دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو القعدة 1429هـ/18-11-2008م, 12:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الآنية

بابُ الآنِيَةِ

كلُّ إناءٍ طاهرٍ ولو ثَمِينًا يُباحُ اتِّخاذُه واستعمالُه إلا آنيةَ ذهَبٍ وفِضَّةٍ ومُضَبَّبًا بهما فإنه يَحْرُمُ اتِّخَاذُها واستعمالُها ولو على أُنْثَى ، وتَصِحُّ الطهارةُ منها إلا ضَبَّةً يَسيرةً من فِضَّةٍ لحاجةٍ. وتُكْرَهُ مُباشَرَتُها لغيرِ حاجةٍ .


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 02:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

كل إناء طاهر يباح اتخاذه واستعماله ولو كان ثميناً كالجوهر ونحوه إلا آنية الذهب والفضة والمضبب بهما فإنه يحرم اتخاذها واستعمالها على الرجال والنساء


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 02:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ الآنِيَة
هي الأوعِيَةُ جمعُ إِنَاءٍ. لَمَّا ذَكَرَ المَاءَ ذَكَرَ ظَرْفَهُ (كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ) كالخَشَبِ والجُلُودِ والصُّفْرِ والحَدِيدِ (ولو) كانَ (ثَمِيناً) كجَوْهَرٍ وزُمُرُّدٍ (يُبَاحُ اتِّخَاذُه واستِعْمَالُه) بلا كَرَاهَةٍ، غَيْرَ جِلْدِ آدَمِيٍّ وعَظْمِه؛ فيَحْرُمُ (إلاَّ آنِيَةَ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ ومُضَبَّباً بهِمَا) أو بأَحَدِهِمَا غَيْرَ ما يَأْتِي، وكذا المُمَوَّهُ والمَطْلِيُّ والمُطَعَّمُ والمُكَفَّتُ بأَحَدِهما (فإنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُها) لِمَا فيه مِنَ السَّرَفِ والخُيَلاءِ وكَسْرِ قُلُوبِ الفُقَرَاءِ (واستِعْمَالُهَا) في أَكْلٍ وشُرْبٍ وغَيْرِهِمَا. (ولو على أُنْثَى)؛ لعُمُومِ الأخبارِ وعدمِ المُخَصِّصِ، وإنَّمَا أُبِيحَ التَّحَلِّي للنِّسَاءِ لحَاجَتِهِنَّ إلى التَّزَيُّنِ للزَّوْجِ، وكذا الآلاتُ كُلُّهَا كالدَّوَاةِ والقَلَمِ والمِسْعَطِ والقِنْدِيلِ والمِجْمَرَةِ والمِدْخَنَةِ، حتَّى المِيلِ ونَحْوِه (وتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْهَا)؛ أي: مِن الآنِيَةِ المُحَرَّمَةِ، وكذا الطَّهَارَةُ بها وفيها وإليها. وكذا آنِيَةٌ مَغْصُوبَةٌ (إلا ضَبَّةً يَسِيرَةً) عُرْفاً لا كَبِيرَةً (مِن فِضَّةٍ) لا ذَهَبٍ (لحَاجَةٍ) وهي أن يَتَعَلَّقَ بها غَرَضٌ غَيْرُ الزِّينَةِ فلا بَأْسَ بها، لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه (أنَّ قدَحَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ انكَسَرَ فاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ)، وعُلِمَ مِنْهُ أنَّ المُضَّبَب بذَهَبٍ حَرَامٌ مُطْلَقاً.
وكذا المُضَبَّبُ بفِضَّةٍ لغيرِ حَاجَةٍ، أو بضَبَّةٍ كَبِيرَةٍ عُرْفاً ولو لحاجةٍ؛ لحَدِيثِ ابنِ عُمَرَ :((مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ أو إِنَاءٍ فيهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ فإنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ)) روَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(وتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا)؛ أي: الضَّبَّةِ المُبَاحَةِ (لغَيْرِ حَاجَةٍ)؛ لأنَّ فيها استِعْمَالاً للفِضَّةِ، فإن احتاجَ إلى مُبَاشَرَتِهَا كتَدَفُّقِ الماءِ أو نَحْوِ ذلك لم يُكْرَهْ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 09:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

باب الآنية([1])
هي الأوعية، جمع إناء([2]) لما ذكر الماء ذكر ظرفه([3]) (كل إناءٍ طاهر) كالخشب والجلود والصفر والحديد([4]).(ولو) كان (ثمينًا)([5])كجوهر وزمرد([6]) (يباح اتخاذه واستعماله) بلا كراهة([7]) غير جلد آدمي وعظمه فيحرم([8]) (إلا آنية ذهب وفضة([9]).ومضببا بهما) أو بأحدهما([10]) غير ما يأتي([11]) وكذا المموه والمطلي والمطعم والمكفت بأحدهما([12]) (فإنه يحرم اتخاذها) ([13]) لما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء([14]).(واستعمالها) في أَكل وشرب وغيرهما([15])(ولو على أُنثى) لعموم الأَخبار وعدم المخصص([16])وإنما أبيح التحلي للنساءِ لحاجتهن إلى التزين للزوج([17]) وكذا الآلات كلها([18]).كالدواة والقلم والمسعَط([19]) والقنديل والمجمرة والمدخنة([20]) حتى الميل ونحوه([21])(وتصح الطهارة منها) أي من الآنية المحرمة([22]) وكذا الطهارة بها وفيها وإليها([23]) وكذا آنية مغصوبة([24]) (إلاّ ضبة يسيرة) عرفًا([25]).لا كبيرة (من فضة) لا ذهب([26])(لحاجة) وهي أن يتعلق بها غرض غير الزينة فلا بأس بها([27]) لما روى البخاري عن أنسَ رضي الله عنه، أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة([28]).وعلم منه أن المضبب بذهب حرام مطلقًا([29]) وكذا المضبب بفضة لغير حاجة([30])أو بضبة كبيرة عرفًا،ولو لحاجة([31])لحديث ابن عمر «من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه الدارقطني([32]).(وتكره مباشرتها) أي الضبة المباحة (لغير حاجة) لأَن فيه استعمالاً للفضة([33]) فإن احتاج إلى مباشرتها كتدفق الماءِ ونحوه ذلك لم يكره([34])


([1]) أي هذا باب يذكر فيه مسائل من أحكام الآنية، وثياب الكفار، وأجزاء الميتة، والباب لغة المدخل إلى الشيء، والطريق الموصل إليه، واصطلاحا اسم لجملة من العلم، تحته فصول ومسائل غالبا، وليس مرادهم الباب في كذا الحصر بل إنه المقصود بالذات والمعظم، فلو ذكروا غيره نادرا، أو بالتبعية أو استطرادا لم يضر.
([2]) وجمع الآنية أوان، والأصل أءان وهي الأوعية لغة وعرفا، والوعاء الظرف يوعى فيه الشيء، سمي بذلك لأنه يجمع ما فيه.
([3]) كأنه جواب سؤال تقديره: ما وجه ذكرهم الآنية بعد الماء؟ فأجاب: لما ذكر الماء وكان سيالا محتاجا إلى ظرف لا يقوم إلا به ناسب ذكر ظرفه، جمعه ظروف وذكر ما يتعلق به ويناسبه.
([4]) الخشب بضمتين وبإسكان الثاني: ما غلظ من العيدان، واحدته خشبة، والجلود: جمع جلد، بالكسر المسك من كل حيوان، والصفر بالضم وبكسر: ضرب من النحاس الذي تعمل منه الأواني، وأنكر بعضهم الكسر فيه، وفي حديث عبد الله بن زيد: «فأخرجنا له تورا من صفر فتوضأ» رواه البخاري، وتوضأ من جفنة وتور حجارة ومن إداوة وقربة، وغيرها، وتخصيصه المنع بالذهب والفضة يقتضي إباحة ما عداهما في الجملة، ويستثني من العموم النجس، والحديد معروف سمي به لمنعته قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} أي أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته.
([5]) لعدم العلة التي لأجلها حرم الذهب والفضة، لأن هذه الجواهر لا يعرفها إلا خواص الناس فلا تكسر قلوب الفقراء، كذا علله بعض الفقهاء.
([6]) الجوهر فارسي معرب، واحدته جوهرة، وهو كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به والزمرد بالضمات وتشديد الراء، وبالذال المعجمة والمهملة جوهر معروف وكبلور وياقوت.قال في المبدع: وهذا قول عامة العلماء من غير كراهة، ولا يصح قياسها على الأثمان من وجوه كثيرة، منها تخصيص الذهب والفضة وندور اتخاذها.
([7]) أي أخذه وتناوله وإعماله فيما يعدله قال الشارح: وغيره في قول عامة أهل العلم.
([8]) لحرمته وكذا شعره ويستثنى المغصوب، وليس بوارد على المصنف، لأن استعماله مباح من حيث الجملة، ولكن عرض له ما أخرجه عن أصله، وهو الغصب.
([9]) الذهب مصدر ذهب، التبر، سمي ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، وجمع ابن مالك أسماءه في قوله:
وزخرف عسجد عقيان الذهب
نضرٌ نضر نضار زبرج سيرا
مع فضة في سبيك هكذا العرب
والتبر ما لم يذب واشركوا ذهبا
والفضة النوع المعروف وهو جوهر أبيض، نقي يتولد من المادة الزئبقية والكبريتية منعقد في الأرض، يضرب منه أصناف من النقود والحلي، وفي الآية {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ }أي هي مع صفائها آمنة من الكسر، وسميت فضة لأنها تنفض أي تتفرق ولا تبقى، وتسمى اللجين، والنسيك والغرب، ويطلقان على الذهب أيضا.
([10]) أي الذهب والفضة، والضبة من حديد ونحوه، يضبب بها شق الباب ونحوه، بوضع صفيحة علية تضمه وتحفظه، أو يشعب بها الإناء، وقال الشيخ:المضبب بالفضة من الآنية وما يجري مجراها من الآلات سواء سمي الواحد من ذلك إناء أو لم يسم، وما يجري مجرى المضبب، كالمباخر والمجامر والطشوت والشمعدانات وأمثال ذلك، فإذا كانت الضبة يسيرة لحاجة، مثل شعب القدح وشعيرة السكين ونحو ذلك، مما لا يباشر بالاستعمال، فلا بأس بذلك.
([11]) أي في قوله: إلا ضبة يسيرة لحاجة، وما يأتي في زكاة الأثمان.
([12]) أي بالذهب أو الفضة، والتمويه أن يذاب الذهب أو الفضة، ويلقى فيه الإناء من نحاس أو نحوه، فيكتسب من لونه، والمطلي ما يجعل كالورق ويلصق بالإناء، والتطعيم أن تحفر حفر ويجعل فيها قطع ذهب أو فضة بقدرها، والمكفت أن يبرد الإناء حتى يصير فيه شبه المجاري، ويوضع فيه شريط ونحوه، ويدق عليه حتى يلصق.
([13]) أي اصطناعها على هيئة الآنية، قال الشيخ:إذ الأصل أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي اهـ. وكذا تحصيلها بنحو شراء أو اتهاب، ولو لم يقصد استعمالها بخلاف اتخاد الرجل ثياب الحرير، لأن الآنية محرمة مطلقًا. والثياب تباح للنساء. وفي الحرب ونحو ذلك.
([14]) قال ابن القيم: والصواب أن العلة ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة والحالة المنافية للعبودية، منافاة ظاهرة، ولهذا علل عليه الصلاة والسلام بأنها للكفار في الدنيا. إذ ليس لهم نصيب في العبودية التي ينالونها بها في الآخرة. فلا يصلح استعمالها لعبيد الله. وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة.
([15]) أي غير الأكل والشرب، كالغسل والوضوء والإدهان والاكتحال منها لما في الصحيحين «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وللبخاري «الذي يشرب في آنية الذهب» ولمسلم «والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، والتوعد بالنار يدل على آكدية التحريم. وهو متفق عليه. وقال النووي: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها، وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع، وحكى غيره إجماع الأمة على ذلك. وقال الشيخ: ما حرم استعماله حرم اتخاذه. كآلة اللهو. فكذا تحصيلها بنحو شراء أو اتهاب ولو لم يقصد الاستعمال.
([16]) التخصيص هو قصر العام على بعض منه بدليل مستقل ولم يوجد، والخبر مرادف للحديث والحديث اسم من التحديث وهو الإخبار أو الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر عن غيره. والأثر ما روي عن الصحابة ويجوز إطلاقه على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم والمراد هنا المرفوعة. ولا يخفى شموله لتحريمها على الأنثى، وكذا الخنثى، مكلفًا كان أو غيره، قال الشيخ: اتفقوا على أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام على الذكر والأنثى.
([17]) فلم ينه عنه، ولم يزل يتخذ من غير نكير فهو إجماع.
([18]) أي وكما حرم اتخاذ الآنية واستعمالها حرم اتخاذ الآلات كلها واستعمالها كذلك، وحكاه القرطبي وغيره قول الجمهور، وقال ابن القيم: بل يعم سائر وجوه الإنتفاع، وهذا أمر لا يشك فيه عالم.
([19]) بضم الميم، إناء يجعل فيه السعوط.
([20]) القنديل هو المصباح. وجمعه قناديل. والمجمرة بالكسر والضم اسم للشيء الذي يجعل فيه الجمر للبخور، والمدخنة بالكسر أيضًا وهي المجمرة جمعها مداخن.
([21]) كسرير وكرسي وخفين ونعلين وشرابة وملعقة وأبواب ورفوف وطشوت وشمعدانات وأمثال ذلك، كالآلات في تحريم اتخاذها واستعمالها. وقال الشيخ يباح الإكتحال بميل الذهب والفضة، لأنها حاجة وبياحان لها، والميل الذي يكتحل به، وهو بالرفع عطف على: وكذا الآلات أو مبتدأ خبره محذوف.
([22]) مع الحرمة وفاقًا، لأن الإناء ليس بشرط ولا ركن في العبادة، فلم يؤثر فيها، وقال بعض أهل العلم: لا تصح. اختاره أبو بكر والقاضي والشيخ. لإتيانه بالعبادة على وجه محرم. أشبه الصلاة في المحل المغصوب ويأتي.
([23]) أي وكما تصح الطهارة منها تصح بها. أي بالآنية المذكورة بأن يغترف الماء بها (وفيها) كأن يكون الإناء كبيرا يسع قلتين فيغتسل، أو يتوضأ داخله (وإليها) بأن يجعلها مصبًّا لما ينفصل عن الأعضاء وفاقًا، ولا تصح عند أبي بكر وأبي الحسن والشيخ وغيرهم. كما تقدم.
([24]) أي وكما تصح الطهارة في آنية الذهب أو الفضة كذلك تصح في آنية مغصوبة.
([25]) أي في عرف الناس، لأنه لم يرد الشرع بتقديرها. وقال الشيخ: لا بأس بالشرب بقدح مضبب، إذا لم يقع فمه على الضبة. مثل العلم في الثوب وقال: هذا بين في أن الفضة تباح على سبيل التبع كالحرير. قال: ومقتضى هذه الرواية أنه يباح الكثير إذا كان أقل مما هو فيه ولم يستعمل. وهذا هو الصواب.
([26]) يعني فلا يباح بحال نص عليه. قال الشيخ: وقد غلط طائفة من الأصحاب حيث حكوا قولاً بإباحة يسير الذهب في الآنية عن أبي بكر. وإنما قاله في اللباس والتحلي وهما أوسع.
([27])أي الضبة كشعب قدح ونحوه، غير ما يتزين به من الفضة. قال الشيخ: ومراد الفقهاء بالحاجة هنا إلى تلك الصورة. كما يحتاج إلى التشعيب والشعيرة. سواء كان من فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك. وليس مرادهم أن يحتاج إلى كونها من فضة، بل هذا يسمونه في مثل هذا ضرورة. والضرورة تبيح الذهب والفضة مفردًا وتبعًا، وقال: كلام أحمد لمن تدبره لم يتعرض للحاجة وعدمها. وإنما فرق بين ما يستعمل وبين ما لايستعمل، فإنه قال: رأس المكحلة والميل حلقة المرآة إذا كان من الفضة فهو من الآنية، وما لا يستعمل فهو أهون في مثل الضبة في السكين والقدح، وإذا ضبب الإناء تضبيبًا جائزًا جاز استعماله مع وجود غيره بلا خلاف. وذكر أيضًا أن أحمد إنما كره الحلقة في الإناء اتباعًا لابن عمر. والمنع هنا مقتضى النص والقياس. فإن تحريم الشيء مطلقا يقتضي تحريم كل جزء منه. إلا ما استثني إذ النهي عن الشيء نهي عن بعضه.
([28]) وفي لفظ له وكان «انصدع فسلسلة بفضة»، وذكر القرطبي عن البخاري في نسخة أنه رآى هذا القدح بالبصرة. وشرب فيه. وكان اشتري من ميراث النضر ابن أنس بثمانمائة درهم اهـ. والقدح إناء يروي الرجلين. واسم يجمع الصغار والكبار جمعه أقداح، ولا يسمى قدحًا إلا إذا كان فارغًا، فإذا كان فيه شراب قيل له كأس وانكسر وتكسر انشق. من: كسره يكسره كسرًا. والشعب والصدع والشق الذي فيه. والسلسلة بكسر السين القطعة. وبالفتح إيصال الشيء بالشيء، كأنه سد الشقوق بخيوط من فضة، فصارت مثل السلسلة. وأنس هو ابن مالك بن النضر النجاري الأنصاري. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين ومات سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، والبخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، جبل الحفظ وإمام الدنيا. وصحيحه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، توفي رحمه الله سنة مائتين وست وخمسين.
([29]) أي سواء كان يسيرًا أو لا لحاجة أو لا لضرورة.
([30]) حرام. وقال الشيخ: يباح إذا كان التضبيب أقل مما هو فيه ولم يستعمل.
([31]) يعني فهو حرام، وتقدم ما ذكر شيخ الإسلام عن أحمد أنه لم يتعرض للحاجة، ولم يقيده بالقلة، وأنه إنما فرق بين ما يستعمل وما يفرد.
([32]) ورواه البيهقي، وكلاهما من طريق يحيي بن محمد الجاري، قال غير واحد: ليس بالقوي، وقال الشيخ: إسناده ضعيف، ومقصود المصنف منه قوله «أو إناء فيه شي من ذلك»، وقال الحاكم: لم نكتب هذه اللفظة. إلا بهذا الإسناد
قال البيهقي: والمشهور أنه موقوف. اهـ ولا يعارض به ما صح من حديث أنس وغيره، و(يجرجر) بكسر الجيم الثانية و(نار) بالنصب جزم به المحققون واختاروه وروي بالرفع، ولم يذكره الأكثر. ولمسلم «نار من جهنم»، ولأبي عوانة «إنما يجرجر في جوفه نارا»، من الجرجرة وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج، ويقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متواترًا، له صوت بانحداره إلى جوفه والمعنى كأنما يجرع نار جهنم، وسمي جهنم لبعد قعرها، أو من الجهومة وهي الغلظ لغلظ أمرها في العذاب، وابن عمر هو عبد الله أسلم مع أبيه وهو صغير، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، كان من أهل العلم والورع أفتى ستين سنة وبلغ ستًّا وثمانين، ومات بمكة سنة ثلاث وسبعين، والدارقطني هو الحافظ صاحب السنن وغيرها، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي، سمع من البغوي وغيره، وتوفي سنة ثلاثمائة وخمس وثمانين.
([33]) بلا حاجة في الجملة جزم به الموفق وغيره وصححه في تصحيح الفروع ولا تحرم المباشرة لإباحة الاتخاذ والمباشرة مصدر باشره أي وليه ببشرته.
([34]) دفعًا للحرج وتدفقُ الماء: تصببه لو شرب من غير جهتها ونحوه.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 12:55 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

كُلُّ إِناءٍ طَاهِرٍ، ولو ثَمِيناً ............
قوله: «كلُّ إناءٍ طاهر» ،هذا احتراز من النَّجس، فإِنَّه لا يجوز استعماله؛ لأنَّه قذر،وفيما قال المؤلِّفُ نظر، لأن النَّجس يباح استعمالُه إِذا كان على وجه لا يتعدَّى، والدَّليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال حين فتح مكَّة: «إِن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام»، قالوا: يا رسول الله؛ أرأيت شُحوم الميتة، فإِنَّها تُطلى بها السُّفن، وتُدهن بها الجلود، ويَستصبح بها النَّاس، فقال: «لا، هو حرام». فأقرَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الفعل مع أنَّ هذه الأشياء نجسة، فدلَّ ذلك على أن الانتفاع بالشيء النَّجس إذا كان على وجه لا يتعدَّى لا بأس به، مثاله أن يتَّخذ «زِنْبِيلاً» نجساً يحمل به التُّراب ونحوه، على وجهٍ لا يتعدَّى.

قوله: «ولو ثميناً» ، «لو»: إِشارة خلاف، والمعنى: ولو كان غالياً مثل: الجواهر، والزُّمرُّد، والماس، وما شابه ذلك فإنه مباح اتَّخاذه واستعماله.

وقال بعضُ العلماء: إِنَّ الثمين لا يُباح اتِّخاذه واستعماله، لما فيه من الخُيلاء، والإِسراف، وعلى هذا يكون تحريمُه لغيره لا لذاته، وهو كونُه إسرافاً وداعياً إِلى الخُيلاء والفخر، لا لأنَّه ثمين.

(يُبَاحُ اتخاذُهُ واستِعْمَالُه، إلا آنيةَ ذَهَبٍ وفضَّةٍ،...............)

قوله: «يُباحُ اتِّخاذه واستعماله» ، «يُباحُ»: خبر المبتدأ وهو قوله: «كلُّ إِناء»، والتَّركيب هنا فيه شيء من الإِيهام؛ لأن قوله: «يُباح اتِّخاذُه واستعمَالُه» قد يَتَوَهَّم الواهم أنَّها صفة لا أنها خبر، ويتوقَّعُ الخبرَ، ولهذا لو قال: يُباح كُلُّ إِناءٍ طاهر ولو ثميناً.لكان أَوْلَى، ولكن على كُلِّ حالٍ المعنى واضح.

وقوله: «اتِّخاذُه واستعمَالُه»، هناك فرق بين الاتِّخاذ والاستعمال،
فالاتِّخاذ هو: أن يقتنيَه فقط إِما للزِّينة، أو لاستعماله في حالة الضَّرورة، أو للبيع فيه والشِّراء، وما أشبه ذلك.

أما الاستعمال: فهو التلبُّس بالانتفاع به، بمعنى أن يستعمله فيما يستعمل فيه.فاتِّخاذها جائز، وإِن زادت على قَدْرِ الحاجة، فلو كان عند إِنسان إِبريق شاي وأراد أن يشتريَ إِبريقاً آخر جاز له ذلك، بمعنى أنه يجوز اتِّخاذه وإِن لم يستعمله الآن، لكن اتَّخذه لأنه رُبَّما يحتاجه فيبيعه، أو يستعيره منه أحد، أو يفسد ما عنده، أو يأتي ضيوف لا يكفيهم ما عنده.
قوله: «إلا آنيةَ ذهب وفضَّة» ،من القواعد الأصولية: «أَن الاستثناء معيار العُمُوم».
يعني: لو أنَّ أحداً استثنى من كلام عام فإِن ما سوى هذه الصُّورة داخل في الحكم، وعلى هذا فكلُّ شيء يُباحُ اتِّخاذه إِلا آنيةَ الذَّهب والفضَّة.
وذكر بعض الفقهاء استثناءً آخر فقال:
إلا عظم آدميٍّ وجلده، فلا يُباح اتِّخاذه واستعماله آنيةً، لأنَّه محترمٌ بحرمته، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «كَسْرُ عظمِ الميِّتِ ككسره حيًّا»، وإِسناده صحيح.

قوله: «ذهب» معروف؛ وهو المعدِن الأحمر الثَّمين الذي تتعلَّقُ به النُّفوس، وتحبُّه، وتميل إِليه، وقد جعل الله في فطر الخلق الميلَ إلى هذا الذَّهب؛ وكذلك الفضَّة، وهي في نفوس الخلق دون الذَّهب؛ ولهذا كان تحريمُها أخفَّ من الذَّهب.

وقوله: «إلا آنية ذهبٍ وفضَّةٍ» يشمل الصَّغير، والكبير حتى الملعقة، والسِّكين.

(ومُضَبَّباً بهما، فإنه يحرُمُ اتخاذُها واستعمالُها، ولو على أنثى..............)

قوله: «ومُضَبَّباً بهما، فإِنه يحرُمُ اتخاذُها واستعمالُها، ولو على أنثى» ،الضبَّةُ: التي أخذ منها التضبيب، وهي شريطٌ يَجْمَعُ بين طرفي المنكسر، فإِذا انكسرت الصَّحفَةُ من الخشب يخرزونها خرزاً، وهذا في السَّنوات الماضية، فيكون المضبَّبُ بهما حراماً، وسواءٌ كان خالصاً أو مخلوطاً إِلا ما استُثني. والدَّليل: حديث حذيفة رضي الله عنه: «لا تشربوا في آنية الذَّهب والفضَّة، ولا تأكلوا في صحافها، فإِنَّها لهم في الدُّنيا ولكم في الآخرة». وحديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: «الذي يشربُ في آنية الفضَّة فإنما يجرجرُ في بطنه نارَ جَهنَّمَ» ، والنهي للتَّحريم، وفي حديث أمِّ سلمة توعَّده بنار جهنَّم، فيكون من كبائر الذُّنوب.
فإن قيل: الأحاديث في الآنية نفسِها، فكيف حُرِّم المضبَّبُ؟
فالجواب: أنه ورد في حديث رواه الدَّارقطني: «إِنَّه من شَرِب في آنية الذَّهب والفِضَّة، أو في شيء فيه منهما».
وأيضاً: المحرَّم مفسدةٌ، فإِن كان خالصاً فمفسدتُه خالصة، وإِن لم يكن خالصاً ففيه بقدْرِ هذه المفسدة. ولهذا فكلُّ شيء حرَّمه الشَّارع فقليله وكثيره حرام؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «وما نهيتكم عنه فاجتنبوه».

وعندنا هنا ثلاث حالات: اتِّخاذ، واستعمال، وأكل وشرب.
أمَّا الأكل والشُّرب فيهما فهو حرام بالنَّص، وحكى بعضهم الإجماع عليه.
وأما الاتِّخاذ فهو على المذهب حرام، وفي المذهب قول آخر، وهو محكِيٌ عن الشَّافعي رحمه الله أنه ليس بحرام.
وأما الاستعمال فهو محرَّم في المذهب قولاً واحداً.
والصَّحيح: أن الاتِّخاذ والاستعمال في غير الأكل والشُّرب ليس بحرام؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشُّرب، ولو كان المحرَّم غيرَهما لكان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو أبلغُ النَّاس، وأبينهم في الكلام ـ لا يخصُّ شيئاً دون شيء، بل إِن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز؛ لأنَّ النَّاس ينتفعون بهما في غير ذلك. ولو كانت حراماً مطلقاً لأَمَر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بتكسيرها، كما كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يدعُ شيئاً فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه، لأنها إِذا كانت محرَّمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة. ويدلُّ لذلك أن أمَّ سلمة ـ وهي راوية الحديث ـ كان عندها جُلجُل من فِضَّة جعلت فيه شعَرات من شعر النبي صلّى الله عليه وسلّم فكان الناس يستشفون بها، فيُشفون بإِذن الله، وهذا في «صحيح البخاري»، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب.
فإن قال قائل: خصَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الأكل والشرب لأنَّه الأغلب استعمالاً؛ وما علِّق به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] ، فتقييد تحريم الرَّبيبة بكونها في الحجر لا يمنع التَّحريم، بل تَحرُمُ، وإِن لم تكن في حِجره على قول أكثر أهل العلم؟
قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يُعلِّق الحكم بالأكل والشُّرب؛ لأن مَظْهَرَ الأمة بالتَّرف في الأكل والشُّرب أبلغُ منه في مظهرها في غير ذلك، وهذه عِلَّة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشُّرب، لأنه لا شكَّ أنَّ الذي أوانيه في الأكل والشُّرب ذهب وفِضَّة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تَخْفَى على كثير من النَّاس.

وقوله: «ومضبَّباً بهما... إلخ» يشمل الرِّجال والنِّساء، فلا يجوز للمرأة أواني الذَّهب والفِضَّة.
فإن قيل: أليس يجوز للمرأة أن تتحلَّى بالذَّهب؟
فالجواب: بلى، ولكن الرَّجل لا يجوز له ذلك.
فإن قيل: فما الفرق بين اتِّخاذ الحُلي واتِّخاذ الآنية واستعمالها فأُبيح الأوَّل دون الثاني؟
فالجواب: أنَّ الفرق أنَّ المرأة بحاجة إلى التجمُّل، وتجمُّلها ليس لها وحدها، بل لها ولزوجها، فهو من مصلحةِ الجميع، والرَّجل ليس بحاجة إِلى ذلك فهو طالب لا مطلوب، والمرأة مطلوبة، فمن أجل ذلك أُبيح لها التَّحلِّي بالذَّهب دون الرَّجل، وأما الآنية فلا حاجة إِلى إِباحتها للنِّساء فضلاً عن الرِّجال.

(وتَصِحُّ الطهارةُ منها، ...................)

قوله: «وتصحُّ الطَّهارة منها» ، يعني: تصح الطَّهارة من آنية الذَّهب والفضَّة، فلو جعل إِنسان لوضوئه آنيةً من ذهب، فالطَّهارة صحيحةٌ، والاستعمال محرَّمٌ.
وقال بعض العلماء:إِن الطَّهارة لا تصحُّ، وهذا ضعيف؛ لأنَّ التَّحريم لا يعود إِلى نفس الوُضُوء، وإِنما يعود إلى استعمال إِنائه، والإِناء ليس شرطاً للوُضُوء، ولا تتوقَّف صِحَّة الوُضُوء على استعمال هذا الإِناء.فالطَّهارة تصحُّ من آنية الذهب والفِضَّة، وبها، وفيها، وإِليها.
منها: بأن يغترف من الآنية.
بها: أي يجعلها آلةً يصبُّ بها، أي: يغرف بآنية من ذهب فيصبُّ على رجليه، أو ذراعه.
فيها: بمعنى أن تكون واسعة ينغمس فيها.
إليها: بأن يكون الماء الذي ينزل منه؛ ينزل في إِناء من ذهب.
فحروف الجرِّ هنا غيَّرت المعنى، وهذا دليل على قُوَّة فقه اللُّغة العربية.

(إلا ضَبَّةً يسيرةً من فضةٍ لحاجةٍ .................)

قوله: «إِلا ضبَّةً يسيرةً من فِضَّة لحاجةٍ» ،هذا مستثنى من قوله: «يَحْرُم اتِّخاذها واستعمالها».فشروطُ الجواز أربعةٌ:
1 ـ أن تكون ضبَّةً.
2 ـ أن تكون يسيرةً.
3 ـ أن تكون من فضَّةٍ.
4 ـ أن تكون لحاجةٍ.

والدَّليل على ذلك: ما ثبت في «صحيح البخاري» من حديث أنس رضي الله عنه: «أن قدح النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم انكسر فاتَّخذ مكان الشَّعْب سلسلة من فِضَّة». فيكون هذا الحديث مخصِّصاً لما سبق.
فإن قيل: من أين أخذتم اشتراط كونها يسيرة؟
قلنا: إن هذا هو الغالب في القدح، يعني كونه صغيراً، والغالب أنَّه إِذا انكسر، فإِنه لا يحتاج إلى شيء كثير، والأصل التَّحريم، فنقتصر على ما هو الغالب.
فإن قيل: أنتم قلتم ضبَّة، وهي ما يُجْبَرُ بها الإِناء، فلو جعل الإنسان على خرطوم الإِبريق فِضَّة؛ فَلِمَ لا يجوز؟
أُجِيبَ: بأن هذا ليس لحاجة، وليس ضَبَّة، بل زيادة وإِلحاق.
فإن قيل: لماذا اشترطتم كونها من فضَّة: لِمَ لا تقيسون الذَّهب على الفِضَّة؟
نقول: إِن النصَّ لم يرد إِلا في الفِضَّة، ثم إِن الذَّهب أغلى وأشدُّ تحريماً، ولهذا في باب اللِّباس حُرِّم على الرَّجُل خاتمُ الذَّهب، وأُبيح له خاتمُ الفِضَّة، فدلَّ على أن الفِضَّة أهون، حتى إِن شيخ الإسلام رحمه الله قال في باب اللِّباس: إِن الأصل في الفِضَّة الإِباحة وأنها حلال للرِّجَال، إِلا ما قام الدَّليل على تحريمه.
وأيضاً: لو كان الذَّهب جائزاً لجَبَر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم به الكسر؛ لأن الذَّهب أبعد من الصدأ بخلاف الفِضَّة، ولهذا لما اتَّخذ بعض الصَّحابة أنفاً من فِضَّة ـ لما قُطعَ أنفُه في إِحدى المعارك (يوم الكُلاب في الجاهليَّة) ـ أنتن، فأمرهُ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتَّخذ أنفاً من ذهب ، لأنه لا يُنتن. ومأخذ اشتراط الحاجة في الحديث: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يتَّخذْها إِلا لحاجة، وهو الكسر.
قوله: «لحاجة»،قال أهل العلم: الحاجة أن يتعلَّق بها غرضٌ غير الزِّينة، بمعنى أن لا يتَّخذها زينة. قال شيخ الإِسلام: وليس المعنى: ألا يجدَ ما يجبر به الكسرَ سواها؛ لأن هذه ليست حاجة، بل ضرورة، والضَّرورة تُبيحُ الذَّهبَ والفضة مفرداً وتبعاً، فلو اضطر إِلى أن يشرب في آنية الذَّهب فله ذلك، لأنَّها ضرورة.

(وتُكْره مباشرتُها لغير حاجةٍ ..................)
قوله: «وتُكره مباشرتها لغير حاجة» ،أي: تُكره مباشرة الضَّبَّة اليسيرة، ومعنى مباشرتها: أنَّه إِذا أراد أن يشرب من هذا الإِناء المضبَّب شرب من عند الفِضَّة، فيباشرها بشفتيه وهي حلال.
والمكروه عند الفقهاء: ما نُهي عنه لا على سبيل الإِلزام بالتَّرك.
وحكمه: أنه يُثابُ تاركُه امتثالاً، ولا يُعاقبُ فاعلُه، بخلاف الحرام، فإن فاعله يستحقُّ العقوبة، وهذا في اصطلاح الفقهاء.
أما في القرآن والسُّنَّة، فإن المكروه يأتي للمحرَّم، ولهذا لما عدَّد الله تعالى أشياء محرَّمة في سورة الإسراء قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا *} [الإسراء] . وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله كَرِهَ لكم قيل وقال، وكَثْرَةَ السُّؤال، وإِضاعة المال».
والكراهة: حُكم شرعيٌّ لا تثبت إِلا بدليل، فمن أثبتها بغير دليل، فإِننا نردُّ قوله، كما لو أثبت التَّحريم بلا دليل، فإِننا نردُّ قوله. وبناءً على هذه القاعدة ننظر إلى كلام المؤلِّف، قال: «تُكره مباشرتها لغير حاجة»، فإن احتاج إِليها بأن كان الإِناء يتدفَّق لو لم يشرب من هذه الجهة، أو جعل الإِناء على النَّار، وصارت الجهة التي ليست فيها الضَّبَّة حارَّة لا يستطيع أن يشرب منها، وشرب من الجهة الباردة التي فيها الضَّبَّة، فهذه حاجة فله أنْ يشربَ، ولا كراهة. فإِن لم يحتج فكلام المؤلِّفِ صريح في أنه تُكره مباشرتها.
والصَّواب: أنه ليس بمكروه، وله مباشرتها؛ لأن الكراهة حكم شرعيٌّ يُحتاج في إِثباته إِلى دليل شرعي، وما دام ثبت بمقتضى حديث أنس المتقدّم أنها مباحة، فما الذي يجعل مباشرتها مكروهة؟ وهل ورد أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتوقَّى هذه الجهة من قدحه؟
الجواب: لا، فالصَّحيح أنَّه لا كراهة؛ لأن هذا شيء مباح؛ ومباشرة المباح مباحة


  #6  
قديم 12 جمادى الأولى 1431هـ/25-04-2010م, 04:39 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

* قوله: (( كل إناء طاهر ولو ثميناً يباح اتخاذه واستعماله )):كل إناء: من خشب أو صفر أو نحاس.
والإتخاذ المراد به: اتخاذه في المحل من غير استعمال وما دام الإستعمال مباحاً فأولى منه أن يباح الإتخاذ.فكل إناء من الأواني من خشب أو صفر أو جلد ونحو ذلك يباح إستعماله كما يباح كذلك إتخاذه ، وقوله: (ولو ثميناً): لفظة: (لو) إشارة إلى خلاف.ومثلها لفظة: (حتى) و: (إنْ).قال الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ : ( لو ): للخلاف القوي و (حتى): للخلاف المتوسط و (إنْ) للخلاف الضعيف.وقد قال: هنا: (لو) فهي للخلاف القوي ، لكن ليس الأمر في الحقيقة على هذا ، فإن الأمر من حيث القائل ضعيف ، فإن ذلك هو قول الشافعي في أحد قوليه والشافعية اختاروا إتفاقاً قوله الثاني وهو جواز ذلك ـ أي جواز استعمالها ـ وهذا مذهب جمهور الفقهاء.
إذن: جمهور الفقهاء وهو أحد قولي الشافعي الذي اختاره أصحابه أن الأوعية الثمينة من الجواهر والزمرد أنها مباحة لا حرج فيها ـ وذهب الشافعي في أحد قوليه إلى أنها محرمة ـ أي إستعمالها ـ أما حجة أهل القول الأول: فهي الأصل ، فالأصل في الأشياء الإباحة كما قال تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} فكل ما في الأرض فهو مباح ما لم يثبت تحريمه ، والأواني التي من الجواهر الثمينة مباحة ما لم يأت دليل يدل على تحريمها وليس هناك دليل على ذلك.أما حجة الإمام الشافعي في قوله الآخر فهي: أن الأواني الثمينة فيها من الخيلاء والإسراف والكبر وكسر قلوب الفقراء.وهذا القول قوي ؛ لأن الشارع حرم الخيلاء والكبر والإسراف وكل ما هو ذريعة إلى المحرم فهو محرم ـ ثم إن الشارع حرم الإسراف ، وفي الحديث (كلوا واشربوا والبسوا في غير اسراف ولا مخيلة) ، وهذا فيه إسراف وكسر لقلوب الفقراء. فهذا قول قوي ، والجمهور على خلافه وأن الأواني الثمينة استعمالها جائز. والقول بتحريمها قول قوي لما في إستعمالها من الكبر والخيلاء والإسراف وكسر قلوب الفقراء.وأجاب الجمهور ـ عن ذلك ـ بأن إستعمال الجواهر نادر. ولكن هذا الجواب ضعيف ؛ لأن الحكم تبع للوجود فمتى ما وجد هذا فإنه محرم ولو كان هذا على هيئة الندرة ، نعم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينص على ذلك لندرته ، فهذا يصح أن يكون دليلاً على عدم تنصيص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تحريم ذلك ؛ لأن الغالب الكثير إنما هو استخدام الأواني من الذهب والفضة ، وأما استخدامها من الجواهر ونحوها فإن ذلك نادر قليل. فيصبح أن يكون ذلك سبباً لعدم ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحريم استخدام الجواهر الثمينة في المطاعم والمشارب ونحوها.
وأما أن يكون ذلك دليلاً على الجواز فلا ؛ فإن هذا الشيء وإن وقع نادراً فإن فيه علة الكبر والخيلاء ونحو ذلك من العلل فهو حرام. فهذا القول قول قوي.

* قوله: (( إلا آنية ذهب وفضة )):
فآنية الذهب والفضة من سائر الأواني قد نصّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تحريمها ، يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة ). (صحافها): جمع صحفة وهي ما يشبع الخمسة ، ومثل ذلك غيرها من الأواني ، وهذا إنما هو للغالب ، فالغالب في الأواني أن يكون كذلك ، وغيرها من الأواني لها نفس الحكم فالقصعة وهي ما تكفي العشرة ، والمئكلة وهي ما يشبع الأثنين والثلاثة لها نفس الحكم. ( فإنها لهم في الدنيا): أي للكفار. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) ـ قوله: ( الذي يشرب في آنية الفضة): وأولى منها آنية الذهب فإنها أعظم وأشد وأقبح من الفضة في هذا الحكم: بل ثبت في مسلم في هذا الحديث نفسه: (من شرب في إناء ذهب وفضة) وقوله: (إنما يجرجر في بطنه نار جهنم): أي إنما يصب في جوفه نار جهنم ، والجرجرة: هي صوت الشراب الواقع في الجوف أو المتحرك في الحلق. فهذا يدل على أن هذا الفعل من كبائر الذنوب. فهذه عقوبة عظيمة لا يثبت مثلها ، إلا لفاعل كبيرة. فإذن: الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة من كبائر الذنوب وهذا مجمع عليه إلا ما روى عن داود الظاهري من إباحته للأكل ولعل ذلك لعدم بلوغ الحديث إليه.

* قوله: (( أو مضبباً بهما )):
المضبب هو الإناء ينكسر فيوضع فيه صحفة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة فتصل بعضه ببعض وتضم بعضه إلى بعض.فهو إذن أن يكون في الإناء شعبة أو كسر ثم يؤتي بصحفة أو سلسلة من معدن من المعادن فيصل الطرفين بعضهما ببعض فهذه الضبة وهذا هو الإناء المضبب.
وقوله: (أو مضبباً بهما) أي كذلك ما كان مضبباً بالذهب والفضة. وظاهره سواء كان قليلاً أو كثيراً فأي ضبه من فضة أو ذهب فإنها تحرم الأكل والشرب في الإناء وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من أن الضبة سواء كانت يسيرة أو كبيرة فإنها محرمة سواء كانت من ذهب أو فضة وسيأتي الكلام على الفضة إن شاء الله. فإذن: الضبة محرمة وذلك لأن الشارع إذا نهى عن الشيء فإنه يدخل في النهي أجزاء ذلك الشيء. فإذا حرم الشرب في آنية الذهب والفضة فكذلك الذي تتخلله فضة أو ذهب فهو محرم كذلك. فإذن: الإناء الذي فيه ضبة من ذهب أو فضة محرم ـ ومثل ذلك المموه والمطلي بالذهب والفضة فهو محرم كذلك.
صورة المموه: بأن يؤتي بالإناء ثم يوضع في إناء قد صهر فيه ذهب أو فضة فتتموه ويأخذ من لون الذهب والفضة ، فهذا محرم كذلك لوجود الذهب أو الفضة.
ـ وصورة المطلي: أن يجعل الذهب والفضة كهيئة الورق ثم بعد ذلك يلصقها بالإناء ـ ومثله ـ كذلك: المكفت: وصورته: أن يبرد الإناء حتى يخرج هذا البرد كهيئة المجاري الصغيرة ثم يلصق بها قطع ذهب أو قطع فضة ، فهذا ونحوه كله محرم للتعليل المتقدم ، وهو وجود الذهب والفضة فيه ، والشارع إذا نهى عن شيء فهذا نهي عن أبعاضه وأجزائه.

* قوله:(( فإنه يحرم إتخاذها واستعمالها )):أما الإستعمال فهذه اللفظة شاملة للإستعمال في الأكل والشرب وغيرهما. فنبدأ بهذه اللفظة ثم نعود إلى لفظة الإتخاذ فهي مترتبة عليها.
أما الإستعمال: فأما الأكل والشرب فقد نصّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على النهي عن الأكل والشرب فيهما ، فالأكل والشرب فيهما لا شك في تحريمه.
ـ وما هي العلة ؟ العلة عند جماهير أهل العلم هي ما فيها من الكبر والخيلاء والإسراف وكسر قلوب الفقراء ، فحرمه الشارع لما فيه من الإستطالة على عباد الله ولما فيه من الإسراف والكبر والخيلاء.
ولذلك فإنه من تعاطاه في الدنيا فإنه لا يتعاطاه في الآخرة ، كما في الحديث:(( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة )). وفي سنن النسائي بإسناد قوي: (آنية الذهب والفضة آنية أهل الجنة).
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في مسلم: (فإن من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة). فإذن: هي آنية أهل الجنة ومن شرب فيها في الدنيا فإنه لا يشرب فيها في الآخرة ـ لكن هذا ـ أي كونها آنية أهل الجنة ـ في الحقيقة ليس هو التعليل ، كما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرم الخمر وأخبر أنها شراب أهل الجنة ، وأنه من شرب منها في الدنيا لم يشرب منها في الآخرة ، ولكن العلة فيها أضرارها الواقعة على العقول فحرمها الشارع لذلك ، فلذلك هنا ـ في آنية الذهب ، والفضة فإنها آنية أهل الجنة في الجنة وهي آنية أهل الكبر والخيلاء والمستطيلين على عباد الله في الدنيا فليست من آنية المؤمنين بل هي من آنية الكفار في الدنيا ، وأما المؤمنون فهي آنيتهم في الآخرة. فالعلة هي ما فيها من الكبر والإسراف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء. لذا ذهب عامة أهل العلم على أن المحرم ليس الأكل والشرب فحسب بل ذلك يشمل الأكل والشرب وغيرهما من الإستعمالات ، بل حكاه النووي وغيره إجماعاً ـ ولكن ذهب أهل الظاهر ، وممن ذهب إليه الشوكاني والصنعاني إلى أن المحرم الأكل والشرب فحسب ؛ لأن النص وارد فيها فحسب.
الراجح هو القول الأول: وكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نص عليها فحسب لا يعني أنهما المحرمان فقط ، فإن الشارع يذكر الشيء في الحكم ثم يلحق به ما شابهها من باب القياس. فالله ـ عز وجل ـ قال في كتابه: {وربائبكم اللاتي في حجوركم}. ومعلوم أن الربيبة محرمة مطلقاً سواء كانت في حجر زوج أمها أم لا. فيكون نص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة بناءاً على الغالب ، فالغالب في استعمال الذهب والفضة إنما هو في الشرب ولكن يلحق بالأكل والشرب ما شابههما من الإستعمالات كأن يتوضأ أو يغتسل أو يتطيب أو نحو ذلك من الإستعمالات .فإذن: كل استعمال لأواني الذهب والفضة فإنه محرم ـ فإن قيل : قد ثبتت أدلة تدل على جواز إستعمال الفضة؟؟ من ذلك ما ثبت في البخاري: أن أم سلمة كان عندها جلجل فيه شعر من شعرات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تستشفي بهن أي إذا أتاها أحد من المرضى فإنها تضع في هذا الجلجل ماءاً ثم تحركه ثم يشرب منه فيشفى بإذن الله.قالوا: فهذا يدل على جواز إستعمال الفضة.واستدلوا بما ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود بإسناد جيد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها)أي تصرفوا بها كيف شئتم.وقد ذكر شيخ الإسلام أن الأصل في الفضة الإباحة ما لم يثبت دليل يدل على التحريم ـ لذا الذي يتبين ـ والعلم عند الله ـ أن استعمال الفضة في غير الأكل والشرب أن ذلك مباح ، فإذا استعملها في قلم ومكحلة ومدخنة ونحو ذلك فإنه مباح.
ـ أما الذهب فهو محرم على الإطلاق لا يحل منه إلا حلي النساء ، وما اضطر المسلم إليه.
أما الفضة: فالأكل والشرب فيها محرم.
أما في غير الأكل والشرب فإن ذلك جائز ـ ولا يخفى أن الأثر عن أم سلمة أثر راو ، فإنها هي التي روت قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الفضة ومع ذلك فإنها كان عندها جلجل وكانت تضع فيه شعرات النبي ـ صلى الله عليه وسلم. فعلى ذلك الذي يتبين: أن استعمال الفضة في غير الأكل والشرب مباح أما الذهب فإنه محرم على الإطلاق. إلا ما تقدم من حلي النساء وما أضطر إليه المسلم ، وسيأتي مزيد بحث عن هذا إن شاء الله.

* وقوله (( فإنه يحرم إتخاذها )): يحرم الإتخاذ ؛ لأن الإتخاذ وسيلة الإستعمال والشارع قد يسد الذرائع الموصلة إلى المحرمات ـ فلو كان هناك إناء يمكن أن يشرب فيه أو يؤكل فيه وهو من ذهب أو فضة فإذا وضعه صاحب المنزل وإن قال إنه لا يأكل به ولا يشرب فإن ذلك محرم ؛ لأنه قد إتخذه والإتخاذ وسيلة الإستعمال وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم ـ كما أنه يحرم إتخاذ آلات اللهو والطرب ونحوها من الآلات ؛ لأن التي تبث المنكرات فيحرم إتخاذها ؛ لأن ذلك ذريعة إلى إستعمالها. فالإتخاذ محرم للشيء الذي يحرم إستعماله وهذا مذهب جمهور الفقهاء.

* قوله: (( ولو على أنثى )): فإن الإنثى إنما يباح لها الحلي ـ وسيأتي إن شاء الله ـ.

* قوله:(( وتصح الطهارة فيه )): أي من آنية الذهب والفضة. إذن: لا يحل لها أن تتوضأ في إناء ذهب أو فضة أو يغتسل لكنه لو فعل ذلك فإن وضوءه صحيح ـ هذا هو مذهب جمهور الفقهاء.
وذلك لأن هذا الفعل فيه لم يقع على شرط العبادة ولا ركنها. بل هو أجنبي عن العبادة فإنه قد توضأ وضوءاً صحيحاً قد توفرت فيه شروطه والماء كذلك ليس بمغصوب ـ بخلاف الماء المغصوب فسيأتي الكلام عليه. إذن الطهارة صحيحة ، مع تحريم الفعل ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء.

* قوله: (( إلا ضبة يسيرة من فضة لحاجة )): هذا إستثناء من التحريم ، فإن الضبة اليسيرة التي تكون من الفضة لحاجة فإن ذلك جائز في المشهور من المذهب. إذن: المشهور من المذهب أن الضبة اليسيرة من الفضة للحاجة في الإناء إن ذلك جائز. والحاجة هي ألا يكون ذلك للزينة وإن كان يمكنه أن يسوي هذا إلاناء بغير الفضة بأن يسويه بحديد أو نحاس أو نحو ذلك.إذن ليست المسألة ضرورة بحيث أن الفضة تعينت ، بل المسألة حاجة ، فالفضة لم تتعين بل يمكنه أن يستعمل غير الفضة.قالوا: فذلك جائز ـ فالضبة اليسيرة من الذهب محرمة فتبقى في العموم المتقدم ، والضبة الكثيرة من الفضة محرمة فتبقى في العموم المتقدم. والضبة اليسيرة لغير حاجة كزينه ونحوها فإن ذلك محرم. وإنما المباح الضبة اليسيرة عند الحاجة هذا هو مذهب الحنابلة ـ وذهب بعض الحنابلة إلى أنه مباح للحاجة وغيرها. وهذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا أصح ، إذ الحاجة لا تبيح محرماً ، ونحن إذا قلنا بجوازه فلا فرق بين أن يكون ذلك للحاجة أو غيرها ـ واستدل الحنابلة وهو مذهب الجمهور على قولهم ، بما ثبت في البخاري من حديث أنس بن مالك: (( أنه كان عنده قدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنكسر فاتخذ مكان الشَّعب سلسلة من فضة )).
قالوا: لفظة (فاتخذ) تدل على أن المتخذ هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالمتخذ ـ عندهم ـ هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي إتخذ مكان الشعب ـ أي هذا الشق اتخذ مكانه سلسلة من فضة ، فالمتخذ ـ على هذا القول هو: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ وهو مذهب الليث وهو مذهب طائفة من الصحابة والتابعين إلى أن الضبة اليسيرة كذلك لا تجوز.
وقالوا: المتخذ هنا إنما هو أنس بن مالك ويدل على ذلك ما في البخاري من رواية عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند أنس بن مالك، وقد انصدع فسلسلة سلسلة من فضة) فالمسلسل هنا إنما هو أنس.وأصرح منه رواية محمد بن سيرين قال: إنه كان فيه ـ أي في هذا القدح ـ حلقة من حديد فأراد أنس بن مالك أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة: (( لا تغيرن شيئاً صنعه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتركه )). إذن: كان هذا الإناء الذي هو قدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان فيه حلقة من حديد ، فأراد أنس أن يغيرها فنهاه أبو طلحة الإنصاري ـ زوج أمه ـ ثم بعد ذلك غيَّره أنس وجعل ذلك فضة على الإختيار.إذن: فاعل ذلك ليس هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما هو أنس. وأنس ـ رضي الله عنه ـ صحابي وقوله حجة لكن إذا لم يعلم له مخالف. وهنا له مخالف وهو ابن عمر ، فقد ثبت في سنن البيهقي بإسناد صحيح: أنه كان لا يشرب من إناء فيه حلقة فضة ، أو ضبة فضة ).إذن: قد خالفه ابن عمر ، فلم يبق قوله حجة. فالقول الراجح: هو ما ذهب إليه الإمام مالك من النهي عن ذلك مطلقاً فالضبة محرمة مطلقا كثيرة كانت أو يسيره من فضة أو غيرها لحاجة أو وغير حاجة كما هو مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله .واعلم أن مما استدل به أهل العلم على تحريم الضبة على الإطلاق: مارواه الدارقطني وقال: إن إسناده حسن: من حديث ابن عمر: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( نهى أن يشرب من إناء ذهب أو إناء فضة أو إناء فيه شيء منهما فمن فعل ذلك فإنما بجرجر في بطنه نار جهنم) ، لكن الحديث من حديث زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن ابن عمر. وزكريا مجهول وكذلك أبوه فالحديث ضعيف ، وقول الدارقطني: "إسناده حسن" ليس بحسن بل الحديث ضعيف وقد ضعفه ابن القطان وابن تيمية والذهبي وابن حجر، فالحديث ضعيف لا يحتج به ، ومع ذلك فإن الضبة محرمة للتعليل المتقدم.

* قوله: (( وتكره مباشرتها لغير حاجة )): إذن: هي جائزة أولاً ، ولكن مباشرتها مكروهة لغير حاجة. فكونه يستعملها فيشرب مباشرة من هذه الضبة فَتُمَس بَشْرَتُه ذلك مكروه إلا إذا احتاج إلى ذلك ، فإذا احتاج إلى ذلك فإن الكراهية تزول. وعللوا ذلك: بأن مباشرتها إستعمال لها ، ومقتضى هذه العلة التحريم؛ لأن الإستعمال محرم. والظاهر أن ذلك لا حرج فيه مادام أن هذه الضبة جائزة ، وأبيح فعلها في الإناء فإنه ـ حينئذ ـ لا حرج في مباشرتها ، والكراهية حكم شرعي لابد له من دليل. والحمد لله رب العالمين.


  #7  
قديم 7 ربيع الثاني 1432هـ/12-03-2011م, 12:25 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد/ الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : من شرح بن عثيمين رحمه الله :

اقتباس:
فإن قال قائل: خصَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الأكل والشرب لأنَّه الأغلب استعمالاً؛ وما علِّق به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: {{وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ}} [النساء: 23] ،
فتقييد تحريم الرَّبيبة بكونها في الحجر لا يمنع التَّحريم، بل تَحرُمُ، وإِن لم تكن في حِجره على قول أكثر أهل العلم[(105)]؟
قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يُعلِّق الحكم بالأكل والشُّرب؛ لأن مَظْهَرَ الأمة بالتَّرف في الأكل والشُّرب أبلغُ منه في مظهرها في غير ذلك،
وهذه عِلَّة تقتضي تخصيص الحكم بالأكل والشُّرب، لأنه لا شكَّ أنَّ الذي أوانيه في الأكل والشُّرب ذهب وفِضَّة، ليس كمثل من يستعملها في حاجات تَخْفَى على كثير من النَّاس

ممكن توضيح التعليل بشكل آخر ؟؟
الجواب : تعليل الشيخ مستند إلى تخصيص لقاعدة أصولية سيأتي شرحها بالتفصيل بإذن الله في مادة أصول الفقه ، لكن أعطي شرحاً موجزاً عنها هنا ليتضح المقصود
وهي أن الحكم إذا ورد في النص معلقاً بالأغلب فإنه لا يختص به بل يكون الحكم عاماً
مثال: قوله تعالى في تحريم أموال اليتامي : (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) وقوله: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)
فلو أخذ إنسان مال اليتيم لغير غرض الأكل ، أي أخذ لباساً لليتيم ولبسه فالحكم واحد
لأن ذكر الأكل في الآية ليس للتخصيص وإنما هو للتمثيل بالغالب وما كان مثله فله حكمه.
واستعمال آنية الذهب الفضة في الأكل والشرب محرم بالنص والإجماع
وفيه أحاديث:
- منها حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) متفق عليه.
- وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يشرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)


وقد حكى الإجماع على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة ابن المنذر والنووي وغيرهما إلا ما روي عن معاوية بن قرة أحد التابعين ولعله لم تبلغه الأحاديث.
وهذا الحكم عام للرجال والنساء
واختلف في استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب كالوضوء في آنية الذهب والفضة والتطيب بها ونحو ذلك من الاستعمالات
فجمهور العلماء على التحريم وقالوا: إن ذكر الأكل والشرب خرج مخرج الغالب فما كان في معنى الأكل والشرب فيشمله حكمه
وقال بعض أهل العلم إن الحديث نص على الأكل والشرب وما عداه فيبقى على الأصل وهو عدم التحريم .
وقول الجمهور أصح لأن هذه الاستعمالات قد اشتركت في أصل العلة التي حرم من أجلها الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وهي المبالغة في التنعم والترف ومشابهة الكفار.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نظائر هذه الاستعمالات
وهذا التحريم حكاه شيخ الإسلام عن عامة أهل العلم في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم فقال: (وقالوا أيضا لا يجوز الأكل والشرب والأدهان والتطيب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء للنصوص ولأنه تشبه بزي المشركين وتنعم بتنعم المترفين والمسرفين)
وفي هذه المسائل تفصيل يأتي ذكره في المراحل المتقدمة إن شاء الله
وإنما ذكرت ههنا الخلاصة للفائدة ، ولتمام الجواب.



السؤال الثاني :
اقتباس:
قوله: «ويُباحُ استعمالُه بعد الدَّبغ في يَابِسٍ» ، يعني: يباح استعمال جلد الميتة بعد الدَّبغ في يابس.
فأفادنا المؤلِّفُ أن استعماله قبل الدَّبغ لا يجوز في يابس، ولا غيره؛ لأنه نجس.
وظاهر كلامه أن الاستعمال لا يجوز ولو بعد أن نَشفَ الجلد وصار يابساً، وهذا فيه نظر؛ لأنَّنا نقول: إِذا كان يابساً، واستُعمل في يابس فإن النَّجاسة هنا لا تتعدَّى كما لو قدَّدناه، وجعلناه حبالاً لا يباشر بها الأشياء الرَّطبة، فإن هذا لا مانع منه.

لكن أليس الجلد بدون دبغ نجس لحديث ميمونة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَرَّ بشاةٍ يجرُّونها، فقال: هلاَّ أخذتم إِهابها؟ قالوا: إنها ميتة، قال: يُطهِّرها الماءُ والقَرَض»
و الرسول صلى الله عليه و سلم لم يخصص لأيّ أمر يستعمل الجلد بل قال مطلقا "هلاَّ أخذتم إِهابها " و كان رد القوم انها ميتة فبيّن لهم ما يطهّرها .....أفلا يدلّ ذلك على ان استعمال الجلد قبل الدبغ لأيّ أمر كان ممنوع؟
و اذا علمنا انّ من القواعد الفقهية انّ النجاسة لا يتعدّى حكمها الاّ اذا تعدّى أثرها ... فبارك الله فيكم كيف أوافق بين هذا و ذاك ؟

الجواب : ههنا مسألتان مختلفتان:
أما المسألة الأولى: فإن جلد الميتة قبل الدبغ نجس على الصحيح لحديث ميمونة وفي بعض ألفاظه: (يطهرها الماء والقرظ) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) فدل على أنه قبل الدبغ ليس بطاهر .
وفي المذهب أنه لا يطهر حتى بالدبغ واستدلوا بحديث عبد الله بن عكيم قال:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلينا ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) رواه الشافعي والخمسة وزاد الشافعي وأحمد وأبو داوود: (قبل وفاته بشهر)
وهذا الحديث قد اختلف في تصحيحه وتضعيفه، وكان الإمام أحمد يقول به ثم تبين له اضطراب إسناده فتركه.
قال الترمذي: (حديث حسن ، وكان أحمد يذهب إليه ويقول: هذا آخر الأمر، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده).
وجمع بينهما بعض أهل العلم: بأن حديث التحريم إنما عني به الإهاب الذي لم يدبغ ، وحديث الإباحة عني به الجلد المدبوغ
ويؤيد هذا الجمع ما ذكره النضر بن شميل وغيره من علماء اللغة أن الإهاب في لغة العرب هو الجلد الذي لم يدبغ، فأما المدبوغ فلا يسمى إهاباً، وإنما يسمى بحسب ما يكون إما قربة أو شناً أو غير ذلك مما دبغ له
ويؤيد ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث ميمونة: (هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به) فجعل الانتفاع به مشروطاً بدبغه، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الانتفاع به قبل دبغه.
فهذا بيان المسألة الأولى.
أما المسألة الثانية: فهي حكم الانتفاع بالنجاسات التي لا يتعدى أثرها، وهذه المسألة فيها خلاف، وهي مسألة عامة يدخل فيها جلد الميتة وغيره من النجاسات التي قد يحتاج إلى استعمالها فيما يؤمن فيه تعدي أثرها إما باستعمال ما يمنع تعدي النجاسة أو كون هذا الاستعمال لا يقتضي مباشرة تلك النجاسة
كاستعمال جلود الميتة لسد فروج حظيرة ماشية لتحفظها من البرد ، ونحو ذلك.
وكتحنيط الميتة والاستفادة منها في أغراض علمية ونحو ذلك.
وفي المذهب على القول بأن الدبغ لا يطهر جلد الميتة إلا إنهم يقولون بجواز الانتفاع بها بعد الدبغ في الأشياء اليابسة بحيث يؤمَن تعدي أثر النجاسة.
والصحيح كما تقدم أن جلد الميتة يطهر بالدبغ.



السؤال الثالث: قال الشيخ بن عثيمين في شرحه لباب الآنية :" الأصل في الآنية الحل لأنها داخلة في عموم قوله تعالى " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا" ومنه الآنية لأنها مما خلق في الأرض " انتهى كلامه
السؤال ما وجه الاستدلال من الآية في حل الآنية للاستخدام وجه الإشكال أن الأرض فيها الحلال وفيها الحرام؟
الجواب : وجه الاستدلال أن الأصل هو الحلال فيما خلق في الأرض، وأما الحرام فاستثناء يستثنى من الأصل، فما دل الدليل على تحريمه حُرِّم ، وما عداه فيبقى على الأصل وهو الحل، لأن قوله تعالى : (خلق لكم) فيه معنى الإباحة.
فلو قال رجل لخادمه أحضرت هذا الطعام لك فهم منه إباحته له، لكن لو قال له: أحضرت هذا الطعام لك إلا هذا الصنف فأرسله إلى فلان، عُلم بذلك أن ما استثناه لا يحل له.
فلما خلق الله لنا ما في الأرض علمنا حلَّ ما فيها لنا إلا ما استثناه الله وحرمه علينا.


السؤال الرابع: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال حين فتح مكَّة:
«إِن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام»، قالوا: يا رسول الله؛ أرأيت شُحوم الميتة، فإِنَّها تُطلى بها السُّفن، وتُدهن بها الجلود، ويَستصبح بها النَّاس، فقال: «لا، هو حرام» ما معنى ويستصبح بها الناس؟
الجواب : يستصبح بها الناس: أي يتخذون منها مصابيح يستضيئون بها.


السؤال الخامس: وثبت أنَّه صلّى الله عليه وسلّم توضَّأ وأصحابه من مزادة امرأة مشركة ، ما معنى مزادة؟
الجواب : المزادة وعاء من جِلد يحفظ فيه الماء.




السؤال السادس:
اقتباس:
قوله: «كلُّ إناءٍ طاهر» ،
هذا احتراز من النَّجس، فإِنَّه لا يجوز استعماله؛ لأنَّه قذر،
وفيما قال المؤلِّفُ نظر، لأن النَّجس يباح استعمالُه إِذا كان على وجه لا يتعدَّى،
والدَّليل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال حين فتح مكَّة:
«إِن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام»، قالوا: يا رسول الله؛ أرأيت شُحوم الميتة، فإِنَّها تُطلى بها السُّفن، وتُدهن بها الجلود، ويَستصبح بها النَّاس، فقال: «لا، هو حرام»[(92)]. فأقرَّ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هذا الفعل مع أنَّ هذه الأشياء نجسة، فدلَّ ذلك على أن الانتفاع بالشيء النَّجس إذا كان على وجه لا يتعدَّى لا بأس به، مثاله أن يتَّخذ «زِنْبِيلاً» نجساً يحمل به التُّراب ونحوه، على وجهٍ لا يتعدَّى.
لم أفهم كيف أقر النبي هذا الفعل مع أنه قال " هو حرام "؟
وكيف يكون استعمال النجس على وجه لا يتعدى؟
الجواب: اختلف العلماء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (( لا هو حرام)) على قولين:
القول الأول: أن المراد بيع شحوم الميتة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم بيع الميتة فأرادوا أن يستثنوا شحومها لأن الانتفاع بها متعارف عليه في طلاء السفن ودهن الجلود والاستصباح بها فقال: (لا هو حرام) أي بيعها.
وهذا قول الشافعي رحمه الله، واستدلّ له أيضاً بأنّه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحة الانتفاع بجلود الميتة بعد دبغها.
واستدلّ أبو سليمان الخطابي على جواز الانتفاع بالميتة في غير البيع بالإجماع على أن من ماتت له دابّة جاز له أن يطعمها كلاب الصيد، قال: فكذلك يكون حكم طلاء السفن بها ولا فرق.
القول الثاني: المراد تحريم بيعها وتحريم الانتفاع بها، وهو قول الإمام أحمد وابن الماجشون من المالكية ، واستثنوا ما صحّ فيه الدليل كجلود الميتة إذا دبغت.
ومسألة الانتفاع بالنجاسات فيما يؤمن فيه تعديها مختلف فيه على أقوال:
القول الأول: يجوز في غير المسجد؛ كأن يُستصبح بالزيت النجس، وهذا قول عند الحنابلة والمالكية، وأما في المسجد فلا يجوز لأن تطهير المساجد من النجاسات واجب.
القول الثاني: الجواز في حال عموم البلوى ؛ وهذا كقول الحنفية في جواز الانتفاع بشعر الخنزير للخرازين، مع أن المشهور عنهم تحريم الانتفاع بالنجاسات لكن يستثنون ما تعمّ به البلوى.
القول الثالث: التفريق بين النجاسات العينية والأعيان المتنجّسة ؛ فكل عين طاهرة تنجّست بشيء فيجوز الانتفاع بها فيما يؤمن فيه تعدّي النجاسة وأما النجاسات العينية كالبول والعذرة ونحوها فلا يجوز الانتفاع بها، وهذا هو المعتمد عند المالكية.
القول الرابع: لا يجوز الانتفاع بالنجاسات مطلقاً وهو المشهور عن الحنابلة ، واستثنوا مسائل معدودة.
القول الخامس: جواز الانتفاع بالنجاسات مطلقاً فيما لا يتعدّى فيه أثرها، وهو قول الشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره.
واستعمال النجاسة فيما لا يتعدّى أثرها له أمثلة: كأن يستصبح بالزيت النجس، ويتحرَّز من أن يصيب الثوب والبقعة التي يُصلّى عليها، وكأن تُطلى به السفن، ومثل الانتفاع بظل الجلود النجسة وأن تسدّ بها فروج حظائر الماشية فتستدفئ بها من البرد؛ فهذا انتفاع بها في أمر لا يتعدّى إلى البدن والماء والبقعة التي يثصلَّى عليها.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الآنية, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir