق الرسولَ صلى الله عليه وسلم فهو غيرُ مُؤمِنٍ به.
3: الإعراضُ عن طاعةِ الرسولِ؛ فيَرَى أنها لا تَلْزَمُه، أو يُعْرِضُ عنها إعراضًا مُطْلقًا؛ فلا يُبالِي بأوامرِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ونواهيه.
أما مَن كان يُؤمِن باللهِ ورسولِه، ويَفْعَلُ بعضَ المعاصي من غيرِ نَواقِضِ الإسلامِ؛ فهذا من عُصاةِ المسلمين، ولا نُكفِّرُه بسَبَبِ مَعْصِيَتِه، بل نرجو له من اللهِ العَفْوَ والمَغْفِرَةَ، ونَخْشَى عليه العذابَ الأليمَ بسَبَبِ عِصْيانِه.
وكلُّ مَن ارتكَبَ شيئًا من هذه النواقضِ التي تَنْقُضُ شهادةَ أن مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ فهو غيرُ مُؤمِنٍ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم، وإنْ نَطَقَ بالشَّهادةِ بلسانِه؛ فحالُه كحالِ المنافقين الذين قال اللهُ فيهم: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ[المنافقون: ١].
وهذه الشَّهادةُ ليستْ كَلِمةً تُقالُ فحَسْبُ؛ بل هي مِنْهاجُ حَياةِ المسلمِ، وعليها مَدارُ عَمَلِه، وبتحقيقِها تَتحَقَّقُ نجاتُه وسعادتُه.
واللهُ تعالى لا يَقْبَلُ من عبدٍ عَمَلاً حتى يكونَ خَالِصًا له جل وعلا، وصوابًا على سُنَّة رسولِه صلى الله عليه وسلم.
فالإخلاصُ هو مُقْتضَى شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ. والمُتابَعَةُ هي مُقْتَضَى شَهادةِ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وكلُّ عَمَلٍ ليس على سُنَّةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فهو بَاطِلٌ مَرْدودٌ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( مَن عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليه أَمْرُنا فهو رَدٌّ )) رواه مُسْلمٌ من حديثِ عائشةَ رضِي الله عنها.وفي صحيحِ مُسلمٍ أيضًا من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في خُطْبتِه: (( أما بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحمَّدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ )).
والمُبتدِعُ عاصٍ للرسولِ صلى الله عليه وسلم غيرُ مُتَّبِعٍ للهُدَى، وهو ضالٌّ ببِدْعتِه، والبِدَعُ على قِسْمين:
ــ بِدَعٌ مُكفِّرةٌ ــ وبِدَعٌ مُفسِّقَةٌ
فالبدعُ المُكفِّرةُ هي التي تَتضمَّنُ ارتكابَ ناقضٍ من نواقضِ الإسلامِ؛ إما بصَرْفِ عبادةٍ لغيرِ اللهِ عز وجل، أو تكذيبِ اللهِ ورسولِه، أو غير ذلك من النواقض، وصاحبُها كافرٌ مرتدٌّ عن دينِ الإسلامِ، ومثالُها: دَعْوَى بعضِ الفِرَقِ أن القرآنَ ناقصٌ أومُحرَّفٌ.
والبدعُ المُفسِّقةُ هي التي لا تَتضمَّنُ ارتكابَ ناقضٍ من نواقضِ الإسلامِ، ومثالُها: تَخْصيصُ بعضِ الأمكنةِ والأزمنةِ بعباداتٍ لم يَرِدْ تَخْصيصُها بها كالموالدِ النَّبويَّةِ.
فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَأْمُر إلا بما هو خيرٌ للعبدِ في دينِه ودنياه، ولم يَنْهَ إلا عما فيه مَفْسَدةٌ ومَضَرَّةٌ؛ وقد حُفَّت الجنَّةُ بالمَكارِهِ، وحُفَّت النار بالشهواتِ،وقد قال اللهُ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: ٦٣].
فَفِعْلُ المعصية قد يَجُرُّ إلى فتنةٍ في الدين لا يَثْبُتُ فيها العبدُ فيَضِلُّ ويَهْلِكُ، وقد يُصيبُه على ذنبِه عذابٌ أليمٌ في الدنيا أو في قَبْرِه أو يوم القيامةِ.
وقد فرَضَ اللهُ على رسولِه تبليغَ الرسالةِ، فبلَّغَها كما أُمِر، قال اللهُ تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: ٦٧].
وأوجَبَ اللهُ تعالى علينا طاعتَه فقال: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[النور: ٥٤].
والرسولُ قد حُمِّلَ أمانةَ تبليغِ الرسالةِ، فأدَّاها كما أرادَ اللهُ، وقد سأل الناسَ في الجَمْع العظيمِ في حَجَّة الوداعِ: ((ألا هل بَلَّغْتُ؟))؛ فقالوا: نعم. فقال: ((اللهم اشْهَدْ)).
ونحن حُمِّلنا أمانةَ اتباعِ الرسولِ ظاهرًا وباطنًا؛ فمَن وَفَّى بهذه الأمانةِ أفْلَحَ ونَجَا، وفازَ بالثوابِ العظيمِ، ومَن خانَ هذه الأمانةَ خَسِر خُسرانًا عظيمًا، وقد قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[الأنفال: ٢٧].

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الأولى 1436هـ/7-03-2015م, 11:33 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرسُ الخامسُ: بيانُ معنَى دينِ الإسلامِ


قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[آل عمران: ١٩].وقال تعالى:﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) [آل عمران: ٨٥].وقال تعالى: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج: ٣٤].
والإسلامُ معناه: إخلاصُ الدينِ للهِ عز وجل والانقيادُ لأوامرِه وأحكامِه.
وهو عقيدةٌ وشَريعةٌ؛ فالعقيدةُ مَبْناها على العلمِ الصحيحِ، والشريعةُ أحكامٌ يَجِبُ على العبدِ امتثالُها.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥].
فلا يكونُ العبدُ مُسلمًا حتى يَجْمَعَ أمرين:
الأمر الأول: إخلاص الدينِ للهِ عز وجل؛ فيُوَحِّدُ اللهَ ويَجْتَنِبُ الشِّركَ.
الأمر الثاني: الانقياد للهِ تعالى، بامتثالِ أوامرِه واجتنابِ نَواهيهِ.
فمَن وحَّد اللهَ وانقادَ لأوامرِه فهو مُسْلِمٌ.
وبهذا تَعْرِفُ أن المُشْرِكَ غيرُ مسلمٍ؛ لأنه لم يُخْلِصِ الدينَ للهِ عز وجل.
والمُسْتكبِرُ عن عبادةِ اللهِ غيرُ مُسلمٍ؛ لأنه مُمْتنِعٌ غيرُ مُنقادٍ لأوامرِ اللهِ جل وعلا.
قال اللهُ تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)[النساء: ١٧٢–١٧٣].
فصل: والمسلمون يتفاضلون في حسن إسلامِهم بتفاضُلِهم في الإخلاصِ، وحُسنِ الانقيادِ، فهُم على مراتبِ الدين الثلاثةِ التي بَيَّنَها النبيُّ صلَّى الله عَليهِ وَسلَّم كَمَا فِي حديثِ جبريلَ الطويلِ، وهي:
1: مَرْتبةُ الإسلامِ.
2: مَرْتبةُ الإيمانِ.
3: مَرْتبةُ الإحسانِ.
وأفضلُ هذه المَراتبِ مَرْتبةُ الإحسانِ، ثم مَرْتبةُ الإيمانِ، ثم مَرْتبةُ الإسلامِ.
فكلُّ مُؤمِنٍ مُسلمٌ، وليسَ كلُّ مسلمٍ مُؤمِنًا.
وأركانُ الإسلامِ خمسةٌ كما في الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَر رضِي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وحَجِّ البيتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ)).
فصل: والمؤمنون يَتفاضلون في إيمانِهم فبعضُهم أكثرُ إيمانًا من بَعْضٍ؛ لأنَّ الإيمانَ تصديقٌ بالقَلْبِ، وقولٌ باللسانِ، وعَمَلٌ بالجوارحِ، يَزِيدُ ويَنْقُصُ.
وكلما كانَ العبدُ أعْظَمَ تصديقًا وأحْسَنَ قَوْلاً وعَمَلاً كان إيمانُه أعظمَ.
وإذا فَعَل العبدُ المَعْصيةَ نقَصَ من إيمانِه؛ فإذا تابَ وأصْلَحَ تابَ اللهُ عليه.
واستكمالُ الإيمانِ وَصَفَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((مَن أحَبَّ للهِ، وأبْغَضَ للهِ، وأعْطَى للهِ، ومَنَعَ للهِ، فقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيمانَ)). رواه أبو دَاوُدَ وغيرُه من حديثِ أبي أُمامة البَاهِلِيِّ رضِي الله عنه.
والحُبُّ للهِ أعمُّ من الحُبِّ في اللهِ، فهو يَشْمَلُ مَحَبَّةَ كلِّ ما يُحَبُّ لله جل وعلا من الأشخاصِ والأعمالِ والأقوالِ والأحوالِ والمقاصدِ والأخلاقِ والأَمْكِنَةِ والأزمنةِ وغيرِها.
فمَن كان حُبُّه للهِ، وبُغْضُه للهِ، وعطاؤُه للهِ، ومَنْعُه للهِ، فهو مُؤْمِنٌ مُستكمِلُ الإيمانِ؛ نسألُ اللهَ تعالى من فِضْلِه.
فصل: وأُصولُ الإيمانِ سِتَّةٌ، بَيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسلِه واليَوْمِ الآخِرِ وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّهِ)).
وهذه الأصولُ يَجِبُ على كلِّ مسلمٍ الإيمانُ بها، ومَن كَفَر بأصْلٍ منها فهو كافرٌ غيرُ مُسلمٍ.
والإيمانُ له شُعَبٌ تَتَفَرَّعُ عن هذه الأصولِ كما تَتَفَرَّعُ الأغصانُ من الشَّجَرة، وكلما كانَ العَبْدُ أكثرَ أخْذًا بخِصالِ الإيمانِ وأعمالِه كانَ أكثرَ إيمانًا؛ فعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الإِيمَانِ)) رواه مسلم.
فشُعَبُ الإيمانِ هي خِصالُه وأجزاؤُه، ومنها قلبيٌّ وقوليٌّ وعمليٌّ، وقد مثَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم لكلِّ نوعٍ بمثالٍ: فقولُ (لا إلهَ إلا اللهُ) قولٌ باللسانِ، وإماطةُ الأذى عَمَلٌ، والحياءُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ.
وقد يَجْمَعُ العَبْدُ شُعَبًا من الإيمانِ وشُعَبًا من النِّفاقِ فيَكونُ فيه بَعْضُ خِصالِ النِّفاقِ حتى يَدَعَها، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خَالِصًا، ومَن كانتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كانت فيه خَصْلَةٌ من النِّفاقِ حتى يَدَعَها؛ إذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَرَ)). متفق عليه.
فصل: والإحسانُ بيَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((الإحسانُ أن تَعْبُدَ اللهَ كأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)).
وقد خَلَقَنَا اللهُ تعالى ليَبْلُوَنا أيُّنَا أحْسَنُ عَمَلاً؛ وقد أخبرنا الله تعالى أن من مقاصد خلقه إيانا أن يبلونا أينا أحسن عملا كما وقال تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[الملك: ٢]، قال فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ: (﴿أَحْسَنُ عَمَلاً أي أخلصه وأصوبه).
فالعَمَلُ لا يَكونُ حَسَنًا حتى يَكُونَ خَالِصًا للهِ تعالى، وصَوَابًا على سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
واتِّباعُ هَدْيِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْصِمُ العَبْدَ من الغُلُوِّ والتفريطِ. وبهذا تَعْلَمُ أنَّ من نواقضِ الإحسانِ: الشِّرْكَ والبِدْعَةَ والغُلُوَّ والتفريطَ.
فالمُشْرِكُ مُسِيءٌ غَيْرُ مُحْسِنٍ، وكذلك المُبْتَدِعُ والغَالي والمُفَرِّطُ.
والإحسانُ على دَرَجتينِ:
الإحسانُ الوَاجِبُ: وهو أداءُ العِباداتِ الوَاجِبَةِ بإخلاصٍ ومتابعةٍ بلا غُلُوٍّ ولا تَفْريطٍ.
والإحسانُ المُسْتَحَبُّ: وهو التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تعالى بالنَّوافِلِ، وتَكْمِيلُ مستحَبَّاتِ العباداتِ وآدابِها، والتَّوَرُّعُ عن المُشْتَبِهاتِ والمَكْرُوهاتِ؛ فيَعْبُدُ اللهَ كأنه يَرَاهُ؛ فيَجْتَهِدُ في أداءِ العباداتِ على أحسنِ وُجوهِها بما يَتَيَسَّرُ له؛ فلا يُكَلِّفُ نفسَه ما لا يُطِيقُ، ولا يُفَرِّطُ بتَرْكِ ما يَتَيَسَّرُ له من العباداتِ التي تُقَرِّبُه إلى اللهِ تعالى.
والإحسانُ يَكونُ في كلِّ عِبادةٍ بحَسَبِها، ويَجْمَعُ ذلك: قُوَّةُ الإخلاصِ وَحُسْنُ اتِّباعِ هَدْيِ النبيِّ صلَّى الله عَليهِ وَسَلَّمَ فِي تلكَ العِبَادةِ:
فإِحسانُ الوُضوءِ يَكونُ بإِسباغِه وتكميلِ فروضِه وآدابِه وعدمِ مُجاوَزَةِ الحَدِّ المَشْروعِ من الغَسَلاتِ.
وإحسانُ الصلاةِ يكونُ بإقامتِها وأدائِها في أوَّلِ وَقْتِها بخُشوعٍ وطُمأنينةٍ وحُضورِ قَلْبٍ، ويُصَلِّيها صَلاةَ مُوَدِّعٍ، فيُكَمِّلُ فُروضَها وسُنَنَها كأنه يَرَى اللهَ عز وجل.
وإحسانُ الزَّكَاةِ والصَّدقةِ أنْ يُؤدِّيَ ما يَتصدَّقُ به مُتقرِّبًا إلى اللهِ عز وجل يرجو رَحْمتَه ويَخْشَى عذابَه، لا يُريدُ مِمَّن أحْسَنَ إليه جَزاءً ولا شُكورًا، ولا يُتْبِعُ نفقتَه مَنًّا ولا أَذًى، ويَتحرَّى إخراجَ الطَّيِّبِ من المالِ، فلا يُخرِجُ رديئَهُ وما تَعافُه النَّفْسُ، ولا يَمْطُلُ بصدقتِه ولا يُعَسِّرُ على المُحتاجِ في أَخْذِها، ولا يَتعالَى عليه، ولا يُسَمِّعُ بنَفَقتِه ولا يُرائِي بها.
ومَن تَحرَّى الإحسانَ وحَرَصَ عليه وسَأَلَ اللهَ تعالى الإعانةَ عليه رُجِيَ له أن يُوَفَّقَ للإحسانِ، قال أبو الدَّرْداءِ رضِي اللهُ عنه: (إِنَّمَا العِلْمُ بالتَّعلُّمِ والحِلْمُ بالتَّحلُّمِ، ومَن يَتَحَرَّ الخيرَ يُعْطَه، ومَن يَتَوقَّ الشَّرَّ يُوقَه).
وأبوابُ الإحسانِ كثيرةٌ، ففي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسِ بنِ ثابتٍ رضِي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللهَ كتَبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ؛ فإذا قَتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلةَ، وإذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحةَ، وَلْيُحِدَّ أحدُكُم شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبيحَتَهُ)).
فالإحسانُ مكتوبٌ على كلِّ شيءٍ، وإحسانُ كلِّ شيءٍ بحَسَبِه، وقد بَيَّن النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم هنا الإحسانَ في الذَّبْحِ، فمَن خالَفَ هَدْيَه فلم يُحِدَّ السِّكِّينَ ولم يُرِحْ ذَبِيحَتَهُ فليسَ بمُحْسِنٍ في ذَبْحِه.
ولا يُدرِكُ العبدُ مَرْتبةَ الإحسانِ إلا بإعانةِ اللهِ وتَوْفيقِه، ولذلك شُرِعَ للعبدِ أن يَدْعُوَ دُبُرَ كلِّ صَلاةٍ: ((اللهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتِكَ)).
فحاجةُ العبدِ إلى إعانةِ اللهِ تعالى له على الإحسانِ دائمةٌ مُتكرِّرةٌ.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الأولى 1436هـ/12-03-2015م, 11:13 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرس الثامن: التحذيرُ من الشِّركِ وبَيانُ أنواعِه

قال اللهُ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: ٣٦]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[لقمان: ١٣].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: ١١٦].
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِي الله عنه قال: سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: ((أنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ)). متفق عليه.
والشِّرْكُ هو: عبادةُ غيرِ اللهِ تعالى، فمَن دعا معَ اللهِ أحَدًا – دُعاءَ مسألةٍ أو دُعاءَ عبادةٍ فهو مُشركٌ كافرٌ قال اللهُ تعالى:﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ[يوسف: ٤٠]. وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ [فاطر: ٤٠].
والشِّرْكُ هو أعْظَمُ ذَنبٍ عُصِيَ اللهُ به، وهو أعْظَمُ ما نَهَى اللهُ عنه، وهو أكبرُ الكبائرِ، وأعظمُ الظُّلمِ، وهو نَقْضٌ لعهدِ اللهِ وميثاقِه، وخيانةٌ لأعظمِ الأماناتِ وأكبرِ الحُقوقِ، وهو حقُّ اللهِ عز وجل فيما خَلَقَ الخَلْقَ لأجلِه، وهو عبادتُه وَحْدَه لا شريكَ له.فلا جَرَمَ كان عِقابُه أعظمَ العِقابِ في الدنيا والآخرةِ:
فأما في الدنيا فمَقْتُ اللهِ وسَخَطُه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ[غافر: ١٠].
معَ ما يُصِيبُهم في الدنيا من عُقوباتِ ما كَسَبتْ أيدِيهم بسَبَبِ إعراضِهم عن هُدَى اللهِ من الضلالِ والشقاءِ، والخوفِ والحَزَنِ، الحَيْرَةِ والشكِّ، والاضطرابِ والمعيشةِ الضَّنْكِ، وإنْ مُتِّعوا في الدنيا مَتاعًا قليلاً إلى أجلٍ فهو عليهم عذابٌ ووَبَالٌ، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ[لقمان: ٢٣–٢٤].

وأما في الآخرةِ فإنهم من حِينِ قَبْضِ أرواحِهم وهم في عَذابٍ شَديدٍ مُتتابِعٍ بسببِ لَعْنةِ اللهِ لهم:
  • إذ تُنْزَعُ أرواحُهم نَزْعًا شديدًا يُعذَّبون به،
  • ويُعذَّبون بالفَزَعِ من هَوْلِ المُطّلََعِ، ورُؤْيَةِ ملائكةِ العذابِ،
  • ويُعذَّبُونَ في قُبورِهم عذابًا شديدًا،
  • ويُعذَّبونَ إذا بُعِثوا بأهوالِ يومِ القيامةِ وبالفَزَعِ الأكبرِ،
  • ويُعذَّبون بطُولِ المَوقِفِ ودُنُوِّ الشمسِ منهم في يومٍ كانَ مِقْدارُه خمسين ألفَ سنةٍ،
  • ويُعذَّبُون في العَرَصاتِ ثم يَكُونُ مَصِيرُهم إلى نارِ جَهَنَّم خَالِدِينَ فيها أبَدًا، لا يُخَفَّفُ عنهم من عَذَابِها، وما هم منها بمُخْرَجِين.
قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)[البقرة: ١٦١–١٦٢].وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)[فاطر: ٣٦–٣٧].وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)[الأحزاب: ٦٤–٦٨].
ومِمَّا يدُلُّ على عَظيمِ خَطَرِ الشِّرْكِ ووُجوبِ الحَذَرِ منه، أنَّ مَن أشْرَكَ باللهِ من بعدِ إسلامِه حَبِطَ عَمَلُه وكانَ من الكافرين الخاسرين، كأنه لم يَعْمَلْ من قبلُ شيئًا، فاللهُ لا يَقْبَلُ من مُشركٍ عملاً.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[آل عمران: ٨٥].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) [الزمر: ٦٥–٦٦].
فالأنبياءُ – على صَلاحِهم وشَرَفِهم وقُرْبِهم من اللهِ تعالى وعظيمِ مَحَبَّتِه لهم لا يُغْفَرُ لهم الشركُ باللهِ جل وعلا لو وقَعَ منهم، وقد عَلِمْنا أنَّ اللهَ تعالى قد عَصَمَهم من الشركِ، فغيرُ الأنبياءِ أَوْلَى بهذا الحُكْم، وقد أبْقَى اللهُ لنا هذا الخِطابَ يُتْلَى علينا لِنَتَدَبَّرَهُ ونَتأمَّلَهُ، ونَفْهَم منه عَظِيمَ جُرْمِ الشِّركِ.
والشِّرْكُ على قِسْمَينِ:
أحَدُهما: الشِّرْكُ الأَكْبَرُ: ويَكونُ في الرُّبوبِيَّةِ والأُلوهيَّةِ:
أما الشِّرْكُ الأكْبَرُ في الرُّبوبيَّةِ فهو: اعْتقادُ شَرِيكٍ للهِ تعالى في أفعالِه من الخَلْقِ والرَّزقِ والمُلْكِ والتَّدْبيرِ.
وأمَّا الشِّرْكُ الأَكْبَرُ في الألوهيَّةِ فهو: دُعاءُ غيرِ اللهِ تعالى دُعاءَ مسألةٍ أو دُعاءَ عِبادَةٍ
ويكونُ الشركُ الأكبرُ بالقلبِ والقولِ والعملِ.:-
فمِثالُ الشركِ الأكبرِ القَلْبِيِّ: اعتقادُ أنَّ للأوثانِ تَصَرُّفًا في الكَوْنِ، وأنها تَعْلَمُ الغَيْبَ، وتَنْفَعُ وتَضُرُّ، ومَحَبَّةُ الأوثانِ والتَّوكُّلُ عليها والاستعانةُ بها كلُّ ذلك من العباداتِ القَلْبيَّةِ التي لا يَجوزُ صَرْفُها لغيرِ اللهِ عز وجل، فمَن صَرَفَها لغيرِ اللهِ تعالى فهو مُشركٌ كَافِرٌ
ومثالُ الشِّرْكِ بالقَوْلِ: دُعاءُ الأوثانِ من دُونِ اللهِ، والأقوالُ الكُفْريَّةُ التي يَكونُ فيها تَعْظيمٌ للأوثانِ ومَدْحٌ لها، وافتراءُ الكَذِبِ على اللهِ.
ومِثالُ الشركِ بعَمَلِ الجَوَارحِ: الذَّبْحُ لغَيْرِ اللهِ، والنَّذْرُ له، والسُّجودُ له.
والشِّرْكُ الأكبرُ مُخْرِجٌ عن مِلَّةِ الإسلامِ، ومَن ماتَ ولم يَتُبْ منه لم يَغْفِرِ اللهُ له، بل هو مُوجِبٌ لسَخَطِ اللهِ ومَقْتِه والخُلودِ في نارِ جَهنَّم، والعياذُ باللهِ.

والقِسْمُ الآخَرُ: الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، وهو ما كانَ وَسِيلةً للشِّرْكِ الأَكْبَرِ وسُمِّيَ في النُّصوصِ شِرْكًا من غيرِ أن يَتَضَمَّنَ صَرْفًا للعِبَادَةِ لغَيْرِ اللهِ عز وجل.
ويَكُونُ بالقَلْبِ والقَوْلِ والعَمَلِ:
فمِثالُ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ القَلْبِيِّ: اعتقادُ السَّبَبِيَّةِ فيما لم يَجْعَلْهُ اللهُ سَبَبًا شَرْعًا ولا قَدَرًا، كاعتقادِ نَفْعِ التمائمِ المُعَلَّقَةِ في دَفْعِ البلاءِ، والطِّيَرةِ.
ومثالُ الشِّرْكِ الأصغرِ العَمَلِيِّ: الرِّياءُ بتَحْسِينِ أداءِ الصلاةِ لطَلَبِ مَدْحِ الناسِ وإعجابِهم على عِبادتِه للهِ جل وعلا.
فهو صلى للهِ، لكنه أرادَ أن يَمْدَحَهُ الناسُ على حُسْنِ صلاتِه، وربما زَادَ في تحسينِها ليَزْدَادَ الناسُ في مَدْحِه.
وهو شِرْكٌ أصْغَرُ؛ لأنه لم يُخْلِصِ القَصْدَ للهِ جل وعلا، وليسَ بشِرْكٍ أكْبَرَ؛ لأنه لم يَعْبُدْ غَيْرَ اللهِ.
ومثالُ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ القَوْلِيِّ: قولُ ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ، والحَلِفُ بغَيرِ اللهِ، وقولُ: (مُطِرْنَا بنَوْءِ كذا وكذا).
والشِّرْكُ الأَصْغَرُ لا يُخْرِجُ من المِلَّةِ ولا يُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، ولكنَّه ذَنْبٌ عظيمٌ يَجِبُ على مَن وَقَعَ فيه أن يَتُوبَ منه، فإنْ لم يَتُبْ فقد عَرَّض نَفْسَه لسَخَطِ اللهِ وأليمِ عِقابِه.
فصل: والشِّرْكُ منه جَلِيٌّ وخَفِيٌّ
فالشِّرْكُ الجَلِيُّ هو الشركُ البيِّنُ الظاهِرُ كدُعاءِ غَيْرِ اللهِ تعالى، والذَّبح للأوثانِ، وسَائِرِ أفعالِ الشِّرْكِ وأقوالِه الظَّاهرةِ.
والشِّرْكُ الخَفِيُّ منه أكبر وأصغر ؛ فالشرك الخفي الأكبر هو أعمال الشرك الأكبر الخفيّة ؛ كتعلّق القلب بغير الله تعلقاً أكبر بالالتجاء إلى غير الله والتوكل عليه واعتقاد النفع والضر فيه.
والشرك الخفي الأصغرُ مثاله ما يكون في القلب من نوع تعلّق بالدنيا حتى يؤثرها على بعض الأعمال الواجبة أو يرتكب لأجلها بعض المحرمات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم )) فسمَّى التعلق بالمال عبادة له.
ومن الشرك الخفي ما يكون فيه تَقْديمُ طَاعةِ غيرِ اللهِ على طاعةِ اللهِ من غيرِ قَصْدِ عِبادةِ غيرِ اللهِ أو تَعَلُّقِ القَلْبِ بغَيْرِه؛ وهذا أدقّ أنواع الشرك الخفي، ولا يكاد يسلم منه أحد.
عن مَعْقِلِ بن يَسَارٍ رضِي الله عنه قال: انْطَلَقْتُ مع أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضِي الله عنه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أبا بكرٍ، لَلشِّرْكُ فيكم أخْفَى من دَبِيبِ النَّمْلِ)).فقال أبو بَكْرٍ: وهل الشِّركُ إلا مَن جعَلَ معَ اللهِ إلهًا آخَرَ؟
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيدِه، للشِّرْكُ أخْفَى من دَبيبِ النَّمْلِ، ألا أَدُلُّكَ على شيءٍ إذا قُلْتَه ذهَبَ عنكَ قَلِيلُه وكَثِيرُه))
قال: ((قُلِ اللهُمَّ إني أَعوذُ بكَ أن أُشْرِكَ بكَ وأنا أعْلَمُ، وأسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أعْلَمُ)). رواه البخاريُّ في الأدبِ المُفْرَدِ.
وتحقيقُ التوحيدِ يكونُ بإسلامِ القلبِ والوَجْهِ للهِ تعالى فتكونُ طاعتُه للهِ، ومَحبَّتُه للهِ، وبُغْضُه للهِ، وعَطاؤُه للهِ، ومَنْعُه للهِ، وبذلك يكونُ المَرْءُ مُؤمِنًا مُسْتكمِلَ الإيمانِ، نسألُ اللهَ من فضلِه.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 جمادى الأولى 1436هـ/13-03-2015م, 09:50 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرس السادس: بَيانُ معنَى العِبادةِ


العِبادةُ هي: التَّذلُّلُ والخُضوعُ والانقيادُ مع شدَّةِ المحبَّةِ والتعظيمِ.
وكلُّ عَمَلٍ يُتقرَّبُ به إلى المَعْبودِ فهو عِبادةٌ.
ولذلك فإنَّ العبادةَ الشَّرْعِيَّةَ هي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه اللهُ ويَرْضاهُ من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ.
والعبادةُ تكونُ بالقلبِ واللسانِ والجوارحِ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بإخلاصِ العبادةِ له وَحْدَه لا شَريكَ له؛ قال اللهُ تعالى: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)[غافر: ٦٥]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ[الزمر: ١١].
وأمَرَ اللهُ باتِّباعِ رسولِه صلى الله عليه وسلم وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: ٧]
واللهُ تعالى لا يَقْبَلُ عبادةً من أحدٍ إلا بتَحْقيقِ هَذَينِ الشَّرْطينِ: الإخلاصِ والمُتابعةِ. أنه خَلَقَنا لغَايةٍ عظيمةٍ، وهي عبادتُه وحدَه لا شَرِيكَ له، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦]. وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: ٥].
* فمَن اجْتَنَبَ الشِّرْكَ وأخْلَصَ العِبادةَ للهِ تعالى واتَّبَعَ الرَّسولَ فهو مُسلمٌ مَوعودٌ بدُخولِ الجَنَّةِ والنَّجاةِ من النارِ.
* ومَن أدَّى العباداتِ الواجبةَ؛ فامتثَلَ ما أوْجَبَه اللهُ، واجتَنَبَ ما حَرَّمَه اللهُ؛ فهو من عِبادِ اللهِ المُتَّقينَ
* ومَن كمَّل العباداتِ الواجبةَ والمُستحبَّةَ واجتنَبَ المُحرَّماتِ والمَكْروهاتِ؛ فعَبَدَ اللهَ كأنَّه يَرَاهُ؛ فهو من عِبَادِ اللهِ المُحْسِنينَ
وبهذا تَعْلَمُ أن ما يَقْدَحُ في عُبودِيَّةِ العبدِ لرَبِّه عز وجل على ثَلاثِ دَرَجاتٍ:
الأُولَى: الشِّرْكُ الأكبرُ، وهو عِبادةُ غيرِ اللهِ عز وجل؛ فهو مُشرِكٌ كافرٌ، لا يَقْبَلُ اللهُ منه صَرْفًا ولا عَدْلاً، كالذين يَدْعُونَ الأصنامَ والأولياءَ والأشجارَ والأَحْجَارَ، ويَذْبَحُونَ لها ويَسْألُونَها قَضاءَ الحَوائجِ ودَفْعَ البَلاءِ.

الدرجةُ الثانيةُ: الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، ومنه الرِّياءُ والسُّمْعةُ، فيُزَيِّنُ العبدُ عبادتَه من صلاةٍ وصدقةٍ وغيرِها لأجلِ أنْ يَمْدَحَهُ الناسُ بذلك، فهو وإنْ لم يَعْبُدْ غيرَ اللهِ حقيقةً إلا أنه بطَلَبِه ثَناءَ الناسِ ومَدْحَهم وإعجابَهم قد ابْتَغَى ثَوابَ العِبادةِ من غيرِ اللهِ عز وجل، وهو مُشرِكٌ شِرْكًا أصْغَرَ يُحْبِطُ تلك العبادةَ، وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فيما يَرْويِه عن رَبِّه جل وعلا أنه قالَ: [أنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عن الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ معي فيه غيري تَرَكْتُه وشِرْكَه] رواه مسلمٌ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه.
ومن الشِّرْكِ الأَصْغَرِ أن يَتعَلَّقَ قَلْبُ العَبْدِ بالدنيا حتى تكونَ أكْبَرَ هَمِّه ويُضَيِّعَ بسَبَبِها الواجباتِ ويَرْتَكِبَ المُحرَّماتِ؛ فيَكونَ في قَلْبِه عُبودِيَّةٌ للدنيا، وقد قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ((تعِسَ عَبدُ الدِّينارِ وعَبْدُ الدِّرْهمِ وعبدُ الخَمِيصةِ إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وإنْ لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتكَسَ وإذا شِيكَ فلا انْتَقَشَ)). رواه البخاريُّ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي اللهُ عنه.
وقد بَيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم الضابطَ في ذلكَ فقالَ: ((إنْ أُعْطِيَ منها رَضِيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ)).
وهذا من شأنِ المُنافِقِينَ، كما قال اللهُ تعالى فيهم: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: ٥٨]، فرِضَاهُم لغَيْرِ اللهِ وسَخَطُهم لغيرِ اللهِ.
الدرجةُ الثالثةُ: فِعْلُ المعاصي، وذلك بارتكابِ بعضِ المُحرَّماتِ أو التفريطِ في بعضِ الواجباتِ، وكلما عَصَى العبدُ رَبَّه كان ذلك نَقْصًا في تَحْقيقِه العبوديةَ للهِ تعالى.
وأكملُ العبادِ عُبوديَّةً للهِ تعالى أحسنُهم استقامةً على أمرِ اللهِ عز وجل، قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)[الأحقاف: ١٣–١٤].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)[فصلت: ٣٠–٣٣].

ومدارُ عُبودِيَّةِ القَلْبِ على ثلاثةِ أمورٍ عظيمةٍ هي: المَحَبَّةُ، والخَوْفُ، والرَّجاءُ.
ويَجِبُ على العَبْدِ أن يُخْلِصَ هذه العباداتِ العظيمةَ للهِ تعالى:
فيُحِبَّ اللهَ تعالى أعظمَ مَحَبَّةٍ، ولا يُشْرِكَ معه في هذه المَحبَّةِ العظيمةِ أحدًا من خلقِه، كما قال اللهُ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: ١٦٥].
ويَخافَ من سَخَطِ اللهِ وعِقابِه، حتى يَنْزجِرَ عن فعلِ المعاصي من خَشْيةِ اللهِ تعالى.
ويَرْجوَ رحمةَ اللهِ ومَغْفرتَه وفَضْلَهُ وإحسانَهُ.
ومَن كان كذلكَ فإنه لا يَيْأسُ من رَوْحِ اللهِ، ولا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ، بل يَبْقَى جامِعًا بينَ الرَّجاءِ والخَوفِ كما أمَرَ اللهُ تعالى عبادَه بقولِه: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[الأعراف: ٥٦].
فالدُّعاءُ هنا يَشْمَلُ دُعاءَ المَسْألةِ ودُعاءَ العِبادةِ.
ومَحبَّةُ العبدِ لربِّه تعالى تَدْفَعُه إلى التقرُّبِ إليه، والشَّوقِ إلى لقائِه، والأُنسِ بذِكْرِه، وتَحْمِلُه على مَحَبَّةِ ما يُحِبُّه اللهُ، وبُغْضِ ما يُبْغِضُه اللهُ، فيُحَقِّقُ عُبوديَّةَ الولاءِ والبَرَاءِ بسببِ صِدْقِ مَحبَّتِه للهِ تعالى.
وخَوفُه من اللهِ يَزْجُرُه عن ارتكابِ المُحرَّماتِ وتركِ الواجباتِ؛ فيكونُ من عبادِ اللهِ المُتَّقينَ، الذين حَمَلَتْهم خَشْيةُ اللهِ تعالى على اجتنابِ أسبابِ سَخَطِه وعِقابِه.
ورَجاؤُه للهِ يَحْفِزُه على فِعْلِ الطاعاتِ لما يَرْجُو من عَظيمِ ثَوابِها وبَرَكةِ رِضْوانِ اللهِ عز وجل على أهلِ طَاعَتِه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 1 جمادى الآخرة 1436هـ/21-03-2015م, 01:50 AM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرس التاسع: التَّحْذِيرُ من النِّفاقِ (1/3)

النِّفاقُ هو: مُخالفةُ الظاهرِ للباطِنِ، وهو على قِسْمينِ:
· نِفاقٌ أكْبَرُ مُخْرِجٌ عن مِلَّةِ الإسلامِ. · ونِفاقٌ أصْغَرُ لا يُخْرِجُ من المِلَّةِ.
- أما النِّفاقُ الأَكْبَرُ فهو إِظْهَارُ الإِسْلامِ وإِضْمَارُ الكُفْرِ.
- وأَمَّا النِّفاقُ الأصْغَرُ فهو أن يَكونُ لدَى العبدِ بعضُ خِصالِ المُنافِقِينَ التي لا تُخْرِجُ من المِلَّةِ لذاتِها كالكَذِبِ في الحديثِ وإخلافِ الوَعْدِ وخيانةِ الأمانةِ والفُجورِ في الخُصومةِ والغَدْرِ بالعَهْدِ؛ وهذه الخصالُ سُمِّيت نِفاقًا لما فيها من مُخادعةٍ ومُخالفةِ ظَاهِرِ الشَّخْصِ لباطِنِه.
وأصحابُ النِّفاقِ الأكبرِ المُخْرِجِ من المِلَّةِ على صِنْفَيْنِ:
الصِّنْفُ الأوَّلُ: مَن لم يُسْلِمْ على الحقيقةِ، وإنما أظْهَرَ الإسلامَ خَدِيعةً ومَكْرًا ليَكِيدَ الإسلامَ وأهْلَه، ولِيَأْمَنَ على نفسِه من القتلِ والتعزيرِ وإنكارِ المسلمين عليه، وهو في الباطنِ لا يُؤمِنُ باللهِ ولا باليومِ الآخِرِ.
قال اللهُ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[البقرة: ٨–٩].وقال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[المنافقون: ١–٢].
الصِّنْفُ الثاني: مَن يَرْتَدُّ بعدَ إسلامِه بارتكابِه ما يَنْقُضُ الإسلامَ ويُخْرِجُ من المِلَّةِ مع إظهارِه للإسلامِ، ومنهم مَن يُعْلَمُ بكُفْرِه وانْسِلاخِه من الدِّينِ، ومنهم مَن يَحْسَبُ أنه يُحْسِنُ صُنْعًا.
ويَكْثُرُ في أهلِ هذا الصِّنْفِ التَّردُّدُ والتَّذَبْذُبُ والشكُّ؛ لأنهم يَعْمَلُون ببَعْضِ أعمالِ المسلمين ويَقَعُونَ في أعمالِ الكُفْرِ والتَّكْذيبِ.
قال اللهُ تعالى:﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا[النساء: ١٤٢–١٤٣].
فوُقُوعُهم في أعمالِ الكُفْرِ باللهِ وبرُسولِه مَانِعٌ من قَبُولِ أعمالِهم؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يَقْبَلُ من كافرٍ عَمَلاً.
وكَسَلُهم عندَ القيامِ للصلاةِ وكَرَاهَتُهم للإنفاقِ في سبيلِ اللهِ دَلِيلٌ على أنهم لم يُصَدِّقوا بوَعْدِ اللهِ ولم يَرْجُوا لقاءَه.
وقِلَّةُ ذِكْرِهم للهِ سَبَبُه أنهم يَذْكُرونَ اللهَ بألسنتِهم رِياءً ونِفاقًا وقُلُوبُهم غَيْرُ مُحِبَّةٍ لدينِ اللهِ تعالى؛ فهم بذلك مُذَبْذَبونَ مُتَرَدِّدونَ ليسوا كالكُفَّارِ ظَاهِرًا وبَاطِنًا، ولا مِن المؤمنين ظاهرًا وباطنًا.
قال ابنُ كثيرٍ: (ومنهم مَن يَعْتريهِ الشكُّ، فتَارَةً يَمِيلُ إلى هؤلاءِ، وتَارَةً يَمِيلُ إلى أولئكَ ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة: ٢٠]، الآية) ا.هـ.
قال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((مَثَلُ المُنافِقِ كمَثَلِ الشَّاةِ العَائِرَةِ بينَ الغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إلى هذه مَرَّةً وإلى هذه مَرَّةً)). رواه مسلمٌ
والمنافقونَ من الصِّنْفِينِ مُتفاوِتونَ في نِفاقِهم فبَعْضُهم أعْظَمُ نِفاقًا وكُفْرًا من بَعْضٍ:
– فمنهم المَارِدُونَ على النِّفاقِ، وهم شَدِيدُو العَداوةِ والكَيْدِ للإسلامِ والمسلمين، الذين يَترَبَّصونَ بالمسلمين الدَّوائِرَ، ويَسْعَوْنَ للفِتْنةِ بينَهم وتَوْهينِهم، وتَهْويلِ شَأْنِ الكُفَّارِ وتَمْكينِهم؛ فلذلك يَبُثُّونَ الشائعاتِ والأكاذيبَ والأراجِيفَ، ويُثِيرونَ الشُّبُهاتِ، ويُزَيِّنونَ الشَّهواتِ، ويُشِيعونَ الفَوَاحِشَ، ويُؤْذُونَ المسلمين في أنفسِهم وأعراضِهم بطُرقٍ ماكرةٍ ومكائِدَ دَنِيئَةٍ، ويَسْعَوْنَ للتَّضْيِيقِ عليهم في أمورِ دِينِهم ودُنْياهم بما يَسْتَطِيعونَ.
ويُنَفِّرونَ من الدَّعْوةِ إلى اللهِ والجهادِ في سبيلِه والأمرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عن المُنْكَرِ، ويُسَمُّونَ ما يَقُومونَ به من الفَسادِ والإفسادِ إصلاحًا، ويَصِفُونَ المؤمنين بالسَّفَهِ والجَهْلِ وقِلَّةِ المَعْرفةِ.
ويَنْفِرونَ من تَحْكِيمِ الشَّريعةِ، ويُرِيدُونَ أن يَتحاكَمُوا إلى الطاغوتِ، ويُبْغِضُونَ المُجاهِدِينَ في سبيلِ اللهِ ومَن يَنْصُرُ الإسلامَ والمسلمين.
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصارِ، وآيةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنصارِ)) متفق عليه من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه.
فلأَجْلِ أنَّ الأنصارَ نَصَرُوا الدِّينَ كان بُغْضُ مَن أبْغَضَهم عَلامةً بَيِّنَةً على نفاقِه. ويَجْمَعُ وَصْفَ أعمالِ المنافقينَ أنَّهم يَأْمُرونَ بالمُنْكَرِ ويَنْهَوْنَ عن المَعْروفِ ويَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُم.
ومن عَلاماتِ هؤلاء أنَّهم إذا أصابَ المُؤمنين بَلاءٌ ومِحْنَةٌ سَرَّهم ذلك وفَرِحوا به، وشَمِتوا بالمُؤْمِنينَ، وإذا أصابَ المؤمنين خَيْرٌ ونَصْرٌ ورِفْعَةٌ ساءَهم ذلك.
ولذلك كانَ من أَعْظَمِ صِفاتِهم وألصقِها بهم أنهم يَتَّخِذُونَ الكافرينَ أولياءَ مِن دُونِ المؤمنين، قال اللهُ تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) [النساء: ١٣٨–١٤١].
وهذه الأعمالُ المَذْكورةُ هي لأصنافٍ من المنافقين؛ فمنهم مَن يَقَعُ في أكثرِها، ومنهم مَن يَقَعُ في شَيْءٍ منها، وكلُّ مَن أظْهَرَ الإسلامَ وارْتَكَبَ ما يخرجُ بهِ من مِلَّةِ الإِسْلامِ فهو مُنافِقٌ كَافِرٌ.
– ومن المُنافِقِينَ مَن هو مُتَرَدِّدٌ بينَ الإسلامِ والكُفْرِ، فتَارَةً يَعْمَلُ أعمالَ المسلمين ظاهِرًا وباطِنًا، وتَارَةً يَرْتَكِبُ ما يَخْرُجُ به من دينِ الإسلامِ، فهو مُتَذَبْذِبٌ مُتَرَدِّدٌ، لم يُخْلِصْ دينَهُ للهِ، ولم يَثْبُتْ قَدَمُه فِي الإسلامِ، ولم يُصَدِّقْ بوَعْدِ اللهِ.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[النساء: ١٣٧–١٣٨].
وأهلُ هذا الصِّنْفِ من المنافقين يَقَعُونَ في أعمالٍ كُفْريَّةٍ مُخرِجةٍ عن المِلَّةِ؛ كمُوالاةِ الكُفَّارِ في الفِتَنِ والشدائدِ، والاستهزاءِ بالدِّينِ وسَبِّ اللهِ ورسولِه، والنُّفورِ من تَحْكيمِ الشريعةِ، وإرادةِ تَحْكيمِ الطَّاغوتِ، والتكذيبِ بوَعْدِ اللهِ، ونحوِ ذلك من الأعمالِ والأقوالِ والاعتقاداتِ التي تُخْرِجُ صاحبَها من مِلَّةِ الإسلامِ.
والعبدُ قد يَكْفُرُ بكلمةٍ يَقولُها، كما قال اللهُ تعالى في المنافقين: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ[التوبة: ٧٤]؛ فهؤلاء كفروا بكلمةٍ قالوها بعدما كانوا مسلمين.
وقال حُذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضِي الله عنه: (إنْ كانَ الرجُلُ لَيَتكَلَّمُ بالكلمةِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيَصِيرُ مُنافِقًا، وإنِّي لأَسْمَعُها من أَحَدِكم في المَقْعَدِ الوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وعن أبي هُريرةَ رضِي اللهُ عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوَانِ اللهِ لا يُلْقِي لها بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العبدَ لَيَتكَلَّمُ بالكلمةِ من سَخَطِ اللهِ لا يُلْقِي لها بَالاً يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ)). رواه البخاريُّ.
ورَوَى البَيْهقِيُّ عن مُحمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ بنِ وَقَّاصٍ أنه قال: كانَ رَجُلٌ بَطَّالٌ يدخُلُ على الأُمراءِ فيُضْحِكُهم، فقال له جَدِّي: (وَيْحَكَ يا فُلانُ، لِمَ تَدْخُلُ على هؤلاءِ فتُضْحِكُهم؟! فإني سَمِعتُ بلالَ بنَ الحارِثِ المُزنِيَّ صَاحِبَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحدِّثُ...) فذكَرَ الحديثَ.
فخَطَرُ اللسانِ عَظِيمٌ، وشأنُ الكَلامِ كَبِيرٌ، ومَن عدَّ كَلامَه من عَمَلِه احْتَرَزَ في مَنْطِقِهِ، وظَهَرَتْ عليه أماراتُ التَّقْوَى؛ فإن العبدَ إذا تَهاوَنَ في مَنطقِهِ مع رِقَّةِ دِيانتِه لم يَأْمَنْ أن يَتكَلَّمَ بكلمةٍ تُوجِبُ له سَخَطَ اللهِ ومَقْتَهُ، أو يَتَكَلَّمَ بكلمةٍ يَكْفُرُ بها ويَخْرُجُ بها من دينِ الإسلامِ، والعياذُ باللهِ.
وهذا الأمرُ يَكْثُرُ وُقوعُه عندَ الفِتَنِ ولا سِيَّما في آخِرِ الزمانِ كما في الصحيحين من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((بَادِرُوا بالأعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ الليلِ المُظْلمِ، يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمْسِي كَافِرًا، ويُمْسِي مُؤْمِنًا ويُصْبِحُ كافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ من الدُّنْيَا)).
نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ، وأن يُجِيرَنا من أسبابِ سَخَطِه وعقابِه.
ولذلك اشْتَدَّ خَوْفُ الصحابةِ والتابعين من الوُقوعِ في شيءٍ من أعمالِ المُنافِقينَ.
قال البخاريُّ في صحيحِه: (قال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: أدْرَكْتُ ثَلاثِينَ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كلُّهم يَخافُ النِّفاقَ على نَفْسِه، ما منهم أَحَدٌ يَقولُ إنَّه على إيمانِ جِبْريلَ ومِيكائِيلَ.
ويُذْكَرُ عن الحَسَنِ: ما خَافَهُ إلا مُؤمِنٌ، ولا أَمِنَهُ إلا مُنافِقٌ).
قال زَيْدُ بنُ وَهْبٍ: (ماتَ رَجُلٌ من المُنافِقِينَ فلم يُصَلِّ عليه حُذَيفةُ، فقال له عُمَرُ: أَمِنَ القَوْمِ هو؟ قال: نعم. فقال له عُمَرُ: باللهِ منهم أنا؟
قال: لا، ولن أُخْبِرَ به أحَدًا بَعْدَكَ). رواه ابن أبي شيبة.
وحُذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضِي الله عنه كانَ قد أسَرَّ إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأسماءِ المنافقين، وهو من أعلمِ هذه الأُمَّةِ بأحوالِ المنافقين وأحكامِهم وأعمالِ النِّفاقِ، وكان الصحابةُ يَعْرِفونَ له قَدْرَه في ذلك، ولذلك كانَ عُمَرُ يَرْقُبُه إذا قُدِّمت جِنازةٌ، فإن رأى حُذيفةَ لا يُصَلِّي عليها لم يُصَلِّ عليها، واستنابَ مُن يُصَلِّي عليها، لئلا يُفْشِيَ سِرَّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 1 جمادى الآخرة 1436هـ/21-03-2015م, 04:32 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي

الدرس العاشر: التَّحذيرُ من النِّفاقِ (2/3)

وسبيلُ السلامةِ والبَراءةِ من النفاقِ هو اتِّباعُ هُدَى اللهِ جلَّ وعلا، كما قالَ اللهُ تعالى في المنافقين: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)[النساء: ٦٦–٧٠].
قال اللهُ تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[الفتح: ٦].وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[محمد: ٢٨].
وهم بسَبَبِ مُخالفةِ ظَواهِرِهم لبَواطِنِهم وَقَعُوا في أعمالٍ قَبِيحةٍ ذَمِيمةٍ، من الكَذِبِ والغَدْرِ والخِيانةِ والفُجورِ وإخلافِ الوَعْدِ، وكانت هذه من أخلاقِهم التي يُعْرَفُون بها.
وأعمالُ المنافقين على صِنْفينِ:
الصِّنْفُ الأولُ: أعمالٌ كُفْريَّةٌ مَن وَقَعَ فيها فهو كَافِرٌ باللهِ جل وعلا، خارجٌ من دينِ الإسلامِ، وإن صَلَّى وصام وزَعَم أنه مُسلِمٌ.
وذلك مِثْلُ: تَكْذيبِ اللهِ ورسولِه، والبُغْضِ والسبِّ والاستهزاءِ باللهِ وآياته ورسولِهِ، وتَوَلِّي الكافرينَ ومُناصَرَتِهم على المسلمين.فإن كان يُظْهِرُ الإسلامَ فهو مُنافِقٌ النِّفَاقَ الأَكْبَرَ.وهذا الصِّنْفُ يُسَمِّيهِ بعضُ أهلِ العلمِ النِّفاقَ الاعتقاديَّ، وذلك بسببِ انطواءِ القلبِ على الكفرِ، وإلا فإن القلبَ المؤمنَ لا تَصْدُرُ منه هذه الأعمالُ والأقوالُ الكُفريَّةُ، وليسَ مُرادُهم حَصْرَ أعمالِ النِّفاقِ الأَكْبَرِ في الأمورِ الاعتقاديَّةِ.
الصِّنْفُ الثاني: أعمالٌ وخِصالٌ ذَمِيمةٌ، وهي وإنْ لم تَكُنْ مُكَفِّرةً لذاتِها إلا أنَّها لا تَجْتَمِعُ إلا في المُنافِقِ الخالِصِ، وعلى المؤمن أن يَحْذَرَ منها لئلا تَكونَ فيه خَصْلةٌ من خِصالِ النفاقِ، وهي التي بَيَّنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خَانَ)). متفق عليه من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه. وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ وإنْ صلَّى وصام وزَعَمَ أنه مُسلِمٌ)).
وفي الصحيحين من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنافِقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خَلَّةٌ منهنَّ كانتْ فيه خَلَّةٌ من نفاقٍ حتى يَدَعَها: إذا حدَّثَ كَذَبَ، وإذا عاهَدَ غَدَرَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا خاصَمَ فَجَرَ)).
و(إذا) غيرُ الغائِيَّةِ تَدُلُّ على التَّكْرَارِ والكَثْرَةِ، وهذا يُخْرِجُ مَن يَقَعُ منه شيءٌ من ذلك على وَجْهِ القِلَّةِ والنُّدْرَةِ، فيَكونُ قد أَذْنَبَ ذَنْبًا وأتَى عَمَلاً من أعمالِ المنافقين، لكنَّهُ لا يَصِيرُ بذلك مُنافِقًا أو صَاحِبَ خَصْلةٍ من خِصالِ النِّفاقِ حتى يَكونَ ذلك من شأنِه الذي يَعْتادُه أو يُعْرَفُ عنه.
فصل: في مَن يَكونُ في قلبِه إيمانٌ ونِفاقٌ
أما النفاقُ الأكبرُ فإنه لا يَجتمِعُ مع الإيمانِ، بل صاحبُه كافرٌ باللهِ جل وعلا، وإن صلَّى وصام وزَعَمَ أنه مسلمٌ؛ لأن الكُفْرَ مُحْبِطٌ لجَميعِ العملِ، والإيمانُ والكفرُ الأكبرُ لا يَجْتمعانِ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[المائدة: ٥].
وأما النفاقُ الأصغرُ الذي لا يُخرِجُ من المِلَّةِ فقد يكونُ في قَلْبِ المُسلمِ بَعْضُ خِصالِه كما دَلَّ عليه حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ المُتقَدِّمُ.
وفي صَحيحِ مُسلمٍ من حديثِ أَبي هُريرةَ رضِي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ماتَ ولَم يَغْزُ، ولَمْ يُحدِّثْ نفسَهُ بالغَزْوِ ماتَ على شُعبةٍ مِنَ النفاقِ)) رواه مسلمٌ.
وقال حُذيفةُ بنُ اليَمَانِ رضِي الله عنه: (القُلوبُ أربعةٌ:
– قَلْبٌ مُصْفَحٌ فذلك قَلْبُ المنافقِ. – وقَلْبٌ أَغْلَفُ فذاك قلبُ الكافرِ. – وقَلْبٌ أجْرَدُ كأنَّ فيه سِراجًا يُزهِرُ فذلك قَلْبُ المؤمنِ.
–وقَلْبٌ فيه نِفاقٌ وإيمانٌ؛ فمَثَلُه مَثَلُ قَرْحةٍ يَمُدُّها قَيْحٌ وَدَمٌ، ومَثَلُه مَثَلُ شَجَرةٍ يَسْقِيها ماءٌ خَبِيثٌ وطَيِّبٌ؛ فأيُّهما غَلَبَ عليها غَلَبَ). رواه ابن أبي شيبة في المصنَّفِ وفي كتابِ الإيمانِ وقد صَحَّحَهُ الألبانيُّ، وأُعِلَّ بالانقطاعِ، ومعناه صحيح.
والقَلْبُ المُصْفَحُ هو القَلْبُ المَائِلُ.
وقال عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ: (الإيمانُ يَبْدَأُ لُمْظَةً بيضاءَ في القلبِ، كُلَّما ازدادَ الإيمانُ ازدادت بَياضًا حتى يَبْيَضَّ القلبُ كلُّه، وإن النِّفاقَ يَبْدَأُ لُمْظَةً سوداءَ في القلبِ فكلما ازدادَ النفاقُ ازدادت حتى يَسْوَدَّ القلبُ كلُّه). رواه ابنُ أبي شَيْبةَ في كتابِ الإيمانِ، والبيهقيُّ في شُعب الإيمانِ.
والُّلمْظَةُ هي كالنُّقْطةِ الصغيرةِ.
والمقصودُ أنَّ المسلمَ قد يكونُ لديهِ نِفاقٌ يَكْثُرُ ويَقِلُّ بحَسَبِ مَبْلَغِ إيمانِه وطاعتِه للهِ جل وعلا؛ فمنهم مَن يَكونُ فيه شَوَائِبُ من نِفاقٍ فتَقَعُ منه الكَذْبةُ والكَذْبتانِ ويَقَعُ منه إخلافُ الوَعْدِ أحيانًا ونحوُ ذلك.
ومنهم مَن يَكْثُرُ منه الوقوعُ في هذه الأعمالِ مع قِلَّةِ ذِكْرِ اللهِ وكَثْرَةِ تَجاوُزِ حُدودِ اللهِ بانتهاكِ الحُرماتِ والتفريطِ في الوَاجباتِ والانكبابِ على الشهواتِ والاغترارِ بالشُّبهاتِ؛ فيكونُ في قلبِه نفاقٌ كثيرٌ وإيمانٌ قليلٌ، حتى إن من المسلمين مَن لا يَكادُ يُصلِّي إلا على عَجَلةٍ مع تأخيرِه للصلاةِ إلى وقتِ الكَراهةِ وإساءتِه في أدائِها، كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تلكَ صلاةُ المنافقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشمسَ حتى إذا كانتْ بينَ قَرْنَي الشيطانِ قامَ فنَقَرَهَا أَربعًا لا يذكُرُ اللهَ فيها إِلا قليلاً)). رواه مسلمٌ
فهذا مِمَّن غَلَبَ على قَلْبِه النفاقُ حتى استحَقَّ أن يُسمَّى مُنافقًا، معَ وُجودِ إيمانٍ في قلبِه مَنَعَه من تَرْكِ الصلاةِ مُطْلقًا.
ويَكْثُرُ في أهلِ هذا الصِّنفِ الوُقوعُ في الرِّياءِ الأصغرِ والتسميعِ وما يُحْبِطُ بعضَ الأعمالِ كالمَنِّ والإيذاءِ في النَّفَقةِ، وطَلَبِ الدنيا بعَمَلِ الآخرةِ، وانتهاكِ الحُرُماتِ في الخَلَواتِ.
وأهلُ هذا الصِّنفِ على خَطَرٍ عَظِيمٍ أنْ يُؤدِّيَ بهم هذا التَّهاوُنُ إلى الانسلاخِ من دِينِ اللهِ عز وجل، ومَن ماتَ منهم على هذا النِّفاقِ معَ وُجودِ إيمانٍ في قلبِه؛ فإنَّه من أهلِ الكَبائرِ المُتَوعَّدِينَ بالعَذابِ الشديدِ، لكنه لا يَخْلُدُ في النارِ لبَقاءِ إسْلامِه، وقد صَحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: ((يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ، ثم يقولُ اللهُ تعالى: أَخْرِجوا مَن كانَ في قلبِه مِثْقالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ من إيمانٍ؛ فيُخْرَجونَ منها قد اسْوَدُّوا؛ فيُلْقَونَ في نَهَرِ الحَياةِ؛ فيَنْبُتونَ كمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ في جانبِ السَّيْلِ، ألَمْ تَرَ أنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟)) رواه البخاريُّ من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْريِّ رضِي الله عنه.
فصلٌ: في تَوْبَةِ المُنافِقِ
إذا تَابَ المُنافِقُ قَبْلَ موتِه وأصْلَحَ عَمَلَهُ واعْتَصَمَ باللهِ وأخلَصَ دينَه للَّهِ عز وجل فتَوْبَتُه صحيحةٌ مَقْبولةٌ، قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)[النساء: ١٤٥– ١٤٧].
وكذلك المسلمُ الذي يكونُ فيه بعضُ خِصالِ النفاقِ إذا تابَ منها وترَكَ تلك الخَصْلَةَ تابَ اللهُ عليه، وبَرِئَ من النِّفَاقِ.
وفي هذه المَسْألةِ لُغْزٌ ظَرِيفٌ أَوْرَدَهُ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانِ رضِي الله عنه على طُلاَّبِ حَلْقَةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِي الله عنه؛ فإنه وَقَفَ عليهم وعبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ حاضِرٌ فسلَّم عليهم ثم قالَ: (لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ على قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ!!) فتَبَسَّمَ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ وعَرَفَ مُرادَهُ.
وقال أصحابُه: سُبحانَ اللهِ؛ إنَّ اللهَ عز وجل يقولُ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[النساء: ١٤٥]!!
ثم لَمَّا تَفرَّقَ المَجْلسُ قال حُذيفةُ للأسودِ بنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ وهو أحَدُ أصْحَابِ ابنِ مَسعودٍ: (لقد أُنزِلَ النفاقُ على قَوْمٍ كانوا خَيْرًا مِنْكم، ثم تَابوا فتابَ اللهُ عليهم). وفي روايةٍ فقالَ: (إنَّهم لَمَّا تَابوا كانوا خَيْرًا مِنْكم).
وهو يَقْصِدُ بهم بَعْضَ الذين كانوا مُنافقينَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم تابوا وأصْلَحُوا وأحْسَنُوا إسلامَهم فكانوا بأجرِ الصُّحبةِ والجهادِ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا مِمَّن جَاءَ بعدَهم مِن التَّابِعِينَ. القِصَّةُ أَخْرَجَها البخاريُّ في صحيحِه.

فصلٌ: ويَجِبُ على المُؤْمنينَ أن يَعْمَلُوا بما يُنْجِيهِم مِن خِصالِ النِّفاقِ وأعمالِ المُنافقينَ، ومن ذلك تَكْرَارُ التوبةِ والاستغفارِ، ورعايةُ حُدودِ اللهِ، وتعظيمُ أوامرِه، والبراءةُ من الشِّركِ وأهلِه، وإقامةُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ، والنَّصِيحةُ للهِ ولرسولِه ولكتابِه ولأئِمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم.
ومن ذلك: مَحبَّةُ الجهادِ في سبيلِ اللهِ، وتَحْديثُ النَّفْسِ بذلك.
ومن ذلك: الأمرُ بالمعروفِ، والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ، والتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبرِ، والتحاضُّ على طَعامِ المِسْكينِ والإنفاقُ في سبيلِ اللهِ إيمانًا واحْتسابًا.
فمَن فعَلَ ذلك كان بَرِيئًا من النفاقِ.
وفي المُسندِ وغيرِه من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فهو مُؤْمِنٌ)).
فمَن وقَعَ في ذَنْبٍ وَسَاءَهُ الذَّنْبُ فهو عَلامةٌ على صِحَّةِ إيمانِه، وأَرْجَى أن يَتُوبَ ويَسْتَغْفِرَ ويَسْتَعْتِبَ، ومَن فَرِحَ بمَعْصيتِه وسَرَّتْهُ سَيِّئَتُهُ كانَ ذلك أمارةً على نفاقٍ في قلبِه.
وفي سُننِ التِّرمذيِّ من حديثِ أبي هُريرةَ رضِي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَصْلَتَانِ لا تَجْتمعانِ في مُنافِقٍ: حُسْنُ سَمْتٍ، وفِقْهٌ في الدِّينِ». صَحَّحَه الألبانيُّ.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 7 جمادى الآخرة 1436هـ/27-03-2015م, 03:00 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي


الدرسُ الحاديَ عَشَرَ: التحذيرُ من النِّفاقِ (3/3)

عُقوبةُ المُنافِقِ
• فأمَّا في الدنيا :
  • فإنهم يُعاقَبُونَ بالطَّبْعِ على قُلُوبِهم وحِرْمانِهم من الفِقْهِ والعِلْمِ والهُدَى قال اللهُ تعالى: ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ
  • ويُعْقِبُهم اللهُ في قُلوبِهم شَكًّا ورِيبَةً لا تُفارِقُهُم أَبَدًا، فهم من أعظمِ الناسِ حَيْرَةً وتَرَدُّدًا
  • يُخادِعُوا اللهَ ويَخْدَعُوا المُؤْمِنينَ، فانقَلَبَ خِداعُهم عليهم، وذاقوا وَبالَ أمْرِهم وعَاقِبةَ مَكْرِهم؛ فكانوا كُلَّما عَمِلوا عَمَلاً للكيدِ للإسلامِ وأهلِه جَعَلَ اللهُ عُقوبتَه عليهم أشنعَ من حيثُ لا يَشْعُرونَ؛ فهم يَسْتَزِيدُونَ من أعمالِ الكُفْرِ والنِّفاقِ، والعُقوباتُ تَتَضاعَفُ وتَتْرَى عليهم.
    وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)[البقرة: ١٦–١٨].
    وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: ١٤٢]، وخَدْعُ اللهِ إيَّاهم من باب مجازاتهم بجنسِ أعمالِهم، وهو عُقوبةٌ لهم على قُبْحِ أقوالهم وأَفْعَالِهم، وسُوءِ ظَنِّهم باللهِ جل وعلا، ومُخادَعَتِهم للهِ وللذينَ آمَنوا، ومُحادَّتِهم للهِ ومُحارَبَتِهم لدينِه بمَكْرٍ وخَدِيعةٍ.
    فهم بهذه الأعمالِ إنما يَخْدَعُونَ أنفسَهم كما قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[البقرة: ٩]؛ فهم لا يَشْعُرونَ بأنهم يَخْدَعُون أنفسَهم؛ بل يُمَنُّون أنفسَهم الأمانِيَّ الباطلةَ، ويَجْرُونَ وَرَاءَها حتى تَغُرَّهم وتَفْتِنَهم، ويَسْتزِيدُونَ من الإثمِ والكُفْرِ والفُسوقِ والعِصْيانِ والضلالِ، ويَحْسَبُونَ أنهم يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
    ومِمَّا يُعاقَبُونَ به في الدنيا: أنهم يُعذَّبُونَ بأموالِهم وأولادِهم حتى تَزْهَقَ أنفُسُهم، كما قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ[التوبة: ٨٥].
    ومِمَّا يُعاقَبُونَ به أيضًا: ما يَجْعَلُه اللهُ لهم مِن البَغْضَاءِ في قُلوبِ الناسِ مهما تَوَدَّدُوا إليهم؛ وقالَ اللهُ تعالى في طائفةٍ منهم: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[التوبة: ١١٠].
    قال بعضُ المُفَسِّرِينَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ هذا استثناءٌ تَهكُّميٌّ، وهو من سُخْرِيَةِ اللهِ بهم جَزَاءً وِفاقًا على مَكْرِهم بالمؤمنين وسُخْرِيَتِهم بهم، وكَيْدِهم لهم ليُشَبِّهوا عليهم ويُضِلُّوهم عن سبيلِ الله، فكانَ من عُقوبتِهم أن ابْتُلوا بالرِّيبةِ التي لا تُفارِقُ قُلوبَهم أبدًا حتى يَلْقَوا اللهَ عز وجل.
    هذا معَ ما يُصِيبُهم من العُقوباتِ الخَاصَّةِ ببَعْضِ أعمالِهم؛ فإنَّ اللهَ تعالى قد جَعَلَ لبعضِ الذُّنوبِ عُقوباتٍ خاصةً ليكونَ الجزاءُ من جِنْسِ العَمَلِ، كما قال اللهُ تعالى في طائفةٍ منهم: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[التوبة: ٧٩]. فكان مِن عُقوبةِ سُخْرِيَتِهم بالمؤمنينَ أن سَخِرَ اللهُ منهم جَزَاءً وِفاقًا.
    والمنافقونَ يَقَعُونَ كثيرًا في الذنوبِ التي يكونُ جَزَاؤُها من جنسِ العملِ في الدنيا قبلَ الآخرةِ، كما ورَدَ في السُّنةِ أن مَن تَتَبَّعَ عَوْرةَ مُسلمٍ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرتَه، ومَن ضَارَّ مُسلمًا ضَارَّه اللهُ، ومَن شاقَّ مُسلِمًا شَقَّ اللهُ عليه، ومَن خَذَلَ مُسلمًا خَذَلَه اللهُ، ومَن شَدَّدَ على المسلمين شَدَّدَ اللهُ عليه.
    والمُنافقون أصحابُ مَكْرٍ سَيِّئٍ وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ[فاطر: ٤٣].
    • وأما في البَرْزخِ: فإنهم إذا فارقوا هذه الحياةَ وأُدْخِلوا في قُبورِهم فإنهم في عذابٍ عظيمٍ وشَقاءٍ دائمٍ وحَسْرةٍ لا تَنْقطِعُ؛ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ العبدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِه وتَولَّى عنه أصحابُه، وإنه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهم، أتاهُ مَلَكانِ فيُقْعدانِه فيَقولانِ: ما كُنْتَ تقولُ في الرَّجُلِ؟ لمُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
    فأمَّا المُؤمنُ فيَقولُ: أشْهَدُ أنه عبدُ اللهِ ورَسولُه.
    فيُقالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ من النارِ قد أبْدَلَكَ اللهُ به مَقْعَدًا من الجَنَّةِ فيَرَاهما جَمِيعًا.
    وأمَّا المُنافِقُ والكَافِرُ فيُقالُ له: ما كُنْتَ تَقولُ في هذا الرَّجُلِ؟
    فيَقُولُ: لا أَدْرِي، كنتُ أَقولُ ما يَقولُ النَّاسُ.
    فيُقالُ: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بمَطَارِقَ من حديدٍ ضَرْبةً فيَصِيحُ صَيْحةً يَسْمَعُها مَن يليهِ غيرَ الثَّقَلينِ)) مُتَّفقٌ عليه.
    معَ ما يُصِيبُهم من العُقوباتِ الخاصَّةِ على بعضِ الذنوبِ، كما صحَّ في السُّنةِ أنَّ الَّذي يَقْرَأ القُرْآنَ ويَرْفُضُهُ ويَنَامُ عن الصَّلاةِ المَكْتوبةِ يُعَذَّبُ في قَبْرِه، وكذلك الزُّناةُ وآكِلُو الرِّبا وأهلُ الغِيبَةِ والنَّميمةِ والكَذِبِ، ومانعو الزَّكاةِ والذين يُفْطِرونَ قبلَ تَحِلَّةِ فِطْرِهم، كلُّ أولئك وَرَدَتْ فيهم أحاديثُ صحيحةٌ بأنهم يُعذَّبُونَ في قُبورِهم، والمنافقون لهم النَّصِيبُ الأَوْفَرُ من هذهِ الأعمالِ.

    • وأمَّا في الآخرةِ: فقد دَلَّت الأحاديثُ الصحيحةُ على أنه إذا كانَ يومُ القيامةِ، وجَمَعَ اللهُ الناسَ في مَوْقِفٍ واحدٍ لفَصْلِ القَضاءِ، ثم أَمَرَ بالكُفَّارِ إلى نَارِ جَهَنَّم بَقِيَ المُؤمنونَ والمنافقونَ وغُبَّرُ أهلِ الكتابِ في المَوْقِفِ (( فيُكْشَفُ عن سَاقٍ فلا يَبْقَى أحَدٌ كانَ يَسْجُدُ طَائِعًا في الدنيا إلا أُذِنَ له في السُّجودِ، ولا يَبْقَى أحَدٌ كانَ يَسْجُدُ رِياءً أو نِفاقًا إلا صَارَ ظَهْرُه طَبَقَةً وَاحِدَةً كُلَّما أرادَ أن يَسْجُدَ خَرَّ لِقَفَاهُ)).

    وفي الحسابِ يُؤْتَى بالمُنافقِ فيُعَرِّفُه اللهُ نِعَمَهُ عليه، فيَقولُ المُنافِقُ: يا رَبِّ، آمَنْتُ بكَ وبكتابِك وبرُسُلِكَ وصَلَّيْتُ وصُمْتُ وتَصَدَّقْتُ ويُثْنِي على نفسِه بخيرٍ ما استطاعَ. فيُقالُ له: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدًا عليك.
    فيَتَفَكَّرُ في نفسِه مَن ذا الذي يَشْهَدُ عَلَيَّ، فيُخْتَمُ على فِيهِ، ويُقالُ لفَخِذِهِ ولَحْمِهِ وعِظَامِه: انْطِقِي.
    فتَنْطِقُ فَخِذُه ولَحْمُه وعِظَامُه بعَمَلِه، وذلكَ لِيَعْذُرَ من نَفْسِه.
    قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وذَلِكَ المُنافِقُ، وذلك الذي يَسْخَطُ اللهُ عليه)).
    والحديثُ في صَحِيحِ مُسلمٍ من حديثِ أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه.
    فإذا نُصِبَ الصِّراطُ على مَتْنِ جَهَنَّم وأُمِرَ بالعُبورِ عليه، وأُعْطِيَ مَن في المَوْقِفِ نُورًا على قَدْرِ أعمالِهم أُعْطِيَ المُنافِقُونَ نُورًا مِثْلَهم فِتْنَةً لهم؛ حتى إذا كانوا على الصِّراطِ طَفِئَ نورُ المنافقين وتَمَّ نورُ المُؤمِنِينَ، كما قال اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)[الحديد: ٢–١٥]
    وأما عَذَابُهم في نارِ جَهَنَّم فهو العَذابُ المُهِينُ الأليمُ والوبيلُ المُقِيمُ، كَتَبَ اللهُ لهم الدَّرْكَ الأسْفَلَ فيها، فهم مِن أشَدِّ أهلِ النارِ عَذابًا.
    قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: ١٤٥].
    وهم بسَبَبِ كُفْرِهم الباطِنِ ومُوالاتِهم للكُفَّارِ جَمَعَهم اللهُ بالكافرينَ في نارِ جَهَنَّم كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا[النساء: ١٤٠].
    وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ[التوبة: ٦٨].

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 7 جمادى الآخرة 1436هـ/27-03-2015م, 04:05 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي


الدرسُ الثانِيَ عشَرَ: نَواقِضُ الإسلامِ


إذا عَرَفْنَا أن العَبْدَ لا يَكونُ مُسْلِمًا حتى يَشْهَدَ الشَّهادَتَيْنِ: شَهَادَةَ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وشَهَادَةَ أن مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيُوَحِّدَ اللهَ ويَتَّبِعَ الرَّسولَ، وبذلك يَكونُ مُسْلِمًا.وعَرَفْنَا أن مُقْتَضَى شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ هو إخلاصُ العِبادةِ للهِ وَحْدَه، وأن العُبوديَّةَ مَبْناها على المَحبَّةِ والتعظيمِ والانقيادِ. وعَرَفْنَا أن شهادةَ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَقْتَضِي مَحَبَّتَهُ وتَصْدِيقَهُ وطاعتَه. فاعْلَمْ أنَّ مَن يَرْتَكِبْ ما يَنْقُضُ هاتينِ الشَّهادتينِ فهو خارجٌ عن دِينِ الإسلامِ كافرٌ باللهِ جل وعلا وبرسولِه، وإنْ صَلَّى وصامَ وزَعَم أنه مُسلمٌ.
ولذلك فإنَّ مَنْ ينتَفِ عنه أحَدُ هذه الأمورِ: (إخلاصِ العبادةِ للهِ جل وعلا، ومَحَبَّةِ اللهِ، وتَعْظيمِه، والانقيادِ له، ومَحَبَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وتَصْديقِه وطَاعتِه)؛ فقد انْتَفَى عنه إسْلامُه.
فإن كان الانتفاء أصليًّا أي أنَّ العبدَ لم يقمْ بما تقتضيه الشهادتانِ في أصلِ أمرِهِ فهو كافرٌ أصليّ، فإن كان يُظْهِرُ الإسلامَ مع ذلكَ فهو منافقٌ.
وأما من كان مسلماً قائماً بما تقتضيه الشهادتان ثم انْتَفَى عنه أحَدُ هذِهِ الأمورِ بعدَ إسلامِه فهو كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عن دِينِ الإسلامِ.
وتكونُ الرِّدَّةُ بكلِّ أَمْرٍ قَوْلِيٍّ أو عَمَلِيٍّ أو اعْتِقاديٍّ يَلْزَمُ منه انتفاءُ حقيقةِ شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ.
وصُوَرُ النَّواقضِ التي تُخْرِجُ من مِلَّةِ الإسلامِ كثيرةٌ غيرُ مَحْصورةٍ بعَدَدٍ، لكن لها أُصولٌ جامعةٌ هي:
الناقضُ الأولُ: الإلحادُ، وهو إنكارُ وُجودِ اللهِ تعالى.
ومِن صُوَرِه:
نِسْبةُ الخَلْقِ إلى الطَّبيعةِ. اعْتِقادُ قِدَمِ العَالَمِ، وهو أنَّ من المَخْلوقاتِ ما لا أَوَّلَ له في الأَزَلِ.
الناقضُ الثاني: الشِّركُ الأكبرُ، وهو اتخاذُ ندٍّ للهِ جل وعلا، وهو على أنواعٍ:
النوعُ الأولُ: شِركُ العبادةِ، وهو صَرْفُ نوعٍ من أنواعِ العبادةِ لغيرِ اللهِ جل وعلا؛ كالدُّعاءِ أو الذَّبحِ أو النَّذرِ أو الاستعانةِ أو الاستغاثةِ ومن صُوَرِه:
1: ما يَفْعَلُه عُبَّادُ الأوثانِ والأنبياءِ والأولياءِ من دُعائِهم من دونِ اللهِ، وطَلَبِ الشفاعةِ منهم، وقَضاءِ الحوائجِ وجَلْبِ النفعِ .
2: ما يَفْعَلُه السَّحَرَةُ وبعضُ مَن يَأتيهِم من الذَّبحِ لغيرِ اللهِ عز وجل والاستغاثةِ بالشياطينِ.


• النوعُ الثاني:الشِّركُ في الرُّبوبيَّةِ، ومن صُوَرِه:
1: اعتقادُ بعضِ المُشركينَ في آلهتِهم ومُعَظَّمِيهِم أنَّ لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ وأنهم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، ويُنَزِّلونَ الغَيْثَ، ويَمْلِكونَ الرِّزقَ، ويَشْفُونَ من الأمراضِ، .
2: اعتقادُ المَجوسِ أنَّ للكَوْنِ خَالِقَيْنِ: النُّورَ والظُّلْمَةَ.
3: اعتقادُ بعضِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ والشِّيعةِ أن بعضَ مُعَظَّميهِم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، وأن لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ، وأنهم يُجِيبونَ الدُّعاءَ ويَقْضُونَ الحَوائِجَ.

ومن الشِّرْكِ في الرُّبوبيَّةِ: الحُكْمُ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ، فمَن حَكَمَ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ فهو طَاغوتٌ قد جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا للهِ في حُكْمِه.
• النوعُ الثالِثُ: شِرْكُ الطَّاعةِ؛ وهو اتِّباعُ المُعَظَّمينَ في تحليلِ الحرامِ وتَحْرِيمِ الحلالِ؛ كما يَفْعَلُهُ عُبَّادُ الطواغيتِ من طاعتِهم ومُتابَعَتِهم في تَحليلِ ما حَرَّمَ اللهُ وتَحْريمِ ما أحَلَّ اللهُ.
ومن صُوَرِه:
1: التحاكُمُ إلى الطَّواغيتِ؛ فمَن تَحاكَمَ إليهم مُرِيدًا مُختارًا فهو كافرٌ غيرُ مُؤمنٍ لقولِ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) [النساء: 60].
أما مَن كانَ في بلدٍ لا يُحْكَمُ فيه بما أَنْزَلَ اللهُ واحتاجَ في رَفْعِ الظُّلمِ عنه وتمكينِه من حَقِّه إلى التَّحاكُمِ إلى بعضِ مَن يَظُنُّ فيه حِفْظَ الحَقِّ ورَفْعَ الظُّلْمِ؛ فلا يَكْفُرُ بذلك لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه لَمَّا أَذِنَ لهم بالهِجْرةِ الأُولَى إلى الحَبَشةِ: ((إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ مَلِكًا لا يُظْلَمُ أحَدٌ عندَه، فالْحَقُوا ببلادِه حتى يَجْعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخْرَجًا مِمَّا أنتم فيه)) رواهُ البَيْهقِيُّ من حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بإسنادٍ حَسَنٍ.
والمُسلمُ في حالِ الاضْطِرارِ والحاجةِ التي يَلْحَقُ بفواتِها حَرَجٌ غَيْرُ مُرِيدٍ للتَّحَاكُمِ إلى الطواغيتِ في حَقِيقَةِ الأَمْرِ؛ فلا يَكْفُرُ بذلك.
2: طاعةُ عُلماءِ السُّوءِ والحُكَّامِ الطَّواغِيتِ في تَحليلِ الحرامِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشريعةِ، وتَحْريمِ الحلالِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشَّريعةِ.
وأفرادُ الشِّركِ وصُوَرُه كثيرةٌ جِدًّا لكنَّها راجعةٌ إلى هذه الأنواعِ الثلاثةِ.
الناقضُ الثالثُ: ادِّعاءُ بعضِ خَصائصِ اللهِ في رُبُوبِيَّتِه أو أُلُوهِيَّتِه أو أسمائِه وصِفاتِه.
ومن صُوَرِ ذلك:
1: دَعوةُ بعضِ الطواغيتِ إلى عِبادةِ أنفسِهم. 2: ادِّعاءُ عِلْمِ الغَيْبِ. 3: ادِّعاءُ القُدْرَةِ على إحياءِ المَوْتَى.
الناقضُ الرَّابِعُ: ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ دَعْوَى النُّبُوَّةِ كُفْرٌ بإجماعِ العُلماءِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
مَن يَدَّعِي مُضاهاةَ القرآنِ وأنه يَقْدِرُ عَلَى أنْ يُنْزِلَ مِثلَ ما أنزَلَ اللهُ على رُسُلِه، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ[الأنعام: 93].
الناقضُ الخامسُ: تكذيبُ اللهِ عز وجل وتكذيبُ رسولِه صلى الله عليه وسلم،
فمَن كَذَّبَ اللهَ ورسولَه فهو كافرٌ غيرُ مسلمٍ بإجماعِ العلماءِ.

ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: جَحْدُ ما هو مَعلومٌ من دِينِ الإسلامِ بالضَّرورةِ؛ كجَحْدِ وُجوبِ الصلاةِ أو الزكاةِ، وجَحْدِ تحريمِ الرِّبا أو الزِّنا أو أَكْلِ لحمِ الخِنْزيرِ.
2: إنكارُ شَيْءٍ من أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه، بلا شُبْهةِ جَهْلٍ يُعْذَرُ بمِثْلِه ولا تَأْويلٍ.
3: إنكارُ شَيْءٍ من القرآنِ الكَريمِ.
4: ادِّعاءُ الاختلافِ والتَّناقُضِ والتحريفِ في القُرآنِ الكريمِ.
5: إنكارُ السُّنةِ النَّبويَّةِ.
6: إنكارُ البَعْثِ والجزاءِ.
7: عَدَمُ تكفيرِ مَن لا يَدِينُ بدِينِ الإسلامِ من اليَهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ والمَلاحِدَةِ والوَثَنِيِّينَ.
8: اعتقادُ أنَّ المَرْءَ يَسَعُه الخُروجُ عن شَريعةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما وَسِعَ الخَضِرَ الخُروجُ عن شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام.
9: استحلالُ المُحَرَّمِ المَعلومِ تَحْرِيمُه بالدليلِ الصحيحِ بلا شُبْهةٍ ولا تأويلٍ.
10: تَصْدِيقُ مَن يَدَّعِي النُّبوَّةَ.
11: دَعْوَى أن رِسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للعَرَبِ خَاصَّةً.
12: دَعْوَى أن اللهَ تعالى يَرْضَى بأنْ يُدْعَى من دُونِه أَحَدٌ من الصالحينَ أو غَيْرِهم.
13: قَذْفُ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها بما برَّأَها الله مِنْه، وقذفُ سائرِ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ كذلك.

يَنْبَغِي التفريقُ بينَ تكذيبِ الخَبَرِ المَبْنيِّ على عدمِ العلمِ بالدليلِ أو غِيابِه عنه أو الشكِّ في ثُبوتِه أو كانَ للمُكَذِّبِ تأويلٌ في معنَى الخَبَرِ يُدْرَأُ عنه به حُكْمُ التكذيبِ، وبينَ تَكذيبِ ما عُلِمَ ثُبوتُه ومعناه، فهذا الأخيرُ ناقضٌ بلا خلافٍ بينَ أهلِ العلمِ.
وأمَّا في الأحوالِ المَذْكُورةِ قَبْلَه فلا يُحْكَمُ بكُفْرِ المُكَذِّبِ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ، ويَتَبيَّنَ ثُبوتَ الخَبَرِ وصِحَّةَ مَعْناهُ.
الناقضُ السادسُ: الشَّكُّ.
الشكُّ مُنافٍ للتصديقِ الواجبِ، فمَن شَكَّ في صِدْقِ خَبَرِ اللهِ عز وجل وخَبَرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فهو كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ.
والتَّكْذِيبُ والشكُّ مُنافِيَانِ للتصديقِ الوَاجِبِ.

ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: الشَّكُّ في كُفرِ مَن لا يَدِينُ بدينِ الإسلامِ.
2: الشَّكُّ في أمرِ البَعْثِ بعدَ الموتِ.
3: الشَّكُّ في ثُبوتِ القُرآنِ الكريمِ وحِفْظِه من التَّحْرِيفِ والتَّبْديلِ.

الناقضُ السابعُ: بُغْضُ اللهِ ورسولِه، وبُغْضُ دينِ الإسلامِ
البُغْضُ مُنافٍ للمَحَبَّةِ الوَاجبةِ؛ فمَن أبْغَضَ اللهَ ورسولَه أو أبْغَضَ دِينَ الإسلامِ فهو كافرٌ خارجٌ من المِلَّةِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: سَبُّ اللهِ ورسولِه وسَبُّ دينِ الإسلامِ، وتَنَقُّصُ الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ، وتَنَقُّصُ مَقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2: بُغْضُ الصحابةِ رضِي الله عنهم، وسَبُّهم على وَجْهِ العُمومِ وتَكْفِيرُهم بخِلافِ مَن سَبَّ طَائِفَةً منهم لشُبْهةٍ عَرَضَتْ له فإنه يَكونُ قد ارتكَبَ مُحَرَّمًا ولكن لا يُحْكَمُ بكُفرِه.
3: بُغْضُ أَئمَّةِ الدِّينِ ورُواةِ الأحاديثِ الصحيحةِ وحَمَلةِ الشَّريعةِ على وَجْهِ العُمومِ وتَكْذيبُهم.

الناقضُ الثامنُ: الاستهزاءُ باللهِ وآياتِه ورسولِه، وهو كُفْرٌ لمُنافاتِه المَحَبَّةَ الواجبةَ والتعظيمَ الواجبَ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: امْتِهانُ المُصْحَفِ.
2: الاسْتِخفافُ بأيِّ شَعيرةٍ من شَعائرِ الإسلامِ.

الناقضُ التاسعُ: اتِّخَاذُ الكُفَّارِ أولياءَ من دونِ المؤمنينَ، وهو يشملُ أمرين:
1: محبتهم في دينهم وموافقتهم عليه والرضا به.
2: مناصرة الكفار على المسلمين.
ومن صُوَرِ هذا الناقض:
1: التَّجَسُّسُ على المسلمين لصالحِ الكُفَّارِ.
2: تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بأعيادِهم الوَثَنِيَّةِ والكُفْريَّةِ رِضًا بما يَصْنَعُونَ من الشِّركِ والكُفْرِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وأمَّا من شارَكَهم لِيطْعَمَ مَعهم أو يَسْتَمْتِعَ اسْتِمْتَاعًا محرَّمًا بفِسْقِهِمْ وغِنَائِهِم، وقلبُهُ منكِرٌ لِكُفْرِهِم وَشِرْكِهِم ؛ فهو على شَفَا هَلَكَةٍ ويُخْشَى عَلَيْهِ إذَا حلَّت بهم عُقُوبةٌ أن تَشْمَلَهُ مَعَهُمْ.
3: بِناءُ مَعابِدَ يُعْبَدُ فيها غيرُ اللهِ جل وعلا، أو الإعانةُ عليها كبِناءِ الكنائسِ والأَدْيرةِ والبِيَعِ وبناءِ الأَضْرِحَةِ والمَشاهِدِ التي يُدْعَى فيها غيرُ اللهِ جل وعلا.
4: مُحاربةُ حَمَلةِ الشريعةِ من العُلماءِ والدُّعاةِ والتَّضْيِيقُ عليهم قَصْدًا للتَّضْييقِ على دَعوةِ الإسلامِ.
5: العَمَلُ على تَوْهِينِ المُسلمينَ وإضعافِهم، وتَمْكِينِ الكُفَّارِ من التَّسلُّطِ على المُسلمينَ.

الناقضُ العاشرُ: التَّولِّي والإِعراضُ.
مَن تَولَّى عن طَاعةِ اللهِ ورسولِه فهو غيرُ مُسلمٍ؛ لأنه غيرُ مُنقادٍ لدينِ اللهِ تعالى؛ فهو لا يَمْتَثِلُ الوَاجباتِ ولا يَمْتَنِعُ عن المُحرَّمَاتِ إلا ما وَافَقَ هَواهُ.
ومن صُوَرِ هذا النَّاقِضِ:
1: أنْ يَرَى أنَّ طَاعَةَ اللهِ تعالى وطَاعةَ رَسُولِه لا تَلْزَمُه، وأنه لا يَجِبُ عليه امتثالُ أمرِ اللهِ تعالى وأمْرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم.
2: أنْ يُعْرِضَ عن أمرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولِه إعراضًا كُلِّيًّا فلا يَتَفَقَّهُ في الدينِ ولا يَسْأَلُ عَمَّا يَجِبُ عليه من طاعةِ اللهِ وطَاعةِ رَسُولِه، ولا يَمْتَثِلُ الوَاجِبَاتِ، ولا يَمْتَنِعُ عن المُحَرَّمَاتِ طَاعةً للَّهِ ورسولِه.
أما مَن كانَ مُلْتَزِمًا طَاعةَ اللهِ ورسولِه ويَمْتَثِلُ مِن ذلك ما يَبْقَى به مُسْلِمًا لكنَّه يَقَعُ في بعضِ المَعاصِي فهو غيرُ كافرٍ بتلك المَعاصِي.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ بهذا الناقضِ: تَرْكُ الصلاةِ؛ فهي عَمُودُ الدِّينِ؛ وإذا تَرَكَها العَبْدُ تَرْكًا مُطْلَقًا فهو مُعْرِضٌ عن دِينِ اللهِ جل وعلا، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: (مَن ضَيَّعَها فهو لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ).

فَصْلٌ: وهذه النَّواقضُ تُنافِي الشَّهادَتَيْنِ مُنافاةً تَامَّةً، ومَن وَقَعَ في أَحَدِها بعدَ إسلامِه وهو عَاقِلٌ بَالِغٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ ولا مَعْذُورٍ بشُبْهَةٍ فهو كافرٌ مُرْتَدٌّ عن دينِ الإسلامِ، فإن ماتَ على ذلك فهو خالدٌ مُخلَّدٌ في نارِ جَهنَّمَ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 217].
ومَن وَقَعَ في أحَدِ هذه النَّوَاقِضِ أو بَعْضِها في الباطِنِ وهو يُظْهِرُ الإسلامَ فهو من المُنافقين النِّفاقَ الأكبرَ، نُعامِلُه مُعاملةَ المُسلمين في الظَّاهِرِ، ونَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلى اللهِ تعالى ما لم يَتَبَيَّنْ لنا منه كُفْرٌ ظَاهِرٌ.
فَصْلٌ:
والنَّوَاقِضُ على دَرَجَتَيْنِ:
الدرجةُ الأُولَى: الكُفْرُ البَوَاحُ، وهو الذي لا يَقَعُ في كُفْرِ صَاحِبِه لَبْسٌ ولا اشتباهٌ ولا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ له عُذْرٌ يُعْذَرُ به من جَهْلٍ أو تَأْوِيلٍ أو إِكْرَاهٍ.
وأصحابُ هذهِ الدرجةِ يُحْكَمُ بكُفْرِهم وبأنهم من أهلِ النارِ إذا تَحَقَّقْنَا أنهم مَاتُوا على ذلك، قال اللهُ تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ[التوبة: 113].
الدرجةُ الثانيةُ: ما ليسَ بكُفْرٍ بَوَاحٍ، وهو على نَوْعينِ:
النوعُ الأولُ: ما يَحْتَمِلُ أن يكونَ لصَاحِبِه ما يُعْذَرُ به من إِكْراهٍ أو ذَهَابِ عَقْلٍ أو شُبْهَةٍ من تأويلٍ أو جَهْلٍ يُعْذَرُ به ويَحْتَاجُ مَعَه إلى إقامةِ الحُجَّةِ عليه، فإنْ بَلَغَتْهُ الحُجَّةُ وعَرَفَ معناها وأصَرَّ بعدَ ما تَبَيَّنَ له الحقُّ حُكِمَ بكُفْرِه، وإن بَقِيَتِ الشُّبْهَةُ لديهِ لم يُحْكَمْ بكُفْرِه.
ولهذا امْتَنَعَ أئمَّةُ أهلِ السُّنةِ عن تَكفيرِ بعضِ أصحابِ الفِرَقِ الضالَّةِ المُنْكِرةِ لبعضِ الأسماءِ والصِّفاتِ لشُبْهةِ التأويلِ، معَ الحُكْمِ عليهم بأنهم مُبْتدِعةٌ وفُسَّاقٌ وأن الشُّبْهةَ لا تُبَرِّئُهم من المُخالفةِ لكنها تَمْنَعُ من تَكْفيرِهم.
وفي هذا النوعِ يُحْكَمُ بأنَّ العَمَل كُفْرٌ، لكن لا يُكَفَّرُ المُعَيَّنُ حتى تَتَحَقَّقَ فيه الشروطُ وتَنْتَفِي المَوَانِعُ.

النوعُ الثاني: أنْ يَكونَ الناقضُ من النواقضِ المُخْتَلَفِ فيها، ويَقَعُ للناظِرِ في ذلك شيءٌ من اللبْسِ وعَدَمِ التَّرجيحِ.
وقد اختَلَفَ أهلُ العلمِ في بعضِ النواقضِ، ومنها:
1: تَرْكُ الصَّلاةِ تَهاوُنًا وكَسَلاً من غيرِ جَحْدٍ لوُجوبِها ولا استكبارٍ عن أدائِها.
والصَّحيحُ أنَّ مَن تَرَكَها مُطْلقًا فهو كافرٌ، ومَن كانَ يُصَلِّي أحيانًا ويَتْرُكُ الصَّلاةَ أحيانًا فهو فَاسِقٌ مُتَوَعَّدٌ بالعذابِ على ما فَــرَّطَ في الفرائضِ لكنْ لا يُحْكَمُ بكُفْرِه.
وهذا القولُ وَسَطٌ بينَ قَوْلينِ:
القولُ الأولُ: أنه يَكْفُرُ بتَرْكِ صَلاةٍ وَاحِدَةٍ.
والقَوْلُ الثاني: أنه لا يَكْفُرُ وإنْ تَرَكَهَا مُطْلَقًا.
2: السِّحْرُ، وقد اختلَفَ أهلُ العلمِ في كُفْرِ مَن تَعلَّمَ السِّحْرَ وعلَّمَه ومَن يَعْمَلُ السِّحْرَ، والصوابُ أنَّ السِّحْرَ لا يَتحَقَّقُ إلا بالكُفْرِ والشِّرْكِ الأكبرِ مِن الاستغاثةِ بالشياطينِ والتَّقرُّبِ لهم بالذبحِ والنذرِ، وامتهانِ ما أمَرَ اللهُ بتعظيمِه، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العلمِ في كُفْرِ مَن يَفْعَلُ هذه الأفعالَ.
لكن من أهلِ العلمِ مَن يُسمِّي الحِيَلَ الخَفِيَّةَ والخدَعَ البَصَرِيَّةَ سِحْرًا، ومنهم مَن يَعُدُّ التَّحَيُّلَ بسَقْيِ بعضِ العقاقيرِ المُؤثِّرةِ على عقلِ الإنسانِ ونفسِه وإدراكِه سِحْرًا، ولأجلِ ذلك لا يُكَفِّرونَ الساحرَ مُطْلقًا حتى يَسْتفسِرونَ عن سِحْرِه، فإن كان سِحْرُه بالاستغاثةِ بالشياطينِ والتَّقرُّبِ إليهم حَكَموا بكُفْرِه، وإن كان سِحْرُه بغيرِ ذلك حَكَمُوا بتعزيرِه بما يَزْجُرُه عن ذلك ولم يُكَفِّرُوه.
3: تَرْكُ الزَّكاةِ والصِّيامِ والحَجِّ، وقد ذَهَبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى كُفْرِ مَن تَرَكَ شَيْئًا من هذه الفَرَائِضِ، وإنْ كانَ غيرَ جَاحِدٍ لوُجوبِها، والصوابُ أنه لا يُحْكَمُ بكُفْرِ تَارِكِها إلا إذا كانَ جَاحِدًا لوُجوبِها، فيُحْكَمُ بكُفْرِه حِينَئذٍ لكونِه مُكَذِّبًا للَّهِ ولرسولِه.
وقد دَلَّت الأحاديثُ الصحيحةُ على أن تاركَ هذه الفرائضِ يُعَذَّبُ في الآخرةِ، ثم يُرَى سبيلُه إما إلى الجَنَّةِ وإما إلى النارِ، وهذا دليلٌ على عَدَمِ تَحَتُّمِ كُفْرِه.

فصلٌ: وبعضُ الأعمالِ المُخْرِجةِ من المِلَّةِ قد يَجْتَمِعُ فيها أكثرُ من ناقضٍ، فتكونُ كُفْرًا من أَكْثَرَ مِن وَجْهٍ.
مِثالُ ذلك: الذي يَحْكُمُ بغيرِ ما أنزَلَ اللهُ مُسْتَحِلاًّ ومُفَضِّلاً حُكْمَ الطَّواغيتِ على حُكْمِ اللهِ جل وعلا.
فهو كافرٌ مِن أَكْثرَ مِن وَجْهٍ:
كافرٌ بسببِ حُكمِه بغيرِ ما أنزلَ اللهُ وجَعْلِه نفسَه شَرِيكًا للهِ في حُكْمِه.
وكافرٌ بسببِ استحلالِه مُحرَّمًا مَعْلومَ التحريمِ بالضَّرورةِ من دِينِ الإسلامِ.
وكافرٌ بسببِ تَكْذيبِه للهِ ولرسولِه بتَفْضيلِه حُكْمَ الطاغوتِ على حُكْمِ اللهِ جل وعلا.

وكُلَّما كانَ العبدُ أكْثَرَ وُقوعًا في هذهِ النواقضِ كانَ أعْظَمَ كُفْرًا، وكانَ عذابُه على ذلك أشَدَّ، معَ كَوْنِهم مُشتركينَ في الخُروجِ من دِينِ الإسلامِ.

فصلٌ: والكُفْرُ كُفْرانِ؛ كُفْرٌ ظَاهِرٌ، وكُفْرٌ بَاطِنٌ:
فأما الكفر الظاهر؛ فهو ما يَظْهَر من أعمالِ العبدِ الكفريّةِ البيّنةِ؛ فيُحكَمُ بكفْرِه لِمَا ظَهَر منه.
وأمَّا الكفرُ الباطنُ فهو ما يَتعلَّقُ به حالُ العبدِ فيمَا بينَه وبينَ اللهِ؛ فقد يَكونُ كافرًا في الباطِنِ بارتكابِه ما يَنْقُضُ الإسلامَ، وهو فيما يَرَى الناسُ مُظْهِرٌ للإسلامِ؛ وحينَئذٍ يكونُ مُنافِقًا يُعامَلُ مُعاملةَ المسلمين في الظاهرِ، وهو في الآخرةِ معَ الكفارِ في نارِ جَهنَّم خالدًا فيها.
ومن الناسِ مَن يَرْتَكِبُ نَاقِضًا من النواقضِ فيما يَظْهَرُ للنَّاسِ ويَكونُ له ما يُعْذَرُ به من ذَهابِ عَقْلٍ أو جَهْلٍ يُعْذَرُ بمِثْلِه، أو يَكونُ حَدِيثَ عَهْدٍ بالإسلامِ فتَجْرِي على لسانِه بعضُ أقوالِ الكُفْرِ التي اعتادَها من غيرِ أنْ يَعْتَقِدَها؛ فرُبَّما حُكِمَ بكُفْرِه في الظاهرِ وهو في الباطِنِ له ما يُعْذَرُ به.
ويُبْعَثُ الإنسانُ يومَ القيامةِ على ما ماتَ عليه من إيمانٍ وكُفْرٍ.
والأَصْلُ في الحُكْمِ بالكُفْرِ أنه إلى أهلِ العلمِ وأُولِي الأَمْرِ، وقد يُخْرَجُ عن الأصلِ
لعَوَارِضَ تَقْتَضِيها الحاجةُ وتَعَلُّقِ العَمَلِ بذلك.

ومِمَّا يَنْبَغِي التَّحْذِيرُ منه التَّسَرُّعُ في تَكْفيرِ مَن لم يَتَبيَّنْ كُفْرُه؛ لقولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم: (( إِذَا قالَ الرَّجُلُ لأخيهِ: يَا كافرُ، فقَدْ باءَ بها أحدُهمَا، فإنْ كانَ كمَا قالَ، وإلاَّ رَجَعَتْ عليهِ )) مُتَّفقٌ عليه من حديثِ ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما.
وعن أَبِي ذَرٍّ رضِي الله عنه أنَّه سَمِعَ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (( مَنْ دَعَا رَجُلاً بالكُفْرِ، أو قالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ )). مُتَّفَقٌ عليه.
وهذا التحذيرُ هو فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى السِّبابِ والتَّسَرُّعِ والحُكْمِ مِن غَيْرِ تَأَهُّلٍ، أما العَالِمُ المُجْتهِدُ إذا أخْطَأَ في حُكْمِه عندَ الاحتياجِ إليه وهو غَيْرُ مُفَرِّطٍ ولا مُتَّبِعٍ لِهَوى؛ فإنه مَأْجُورٌ على اجْتِهادِه وخَطَؤُه مَغْفُورٌ.

فَصْلٌ: وقدْ أجْمَعَ أهلُ العِلْمِ على وُجوبِ قَتْلِ المُرْتَدِّ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ))
ومَن مَاتَ مُرْتَدًّا فلا يُغَسَّلُ، ولا يُكَفَّنُ، ولا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَنُ في مَقابِرِ المُسلمينَ، ولا يُوَرَّثُ مالُه، ولا يُدْعَى له بعدَ موتِه.
وأمَّا استتابتُه قبلَ قَتْلِه فهي من اجتهادِ الإمامِ، فإن كانَ يَرْجُو رُجوعَه للإسلامِ أو كانت لديه شُبْهَةٌ عارضةٌ ارْتَدَّ بسَبَبِها فله أن يُمْهِلَه ثلاثةَ أيَّامٍ ويَعْرِضَ عليه الرُّجوعَ للإسلامِ، فإنْ تَابَ وإلا قُتِلَ مُرْتَدًّا.
وإنْ رَأَى الإمامُ أنَّ التَّعْجِيلَ بقَتْلِه فيه مَصْلَحةٌ للمُسْلمِينَ كأنْ يَكونَ شَدِيدَ الإيذاءِ للمُسْلِمينَ بعدَ رِدَّتِه أو جَاسُوسًا عليهم أو خَشِيَ أنْ يَكُونَ في إمهالِه فِتْنةٌ وضَرَرٌ على المُسْلِمِينَ عَجَّل بقَتْلِه ما لم يَتُبْ قَبْلَ القُدْرةِ عليه.
اللهُمَّ أَحْيِنَا مُسلِمِينَ وتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بالصَّالِحينَ، وأَجِرْنَا من خِزْيِ الدنيا وعَذَابِ الآخِرَةِ، ربَّنا إنَّك رَؤوفٌ رَحيمٌ.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 15 جمادى الآخرة 1436هـ/4-04-2015م, 05:50 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي آداب الزماله

- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
الشيخ :
هذه الكلمات مأخوذة من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك) (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير )
فعليك بإختيار الصديق الصالح فإن المرء على دين خليله .
وبناء على ذلك نقول : إذا كان في مصاحبة الفاسق سبب لهدايته فلا بأس أن تصحبه, وتدعوه إلى بيتك , وتأتي إلى بيته تخرج معه للتمشي بشرط أن لا يقدح ذلك في عدالتك عند الناس , وكم من إنسان فاسق هداه الله تعالى بما يسر له من صحبة الخير .
وقول الشيخ بكر وفقه الله : الناس كأسراب القطا سبق أن هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو حقيقة فالناس يتبع بعضهم بعضا.
وقوله:( الدفع أسهل من الرفع ) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية أن الدفع أسهل من الرفع وفي معناها قول الأطباء : الوقاية أسهل من العلاج , لأن الدفع ابتعاد عن الشر وأسبابه , لكن إذا نزل الشر صار من الصعب أن يرفعه الإنسان .
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ . القسم الأول: صديقُ مَنْفَعَةٍ . القسم الثاني: صديقُ لَذَّةٍ . القسم الثالث: صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما . وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ )
الشيخ :
يعني العزلة: احذف العين: تكون زلة، والثاني من غير زاي الزهد: علة، يعني احذف الزاي تكون علة، إذا لا بد من علم ولا بد من زهد، قبل أن ينعزل الإنسان عن الناس . طيب هؤلاء الأصدقاء , قسمهم إلى ثلاثة أصدقاء :
صديق منفعة : وهو الذي يصادقك مادام ينتفع منك بمال أو جاه أو غير ذلك , ما أكثر الذين يلمزون في الصدقات إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون .
والثاني . صديق لذة : يعني لا يصادقك إلا لأنه يتمتع بالجلوس إليك والمحادثات والمآنسات والمسامرات , ولكنه لا ينفعك ولا تنتفع منه أنت , كل واحد منكم لا ينفع الآخر . ليس إلا ضياع وقت فقط . هذا أيضاً احذر منه أن يُضيع أوقاتك .
والثالث . صديق فضيلة : . يحملك على ما يزين وينهاك عن ما يشين ويفتح لك أبواب الخير ويدلك عليه وإذا زللت نبهك على وجه لا يخدش كرامتك , هذا هو صديق الفضيلة
كلمة صديق منفعة من أوسع هذه الأقسام , لأن المنافع كثيرة جدا , فإذا رأيت هذا الرجل لا يصادقك إلا حيث ينتظر منفعتك فاعلم أنه عدو وليس بصديق, كذلك صديق اللذة الذي يشغلك ويلهيك , بالتمتع بالسمر وإضاعة الوقت في الخروج للمنتزهات وغير ذلك أيضا هذا لا خير فيه .
الذي يجب أن تعض عليه بالنواجذ هو صديق الفضيلة . يحملك على كل فضيلة وينهاك عن كل رزيلة نحن الآن بدأنا تقسيم الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام: صديق منفعة وصديق لذة وصديق فضيلة، وقلنا استمسك بغرز صديق الفضيلة.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 15 جمادى الآخرة 1436هـ/4-04-2015م, 06:27 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي آداب الطالب في حياته العلمية [كـبر الهمة في العلم]

الفصل الخامس آداب الطالب في حياته العلمية:
الأمر الرابع والعشرون- كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :

من سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛ مرْكَزِ السالِبِ والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ، فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ والعَمَلِ ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا باسطًا يَدَيْكَ إلا لِمُهِمَّاتِ الأمورِ .

الشيخ :
وهذا من أهم ما يكون، أن يكون الإنسان في طلب العلم له هدف ليس مراده مجرد قتل الوقت بهذا الطلب بل يكون له همة , ومن أهم همم طالب العلم أن يريد القيادة والإمامة للمسلمين في علمه , ويرى أنه واسطة بين الله عز وجل وبين العباد في تبليغ الشرع , هذه مرتبة ثانية , وإذا شعر بهذا الشعور فسوف يحرص غاية الحرص على اتباع ما جاء في الكتاب والسنة معرضاً عن آراء الناس , إلا أنه يستأنس بها ويستعين بها على معرفة الحق , لأن ما تكلم به العلماء رحمهم الله من العلم لا شك أنه هو الذي يفتح الأبواب لنا , وإلا لما استطعنا أن نصل إلى درجة أن نستنبط الأحكام من النصوص أو نعرف الراجح من المرجوح وما أشبه ذلك .
والتَّحَلِّي بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ، ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ الْجَأْشِ ، لا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ ، تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
التحلي بعلو الهمة يسلب عنك سفاسف الآمال والأعمال .
الآمال : هي أن يتمنى الإنسان الشيء دون السعي في أسبابه , فإن المؤمن كيس فطن لا تلهه الآمال , بل ينظر الأعمال ويرتقب النتائج .
وأما من تلهيه الآمال ويقول : إن شاء الله أقرأ هذا , أراجع هذا , الآن أستريح وبعد ذلك أراجع . اجعل نفسك قوي العزيمة عالي الهمة . وقد مر علينا أحاديث تدل على أن العناية بالمقصود قبل كل شيء. مثل عتبان بن مالك جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى فواعده النبي عليه الصلاة والسلام فأعد لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم طعاما وأخبر الجيران بذلك فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما وصل البيت أخبره عتبان بما صنعه ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال أرني المكان الذي تريد أن أصلي فيه فأراه المكان وصلى قبل أن يأكل الطعام وقبل أن يجلس إلى القوم لأنه جاء لغرض فلا تشتغل عن الغرض الذي تريده بأشياء لا تريدها من الأصل لأن هذايضيع عليك الوقت وهو من علو الهمة.
ولا تَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛ فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُ الْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ .
(كبر الهمة) إن الإنسان يحفظ وقته ويعرف كيف يصرفه ولا يضيع الوقت بغير فائدة , وإذا جاءه من يرى أن مجالسته فيها إهمال وإلهاء عرف كيف يتصرف .
( وأما كبر النفس ) فهو الذي يحتقر غيره ولا يرى الناس إلا ضفادع ولا يهتم وربما يصعر وجهه وهو يخاطبهم فكما قال الشيخ بكر: بينهما كما بين السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع .
فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .
يعني من علو الهمة
أن لا تكون متشوفاً لما في أيدي الناس , لأنك إذا تشوفت ومَنَّ الناسُ عليك ملكوك؛ لأن المنة ملك للرقبة في الواقع.
لو أعطاك الإنسان قرشاً لوجد أن يده أعلى من يدك كما جاء في الحديث :( اليد العليا خير من اليد السفلى)
إذا كان الإنسان عادم الماء لو وهب له الماء لم يلزمه قبوله بل يعدل إلى التيمم خوفاً من المنة مع أن الوضوء بالماء فرض للقادر عليه , ولهذا فرق الفقهاء رحمهم الله بين أن تجد من يبيعه ومن يهديه .
فقالوا : من يبيعه اشتر منه وجوباً لأنه لا منة له , حيث أنك تعطيه العوض . ومن أهدى عليك لا يلزمك قبوله . من أجل أن منته تقطع رقبتك , ولكن إذا كان الذي أهدى الماء لا يمن عليك به , بل يرى أنك أنت المان عليه بقبوله , أو من جرت العادة بأنه لا منة بينهم مثل الأب مع ابنه , والأخ المشفق مع أخيه وما أشبه ذلك .فهنا ترتفع العلة , وإذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم .
بعض الناس يكون عنده أسلوب في السؤال، أي في سؤال المال , إذا رأى مع إنسان شيئا يعجبه أخذه بيده وقام يقلبه، حتى يعطيه إياه ,فالمهم أن بعض الناس يستشرف أو يسأل بطريق غير مباشر، وكل هذا مما يحط قدر طالب العلم وقدر غيره أيضاً.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 15 جمادى الآخرة 1436هـ/4-04-2015م, 06:43 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي النهمة في الطلب

25- النهمة في الطلب:
إذا علمت الكلمة المنسوبة إلى الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
«قيمة كل امرئ ما يحسنه»، وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، فاحذر غلط القائل: ما ترك الأول للآخر. وصوابه: كم ترك الأول للآخر!
فعليك بالاستكثار من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وابذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق، ومهما بلغت في العلم، فتذكر: «كم ترك الأول للآخر»!
إن كل إنسان يحسن الفقه والشرع صار له قيمة، أحسن مما يحسن فتل الحبال مثلا. لأن كل منهما يحسن شيئا، لكن فرق بين هذا وهذا فقيمة كل امرئ ما يحسنه. «وقد قيل: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها» وهذا ليس بصحيح. أشد كلمة في الحض على طلب العلم قول الله تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» . وقوله صلى الله عليه وسلم :«العلماء ورثة الأنبياء » .

وقوله :«ما ترك الأول للآخر» إما تكون «ما» نافية أو استفهامية فإن كانت «نافية» فالمعنى: ما ترك الأول للآخر شيئا. وإن كانت «استفهامية» فيكون المعنى: أي شيء ترك الأول للآخر؟ وكلا المعنيين يوجب أن يتثبط الإنسان عن العلم، ويقول كل العلم أخذ من قبلي فلا فائدة. فيكون بذلك تثبيط لهمته، لأنه إذا قيل لك: أن من قبلك أخذوا كل شيء. ستقول إذا ما الفائدة.
أما إذا قيل: كم ترك الأول للآخر، فالمعنى: ما أكثر ما ترك الأول للآخر، وهذا يحملك على أن تبحث على كل ما قاله الأولون، ولا يمنعك من الزيادة على ما قال الأولون. ولا شك أن المعنى الصواب: كم ترك الأول للآخر. فإن قيل: إن الشاعر الجاهلي يقول:
ما أرانا نقول إلا معارا ** أو معادا من قولنا مكرور
هذا ليس بصواب، وما أكثر الأشياء الجديدة التي تكلمنا بها ولم يتكلم بها من قبلنا. أما إن أراد بهذا حروف الكلمات أو الكلمات، وهذا صحيح لو أراد المعاني.
ولعل الشاعر الجاهلي أراد أنه كل ما يقال من الكلمات والحروف فإنه إما معار أخذه من غيره، وإما معاد.
قوله :«فعليك بالاستكثار..» يحثك على أن تستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك العلم لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر من ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثم اعلم أن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون بالقرآن الكريم أو بالسنة النبوية. فإن كان بالقرآن الكريم، فقد كفيت إسناده والنظر فيه، لأن القرآن لا يحتاج إلى النظر بالسند لأنه متواتر أعظم التواتر.
أما إذا كان بالسنة النبوية فلا بد أن تنظر في السنة النبوية، أولا هل صحت نسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم تصح؟ فإن كنت تستطيع أن تمحص ذلك بنفسك فهذا هو الأولى؟ وإلا:
إذا لم تستطع شيئا فدعه = وجاوزه إلى ما تستطيع

قوله :«ابذل الوسع» يعني الطاقة في التدقيق، أمر مهم لأن بعض الناس يأخذ بظواهر النصوص وبعمومها دون أن يدقق. هل هذا الظاهر مراد أم غير مراد؟ وهل هذا العام مخصص أم غير مخصص؟ أم هذا العام مقيد أم غير مقيد؟
فتجده يضرب السنة بعضها ببعض لأنه ليس عنده علم في هذا الأمر. وهذا يغلب على كثير من الشباب اليوم الذين يعتنون بالسنة تجد الواحد منهم يتسرع في الحكم المستفاد من الحديث، أو في الحكم على الحديث. هذا خطر عظيم.
يقول «مهما بلغت في العلم فتذكر: كم ترك الأول للآخر» هذا طيب، ولكن نقول: إن أحسن من ذلك مهما بلغت في العلم، فتذكر قول الله عز وجل : (وفوق كل ذي علم عليم) (سورة يوسف: 76). وقوله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (سورة الإسراء: 85).
وفي ترجمة أحمد بن عبد الجليل من «تاريخ بغداد» للخطيب ذكر من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني = ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المرء = قضاء من الإمام علي
هذا سبق الكلام عليه. و«السري» يعني: الشريف عالي الهمة، مثل الوفي ونفي المماثلة ظاهر أيضا، لا يكون الإنسان الذكي مثل الإنسان الغبي ولا ذو العلم مثل الجاهل.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 21 جمادى الآخرة 1436هـ/10-04-2015م, 03:48 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي الرحله للطلب

- الرحلة للطلب:
«من لم يكن رحلة لن يكون رحلة»: فمن لم يرحل في طلب العلم، للبحث عن الشيوخ، والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليرحل إليه، لأن هؤلاء العلماء الذين مضى وقت في تعلمهم، وتعليمهم، والتلقي عنهم: لديهم من التحريرات، والضبط، والنكات العلمية، والتجارب، ما يعز الوقوف عليه أو على نظائره في بطون الأسفار.

قوله :«من لم يكن رحلة لن يكون رحلة» لعل: من لم يكن له.... يرجع إلى الأصل.
قوله :«التجارب» مكسور حرف الراء. والتجربة غلط ما هي لغة عربية، رغم أنها في الشائع بين الناس الآن، حتى طلبة العلم، يقول: تجارب، تجربة. رغم أن الصواب كسر الراء. والمعنى: أن من لم يكن له رحلة في طلب العلم فلن يرحل إليه وتأتي الناس إليه.
واحذر العقود عن هذا على مسلك المتصوفة البطالين، الذين يفضلون «علم الخرق» على «علم الورق». وقد قيل لبعضهم: ألا ترحل حتى تسمع من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الخلاق؟!
وقال آخر: إذا خاطبوني بعلم الورق = برزت عليهم بعلم الخرق

فاحذر هؤلاء، فإنهم لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا، بل فيهم من كان بأسا وبلاء على الإسلام.
الصوفية يدعون أن الله يخاطبهم ويوحي إليهم، وأنه يزورهم ويزورونه وهذا من خرافاتهم.
والعبارة الأخيرة مأخوذة من كلام شيخ الإسلام رحمه الله في المتكلمين قال في هؤلاء :«لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا» يعني أنهم ما نصروا الإسلام الذي جاء لذلك أن هؤلاء المتكلمين حرفوا النصوص عن ظاهرها وأولوها إلى معان أو جددوها بما يزعمون أنه عقل، فتسلط عليهم الفلاسفة وقالوا لهم: أنتم إذا أولتم آيات الصفات وأحاديث الصفات، مع ظهورها ووضوحها، فاسمحوا لنا أن نأول آيات المعاد، أي آيات اليوم الآخر فإن ذكر أسماء الله وصفاته في الكتب الإلهية أكثر بكثير من ذكر المعاد وما يتعلق به، فإذا أبحتم لأنفسكم أن تأولوا في أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، فاسمحوا لنا أن نأول في آيات المعاد وننكر المعاد رأسا ولا شك أن هذه حجة قوية لهؤلاء الفلاسفة على هؤلاء المتكلمين، إذ لا فرق.
المهم أن الشيخ وفقه الله هاجم الصوفية، فهم جديرون بالمهاجمة، لأن بعضهم يصل إلى حد الكفر والإلحاد بالله، حتى يعتقد أنه هو الرب كما يقول بعضهم «ما في الجبة إلا الله» يعني نفسه. ويقول:
الرب عبد والعبد رب = يا ليت شعري من المكلف
يعني هما شيء واحد. لكن ينبغي أيضا أن نهاجم ونركز على مهاجمة أهل الكلام الذين سلبوا الله من كماله بكلامهم انكروا الصفات، فمنهم من أنكر الصفات رأسا كالمعتزلة . ومنهم من أثبت الأسماء، لكن جعلها أسماء جامدة لا تدل على معنى، وغالى بعضهم وقال: إنها أسماء واحدة، وأن السميع هو البصير، وأن السميع والبصير هما العزيز وهما شيء واحد. وغالى بعضهم فقال: هي أسماء متعددة، لكن لا تدل على معنى. مسلوبة المعنى.
وبتعدد الصفات يرون أنه شرك، لأنهم يقولون يلزم تعدد الصفات القديمة كالعلم والسمع والبصر، فيلزم من ذلك تعدد القدماء، وهو أشد شركا من النصارى.
فالحاصل أنه أيضا ينبغي أن يهاجم على أهل الكلام الذين عطلوا لله مما يجب له من صفات كمال بعقول واهية.
والعلماء رحمهم الله الذين تكلموا عن الرحلة لم يدركوا هذا الأثر، الأشرطة المسجلة تغني عن الرحلة، لكن الرحلة أكبر لأن الرحلة إلى العالم، يكتسب الإنسان من علمه وأدبه وأخلاقه، ثم يترك الرجل يتكلم ليس كما يعمله إياه في الشريط.
مثلا: الخطبة، أنت عند رجل يخطب وكلامه جيد... تتأثر به لكن لو تسمع هذا الكلام من الشريط لن تتأثر به تأثرك وأنت تشاهد الخطيب.



رد مع اقتباس
  #19  
قديم 21 جمادى الآخرة 1436هـ/10-04-2015م, 04:10 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي حفظ العلم كتابه

- حفظ العلم كتابة:
ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب)، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها، ومن أجل فوائده أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي.

«ابذل» همزة وصل، لكن عند الابتداء بها تكون همزة قطع. بذل الجهد في الكتابة مهم، لا سيما في نوادر المسائل أو في التقسيمات التي لا تجدها في بعض الكتب.
كم من مسألة نادرة مهمة لا يقيدها اعتمادا على أنه يقول: إن شاء الله لا أنساها. فإذا به ينساها ويتمنى لو كتبها، ولكن احذر أن تكتب على كتابك على هامشه أو بين سطوره، كتابة تطمس الأصل لكن يجب إذا أردت أن تكتب على كتابك أن تجعله على الهامش البعيد من الأصل لئلا يلتبس هذا بهذا، فإن لم يتيسر هذا، كأن ما تريد تعليقه أكثر من الهامش فلا ضير عليك أن تجعل ورقة بيضاء تلصقها بين الورقات وتشير إلى موضعها من الأصل وتكتب ما شئت، وكان طلبة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله يحدثوننا أنهم يأخذون مذكرات صغيرة يجعلونها في الجيب كلما ذكر الإنسان منهم مسألة قيدها، إما فائدة علم في خاطر، أو مسألة يسأل عنها الشيخ فيقيدها، فاستفادوا بذلك كثيرا. ولذا، فاجعل لك (كناشا) أو (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك، فحسن، ثم تنقل ما يجمع لك بعد في مذكرة، مرتبا له على الموضوعات، مقيدا رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته :«نقل»، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب :«بلغ صفحة كذا» فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة.
وللعلماء مؤلفات عدة في هذا، منها :«بدائع الفوائد»، لابن القيم، و«خبايا الزوايا» للزركشي، ومنها: كتاب «الإغفال»، و«بقايا الخفايا»، وغيرها.
ومنها أيضا «صيد الخاطر» لابن الجوزي، لكن أحسن ما رأيت «بدائع الفوائد» لأبن القيم أربعة أجزاء في مجلدين، فيها من بدائع العلوم ما لا تكاد تجده في كتاب أخر لكل فن. كل ما طرأ على باله قيده، لذلك تجد فيه من العقائد في التوحيد، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في التفسير، في كل شيء.
أحيانا يبحث في كلمة من الكلمات اللغوية في صفحة تحليلا وتفريعا واشتقاقا وغير ذلك. بحث بحثا بالغا في الفرق بين «المدح والحمد»، كتب كتابة فائقة في ذلك، وقال: كان شيخنا إذا بحث في مثل هذا أتى بالعجب العجاب لكنه كما قيل: تألق البرق نجديا فقلت له = إليك عني فإني عنك مشغولا

يعني رحمه الله مشغول بما هو أهم من التحقق في اللغة العربية وإلا فهو- شيخ الإسلام – رحمه الله آية في اللغة العربية، لما قدم مصر اجتمع بأبي حيان المصري الشهير صاحب «البحر المحيط» في التفسير، وكان أبو حيان يثني على شيخ الإسلام ثناء عطرا، ويمدحه بقصائد عصامية، ومن جملة ما يقول فيه:
قام ابن تيمية في نصر شريعتنا = مقام سيد يتم إذ عصت مضر
يعني أبي بكر يوم الردة. فلما قدم مصر شيخ الإسلام اجتمع بهذا الرجل- أبي حيان- وتناظر معه في مسألة نحوية واحتج عليه أبو حيان بقول سيبويه في كتابه، قال إن سيبويه في كتابه قال كذا وكذا. فكيف تخالفه؟.
فقال له شيخ الإسلام:«وهل سيبويه نبي النحو؟!» يعني: حتى يجب علينا اتباعه، ثم قال:«لقد غلط في الكتاب في أكثر من 80 موضعا لا تعلمها أنت ولا هو». سبحان الله !! هكذا يقول لسيد النحاة. يقال: إن أبا حيان بعد ذلك أخذ عليه وصار بنفسه فأنشأ قصيدة يهجوه فيها.
وعليه، فقيد العلم بالكتاب، لاسيما بدائع الفوائد في غير مظانها، وخبايا الزوايا في غير مساقها، ودررا منثورة تراها وتسمعها تخشي فواتها...... وهكذا، فإن الحفظ يضعف، والنسيان يعرض.
قوله:«لاسيما بدائع» الأفصح في هذا أن تكون مرفوعة بعد لاسيما، يجوز النصب ولكن الأحسن الرفع.
ومعني الكلام: أنه يحث على كتابة هذه الأشياء، بدائع الفوائد التي تعرض للإنسان حتى لا ينساها وكذلك أيضا ولاسيما إذا كانت في غير مظانها لأنك أحيانا تبحث عن مسألة تظنها مثلا في باب الصيد وهي مذكورة في مكان آخر، فإذا ذكرت في مكان آخر فقيدها، وكذلك أيضا«خبايا الزوايا في غير مساقها» وهي بمعني الجملة الأولي. و«درر منثورة تراها» وتسمعها تخشي فواتها. قال الشعبي:«إذا سمعت شيئا، فاكتبه، ولو في الحائط». رواه خيثمة.
وإذا اجتمع لديك ما شاء الله أن يجتمع، فرتبه في (تذكرة) أو (كناش) على الموضوعات، فإنه يسعفك في أضيق الأوقات التي قد يعجز عن الإدراك فيها كبار الأثبات.
وهل الأولى أن ترتبها على الموضوعات أو أن ترتبها على ألف وباء؟ نرى أنه على ألف باء أحسن، وذلك لأن ترتيبها على الموضوعات تختلف فيه كتب العلماء، تجد مثلا: ترتيب الحنابلة يفترق عن الشافعية لاسيما في المعاملات، بل إن نفس المذهب الواحد يختلف ترتيبه. ترتيب المتقدمين منهم والمتأخرين.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 22 جمادى الآخرة 1436هـ/11-04-2015م, 03:20 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي حفظ الرعايه

- حفظ الرعاية:
ابذل الوسع في حفظ العلم(حفظ رعاية) بالعمل والاتباع، قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:«يجب على طالب الحديث أن يخلص نيته في طلبه، ويكون قصده وجه الله سبحانه. وليحذر أن يجعله سبيلا إلى نيل الأعراض، وطريقا إلى أخذ الأعواض، فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه.

جاء الوعيد لمن طلب علما وهو يبتغي به وجه الله لغير الله لم يجد عرف الجنة، أي ريحها،
فإذا قال قائل: كل الذين يطلبون العلم في الكليات إنما يقصدون الشهادة ولذلك نرى بعضهم يريد الوصول إلى هذه الشهادات ولو بالباطل كالشهادات المزيفة والغش وما أشبه ذلك. فيقال يمكن للإنسان أن يريد الشهادة في الكلية مع إخلاص النية وذلك أن يريد الوصول إلى منفعة الخلق لأن من لم يحمل الشهادة لا يتمكن من أن يكون مدرسا أو مديرا أو ما أشبه ذلك مما يتوقف على نيل الشهادة.
فإذا كانت هذه نية الإنسان فهي نية حسنة لا تضر إن شاء الله هذا في العلم الشرعي. أما في العلم الدنيوي فانو فيه ما شئت مما أحله الله.
وليتق المفاخرة والمباهاة به، وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة، واتخاذ الأتباع، وعقد المجالس، فإن الآفة الداخلة على العلماء أكثرها من هذا الوجه.
وقد جاء الوعيد فيمن طلب ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء.
وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية، فإن رواة العلوم كثير ورعاتها قليل، ورب حاضر كالغائب، وعالم كالجاهل، وحامل للحديث ليس معه منه شيء إذا كان في اطراحه لحكمة بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه.
ومعنى «رعاية» أن يفقه الحديث ويعمل به ويبينه للناس، لأن مجرد الحفظ بدون فقه للمعنى ناقص جدا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :«رب مبلغ أوعى من سامع» .
والمقصود بالأحاديث أو القرآن الكريم هو فقه المعنى حتى يعمل به الإنسان ويدعو إليه، ولكن الله سبحانه وتعالى بحكمته جعل الناس أصنافا:

  • منهم راو فقط ولا يعرف من المعنى شيئا إلا شيء واضح بين لا يحتاج الناس إلى مناقشته فيه، لكنه في الحفظ والثبات قوي جدا،
  • ومن الناس من أعطاه الله فهما وفقها لكنه ضعيف الحفظ إلا أنه يفجر ينابيع العلم من النصوص
  • ومن الناس من يعطيه الله الأمرين: قوة الحفظ وقوة الفقه، لكن هذا نادر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لما أتاه الله تعالى من العلم والحكمة مطر أصاب أرضا فصارت الأرض ثلاثة أقسام:
    القسم الاول: قيعان ابتلعت الماء ولم تنبت الكلأ، فهذا مثل من أتاه الله العلم والحكمة ولكنه لم يرفع به رأسا ولم ينتفع به ولم ينفع به غيره.
    والقسم الثاني :أرض أمسكت الماء ولكنها لم تنبت الكلأ. هؤلاء الرواة، امسكوا الماء فسقوا الناس واستقوا وزرعوا، لكن هم أنفسهم ليس عندهم إلا حفظ هذا الشيء.
    والأرض الثالثة :أرض رياض قبلت الماء فأنبتت العشب والكلأ فانتفع الناس وأكلوا وأكلت مواشيهم. وهؤلاء الذين من الله عليهم بالعلم والفقه، فنفعوا الناس وانتفعوا به.
    وينبغي لطالب الحديث أن يتميز في عامة أموره عن طرائق العوام باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمكنه، وتوظيف السنن على نفسه، فإن الله تعالى يقول :(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (سورة الأحزاب: 21). اهـ.
    «ينبغي» أحيانا يراد بها الوجوب، لكن الشائع في استعمالها أنها للندب. وهذا في الأمور التعبدية ظاهر.
أنه ينبغي للإنسان أن يتميز باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمور الاتفاقية التي وقعت اتفاقا من غير قصد هل يشرع أن يتبعها الإنسان أم لا ؟
كان ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه يتبع ذلك، حتى أنه يتحرى المكان الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وبال فيه، فنزل ويبول. وإن لم يكن محتاجا للبول.
كل هذا من شدة تحريه لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لكن هذا قد خالف أكثر الصحابة فيه ورأوا أن ما وقع اتفاقا فليس بمشروع اتباعه للإنسان. ولهذا لو قال قائل: أيسن لنا الآن ألا نقدم مكة في الحج إلا في اليوم الرابع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم في اليوم الرابع؟الصحيح أنه لا يشرع لأنه وقع اتفاقا لا قصدا.
ما وقع عادة فهل يشرع لنا أن نتبعه فيه؟ مثلا: العمامة والرداء والإزار. نقول: نعم يشرع أن نتبعه فيه.
لكن ما معنى الاتباع. هل معناه اتباعه في عين ما لبس؟ أو اتباعه في جنس ما لبس؟ الجواب: جنس ما لبس. لأنه لبس ما اعتاده الناس في ذلك الوقت.
وعلى ذلك نقول: السنة لبس ما يعتاده الناس، ما لم يكن محرما،
ما وقع على سبيل التشهي فهل نتبعه فيه. كان عليه الصلاة والسلام يحب الحلوى، يحب العسل، يتتبع الدباء في الأكل. هل نتبعه في ذلك.
قال أنس رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء- يعني القرع- في الطعام، فمازلت أتتبعها منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبعها.
الظاهر أن هذا الاتباع فيه أحرى من الاتباع فيما سبقه- وهو ما وقع اتفاقا- لأن هذا لم يقع اتفاقا، حيث أننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يتتبعها أنه يتتبعها قصدا لا اتفاقا، وحينئذ نقول: إذا تتبعت هذا فإنك على الخير، وقد يكون في الدباء منفعة طبية، تسهل وتلين وتكون قدما للطعام.
قوله «باستعمال آثار» هذه العبارة فيها شيء من الركاكة، ولو قال «باتباع آثار» كما عبر بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال: من أصول أهل السنة والجماعة اتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا». وهذا هو اللفظ المطابق للقرآن . (فاتبعوني يحببكم الله) (سورة آل عمران: 31). أما استعمال الآثار فقد يتوهم واحد أن استعمال ثيابه وعمامته وما أشبه ذلك. لكن إذا قلنا اتباع آثار كان ذلك أحسن وأوضح.
وقوله :«توظيف السنن على نفسه» يراد بذلك أن يطبق توظيفها، بمعنى تطبيق السنن على نفسه لأن الله يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه) ولو ذكر آخر الآية لكان أحسن ما هي (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) (سورة الأحزاب: 21).

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 22 جمادى الآخرة 1436هـ/11-04-2015م, 03:47 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي تعاهد المحفوظات

تَعاهَدْ عِلْمَك من وَقتٍ إلى آخَرَ ؛ فإنَّ عَدَمَ التعاهُدِ عُنوانُ الذهابِ للعِلْمِ مهما كان .
الشيخ:
فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب، يعني دليل الذهاب ، ولكن لو عبر بقوله :«فإن عدم التعاهد سبب الذهاب للعلم» لكان أولى لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها». فيدل ذلك على أن عدم التعاهد سبب للنسيان، وليس عنوان الذهاب للعلم، لأن عنوان الشيء يكون بعد الشيء. وسبب الشيء يكون قبل الشيء،


القارئ:
عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :(( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ ، إن عاهدَ عليها أَمْسَكَها وإن أَطْلَقَها ذَهَبَتْ )). رواه الشيخانِ ، ومالِكٌ في ( الْمُوَطَّأِ ) .
قالَ الحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ رَحِمَه اللهُ : ( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ، أيْ مَنْ كان ؛ لأنَّ عِلْمَهم كان ذلك الوَقْتَ القرآنَ لا غيرَ ، وإذا كان القرآنُ الْمُيَسَّرُ للذكْرِ يَذْهَبُ إن لم يُتَعَاهَدْ ؛ فما ظَنُّكَ بغيرِه من العلومِ المعهودةِ ؟! وخيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ، وقادَ إلى اللهِ تعالى ودَلَّ على ما يَرضاهُ ) .

الشيخ:
( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ) وهذا واضح أن من لم يتعاهد حفظه نسي وكما أن هذا في المعقول فهو أيضا في المحسوس فمن لم يتعاهد الشجرة بالماء تموت، أو تذبل وكذلك العلوم
(خيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ) يعني عليكم بالقواعد والأصول لأن المسائل الفقهية المتفرعة كتلاقط الجراد من أرض صحراء تضيع عليك لكن الذي عنده علم بالأصول هذا هو العالم من فاتته الأصول فاته الوصول.

القارئ:
وقالَ بعضُهم ( كلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّدْ بعِلْمٍ فإلى ذُلٍّ مَصيرُه ) اهـ .
الشيخ:
يعني غالبا ، وإلا فقد يكون الإنسان عزيزا بماله وإنفاقه ونفع الناس به فيبقى عزيزا إلى أن يموت ولكن في الغالب أن العز الذي لم يأكد بالعلم أنه يزول.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 22 جمادى الآخرة 1436هـ/11-04-2015م, 08:41 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي التفقه بتخريج الفروع على الأصول

التفقه بتخريج الفروع على الأصول:
من وراء الفقه: التفقه، ومعتمله هو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية.

وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله قال : «نضر الله امرؤ سمع مقالتي فحفظها، ووعاها، فأداها كما سمعها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».
«التفقه» يعني طلب الفقه، والفقه ليس العلم. بل هو إدراك أسرار الشريعة. وكم من إنسان عنده كثير ولكنه ليس بفقيه، ولهذا حذر ابن مسعود رضي الله عنه من ذلك فقال: «كيف لكم إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم».
الفقيه هو العالم بأسرار الشريعة وغاياتها وحكمها حتى يستطيع أن يرد الفروع الشاردة إلى الأصول الموجودة، ويتمكن من تطبيق الأشياء على أصولها
قال: «نضر الله.. » نضر بمعنى: حسنه، ومنه قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة) وقوله تعالى : (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) نضرة: يعني حسنا في وجوههم، وسرورا في قلوبهم، فيجتمع لهم حسن الظاهر والباطن. لأن الإنسان قد يغتم قلبه، ووجهه قد أعطاه الله نضارة لكن سرعان ما تزول. ومن الناس من يكون قلبه مسرورا لكن لم يعطه الله نضارة الوجه، ومن الناس من يحصل له الأمران: السرور في القلب ونضارة في الوجه. وبذلك تتم النعمة.
قال ابن خير.- رحمه الله تعالى- في فقه هذا الحديث :«وفيه بيان أن الفقه هو الاستنباط والاستدراك في معاني الكلام من طريق التفهم، وفي ضمنه بيان وجوب التفقه، والبحث على معاني الحديث، واستخراج المكنون من سره» أ هـ. وللشيخين، شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمهما الله تعالى، في ذلك القدح المعلي، ومن نظر في كتب هذبن الإمامين، سلك به النظر فيها إلى التفقه طريقا مستقيما.
لا شك أن ما ذكره- وفقه الله- هو الصواب؛ أن الفقه هو استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة. لكن لا ينبغي أن يقتصر على الحديث، بل نقول من الأدلة في القرآن والسنة ودلالات القرآن أقوى من دلالات السنة وأثبت، لأنه لا يعتريه عيب النقل بالمعنى، وأما السنة فهي تنقل بالمعنى. وعلى هذا فيقال: «بالبحث عن معاني القرآن والحديث».
ونضرب مثلا لهذا- أعني التفقه-، أن العلماء اتخذوا الحكم بأن أقل مدة الحمل ستة أشهر من قوله تعالى :(وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (سورة الأحقاف:15).
ومن قوله : (وفصاله في عامين) (سورة لقمان: 14).
ومن مليح كلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- قوله في مجلس للتفقه: «أما بعد، فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام المشروعة، تصويرا وتقريرا، وتأصيلا، وتفصيلا، فوقع الكلام في ... فأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا مبني على أصل وفصلين..».
واعلم أرشدك الله أن بين يدي التفقه : (التفكر). فإن الله سبحانه وتعالى دعا عباده في غير ما آية من كتابه إلى التحرك بإجالة النظر العميق في (التفكر) في ملكوت السموات والأرض، وإلى أن يمعن النظر في نفسه، وما حوله، فتحا للقوى العقلية على مصراعيها، وحتى يصل إلى تقوية الإيمان، وتعميق الأحكام، والانتصار العلمي : (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) (سورة البقرة: 219). ، (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) (سورة الأنعام: 50).
وعليه، فإن «التفقه» أبعد مدى من (التفكر)، إذ هو حصيلته وإنتاجه، وإلا: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) (سورة النساء: 78). لكن هذا التفقه محجوز بالبرهان، محجوز عن التشهي والهوى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) (سورة البقرة: 12).
إذا نقول : المراتب، أولا- العلم، ثم الفهم، ثم التفكير، ثم التفقه. وتتفكر أيضا في أنواع الدلالة، وأنواع الدلالة ثلاثة:
دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام.
فدلالة اللفظ على جميع معناه، دلالة مطابقة. ودلالته على بعض معناه، دلالة تضمن. ودلالته على لازم خارج، هذه دلالة التزام.
وهذا النوع الثالث من الدلالة هو الذي يختلف فيه الناس اختلافا عظيما، إذ قد يلتزم بعض الناس من الدليل ما لا يلزم، وقد يفوته ما يلزم. وبين ذلك تفاوت عظيم، فلا بد أن يعمل هذه الدلالات حينئذ يصل إلى درجة التفقه واستنباط الأحكام من أدلتها.
فهيا أيها الطالب! تحل بالنظر والتفكر، والفقه والتفقه، لعلك أن تتجاوز من مرحلة الفقيه إلى (فقيه النفس) كما يقول الفقهاء، وهو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية، أو (فقيه البدن) كما في اصطلاح المحدثين.
هناك فقه ثالث ظهر، وهو فقه الواقع الذي علق عليه بعض الناس العلم.
وقالوا: من لم يكن فقيها للواقع فليس بعالم، ونسوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». ثم غفلوا عن كون الإنسان يشتغل بفقه الواقع أن ذلك يشغله عن فقه الدين، بل ربما يشغله عن الاشتغال بالتعبد الصحيح، عبادة الله وحده وانصراف القلب إلى الله والتفكر في آياته الكونية والشرعية. والحقيقة أن انشغال الشباب بفقه الواقع صد لهم عن الفقه في دين الله، لأن القلب إذا امتلأ بشيء امتنع عن الآخر.
والمهم أن فقه النفس، الذي هو صلاح القلب والعقيدة السليمة ومحبة الخير للمسلمين وما أشبه ذلك هذا ينبني عليه فقد البدن: معرفة هذا القول حلال أم حرام. هذا الفعل حلال أم حرام.
فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصول، وتمام العناية بالقواعد والضوابط. وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام من قواعدها وأصولها المطردة، كقواعد المصالح، ودفع الضرر والمشقة، وجلب التيسير، وسد باب الحيل، وسد الذرائع.
لا بد لطالب العلم من أصول يرجع إليها، والأصول الثلاثة: الأدلة من 1-القرآن 2- والسنة 3- والقواعد والضوابط المأخوذة من الكتاب والسنة.
والفرق بين القاعدة والضابط:
أن الضابط يكون لمسائل محصورة معينة.
والقاعدة أصل يتفرع عليه أشياء كثيرة.
فالضابط أقل رتبة من القاعدة، كما يدل ذلك اللفظ، الضابط يضبط الأشياء ويجمعها في قالب واحد. والقاعدة أصل تفرع عنه الجزيئات.
قوله:«فأجل النظر عند الواردات بتخريج الفروع على الأصوال، وتمام العناية بالقواعد والضوابط» أن الإنسان يجعل نظره أي فكره يتجول بتخريج الفروع على الأصول حتى يتمرن، لأن بعض الناس قد يحفظ القاعدة كما يحفظ الفاتحة ولكن لا يعرف أن يخرج عليها. وهذا لا شك نقص في التفكير.
قوله: «وأجمع للنظر في فرع ما بين تتبعه وإفراغه في قالب الشريعة العام...» وهذا مهم عند أهل الحديث. يأتي مثلا نص ظاهرة. الحكم بكذا لكن إذا تأملت في هذا النص وجدنه مخالفا للقواعد العامة من الشريعة، فما موقفك؟
نقول: لا بد أن نرجع إلى القواعد، ويحكم على هذا بما تقتضيه الحاجة. وكذلك قال العلماء فيما لو خالف الإنسان الثقة الثبت من هو أرجح منه، فإن حديثه هذا- وإن كان من حيث النظر إلى مجرد الطريق نحكم بصحته- نقول: إن هذا غير صحيح. لماذا؟ لأنه شاذ. والذي أوجب لكثير من المبتدئين في طلب العلم أن يسلكوا مسلكا شاذا هو هذا. أعني عدم النظر إلى القواعد والأصول الثابتة. وهذا أمر مهم، وذلك لأن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح الدينية والدنيوية ولدرء المفاسد أو تقليلها، سواء كانت المفاسد دينية أو دنيوية، ولهذا تجد أن الله عز وجل يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة شرعا وقدرا.
تنزل الأمطار على الأرض، وهذا رجل تم بنيانه قريبا. هل يضره المطر أو لا؟ نعم يضره، لكن لا عبرة. لأن العبرة بالعموم.
قال الشيخ بكر رحمه الله ووفقه الله«وأصولها المطردة كقواعد المصالح». وهنا نقف لنبين أن بعض الأصوليين أتى بدليل خامس: هو المصالح المرسلة.
فقال: الأدلة هي القرآن والسنة والقياس الصحيح والمصالح المرسلة.
وهذا غلط لأن هذه المصالح الذين يدعون أنها – مصالح مرسلة – إن كان الشرع قد شهد لها أنها مصالح مرسلة فهي من الشرع داخلة في عموم الشرع: كتاب أو سنة قياس كان أو إجماع، وإن لم تكن فيها مصالح شرعية فهي باطلة فاسدة الاعتبار، وحينئذ لا تؤصل أصلا، دليلا ندين الله بالتعبد به بدون دليل من القرآن والسنة. لأن كونك تؤصل أصلا يعني أنك تبني دينك على هذا.
وعلى هذا فتمسح أو فتنسخ ذكر المصالح المرسلة من الأدلة. لماذا؟ لأننا نقول: إن شهد الشرع بهذه المصلحة فهي ثابتة بالكتاب والسنة بعمومتها وقواعدها، وإن شهد ببطلانها فهي باطلة.
المهم أن قول الشيخ بكر «كقواعد المصالح» مراده بذلك المصالح الشرعية، فإن كان هذا مراده فهو حق، وإن كان يريد المصالح المرسلة فهو بعيد، لأنه قال بعد ذلك «ودفع الضرر والمشقة»، إنا كان يشير إلى المصالح المرسلة فقد علمت فساد ما يجعلها دليلا مستقلا.
وقوله :«ودفع الضرر» أين نجد من القرآن والسنة دفع الضرر؟ كثير، قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء: 29). وهذه الآية تعم قتل النفس مباشرة بأن ينتحر الإنسان أو فعل ما يكون سببا للهلاك، ولهذا استدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على التيمم خوفا من البرد، مع أن البرد قد لا يميت الإنسان، ولكن قد يكون سببا لموته، استدل بها، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وضحك.
قوله : (مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) لماذا يتيمم وهو مريض، يقدر أن يستعمل الماء؟ لكن لئلا يزاد مرضه أو يتأخر برأه.
ومن دفع المشقة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاما وهو في السفر، ورجلا قد ظلل عليه. فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم. قال:«ليس من البر الصيام في السفر» . مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم وهو مسافر، وهل يفعل غير البر ؟! لا لكن إذا وصلت الحال من المشقة فإنه ليس من البر، وإذا انتفى أن يكون من البر، فهو إما من الإثم وإما أن يكون من لا لك ولا عليك.
شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس عطاش وقد شق عليهم الصيام، لكنهم ينظرون متى، فدعا بماء بعد صلاة العصر ووضعه على فخده الشريفة، وجعل الناس ينظرون إليه، فأخذه وشرب، والناس ينظرون. ثم قيل له إن بعض الناس قد صام. فقال: «أولئك العصاة، أولئك العصاة».
هل ورد نهي أن يبقوا على صيامهم؟ لا، ولكن العموم ( ولا تقتلوا أنفسكم) (سورة النساء: 29). ، (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (سورة الحج: 78). إذا الشرع يراعي قواعد المصالح ودفع الضرر، دفع المشقة.
قوله :«وجلب التيسير» كل الإسلام تيسير، لكن هل اليسر هوما تيسر على كل شخص بعينه أو باعتبار العموم؟ باعتبار العموم. ومع ذلك إذا حصل للإنسان ما يقتضي التيسير وجد الباب مفتوحا: «صل قائما..». إذا هذا تيسير، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحدا إلا غلبه».
كل الدين يسر، .
والشاهد على كل حال: جلب التيسير هو الموافق لروح الدين. من هنا نرى أنه إذا اختلف عالمان في رأي، ولم يتبين لنا الأرجح من قولهما لا من حيث الدليل، ولا من حيث الاستدلال، ولا من حيث المستدل.
وأحدهما أشد من الثاني، فمن نتبع الأيسر أم الأشد؟ الأيسر. وقيل الأشد لأنه أحوط؟ لكن في هذا القول لأننا نقول ما هو الأحوط؟ هل هو الأشد على بني آدم أم هو الموافق للشرع؟ الثاني.... ما كان أوفق للشرع.
ثم قال :«وسد الحيل وسد الذرائع». إن هذه الأمة اتبعت سنن من كان قبلها في مسألة الحيل، وأشد الناس حيلا ومكرا هم اليهود، وهذه الأمة فيها من تشبه باليهود وتحايلوا على محارم الله. والحيلة: أصلها حولة من حال يحول. هذا في اللغة.
أما في الشرع والاصطلاح: هي التوصل إلى إسقاط واجب أو انتهاك محرم بما ظاهره الإباحة .
«سد الذرائع» الذرائع جمع ذريعة، وهي الوسيلة. والفرق بينها وبين الحيلة: أن فاعل الحيلة قد قصد التحيل. وفاعل الذريعة لم يقصد، ولكن فعله يكون ذريعة إلى الشر والفساد.
مثال ذلك: بعض النساء اليوم صارت تلبس النقاب، تغطي وجهها بالنقاب، لكن هل إن المرأة بقيت على هذا. بمعنى أنها لم تخرق فيه لتسر وجهها إلا مقدار العين؟... لا. إذا يمنع النقاب لأنه ذريعة يتوصل به إلى شيء محرم؟
وهكذا هديت لرشدك أبدا، فإن هذا يسعفك في مواطن المضايق. وعليك بالتفقه كما أسلفت في نصوص الشرع، والتبصر فيما يحف أحوال التشريع، والتأمل في مقاصد الشريعة، فإن خلا فهمك من هذا، أو نبا سمعك، فإن وقتك ضائع، وإن اسم الجهل عليك لواقع. وهذه الخلة بالذات هي التي تعطيك التمييز الدقيق، والمعيار الصحيح، لمدى التحصيل والقدرة على التخريج:
فالفقيه هو من تعرض له النازلة لا نص فيها فيقتبس لها حكما.
والبلاغي ليس من يذكر لك أقسامها وتفريعاتها، لكنه من تسري بصيرته البلاغية في كتاب الله، مثلا، فيخرج من مكنون علومه وجوهها، وإن كتب أو خطب، نظم لك عقدها. وهكذا في العلوم كافة.
هذا صحيح .. الفقيه حقيقة هو الذي يستنبط الأحكام من النصوص وينزل الأحكام عليها، وليس من يقرأ النصوص.
من يقرأ النصوص فهو كنسخة من الكتاب، لكن من يشقق النصوص وينزل الوقائع عليها، كالبلاغي... وهل البلاغي هو من يبين لك البلاغة وأقسامها، والفصاحة وأقسامها؟ أم من يكون كلامه بليغا؟... الثاني، من يكون كلامه بليغا فهو البلاغي، حتى ولو لم يكن يعرف من البلاغة شيئا.
ولهذا ينبغي للإنسان أن يطبق المعلومات على الواقع. بمعنى: أنه إذا نزلت نازلة يعرف كيف يتصرف في النصوص حتى يعرف الحكم، وإذا عرف شيئا يمرن نفسه على أن يطبق هذا في حياته القولية والفعلية.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 24 جمادى الآخرة 1436هـ/13-04-2015م, 02:29 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي اللجوء إلى الله تعالى في الطلب والتحصيل

اللجوء إلى الله تعالى في الطلب والتحصيل:
لا تفزع إذا لم يفتح لك في علم من العلوم، فقد تعاصت بعض العلوم على بعض الأعلام المشاهير، ومنهم من صرح بذلك كما يعلم من تراجمهم، ومنهم: الأصمعي في علم العروض، والرهاوي المحدث في الخط، وابن الصلاح في المنطق، وأبو مسلم النحوي في علم التصريف، والسيوطي في الحساب، وأبو عبيدة، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو الحسن القطيعي، وأبو زكريا يحيي بن زياد الفراء، وأبو حامد الغزالي، خمستهم لم يفتح لهم بالنحو.
لكن هذا لا يضر... ما دمنا نطلب الفقه لا يضرنا أن نتكلم بكلام أو ألا نعرف النحو. لكن لا شك إذا تكلم بكلام مطابق للغة العربية فإن كلامه يكون مقبولا محبوبا للنفس، والإنسان الذي يعرف العربية أكره ما يسمع أن يتكلم الإنسان ويلحن يكره الكلام من هذا الرجل كراهية عظيمة.
فإن عجزت عن فن فالجأ إلى الله عز وجل، ومر علينا في خلاف الأدباء أن أحد أئمة النحو- إذا لم يكن الكسائي- فهو مثله، طلب النحو وعجز عن إدراكه في يوم من الأيام رأى نملة تريد أن تصعد بطعم لها من الجدار فكلما صعدت سقطت ثم تأخذ هذا الطعم وتمشي ثم تسقط ثم تصعد وربما كل مرة تقول: أرفع قليلا حتى اقتحمت العقبة وتجاوزته، فقال: إذا كانت هذه تحاول وتفشل عدة مرات ولكنها استمرت حتى انتهى أمرها، فرجع إلى علم النحو وتعلمه حتى صار من أئمته.
فأنت تحاول لا تقول عجزت هذه المرة، تعجز هذه المرة، لكن المرة الثانية يقرب لك الأمر.

فيا أيها الطالب! ضاعف الرغبة، وافزع إلى الله في الدعاء واللجوء إليه والانكسار بين يديه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- كثيرا ما يقول في دعائه إذا استعصى عليه تفسير آية من كتاب الله تعالى:«اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني». فيجد الفتح في ذلك.

وهذا من باب التوسل بأفعال الله، والتوسل بأفعال الله جائز، لأن التوسل جائز وممنوع، وإن شئت فقل: مشروع وغير مشروع.
التوسل إلى الله بأسماءه وصفاته وأفعاله من المشروع،

وكذلك التوسل إلى الله تعالى بذكر شكوى الحال وأنه مفتقر إليه،
والتوسل إلى الله بالإيمان به،
والتوسل إلى الله تعالى بالعمل الصالح،
والتوسل إلى الله تعالى بدعاء من يرجي استجابة دعاءه.كل هذا مشروع.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 24 جمادى الآخرة 1436هـ/13-04-2015م, 03:03 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي الامانه العلميه


الأمر الثاني والثلاثون - الأمانةُ العلْمِيَّةُ :
يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ :
( فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ ) .
الشيخ:
هذا أيضا من أهم ما يكون في طالب العلم أن يكون أمينا في علمه، فيكون أمينا في نقله، وأمينا في وصفه.قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فكثير من الناس تنقصه هذه الأمانة، فتجده يصف من الأحوال ما يناسب رأيه ويحذف الباقي، وينقل من أقوال أهل العلم، بل ومن النصوص ما يوافق رأيه ويحذف الباقي فيكون كالذي قال:
ما قال ربك ويل للأولى سكروا = بل قال ربك ويل للمصلينا
نعوذ بالله وحذف (الذين هم عن صلاتهم ساهون) . وهذا لا شك أنه حجر عثرة وأنه تدليس على العلم، وما يضرك إذا كان الدليل على خلاف ما تقول، فإنه يجب عليك أن تتبع الدليل وأن تنقله للأمة حتى يكونوا على بصيرة من الأمر.
ومثل هذه الحال- أعني عدم الأمانة- يوجب أن يكون الإنسان فاسقا لا يوثق له بخبر ولا يقبل له نقل لأنه مدلس.
القارئ:
لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ .
الشيخ:
يقول: (لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ) لأن طلب العلم يؤدي إلى التحلي بأسنى فضيلة، أي: بأعلاها، (أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ) ، وإنما يطلبون العلم من أجل نصر آرائهم فتجده يبحث في بطون الكتب ليجد شيئا يقوي به رأيه، سواء كان خطأ أم صوابا، وهذا والعياذ بالله هو المراء والجدال المنهي عنه، أما من يقلب بطون الكتب من أجل أن يعرف الحق فيصل إليه، فلا شك أن هذا هو الأمين المنصف.
( وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجال) هذا هو الذي يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال ليبينوا أحوالهم وأنه رجل يتبع الهوى ولا يريد الهدى.
القارئ:
وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ .
وبعض الناس يحاول أن يمدح نفسه في نسبة أفعال جميلة للآخرين إليه ، وفي الحديث :" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وهذا هو الذي جعل بعض الأئمة يتكلم في بعض الرواة قدحاً ، فكلما وجدوا شخصاً ألَّف أو روى تكلموا فيه ، ببيان مواطن خطأه ، ومواطن تعثره ، ليصبح الطلاب على بصيرة من قيمة هذه المقروءات والمسموعات.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 24 جمادى الآخرة 1436هـ/13-04-2015م, 05:22 PM
ياسر المنير ياسر المنير غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الأول
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 76
افتراضي الصدق

الصدق:
صدق اللهجة: عنوان الوقار، وشرف النفس، ونقاء السريرة، وسمو الهمة، ورجحان العقل، ورسول المودة مع الخلق، وسعادة الجماعة، وصيانة الديانة، ولهذا كان فرض عين، فيا خيبة من فرط فيه، ومن فعل فقد مس نفسه وعلمه بأذى.

الصدق هنا قريب من مسألة الأمانة العلمية، لأن الأمانة العلمية تكون بالصدق، والصدق كما قال: عنوان الوقار، وشرف النفس، ونقاء السريرة وإذا كان الكذب ينجي، فإن الصدق أنجى وأنجى. وإن كان الكذب لا يدوم، فأن الصدق عاقبته حميدة. فعليك بالصدق، ولو كنت تتخيل أنه يضرك فاصبر، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.والصدق يرفع الله به من اتصف به، لا سيما في مسائل العلم.
وقول الشيخ بكر – وفقه الله- «ولهذا كان فرض عين»، يعني الصدق فرض عين، لا فرض كفاية، استثنى بعض العلماء ما جاء عن طريق التورية، ولكن لا حاجة للاستثناء، لأن التورية صدق باعتبار ما في نفس القائل، كمثل قول إبراهيم عليه السلام للملك الجبار هذه أختي.
وهذا ليس بالكذب، وإن كان إبراهيم اعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات، لكنه كذب من وجه وهو التلبيس على الظالم المعتدي، ولكنه صدق باعتبار ما في نفس القائل.
استثنى بعض العلماء أيضا ما جاء في الحديث أنه لا يجوز الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة لزوجها وحديث الرجل لزوجته.
ولكن بعض العلماء يقول: إن هذا محمول على التورية، وليس على الحقيقة،
وعند العامة يستثني كذبا أكثر من ذلك يقولون: الكذب الحرام ما كان فيه أكل للمال بالباطل، وأما ما سواه فهو كذب أبيض ويقسمون الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود. والأبيض حلال، والأسود حرام. والأسود ما فيه أكل المال بالباطل، والأبيض ما ليس كذلك، ولكن هذا هو دين العامة وليس شريعة محمد صلى الله عليه وسلم
قال الأوزاعي- رحمه الله تعالي-:«تعلم الصدق قبل أن تتعلم العلم».
وقال وكيع- رحمه الله تعالى-:«هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق».
فتعلم- رحمك الله- الصدق قبل أن تتعلم العلم، والصدق: إلقاء الكلام على وجه مطابق للواقع والاعتقاد، فالصدق من طريق واحد، أما نقيضه الكذب فضروب وألوان ومسالك وأودية، يجمعها ثلاثة:
1- كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعا فيصفه بالاستقامة.
2- وكذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع، كالمنافق ينطق بما يقوله أهل السنة والهداية.ومنه قوله تعالي (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله). وكونه رسول الله مطابق للواقع. ما الدليل؟ قوله: (والله يعلم إنك لرسوله) . لكن شهادتهم هذه مخالفة لاعتقادهم، لأن الله قال: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (سورة المنافقون:1).
3- وكذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد، كمن يعتقد صلاح صوفي مبتدع فيصفه بالولاية. ولهذا عبر شيخ الإسلام- رحمه الله- في كتابه الفتوى الحموية، عبر بهذا الوصف فقال:«قال بعض الأغبياء: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم».
وكذلك من يشاهد الصوفية وتصنعهم وعباداتهم، فيقول: إنهم أهل الصلاح وأهل الولاية. نقول: أنت غبي لا تعرف حقيقتهم فلا تحكم عليهم بالصلاح حتى تعرف الحقيقة، وإلا كنت غبيا.
فهذا كاذب، فهل يعذر بكذبه؟ نقول: إذا أفرط في البحث فلا يعذر وإن كان هذا منتهي علمه، فإنه يعذر لأنه جاهل. أما الأول فهو متملق، والثاني فهو منافق فلا عذر لهم في ذلك.

الصدق لا شك أنه سبيل واحد، والكذب سبل، وهكذا الهداية والضلالة.
الهداية سبيلها واحد، والضلالة سبل متفرقة. قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (سورة الأنعام:153). وأما قوله: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)(سورة المائدة:16). فقد جمعها باعتبار تنوع الشرائع... صلاة، زكاة، صيام، حج، بر، صلة، صدقة- وما أشبه ذلك فجمعها باعتبار وتوحيدها باعتبار آخر.
فالزم الجادة(الصدق)، فلا تضغط على عكد اللسان، ولا تضم شفتيك، ولا تفتح فاك ناطقا إلا على حروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن، كالحب والبغض، أو إحساسك في الظاهر، كالذي تدركه الحواس الخمس: السمع، البصر، الشم، الذوق، اللمس. فالصادق لا يقول:«أحببتك» وهو مبغض، ولا يقول: «سمعت» وهو لم يسمع، وهكذا... واحذر أن تحوم حولك الظنون، فتخونك العزيمة في صدق اللهجة، فتسجل في قائمة الكذابين. وطريق الضمانة لهذا- إذا نازعتك نفسك بكلام غير صادق فيه: أن تقهرها بذكر منزلة الصدق وشرفه، ورذيلة الكذب ودركه، وأن الكاذب عن قريب ينكشف. واستعن بالله ولا تعجزن.
ولا تفتح لنفسك سابلة المعاريض في غير ما حصره الشرع. فيا طالب العلم! احذر أن تمرق من الصدق إلى المعاريض فالكذب، وأسوأ مرامي هذا المروق (الكذب في العلم)، لداء منافسة الأقران، وطيران السمعة في الآفاق.
هنا إضافة مهمة جدا، هو أن بعض الناس يتسرع في الرقي إلى العلو بما يلفقه ويوهم الناس به من أنه عنده علم واسع، وأنه عبقري، وأنه في كل فن له يد وما أشبه ذلك. وهذا لا شك أنه غلط عظيم، فهو مع جمعه الكذب، فيه خيانة الناس وإيهامهم بخلاف الواقع. وفيه أيضا التغرير بالنفس، ولهذا كان مما قاله عبد الله بن مسعود:«إن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم».
وذكر بعضهم أن قول القائل:«لا أعلم» هي نصف العلم، ولكن في الواقع: العلم كله، ولكن ما الذي يحمل الإنسان على أن يقول مثل هذا؟
يحمله طلب العلو، أن يكون فائقا على الأقران، أو طلب الصيت والشهرة بحيث يقال العلامة، الفهامة، البحر الزاخر وما أشبه ذلك.
وقد قال الله عز وجل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) بعض الناس إذا عثر على خطأه قال: سبحان الله، سبحان الذي لا ينسى نعم.... لكن أنت لم تنس، بل أنت جاهل من أصله.
ومن تطلع إلى سمعة فوق منزلته فليعلم أن في المرصاد رجالا يحملون بصائر نافذة، وأقلاما ناقدة، فيزنون السمعة بالأثر، فتتم تعريتك عن ثلاثة معان:
1- فقد الثقة في القلوب.
2- ذهاب علمك وانحسار القبول.
3- أن لا تصدق ولو صدقت.
وبالجملة، فمن يحترف زخرف القول، فهو أخو الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى (1). والله أعلم.
هذا صحيح.. الإنسان إذا تطلع إلى السمعة فقط ونزل فوق منزلته فسرعان ما ينكشف،ثم إن النية في طلب العلم يجب فيها الإخلاص لله عز وجل، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :«أن من طلب علما وهو مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة. وأن من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء فليتبوء مقعده من النار» . فالمسألة خطيرة، ولا سيما العلوم الشرعية. وذكر ثلاث مضار.
أولا- فقد الثقة في القلوب، متى تفقد؟ إذا تبين أنه قال عن جهل؛ ما يثقون به وينصرفون إلى غيره.
ثانيا- ذهاب علمك وانحسار القبول: لأنه إذا فقدت الثقة لم يقبله الناس فإذا كان يقبله مثلا (10)، فإنهم إذا فقدوا الثقة انحسروا إلى (5) أو إلى (4).
ثالثا- أن لا تصدق ولو صدقت: حتى لو حدثتهم بحديث يعرفونه. قالوا: هذا رمية من غير رام.
فالحاصل أن الإنسان يجب أن يعرف مقدار نفسه وأن يحترم العلم، وأن لا يجعله به وسيلة للرقي الخادع.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir