خــاتِمـــةٌ
سَرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ:
(منها): أنْ يَأْخُذَ الناثرُ أو الشاعرُ معنًى لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه، كما أَخَذَ عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ بَيْتَيْ مَعْنٍ وادَّعَاهما لنفسِه، وهما:
إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ..... على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ تَضِيمُهُ ..... إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
ومِثلُ هذا يُسَمَّى نَسْخًا وانتحالًا.
ومِن قَبِيلِهِ أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُرَادِفُها، كأنْ يُقالَ في قولِ الْحُطَيْئَةِ:
دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ..... واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي
ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ
وقريبٌ منهُ:
أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُضَادُّها في المعنى معَ رعايةِ النظْمِ والترتيبِ، كما لوْ قيلَ في قولِ حسَّانَ:
بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ
سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ..... فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ
ومنها: أنْ يَأخُذَ المعنى ويُغَيِّرَ اللفظَ، ويكونَ الكلامُ الثاني دونَ الأوَّلِ أوْ مساويًا لهُ، كما قال أبو الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ:
هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ ..... إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلاَ
فالْمِصراعُ الثاني مأخوذٌ من الْمِصراعِ الثاني لأبي تَمَّامٍ، والأوَّلُ أجْوَدُ سَبْكًا. ومِثْلُ هذا يُسَمَّى إغارةً ومَسْخًا.
ومنها: أنْ يَأْخُذَ المعنى وحْدَهُ، ويكونَ الثاني دونَ الأوَّلِ، أوْ مُساوِيًا لهُ، كما قالَ أبو تَمَّامٍ في قولِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها ..... إلاَّ عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا ..... فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ
وهذا يُسَمَّى إلْمَامًا وسَلْخًا.