معرِفَةُ الكُنَى:
إذا جاءَ باحثٌ في التقريبِ يَبْحَثُ عنْ رَجُلٍ يُقالُ لهُ:
أبو الْجَوزاءِ، والتقريبُ مُرَتَّبٌ على الْمُعْجَمِ، فأينَ يَذْهَبُ؟
إمَّا أنْ يكونَ عارِفاً اسمَهُ، أوْ يَستعينَ بالكُتُبِ التي خَدَمَتِ الطَّالبَ في هذا:
1- البخاريُّ جَعَلَ في آخِرِ تاريخِهِ كِتاباً للكُنَى، فيَذْكُرُ كُنْيَةَ الراوي ويقولُ: هوَ فُلانُ بنُ فُلانٍ.
2- مُسلمٌ لهُ كتابُ الكُنَى، وهوَ مَطبوعٌ، وكذلكَ كتابُ البُخاريِّ مَطبوعٌ.
3- الإمامُ أحمدُ لهُ كِتابُ (الكُنَى).
4- الدُّولابِيُّ لهُ كتابُ (الكُنَى).
مَثَلاً: أبو إسحاقَ السَّبِيعِيُّ،تَجِدُ أنَّ الحافِظَ جَعَلَ في آخِرِ التقريبِ باباً للكُنَى، فيُرَتِّبُهَا حَسَبَ الحروفِ معَ حَذْفِ (أَبُو)، فنَجِدُ أبا إسحاقَ في الأَلِفِ بعدَهُ سِينٌ، فنَجِدُهُ يقولُ: هوَ عمرُو بنُ عبدِ اللَّهِ الْهَمَذَانِيُّ، فتَرْجِعُ إلى حَرْفِ العينِ بعدَها ميمٌ بعدَها راءٌ.
(2)
قالَ: (وأسماءُ الْمُكَنَّيْنَ) تَجِدُ رَاوياً مَشهوراً بكُنْيَةٍ، مِثلُ:
أبي هُريرةَ، فلوْ جَاءكَ راوٍ وقالَ: حدَّثَنِي: عبدُ الرحمنِ بنُ صَخْرٍ، فرَجَعْتَ إلى (التقريبِ) وَجَدْتَهُ في عبدِ الرحمنِ، لكنْ إذا ذَهَبْتَ في آخِرِ الكتابِ في الكُنَى تَجِدُهُ يَذْكُرُ أبا هُريرةَ ويُتَرْجِمُ لهُ.
(3)
قالَ: (ومَن اسْمُهُ كُنْيَتُهُ) مثلَما قيلَ: عنْ
أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ.
(4)
قالَ: (ومَنْ كَثُرَتْ كُنَاهُ أوْ نُعُوتُهُ) مثلُ:
ابنِ جُرَيْجٍ، لهُ كُنْيَتَانِ:
- أبو الوليدِ.
- وأبو خالدٍ.
(أو نُعوتُه) أيْ: أَلْقَابُهُ، فبعضُهم مَثَلاً: يُقَالُ لهُ: فلانٌ
الْخُرَاسَانِيُّ البَزَّازُ، ورُبَّما أُضِيفَ إلى صناعَةٍ مِن الصِّناعَاتِ.
وأَلَّفَ السَّمْعَانِيُّ كتابَ (الأنسابِ)، فإذا جاءكَ مَثَلاً: رجُلٌ يُقالُ لهُ: البَزَّازُ، تَذْهَبُ إلى حرْفِ الباءِ بعدَهُ زَايٌ بعدَها أَلِفٌ، فيَقُولُ فيهِ: نِسْبَةً إلى مَنْ يَبِيعُ الْبَزَّ وهيَ الثيابُ، وممَّن اشْتَهَرَ بهذه النِّسبةِ فُلانٌ وفُلانٌ، فيُبَيِّنُ لكَ مَن الذي يُقالُ لهُ: البَزَّازُ.
(5)
قالَ: (ومَنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسمَ أبيهِ) مثلُ:
أبي إسحاقَ بنِ إسحاقَ الْمَدَنِيِّ.
(6)
قالَ: (أو بالعَكْسِ) مثلُ:
إسحاقَ بنِ أبي إسحاقَ السَّبِيعِيِّ؛ فهذا والذي قَبْلَهُ مُفيدٌ في مَعرِفَةِ الإسنادِ، وأنَّهُ ليسَ فيهِ غَلَطٌ، فلوْ جاءَ إسنادُ إسحاقَ بنِ أبي إسحاقَ، عنْ أبي إسحاقَ، رُبَّما ظَنَّ ظَانٌّ أنَّ هناكَ غَلَطاً وَتَكْرَاراً، فإذا عُرِفَ ذلكَ عَرَفْتَ أنَّهُ صَوَابٌ.
(7)
قالَ: (أوْ كُنْيَتُهُ كُنْيَةُ زَوْجِهِ) مثلُ:
أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، وأُمِّ أَيُّوبَ، في بعضِ الأسانيدِ عنْ أُمِّ أيُّوبَ عنْ أبي أَيُّوبَ في أنَّ القرآنَ نَزَلَ على سَبْعَةِ أحْرُفٍ.
(8)
قالَ: (وَمَنْ نُسِبَ إلى غيرِ أبيهِ) مثلُ:
الْمِقدادِ ابْنِ الأسودِ، صَوَابُهُ أنَّهُ الْمِقدادُ بنُ عمرٍو، نُسِبَ إلى الأَسْوَدِ؛ لأنَّ الأسودَ كانَ قدْ تَبَنَّاهُ قبلَ ذلكَ فنُسِبَ إليهِ.
(9)
قالَ: (أوْ إلى أُمِّهِ) مِثلُ:
إسماعيلَ ابنِ عُلَيَّةَ، وأبوهُ إبراهيمُ، وقدْ كانَ يَكْرَهُ هذا.
(.1)
قالَ: (أوْ إلى غَيْرِ ما يَسْبِقُ إلى الفَهْمِ) مثلُ: خالدٍ الحَذَّاءِ.
قيلَ:كانَ يُجَالِسُ صانِعِي الأَحْذِيَةِ.
وقيلَ:لأنَّهُ كانَ يَقولُ في بعضِ الحديثِ: أَحْذُو حَذْوَ كَذَا؛ يعني: أَنْسِجُ على هذا الْمِنْوَالِ.
ومِثلُ: سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، نَزَلَ بينَ بَنِي تَيْمٍ فنُسِبَ إليهم.
(11)
قالَ: (ومَن اتَّفَقَ اسمُهُ واسمُ أبيهِ واسمُ جَدِّهِ) .
مثلُ: الحسَنِ بنِ الحسَنِ بنِ الحسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ، ومَعرِفَتُهُ حتَّى لا يَظُنَّ ظانٌّ أنَّ في الإسنادِ خَطَأً إذا وَجَدَ ذلكَ.
(12)
قالَ: (ومَن اتَّفَقَ اسْمُهُ معَ اسمِ شَيْخِهِ فَصَاعِداً) مثلُ:
عِمرانَ، عنْ عِمرانَ، عنْ عِمرانَ.
فالأوَّلُ:
هوَ القَصيرُ.
والثاني:
أبو رجاءٍ العُطَارِدِيُّ.
والثالثُ:
هوَ الصحابِيُّ ابنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.
(13)
قالَ: (ومَن اتَّفَقَ اسمُ شَيْخِهِ والراوي عنْهُ) .
مثلُ: يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ يَرْوِي عنهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائيُّ، وهوَ يَرْوِي عنْ هشامِ بنِ عُرْوَةَ، فإذا جاءَ هشامٌ عنْ يحيى عنْ هشامٍ رُبَّما ظَنَّ ظَانٌّ أنَّ في الإسنادِ غَلَطاً، وهوَ ليسَ كذلكَ.
ومِثلُ:عبدِ الرحمنِ بنِ أبي لَيْلَى، التابعيِّ الجليلِ، لهُ ابنٌ اسْمُهُ: محمَّدٌ، فنَجِدُ مُحَمَّداً يُقَالُ لهُ أحياناً: ابنُ أَبِي لَيْلَى، وأَبُوهُ كذلكَ يُقَالُ لهُ: ابنُ أبي لَيْلَى، فإذا جاءنا إسنادٌ: حَدَّثَنَا ابنُ أبي لَيْلَى، عن الْحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ، عن ابنِ أبي لَيْلَى، عن ابنِ مسعودٍ.. رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أنَّ هناكَ خَطَأً، وهوَ ليسَ كذلكَ.
معرِفةُ الأسماءِ الْمُجَرَّدَةِ والْمُفْرَدَةِ:
(14)
قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالَى: (ومعرِفَةُ الأسماءِ الْمُجَرَّدَةِ والْمُفْرَدَةِ) يَقْصِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى أنَّهُ يَنبغِي لطالِبِ العلْمِ أنْ يَعْرِفَ الأسماءَ الْمُجَرَّدَةَ والْمُفْرَدَةَ.
أوَّلاً: مَعْرِفَةُ الأسماءِ الْمُجَرَّدَةِ:
والأسماءُ المجرَّدَةُ لَيْسَتْ بكُنًى ولا ألقابٍ، ولَيْسَتْ شيئاً مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِن الأُمُورِ التي سَبَقَ التنبيهُ عليها، وإنَّما هيَ:
الأسماءُ التي تَتَكَرَّرُ دائماً، فإذا أَرَدْنَا أنْ نُعَرِّفَ شَخْصاً مَثَلاً فنَقولَ: هوَ سُفيانُ بنُ سعيدٍ الثوريُّ، فيُقَالُ: هذا اسمٌ مُجَرَّدٌ، وهكذا.
والأسماءُ الْمُجَرَّدَةُ هيَ الغالبُ، وهيَ التي تُشَكِّلُ مُعْظَمَ كُتُبِ الْجَرْحِ والتعديلِ، ومِنْ أَهَمِّها (التاريخُ الكبيرُ)للبخاريِّ،(والطَّبَقَاتُ الكُبْرَى)لابنِ سعْدٍ،(والجَرْحُ والتعديلُ)لابنِ أبي حاتمٍ،(والثِّقَاتُ)لابنِ حِبَّانَ، وغيرُها مِنْ كُتُبِ الرجالِ التي رُتِّبَت التَّرَاجِمُ فيها إمَّا على الحروفِ أوْ على الطَّبَقَاتِ.
ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ لِمِثْلِ (التاريخُ الكبيرُ) للبخاريِّ،(والجَرْحُ والتعديلُ)لابنِ أبي حاتمٍ: إنَّها مِنْ كُتُبِ الرُّواةِ عامَّةً، وكذلكَ أيضاً (الطَّبَقَاتُ)لابنِ سعْدٍ مِنْ كُتُبِ الرُّواةِ العامَّةِ، لكنَّهُ رَتَّبَ الرُّواةَ على الطَّبقاتِ.
هذهِ الكُتُبُ الثلاثةُ:
- (الطبقاتُ)لابنِ سعدٍ.
- و(التاريخُ الكبيرُ)للبخاريِّ.
- و(الجَرْحُ والتعديلُ)لابنِ أبي حاتمٍ، جَمَعَ فيها مُصَنِّفُوهَا التراجِمَ أو الأسماءَ الْمُجَرَّدَةَ -كما نَصَّ عليهِ ابنُ حَجَرٍ هنا- دُونَ أن يَتَقَيَّدُوا بصِفةٍ مُعَيَّنَةٍ، فلم يَتَقَيَّدُوا بمسألةِ: الصفةِ، والحفْظِ، والضبْطِ.
- ولم يَتَقَيَّدُوا كذلكَ بالرُّوَاةِ المَطْعُونِ فيهم، ولا برُواةِ كُتُبٍ مخصوصةٍ، ولا رُواةِ بُلدانٍ مَخصوصةٍ، ولا غيرِ ذلكَ، وإنَّما تَجِدُ في هذهِ الكتُبِ الثقاتِ، والضعفاءَ، ورجالَ الكُتُبِ السِّتَّةِ وغيرِها، ورجالَ البُلدانِ جميعِها، كُلُّ هذا موجودٌ في هذهِ الكتُبِ الثلاثةِ.
وهناكَ مَنْ أَفْرَدَ الأسماءَ المجرَّدَةَ بصِنْفٍ مُعَيَّنٍ،أوْ بصِفةٍ معَيَّنَةٍ، فمِنْ جُملتِهم -وأوَّلُهم- الْعِجْلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى، ويَليهِ: ابنُ حِبَّانَ، وابنُ شَاهِينَ رَحِمَهُما اللَّهُ تعالى، فهؤلاءِ الثلاثةُ وغيرُهم أفْرَدُوا الثقاتِ خاصَّةً بالتصنيفِ.
وكتابُ: العِجْلِيِّ مَطبوعٌ، وكتابُ: ابنِ شاهينَ مطبوعٌ بعُنوانِ (أَسْمَاءُ الثِّقاتِ).
هناكَ أيضاً مَنْ أَفْرَدَ الأسماءَ المجرَّدَةَ بالتصنيفِ بِناءً على صِفةٍ مُعَيَّنَةٍ، وهم مَنْ جُرِّحَ مِنْ أصحابِ الأسماءِ المُجَرَّدَةِ، وألَّفَ في هذا النوعِ أيضاً عددٌ مِن الأَئِمَّةِ، منهم العَقِيلِيُّ أحمدُ بنُ جَعفرٍ، ومنهم ابنُ حِبَّانَ، ومنهم ابنُ عَدِيٍّ.
والجديرُ بالذكْرِ أنَّ ابنَ حِبَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قدْ ألَّفَ تاريخاً كبيراً، واخْتَصَرَ مِنْ هذا (التاريخِ الكبيرِ) هذَيْنِ الكتابَيْنِ: (الثِّقاتِ) و(المَجْرُوحِينَ)، فجَعَلَ الثقاتِ على حِدَةٍ، والمجروحينَ على حِدَةٍ، وأيضاً تراجُمُهم تُعْتَبَرُ مختصَرَةً مِنْ هذا التاريخِ الكبيرِ الذي عَمِلَهُ.
وكتابُ: ابنِ عَدِيٍّ يُعتبَرُ أفْضَلَ هذهِ الكتُبِ التي أُلِّفَتْ بِناءً على تلكَ الصفةِ، وقد اعتَمَدَ عليهِ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابِهِ (مِيزانُ الاعتدالِ).
مِن المُؤَلِّفينَ أيضاً مَنْ تَقَيَّدَ برجالِ كُتُبٍ أوْ جِهةٍ مُعَيَّنَةٍ، فنَجِدُ بعضَ الْمُصَنِّفِينَ أَفْرَدَ فقطْ رجالَ كتابِ (صحيحُ البخاريِّ) بالترجمةِ، وهذا حَصَلَ لِلْكَلابَاذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابِهِ (رِجَالُ صحيحِ البخاريِّ).
جاءَ بعدَهُ ابنُ المَنْجُوَيْهِ، فوجَدَ الكَلاباذِيَّ سبَقَهُ بالترجمةِ لرجالِ البُخاريِّ، فتَرْجَمَ هوَ لرجالِ مُسْلِمٍ.
ثمَّ جاءَ بعدَ ذلكَ: ابنُ طاهرٍ الْمَقْدِسِيُّ، فوَجَدَ أنَّ الكَلاباذِيَّ، وابنَ المَنْجُوَيْهِ أفْرَدَ كُلٌّ منهما لرجالِ أحَدِ الصحيحَيْنِ، فجَمَعَ بينَ الكتابَيْنِ في كتابٍ سَمَّاهُ: (الجمْعُ بينَ رجالِ الصحيحَيْنِ)، وكلُّ هذهِ الكتُبِ الثلاثةِ مطبوعةٌ ومِن الكتُبِ الْمُهِمَّةِ.
والكتُبُ كثيرةٌ ممَّا أُلِّفَ في رجالِ التِّرمذيِّ، ورجالِ أبي دَاوُدَ، ورِجالِ النَّسائيِّ، لكنَّها غيرُ موجودةٍ الآنَ ولا نَعْرِفُ عنها شيئاً، لكنَّنَا الآنَ نَتَحَدَّثُ عن الكُتُبِ المشهورةِ والتي خَدَمَتْ طُلاَّبَ العلْمِ، فمِنْ أهَمِّهَا كتابُ (الكَمَالُ)للحافظِ عبدِ الغنِيِّ الْمَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فقدْ جَمَعَ رِجالَ الكتُبِ السِّتَّةِ في هذا الكتابِ.
ثمَّ جاءَ بعدَهُ الحافظُ جمالُ الدينِ الْمِزِّيُّ، فوَجَدَ أنَّ كتابَ الكَمَالِ يَحتاجُ إلى تهذيبٍ، وليسَ معنى التهذيبِ الاختصارَ، ولكنْ يكونُ بحذْفِ أشياءَ لا حاجةَ لها، وقدْ تكونُ أشياءَ أَخْطَأَ المُصَنِّفُ في ذِكْرِها، ويُضيفُ أشياءَ تَدْعُو الحاجةُ إليها، ويُرَتِّبُ الأشياءَ التي يَجِدُ أنَّ الكتابَ أَخَلَّ بتَرْتِيبِها، أوْ أنَّهُ رَتَّبَها تَرتيباً مَرْجُوحاً، أوْ أنَّ الأَوْلَى أنْ يُرَتَّبَ على صِفةٍ مُعَيَّنَةٍ.
- فمَثلاً: الحافِظُ عبدُ الغنيِّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعَلَ كتابَهُ قِسميْنِ:
فالقِسمُ الأَوَّلُ:
تَرْجَمَ فيهِ للصحابةِ فقطْ.
والقسْمُ الثاني:
تَرْجَمَ فيهِ للرجالِ غيرِ الصحابةِ مِن التابعينَ فمَنْ بَعْدَهم، ورَتَّبَ الصحابةَ على حُروفِ الْمُعْجَمِ مُبْتَدِئاً بالعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بالجنَّةِ، ورَتَّبَ باقِيَ الرُّواةِ أيضاً على حروفِ المعجَمِ مُبْتَدِئاً بِمَن اسْمُهُ محمَّدٌ وأحمدُ، وجَعَلَ النساءَ مِن الصَّحَابِيَّاتِ بعدَ الصحابةِ، والنساءَ مِنْ باقي الرُّواةِ بعدَ الرُّواةِ.
لكنَّ الْمِزِّيَّ لَحَظَ مَلْحَظاً جَيِّداً في هذا الترتيبِ، وقالَ: إنَّ بعضَ الأحاديثِ يَأْتِي فيها صحابِيٌّ يَرْوِي عنْ صحابِيٍّ آخَرَ، كأنْ يَرْوِيَ ابنُ عبَّاسٍ، عنْ عمرَ بنِ الخطَّابِ، فحينَما يَنْظُرُ الناظِرُ إلى هذا الإسنادِ يَجِدُ أنَّ الصحابِيَّ يَرْوِي عن الصحابِيِّ، وهوَ لا يَعْرِفُ أنَّ الأوَّلَ صَحَابِيٌّ؛ فقدْ يَظُنُّ أنَّهُ تَابِعِيٌّ، فيَذْهَبُ للقِسْمِ الثاني فيَبْحَثُ في تَرجمتِهِ فلا يَجِدُ؛ فيَظُنُّ أنَّ هذا الرجُلَ لا تَرجمةَ لهُ، والحقيقةُ أنَّهُ مُتَرْجَمٌ لهُ في قِسْمِ الصحابةِ.
والعكسُ كذلكَ، قالَ: قدْ يَأْتِينَا حَدِيثٌ أَرْسَلَهُ تابعِيٌّ، غيرَ أنَّهُ سَقَطَ مِنْ إسنادِهِ على الأَقَلِّ الصحابِيُّ، فيَظُنُّ مَنْ لا خِبْرَةَ لهُ أنَّ هذا التابعِيَّ صَحَابِيٌّ؛ لأنَّهُ يَرْوِي الحديثَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، فيَذْهَبُ ويَطْلُبُ هذهِ التَّرْجَمَةَ في قِسْمِ الصحابةِ فلا يَجِدُها؛ فَلِذَلِكَ كانَ الأَوْلَى أنْ تُدْمَجَ التراجِمُ، بحيثُ إذا بَحَثَ الإنسانُ عنْ تَرجمةِ راوٍ مِن الرُّوَاةِ يَجِدُها في مَوْضِعِها بحَسَبِ الترتيبِ الأَبْجَدِيِّ.
فالشاهِدُ أنَّ كتاباً مِثْلَ: (تَهذيبُ الكمالِ) يُعْتَبَرُ أرْوَعَ ما أُلِّفَ في كُتُبِ الرجالِ، وأَتْقَنَهُ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إتْقَاناً شَهِدَ لهُ بهِ القَاصِي والدَّانِي؛ ولذلكَ نَجِدُ أنَّ حاجةَ العُلماءِ وطُلاَّبِ العِلْمِ لهُ ما زَالَتْ قائمةً منذُ وَقْتِ الْمِزِّيِّ إلى وَقْتِنا الحاضرِ، ويُدْرِكُ أهَمِّيَّةَ هذا الكتابِ مَنْ عانَى البحْثَ في الأسانيدِ، وعَرَفَ مَدَى العُسْرِ الذي يَجِدُهُ في مَعْرِفَةِ اتِّصالِ الإسنادِ مِنْ عَدَمِهِ، وبخَاصَّةٍ في مَعْرِفَةِ الشُّيوخِ والتلاميذِ؛ فرَحِمَ اللَّهُ الْمِزِّيَّ رَحْمَةَ واسعةً.
ثانياً: معرِفةُ الأسماءِ الْمُفْرَدَةِ :
مِن الأشياءِ الْمُهِمَّةِ أيضاً مَعْرِفَةُ الأسماءِ الْمُفْرَدَةِ؛ أي: الأسماءِ التي لا تُؤْثَرُ إلاَّ عنْ رجُلٍ واحدٍ، ولا يُشارِكُهُ في ذلكَ الاسمِ أحَدٌ، مِثْلُ: بيهثَ، ومثلُ: المُطَوَّسِ.. وهكذا، فهيَ أسماءٌ لا يُوجَدُ منها في عِلْمِ رجالِ الحديثِ سِوَى ذلكَ الاسمِ فقطْ، فهذهِ يُقالُ لها: الأسماءُ الْمُفْرَدَةُ.
ومِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَلَّفَ في هذهِ الأسماءِ الْمُفْرَدَةِ أحمدُ بنُ هارونَ المعروفُ بالْبَرْدِيجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وهوَ مِنْ عُلماءِ الحديثِ المَشْهُورِينَ، ألَّفَ كتابَهُ (طَبَقَاتُ الأسماءِ الْمُفْرَدَةِ)، والكتابُ جزءٌ لطيفٌ مَطبوعٌ بتَحقيقِ سَكينةَ الشهابِيِّ، لكنْ يَقولُ مُحَقِّقُ (النُّزْهَةِ): إنَّهُ اكتَشَفَ أنَّ هذا الكتابَ الذي طُبِعَ عِبَارَةٌ عنْ مُخْتَصَرٍ للكتابِ الأصْلِ، وأنا لا أعْرِفُ عنْ هذا شيئاً، وإنَّما أعْرِفُ أنَّ الكتابَ مَطبوعٌ.
يُبَيِّنُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ الْبَرْدِيجِيَّ اعْتَنَى بإفرادِ هذا النوعِ بالتصنيفِ، لكنْ هناكَ بعضُ الأخطاءِ التي وَقَعَ فيها ممَّا لا يُقَلِّلُ مِنْ قِيمةِ الكتابِ، ولا يَضُرُّ ذلكَ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لأنَّ هذا مَبْلَغُ عِلْمِهِ، فحينَما يَذْكُرُ رَاوِياً ويَقولُ: إنَّهُ لا يُشَارِكُهُ في هذا الاسمِ أحَدٌ، فهذا هوَ مَبْلَغُ علْمِ الْبَرْدِيجِيِّ، أمَّا مَن اطَّلَعَ على مَزيدٍ مِنْ ذلكَ وعَرَفَ أنَّ هناكَ رَاوِياً آخَرَ، فهذا لا يَنْقُصُ مِنْ قَدْرِ ذلكَ الكتابِ.
ويَضْرِبُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ مِثالاً على هذا (سهديَّ بنَ سِنَانٍ)، وهوَ أحَدُ الضُّعفاءِ؛ يقولُ: إنَّ البَرْدِيجِيَّ ذَكَرَ أنَّ (سهديَّ بنَ سِنَانٍ) هذا مِنْ أصحابِ الأسماءِ الْمُفْرَدَةِ، بينَما هناكَ رُوَاةٌ آخَرونُ يُقالُ لهم أيضاً: (سهديٌّ)؛ فإذَنْ لم يَتَفَرَّدِ ابنُ سِنَانٍ بهذا الاسمِ، بلْ شارَكَهُ غيرُهُ.
مَعْرِفَةُ الكُنَى والألقابِ:
(15)
قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالْكُنَى) أيْ: مِن الْمُهِمِّ مَعرِفةُ كُنَى الْمُسَمَّيْنَ وأسماءِ الْمُكَنَّيْنَ، فهذا لهُ عَلاقةٌ بذلكَ، ولكنَّ هذهِ الكُنَى أحياناً تكونُ مُفْرَدَةً أيضاً، فالمفروضُ في طالِبِ العلْمِ أنْ يَعْرِفَ الكُنَى الْمُجَرَّدَةَ والمفرَدَةَ.
والكُنَى الْمُجَرَّدَةُ؛أي: العادِيَّةُ، والمُفْرَدَةُ أي: التي لا يُشَارِكُ فيها ذلكَ الراويَ أحَدٌ.
وهناكَ جُملةٌ أيضاً مِن الكُنَى الْمُفْرَدَةِ، لكِنَّنِي لا أَذْكُرُ أنَّ هناكَ مَنْ أَفْرَدَها بالتصنيفِ، ولا أَذْكُرُ أيضاً الْبَرْدِيجِيَّ جَعَلَها مِن الأسماءِ التي أَوْرَدَها في كتابِهِ؛ لأنَّهُ قدْ تكونُ الكُنْيَةُ مُفْرَدَةً، لكنَّ اسمَ صاحبِها ليسَ مُفْرَداً.
ومِن الكُنَى الْمُفْرَدَةِ:
(أبو الْمُطَوَّسِ)، فيُمْكِنُ أنْ يكونَ مِنْ أصحابِ الكُنَى الْمُفْرَدَةِ.
(16)
قالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (والألقابِ) أيْ: ومِن الْمُهِمِّ أيضاً مَعرِفةُ الألقابِ، ومَعرفةُ الألقابِ هذهِ أهَمِّيَّتُها مِثْلُ:
أهَمِّيَّةِ مَعرفةِ الكُنَى التي تَحَدَّثْنَا عنها سابِقاً، فأحياناً يَأْتِينَا في الإسنادِ راوٍ بلَقَبٍ، فإذا لم نَكُنْ عارِفِينَ بصاحبِ ذلكَ اللَّقَبِ، فإنَّنا لا نَستطيعُ معرِفةَ موْضِعِ تَرجمتِهِ إلاَّ بوَاسِطَةِ الكُتُبِ التي لها مَفاتيحُ.
مِن الكتُبِ التي تُعِينُ على ذلكَ:
كتابُ (تَقْرِيبُ التهذيبِ)، فنَجِدُ أنَّهُ أتَى بالألقابِ والنِّسْبَةِ وغيرِ ذلكَ مِن الأبوابِ التي عَقَدَها، كمَنْ نُسِبَ إلى أبيهِ، أوْ إلى أُمِّهِ، أوْ إلى جَدِّهِ، أوْ إلى خَالِهِ، أوْ إلى غيرِ ذلكَ.
الذي يَهُمُّنَا في هذا أنَّ ابنَ حَجَرٍ أفْرَدَ باباً في الألقابِ، فمَثَلاً: إذا كُنْتَ لا تَعْرِفُ اسمَ الأعمَشِ فاذْهَبْ إلى بابِ الألقابِ هنا، وانْظُرْ حرْفَ الهمزةِ بعدَها عينٌ بعدَها ميمٌ، فتَجِدُهُ يقولُ لكَ: الأعمشُ هوَ: سُلَيْمَانُ بنُ مِهْرَانَ، وكذا في غُنْدَرٍ هوَ: محمَّدُ بنُ جَعفرٍ، فتَرجِعُ إلى سُليمانَ بنِ مِهْرَانَ في حرْفِ السينِ، وإلى محمَّدِ بنِ جَعفرٍ في حرْفِ الميمِ، فتَجِدُ تَرجمتَهُ؛ فتَعْثُرُ على الكلامِ الذي تُريدُهُ عنْ ذلكَ الراوي.
واللقَبُ - في الغالِبِ - يكونُ بسَببِ عاهَةٍ أوْ بسبَبِ حِرْفَةٍ، فمِن العاهاتِ: الأعمشُ، فالعَمَشُ نوعٌ مِن الْمَرَضِ يأتي في العينَيْنِ.
- كذلكَ:
الأعرجُ هوَ نِسبةٌ إلى عاهةٍ في الرِّجْلِ، وهكذا غيرُها مِن الألقابِ التي بسَبَبِ عاهَةٍ.
- أمَّا الألقابُ التي تكونُ بسببِ حِرفةٍ، فهيَ أيضاً تُعْتَبَرُ كثيرةً، مِثْلُ: البَزَّازِ، أو البَزَّارِ، وهذا يُعْتَبَرُ اسماً ولقباً في نفْسِ الوَقْتِ، فإذا لم تَجِدْهُ في بابِ الألقابِ فتَذْهَبُ في بابِ النِّسْبَةِ؛ لأنَّهُ قدْ يكونُ مُشْتَرَكاً بينَ أنْ يكونَ لَقَباً وبينَ أنْ يَكونَ نِسْبَةً.
المُهِمُّ أنَّهُ نَسَبَهُ إلى حِرْفَةٍ:
- هيَ إمَّا إلى بَيْعِ الْبَزَّةِ وهيَ الثيابُ.
- وإمَّا إلى بيعِ الْبَزْرِ، وهوَ نوعٌ مِنْ أنواعِ البُذُورِ، وما إلى ذلكَ.