6/19- وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: ((لا تَأْكُلُوا فِيهَا، إلَّا أَنْ لا تَجِدُوا غَيْرَهَا، فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) بِفَتْحِ الثاءِ، بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ، فَلامٌ مَفْتُوحَةٌ، فَمُوَحَّدَةٌ (الخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) بِضَمِّ الخَاءِ المُعْجَمَةِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَنُونٍ نِسْبَةً إلَى خُشَيْنِ بْنِ النَّمِرِ مِنْ قُضَاعَةَ؛ حُذِفَتْ يَاؤُهُ عِنْدَ النِّسْبَةِ؛ وَاسْمُهُ جُرْهُمٌ بِضَمِّ الجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ فَهَاءٌ مَضْمُومَةٌ، ابْنُ نَاشِبٍ بِالنُّونِ، وَبَعْدَ الأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ آخِرَهُ مُوَحَّدَةٌ، اشْتَهَرَ بكُنْيَتِه، بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَأَرْسَلَهُ إلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، نَزَلَ بالشَّامِ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: لا تَأْكُلُوا فِيهَا إلَّا أَنْ لا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ آنِيَةِ أَهْلِ الكِتَابِ، وَهَلْ هُوَ لِنَجَاسَةِ رُطُوبَتِهِمْ؟ أَوْ لِجَوَازِ أَكْلِهِمْ فيها الخِنْزِيرَ وَشُرْبِ الخَمْرِ؟ أو لِلْكَرَاهَةِ؟ ذَهَبَ إلَى الأَوَّلِ القَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الكُفَّارِ، وَهُم الهَادَوِيَّةُ وَالقَاسِمِيَّةُ، ونَصَرَه ابنُ حَزْمٍ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضاً بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وَالكِتَابِيُّ يُسَمَّى مُشْرِكاً، إذْ قَدْ قَالُوا: المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وَقالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ كَالمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ وَغَيْرِهِإلَى طَهَارَةِ رُطُوبَتِهِمْ، وَهُوَ الحَقُّ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ؛ وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ المُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَلا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بَعْدَ الِاسْتِيلاءِ وَلا كَلامَ فِيهِ.
وهذا الجوابُ بالشرحِ، وهو مبنيٌّ على أنَّ استيلاءَ أهلِ الإسلامِ على أموالِ أهلِ الشِّرْكِ مُطَهِّرٌ، ونحن لا نقولُ به؛ إذ لا دليلَ عليه, بل نقولُ: رطوبةُ الكفارِ طاهرةٌ, وما اسْتَوْلَى عليه المسلمون مِن أموالِهم طاهرةٌ أصالةً، لا أنه طُهِّرَ بالاستيلاءِ.
وإن سُلِّمَ ففي غَيْرِهِ مِن الأَدِلَّةِ غُنْيَةٌ عَنْهُ؛ فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ يَهُودِيٌّ إلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنَخَةٍ بِفَتْحِ السِّينِ المهملةِ وَفَتْحِ النُّونِ المُعْجَمَةِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ مُتَغَيِّرَةٍ.
قَالَ فِي البَحْرِ: لَوْ حَرُمَتْ رُطُوبَتُهُمْ لاَسْتَفَاضَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ نَقْلُ تَوَقِّيهِمْ لِقِلَّةِ المُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالاتِهم الَّتِي لا يَخْلُو مِنْهَا مَلْبُوساً أو مَطْعُوماً، والعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَقْضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ.
قَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ إمَّا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمْ لِلِاسْتِقْذَارِ، لا لكونِهَا نَجِسَةً؛ إذْ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَجْعَلْهُ مَشْرُوطاً بِعَدَمِ وِجْدَانِ غَيْرِهَا؛ إذ الإِنَاءُ المُتَنَجِّسُ بَعْدَ إزَالَةِ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى سَوَاءٍ، أَوْ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ المُحَرَّمِ، أَوْ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ لِمَا يُطْبَخُ فِيهَا لا لِرُطُوبَتِهِمْ كَمَا تُفِيدُه رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ: "إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِم الخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِم الخَمْرَ؟" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا)) الحَدِيثَ.
وَحَدِيثُهُ الأَوَّلُ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِآنِيَةٍ يُطْبَخُ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَيُشْرَبُ، فَيُحْمَلُ المُطْلَقُ عَلَى المُقَيَّدِ. وَأَمَّا الآيَةُ فَالنَّجَسُ لُغَةً: المُسْتَقْذَرُ، فَهُوَ أَعَمُّ مِن المَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: ذُو نَجَسٍ؛ لِأَنَّ مَعَهُم الشِّرْكَ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ؛ لِأَنَّهُمْ لا يَتَطَهَّرُونَ وَلا يَغْتَسِلُونَ وَلا يَجْتَنِبُونَ النَّجَاسَاتِ، فَهِيَ مُلابِسَةٌ لَهُمْ، وَبِهَذَا يَتِمُّ الجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ آيَةِ المَائِدَةِ وَالأَحَادِيثِ المُوَافِقَةِ لِحُكْمِهَا؛ وَآيَةُ المَائِدَةِ أَصْرَحُ فِي المُرَادِ.
7/20- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) بِالمُهْمَلَتَيْنِ، تَصْغِيرُ حِصْنٍ، وَعِمْرَانُ هُوَ أَبُو نُجَيْدٍ بِالجِيمِ، تَصْغِيرُ نَجْدٍ، الخُزَاعِيُّ الكَعْبِيُّ، أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ، وَسَكَنَ البَصْرَةَ إلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ، وَكَانَ مِنْ فُضَلاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ) بِفَتْحِ المِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ ثُمَّ أَلِفٌ وَبَعْدَ الأَلِفِ مُهْمَلَةٌ، وَهِيَ الرَّاوِيَةُ وَلا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُقَامُ بِثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ، كَمَا فِي القَامُوسِ.
(امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ (فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ بِأَلْفَاظٍ فِيهَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا وَآخَرَ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ فَقَدُوا المَاءَ، فَقَالَ: ((اذْهَبَا فَابْتَغِيَا المَاءَ)). فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ- أَوْ سَطِيحَتَيْنِ- مِنْ مَاءٍ، عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالا لَهَا: أَيْنَ المَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ.
قَالا: انْطَلِقِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... إلَى أَنْ قَالَ: وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَفَرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ المَزَادَتَيْنِ، أَو السَّطِيحَتَيْنِ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ سَقَى، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ... الحَدِيثَ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَمُعْجِزَاتٌ نَبَوِيَّةٌ.
وَالمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ المُشْرِكَةِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا سَلَفَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ مِنْ طَهَارَةِ آنِيَةِ المُشْرِكِينَ، وَيَدُلُّ أَيْضاً عَلَى طَهُورِ جِلْدِ المَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ المَزَادَتَيْنِ مِنْ جُلُودِ ذَبَائِحِ المُشْرِكِينَ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ المُشْرِكِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ المُشْرِكَةَ قَدْ بَاشَرَتِ المَاءَ وَهُوَ دُونَ القُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لا يَحْمِلُ الجَمَلُ قَدْرَ القُلَّتَيْنِ. وَمَنْ يَقُولُ: إنَّ رُطُوبَتَهُمْ نَجِسَةٌ. وَيَقُولُ: لا يُنَجِّسُ المَاءَ إلا مَا غَيَّرَهُ، فَالحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
8/21- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ) بِفَتْحِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ وَسُكُونِ المُهْمَلَةِ، لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعَانٍ، المُرَادُ مِنْهَا هُنَا الصَّدْعُ وَالشَّقُّ (سَلْسَلَةً مِنْ فِضَّةٍ) فِي القَامُوسِ سَلْسَلَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ السِّينِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا، إيصَالُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، أَوْ سِلْسِلَةٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ دَائِرٌ مِنْ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ المُرَادَ الأَوَّلُ، فَيُقْرَأُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ.
(أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ) وَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ تَضْبِيبِ الإِنَاءِ بِالفِضَّةِ، وَلا خِلافَ فِي جَوَازِهِ كَمَا سَلَفَ، إلَّا أَنَّهُ هنا قَد اخْتُلِفَ فِي وَاضِعِ السَّلْسَلَةِ فَحَكَى البَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي جَعَلَ السَّلْسَلَةَ هُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلاحِ.
وَقَالَ أَيْضاً: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَكَانَ قَد انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: "لا تُغَيِّرَنَّ شَيْئاً صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ" هَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ.
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ. عَائِداً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَائِداً إلَى أَنَسٍ كَمَا قَالَ البَيْهَقِيُّ، إلَّا أَنَّ آخِرَ الحَدِيثِ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ القَدَحَ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَالسَّلْسَلَةُ غَيْرُ الحَلْقَةِ الَّتِي أَرَادَ أَنَسٌ تَغْيِيرَهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَسَلْسَلَهُ. هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرَهُ.