دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 02:10 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 5 محرم 1440هـ/15-09-2018م, 07:41 PM
سعود الجهوري سعود الجهوري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 346
افتراضي

قال تعالى: ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم).

تضمنت هذه الآية ثلاث جمل فيها من الهدايات العظيمة التي تبصر المؤمن بحقيقة الحياة الدنيا، وتعينه بإذن الله على مصائبها وما يعتريه فيها من شر ونقص وضرر، وتبين له الطريقة المثلى في التعامل معها، وبما يكون تحصيل السلامة منها، وتطمئن قلبه ليستكن ويرضى بما أصابه من خير و شر.

في الجملة الأولى: ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله).

والمصيبة هي: كل مكروه يحل بالإنسان.
في الجملة الأولى إخبار من الله أن كل مصيبة فهي بإذنه سبحانه وتعالى، و"ما" هنا نافية، ونفت أن يصيب العبد من مصيبة في هذه الحياة الدنيا وحصرته وقصرته بإلا بإذن الله، فتفيد عموم المصائب التي تصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا سواء كانت في البدن أو المال أو في الأنفس أو في الثمرات، فكلها بإذن الله وإرادته ورضاه وبقدره سبحانه وتعالى، ولا يرد قضاؤه ولا يرد أمره، وقد كتبها سبحانه في اللوح المحفوظ من قبل خلق السماوات والارض، ودل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال وعرشه على الماء )) رواه مسلم.
فإذا علم العبد المؤمن أن كل شيء أصابه من خير وشر هو بإذن الله وأمره ورضاه وقدره، وأن الله كتبه قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، اطمأنت نفس المؤمن لكل ما يصيبها، فإن أصابها خير فرحت به وشكرت ربها على نعمه، ولايجرها إنعام ربها عليها إلى جحود نعمته، وإلى كفران فضله، لأنها تعلم أن كل ما أنعم به على العبد هو اختبار وامتحان له، فينظر هل يشكر أم يكفر، وكذلك هو القول في المصائب التي تصيب العبد، فكلها قد جرى القلم عليها، وقد كتبت وفرغ منها، فإن أصاب العبد المؤمن ما يكرهه، اطمأنت نفسه وسكنت، وعلمت أن ما اصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها، فيعينها بإذن ربها إلى الصبر والاحتساب.
وفي قوله تعالى: (بإذن الله) فيه دلالة أن الله ارتضى وأذن بما حل بالمؤمن وبما أصابه، فينبغي للمؤمن ان يرضى بما ارتضاه الله له، فلا يسخط ولا يغضب، لأن الله رضى له ذلك، بل عليه أن يعلم ويتعلم ما هو مطلوب الله من هذه المصيبة، فقد تكون هذه المصيبة تبين له تقصيره في جانب من جوانب العبادة، أو حق من حقوق الخلق، فيرده الله بها إلى الجادة، وقد تكون هذه المصيبة خيرله إن حقق الصبر والرضا، ليرفعه الله بها في الدرجات، ويعلي منزلته، وهذه الحال التي يفرق فيها حال المؤمن عن حال الكافر، فأمر المؤمن كله له خير إن حقق مطلوب الله، كما جاء في حديث صهيب بن سنان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له )) رواه مسلم.
وإذا علم العبد أن المصيبة من الله وحده وبإذنه وأمره، انشرح صدره لقبولها والرضى بها والصبر عليها، ومن أرحم من الله تعالى بعباده، والله أرحم بعباده من الأم بولدها، كما جاء في حديث عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار))، قلنا: لا والله، فقال: ((الله أرحم بعباده من هذه بولدها)) متفق عليه.
فيعلم بذلك المؤمن أن الله لم يصبه بالمصيبة ليهلكه، بل ليختبره ويرى كيف تكون حاله عند المصيبة، فيجزل المثوبة لمن صبر، وتحل الخطيئة لمن سخط، فيختبره عند الرخاء وعند الشدة، ليميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ).
وقد يخطئ بعض العوام في فهم مقاصد الآيات، فقد يتوهم متوهم ببعض الأمور التي لا ينبغي أن تطلق على الله سبحانه وتعالى، فقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى كله خير، فأمره خير وقضاؤه خير، والله يأمر بالعدل والإحسان، والله لا ينسب إليه الشر عز وجل، ولا يكون في فعله شر، بل الشر يكون في مفعوله ومقدوره، ولا ينسب إليه تأدبا مع الله، كما جاء في الحديث عند مسلم من حديث علي بن ابي طالب: (والشر ليس إليك)، وإن تبصر به المؤمن علم أن أمره كل له خير إن فعل مطلوب الله.

وفي الجملة الثانية: ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه ).

ولما علم أن المصائب إذا نزلت بالإنسان قد تؤثر على العبد، وقد تسلك به مسلكا تخرجه عما أمره الله به، بين سبحانه وتعالى ما يثبت القلب ويقويه عند حلول المصائب، وهو الإيمان بالله، والإيمان بالله هو التصديق بالله وبما أمر التصديق به، الموجب للانقياد، وهو قول وفعل واعتقاد، وأصله في القلب، ويظهر على الجوارح، لأن القلب هو المحرك للجوارح، ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويكمل بتحقيق كمال المحبة والخوف والرجاء في القلب، وتؤدي للقيام بغيرها من العبادات القلبية، فإن كملت هذه العبادات القلبية الثلاث، ولم يطغ أحدهم على الآخر، دفع القلب الجوارح لفعل أوامر الله واجتناب نواهيه وفق المنهج الصحيح.
فمن آمن بالله وآمن أن المصيبة التي حلت به هي من عند الله وبقضائه وقدره، وحقق ما يقتضيه الإيمان من عبادات ولوازم، ثبت الله قلبه وهداه، فيصبره وييسرها عليه، ويجعلها منحة له لا محنة، فيرفع بها الدرجات، ويكفر بها السيئات، ولو تبصر المؤمن بهذه الحقائق وأدركها، زادت اليقين في قلبه، ولعلم أن هذا الفضل فضل عظيم، وسعى لتحقيق الإيمان بالله وتكميله،لينال هذا الفضل، ولفر من التحسر والتسخط على ما أصابه، لأنه بتحقيق لإيمان قد حقق مطلوب الله، وسيحصل له الموعود الذي وعد.
فبين سبحانه أن المؤمن ينشغل بما أمر به وهو تحقيق الإيمان بالله بما أمر به، وأن الله يكفيه ما يضره وما يشغله بعدها، بل ويهدي قلبه ويوفقه للثبات والصبر ويقويه على ذلك، ويرفع درجاته، ويعلي منزلته، وأما إن سخط ولم يرض فلا حظ له في ذلك إلا الإثم والتعب، فتزيده هذه المصيبة مصيبة أخرى، مصيبة في الدنيا ومصيبة في الآخرة.
والواجب على المؤمن عند وقوع المصيبة هو الصبر، وأما الرضا فهو مستحب، وأهل الرضا أعظم درجة عند الله.
وعلى قدر تحقيق الإيمان في قلب المؤمن، تكون هداية الله لقلبه وتثبيته له، فأعظم الناس منزلة في هذه أهل كمال مرتبة الإحسان، فيعبدون الله كأنهم يرونه، ويعرفون حقائق الأمور وكأنهم يرونها رؤيا العين، ويحققون كمال الرضا بقضاء الله وقدره، فلهم النصيب الأعظم من هداية القلب وتثبيته عند المصائب.
ودونهم في المنزلة أهل كمال الإيمان، وهم من حققوا كمال الإيمان بما أوجب الله عليهم، فوقفوا عند محارم الله، وفعلوا ما أمرهم الله به، فلهم نصيب من الهداية والتثبيت والتصبير والدرجات، دون سابقيهم.
ودونهم من حققوا أصل الإيمان الواجب الإيمان به، ولكنهم مفرطون بارتكاب ما حرم الله، أو ترك ما أمر الله به، فلهم من التثبيت والهداية على قدر إيمانهم، ولا يأمنون على نفسهم الفتنة، وأن يؤاخذهم الله ببعض ذنوبهم.
فعلى الؤمن أن يسعى في تحصيل مرتبة الإحسان في العبادات كلها، فيعبد الله كأنه يراه، فيتحصل على الهدى والنور والثبات، والدرجات العالية في الجنة، وليخشى على نفسه من ارتكاب ما حرم الله، فينقص إيمانه، فيعاقبه الله، وقد تزل قدم بعد ثبوتها، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

وفي الجملة الثالثة: ( والله بكل شيء عليم).

أخبر سبحانه وتعالى بعلمه التام الذي وسع كل شيء، فلا تخفى عليه خافية، فبعد أن أخبر ورغب، رهب وأخبر أنه بكل شيء عليم، يعلم ما في القلوب وما أسرت، ويعلم بالجوارح وما ألمت، فهو عليم بمن صبر ورضى واحتسب عند حلول المصيبة، وحقق مطلوب الله فيها، وهو عليم بمن سخط ولم يرض بما كتبه الله عليه، سواء ظهر هذا على الجوارح أم أخفاه القلب، فيجازي كل بعمله.
وهو عليم بأهل الإيمان ومن هم يستحقون هدى القلب والتثبيت والتصبير، ويعلم من هم أولياؤه، فيثبتهم وينصرهم ويقويهم على ما يعتريهم في هذه الحياة الدنيا، فلا تزيدهم المصائب إلا صبرا ورضا، ولا تزيدهم الكروب إلا قوة ويقينا.
وهو عليم بمن استحق المصيبة لتكشف ما في قلبه، فتظهر حقيقة إيمانه، فلا تظهر الحقائق إلا عند الشدائد، فقد يكون العبد في الرخاء عبدا شكورا، فإن أصابته مصيبة ظهر ما في قلبه، فقد يفتن بها ويزيغ، والله حكم عدل لا يظلم أحدا، والله يعلم بما في القلوب، ويعلم من كان يعبده ويؤمن به وهو مستحق للهداية فيهديه، ومن كان يعبده ويؤمن به على حرف فيضله عند أول اختبار.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 5 محرم 1440هـ/15-09-2018م, 09:52 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} سورة الحشر.

في هذه الآية الكريمة وعظ وتذكير وتخويف وتقريب ليوم الحساب، وتحذي من علم الله تعالى المحيط بما يظهر ويخفى من أقوال العباد وأعمالهم وأحوالهم.
وهي أصل عظيم وأساس متين في محاسبة العبد نفسه، وتقويمها على مراد الله تعالى ، والاستعداد ليوم الحساب الأكبر يوم القيامة.
وقد افتتحها الله سبحانه وتعالى بالنداء " يا أيها..." ، وفي ذلك دليل على الاهتمام بالحكم الذي بعده، كما أن النداء يلفت المنادى ويوجب عليه الانتباه والاستماع.
وفي تخصيص النداء بأهل الإيمان دليل على أن الحكم المأمور به أو المنهي عنه من لوازم الإيمان ومقتضياته، ففي امتثال الأمر زيادة في الإيمان وفي ارتكاب النهي قدح في الإيمان ونقص.
فعلى المؤمنين الصادقين الذين آمنوا بالله تعالى وعرفوه سبحانه بكمال الحب والذل والتعظيم مع رجاء ثوابه والخوف من عقابه أن يصغوا بقلوبهم إلى المأمور فيمتثلوا وينقادوا ، وإلى المحظور فيحذروا ويجتنبوا.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك. يعني استمع لها.؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه" أخرجه ابن أبي حاتم في كتاب التفسير 1/196.
"اتقوا الله":
ما هو التقوى؟
وماهي الوسائل المعينة على تحقيق التقوى ؟
وما ثمرات التقوى على العبد المؤمن؟
في الآية الكريمة أمر صريح ظاهر ومباشر بلزوم تقوى الله تعالى ، وتقوى الله تعالى تكون بأن يجعل المؤمن بينه وبين غضب الله تعالى وقاية،؛ بفعل كل مأمور وترك كل محظور على نور وبصيرة.
تعريف التقوى في اللغة: الحذر والصيانة والحفظ والحماية.
وفي لسان العرب: وقاهُ: صانَه. وَوَقَاهُ مَا يَكْرَه ووقَّاه: حَماهُ مِنْهُ، وَالتَّخْفِيفُ أَعلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ.
وتَوَقَّى واتَّقى بِمَعْنَى. وَقَدْ توَقَّيْتُ واتَّقَيْتُ الشَّيْءَ وتَقَيْتُه أَتَّقِيه وأَتْقِيه تُقًى وتَقِيَّةً وتِقاء: حَذِرْتُه؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالِاسْمُ التَّقْوى، التَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ. لسان العرب، 12/ 402
تعريف التقوى من أقوال الصحابة والسلف:
سأل عمر – رضي الله عنه – أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – عن التقوى ؟
فأجاب أبي : أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال : بلى ، قال فماذا عملت قال: شمرت واجتهدت . قال فذلك التقوى .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر.
وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات ومعنى ذكره فلا ينسي ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به.
وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما اقترض الله عليهم .
وقال الثوري رحمه الله: إنما سموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي .
وقال طلق بن حبيب رحمه الله تعالى: «العمل بِطاعة اللهِ، على نور من اللهِ، رجاء ثواب اللهِ، وترك معاصي الله على نور من اللهِ، مخافة عذاب اللهِ».
قال الذهبي-رحمه الله-تعليقا على هذه الكلمة: «قلت: أبدع و أوجز، فلا تقوى إلا بعملٍ، ولا عمل إلا بتروٍ من العلم و الاتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال فلانٌ تاركٌ للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها، ويكون الترك خوفا من الله،لا ليمدح بتركها، فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز» [«سير أعلام النبلاء» للذهبي:(4/601)].

الوسائل المعينة على تحقيق تقوى الله تعالى:
1ـ معرفة العبد ربه بكمال الأسماء والصفات.
فمن عرف ربه تعالى بأنه سميع حرص على محاسبة نفسه عند كل كلمة يلفظها، ومن عرف ربه باسمه البصير ، استحى أن يراه على معصية ، ومن عرفه باسمه الخبير بادر في تنقية سرائر قلبه و اجتهد في تصفيته من الشوائب وهكذا في بقية الأسماء الحسنى.
والعبد الذي يعرف ربه حق المعرفة ويستشعر مراقبة الله تعالى له يستحى أن يعصيه وهو سبحانه وتعالى يوالي عليه نعمه.
وقد ختم الله تبارك وتعالى الآية بقوله " إن خبير بما تعملون" أي: اعلموا أنّه عالمٌ بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافيةٌ، ولا يغيب عنه من أموركم جليلٌ ولا حقيرٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/76-77]
2ـ قراءة القرآن مع التدبر والاعتبار والاستبصار تثمر تقوى الله تعالى ومداومة العمل الصالح، قال تعالى:﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون سورة الأنفال : 2
3ـ تذكر الموت والدار الآخرة واستشعار قرب ذلك.
وفي الآية الكريمة أمر من الله تعالى بمحاسبة النفس على ما قدمته ليوم القيامة، وقد ذكره تبارك وتعالى بقوله " ما قدمت لغد" ليستشعر العبد قربه فيجتهد في العمل الذي ينجيه في كربات الموقف، ويكون له جنة ووقاية من عذاب النار.
قال قتادة رحمه الله تعالى: ما زال ربّكم يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغدٍ، وغدٌ يوم القيامة.
يقول ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ}.: ولينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال، أمن الصّالحات الّتي تنجيه أم من السّيّئات الّتي توبقه.تفسير الطبري 22/ 547
4ـ معايشة موقف الوقوف بين يدي الله تعالى، وكشف السرائر ، والتقرير بالخطايا.
فالله تعالى خبير بما يعلم العباد، لا تخفى عليه خافية ذو خبرةٍ وعلمٍ بأعمالكم خيرها وشرّها، لا يخفى عليه منها شيءٌ، ولا يغيب عنه من أموركم جليلٌ ولا حقيرٌ وهو مجازيكم على جميع ما عملتم في حياتكم الدنيا.
واستشعار هذا الموقف العظيم يوجب على العبد الجد والاجتهاد وتفقد أعماله، فما رأى من قصور وخلل وزلل تداركه وأصلحه بالإقلاع عنه والتوبة النصوح وترك أسبابه ، وما وجد من خير داوم عليه واستكثر منه ونافس في الصالحات وبلوغ درجات الكمالات في تجويد العبادات المحبوبة والمرضية عند الله تبارك وتعالى.

ثمرات التقوى على العبد المؤمن:
1ـ محبة الله تعالى.
قال تعالى: ﴿بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين﴾. آل عمران 76
فلك أن تتخيل أيها العبد المؤمن آثار محبة الله تعالى لك! سيكتب لك المحبة والقبول في الأرض وفي السماء، وستكون الهداية والتوفيق ملازمة لك في حياتك الدنيا وفي الآخرة، وستجد في قلبك محبة للعبادة ولذة وحلاوة وإقبال عليها وشوق لها، وبغض للمعصية ونفور منها وبغضًا لها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" رواه البخاري. فما أعظهما من ثمرة ينالها العبد المتقي!
2ـ معيته سبحانه وتعالى للعبد المتقي.
تكررت هذه الآية الكريمة ثلاث مرات في كتاب الله تعالى: ﴿واعلموا أن الله مع المتقين. [ البقرة: 194] ، [ التوبة: 36، 123].
والمقصود بها هنا: المعية الخاصة بالإعانة والنصر والوقاية والتوفيق وتيسير الأمور وكفاية الأعداء وغيرها من آثار معية الله تعالى الخاصة.
ومن كان الله معه سكن قلبه واطمأنت نفسه، ولم يشعر بالوحدة المقلقة والانفراد والعزلة بل يشعر بمعية الله تعالى والأنس بقربه.
3ـ تحصيل العلم والهدى وتكفير السيئات والأجر العظيم.
إن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره ، وفق لمعرفة الحق من الباطل ، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا ، وسعادته يوم القيامة ، وتكفير ذنوبه - وهو محوها - وغفرها : سترها عن الناس - سببا لنيل ثواب الله الجزيل.
يقول الشيخ السعدي في تفسير آية الأنفال﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الأنفال: 29
وقد رتب اللّه على التقوى من خير الدنيا والآخرة, شيئا كثيرا. فذكر هنا أن من اتقى الله حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها: الأول: الفرقان وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال والحق والباطل والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة. الثاني والثالث: تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، وكل واحد منها داخل في الآخر، عند الإطلاق وعند الاجتماع يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر. الرابع: الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثر رضاه على هوى نفسه. تفسير السعدي 1/ 319.


تم الجواب وبالله التوفيق



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 12:33 AM
هويدا فؤاد هويدا فؤاد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الوعظى

رسالة فى تفسير قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق:18
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فهذه تأملات في قوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق:18
اعلم –رحمك الله- أن الآية جاءت بالتأكيد العظيم على حفظ اللسان، فإن كنت ترجو الربح والزيادة فى الدين والدنيا فعليك بحفظ لسانك، واللسان نعمة من نعم الله، وبه يٌستبان الكفر والإيمان، فهو ترجمان القلوب، وآلة البيان والخطاب، وبه يُبتلى الإنسان، فمن قيد لسانه بلجام الشرع، وأستعمله فيما أمره به الله تعالى، فجعله ذكارا شكارا فقد أقر بالنعمة ووضع الشىء فى موضعه، وثبت على طرق الاستقامة، وتحصل له النجاة يوم القيامة، ومن أطلق للسانه العنان وأهمله، ضل عن طريق الاستقامة، واستحوذ عليه الشيطان، وكان من الخاسرين والمفلسين يوم القيامة،، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا"[1]
واعلم –رحمك الله- أن الكلام أسيرك، فإذا خرج من فيك صرت أنت أسيره، والله عند لسان كل قائل ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾: و"قول" نكرة فى سياق الشرط فتفيد العموم، أى: كل ما يتلفظ به الإنسان من الكلام يتلقاه الملكان ويكتبانه أيا كان هذا الكلام، سواء كان مما فيه ثواب وعقاب، أو لا.
و﴿رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ : ملك يرقب قوله وفعله يكتبه ويحفظه، حاضر معه لا يغيب ولا ينفك عنه، مُعد لذلك.
وقد ذُكر أن الإمام أحمد –رحمه الله- كان يئن فى مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: "يكتب الملك كل شيء حتى الأنين" فلم يئن رحمه الله حتى مات.
وإذا أردت أن تستدل على ما فى القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان، فإنه يُطلعك على ما فى القلب شاء صاحبه أم أبى.
وروت أم حبيبة: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ذكر الله عز وجل"[2]
وقال ابن القيم –تعقيبا على هذه الآية- : "ونبه بإحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال التى هى أقل وقوعا وأعظم أثرا من الأقوال ونهاياتها".[3]
وبناء على ذلك يجب علينا أيها الإخوة أن نحترز غاية الاحتراز من أقوال اللسان، فكثير من الأمراض الاجتماعية من غيبة ونميمة وسب وشتم وقذف وكذب وزور، وغيرها .. فللسان فيها أكبر نصيب، وكم زَلَّة لسانية أوجبت الهلاك، وقد أحسن من قال :
لا تنطقنْ بمقالةٍ في مجلسٍ ... تخشى عواقبَها وكن ذا مَصْدقِ
واحفظْ لسانكَ أن تقولَ فتبتلى ... إِن البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ
فالمسلم إذا أطلق للسانه العنان فى اللغو فى الأعراض وغيرها، كان عرضة للضياع والإفلاس فى الآخرة، وشتان بين إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتَدْرُونَ مَا المُفْلِسْ؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا متَاع، فقال: "إنَّ المُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ القِيامَة بِصَلاةٍ وصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويَأْتي قَدْ شَتَمَ هَذا، وقَذَفَ هَذَا، وأكَلَ مَالَ هَذَا، وَسفَكَ دَمَ هَذا، وضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهَذا مِنْ حسَناتهِ، فإنْ فَنِيتْ حسَناتُه قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عَلَيْه أُخِذَ مِنْ خَطَاياَهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثمّ طُرِحَ في النَّارِ"[4]
والنبي –صلى الله عليه وسلم- جعل حفظ اللسان ملاك الأمر كله، فقال -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ بن جبل: "أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟"، قلت: بلى يا رسول الله، قال: أخذ بلسان نفسه وقال: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، لا تطلقه، لا تتكلم". قال: يا رسول الله، وإنَّا لَمُؤَاخَذُون بما نتكلم به؟ فقال له: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟"[5]، فالمؤمن يجب عليه أن يحذر لسانه؛ فإنه آفة عظيمة.ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"[6].
وحينئذ نعرف أن الصمت مُفَضَّل على الكلام؛ لأن الكلام قد لا يدري الإنسان أخير هو أم شر.
وقال مخلد بن الحسين –رضى الله عنه-: "ما تكلمت منذ خمسين سنة بكلمة أُريد أن أعتذر عنها"[7]
ومن أهم وأشد آفات اللسان -بعد الشرك بالله تعالى والقول على الله بغير علم- :
الكلام فيما لا يعنى، والغيبة، والنميمة، والكذب، والكلام بالباطل، وشهادة الزور، والقذف، واللعن، والسب – وخاصة سب الصحابة والتابعين والعلماء-، والشتم والسخرية بالمؤمنين، والمزاح، وإفشاء السر، وإخلاف الوعد..... وغير ذلك.
واعلم –رحمك الله- أنك لا تزال فى سعة من أمرك، ما دام الله عز وجل أمد لك فى عمرك، فسارع بالتوبة والندم والاستغفار والعزم على عدم العودة، لعل الله تعالى يغفر لك، انه هو الغفور الرحيم، واجعل مراقبة الله لك نصب عينيك، فهى مما يُعين على الثبات وعدم الزلل، مع كثرة الدعاء، وعود لسانك على الذكر والتزامه، ففى الصحيحين أن النبى –صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال سبحان الله وبحمده فى يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"[8].
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حفظ ألسنتنا وجوارحنا عما يغضبه، وأن نستعملها فيما يرضيه، إنه على كل شي قدير.

[1] - رواه الترمذي، 2407.

[2] -رواه الترمذى وابن ماجة، وقال الترمذى: هذا حديث غريب.

[3] - بدائع التفسير- 4/197

[4] - رواه مسلم - كتاب البر والصلة، حديث: 2581.

[5] - أخرجه الترمذى، 2616

[6] - أخرجه البخارى كتاب الأدب 6018، ومسلم كتاب الإيمان 47

[7] - مختصر منهاج القاصدين:، ص: 184

[8] - رواه البخارى 6405، ومسلم 2691.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 12:55 AM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

الأسلوب الوعظي
قال تعالى " يأيها الذين ءامنو استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون "
تضمنت هذه الآيه أمور :
1- الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله ، وهي الحياة الحقيقية ، ومن لم يستجب فلا حياة له ، أو له حياة بهيمة .
والاستجابة لله ولرسوله تكون استجابة ظاهرة وبَاطِنَة ، وأكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول ومن رفض فقد فاته جزء مما دعا إليه الرسول فقد فاته جزء من الحياة
يحييكم : أي : للحق
يحييكم: القرآن ، فيه الحياة والثقة والعصمة في الدنيا والآخرة
يحييكم : هو الإسلام ، أحياهم به بعد موتهم بالكفر
أو : للحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل وكل ماسبق : يعبر عن حقيقة واحدة هي القيام بما جاء به الرسول ظاهر وباطنا أو : هو الجهاد
أو :إحياء أمركم بجهاد عدوكم ، وإنما يتقوى أمرهم بالحرب والجهاد
قال ابن القيم :
الجهاد أعظم مايحييهم به في الدنيا وفِي البرزخ وفِي الآخرة
أ: في الدنيا :قهر عدوهم بالجهاد
ب-البرزخ :قال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "
ج- في الآخرة : فإن حظ المجاهدين والشهداء من حياتها ونعيمها أعظم من حظ غيرهم يحييكم : أي بالشهادة
يحييكم : الجنه فإنها دار الحيوان وفيها الحياة الدائمة الطيبة
والآية تتناول هذا كله فإن : الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد يحيي القلوب الحياة الطيبة وكمال الحياة في الجنة ، والرسول داعٍ إلى الإيمان
وإلى الجنة ، فهو داعٍ الى الحياة في الدنيا والآخرة
والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة :
1-حياة بدنه: ومايعرض عليها من مرض وصحة
2-حياة قلبه وروحه : بين الغي والرشاد وتفيده قوة التميز بين النافع والضار وقوة الإيمان والإرادة ، وتكون محبته النافع أكثر فإن بطلت حياته بطل تمييزه ، والإنسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الروح " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده" فالاستناره موقوفة على نفخ الرسول الملكي وقوله " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا"
وهذا نفخ الرسول البشري : وبها تحصل الحياتان
وقال تعالى " أو من كان ميتا فأحييناه"
نور+حياة --- موت +ظلمة

1-كافرا ضالا فهديناه
" وجعلنا له نور يمشي به في الناس "
1-يمشي في الناس بالنور وهم في الظلمة مثل :المشي في الليل وهو منور وهم مظلمون
2- أنه يمشي بينهم بنورة فهم يقتبسون منه لحاجتهم إلى النور
3- أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط وأهل الشرك في ظلمات شركهم
" واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه "
أي يحول بين المؤمن وبين الكفر
" الكافر وبين الإيمان
أهل طاعته وبين معصيته
بين أهل معصيته وبين طاعته
2- أن الله قريب من قلبه لا تخفى عليه خافيه فهو بينه وبين قلبه

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 01:03 AM
ناديا عبده ناديا عبده غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 540
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أما بعد:

قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }.
إن هذه الآية , تبعث في قلب المؤمن البشر والأمل , وتعزز حسن الظن بالله تعالى , وكيف أن الجزاء من جنس العمل , فلنتأمل هذه الآية وما تضمنته من لطائف وهدايات عظيمة .

* معنى التقوى :
الخوف من الله تعالى في السر والعلانية.


قال الإمام ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: ( تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه مِن غضبه وسخطه وعقابه: وقاية تقِيه من ذلك، وهو: فعل طاعته، واجتناب معاصيه).

* حقيقة التقوى :
أن يعمل العبد بطاعة الله على نور من الله يرجو ثوابه , وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عقابه.
* من آيات القرآن الكريم التي تأمرنا بتقوى الله تعالى في السر والعلانية :
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا } (النساء: 131).
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران: 102).
وقال جل شأنه: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }(البقرة: 197).
وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(لحشر: 18).
قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأعراف: 96)

* من صفات المتقين :

قال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} (البقرة : 177).

*من صور تحقيق التقوى :
- محافظة المسلم على الفرائض التي افترضها الله تعالى عليه، من إقامة الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، وغيرها.
- اجتناب المحرمات .
- التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين.
- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .
- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .

* جزاء المتقين في الدارين :
=في الدنيا:
محبة الله للمتقين , {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ( آل عمران 76).
- زوال الخوف والحزن , {فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ( الأعراف: 35).
- العلم والحلم والهدى, {وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ}( البقرة : 282)

= في الآخرة :
- أعد الله للمتقين مكانة عالية وبشارات كبيرة، فكم علق بها من خير، وكم وعد عليها من ثواب، وكم أضاف إليها من سعادة,
إنها جنات النعيم , التي ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, فنعيمها لايزول ولا يفنى, من بساتين , صحبة أكرم الأكرمين .

فليحرص العبد على تقوى لله تعالى دائما وأبدا , فالتقوى خير زاد للآخرة.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 10:48 AM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} التكاثر.


يقال : لَهِى عن الشيء ; إذا غفل وشُغِل . ومنه حديث ابن الزبير رضي الله عنه : إنَّه كان إذا سمع صوتَ الرعد لَهِيَ عن حديثه وقال : سبحان مَنْ يسبِّحُ الرعدُ بحمده والملائكة من خِيفَته. قاله صاحب الفائق في غريب الحديث
وقال في المحكم والمحيط الأعظم: لَهِىَ عن الشيء لُهِياًّ ، و لِهْياناً : غفل عنه وتركه .
واللَّهْو : اللَّعِب . يقال : لَهَوْت بالشيء ألْهُو لَهْواً وتَلَهَّيْتُ به إذا لَعِبْتَ به وتَشاغَلْتَ وغَفَلْتَ به عن غيره . وألْهاه عن كذا أي شَغَله . ولَهِيتُ عن الشيء بالكسر ألْهَى بالفتح لُهِيّاً إذا سَلَوْتَ عنه وتَرَكْتَ ذِكره وغَفَلْتَ عَنْه واشْتَغَلْتَ.
ومنه قول امرىء القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول.

ويُقَال : كاثَرْتُه فكَثَرْتُه إذا غَلَبْتَه وكُنْتَ أكْثَر منه.قاله صاحب النهاية في غريب الحديث والأثر
والتَّكاثُرُ : المُكاثَرَةُ كما جاء في تاج العروس من جواهر القاموس وفي اللسان.
ومنه قول الأَعشى:
ولَسْتُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى وإِنما العِزَّةُ للكاثِرِ.

مما سبق يتبين أن الله ذم ووبخ المنشغلين عما خلقوا له من معرفته وعبادته بأي أمر مما ينشغل به الناس مما لا يكون قصده إلا المكاثرة والمفاخرة وأن يكثر أحدهم غيره ، مما يتسبب عنه هذا الانشغال بهذه الأمور غفلة العبد للسبب الحقيقي الذي خلقه الله لأجله كما قال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ويستمر هذا التشاغل والغفلة من العبد الذي يتسبب عنها ترك الأهم واستبداله بالأدنى حتى يرد العبد على ربه فيتوفاه إليه ويكون من أهل القبور وحينها ينكشف الغطاء ويتبين له حجم الخسار والغبن الذي وقع فيه، ويشهد لهذا المعنى قول جرير للأَخطل:
زَارَ القُبورَ أَبو مالكٍ فأَصْبَحَ أَلأَمَ زُوَّارِها
وفي رواية أخرى فكان كأَلأَمِ زُوّارِها؛ فجعل زيارةَ القبور بالموت.
ولقد وصل الحال بالناس أنهم يتكاثرون حتى بعدد موتاهم كما ورد في ذكر سبب نزول هذه الآية حيث ذكر المفسرون أنها نزلت في حَيَّيْنِ تَفاخَرُوا أَيُّهم أَكْثَرُ عَدداً وهم بنو عبد مناف وبنو سَهْم فكَثَرَتْ بنو عبد مناف بني سهم فقالت بنو سهم إِن البَغْيَ أَهلكنا في الجاهلية فعادُّونا بالأَحياء والأَموات فكَثَرَتْهم بنو سَهْم فأَنزل الله تعالى {أَلهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر} أَي حتى زرتم الأَموات، ولكن هل هذه الزيارة حقيقة حسية؛ فيكونون قد فعلا ذهبوا للقبور لعد موتاهم، أم مجازية؛ فيكون المعنى أحصوهم وهم في ناديهم أو في بيوتهم، اختلفوا فيها، والمقصود: التحذير والنهي عن مشابهة هؤلاء والذم لفعلهم وذلك أن الحياة الدنيا كما قال الله عنها { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } فلا تغررك الحياة ببهجتها وزينتها وتشغلك وتلهيك حتى تترك الواجب عليك في سبيل استكثار أمور لا تعود عليك بالنفع في آخرتك إن لم تكن غالبا تضرك حتى في دنياك، وتزود من دنياك لآخرتك حتى لا يأتي عليك يوم وتقول {رب ارجعون} فيأتيك الجواب من ربك {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}.

لطائف:
· في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال انتهيت إلى النبي وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، قال: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت" وفي هذا دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر المتكاثَر به بالمال، لكن جاء في القرآن {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} فذكر هنا بالإضافة للأموال الأولاد، والتحقيق أن هذه كلها أمثله عما يتكاثر به الناس وهي تشمل كل ما يتكاثر به المتكاثرون من مال وولد وخدم وجند وأنصار وعتد وعتاد وسلاح وجاه وغيرها.

· من لطيف ما ذكره بن القيم في عدة الصابرين في تفسيره لقوله تعالى: {ألهاكم التكاثر}، قال: ولم يعين سبحانه المتكاثَر به بل ترك ذكره؛ إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به كما يقال شغلك اللعب واللهو ولم يذكر ما يلعب ويلهو به، وإما إرادة الإطلاق وهو كل ما تكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من مال أو جاه أو عبيد أو إماء أو بناء أو غراس أو علم لا ينبغي به وجه الله أو عمل لا يقربه إلى الله فكل هذا من التكاثر الملهى عن الله والدار الآخرة .

· في قوله تعالى { زرتم } بالماضي رغم أن السامع والمخاطب لم يزرها بعد، ومجيء الفعل بصيغة الماضي للدلالة على تحقق هذا الوعد من الرب سبحانه، وأن كل واحد منا ولابد انه سيدخل قبره، فلا مفر له من الموت.

· قال تعالى {حتى زرتم المقابر} ولم يقل حتى تدخلوا القبور أو حتى تدفنوا في القبور ونحو ذلك، والقَبْرُ مدفن الإِنسان وجمعه قُبُور والمَقْبَرُ المصدر والمَقْبرَة بفتح الباء وضمها موضع القُبُور، قاله ابن منظور ، والآية بجمعها للفظ الزيارة والقبور؛ جعلت قول من قال بأن المقصود منها هو ظاهرها وهو ما جاء في سبب النزول قول متوجه، وهذا مما يثري معنى الآية، وفيه التحذير مما قد يصيب المتفاخر والمستكثر من البله والسفه حتى يستكثر بعدد الموتى!.

· في قوله تعالى {زرتم} تنبيه إلى أن الميت ليس بمقيم بل هو زائر وأنه سيرتحل من قبره إلى جنة أو نار بحسب ما قدمه في حياته، وهو ما دلت عليه النصوص من أن حياة البرزخ مرحلة وسطى بين الدنيا والآخرة، ولذا فعلينا أن نستعد وأن نبذل قصارى جهدنا ، فمن أراد الجنة فليعمل لها و لا تشغله الدنيا وزخارفها عنها فيكون مصيره النار وبئس القرار.

· من لطيف ما ذكر في هذه الآية {حَتَّى? زُرْتُمُ ?لْمَقَابِرَ} ما قاله الشنقيطي، وأنا أورده بنصه، قال: من لطائف القول في التفسير،ما ذكره أبو حيان عن التكاثر في قوله : {حَتَّى? زُرْتُمُ ?لْمَقَابِرَ}، ما نصه :
وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة ، تكثيراً بمن سلف وإشادة بذكره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ثم قال : "فزوروها" أمر إباحة للاتعاظ بها ، لا لمعنى المباهاة والتفاخر .
ثم قال : قال ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفًا ، وبيان النواويس عليها ، أي الفوانيس ، وهي السرج .
ثم قال أبو حيان ، وابن عطية : لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما يتباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك . وما يضيع فيها من الأموال ، لتعجب من ذلك ولرأى ما لم يخطر ببال .
وأما التباهي بالزيارة : ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوفية أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور : زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد .
وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ ، بحيث لو كتبت لجاءت أسفاراً . وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه .
وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل المال لهم ، وأما من شذ منهم لأنه يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون : هذا فتح من العلم اللدني على الخضر .
حتى إن من ينتمي إلى العلم ، لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ، ونقل كثيراً من حكاياتهم ، ومزج ذلك بيسير من العلم طلباً للمال والجاه وتقبيل اليد .
ونحن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته . ا هـ . بحروفه .
وهذا الذي قاله رحمه الله من أعظم ما افتتن به المسلمون في دينهم ودنياهم معاً .
أما في دينهم : فهو الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم ، صيانة للتوحيد ، من سؤال غير اللَّه .
وأما في الدنيا فإن الكثير من هؤلاء يتركون مصالح دنياهم من زراعة أو تجارة أو صناعة ، ويطوف بتلك الأماكن تاركاً ومضيعاً من يكون السعي عليه أفضل من نوافل العبادات .
مما يلزم على طلبة العلم في كل مكان وزمان ، أن يرشدوا الجهلة منهم ، وأن يبينوا للناس عامة خطأ وجهل أولئك ، وأن الرحيل لتلك القبور ليس من سنة الرسل صلوات الله وسلامه عليه" ، ولا كان من عمل الخلفاء الراشدين ، ولا من عامة الصحابة ولا التابعين ، ولا من عمل أئمة المذاهب الأربعة رحمهم اللَّه .
وإنما كان عمل الجميع زيارة ما جاورهم من المقابر للسلام عليهم والدعاء لهم ، والاتعاظ بحالهم ، والاستعداد لما صاروا إليه .
نسأل الله الهداية والتوفيق ، لإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتفاء بآثار سلف الأمة ، آمين .

· من لطيف ما ذُكر في قوله تعالى {حتى زرتم المقابر} ما ذكره الشيخ ابن عثيمين حين نبه على قول البعض ذهب لمثواه الأخير، وبأنه إن قال ذلك موقنا بذلك فهو كافر لأنه مكذب بالبعث.

وأخيرا أعوذ بالله من فتنة بيت الدود، وأسأله يجعلنا من سكان القصور لا الدور، برحمته لا بأعمالنا؛ فأعمالنا لا تنهض بنا لكوخ في أطراف الجنة، فكيف بما سألنا، لكنه الشكور الغفور، فله الحمد والمنة على أسمائه الحسنى وصفاته العلى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 6 محرم 1440هـ/16-09-2018م, 10:50 AM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} التكاثر.


يقال : لَهِى عن الشيء ; إذا غفل وشُغِل . ومنه حديث ابن الزبير رضي الله عنه : إنَّه كان إذا سمع صوتَ الرعد لَهِيَ عن حديثه وقال : سبحان مَنْ يسبِّحُ الرعدُ بحمده والملائكة من خِيفَته. قاله صاحب الفائق في غريب الحديث
وقال في المحكم والمحيط الأعظم: لَهِىَ عن الشيء لُهِياًّ ، و لِهْياناً : غفل عنه وتركه .
واللَّهْو : اللَّعِب . يقال : لَهَوْت بالشيء ألْهُو لَهْواً وتَلَهَّيْتُ به إذا لَعِبْتَ به وتَشاغَلْتَ وغَفَلْتَ به عن غيره . وألْهاه عن كذا أي شَغَله . ولَهِيتُ عن الشيء بالكسر ألْهَى بالفتح لُهِيّاً إذا سَلَوْتَ عنه وتَرَكْتَ ذِكره وغَفَلْتَ عَنْه واشْتَغَلْتَ.
ومنه قول امرىء القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول.

ويُقَال : كاثَرْتُه فكَثَرْتُه إذا غَلَبْتَه وكُنْتَ أكْثَر منه.قاله صاحب النهاية في غريب الحديث والأثر
والتَّكاثُرُ : المُكاثَرَةُ كما جاء في تاج العروس من جواهر القاموس وفي اللسان.
ومنه قول الأَعشى:
ولَسْتُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى وإِنما العِزَّةُ للكاثِرِ.

مما سبق يتبين أن الله ذم ووبخ المنشغلين عما خلقوا له من معرفته وعبادته بأي أمر مما ينشغل به الناس مما لا يكون قصده إلا المكاثرة والمفاخرة وأن يكثر أحدهم غيره ، مما يتسبب عنه هذا الانشغال بهذه الأمور غفلة العبد للسبب الحقيقي الذي خلقه الله لأجله كما قال تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ويستمر هذا التشاغل والغفلة من العبد الذي يتسبب عنها ترك الأهم واستبداله بالأدنى حتى يرد العبد على ربه فيتوفاه إليه ويكون من أهل القبور وحينها ينكشف الغطاء ويتبين له حجم الخسار والغبن الذي وقع فيه، ويشهد لهذا المعنى قول جرير للأَخطل:
زَارَ القُبورَ أَبو مالكٍ فأَصْبَحَ أَلأَمَ زُوَّارِها
وفي رواية أخرى فكان كأَلأَمِ زُوّارِها؛ فجعل زيارةَ القبور بالموت.
ولقد وصل الحال بالناس أنهم يتكاثرون حتى بعدد موتاهم كما ورد في ذكر سبب نزول هذه الآية حيث ذكر المفسرون أنها نزلت في حَيَّيْنِ تَفاخَرُوا أَيُّهم أَكْثَرُ عَدداً وهم بنو عبد مناف وبنو سَهْم فكَثَرَتْ بنو عبد مناف بني سهم فقالت بنو سهم إِن البَغْيَ أَهلكنا في الجاهلية فعادُّونا بالأَحياء والأَموات فكَثَرَتْهم بنو سَهْم فأَنزل الله تعالى {أَلهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر} أَي حتى زرتم الأَموات، ولكن هل هذه الزيارة حقيقة حسية؛ فيكونون قد فعلا ذهبوا للقبور لعد موتاهم، أم مجازية؛ فيكون المعنى أحصوهم وهم في ناديهم أو في بيوتهم، اختلفوا فيها، والمقصود: التحذير والنهي عن مشابهة هؤلاء والذم لفعلهم وذلك أن الحياة الدنيا كما قال الله عنها { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ } فلا تغررك الحياة ببهجتها وزينتها وتشغلك وتلهيك حتى تترك الواجب عليك في سبيل استكثار أمور لا تعود عليك بالنفع في آخرتك إن لم تكن غالبا تضرك حتى في دنياك، وتزود من دنياك لآخرتك حتى لا يأتي عليك يوم وتقول {رب ارجعون} فيأتيك الجواب من ربك {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون}.

لطائف:
· في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال انتهيت إلى النبي وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، قال: "يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت" وفي هذا دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر المتكاثَر به بالمال، لكن جاء في القرآن {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} فذكر هنا بالإضافة للأموال الأولاد، والتحقيق أن هذه كلها أمثله عما يتكاثر به الناس وهي تشمل كل ما يتكاثر به المتكاثرون من مال وولد وخدم وجند وأنصار وعتد وعتاد وسلاح وجاه وغيرها.

· من لطيف ما ذكره بن القيم في عدة الصابرين في تفسيره لقوله تعالى: {ألهاكم التكاثر}، قال: ولم يعين سبحانه المتكاثَر به بل ترك ذكره؛ إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به كما يقال شغلك اللعب واللهو ولم يذكر ما يلعب ويلهو به، وإما إرادة الإطلاق وهو كل ما تكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من مال أو جاه أو عبيد أو إماء أو بناء أو غراس أو علم لا ينبغي به وجه الله أو عمل لا يقربه إلى الله فكل هذا من التكاثر الملهى عن الله والدار الآخرة .

· في قوله تعالى { زرتم } بالماضي رغم أن السامع والمخاطب لم يزرها بعد، ومجيء الفعل بصيغة الماضي للدلالة على تحقق هذا الوعد من الرب سبحانه، وأن كل واحد منا ولابد انه سيدخل قبره، فلا مفر له من الموت.

· قال تعالى {حتى زرتم المقابر} ولم يقل حتى تدخلوا القبور أو حتى تدفنوا في القبور ونحو ذلك، والقَبْرُ مدفن الإِنسان وجمعه قُبُور والمَقْبَرُ المصدر والمَقْبرَة بفتح الباء وضمها موضع القُبُور، قاله ابن منظور ، والآية بجمعها للفظ الزيارة والقبور؛ جعلت قول من قال بأن المقصود منها هو ظاهرها وهو ما جاء في سبب النزول قول متوجه، وهذا مما يثري معنى الآية، وفيه التحذير مما قد يصيب المتفاخر والمستكثر من البله والسفه حتى يستكثر بعدد الموتى!.

· في قوله تعالى {زرتم} تنبيه إلى أن الميت ليس بمقيم بل هو زائر وأنه سيرتحل من قبره إلى جنة أو نار بحسب ما قدمه في حياته، وهو ما دلت عليه النصوص من أن حياة البرزخ مرحلة وسطى بين الدنيا والآخرة، ولذا فعلينا أن نستعد وأن نبذل قصارى جهدنا ، فمن أراد الجنة فليعمل لها و لا تشغله الدنيا وزخارفها عنها فيكون مصيره النار وبئس القرار.

· من لطيف ما ذكر في هذه الآية {حَتَّى? زُرْتُمُ ?لْمَقَابِرَ} ما قاله الشنقيطي، وأنا أورده بنصه، قال: من لطائف القول في التفسير،ما ذكره أبو حيان عن التكاثر في قوله : {حَتَّى? زُرْتُمُ ?لْمَقَابِرَ}، ما نصه :
وقيل هذا تأنيب على الإكثار من زيارة ، تكثيراً بمن سلف وإشادة بذكره ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ثم قال : "فزوروها" أمر إباحة للاتعاظ بها ، لا لمعنى المباهاة والتفاخر .
ثم قال : قال ابن عطية : كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفًا ، وبيان النواويس عليها ، أي الفوانيس ، وهي السرج .
ثم قال أبو حيان ، وابن عطية : لم ير إلا قبور أهل الأندلس ، فكيف لو رأى ما يتباهى به أهل مصر في مدافنهم بالقرافة الكبرى والقرافة الصغرى ، وباب النصر وغير ذلك . وما يضيع فيها من الأموال ، لتعجب من ذلك ولرأى ما لم يخطر ببال .
وأما التباهي بالزيارة : ففي هؤلاء المنتمين إلى الصوفية أقوام ليس لهم شغل إلا زيارة القبور : زرت قبر سيدي فلان بكذا ، وقبر فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، والشيخ فلان بكذا ، فيذكرون أقاليم طافوها على قدم التجريد .
وقد حفظوا حكايات عن أصحاب تلك القبور وأولئك المشايخ ، بحيث لو كتبت لجاءت أسفاراً . وهم مع ذلك لا يعرفون فروض الوضوء ولا سننه .
وقد سخر لهم الملوك وعوام الناس في تحسين الظن بهم وبذل المال لهم ، وأما من شذ منهم لأنه يتكلم للعامة فيأتي بعجائب ، يقولون : هذا فتح من العلم اللدني على الخضر .
حتى إن من ينتمي إلى العلم ، لما رأى رواج هذه الطائفة سلك مسلكهم ، ونقل كثيراً من حكاياتهم ، ومزج ذلك بيسير من العلم طلباً للمال والجاه وتقبيل اليد .
ونحن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لطاعته . ا هـ . بحروفه .
وهذا الذي قاله رحمه الله من أعظم ما افتتن به المسلمون في دينهم ودنياهم معاً .
أما في دينهم : فهو الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم ، صيانة للتوحيد ، من سؤال غير اللَّه .
وأما في الدنيا فإن الكثير من هؤلاء يتركون مصالح دنياهم من زراعة أو تجارة أو صناعة ، ويطوف بتلك الأماكن تاركاً ومضيعاً من يكون السعي عليه أفضل من نوافل العبادات .
مما يلزم على طلبة العلم في كل مكان وزمان ، أن يرشدوا الجهلة منهم ، وأن يبينوا للناس عامة خطأ وجهل أولئك ، وأن الرحيل لتلك القبور ليس من سنة الرسل صلوات الله وسلامه عليه" ، ولا كان من عمل الخلفاء الراشدين ، ولا من عامة الصحابة ولا التابعين ، ولا من عمل أئمة المذاهب الأربعة رحمهم اللَّه .
وإنما كان عمل الجميع زيارة ما جاورهم من المقابر للسلام عليهم والدعاء لهم ، والاتعاظ بحالهم ، والاستعداد لما صاروا إليه .
نسأل الله الهداية والتوفيق ، لإتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتفاء بآثار سلف الأمة ، آمين .

· من لطيف ما ذُكر في قوله تعالى {حتى زرتم المقابر} ما ذكره الشيخ ابن عثيمين حين نبه على قول البعض ذهب لمثواه الأخير، وبأنه إن قال ذلك موقنا بذلك فهو كافر لأنه مكذب بالبعث.

وأخيرا أعوذ بالله من فتنة بيت الدود، وأسأله يجعلنا من سكان القصور لا الدور، برحمته لا بأعمالنا؛ فأعمالنا لا تنهض بنا لكوخ في أطراف الجنة، فكيف بما سألنا، لكنه الشكور الغفور، فله الحمد والمنة على أسمائه الحسنى وصفاته العلى.

وأعتذر للتأخر بسبب انقطاعات الكهرباء.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 محرم 1440هـ/17-09-2018م, 11:41 PM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد الله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلن تجد له وليا مرشد
سورة التغابن سورة مدنية ومن خصائص السور المدنية انها تتحدّث عن المعاملات، والعبادات، والأمور الدنيويّة الّتي تخصّ الإسلام ، و تتطرّق الآيات المدنيّة إلى دعوة أهل الكتاب ومجادلتهم، ومخاطبتهم للدخول في الإسلام، عن طريق الإقناع والترغيب، ففي الآية نجد تسلية للمؤمن و ما يصابه به في الدنيا من شقاء و مصائب (و قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ; فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل ، يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه . القرطربي )
الاعراب اللفظي لبعض كلمات الآية الكريمة
1- نجد (ما) نافية
ما النافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية):
تعمل اذا تلاها فعل ماض او فعل مضارع موفوع .
تأثيرها المعنوي :تنفي حدوث الفعل .
تأثيرها الاعرابي : لاتؤثر في اعراب الفعل الذي بعدها .
و منها اذا دخلت (ما) على فعل ماض
-قال تعالى :(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون).
-قال تعالى :(اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ...).
- والله ماطلعت شمس ولا غربت
الا وذكرك مقرون بانفاسي
-لعمرك مااهويت كفي لريبة
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
في الآيات السابقة و الأشعار نجد ما نافية غير عاملة (نافية للجملة الفعلية ) تلاها فعل ماض .
معنى المصيبة:
أولا: في اللغة: الصوب مثل الصيب وتقول صابه المطر وصوبت الفرس إذا أرسلته في الجري والصواب ضد الخطأ واستصوبه واستصابه وأصابه رآه وأصابته مصيبة فهو مصاب والصابة والمصيبة ما أصابك من الدهر وكذلك المصابة والمصوبة بضم الصاد والتاء للداهية أو للمبالغة والجمع مصاوب ومصائب، الأخير على غير قياس ( لسان العرب)
يُقَالُ مُصِيبَة، ومَصُوبَة، ومُصَابَة، والجمعُ مَصَايِب، ومَصَاوِب. وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ ينْزِل بالإنسانِ(
ثانيا: في الاصطلاح: يقول الجرجاني:*(المصيبة ما لا يلائم الطبع كالموت ونحوه).
*وقال المناوي: (المصيبة اسم لكل ما يسوء الإنسان)وقال الكلبي:*(المصيبة … ما يصيب من الشر)[ منبر الفكر ] <المقالات و البحوث العلمية )
أنواع المصائب:و المصائب على ثلاثة انواع مصائب تصيب الناس و الارض مثل الكوارث و الزلازل و الفيضانات و امثالها كالطوفان لقوم نوح. قال الله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» (العنكبوت، 29 / 14).
و مصائب تصيب الناس دون الارض
كالموت و الأمراض و نقصان المال و الانفس قال تعالى ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾ [البقرة: 155]
و مصائب تصيب قوم دون اخرين والسبب فيها مختلف حسب حال الشخص فمن كان كافرا معاندا فتكون المصيبة من باب العقوبة والقصاص كما حل بقارون «فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ» (القصص، 28 / 81)
فقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة ) أصاب فعل ماضي مبني على الفتح ( من مصيبة ) جار و مجرور لفظاً مرفوعا محلا لفاعل اصاب ( إلا) اداة استثناء و تفيد الحصر ، و قوله ( باْذن الله ) متعلقان بأصاب ولفظ الجلالة مضاف إليه. ففي الآية تسلية للمؤمن الصادق في إيمانه المخبت لربه المستسلم له بجميع جوارحه بان لن يصاب بمصيبة من قول او فعل في نفسه او في ابنه او في ماله او في أهله او في ارضه فهي بأمر من الله تعالى و علمه ، و متى ما علم المؤمن بان لن يصاب بمصيبة الا بعلم من الله تعالى يجعله يرضى بل يسعد لانه يعلم ان كل ما يصاب به فهو خير له كما قال صلى الله عليه وسلم (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.فصبره على البلاء فيه مافيه من التكفير لذنوبه و رفع درجاته وهذا و الله لهو الخير العظيم الذي يجعل المؤمن المغمس في البلاء في هذه الدنيا ان جاء يوم القيامة ورى ما عوضه الله عليه من النعيم بسبب ما اصابه من البلاء يتمنى ان لم ينعم في هذه الدنيا قط
ثم قال تعالى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه )
( وَ) الواو حرف استئناف (مِنْ) اسم شرط مبتدأ (يُؤْمِنْ) مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط (بِاللَّهِ) متعلقان بالفعل (يَهْدِ) مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر (قَلْبَهُ) مفعول به والجملة جواب الشرط لا محل لها من الاعراب وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من. وجملة من.. استئنافية لا محل لها من الاعرابي ولها معنى متعلق بما قبله ،
و الايمان هو ما وقر في القلب و صدقه العمل
الإيمان بمعنى التّصديق: ومنه قول الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[6] أي: لست بمُصدِّقٍ لنا على فَرَض كنا صادقين
و الهداية نوعان هداية توفيق و الهام لما يحب الله ويرضاه
و هداية الدلالة و الارشاد
و معنى ( و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه ) و من كان في جميع احواله مصدقا بان الله هو اللطيف الكريم الجبار المطلع لاحوال عباده المصلح لها فان ذاك الايمان يورث في قلبه راحة وطمانينة بكل ما يصيبه و من يُؤْمِن بالله في السراء يهدي قلبه الى الثبات و الصبر و الاحتساب عند البلاء و من يُؤْمِن بالله الكريم الرحيم فان الله سيهدي قلبه عند المصائب و سيعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه و ما اخطئه لم يكن ليصبه حتى انك لتجد صاحب المصيبة الكبيرة و في وجهه البشر و الراحة و انك لتتعجب من الحالة التي هو فيها و من الطمأنينة التي غاشيته رأيت في مرة امرأة كنت جالسة بجوارها بالمستشفى و في يديها رضيع حاملته و الدموع لا تكاد تتوقف من عينها و هي تردد الحمدلله الحمد لله الحمدلله فعند سؤالها عن سبب بكاءها فإذا هي تقول ان ابنتها قد فارقت الحياة وهي التي تحملها و تنتظر الانتهاء من إجراءات المستشفى ، سبحان الله من الذي الهم المرأة الثكلى في لحظة موت ابنتها ان تحمد الله؟ انه الله عز وجل و من يُؤْمِن بالله يهدي قلبه و يصلح باله ، و تجد من اذا أصيب بمصيبة يمن الله عليه بمن يرشده بالسلوك الحسن الذي يقربه الى الله من قول كالتسبيح ﴿فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى﴾ [طه: 130] او فعل كصلاة او عمرة فإنها أمور و هدايات من الرحيم الكريم تعين المؤمن على تحمل و الرضى بما اصابه في هذه الحياة الدنيا
(وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مبتدأ (بِكُلِّ) متعلقان بعليم (شَيْءٍ) مضاف إليه (عَلِيمٌ) خبر والجملة استئنافية ،
(و الله بكل شيء عليم) و الله عز وجل عليم بما اصاب الانسان و عليم بما في قلبه الايمان و الصدق قال صلى الله عليه وسلم ( ان الله لا ينظر الى صوركم و لكن ينظر الى قلوبكم ) فالله عليم بما وقر في قلب الانسان من الصدق و التوكل و الاحسان في العمل فيهدي قلبه عند حلول المصائب الى ما يجعلها نعمة و رفع للدرجات لا الى ما يحبط عمله من التسخط و الاستعلاء و التولي و القنوط ﴿قالَ وَمَن يَقنَطُ مِن رَحمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضّالّونَ﴾ [الحجر: 56] نسأل الله السلامة و العافية من الضلال و الغواية و نسأله ان يُرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه و يُرينا الباطل باطل و يرزقنا اجتنابه و لا يجعله مشتبها علينا فنضل. الحمد الله و الصلاة و السلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 11 محرم 1440هـ/21-09-2018م, 07:31 PM
عبد الكريم محمد عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 194
افتراضي

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلًا

في هذا المقط البديع الذي يأخذ بالألباب و يسير بها لعالم التبتل و الوقوف في محراب العبودية، و يعلمنا كيف نتعامل مع الأمور الصعبة و كيف نواجه المواقف العظيمة، فيه نداء لخير الخلق و منقذ البشر و قدوة الناس أجمعين، يناديه ربه يوم فزع من منظر لم ير مثله قط كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لَمَّا تَراءَ له جِبريلُ صَلواتُ اللهِ عليه في ابتداءِ الوحيِ فَرِقَ منه فَرَقاً شَديداً، فرَجَعَ إلى بيتِه وتَزَمَّلَ بثِيابِه، فأَنزَلَ اللهُ تعالى قولَه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} ثم إنَّ جِبريلَ عليه السلامُ أكثَرَ الْمَجيءَ إليه حتى أَنِسَ.
يخبره سبحانه و تعالى و يخبر من بعده بأن الفزع يقود إلى الله و أن المكروب و الخائف لا ملجا له إلا الله، و أن الفرار لا يكون إلا إليه، فأمر الله سبحانه رسوله عليه الصلاة و السلام حين فزع و خاف و تزمل في ثيابه، أمره بقيام الليل! فلماذا الصلاة؟ و ما السر في الليل؟
لقد أمره بأشرف العبادات و هي الصلاة، فالله يحب الصلاة و يحب المصلين، فقد جعل الصلاة هي الفرقان بين الإسلام و الكفر، و هي الفاصل بين الإيمان و النفاق، فهي العبادة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء أن يأمروا أبناءهم بها قبل سن التكليف، فانتظارها رباط و كثرة الخطا إليها رفعة للدرجات و هي آخر ما يبقى من الدين، توعد الله المتهاونين بها و جعلها أول ما يحاسبون عليه من أعمالهم.
و دله على أفضل أوقاتها و هو الليل، و حدد له مقدار القيام ، بأن يكون نصف الليل أو الثلث أو الثلثان، و كان هذا الأمر في بدايته فرضا، و بقي حولا كاملا يقومه و أصحابه و كان حالهم كما أخبرت عائشة فعن سعْدِ بنِ هِشامٍ قالَ: قلتُ لعائشةَ: أنْبِئِينِي عن قِيامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالتْ: ألسْتَ تَقرأُ هذه السورةَ:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلتُ: بلى. قالتْ: فإنَّ اللهَ افْتَرَضَ قِيامَ الليلِ في أوَّلِ هذه السورةِ فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابُه حَوْلاً، حتى انْتَفَخَتْ أقْدَامُهم، وأَمْسَكَ اللهُ خاتِمَتَها في السماءِ اثْنَيْ عشرَ شَهْراً، ثم أَنزلَ التخفيفَ في آخِرِ هذه السورةِ، فصارَ قِيامُ الليلِ تَطَوُّعاً مِن بعدِ فَرْضِه.
و الله سبحانه يحب أهل قيام الليل و ذكرهم في معرض المدح قائلا [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]
و أخبر سبحانه و تعالى أن قيام الليل من علامات المتقين [نَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ]
فنومهم قليل ، توقظهم محبتهم لربهم، و يحدوهم الشوق للوقوف بين يدي الله، تربت نفوسهم على معالي الأمور، يقتدون بخير خلق الله الذي قام حتى تفطرت قدماه، لم يصلوا إلى هذه المنزلة إلا بمجاهدة نفوسهم و التخفف من الدنيا وملذاتها و استحضار الآخرة في حياتهم، يعيشون في الدنيا و هم من أبناء الآخرة ، و من كانت هذه صفته فإن الله لا يساويه بغيره [أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] لهم قلوب حية تعيش بين الخوف و الرجاء و تحدوها المحبة لربها، فتراها في قنوت آناء الليل حينا تتلو القرآن واقفة بين يدي الله، ثم تخر ساجدة لربها لتبث شكواها إليه و تدعوه و تتوسل إليه ، و قد أخبرنا عليه الصلاة و السلام أن أفضل التطوع صلاة الليل "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" و ذكر الحافظ أبن رجب أن سبب أفضليتها :
- أن فيها إسرار فهي أقرب للإخلاص.
- أن فيها مشقة و مخالفة لهوى النفس
- أن قراءة القرآن فيها أقرب للتدبر من أي وقت آخر

و قد شرف الله المؤمن بقيام الليل، كما قال عليه الصلاة و السلام : "واعلم أنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل" ، شرفهم الليل لأنهم أهل صدق، فلن يفارق فراشه و يقف مستقبلا القبلة لا يعلم به أحد و يتلو كتاب ربه إلا الصادق، و لما كان هذا الوقت هو وقت اختبار لمن يقدم محاب الله على محاب نفسه، جعل الله له مزية ليست لغيره، فهو وقت التنزل الإلاهي، و هو وقت إجابة الدعوة فحين ينزل ربنا جل في علاه نزولا يليق به ينادي عباده: هل من داعٍ فأستجيب له، هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، و لو لم يكن لقيام الليل غير هذه المزية لكفت، ألا يكفي المؤمن أن يلقى ربه، ألا يكفيه أن يقوم في ساعة ينزل فيها الله لتحقيق مطالب عباده، في ساعة تغفر فيها الخطايا و تجاب فيها الدعوات.
و لما كان قيام الليل بهذه المنزلة العظيمة عند الله، جعل الله لتلاوة كتابه في هذا الوقت لذة، لا يعرفها غير القائمين، و يسر فيه فهم كتابه و تدبره، تشريفا للقائمين، و تكريما لهم، و رفعة من شأنهم فقال [ و رتل القرآن ترتيلا] فترتيله و التأني في قراءة مظنة لتدبره و فهمه، في وقت خال من الأشغال و المنغصات.
فكان قيام الليل و قراءة القرآن أعظم معين على حمل الرسالة، لأن الرسالة السماوية لن يحملها الضعفاء و لن يصبر على مشاقها المتشبثون بالدنيا، و لن ينال رفعة الدفاع عنها، المتعلقون بملذاتهم و شهواتهم، أنها رسالة تحتاج لقوام الليل، التالون لكتاب الله، المجاهدون لأنفسهم، [ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا] الكتاب فيه أوامر و نواهي فيه أمور محرمة ، لن يصبر عليها غير القلوب المؤمنة التي تقدم رضا الله على كل ما سواه، فكان القيام في الليل مرحلة من مراحل البناء التي تجعل المؤمن قويا في حمل الرسالة صابرا على ما فيها متمثلا لكل ما يريده الله منه، و أخبر سبحانه بأن هذا القيام شاق [ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ و أقوم قيلا] و لكن الله ميز هذا الوقت بأن له أثر أقوى على النفس و على فهم القرآن و تأمله، هو شاق فعلا غير أن ثماره يانعه و بركته عظيمة.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 04:13 PM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

{ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (1)الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا }
بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في قاموس معاجم اللغة العربية المعاصرة معنى تباركَ/ تباركَ بـ يتبارك، تبارُكًا، فهو مُتبارِك، والمفعول مُتبارَك به • تبارك اللهُ: تقدّس وتعالى وتَنَزَّه وتعاظَم وكثُرت خيراتُه وعمَّت بركاتُه "{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}- {تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}"| تبارك وتعالى: عبارة تُقال عند ذكر اسم الله تعالى أو الإشارة إليه، ومعناها تقدّس وتنزَّه. • تبارك بالأمر: تفاءَلَ به خيرًا، تيمَّن، ظفر منه بالبركة.
وقال ابن كثير في تفسيره في معنى تبارك الذي بيده الملك : يمجّد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنّه بيده الملك، أي: هو المتصرّف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عمّا يفعل لقهره وحكمته وعدله. ولهذا قال: {وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يستفتح الله عز وجل السورة الكريمة التي جاء عنها في الحديث «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار وأدخلته الجنة» (حسن). [3]
و من أسماءها المانعة لعذاب القبر يستفتح الله هذه السورة بتمجيد و تنزيه و تعظيم نفسه الكريمة و ما نزل اسم الله في شيء الا باركه و كثر خيره وهو عز وجل على كل شيء فكلمة- كل -تدل على الشمول و العموم المستغرق للازمان و الأماكن و شيء نكرة تشمل الصغيرة و الكبير و القريب و البعيد قال تعالى ( و ان من شيء الا عندنا خزائنه ) فهو عز وجل قادر على ان يبارك و يزداد خيرا لكل شيء فهو الملك المالك فبيده و تحت سلطانه كل شيء فملك الله دائما مستغرق في الدنيا و الآخرة و ان ملك بعض الناس ما ملكوا في الدنيا فملك الله قاهر كل ملك مسيطر على كل شيء و في الآخرة يتجلى ملك الله عز وجل فلا ملك يومئذ الا ملكه ( لمن الملك اليوم لله الواحد القاهر) فهو بملكه لكل شيء قادر على ان يدير و يسيطر و يحكم و يزيد و يتعاظم لكل شيء
ثم قال الله تعالى ( الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أحسن عملا ) معنى خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ : أَوْجَدَهُ مِنَ العَدَمِ ، أَنْشَأَهُ ، صَوَّرَهُ ، و الموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن و مفارقاتها
قال ابن كثير في تفسير الآية ثمّ قال: {الّذي خلق الموت والحياة} واستدلّ بهذه الآية من قال: إنّ الموت أمرٌ وجوديٌّ لأنّه مخلوقٌ. ومعنى الآية: أنّه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيّهم أحسن عملًا؟ كما قال: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] فسمّى الحال الأوّل -وهو العدم-موتًا، وسمّى هذه النّشأة حياةً. ولهذا قال: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] و قال قتادة في قوله: {الّذي خلق الموت والحياة}: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه أذلّ بني آدم بالموت، وجعل الدّنيا دار حياةٍ ثمّ دار موتٍ، وجعل الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ" ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي ليختبركم و يمحصكم قال تعالى ﴿وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم إِنَّ رَبَّكَ سَريعُ العِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيمٌ﴾ [الأنعام: 165]ليختبركم اي منكم أحسن عملا أي: خيرٌ عملًا كما قال محمّد بن عجلان: ولم يقل أكثر عملًا و يكون العمل حسناً اذا تحقق فيه شرطان الإخلاص لله عز وجل و المتابعة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فالعمل ان كان خالصا لله عز وجل و لم يكن موافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عملا حسنا مثال ذلك من يصلي وقت شروق او غروب الشمس فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصلاة في ذلك الوقت عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف للغروب حتى تغرب» رواه مسلم فمن صلى لله خالصا صلاة دون سببا في احد هذه الأوقات لم يكن عمله محسناً بل قد يعاقب على مخالفته للسنة لذلك نرى بعض الجهال من اذا صلى لله وقت النهي دون سبب و منع من الصلاة قال ايعذبني الله و انا أصلي قلنا لن يعذبك الله لأنك تصلي لله إنما يعذبك لانك تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في وقت صلاتك ، و كذلك قد يكون الفرد ظاهرا متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في عمله الا ان أخلصه يشوبه ما يشوبه من الرياء او السمعة كالذي رؤيا يصلي بخشوع في المسجد و سمع من يمدحه على خشوعه و صلاته فإذا هو يلتفت اليهم و يقول - بعد و انا صائم - اي و كذلك هو صائم ، فهذا الخشوع و الصلاة عندما فقدت الإخلاص لله تعالى جعل العمل ليس بحسن و العياذ بالله لذلك ختم الله الآية بقوله ( وهو العزيز الغفور ) فالله عز وجل له العزة الكاملة و قاهر كل الأشياء و غالب على أمره في الحياة و الموت و في عمل العاملين ان أحسنوا او اسأوا فهو له العزة فوق كل شيء و هو ( الغفور ) معنى غفور ◦ صيغة مبالغة من غفَرَ : كثير الغفران ، رحيم ، متسامِح
◦ الغفور : اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : الذي يعفو ويصفح ويغفر الذُّنوب ويستر صاحبَها فلا يشهِّر به لا في الدُّنيا ولا في الآخرة فهو غفور لمن تاب بعد إساءة و رجع الى العمل الحسن فيستر له ما قد اساء فلا يفضحه و لا يشهر به لا في الدنيا و لا في الآخرة له سبحانه و تعالى

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 08:53 PM
ناديا عبده ناديا عبده غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 540
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي ابتلى عباده المؤمنين بما أنزل عليهم ليكونوا من المتقين، والصلاة والسلام على إمام المتقين من الأولين والآخرين, نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أرسله ربه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أما بعد:

قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }.
إن هذه الآية , تبعث في قلب المؤمن البشر والأمل , وتعزز حسن الظن بالله تعالى , وكيف أن الجزاء من جنس العمل , فلنتأمل هذه الآية وما تضمنته من لطائف وهدايات عظيمة , وعبر جليلة .
فإننا وفي هذه الحياة الدنيا , لنعلم علم اليقين أن هذه الدنيا دار تكليف وعمل , وليست دار قرار واستقرار , بل و إنما هي ممر , فالدنيا ستمضي , وكلنا راحلون ونحن لا نملك من حطام الدنيا شيئا , بينما الآخرة هي دار المقر, ودار التشريف
والجزاء, والعبرة أن يكون العبد في طاعة الله تعالى وحده , فالتعاهد التعاهد بتقوى الله سرا وعلانية, إن تقوى الله وصية ربانية.

* فماذا تعنى التقوى :
نقل ابن منظور في معجمه الكبير لسان العرب عن ابن الأعرابي أن :( التقاة، والتقية، والتقوى، والاتقاء بمعنى واحد، و أن معنى وقاه الله وقيا ووقاية: صانه، تقول: وقيت الشيء أقيه : إذا صنته وسترته من الأذى، وتوقّى، واتقى بمعنى. والوقاء , والوقاء والوقاية: كل ما وفيت به شيئاً، ووقاك الله شر فلان وقاية، أي: حفظك).
وقد قال الإمام ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: ( تقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه مِن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقِيه من ذلك، وهو: فعل طاعته، واجتناب معاصيه).

* وأما حقيقة التقوى :
أن يعمل العبد مخلصا بطاعة الله على نور من الله يرجو ثوابه , وأن يترك معصية الله على نور من الله يخاف عقابه. فحقيقتها تكمن فبما يفعله العبد بينه وبين الله في حال الخلوات , فالتقوى هي الحصن الذي يحتمي فيه المؤمن .فكانت الركيزة المتينة لحقيقة التقوى , ألا وهي الخوف من الله تعالى في السر والعلانية.
فكان من منَّة الله تعالى على عباده أن أمرهم بالتقوى في حدود الاستطاعة والطاقة ولَم يكلفهم بما وراء ذلك .

لنتأمل في كتاب الله تعالى من آياته التي تأمرنا بتقوى الله تعالى في السر والعلانية :
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا } (النساء: 131).
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران: 102).
وقال جل شأنه: { وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }(البقرة: 197).
وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(لحشر: 18).
وقال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (الأعراف: 96).
وهكذا فإن نظائر هذه الآيات في كِتاب الله كثيرة, ومن أحق من الله بالتقوى والطاعة والاستقامة؛ سبحانه هو أهل التَقوى وأهل المغفرة !

ونسأل الله أن يجعلنا من المتقين المخلصين له تعالى , الذين وصفهم تعالى في محكم كتابه :
قال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} (البقرة : 177).
فصفاتهم الكريمة العظيمة :
= الإيمان الخالص بـ ( الله تعالى , اليوم الآخِر, الملائكة, الكتب التي أنزل الله , الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- )
= إعطاء المال بنية صادقة لوجه الله تعالى ( للأقرباء، واليتامى، والمساكين، والمسافرين، والسائلين، وإعتاق الرقاب ) . = إقام الصلاة.- إيتاء الزكاة.- الوفاء بالعهد , منقادين لأوامر الله تعالى .
= الصبر في ( الفقر، والمرض، ووقت قتال الأعداء) ابتغاء وجه الله تعالى.
= الصدق في ( الأقوال، والأفعال، والأحوال) ابتغاء مرضات الله تعالى.

*ومن أبرز صور تحقيق التقوى , والحفاظ عليها بعد الاستعانة بالله تعالى :
- محافظة المسلم على الفرائض التي افترضها الله تعالى عليه، من إقامة الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، وغيرها.
- اجتناب المحرمات .
- التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين.
- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .
- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .
إن تقوى الله تعالى تستوجب عملا وجهدا، ونية صادقة، فليست التقوى بالتمني، وإنما هو ما يقر في القلب، يصدقه العمل. ومن عمل بهذه الصفات, وصدق في إيمانه ، وحقق التقوى في قلبه , كان على الهدى العظيم، وكان مِن المفلحين الفائزين في الدنيا والآخِرة.

* فجزاء المتقين في الدارين :
=في الدنيا:
- محبة الله للمتقين , {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ( آل عمران 76).
- زوال الخوف والحزن , {فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} ( الأعراف: 35).
- العلم والحلم والهدى, {وَاتَّقُوا اللَّـهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ}( البقرة : 282)
- العون والنصرة والتوفيق والسداد , { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ( النحل : 128)
- نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة ,وتحصيل أبواب الرزق {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } ( الطلاق : 2 , 3).
- اليسر والسهولة في الأمور كلها, { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} , ( الطلاق : 4).

= و في الآخرة فالفوز العظيم :
فقد أعد الله للمتقين مكانة عالية وبشارات كبيرة، فكم علق بها من خير، وكم وعد عليها من ثواب، وكم أضاف إليها من سعادة, إنها جنات ليس لهم فيها إلا النعيم الخالص , والسرور التام ,فهو الخير و الفضل الذي لا ينقطع ولا ينقضي , فنعيمها لا يشوبه نقمة ولا كدر ,بل هي لذة ما بعدها من لذة , تلك الجنة التي ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, محفوفة بالبساتين , مكللة بصحبة أكرم الأكرمين .

فليحرص العبد على تقوى لله تعالى دائما وأبدا , فالتقوى خير زاد للآخرة.
-------------------------------------------------------------------------------------------
* المصادر :
- جامع البيان لابن جرير الطبري (ت: 310هـ).
- المحرر الوجيز لابن عطية (ت:546هـ).
- لسان العرب لابن منظور( 711هـ ).
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت: 774 هـ).
- جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (795 هـ).

ملاحظة : بعد الاطلاع على تصحيحكم لمجلس أسلوب التقرير العلمي , استفدت جدا من الملاحظات التي وضعتموها, وبفضل الله اتضح المطلوب أكثر وأكثر, وأدركت أن المطلوب في كتابة رسالة تفسيرية أن لا تكون على نمط التلخيص.
فلم أحسن في كتابة الرسالة ( الأسلوب الوعظي) لقصور فهمي , وأداءها على شكل تلخيص, لذلك عملت بعض التعديلات , وأرجو أن أكون قد وفقت للصواب, وليس المغزى ووليس الهدف من التعديل للحصول على الدرجة , إنما للتمرن والإجادة في كتابة الرسائل بأساليبها المختلفة, والتعلم من أخطائنا والاستفادة من ملاحظاتكم.


جزاكم الله خيرا وبارك بكم .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 01:58 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير قول الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ (التغابن:11)

بسم الله والحمد لله الهادي والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

هذه الآية آية عظيمة وهى أساس في تبصرة وإرشاد المؤمن لما يجب أن يكون عليه وقت نزول الفتن، وكيفية النجاة منها، وفيها من من الفوائد والهدايات ما نحن في أمس الحاجة إليه خاصة في هذا الزمن الذي كثُرت فيه الفتن والنوازل بالأمة.
وقد وردت هذه الآية في سورة التغابن، يقول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يخبرنا المولى تبارك وتعالى أن جميع ما يقع هو من أقداره سبحانه، فيبيّن حال صادقُ الإيمان تجاه تلك الأقدار، وما يترتب على ذلك من جزاء دنيوي وآخروي، مُرغبا عباده في الإيمان، مطمئناً لهم بصفة علمه سبحانه.

فقول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وهنا التنكير للمصيبة أفاد عمومها، فتشمل كل مصيبة كفقد الولد أو ضياع المال، أوذهاب عافية البدن، وفي اللغة والعُرف تختص لفظة (المصيبة) بما يُصيب الإنسان من شر، وما ينزل به من ضر، فإن المُصيبة أو الفاجعة أو الحادثة التي تُصيب الإنسان أشد أثرا في نفسه من القدر المُفرح، وفي الحقيقة فإن كل ما يحصل للإنسان فهو مُصيبُه.

فكل ما نزل بالعبد من مصيبة فهو بقدر الله، قد قُدّر على العبد في هذه الدنيا قبل خلقه، فكل مُصيبة صغيرة كانت أم كبيرة، دينية كانت أم دنيوية، فهى من عند الله، أي: بقدر الله وعلمه ومشيئته وحكمته، فهو المالك المُتصرف في مُلكه بما شاء، وكيف شاء، يُقدرُ الأقدار، ويخلقُ الأسباب، ويجعلُ فيها الفاعلية ليقع ما يريد سبحانه.
وهذا المعنى مثل قوله تعالى: ﴿ما أصابَ مِن مُصِيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكم إلّا في كِتابٍ مِن قَبْلِ أنْ نَبْرَأها﴾، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ، ليُخطِئَكَ ".

﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ :وهنا لنا وقفة، ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ يعني بأمر الله وعلمه وقضائه، فهو الذي أذن للمصيبة أن تحل بعبده، كما ورد عن أهل العلم، فالله يعلم ما يقدره على عباده لعلمه بخلقهم وحالهم، وهو القائل سبحانه:﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ فالله يعلم عباده الذين خلقهم، ويعلم ما جُبلت عليه نفوسهم، ويعلم ما خفته سرائرهم، وما حوته ضمائرهم ، وما بُنيت عليه أعمالهم من مقاصد ونوايا، وهو سبحانه الذي أحاط بكل شيء علماً.
ولذا فإن قدره ينزل على عباده لعلمه بما يُصلحهم، فيسوق لهم من رحمته في ثنايا الابتلاءات ، فتُخرجْ قلوبهم ما كمُن فيها ، فإما صبر ورضا وإما جزع وتسخط، والعبد الفطن الموقن، يعلم ذلك تمام العلم، أن الأقدار المؤلمة تنزل معها الرحمة، وأن العسر يرافقه اليسر، وانظر كيف جعل الله نجاة موسى من البحر بإلقائه فيه، وكيف أخرج يونس من كربه ولا أحد يعلم به.

﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ﴾ فمن يُحقق الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته، ويتفكر في أفعال الله في نفسه وفي الخلق ، يعلم أن كل ما أصابه هو بقدر الله، وتتجلى له بعض الحكم التي تكون بمثابة الإرشاد للزوم طريق الطاعة، وما يُقدر الله على عباده أمراً إلا ليُصلحهم به، ويُربيهم فيزيدُ المؤمن إيماناً، ويستقيم حال العاصي إن قُدرت له الهداية.
فمتى حصل للعبد اليقين بأن كل ما أصابه بقدر الله، وأن قضاءه واقع لا يردُه أحد، وأن ما نزل به قد قُدر عليه لا شك أنه لحكمة وإن لم يعلمها أو تظهر له، صار له في منزلة الصبر مكاناً، وكان الرضا له عنواناً.

وقد نقل المفسرون أقوال السلف في قول الله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾: فنذكر ما نقله عنهم ابن الجوزي في زاد المسير، وقد ذكر ستة أقوال، نذكرها ونعلق على ما تيسر لنا منها:

الأول: " يهدِ قلبه لليقين" وهذا قول ابن عباس.
والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يهدي قلب عبده إلى اليقين بأن ما وقع قد قُدر عليه، وأنه لا مفر من أقدار الله، وأن الفرار من أقدار الله لا يكون إلا إلى أقدار الله، ومنزلة اليقين أعلى من منزلة العلم، فالكل يعلم بأن كل ما يقع هو مُقدر من عند الله لكن حين تنزل المصيبة فنجد من يفزع لغير الله، و يجزع ويتسخط رغم العلم بعاقبة الصبر وأهميته خاصة عند الصدمة الأولى، أما حال الموقن الذي يُبصر بعين قلبه مآلات الصبر والرضا والتسليم، وتتراءى له الرحمات في عين البلاء، فتنزل المصيبة به فيصبر ويستسلم لأنه يعلم علما يقينيا أنها من عند الله، وأنها لا تخلو من خير، فالذي هُدي قلبه لليقين، يعلم أن الله يُربيه بأقداره، فيُحسن الأدب.
وإن كان العبد من أهل الاستقامة فيرجو أن يكون الابتلاء مبلغه منزلة عظيمة، فيتجرع المُصيبة ويستعذبها، وإن كان من العصاة كان قدر الله له بمثابة الإفاقة له من غفلته فيلحقُ بأهل الطاعة، وُيسارع إلى التوبة والإنابة.

الثاني: يَهْدِ قَلْبَهُ للاسترجاع، وهو أنْ يَقُولَ: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، قاله مقاتل بن حيان.
والمعنى أن الله يوفقه ليسترجع، وهذا كقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، وهى كلمة عظيمة من قالها موقنا بها عالما بمعناها أبدله الله خيرا، ولنا في أم سلمة رضي الله عنها الأسوة إذا استرجعت بعد وفاة زوجها وكان من خير الرجال، فأبدلها الله تعالى بخير البشر، وأفضل الرسل صلى الله عليه وسلم .

والثالث: أنه إذا ابتلي صبر، وإذا أُنعم عليه شكر، وإذا ظُلم غفر. قاله ابن السائب وابن قتيبة.
فالمؤمن الصادق يُعرف عند المصائب، فإن النعم الكل يُطلبها، وإن كان قليل من يَشكُرها، فتنزل المصائب والابتلاءات ليستخرج الله بها من قلوبِ عباده الصبر والرضا وغيرها من العبادات كالذل والخضوع، والانكسار بين يديه سبحانه، ويستنطق ألسنتهم بالحمد والاسترجاع، ليُثيبهم على ما وفقهم إليه.
وقد جاء في هذا المعنى حديث أورده ابن كثير في تفسيره :"عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ"(متفق عليه.
"وكذلك روى أبو هريرة رضي الله عنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يصب منه" فالخير كل الخير فيما يُقدّره العليم الحكيم.

الرابع: يَهْدِ قلبَه، أي يجعله مُهتَدِيا، قاله الزجاج.
والمعنى أن من صبر ورضي واستسلم، جُعل من المهتدين المُبصرين بنور الله الذي قذفه في قلوبهم، فصاروا يميزون بين الحق والباطل، قد وُفقوا لاتباع الهدى.

الخامس:يَهْدِ وليَّه بالصبر والرضى، قاله أبو بكر الورزاق.
السادس: يًهْدِ قلبه لاتباع السُنة إذ صح إيمانه، قاله أبو عثمان الحيري.

القراءات الواردة في الآية:
وقد جاء في قوله تعالى: ﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ قراءات، ذكرها ابن الجوزي و ابن عطية في تفسيريهما،
-فقُرأت: " نَهْدِ قلبُهُ"، وهى قراءة عثمان ابن عفان، والضحاك، وطلحة بن مصرف، وسعيد بن جبير، والأزرق عن حمزة.
_وقُرأت " يُهْدَ قلبُهُ"، وهى قراءة علي ابن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن، والضحاك.

وهاتان القراءتان أصل الفعل فيهما من الهداية وهو ما اخُتص به الله وحده، فهو سبحانه مالك العباد وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه يُقلبها ويُصرفها كيف شاء، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، وقد كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم يا مقلب القلب ثبت قلوبنا على دينك"، فالذي يهدي القلوب هو خالقها ومالكها، فلا تجعل في مُلكه شريكا له.
-وقُرأت :"يَهْدَ قلبُهُ" وهى قراءة أبو بكر الصديق وعاصم الجحدري وأبو نهيك.
وقد قال الزجاج أنها من هدأ يهدأ من الهدوء والسكون. فيكون المعنى: يسكن قلبه، لأنه استسلم لأمر الله.

وهذه القراءات بينها تلازم فمن يهدي الله قلبَه، يُنزل عليه السكينة، فيهدأ قلبه ويطمئن، وليس هذا لأحد إلا للمؤمن الصابر المستسلم لأمر الله، فلا يتسخط ولا يتفوه بما لا يرضي الله لأن نفسه قد امتلأت رضا عن فعل ربه فيه، قد أسلم له وجهه، وما التفت القلب لغيره، وهذه نعمة عظيمة وفضل.

وقوله: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ : ختم الله سبحانه وتعالى الآية بما يُرغب العبد في تحقيق الإيمان الحق بالله ، وبما يزيد من طمأنينة النفس، وسكون القلب، فأخبر سبحانه أنه بكل شيء عليم، بكل ما ظهر لك، وبكل ما خفي عنك، وبكل ما مضى من أمرك، وبكل ما هو آت ، فلا يخفى عليه أمرك، بل هو أعلم بحالك منك، ويعلم حقيقة ما وقر في قلبك من إيمان صادق، وإخلاص، واستسلام كامل لأمره الكوني والشرعي، ورضا بأفعاله سبحانه وإن بدى ظاهرها مؤلم، فماذا بعد هذا الخبر يُقلقك ويجعل نفسك مضطربة خائفة؟!

والخبر عن علم الله يأتي أحيانا ليكون بمثابة التسكين للنفس، فمن ظُلم أو قُهر أو قدرت عليه مُصيبة أو نزلت به نازلة فالله عليم بحاله، قد قدّر عليه ما أصابه، فلا ييأس ولا يحزن، بل يرضى ويُسلم، لأن الله يعلم ما يُصلحه، ويعلم ما حل به، بهو من قدره، كما هو المعنى في آية التغابن، ويكون الخبر عن علم بمثابة التحذير للعبد بأن الله مطلع على حاله عليم بباطنه وظاهره، ومحاسبه على ما يصدر منه، وما فسد من نوايا قلبه، كقوله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾.

العلاقة بين الإيمان والهداية:

وفي الآية تظهر علاقة غاية في الأهمية، غاية في الوضوح: ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾، فعلى قدر إيمان العبد تكون الهداية الربانية والتوفيق والسداد والنصر والولاية والتبصرة بالحق والتوفيق لاتباعه، وكُلما خُدش الإيمان، قل نصيب العبد من الهداية، حتى يكون ممن يُعبد الله على حرف، فيُحرم الهداية ويسقط عند أول نازلة تلم به.
ويكون المعنى أن من آمن بالله هُدى، ومن كفر به ضل وغوى، وصارت المُصيبة عنده مصائب، وضاق صدره، وتشتت قلبه، وحُرم التوفيق والنصر.

فالعبد حاجته للهداية عظيمة، فبها يُبصر ويُوفق ويُسدد في كل شأنه، فلا يستطيع أن يخطو خطوة إلا إذا هُدى فيها، ولعل أبرز ما يدل على شدة حاجة العباد للهداية أن جعل الله الدعاء بها يُكرر في اليوم والليلة، ففي كل صلاة يسأل العبد لنفسه ولإخوانه الهداية راجيا إياها متشوقاً قلبه لبلوغ أعلى منازلها، طالبها ممن يملكها قائلا:" اهدنا الصراط المستقيم" فما أعظم هذا الدعاء وما أسعد من فاز بإجابة سؤله.
و إذا علم العبد أن حصول المنازل العُليا من الهداية سبيلها زيادة الإيمان، فإنه يسعى في زيادته وكما هو معلوم أن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته تكون بالطاعة، ونقصه باقتراف المعاصي، فإن العبد يجتهد في الاعتناء بمحل الإيمان وهو القلب، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ألَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ"، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"، فّإذا علم العبد أن صلاح شأنه متوقف على سلامة قلبه، فذلك يستلزم أن يولي قلبه فائق العناية والرعاية، وأن يكون أشد حرصا عليه من البخيل على ماله، فلا يضعه في مهب الشبهات والشهوات، تأخذه شبهة، وتعصف به شهوة، ويظل يتردد في دوامات من الظلمات.

الله الهادي:

ومناسبة الحديث عن هذا الاسم العظيم واضحة فسبب العلاقة بين الإيمان والهداية، نحتاج أن نعرف من بيده الهداية ومن الذي نطلبها منه.
وقد ورد هذا الاسم العظيم في القرآن الكريم في موضعين بصيغة الاسم في قول الله تعالى : ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾، وفي آية التغابن قد ورد بصيغة الفعل، فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ والهداية المقصودة في هذه الآية هى هداية الله لعباده الذين حققوا الإيمان، وكانت قلوبهم مقراً له، فيهديهم ويشرح صدورهم ، وينزل على قلوبهم السكينة ويملؤها بالرضا ويُبصرهم بما فيه صلاحهم، و هذه الهداية لا تكون إلا لمن حقق الإيمان بالله، فتستوي عنده المصيبة والنعمة فكلاهما من عند الله، فيشكر الله على المصيبة كما يشكره على النعمة، وهذه منزلة اصة لا تكون إلا لمن صُلح قلبه، وسَلِمَ إيمانه.

العلاقة بين الآية واسم السورة:

وإن كان نصيب المؤمن الهداية، فإن نصيب الكافر هو الغواية والضلال، فمن يكفر ويتسخط يُحرم الهداية، فتتحول مُصيبته إلى مصائب، ويكثُر ضيقه ويزداد هماً وغماً، ويكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة، المحرومين من الخير والبركة، ومن هنا سنتكلم عن علاقة هذه الآية باسم السورة، فقد وردت هذه الآية في سورة التغابن، والتغابن من أسماء يوم القيامة وقد قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ فما معنى التغابن؟
أورد البقاعي في تفسيره كلاما حسنا عن بيان معنى التغابن، فقال: "ومادَّةُ ”غَبَنَ“ تَدُورُ عَلى الخَفاءِ مَن مَغابِنِ الجَسَدِ وهي ما يَخْفى عَنِ العَيْنِ، وسُمِّيَ الغَبْنُ في البَيْعِ - لِخَفائِهِ عَنْ صاحِبِهِ، فالكافِرُ والظّالِمُ يَظُنُّ أنَّهُ غَبْنُ المُؤْمِنِ بِنَعِيمِ الدُّنْيا الَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ الكافِرُ، وبِالنَّقْصِ الَّذِي أدْخَلَهُ الظّالِمُ عَلى المَظْلُومِ، وقَدْ غَبَنَهُما المُؤْمِنُ والمَظْلُومُ عَلى الحَقِيقَةِ بِنَعِيمِ الآخِرَةِ وكَمالِ جَزائِها العَظِيمِ الدّائِمِ."اهـ.
"والغَبْنُ: ظُهُورُ النُّقْصانِ لِلْحَظِّ النّاشِئِ عَنْ خَفاءٍ".اهـ.

وقد سُمي يوم القيامة ب"يوم التغابن"، لأن فيه يظهر للخلق كافة مَنْ غبن َمَنْ ، ولا غُبن أعظم مما يقع في ذلك اليوم، فكما يظهر كمال مُلك الله للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم، وتتجلى للجميع حقيقة مُلك الله يوم القيامة كما جاء في قوله تعالى: "مالك يوم الدين" ، فكذلك تظهر للخلق حقيقة مَنْ الغابن ومَنْ المغبون في ذلك اليوم.

فالكافر يعتقد أنه غبن المؤمن بأن استمتع بملذات الدنيا، والظالم يعتقد أنه غبن المظلوم باغتصاب حقه، ولما كان الحال كذلك في الدنيا، وأن المؤمن والمظلوم يفوتهما ما لا يفوت الكافر والظالم من الاستمتاع والتنعم، جاءت هذه الآية موضوع الرسالة، لتكون لكل من ظن أنه بُخس حقه وفاته الخيرهى المُسكنة للآلم القلوب، والمُذّهبة لضيق النفوس، كلما رددها المُصاب المحزون متدبرا لها ، متفكرا فيما حوته من معان عظيمة، جلت همومه وغمومه.

ومن خلال ما تعرضنا له من معنى الآية ، وبعد أن علمنا معنى التغابن، فيُمكن أن نستنتج من هو المغبون، المغبون هو من كفر، وتسخط وجزع، وتشتت قلبه، المغبون هو من كان يعبد الله على حرف، فما أن تصيبه شوكة تصل شكواه إلى عنان السماء، فيذهب يتسخط ويسب ويلعن ، ولربما ارتد على عقبيه، فهذا ما تعلَّم عن الله، ولا فَقِهَ أسماءه وصفاته، وما تفكر في أن لله في كل فعل من أفعاله حكمة، المغبون هو الذي تعلق قلبه بالأسباب إن وُجدت اطمأن، وإن زالت جزع، المغبون هو الذي ما علم الحكمة من خَلْقِه، ولا علم حقيقة الدنيا التي أخبر الله عنها بقوله تعالى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾، فالمغبون هو من تنافس في الدنيا من أجلها، وانشغل بها عن الآخرة، فخسرهما معا، وما أشد خسرانه، وما أعظم غبنه.

السياق الذي وردت فيه الآية، والعلاقة بينهما:

قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)﴾.
فبعد أن وعد الله عز وجل عباده بالهداية إن هم حققوا الإيمان، أرشدهم إلى ما يزيد به إيمانهم فقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فأمرهم بطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل لنيل هدايته إلا بلزوم طاعته، وتحقيق تقواه بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه، واتباع سنُة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك أفضل ما يكون من العبد تجاه ربه ومولاه، أن يتلمس مواقع رضاه، ويحذر مواقع سخطه، فتكن أفعاله وأقواله في ميزان حسناته، يتبع آثار نبيه صلى الله عليه وسلم معظماً سنته.
وقد حذر المولى تبارك وتعالى عباده إن هم تولوا وأعرضوا واستحبوا العمى على الهدى فقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ فلما جاءهم البلاغ فقد قامت عليهم الحجة، وأصبح ذلك دليلا عليهم، فإن خالفوه فلا يلومن كل مُعرض إلا نفسه.
ثم يخبر سبحانه عن ألوهيته مُرشدا عباده لتحقيق الإخلاص له والتوكل عليه حيث قال تعالى:
: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ، فهو المستحق للعبادة وحده، فهو خالق العباد ومالكهم، ومصرف أمورهم ومدبر شؤونهم، فكان واجب المؤمنون التعلق به وحده، والتوكل عليه وحده، وتفويض الأمر إليه وحده، فكما أن الهداية متعلقة بالإيمان كذلك التوكل.

وما كانت هذه الرسالة إلا تذكرة لعل هناك من ينتفع بها وما أشد حاجة المؤمن للتذكرة وقد قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فانظر في خاصة نفسك لتعلم حقيقة الإيمان في قلبك، فالمصائب تنزل بالعبد تمحصه، وتستخرج ما كُمن في القلب من حقائق، فإما صادق فتزيده المصائب إيمانًا، وإما منافق مُدعٍ تزيده المصائب خُسراناً.
و احفظ قلبك لأنه محل الإيمان، فإن انشغل بالدنيا وامتلأ بها زلت القدم من أصغر مصيبة، واجعله تعلقه وتوكله على من بيده الهداية وحده.

و﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 19 محرم 1440هـ/29-09-2018م, 11:17 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تطبيقات على درس الأسلوب الوعظي

التعليق العام :

نفع الله بكم جميعا وأحسن إليكم وثبتكم على طريق العلم .
بعض التنبيهات حول كتابة الرسائل التفسيرية بأسلوب الوعظ.

- بعد انتهائك من كتابة الرسالة لابد من إعادة قراءتها وملاحظة وجود ركائزها من:
التبصير بما يُراد الحديث عنه والتذكير به، والتأثير على نفس المتلقي بالتبشير تارة والإنذار تارة أخرى، فينبغي أن تحكم عليها بنفسك وقدر تأثرك بها، لترى مدى قربها من هدفك.
- ينبغي حضور شخصيك وأسلوبك المؤثر لتحقيق القصد من رسالتك، ولا تكون مجرد مسائل مستبطة منسوخ كلام أهل العلم فيها، ولازال الكثير منكم متأثر بأسلوب التقرير العلمي على اختلاف بينكم في نسبته.
- استخراج الفوائد السلوكية بدقة ثم تضمينها في الرسالة في المواضع المناسبة، يعين على تحسين الأسلوب الوعظي.
- تحلية الرسالة بالعبارات الموجزة المنتقاة من كلام أهل العلم وحكمهم ووصاياهم، وكذلك القصص والأخبار من غير إكثار،له أثر كبير في تقوية الرسالة والتأثير على النفس.

- الاطلاع على التطبيقات الجيدة في هذا المجلس يعين على فهم المطلوب بإذن الله تعالى .


تقييم التطبيقات :
1: سعود الجهوري:أ+
أحسنت بارك الله فيك وتقبل منك .
رسالتك ممتازة وأسلوبك الوعظي ظاهر ومؤثر .

2: حليمة السلمي:أ
أحسنتِ بارك الله فيكِ وزادكِ علما .
تصويب:ما هي التقوى؟/ قوله تعالى: " إن الله خبير بما تعملون " الآية .
- أحسنتِ في استدلالكِ فيما ذكرتِ من الوسائل المعينة على التقوى بما ورد في الآية.

- يحسن بيان المعنى اللغوي وأقوال السلف بشكل مجمل ليناسب المقام الوعظي، ومما فاتكِ الإشارة إليه بيان وجه تكرار الأمر بالتقوى يما يخدم مقصد الآية ، وذكر نظائر الآية في الحثّ على التقوى .
- كان التركيز واضحا في رسالتك على تفسير قوله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله)، وكان الاختصار واضحا في بيان قول الله تعالى :( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) وكذلك في نهاية رسالتك في تفسير قوله تعالى :( إنّ الله خبير بما تعملون )، ولا تكتفي بنقل تفسير ابن كثير لها في معرض الحديث عن الوسائل المعينة على التقوى .


3: هويدا فؤاد: أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ .
أسلوبك ممتاز ومؤثر جدا وحضور الأسلوب الوعظي ظاهر، ومن الملحوظات اليسيرة أن وقوفك على قوله تعالى:( رقيب عتيد ) موجز جدا وكان الأفضل بيانك لمعناها من خلال تفسيرك للآية التي قبلها وهي قوله تعالى :( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ، وأن لكل عبد ملكين يكتبان الأعمال، ملك عن يمينه يكتب الحسنات وآخر عن شماله يكتب السيئات، وبيان أن الحفيظ بينهما هو ملك الحسنات فيكتب الحسنة مضاعفة ويأمر ملك السيئات بكتابة السيئة بمثلها، وأنّ ذلك من رحمة الله تعالى بعباده، وهو باعث للاستزادة من الأعمال الصالحة .



4: عبدالكريم الشملان :ه
بارك الله فيك ونفع بك.
الأسلوب الوعظي يرتكز في الخطاب على استحثاث محركات القلوب الثلاث ، المحبة والخوف والرجاء من خلال تفسير الآيات ، ويقوم هذا الأسلوب على بيان معاني الآيات بصورة مجملة دون التفصيل في المسائل التي ورد عن السلف أقوالا متعددة فيها ، فيعمد المفسّر حينها لذكر خلاصة القول في المسألة بأسلوب يناسب المخاطبين دون إسهاب ، فكان يحسن بك ابتداءا ذكر مقدمة تمهيدية تبين فيها موضوعك الذي ستطرق إليه .
لا يحسن ذكر الأقوال هكذا في الأسلوب الوعظي ويكفي ذكر الخلاصة الجامعة لها،وأهم ما يساعد في ربط معاني الآيات فيما بينها هي الفوائد السلوكية المستفادة بعد الاطلاع على التفاسير المتنوعة في شرح هذه الآيات .

نوصيك بمراجعة الدرس مرة أخرى والاطلاع على التطبيقات المقدمة وتطبيقات الزملاء الجيدة.


5: ناديا عبده : ب+
أحسنتِ في استدراكك للمطلوب بارك الله فيك وسددك .
فاتتكِ بعض الإشارات وهي أنّ هذه الآية هي وعد من الله تعالى بحسن العاقبة للمتقين،وبيان استحقاقهم للنعيم فتُذكر في مقدمة استهلالك للرسالة،وفي تقديم قوله تعالى :(عند ربهم ) أثر واضح في زيادة التشريف والتكريم .

كما أنّ الاستعانة بنظائر الآيات من الأفضل بيان الشاهد منها ولا نكتفي فقط بسردها ففيها من الصور مزيدا من المعاني المؤثرة للمتلقي، ثمّة أنّ الأسلوب الوعظي المطروح في الرسالة قد خالطه شيء من الأسلوب الاستنتاجي في طريقة تناولك لصور تحقيق التقوى وجزاء المتقين في الدارين.


6: وحدة المقطري:ج+
بارك الله فيك وسددكِ.
اتفقنا على أنّ الأسلوب الوعظي لا يحتاج المقام فيه للتفصيل، فالغرض منه أن يثمر عند المتلقي التبصر واليقين وصلاح العمل ، فلا داعي لذكر التفصيل بالمعنى اللغوي، وكذلك مسائل الخلاف نكتفي بذكر الراجح منها ونصوغه بما يناسب المقام ، وفي نهاية الرسالة بدا الأسلوب الاستنتاجي ظاهر.
- الآيات التي ذكرتِ كان ينبغي أن يظهر المقصد منها ذم الدنيا والحث على التزهد فيها وكثيرا مما جاء في الكتاب والسنة والآثار ما يخدم مقصد الآيات، وكان التركيز ملحوظا على ما جاء في قوله تعالى :( زرتم)، أكثر من المقصد نفسه ،فيُراعى ذلك .

7: ميمونة التيجاني:ب
بارك الله فيكِ وسددكِ.
أحسنتِ في استدراككِ لأسلوب الوعظ في الرسالة، وقد بدا الفرق واضحا بين الرسالتين ، وإليكِ أهم الملحوظات عليها:
- احرصي على قراءة الرسالة قبل اعتمادها لتفادي الأخطاء الإملائية ولإحسان الربط بين ذكر المسائل .
-لعل البدء بفضل السورة وأسمائها أنسب كمقدمة ثم تشرعين بتفسير الآيات.
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.



8: عبد الكريم محمد : أ
زادك الله إحسانا وتوفيقا ونفع بك.
رسالتك ممتازة وأسلوبك مؤثر، واصل التدرب عليه لتزداد فيه مهارة .
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.

9: إنشاد راجح:أ

أحسنت جدا بارك الله فيكِ وسددكِ وزادكِ علما .
- الأحاديث والآثار التي تذكر في الرسالة لا بد من تخريجها.
- عرضك للأقوال والتعليق عليها مفيد وممتع إذا كانت الموعظة موجهة لطلبة العلم ، وإن كان الخطاب موجّه للعامة فينبغي ذكر خلاصتها .
أسلوبك ممتاز ومؤثر ورسالتك قيّمة بارك الله فيك.
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير



بارك الله فيكم جميعا

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:39 PM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

‏تطبيق على الأسلوب الوعظي.
قال تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ‏
الآيتان تلفتان النظر إلى أهمية الإعداد والعمل لليوم الآخر وأن الإنسان محاسب على كل حركاته وسكناته، وفِي ذلك قرع ‏للقلوب الغافلة والتذكير بالحساب والجزاء،
ولفت النظر للملائكة التي تكتب على الإنسان أعماله ،قال تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ".
‏-قوله تعالى" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"
‏يخبر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يعيش في هذه الحياة الدنيا ويدب على سطح الارض فيعمل ويعمل فإن عمل صالحا مهما كان صغر حجمه ‏فإنه سوف يؤجر على هذا العمل الصالح ولو كان وزن نملة صغيرة من أعمال الخير والبر وسيجد ذلك أمامه يوم القيامة في صحائف أعماله مدوناً
‏ففي الآية حث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله ،وأبواب الطاعات ‏مشرعة أمام الإنسان سواء كانت قولية أو فعلية، ‏ذاتية أو متعدية للآخرين ،فعلى المسلم أن يبادر لعمل الأعمال الصالحة ويبدأ بالفرائض ويحافظ عليها بشروطها وهيآتها المشروعة ‏ثم ينتقل لعمل النوافل والسنن، وهي شاملة ومنوعة، كما أن من أعمال الخير ما يتعلق بأخلاق الإنسان وتصرفاته مع الآخرين وتعاونه ‏وعطفه على الناس ،وبذلك ينال رضا الله سبحانه وتعالى راجيا ثوابه وأجره ،وهو في ذلك متبصر في أحواله مراقباً لتصرفاته
‏والرؤية ليست برؤية بصر وإنما المعنى يصيبه ويناله ،
‏و مثقال الذرة الوارد هو مثل ضربه الله تعالى بأنه لا يفعل من عمل لابن آدم صغيرا ولا كبيرا إلا جوزي عليه، كما قال تعالى" إن الله لا يظلم مثقال ذرة"النساء 40، تفسير القرطبي (51/20)
‏وهذا المثال لتقريب الصورة للمسلم بأن لا يتهاون بأي عمل أو قول يعمله في حياته وليكون دافع كبير لامتثال الأوامر والانتهاء عن النواهي
‏كما أن في الآية حث للإنسان على الرغبة في الخير والبذل والإحسان للمحتاجين ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسمي هذه الآية "الجامعة الفاذة"( التحرير والتنوير(495/30)
‏والالتفات في الخطاب في هذه الآية على سبيل التنبيه والتحذير (أضواء البيان(59/9)
‏كما أن في الآية تذكير بضرورة اغتنام الوقت بالعمل الصالح وعدم التفريط به، و إشغاله بما ينفع ويفيد وبما يكون فيه الأجر والثواب
‏-قال تعالى "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"
‏في المقابل فإن الإنسان كما أنه يجزى بالخير مهما كان صغر حجم عمله ‏فإنه سوف يحاسب على أدنى أعماله مهما بلغ صغر حجمها، ثم يوفى جزاءه وفي ذلك التنبيه على ضرورة مراقبة الإنسان لنفسه وتفقد الأعمال والتصرفات وعدم الإخلال بالواجبات ‏أو إلحاق الظلم والضيم بالآخرين ‏من سوء الأخلاق أو أن يجره الهوى إلى الاعتداء على حقوق الآخرين أيا كان مقدارها ‏فإن الملائكة ترصد الأعمال في الصحائف ،وسيجد كل إنسان أعماله منشورة له يوم القيامة ،قال تعالى "فأما من أوتي كتابه بيمينه"
"وأما من أوتي كتابه بشماله"
قال الراغب في المفردات (80) "والمثقال : مايوزن به وهو من الثقل .."
‏كما أن الشر هو الذي يرغب عنه الكل "الراغب (257) ‏فإن الجزاء من جنس العمل فليحذر المسلم من اقتراف المساؤي والظلم ‏وسيجد ذلك مسطرا في صحيفة أعمالة ،وسوف يلقى الجزاء المناسب يوم القيامة بشر أعماله ،و أما الكافر الذي مات على كفره فسيجد النار شر مأوى، ‏أما العاصي فأمره إلى الله ‏سبحانه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ،حيث توزن حسناته وسيئاته وقد يعجل له العذاب في الدنيا
‏أما المجرم فسيلقى جزاءه، قال تعالى" يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام"
‏ ‏فيجدر بالمسلم أن يتحرى مواقع الصواب ويتلبس بالتقوى والخشية من الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأن يكون خوف الله ومراقبته
و تصرفاته مع الآخرين نصب عينيه حتى يلقى الله متحللا من حقوق الآخرين.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 2 صفر 1440هـ/12-10-2018م, 04:55 PM
مؤمن عجلان مؤمن عجلان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 255
افتراضي

الاسلوب الوعظي
قَوْلُهُ تَعَالَى :
 ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً  [ النبأ : 39 ]
سورة النبأ من السور المكية التي تناولت ذكر يوم القيامة بمزيد بيان وإيضاح وبعد بيان ما يحدث في يوم القيامة وعقوبة العصاة وثواب الطائعين جاء قوله تعالي في هذه الآية الوجيزة البليغة ليوضح الطريق والمنهج وليلخص الأمر في كلمات معدودة وبيانها كالتالي:
ذلك اليوم :هو يوم القيامة لاسم الإشارة ، وقد أشير إليه بالاسم الخاص بالبعيد ذلك بدلاً من هذا ، مع قرب التكلم عنه ، ولكن إما لبعده زمانياً عن زمن التحدث عنه ، وإما لبعد منزلته وعظم شأنه.
الحق : سمي حقاً لتحقق وقوعه لا محالة وأنه يحصل فيه كل الحق ، ويندمغ كل باطل وأنه اليوم الذي لا يروج فيه الباطل ، ولا ينفع فيه الكذب وأنّ الله تعالى يحكم فيه بالحق بالثواب والعقاب.
فمن شاء : وعيد وتهديد ، ومن شاء هنا نص في التخيير ، ولكن المقام ليس مقام تخيير ، وإنما هو بمثابة قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } [ الكهف : 29 ] الآية . فهو إلى التهديد أقرب ، كما أن فيه اعتبار مشيئة العبد فيما يسلك ، والله تعالى أعلم.
اتخذ إلي ربه مآبا: مرجعا وقيل سبيلا وقيل منزلا وقيل عملا وقيل اتخذ ثواباً لاستحقاقه بالعمل لأن المرجع يستحق على المؤمن والكافر .
واتخاذ المآب يكون
1- بالتصديق بهذا اليوم الحقّ.
2- والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 06:50 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالكريم الشملان مشاهدة المشاركة
‏تطبيق على الأسلوب الوعظي.
قال تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) ‏
الآيتان تلفتان النظر إلى أهمية الإعداد والعمل لليوم الآخر وأن الإنسان محاسب على كل حركاته وسكناته، وفِي ذلك قرع ‏للقلوب الغافلة والتذكير بالحساب والجزاء،
ولفت النظر للملائكة التي تكتب على الإنسان أعماله ،قال تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ".
‏-قوله تعالى" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"
‏يخبر الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يعيش في هذه الحياة الدنيا ويدب على سطح الارض فيعمل ويعمل فإن عمل صالحا مهما كان صغر حجمه ‏فإنه سوف يؤجر على هذا العمل الصالح ولو كان وزن نملة صغيرة من أعمال الخير والبر وسيجد ذلك أمامه يوم القيامة في صحائف أعماله مدوناً
‏ففي الآية حث لأهل الدنيا على العمل بطاعة الله ،وأبواب الطاعات ‏مشرعة أمام الإنسان سواء كانت قولية أو فعلية، ‏ذاتية أو متعدية للآخرين ،فعلى المسلم أن يبادر لعمل الأعمال الصالحة ويبدأ بالفرائض ويحافظ عليها بشروطها وهيآتها المشروعة ‏ثم ينتقل لعمل النوافل والسنن، وهي شاملة ومنوعة، كما أن من أعمال الخير ما يتعلق بأخلاق الإنسان وتصرفاته مع الآخرين وتعاونه ‏وعطفه على الناس ،وبذلك ينال رضا الله سبحانه وتعالى راجيا ثوابه وأجره ،وهو في ذلك متبصر في أحواله مراقباً لتصرفاته
‏والرؤية ليست برؤية بصر وإنما المعنى يصيبه ويناله ،
‏و مثقال الذرة الوارد هو مثل ضربه الله تعالى بأنه لا يفعل من عمل لابن آدم صغيرا ولا كبيرا إلا جوزي عليه، كما قال تعالى" إن الله لا يظلم مثقال ذرة"النساء 40، تفسير القرطبي (51/20)
‏وهذا المثال لتقريب الصورة للمسلم بأن لا يتهاون بأي عمل أو قول يعمله في حياته وليكون دافع كبير لامتثال الأوامر والانتهاء عن النواهي
‏كما أن في الآية حث للإنسان على الرغبة في الخير والبذل والإحسان للمحتاجين ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسمي هذه الآية "الجامعة الفاذة"( التحرير والتنوير(495/30)
‏والالتفات في الخطاب في هذه الآية على سبيل التنبيه والتحذير (أضواء البيان(59/9)
‏كما أن في الآية تذكير بضرورة اغتنام الوقت بالعمل الصالح وعدم التفريط به، و إشغاله بما ينفع ويفيد وبما يكون فيه الأجر والثواب
‏-قال تعالى "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"
‏في المقابل فإن الإنسان كما أنه يجزى بالخير مهما كان صغر حجم عمله ‏فإنه سوف يحاسب على أدنى أعماله مهما بلغ صغر حجمها، ثم يوفى جزاءه وفي ذلك التنبيه على ضرورة مراقبة الإنسان لنفسه وتفقد الأعمال والتصرفات وعدم الإخلال بالواجبات ‏أو إلحاق الظلم والضيم بالآخرين ‏من سوء الأخلاق أو أن يجره الهوى إلى الاعتداء على حقوق الآخرين أيا كان مقدارها ‏فإن الملائكة ترصد الأعمال في الصحائف ،وسيجد كل إنسان أعماله منشورة له يوم القيامة ،قال تعالى "فأما من أوتي كتابه بيمينه"
"وأما من أوتي كتابه بشماله"
قال الراغب في المفردات (80) "والمثقال : مايوزن به وهو من الثقل .."
‏كما أن الشر هو الذي يرغب عنه الكل "الراغب (257) ‏فإن الجزاء من جنس العمل فليحذر المسلم من اقتراف المساؤي والظلم ‏وسيجد ذلك مسطرا في صحيفة أعمالة ،وسوف يلقى الجزاء المناسب يوم القيامة بشر أعماله ،و أما الكافر الذي مات على كفره فسيجد النار شر مأوى، ‏أما العاصي فأمره إلى الله ‏سبحانه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ،حيث توزن حسناته وسيئاته وقد يعجل له العذاب في الدنيا
‏أما المجرم فسيلقى جزاءه، قال تعالى" يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام"
‏ ‏فيجدر بالمسلم أن يتحرى مواقع الصواب ويتلبس بالتقوى والخشية من الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأن يكون خوف الله ومراقبته
و تصرفاته مع الآخرين نصب عينيه حتى يلقى الله متحللا من حقوق الآخرين.
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
وإليك بعض الملحوظات :
- فاتك أن تذكر في المقدمة أيضا سياق الآيات والإشارة لعنصر الترغيب الذي ظهر في الآية الأولى في الحثّ على عمل الخير .
- لو حلّيت رسالتك ببعض الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم حول الآيات لكان أتمّ، وفي رجوعك لتفسير ابن جرير مزيد فائدة .
- لابن عباس قول كان يجدر بك ذكره في بيان انّ المؤمن يرى العقوبة على معصيته في الدنيا ولا يعاقَبْ عليه في الآخرة إذا مات، ويُتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرّة من خير يُقْبلْ منه، ويضاعفْ له في الآخرة، وأما الكافر فما عمل من خير يَرَهُ في الدنيا، ولا يُثاب عليه في الآخرة.
الدرجة: أ
تم خصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 29 صفر 1440هـ/8-11-2018م, 06:54 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مؤمن عجلان مشاهدة المشاركة
الاسلوب الوعظي
قَوْلُهُ تَعَالَى :
 ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً  [ النبأ : 39 ]
سورة النبأ من السور المكية التي تناولت ذكر يوم القيامة بمزيد بيان وإيضاح وبعد بيان ما يحدث في يوم القيامة وعقوبة العصاة وثواب الطائعين جاء قوله تعالي في هذه الآية الوجيزة البليغة ليوضح الطريق والمنهج وليلخص الأمر في كلمات معدودة وبيانها كالتالي:
ذلك اليوم :هو يوم القيامة لاسم الإشارة ، وقد أشير إليه بالاسم الخاص بالبعيد ذلك بدلاً من هذا ، مع قرب التكلم عنه ، ولكن إما لبعده زمانياً عن زمن التحدث عنه ، وإما لبعد منزلته وعظم شأنه.
الحق : سمي حقاً لتحقق وقوعه لا محالة وأنه يحصل فيه كل الحق ، ويندمغ كل باطل وأنه اليوم الذي لا يروج فيه الباطل ، ولا ينفع فيه الكذب وأنّ الله تعالى يحكم فيه بالحق بالثواب والعقاب.
فمن شاء : وعيد وتهديد ، ومن شاء هنا نص في التخيير ، ولكن المقام ليس مقام تخيير ، وإنما هو بمثابة قوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } [ الكهف : 29 ] الآية . فهو إلى التهديد أقرب ، كما أن فيه اعتبار مشيئة العبد فيما يسلك ، والله تعالى أعلم.
اتخذ إلي ربه مآبا: مرجعا وقيل سبيلا وقيل منزلا وقيل عملا وقيل اتخذ ثواباً لاستحقاقه بالعمل لأن المرجع يستحق على المؤمن والكافر .
واتخاذ المآب يكون
1- بالتصديق بهذا اليوم الحقّ.
2- والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله
بارك الله فيك ونفع بك.
اجتهادك طيب إلا أنّه لأسلوب التقرير العلمي أقرب.
كما أنّه معتمد على النقل وقد غاب أسلوبك فيه.
أوصيك بمراجعة الدرس وملاحظة أهم سمات هذا الأسلوب.

الدرجة:ج

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 13 ربيع الأول 1440هـ/21-11-2018م, 11:25 AM
عنتر علي عنتر علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 220
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تطبيق على الأسلوب الوعظي
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونثنى عليه الخير كله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، قال فة محكم كتابه : { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ... } ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، صل الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
يقول تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك (٢)
هذه الآية الكريمة تتضمن ثلاثة مقاطيع فى كل منها اتعاظ للخلق والتبصير لهم وارشادهم إلى ما هو خير لهم فى دينهم ودنياهم ، واخاذ الزاد من دنياه لآخرته ، والاعتراف بعظمة الله تعالى وشدة بطشه على العصاة ، وسعة رحمته وغفرانه على الطائعين .

المقطع الأول : قوله تعالى : { الذى خلق الموت والحياة ... }
فالموت والحياة ضدان ، والموت انعدام الحياة ، والموت والحياة معنيان يتعاقبان جسم الحيوان ، فيرتفع أحدهما بحلول الآخر ، ويعنى هذا أن الموت أمرٌ وجوديٌّ لأنّه مخلوقٌ .
[المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي: 8/ 351-352]

ففى المقطع الأول يخبر الله سبحانه وتعالى عن خلقه للموت والحياة ، فهما من مخلوقات الله كما دلت الآية عليها صريحة ، وهي كقوله تعالى : { خلق السماوات والأرض فى يومين ... }فصلت (١٢) وقوله تعالى : { خلق الإنسان علمه البيان }الرحمن (٣-٤) وقوله تعالى : { والأنعام خلقها ... }النحل (٥) وغيرها من الآيات التى تصرح بخلق الله تعالى للمخلوقات جميعا .
فإذا كان الموت مخلوقا كسائر المخلوقات فإنها ستفنى كما ستفنى الخلائق أجمعين ، والحياة معدومة من كل شيء ثم تحيا من جديد . فقد كتب الله تبارك وتعالى الفناء على كل شيء ، والبقاء له وحده .
فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام فى قوله : { خلق الموت } قال : " أذل الله ابن آدم بالموت ، وفى رواية – بنى آدم – وجعل الدنيا دار فناء ، وجعل الآخرة دار بقاء وجزاء " . [تفسير عبد الرزاق: 2/ 304]
وروي عنه عليه الصلاة والسلام : " أنه يجاء بالموت يوم القيامة فى صورة كبش فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون من هذا ؟ فيقولون : " نعم " ، ثم يقال لأهل النار : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : يا رب هذا الموت ، فيسحط سحطا أي : يذبح ذبحا ، ثم يقال : " خلود لا موت فيه " [تفسير عبد الرزاق: 2/ 304] [جامع البيان: 23 / 118-119]
فإذا علم العبد المؤمن بمصير أمره ، وأنه وإن طالت سلامته فى هذه الدنيا ، سوف يحمل يوما على آلة حدباء ، فإنه يقشعر من ذلك اليوم ، ويخشى وقوفه بين يدي ربه تبارك وتعالى ، فيحسن أعماله ابتغاء وجه ربه سبحانه وتعالى .
ومعنى {خلق الموت والحياة}: خلق لكم الحياة ليختبركم فيها وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم بأعمالكم.

وأما المقطع الثانى : فقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا ... }
الابتلاء بمعنى الاختبار ، واللام من ( ليبلوكم ) السببية ، يعنى كان سبب خلقه تعالى للموت والحياة ابتلاء خلقه واختبارهم حتى يعلم الصالح منهم من الطالح .
وقوله : { أيكم أحسن عملا } أي : فينظر أي العباد يحسن أعماله وطاعته لله ابتغاء وجهه ، وأيهم أسرع إلى طلب رضوان الله ، فيحسن الذكر للموت كما فى قوله عليه الصلاة والسلام : " أكثروا من ذكر حاذم اللذات – الموت – " فيخاف الله ويحذر من بطشه وعذابه ، فيعلم أيكم أحسن عملا علم ما وقع ، واللّه -عزّ وجلّ- قد علم ما يكون منهم إلا أنّ الجزاء يجب بوقوع العمل منهم .
وقيل : { أيكم أحين عملا ... } أي : أحسن عقلا فى أمره تعالى ونهيه وأزهدكم فى الدنيا .
فإذا علم المؤمن أنه يبتلى بالموت ، وأن حياته بمثابة الابتلاء ، ازداد إيمانه بربه وأحسن إليه العمل واتخذ لنفسه من دنياه زادا للآخرة { فتزودوا فإن خير الزاد اتقوى واتقون يا أولى الألباب } . البقرة (١٩٧)

وأما المقطع الثالث الأخير ، فقوله تعالى : { وهو العزيز الغفور } صفتان من صفات الله الكمال " العزيز " من العزة ، أي الشديد القوي ، فهو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع ذلك غفورٌ لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن كان تعالى عزيزًا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .
فإذا علم المؤمن الصادق فى إيمانه لربه هذا ، أحسن الظن فى الله ، وأنه تعالى وإن اشتد نقمته وبطشته للعصاة ، فإنه مع ذلك غفور رحيم .
ومعنى الآية: أنّه تعالى أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيّهم أحسن عملًا؟
وقوله: {وهو العزيز} يقول: وهو القويّ الشّديد انتقامه ممّن عصاه، وخالف أمره، {الغفور} ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه). [جامع البيان: 23 / 118-119]

كما قال: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] فسمّى الحال الأوّل -وهو العدم-موتًا، وسمّى هذه النّشأة حياةً. ولهذا قال: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] { ثم إليه ترجعون } فيجازيكم بالعفو والغفران لمن أطاعه ، وبالعذاب الشديد لمن عصاه تعالى .

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 7 ربيع الثاني 1440هـ/15-12-2018م, 04:59 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلا﴾.
إن الحمد لله،نحمده ونستعينه،[font="&amp] [/font]ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدهالله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله[font="&amp] [/font]وحده لا شريك له،وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله[font="&amp] [/font]عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
وردت هذه الآية العظيمة في سورة المزمل ، وهي السورة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي وقبل تبليغ الرسالة لتثبته على ما سيلقاه من المصاعب في دعوته لقومه ،ثم دلّه سبحانه بأعظم ما يعينه على ذلك ، فأمره سبحانه بالصلاة في أفضل وآكد أوقاتها وهو قيام الليل ، ثم أمره بإشغال لسانه بالذكر والتسيبح ، ثم أمره بأعظم عبادة يشغل بها قلبه وهو التوكل على الله وتفويض أمره إليه.
فإذا علمت أنه هو{ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ} المالك المتصرف في المشارق والمغارب{ لا إلَهَ إلا هو} أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ،{ فاتَّخِذْهُ وكِيلا} أي اتخذه حافظا مدبرا لأمورك كلها فأنه سيكفيكها.
يقول ابن جرير :{فاتخذه وكيلا} أيْ: فِيما يَأْمُرُكَ، وفَوِّضْ إلَيْهِ أسْبابَكَ .
والتوكل من أعظم العبادات القلبية التي يجب أن تقوم في قلب العبد في أحواله كلها، فما معنى الوكيل ، ولماذا يحتاج الإنسان إلى وكيل؟ ومتى يحتاج الإنسان لهذا الاسم ؟ وهل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟ ثم كيف يعاملك الله إذا اتخذته وكيلا؟
والوكيل: هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو على وزن فعيل بصيغة المبالغة ومعناه : الكفيل بأرزاق العباد ، القائم عليهم بمصالحهم .
ويحتاج الإنسان لوكيل لأنه بطبيعة حاله فقير مفتقر إلى من يدبر شؤونه وأموره كلها ، فطالما هو يحيا في هذه الدنيا فهو يحتاج إلى من يوكل إليه أمره ، يقول تعالى مخبرا عن طبيعة الإنسان {وخلق الإنسان ضعيفا} النساء(28)
فهو ضعيف لأنه خلق من ماء مهين ، {لــَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} ، وهو ضعيف لأنه يستميله هواه وشهوته ، وهو ضعيف في أمر النساء
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا}:
" فَإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم، ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور" انتهىمن طريق الهجرتين (1/228).
فمن كان هذا حاله ، فلا يغترن بنفسه ولا يتجبر على خلقه، وليعلم أنه بحاجة لاسم الوكيل بعدد أنفاسه ، فهو كل يوم لا يخلو من حاجات واستغاثات ومخاوف وكربات، فهو محتاج إلى كامل الصفات يصمد إليه في جميع شؤونه ، يصرف أمره ، يؤمن مخاوفه ، ينير بصيرته ، ويخرجه من الظلمات إلى النور ، لذلك يقول الله سبحانه لك في هذه الآية ، فكما أفردته في العبادة فأفرده بالتوكل.
فكيف يكون إفراده بالتوكل؟
إفراده بالتوكل هو أن لا يكون في قلبك غيره ، وأن يمتلأ قلبك ثقة بما يدبره لك وأنه حكيم وأنه لا يصدر منه إلا كل خير فهو موصوف بالكمال ، وأن ترضى بأفعال الله وتسلم ولا تتسخط ، وأن تتيقن بأن كل من أسهم في تدبير شؤونك ، قد فعل ذلك لأن الله وحده هو الذي سخره ليكون سببا في وصولك لمصالحك ، وأن المدبر وحده هو الله سبحانه وتعالى.
ولكن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟
قال البقاعي: وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ليكون متوكلاً في السبب، منتظراً المسبب، فلا يهمل الأسباب ويتركها طامعاً في المسببات، لأنه حينئذ يكون كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب.
فإذا قلت: أن هذا الكون خلق على مبدأ التسبب ، , وأن كل شيء يكون له سبب ،فاعلم أنه الله هو خالق تلك الأسباب ، وأنه هو وحده الذي يهديك للسبب ، وأنه وحده سبحانه يستطيع أن ينفعك به ، وأنه من تمام التوكل هو عدم التعلق بالأسباب ، وإنما التعلق بالمسبب ، وأن تستغيث به وحده في أن يسخر لك الأسباب ويهديك لها ، ثم ينفعك بها . واستغث بالله أن لا تكون هذه الأسباب سببا في الحول بينك وبين الله ، فكم من رجل تعلق بالأسباب حتى أفسد عليه صدق توكله على ربه.
فإذا صدقت في اتخاذ وكيلا ، فكيف سيعاملك سبحانه؟
أخرج البخاري في صحيحه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عن قصص لبني إسرائيل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ).
(فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ. فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
فانظر كيف سبحانه يدبر أمر من توكل عليه ، فيستحيل أن يخذل الله سبحانه من اتخذه وكيلا ، فالرجل من بني إسرائيل لم يطلب شهودا ولم يوثق عهودا وإنما صدق في توكله ، فصدق الله معه.
فهو سبحانه يأمرك بأن تتخذه وكيلا في كل أحوالك ، فإذا خفت سوء تدبير أحد لك فاتخذه وكيلا ، وإذا مكر بك أحد فاتخذه وكيلا ، وإذا ضاق صدرك وعجزت عن تصديق الناس لك فاتخذه وكيلا ، فهو كافيك لا محاله ، ناصرك ولو بعد حين. يقول تعالى:
{آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران(173)
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلا} النساء (81)
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكيل} هود 12
فإذا علمت أن وكيلك كامل الصفات ، رحيم ، فلا تظنه لا يرحمك وأنت منكسر بين يديه تستغيث به ، كريم يستحي أن يرد يدي عبده خاليتين ، قدير لا يعجزه تدبير أمرك ، عزيز خضع لعزته كل شيء ، يعز أولياؤه وينصرهم ولو بعد حين ، ويذل أعدائه، فاطمئن واتخذه وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن لا تتخذ معه غيره وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن تتعلق به وحده دون الأسباب ، ووحده بالتوكل بالرضى عنه فيما دبر من أمرك ، فقد وصف نفسه بالعليم الحكيم ، فهو لا يدبر لك إلا الخير لسابق علمه وحكمته فيما يصلح من أمرك.

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 7 ربيع الثاني 1440هـ/15-12-2018م, 05:04 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

تفسير قوله تعالى: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلا﴾.
إن الحمدلل، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وردت هذه الآية العظيمة في سورة المزمل ، وهي السورة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي وقبل تبليغ الرسالة لتثبته على ما سيلقاه من المصاعب في دعوته لقومه ،ثم دلّه سبحانه بأعظم ما يعينه على ذلك ، فأمره سبحانه بالصلاة في أفضل وآكد أوقاتها وهو قيام الليل ، ثم أمره بإشغال لسانه بالذكر والتسيبح ، ثم أمره بأعظم عبادة يشغل بها قلبه وهو التوكل على الله وتفويض أمره إليه.
فإذا علمت أنه هو{ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ} المالك المتصرف في المشارق والمغارب{ لا إلَهَ إلا هو} أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ،{ فاتَّخِذْهُ وكِيلا} أي اتخذه حافظا مدبرا لأمورك كلها فأنه سيكفيكها.
يقول ابن جرير :{فاتخذه وكيلا} أيْ: فِيما يَأْمُرُكَ، وفَوِّضْ إلَيْهِ أسْبابَكَ .
والتوكل من أعظم العبادات القلبية التي يجب أن تقوم في قلب العبد في أحواله كلها، فما معنى الوكيل ، ولماذا يحتاج الإنسان إلى وكيل؟ ومتى يحتاج الإنسان لهذا الاسم ؟ وهل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟ ثم كيف يعاملك الله إذا اتخذته وكيلا؟
والوكيل: هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو على وزن فعيل بصيغة المبالغة ومعناه : الكفيل بأرزاق العباد ، القائم عليهم بمصالحهم .
ويحتاج الإنسان لوكيل لأنه بطبيعة حاله فقير مفتقر إلى من يدبر شؤونه وأموره كلها ، فطالما هو يحيا في هذه الدنيا فهو يحتاج إلى من يوكل إليه أمره ، يقول تعالى مخبرا عن طبيعة الإنسان {وخلق الإنسان ضعيفا} النساء(28)
فهو ضعيف لأنه خلق من ماء مهين ، {لــَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} ، وهو ضعيف لأنه يستميله هواه وشهوته ، وهو ضعيف في أمر النساء
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا}:
" فَإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم، ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور" انتهى من طريق الهجرتين (1/228).
فمن كان هذا حاله ، فلا يغترن بنفسه ولا يتجبر على خلقه، وليعلم أنه بحاجة لاسم الوكيل بعدد أنفاسه ، فهو كل يوم لا يخلو من حاجات واستغاثات ومخاوف وكربات، فهو محتاج إلى كامل الصفات يصمد إليه في جميع شؤونه ، يصرف أمره ، يؤمن مخاوفه ، ينير بصيرته ، ويخرجه من الظلمات إلى النور ، لذلك يقول الله سبحانه لك في هذه الآية ، فكما أفردته في العبادة فأفرده بالتوكل.
فكيف يكون إفراده بالتوكل؟
إفراده بالتوكل هو أن لا يكون في قلبك غيره ، وأن يمتلأ قلبك ثقة بما يدبره لك وأنه حكيم وأنه لا يصدر منه إلا كل خير فهو موصوف بالكمال ، وأن ترضى بأفعال الله وتسلم ولا تتسخط ، وأن تتيقن بأن كل من أسهم في تدبير شؤونك ، قد فعل ذلك لأن الله وحده هو الذي سخره ليكون سببا في وصولك لمصالحك ، وأن المدبر وحده هو الله سبحانه وتعالى.
ولكن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟
قال البقاعي: وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ليكون متوكلاً في السبب، منتظراً المسبب، فلا يهمل الأسباب ويتركها طامعاً في المسببات، لأنه حينئذ يكون كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب.
فإذا قلت: أن هذا الكون خلق على مبدأ التسبب ، , وأن كل شيء يكون له سبب ،فاعلم أنه الله هو خالق تلك الأسباب ، وأنه هو وحده الذي يهديك للسبب ، وأنه وحده سبحانه يستطيع أن ينفعك به ، وأنه من تمام التوكل هو عدم التعلق بالأسباب ، وإنما التعلق بالمسبب ، وأن تستغيث به وحده في أن يسخر لك الأسباب ويهديك لها ، ثم ينفعك بها . واستغث بالله أن لا تكون هذه الأسباب سببا في الحول بينك وبين الله ، فكم من رجل تعلق بالأسباب حتى أفسد عليه صدق توكله على ربه.
فإذا صدقت في اتخاذ وكيلا ، فكيف سيعاملك سبحانه؟
أخرج البخاري في صحيحه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عن قصص لبني إسرائيل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ).
(فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ. فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
فانظر كيف سبحانه يدبر أمر من توكل عليه ، فيستحيل أن يخذل الله سبحانه من اتخذه وكيلا ، فالرجل من بني إسرائيل لم يطلب شهودا ولم يوثق عهودا وإنما صدق في توكله ، فصدق الله معه.
فهو سبحانه يأمرك بأن تتخذه وكيلا في كل أحوالك ، فإذا خفت سوء تدبير أحد لك فاتخذه وكيلا ، وإذا مكر بك أحد فاتخذه وكيلا ، وإذا ضاق صدرك وعجزت عن تصديق الناس لك فاتخذه وكيلا ، فهو كافيك لا محاله ، ناصرك ولو بعد حين. يقول تعالى:
{آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران(173)
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلا} النساء (81)
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكيل} هود 12
فإذا علمت أن وكيلك كامل الصفات ، رحيم ، فلا تظنه لا يرحمك وأنت منكسر بين يديه تستغيث به ، كريم يستحي أن يرد يدي عبده خاليتين ، قدير لا يعجزه تدبير أمرك ، عزيز خضع لعزته كل شيء ، يعز أولياؤه وينصرهم ولو بعد حين ، ويذل أعدائه، فاطمئن واتخذه وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن لا تتخذ معه غيره وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن تتعلق به وحده دون الأسباب ، ووحده بالتوكل بالرضى عنه فيما دبر من أمرك ، فقد وصف نفسه بالعليم الحكيم ، فهو لا يدبر لك إلا الخير لسابق علمه وحكمته فيما يصلح من أمرك.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 8 رجب 1440هـ/14-03-2019م, 07:43 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلا﴾.
إن الحمدلله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وردت هذه الآية العظيمة في سورة المزمل ، وهي السورة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الوحي وقبل تبليغ الرسالة لتثبته على ما سيلقاه من المصاعب في دعوته لقومه ،ثم دلّه سبحانه بأعظم ما يعينه على ذلك ، فأمره سبحانه بالصلاة في أفضل وآكد أوقاتها وهو قيام الليل ، ثم أمره بإشغال لسانه بالذكر والتسيبح ، ثم أمره بأعظم عبادة يشغل بها قلبه وهو التوكل على الله وتفويض أمره إليه.
فإذا علمت أنه هو{ رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ} المالك المتصرف في المشارق والمغارب{ لا إلَهَ إلا هو} أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم ،{ فاتَّخِذْهُ وكِيلا} أي اتخذه حافظا مدبرا لأمورك كلها فأنه سيكفيكها.
يقول ابن جرير :{فاتخذه وكيلا} أيْ: فِيما يَأْمُرُكَ، وفَوِّضْ إلَيْهِ أسْبابَكَ .
والتوكل من أعظم العبادات القلبية التي يجب أن تقوم في قلب العبد في أحواله كلها، فما معنى الوكيل ، ولماذا يحتاج الإنسان إلى وكيل؟ ومتى يحتاج الإنسان لهذا الاسم ؟ وهل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟ ثم كيف يعاملك الله إذا اتخذته وكيلا؟
والوكيل: هو اسم من أسماء الله الحسنى وهو على وزن فعيل بصيغة المبالغة ومعناه : الكفيل بأرزاق العباد ، القائم عليهم بمصالحهم .
ويحتاج الإنسان لوكيل لأنه بطبيعة حاله فقير مفتقر إلى من يدبر شؤونه وأموره كلها ، فطالما هو يحيا في هذه الدنيا فهو يحتاج إلى من يوكل إليه أمره ، يقول تعالى مخبرا عن طبيعة الإنسان {وخلق الإنسان ضعيفا} النساء(28)
فهو ضعيف لأنه خلق من ماء مهين ، {لــَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} ، وهو ضعيف لأنه يستميله هواه وشهوته ، وهو ضعيف في أمر النساء
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا}:
" فَإنه ضعيف البنية، ضعيف القوة، ضعيف الإرادة، ضعيف العلم، ضعيف الصبر، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور" انتهى من طريق الهجرتين (1/228).
فمن كان هذا حاله ، فلا يغترن بنفسه ولا يتجبر على خلقه، وليعلم أنه بحاجة لاسم الوكيل بعدد أنفاسه ، فهو كل يوم لا يخلو من حاجات واستغاثات ومخاوف وكربات، فهو محتاج إلى كامل الصفات يصمد إليه في جميع شؤونه ، يصرف أمره ، يؤمن مخاوفه ، ينير بصيرته ، ويخرجه من الظلمات إلى النور ، لذلك يقول الله سبحانه لك في هذه الآية ، فكما أفردته في العبادة فأفرده بالتوكل.
فكيف يكون إفراده بالتوكل؟
إفراده بالتوكل هو أن لا يكون في قلبك غيره ، وأن يمتلأ قلبك ثقة بما يدبره لك وأنه حكيم وأنه لا يصدر منه إلا كل خير فهو موصوف بالكمال ، وأن ترضى بأفعال الله وتسلم ولا تتسخط ، وأن تتيقن بأن كل من أسهم في تدبير شؤونك ، قد فعل ذلك لأن الله وحده هو الذي سخره ليكون سببا في وصولك لمصالحك ، وأن المدبر وحده هو الله سبحانه وتعالى.
ولكن هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل؟
قال البقاعي: وليس ذلك بأن يترك الإنسان كل عمل فإن ذلك طمع فارغ بل بالإجمال في طلب كل ما ندب الإنسان إلى طلبه ليكون متوكلاً في السبب، منتظراً المسبب، فلا يهمل الأسباب ويتركها طامعاً في المسببات، لأنه حينئذ يكون كمن يطلب الولد من غير زوجة، وهو مخالف لحكمة هذه الدار المبنية على الأسباب.
فإذا قلت: أن هذا الكون خلق على مبدأ التسبب ، , وأن كل شيء يكون له سبب ،فاعلم أنه الله هو خالق تلك الأسباب ، وأنه هو وحده الذي يهديك للسبب ، وأنه وحده سبحانه يستطيع أن ينفعك به ، وأنه من تمام التوكل هو عدم التعلق بالأسباب ، وإنما التعلق بالمسبب ، وأن تستغيث به وحده في أن يسخر لك الأسباب ويهديك لها ، ثم ينفعك بها . واستغث بالله أن لا تكون هذه الأسباب سببا في الحول بينك وبين الله ، فكم من رجل تعلق بالأسباب حتى أفسد عليه صدق توكله على ربه.
فإذا صدقت في اتخاذ وكيلا ، فكيف سيعاملك سبحانه؟
أخرج البخاري في صحيحه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عن قصص لبني إسرائيل :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ. فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ).
(فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ. ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ. فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
فانظر كيف سبحانه يدبر أمر من توكل عليه ، فيستحيل أن يخذل الله سبحانه من اتخذه وكيلا ، فالرجل من بني إسرائيل لم يطلب شهودا ولم يوثق عهودا وإنما صدق في توكله ، فصدق الله معه.
فهو سبحانه يأمرك بأن تتخذه وكيلا في كل أحوالك ، فإذا خفت سوء تدبير أحد لك فاتخذه وكيلا ، وإذا مكر بك أحد فاتخذه وكيلا ، وإذا ضاق صدرك وعجزت عن تصديق الناس لك فاتخذه وكيلا ، فهو كافيك لا محاله ، ناصرك ولو بعد حين. يقول تعالى:
{آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران(173)
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلا} النساء (81)
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكيل} هود 12
فإذا علمت أن وكيلك كامل الصفات ، رحيم ، فلا تظنه لا يرحمك وأنت منكسر بين يديه تستغيث به ، كريم يستحي أن يرد يدي عبده خاليتين ، قدير لا يعجزه تدبير أمرك ، عزيز خضع لعزته كل شيء ، يعز أولياؤه وينصرهم ولو بعد حين ، ويذل أعدائه، فاطمئن واتخذه وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن لا تتخذ معه غيره وكيلا ، ووحده بالتوكل بأن تتعلق به وحده دون الأسباب ، ووحده بالتوكل بالرضى عنه فيما دبر من أمرك ، فقد وصف نفسه بالعليم الحكيم ، فهو لا يدبر لك إلا الخير لسابق علمه وحكمته فيما يصلح من أمرك.
أحسنتِ وفقكِ الله .
الدرجة: أ
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 12 رجب 1440هـ/18-03-2019م, 07:00 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عنتر علي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

تطبيق على الأسلوب الوعظي
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونثنى عليه الخير كله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إله الأولين والآخرين ، قال فة محكم كتابه : { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ... } ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، صل الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
يقول تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } الملك (٢)


هذه الآية الكريمة تتضمن ثلاثة مقاطيع فى كل منها اتعاظ للخلق والتبصير لهم وارشادهم إلى ما هو خير لهم فى دينهم ودنياهم ، واخاذ الزاد من دنياه لآخرته ، والاعتراف بعظمة الله تعالى وشدة بطشه على العصاة ، وسعة رحمته وغفرانه على الطائعين .

المقطع الأول : قوله تعالى : { الذى خلق الموت والحياة ... }
فالموت والحياة ضدان ، والموت انعدام الحياة ، والموت والحياة معنيان يتعاقبان جسم الحيوان ، فيرتفع أحدهما بحلول الآخر ، ويعنى هذا أن الموت أمرٌ وجوديٌّ لأنّه مخلوقٌ .
[المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي: 8/ 351-352]

ففى المقطع الأول يخبر الله سبحانه وتعالى عن خلقه للموت والحياة ، فهما من مخلوقات الله كما دلت الآية عليها صريحة ، وهي كقوله تعالى : { خلق السماوات والأرض فى يومين ... }فصلت (١٢) وقوله تعالى : { خلق الإنسان علمه البيان }الرحمن (٣-٤) وقوله تعالى : { والأنعام خلقها ... }النحل (٥) وغيرها من الآيات التى تصرح بخلق الله تعالى للمخلوقات جميعا .
فإذا كان الموت مخلوقا كسائر المخلوقات فإنها ستفنى كما ستفنى الخلائق أجمعين ، والحياة معدومة من كل شيء ثم تحيا من جديد . فقد كتب الله تبارك وتعالى الفناء على كل شيء ، والبقاء له وحده .
فقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام فى قوله : { خلق الموت } قال : " أذل الله ابن آدم بالموت ، وفى رواية – بنى آدم – وجعل الدنيا دار فناء ، وجعل الآخرة دار بقاء وجزاء " . [تفسير عبد الرزاق: 2/ 304]
وروي عنه عليه الصلاة والسلام : " أنه يجاء بالموت يوم القيامة فى صورة كبش فيقال : يا أهل الجنة هل تعرفون من هذا ؟ فيقولون : " نعم " ، ثم يقال لأهل النار : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : يا رب هذا الموت ، فيسحط سحطا أي : يذبح ذبحا ، ثم يقال : " خلود لا موت فيه " [تفسير عبد الرزاق: 2/ 304] [جامع البيان: 23 / 118-119]
فإذا علم العبد المؤمن بمصير أمره ، وأنه وإن طالت سلامته فى هذه الدنيا ، سوف يحمل يوما على آلة حدباء ، فإنه يقشعر من ذلك اليوم ، ويخشى وقوفه بين يدي ربه تبارك وتعالى ، فيحسن أعماله ابتغاء وجه ربه سبحانه وتعالى .
ومعنى {خلق الموت والحياة}: خلق لكم الحياة ليختبركم فيها وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم بأعمالكم.




وأما المقطع الثانى : فقوله تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا ... }
الابتلاء بمعنى الاختبار ، واللام من ( ليبلوكم ) السببية ، يعنى كان سبب خلقه تعالى للموت والحياة ابتلاء خلقه واختبارهم حتى يعلم الصالح منهم من الطالح .
وقوله : { أيكم أحسن عملا } أي : فينظر أي العباد يحسن أعماله وطاعته لله ابتغاء وجهه ، وأيهم أسرع إلى طلب رضوان الله ، فيحسن الذكر للموت كما فى قوله عليه الصلاة والسلام : " أكثروا من ذكر حاذم اللذات – الموت – " فيخاف الله ويحذر من بطشه وعذابه ، فيعلم أيكم أحسن عملا علم ما وقع ، واللّه -عزّ وجلّ- قد علم ما يكون منهم إلا أنّ الجزاء يجب بوقوع العمل منهم .
وقيل : { أيكم أحين عملا ... } أي : أحسن عقلا فى أمره تعالى ونهيه وأزهدكم فى الدنيا .
فإذا علم المؤمن أنه يبتلى بالموت ، وأن حياته بمثابة الابتلاء ، ازداد إيمانه بربه وأحسن إليه العمل واتخذ لنفسه من دنياه زادا للآخرة { فتزودوا فإن خير الزاد اتقوى واتقون يا أولى الألباب } . البقرة (١٩٧)

وأما المقطع الثالث الأخير ، فقوله تعالى : { وهو العزيز الغفور } صفتان من صفات الله الكمال " العزيز " من العزة ، أي الشديد القوي ، فهو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع ذلك غفورٌ لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن كان تعالى عزيزًا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .
فإذا علم المؤمن الصادق فى إيمانه لربه هذا ، أحسن الظن فى الله ، وأنه تعالى وإن اشتد نقمته وبطشته للعصاة ، فإنه مع ذلك غفور رحيم .
ومعنى الآية: أنّه تعالى أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيّهم أحسن عملًا؟
وقوله: {وهو العزيز} يقول: وهو القويّ الشّديد انتقامه ممّن عصاه، وخالف أمره، {الغفور} ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه). [جامع البيان: 23 / 118-119]

كما قال: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] فسمّى الحال الأوّل -وهو العدم-موتًا، وسمّى هذه النّشأة حياةً. ولهذا قال: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة: 28] { ثم إليه ترجعون } فيجازيكم بالعفو والغفران لمن أطاعه ، وبالعذاب الشديد لمن عصاه تعالى .
أجدت بارك الله فيك، وإليك بعض الملحوظات.

- لعل المقدمة التي استفتحت بها بحاجة لمزيد من الضبط وترتيب الأفكار، لأنك فصلت بين الاستفتاح بالحمد والثناء على الله تعالى وبين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بآية، ولو أتيت بمقدمة يسيرة قبل البدء بتفسير الآية لتكون بمثابة تهيئة للقارئ لكان أفضل.
- الربط بين الأفكار وحسن الانتقال بين الفقرات يعطي قوة للرسالة، وفي تفسير نظم الدرر للبقاعي ما يعينك على ذلك.
- الشواهد اللغوية يحسن عرضها ونسبتها لقائلها، كذلك ذكر رواة الحديث ومن أخرجها، دون الحاجة لذكر سلسلة السند مراعاة لمقام الوعظ.
- عنصر الترغيب لم يظهر واضحا، فوددت أن تذكر بأن المؤمن مع استعداده للموت لا ينس نصيبه من الدنيا، وأنّه يفرح بلقاء الله بعكس الكافر .
- انتبه للأخطاء اللغوية فهي تؤثر على جودة النص.
- لديك ملكة جيدة في أسلوب الوعظ فارعها اهتمامك رعاك الله.


الدرجة:ب
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir