دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 04:21 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خطأ نفي التأويل مطلقاً بجميع معانيه

وَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَنْفُونَ التَّأْوِيلَ مُطْلَقًا، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ) قَدْ يَظُنُّونَ أَنَّا خُوطِبْنَا فِي الْقُرْآنِ بِمَا لاَ يَفْهَمُهُ أَحَدٌ، أَوْ بِمَا لاَ مَعْنَى لَهُ، أَوْ بِمَا لاَ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّا إِذَا لَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقُولَ: لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَلاَ يُوَافِقُهُ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ لاَ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمَعْلُومَ لَنَا، فَإِنَّهُ لاَ ظَاهِرَ لَهُ عَلَى قَوْلِهِمْ، فَلاَ تَكُونُ دَلاَلَتُه عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى دَلاَلَةً عَلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ فَلاَ يَكُونُ تَأْوِيلًا، وَلاَ يَجُوزُ نَفْيُ دَلاَلَتِه عَلَى مَعَانٍ لاَ نَعْرِفُهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْمَعَانِيَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا قَدْ لاَ نَكُونُ عَارِفِينَ بِهَا، وَلِأَنَّا إِذَا لَمْ نَفْهَمِ اللَّفْظَ وَمَدْلُولَه الْمُرَادَ فَلاَنْ لاَ نَعْرِفَ الْمَعَانِيَ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا اللَّفْظُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إِشْعَارَ اللَّفْظِ بِمَا يُرَادُ بِهِ أَقْوَى مِنْ إِشْعَارِهِ بِمَا لاَ يُرَادُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ لاَ إِشْعَارَ لَهُ بِمَعْنًى مِنَ المَعَانِي، وَلاَ يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنًى أَصْلًا، لَمْ يَكُنْ مُشْعِرًا بِمَا أُرِيدَ بِهِ، فَلاَنْ لاَ يَكُونُ مُشْعِرًا بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ أَوْلَى.
فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُتَأَوَّلٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنِ الاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ، فَضلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمُخْتَصَّ بِالْمَخْلُوقِينَ، فَلاَ رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِالظَّاهِرِ هَذَا فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ.
لَكِنْ إِذَا قَالَ هَؤُلاَءِ: إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا تَأْوِيلٌ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ أَوْ إِنَّهَا تُجْرَى عَلَى الْمَعَانِي الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، كَانُوا مُتَنَاقِضِينَ. وَإِنْ أَرَادُوا بِالظَّاهِرِ هُنَا مَعْنًى وَهُنَا مَعْنًى فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَانَ تَلْبِيسًا، وَإِنْ أَرَادُوا بِالظَّاهِرِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ أَيْ تُجْرَى عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ كَانَ إِبْطَالُهمْ لِلتَّأْوِيلِ أَوْ إِثْبَاتُه تَنَاقُضًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ تَأْوِيلًا أَوْ نَفَاهُ فَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ مَعْنًى مِنَ المَعَانِي. وَبِهَذَا التَّقْسِيمِ يَتَبَيَّنُ تَنَاقُضُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ نُفاةِ الصِّفَاتِ وَمُثْبِتِيهَا فِي هَذَا الْبَابِ.

  #2  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 04:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


قولُه:
وهؤلاءِ الذين يَنْفُون التأويلَ مُطلَقاً، ويَحتَجُّون بقولِه تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} قد يَظُنُّون أنا خُوطِبْنا في القرآنِ بما لا يَفْهَمُه أحدٌ، أو بما لا معنَى له، أو بما لا يُفْهَمُ منه شيءٌ. وهذا مع أنه باطلٌ فهو مُتَناقِضٌ؛ لأنا إذا لم نَفْهَمْ منه شيئاً لم يَجُزْ لنا أن نقولَ له تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ ولا يُوافِقُه؛ لإمكانِ أن يكونَ له معنًى صحيحٌ, وذلك المعنى الصحيحُ لا يُخالِفُ الظاهِرَ المعلومَ لنا، فإنه لا ظاهِرَ له على قولِهم فلا تكونُ دَلالتُه على ذلك المعنى دَلالةً على خلافِ الظاهِرِ، فلا يكونُ تأويلاً.

ولا يَجوزُ نفيُ دَلالتِه على معانٍ لا نَعرفُها على هذا التقديرِ. فإن تلك المعانيَ التي دَلَّ عليها قد لا نكونُ عارفين بها، ولأنا إذا لم نَفْهَمِ اللفظَ ومدلولَه فلأن لا نَعْرِفَ المعانيَ التي لم يَدُلَّ عليها اللفظُ أَوْلى؛ لأن إشعارَ اللفظِ بما يُرادُ به أقوى من إشعارِه بما لا يُرادُ به؛ فإذا كان اللفظُ لا إشعارَ له بمعنًى من المعاني, ولا يُفهمُ منه معنًى أصلاً لم يكنْ مُشْعِراً بما أُرِيدَ به، فلأن لا يكونَ مُشْعِراً بما لم يُرَدْ به أَوْلَى.

فلا يَجوزُ أن يُقالَ: إن هذا اللفظَ مُتَأَوَّلٌ بمعنى أنه مصروفٌ عن الاحتمالِ الراجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ، فضْلاً عن أن يُقالَ: إن هذا التأويلَ لا يَعْلَمُه إلا اللهُ. اللَّهُمَّ إلا أن يُرادَ بالتأويلِ ما يُخالِفُ ظاهِرَه المختَصَّ بالخلْقِ، فلا ريبَ أن مَن أرادَ بالظاهِرِ هذا لا بدَّ وأن يكونَ له تأويلٌ يُخالِفُ ظاهِرَه.

لكن إذا قالَ هؤلاءِ: إنه ليس لها تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ، أو أنها تَجري على المعاني الظاهِرةِ منها كانوا مُتَناقِضِين، وإن أرادوا بالظاهِرِ هنا معنى، وهناك معنى – في سياقٍ واحدٍ من غيرِ بيانٍ – كان تلبيساً. وإن أرادوا بالظاهِرِ مجرَّدَ اللفظِ – أي: تُجْرَى على مجرَّدِ اللفظِ – الذي يَظْهَرُ من غيرِ فهْمٍ لمعناه، كان إبطالُهم للتأويلِ أو إثباتُه تناقضاً؛ لأن مَن أثبَتَ تأويلاً أو نَفاه فقد فَهِمَ معنًى من المعاني. وبهذا التقسيمِ يَتبيَّنُ تناقُضُ كثيرٍ من الناسِ من نُفاةِ الصفاتِ ومُثْبِتِيها في هذا البابِ.


الشرْحُ:
الإشارةُ راجعةٌ إلى الطائفةِ التي اضطرَبَتْ وتناقَضتْ بسببِ عدَمِ معرفةِ التأويلِ، وعدَمِ تمييزِ صحيحِه من فاسدِه، ولهذا نعَتَها المؤلِّفُ بقولِه: الذين يَنْفُون التأويلَ مُطلَقاً ويَحْتَجُّون بقولِه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ} وإذاً فمُرادُ المؤلِّفِ أنه يَلْزَمُ على قولِ هذه الطائفةِ أن يكونَ الرسولُ لا يَعْرِفُ معنى ما أُنْزِلَ إليه من هذه الآياتِ , ولا أصحابُه يَعْلَمون معنى ذلك، بل لازِمُ قولِهم: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكنْ يَعْرِفُ معنى ما تَكلَّمَ به من أحاديثِ الصفاتِ، بل يَتَكلَّمُ بكلامٍ لا يُعرفُ معناه.

ولا شكَّ في بُطلانِ ظنِّهم وفسادِ لوازمِ قولِهم، فالرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومُتَّبِعُوه مُنَزَّهون عن ذلك، بل ماتَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تَرَكَنا على الْمَحَجَّةِ البيضاءِ ليلُها كنَهارِها, لا يَزيغُ عنها إلا هالِكٌ.
والحاصلُ أنه يَلزَمُ مَن قالَ هذه المقالةَ أحدُ ثلاثةِ لوازمَ: إما أنا خُوطِبْنا في القرآنِ بما لا يَفْهَمُه أحدٌ، لا جبريلُ الذي نَزَلَ به من عندِ اللهِ، ولا الرسولُ الذي نَزَلَ عليه وحيُ اللهِ، ولا الصحابةُ الذين تَلَقَّوُا الوحيَ عن رسولِ اللهِ. والثاني: أنا خُوطِبْنا في القرآنِ بما لا معنَى له أصلاً، بل هي ألفاظٌ جَوْفاءُ مجرَّدةٌ من المعاني.

والثالثُ: أنا خُوطِبْنا في القرآنِ بما لا نَفْهَمُ منه شيئاً، بل هو عبارةٌ عن ألغازٍ ورموزٍ لا نَفْهَمُها.
والقولُ بنفيِ التأويلِ والاستِدلالُ على نفيِه بالآيةِ, وما يَلزَمُ عليه من لوازمَ قولٌ باطلٌ، ومع بُطلانِه فهو متناقِضٌ. وقد بيَّنَ المؤلِّفُ وجهَ التناقُضِ بأمرين:

أحدُهما: قولُه (لأنَّا إذا لم نَفْهَمْ منه شيئاً لم يَجُزْ لنا أن نقولَ له تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ ولا يُوافقُه) ثم بيَّنَ وجهَ ذلك بقولِه: (لإمكانِ أن يكونَ له معنًى صحيحٌ لا يُخالفُ المعنى المعلومَ لنا) ثم قالَ: (فإنه لا ظاهِرَ له على قولِهم ) فلا تكونُ دَلالتُه على ذلك المعنى الذي يَزْعُمونه دَلالةً على خلافِ الظاهِرِ. فهم يقولون: التأويلُ باطلٌ، وهذا يعني أنه لا تأويلَ له، وحينئذٍ لا يَجوزُ أن يكونَ دالاّ على معانٍ لا نعرِفُها على تقديرِ نفيِ التأويلِ؛ لأنا والحالةُ هذه لا نكونُ عالمين بمعنًى من المعاني أصلاً.

والأمرُ الثاني: ذكَرَه بقولِه: (ولأنَّا إذا لم نَفْهَم اللفظَ ومدلولَه فَلِأن لا نَفهمَ ما لا يَدُلُّ عليه اللفظُ أَوْلَى) ثم شَرَحَ ذلك بقولِه: (لأن إشعارَ اللفظِ بما يُرادُ به أقوى من إشعارِه بما لا يُرادُ به).
وحينئذٍ فلا يَجوزُ أن يُقالَ إن هذا اللفظَ مصروفٌ عن المعنى الراجحِ إلى المعنى المرجوحِ؛ فإنه لا معنى له أصلاً حيثُ لم يُشْعِر اللفظُ بشيءٍ, ولا يُقالُ أيضاً بطريقِ الأَوْلى: له تأويلٌ لا يَعْلَمُه إلا اللهُ لإمكانِ أن يكونَ المعنى الظاهِرُ المعلومُ لنا بمقتضى اللفظِ هو المرادَ، وحيث قالوا: نريدُ بالظاهِرِ ما يُماثِلُ صفاتِ المخلوقين فنَصْرِفُ النصَّ عن هذا المعنى إلى المعنى اللائقِ باللهِ. قيلَ لهم: لا شكَّ أن النصوصَ ليست دالَّةً على هذا الظاهِرِ، بل ظاهِرُها السابقُ إلى العقلِ والمتبادِرُ إلى الفَهْمِ هو إثباتُ صفاتِ اللهِ اللائقةِ به، وليست مماثِلَةً لصفاتِ خلْقِه، وحينئذٍ فلها تأويلٌ يُخالِفُ هذا المعنى الذي تَزْعُمون أنه ظاهِرُها.
لكن إذا قالت هذه الطائفةُ: التأويلُ باطلٌ، وللنصوصِ تأويلٌ يخالِفُ الظاهِرَ، أو قالتْ: التأويلُ باطلٌ، وتُجْرَى النصوصُ على ظاهِرِها. كانت بهذا القولِ مُتَناقِضَةً، ووجْهُ ذلك أن قولَهم: التأويلُ باطلٌ، معناه ليس للنصوصِ تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ ولا يُوافِقُه. وقولُهم: لها تأويلٌ يُخالفُ الظاهِرَ، معناه أنهم يُثْبِتون أن لها تأويلاً. وقولُهم: تُجْرَى على ظاهِرِها، معناه إثباتُ تأويلٍ لها فلا يتَّفِقُ مع قولِهم: التأويلُ باطلٌ؛ لأن مدلولَ هذه الكلمةِ نفيُ دَلالةِ اللفظِ على معنى من المعاني.

وحيث قالوا: نريدُ بالظاهِرِ في قولِنا للنصوصِ تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ نريدُ بالظاهِرِ هنا ما يُماثِلُ صفاتِ المخلوقين، وفي قولِنا: ليس لها تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ أو تُجْرَى النصوصُ على ظاهِرِها، نريدُ بالظاهِرِ هنا المعنى اللائقَ باللهِ، حين يقولون هذه المقالةَ في سياقٍ واحدٍ من غيرِ بيانٍ وإيضاحٍ لمرادِهم بكلمةِ الظاهِرِ في الموضعين كان هذا منهم تَدْلِيساً على السامعِ؛ لأنهم يَنْفُون التأويلَ مُطلَقاً. وهذا يعني أنه ليس لها معنًى يُوافِقُ الظاهِرَ أو يُخالِفُه، وحيثُ قالوا: نريدُ بالظاهِرِ في قولِنا: تُجْرَى على ظاهِرِها. مجرَّدَ اللفظِ من غيرِ أن يُفْهَمَ منه معنًى، كانوا مُتَناقِضِين؛ لأن قولَهم: تُجْرَى على ظاهِرِها، معناه أنهم حكَمُوا بأن لها معنى. كما أن قولَهم: لها تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ، حكْمٌ منهم بإثباتِ معنى من المعاني.

وبهذا يَتَّضِحُ أن قولَ هذه الطائفةِ في غايةِ البطلانِ والتناقضِ والفسادِ، وبتقسيمِ التأويلِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، ومعرفةِ الصحيحِ منها من الفاسدِ، يَتبيَّنُ تناقُضُ نُفاةِ الصفاتِ كالجَهْميَّةِ والمعتزلِةِ، ومُثْبِتِي بعضِها كالأشاعرةِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.

إلى هنا تَمَّ الجزءُ الأوَّلُ من التحفةِ المهديَّةِ، شرْحُ الرسالةِ التَّدْمُريَّةِ، ويَلِيه الجزءُ الثاني إن شاءَ اللهُ، وأوَّلُه القاعدةُ السادسةُ، هذا ولْيَعْلَم الناظرُ في هذا الشرحِ أننى قد نقَلْتُ تراجمَ الأعلامِ من تَذْكِرةِ الْحُفَّاظِ للذهبيِّ، ووَفَيَاتِ الأعيانِ لابنِ خَلِّكَانَ، ومنها شيءٌ يسيرٌ من سِواهما، كما أننى أيضاً في غيرِ التراجمِ قد أَنْقُلُ بعضَ الكلامِ بنصِّه دونَ أن أعْزُوَه إلى صاحبِه، وذلك طلَباً للاختصارِ من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى ليَحْصُلَ الربطُ المُنْسَجِمُ بينَ بعضِ الكلامِ والبعضِ الآخرِ.

وفي الجزءِ الثاني سأذكرُ المراجعَ بإذنِ اللهِ تعالى، علْماً بأن معظَمَ هذه المراجعِ إنما هو من كتُبِ صاحبِ المتْنِ، رحمةُ اللهِ عليه. واللهُ جلَّ وعلا هو الموفِّقُ والهادي إلى سواءِ السبيلِ.

  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 04:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


تَناقُضُ أهْلِ التفويضِ

قولُه : وهؤلاءِ الذين يَنْفُون التأويلَ مُطْلَقًا ، ويَحتَجُّون بقولِه تعالى : }وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ{ قد يَظُنُّونَ أنَّا خُوطِبْنَا في القرآنِ بما لا يَفْهَمُه أحَدٌ, أو بما لا مَعْنَى له ، أو بما لا يُفْهَمُ منه شيءٌ ، وهذا مع أنه باطِلٌ فهو مُتَناقِضٌ؛ لأنَّا إذا لم نَفْهَمْ شيئًا لم يَجُزْ أن نقولَ : له تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ, ولا يُوافِقُه لإمكانِ أن يكونَ له معنًى صحيحٌ ، وذلك أنَّ المعنى الصحيحَ لا يُخالِفُ الظاهِرَ المعلومَ لنا فإنه لا ظاهِرَ له على قولِهم ، فلا تكونُ دَلالتُه على ذلك المعنى دَلالةً على خِلافِ الظاهِرِ فلا يكونُ تأويلاً ، ولا يَجوزُ دَلالتُه على مَعانٍ لا نَعْرِفُها على هذا التقديرِ ، فإنَّ تلك المعانِيَ التي دَلَّ عليها قد لا نكونُ عارفينَ بها, ولأنَّا إذا لم نَفْهَم اللفظَ ومدلولَه المرادَ فلأنْ لا نَعْرِفَ المعانِيَ التي لم يَدُلُّ عليها اللفظُ أَوْلَى ؛ لأنَّ إشعارَ اللفظِ بما يُرادُ به أَقْوَى من إشعارِه بما لا يُرادُ به ، فإذا كان اللفظُ لا إشعارَ له بمعنًى من المعاني ، ولا يُفْهَمُ منه معنًى أصْلاً لم يكنْ مُشْعِرًا بما أُريدَ به ، فلأنْ لا يكونَ مُشْعِرًا بما لم يُرَدْ به أَوْلَى فلا يَجوزُ أن يُقالَ : إنَّ هذا اللفظَ مُؤَوَّلٌ ، بمعنى أنه مَصروفٌ عن الاحتمالِ الراجِحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ ، فَضْلاً عن أن يقالَ : إنَّ هذا التأويلَ لا يَعْلَمُه إلا اللهُ ، اللَّهُمَّ إلا أن يُرادَ بالتأويلِ ما يخالِفُ الظاهِرَ الْمُخْتَصَّ بالخلْقِ ، فلا ريبَ أنَّ مَن أرادَ بالظاهِرِ هذا لا بدَّ وأن يكونَ له تأويلٌ يُخالِفُ ظاهِرَه ).

التوضيحُ

ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ هنا بُطلانَ قولِ الْمُفَوِّضَةِ: إنَّ في القرآنِ ما لا يَفْهَمُه إلا اللهُ, أو ما لا معنَى له ، وقد سَبَقَ ذلك في أوَّلِ القاعدةِ عندَ ذِكْرِ الأَدِلَّة الدالَّةِ على فَهْمِنا للمعنى, وإنما المقصودُ هنا بيانُ شيءٍ من تَناقُضِهم .
وقد سَبَقَ في الفِقرةِ السابقةِ بيانُ وجهٍ من تَناقُضِهم ، فأَخَّرْتُه هنا حتى يَلْحَقَ بنظائرِه ، ويَظْهَرَ تَناقُضُهم من وجوهٍ :

الوجهُ الأوَّلُ : في الفِقرةِ السابقةِ وهو أنَّ الآيةَ أَثْبَتَتْ تأويلاً يَعْلَمُه اللهُ, وهم يقولون: التأويلُ باطلٌ ، فَيَحْتَجُّونَ بالآيةِ التي أَثْبَتَت التأويلَ على بُطلانِ التأويلِ مُطْلَقًا, والوجوهُ الأخرى فيها شيءٌ من التَّدَاخُلِ, فأَجْتَهِدُ في ترتيبِها كما يَلِي :

الوجهُ الثاني : عندَ قولِه : " لأننا إذا لم نَفْهَمْ منه شيئًا .."
أي أننا إذا لم نَفْهَمْ من هذه النصوصِ أيَّ معنًى لم يَجُزْ أن نقولَ : إنَّ لها تأويلاً يُخالِفُ الظاهِرَ أو يُوافِقُه؛ لأنه قد يكونُ الظاهِرُ هو معناها الصحيحَ ، فنَفْيُ العلْمِ بالمعنى مع نَفْيِ الظاهِرِ تَناقُضٌ .

الوجهُ الثالثُ : عندَ قولِه: ( فإنه لا ظاهِرَ له على قولِهم ...)
أي: أنَّ ما لا يُفْهَمُ منه شيءٌ فالمفروضُ أنه لا ظاهِرَ له أَصْلاً؛ لأنه لا معنَى له, والظاهِرُ والمؤَوَّلُ إنما هما فَرْعَانِ عن المعنى ، فإن لم يكنْ له ظاهِرٌ كان المعنى الذي نُثْبِتُهُ غيرَ مخالِفٍ للظاهِرِ, فلا يكونُ تأويلاً أصلاً .

الوجهُ الرابعُ : أننا إذا لم نَفْهَم اللفظَ ومدلولَه المرادَ فمِن بابِ أَوْلى ألاَّ نَعْرِفَ المعانِيَ التي لم يَدُلَّ عليها اللفظُ ؛ لأنَّ دَلالةَ اللفظِ بما يُرادُ به أَوْلَى من دَلالتِه على ما لا يُرادُ به ، فإذا كان اللفظُ لا دَلالةَ له على معنًى من المعاني, ولا يُفهَمُ منه معنًى أَصْلاً لم يكنْ مُشْعِرًا بما أُرِيدَ به, فعَدَمُ إشعارِه بما لم يُرَدْ به أَوْلَى ، فلا يَجوزُ أن يُقالَ : هذا اللفظُ مُتَأَوَّلٌ, أي: مصروفٌ عن ظاهِرِه فَضْلاً عن أن يُقالَ: إنَّ تأويلَه لا يَعْلَمُه إلا اللهُ ، إلا إن أَرادَ أنَّ ظاهِرَه التمثيلُ فإنه لا بدَّ أن يكونَ له تأويلٌ يخالِفُ ظاهِرَه ، و إن كُنَّا لا نَعتقدُ أنَّ ظاهِرَ النصوصِ التمثيلُ كما سَبَقَ في القاعدةِ الثالثةِ .

خُلاصَةُ هذا الإلزامِ : إنه لا يَجوزُ له أن يقولَ : إنَّ هذا اللفظَ بعينِه غيرُ مُرادٍ أو لا يَعْلَمُ تأويلَه إلا اللهُ ، لعَدَمِ الدليلِ المعيَّنِ عليه ولعَدَمِ دَلالةِ اللفظِ على قولِه هذا ، واللهُ أَعْلَمُ .
خُلاصَةُ إلزامِ أهْلِ التفويضِ

قولُه : ( لكن إذا قالَ هؤلاءِ : إنه ليس لها تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ ، أو إنها تَجْرِي على المعاني الظاهِرةِ منها : كانوا متَناقِضِينَ ، وإن أَرَادُوا بالظاهِرِ هنا معنًى, وهناك معنًى في سياقٍ واحدٍ من غيرِ بيانٍ كان تَلْبِيسًا ، و إن أرادوا بالظاهِرِ مُجَرَّدَ اللفظِ الذي يَظْهَرُ من غيرِ فَهْمٍ لمعناه كان إبطالُهم للتأويلِ أو إثباتُه تَناقُضًا ؛ لأنَّ مَن أَثْبَتَ تأويلاً أو نَفَاهُ فقد فَهِمَ معنًى من المعاني .
وبهذا التقسيمِ يَتَبَيَّنُ تَناقُضُ كثيرٍ من الناسِ من نُفَاةِ الصِّفاتِ ومُثْبِتِيهَا في هذا البابِ) .

التوضيحُ

وهؤلاءِ المفَوِّضَةُ لا يَخْلُو حالُهم من ثلاثةِ احتمالاتٍ :
إذا قالوا: ليس لها تأويلٌ يُخالِفُ الظاهِرَ أو تَجْرِي على ظاهِرِها وَقَعُوا في التَناقُضِ الواضحِ ؛ لأنَّ قولَهم تَجْرِي على ظاهِرِها يعني: أنه مُرادٌ ، ثم قولُهم السابقُ إنَّ لها تأويلاً لا يَعْلَمُه إلا اللهُ يعني أنه غيرُ مُرادٍ ، وهذا التَّناقُضُ خاصٌّ بالطائفةِ الثانيةِ من الْمُفَوِّضَةِ .

وإن أَرَادُوا بالظاهِرِ في قولِهم: تَجْرِي على ظاهِرِها معنًى, وهو ( ما يَلِيقُ باللهِ ), و في قولِهم بِنَفْيِ الظاهِرِ, أي: ( التمثيلِ بالمخلوقينَ ) كان قولُهم هذا تَلْبِيسًا؛ لأنهم اسْتَخْدَموا الظاهِرَ مَرَّةً بمعنى اللائقِ باللهِ ، ومَرَّةً بمعنى التمثيلِ دونَ بيانٍ للمقصودِ ، وهذا إن كان القائلُ واحدًا ، وهذا ما عليه غالِبُ الأشاعرةِ فإنهم يقولون في نصوصِ الصِّفاتِ السبْعِ تَجْرِي على ظاهِرِها وفي غيرِها كالنصوصِ الدالَّةِ على صِفةِ الوجْهِ واليدينِ يقولون: الظاهِرُ غيرُ مُرادٍ .
وإن أَرَادُوا بالظاهِرِ مُجَرَّدَ اللفظِ من غيرِ معنًى كان إبطالُهم للتأويلِ أو إثباتُه تَناقُضًا ؛ لأنَّ إثباتَ التأويلِ أو نَفْيَه فَرْعٌ عن فَهْمِ المعنى كما سَبَقَ ، واللهُ أَعْلَمُ .

و من خِلالِ هذه القاعدةِ وبيانِ التأويلِ وأقسامِه يَظْهَرُ تَناقُضُ كثيرٍ من الطوائفِ كنُفاةِ الصِّفاتِ من الجَهْمِيَّةِ والمُعْتَزِلَةِ ومُثْبِتِي بعضِها كالأشاعرةِ والْمَاتُرِيدِيَّةِ في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ .

خُلاصَةُ القاعدةِ الخامسةِ

نَعْلَمُ ما أَخْبَرَنا اللهُ به من جِهةِ المعنى, ونَجْهَلُه من جِهةِ الكيفيَّةِ .
لا يَعْلَمُ حقيقةَ المُتَشَابِهِ إلا اللهُ, وإن كان أهْلُ العلْمِ يَعْلَمون معناه .

للتأويلِ ثلاثةُ معانٍ :
الأوَّلُ : التفسيرُ والبيانُ .
الثاني: حقيقةُ الشيءِ .
الثالثُ: صَرْفُ اللفظِ عن ظاهِرِه لدليلٍ يَقْتَرِنُ به .
أهلُ الشريعةِ أَعْلَمُ بتأويلِ النصوصِ من أهْلِ اللغةِ .

فائدةُ الاتِّفاقِ في المعنى العامِّ بينَ الغائبِ والشاهِدِ فَهْمُ الْخِطابِ .
أَسماءُ اللهِ تعالى ليست مَحصورةً بعَدَدٍ .
أسماءُ اللهِ تعالى مُترادِفَةٌ في دَلالتِها على الذاتِ, مُتَبَايِنَةٌ في دَلالتِها على الصِّفاتِ .
الإحكامُ العامُّ في القرآنِ بمعنى الإتقانِ ، والتَّشَابُهُ العامُّ بمعنى تصديقِ بعضِه ببعضٍ, وهما مُتلازِمانِ .
الإحكامُ الخَاصُّ ضِدُّ التَّشَابُهِ الخَاصِّ, وهما أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ .
عامَّةُ ما وَقَعَ من الضَّلالِ من جِهةِ المُتَشَابِهِ .
طريقُ الهدايةِ الجمْعُ بينَ المُحْكَمِ والمُتَشَابِهِ .
مَذْهَبُ أهلِ التفويضِ مَذْهَبٌ باطِلٌ متَناقِضٌ مُخالِفٌ لطريقةِ السلَفِ .

المُنَاقَشَةُ

اشْرَحْ مضمونَ القاعدةِ الخامسةِ ؟
اذْكُر الأَدِلَّةَ الْمُؤَيِّدَةَ للقاعدةِ ؟
على مَن يُرَدُّ بهذه القاعدةِ ؟
اذْكُر الخِلافَ في تأويلِ المُتَشَابِهِ ؟
اذْكُرْ معاني التأويلِ ، مع التمثيلِ لكلِّ نوعٍ ؟
ما شُروطُ التأويلِ الصحيحِ ؟
ما فائدةُ الاتِّفاقِ بينَ معاني الغائبِ مع معاني الشاهِدِ ؟
هل أسماءُ اللهِ تعالى مَحصورةٌ بعَدَدٍ أمْ لا ؟
هل أسماءُ اللهِ مُترادِفَةٌ أَمْ مُتَبَايِنَةٌ ؟
عَرِّفْ كُلًّا من المُحْكَمِ العامِّ والخَاصِّ . والمُتَشَابِهِ العامِّ والخَاصِّ ؟
اذْكُرْ أمْثِلَةً لطوائفَ ضَلَّتْ من جِهةِ المُتَشَابِهِ ؟
اذْكُرْ مَذْهَبَ أَهْلِ وَحْدَةِ الوُجودِ ، وأَمْثِلَةً لأقوالِهم ؟
عَرِّفْ ما يَلِي : الْحُلولَ – الاتِّحادَ – وَحْدَةَ الوُجودِ ، مع بيانِ أنواعِها ؟
ما الفَرْقُ بينَ المشترَكِ الكلِّيِّ والمشترَكِ اللفظيِّ ؟
ما أسبابُ ذَمِّ السلَفِ لتأويلاتِ الجَهْمِيَّةِ ؟
اذكُرْ أسماءً لبعضِ كُتُبِ السلَفِ في الرَّدِّ على الجَهْمِيَّةِ ؟
اذْكُرْ حقيقةَ مَذْهَبِ أَهْلِ التفويضِ وَجِهَةَ الغَلَطِ عندَهم, وشيئًا من تَناقُضِهم, وخُلاصَةَ إلزامِهم ؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
خطأ, نفي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir