دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الأول 1443هـ/24-10-2021م, 01:14 PM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

مسألة إعراب إن هذان لساحرن من المسائل المشهورة ، و كتبت فيها الرسائل و ضمت إلى نظائرها من مشكل إعراب القرآن عند الرد على شبهات الطعن في القرآن و أن به لحنًا .
هذه المسألة مركبة ، فهي لا تتعلق بباب الإعراب فقط ، بل تجمع عددًا من العلوم؛ علم القراءات، علم النحو و الصرف، علم التفسير و نضم للقائمة علم الحديث.
فمنشأ المسألة أنه رُويَ لهذه الآية قراءات متعددة،منها المتواتر و منها دون ذلك، و لكل قراءة وجه من الإعراب يوافق وجهًا في اللغة العربية ، و لكل قراءة ما يؤيدها و ما يردها.
و من خلال بحثنا نحاول أن نبين المسألة و نفصل الأقوال بما يساعدنا على بيان الأمر، و نشرع في البيان مستعينين بالله سائلين التيسير و التوفيق .
القراءات التي عليها ( إن هذان لساحران ) و بيان القراءات المتواتر منها و الشاذ:
 1- قراءة ”إنَّ هَذَيْنِ لَساحِرانِ“:
- رُويت هذه القراءة عن أبو عمرو البري من القراء السبع كما ذكر الفراء ، أبو عبيدة معمر بن المثنى ، الأخفش الأوسط ،أبوبكر البغدادي،أبوبكر الأصبهاني، أبومكي القيسي، أبوعمرو الداني،الأنصاري، ابن عطية،ابن الجوزي، محمد بن أحمد الموصلي (، الدمياطي.
- و قَرَأ بها عِيسى بْنُ عُمَرَ: ذكر ذلك أبو عبيدة معمر بن المثنى ،الأخفش الأوسط،و أبو جعفر النَّحَّاس، الرازي و غيرهم.
 و رويت عن عدد من الصحابة و التابعين ؛ منهم عائشة رضي الله عنها و عثمان و الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعاصم الجحدري، و غيرهم ، مجموع ما ذكره كلًا من النحاس و الرازي، القرطبي، الألوسي و غيرهم .
 2- قراءة ”إنْ هَذانِ“ بِتَخْفِيفِ النُّونَيْنِ.
- قرأ بها الزهري وإسماعيل بن قسطنطين والخليل بن أحمد وعاصم في إحدى الروايتين إن هذان لساحران بتخفيف إن، ذكر ذلك النحاس.
- و قرأ بها حفص عن عاصم ذكر ذلك ابن مجاهد التميمي البغدادي ،مكي بن أبي طالب القَيْسِي ،أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ،بن حيان أثير الدين الأندلسي .
- وَقَرَأَ بها أَبُو بَحْرِيَّةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ سَعْدَانَ وَحَفْصٌ ، كما ذكر ابن حيان
- و قرأ بها بو حيوة، وَحُمَيْد بن الوزير عن يَعْقُوب، والزَّعْفَرَانِيّ، ومكي غير ابْن مِقْسَمٍ، وابن جبير عن أبي بكر، وجبلة عن المفضل، وحفص إلا البحتري، وابن صبيح، ذكر ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي .
- و قد استحسنها الزجاج ، واختارها مكي القيسي ،، و أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي ،و هي قراءة الخليل ( ذكر ذلك عنه علم الدين علي بن محمد السخاوي ،واستحسنها أبوشامة الدمشقي، و قال عنها الدمياطي أوضح القراءات
و سبب استحسان الزجاج ما قاله في كتابه معاني القرآن و إعرابه : أن فيها إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أُبَيٍّ في المعنى، وإن خالفه اللفظ، يروى عنه أنه قرأ: "ما هذان إلا ساحران"، وفي رواية: "إن ذان إلا ساحران" قال ويستحسن أيضا: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}؛ لأنه مذهب أكثر القراء وبه يقرأ.
و يصدق قراءة عاصم قرءاة أُبي (ما هذان إِلَّا سَاحِرَانِ) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف، ورُوِيَ أيضاً عنه أنه قرأ: إنْ هَذَان إِلا سَاحِرانِ .
و القراءة الثالثة قَرَأ بها ابْنُ كَثِيرٍ: ”إنْ هَذانِّ“ بِتَخْفِيفِ ”إنَّ“ وتَشْدِيدِ نُونِ ”هَذانِ“ .
ذكر ذلك عنه : ابن مجاهد التميمي البغدادي ، مكي بن أبي طالب القَيْسِي ، أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ، بن حيان أثير الدين الأندلسي و غيرهم.
و القراءة الرابعة: إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ:
- وقرأ بها المدنيون والكوفيون ( عامة الأمصار كما قال ابن جرير) بتشديد ( إن ) .
- وَقَرَأَ بها أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَيُّوبُ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَالْأَخَوَانِ وَالصَّاحِبَانِ مِنَ السَّبْعَةِ ، كما ذكر ابن حيان في تفسيره.
- و قرأ بها نافع وابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب، وافقهم الشنبوذي والحسن كما ذكر أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (في إتحاف فضلاء البشر: 2/248)
القراءة الخامسة: قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (وأسَرُّوا النَّجْوى، أنْ هَذانِ ساحِرانِ) بِفَتْحِ الألِفِ وجَزْمِ نُونِهِ [ و] ساحِرانِ بِغَيْرِ لامٍ.ذكر ذلك الديلمي الفراء و النحاس .
القراءة السادسة: رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ”ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ“، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا: [ إنْ هَذانِ لَساحِرانِ ] وعَنِ الخَلِيلِ مِثْلُ ذَلِكَ، وعَنْ أُبَيِّ أيْضًا: [ إنْ ذانِ لَساحِرانِ ] ؛ الرازي ، الديلمي الفراء ،وقال عقب ذكرها :فَهَذِهِ هي القِراءاتُ الشّاذَّةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ.

و يتبين مما سبق أن هناك ثلاث قراءات عليها مدار الحديث ؛ و هي:((إن هذان لساحران )المخففة من الثقيلة ،و (إنَ هذان لساحران ) بالتشديد، و القراءة التي أثارت الأمر و استحثت العلماء للكلام قراءة (إن هذين لساحران)، و التي قرأ بها ابن عمرو و عيسى ابن يونس و أنكرا قراءة هذان، حتى أن ابن عمرو قال أنه يستحي أن يقرأ ب(هذان) .
بالنظر إلى قراءة إن هذين لساحران :
الإعراب: كما قال السمين الحلبي في الدر المصون: «هذَيْن» اسمُ «إنَّ» وعلامةُ نصبِه الياءُ. و «لَساحِران» خبرُها، ودخَلَتِ اللام توكيداً.
و هي قراءة على الأصل في إعراب المثنى بالياء نصبًا و على إعمال إن المشددة، قال عنها الماوردي والقرطبي: موافقة للإعراب مخالفة للمصحف.
و قال السمين الحلبي (المتوفى: 756هـ) في الدر المصون: وأمَّا قراءةُ أبي عمروٍ فواضحةٌ من حيث الإِعرابُ والمعنى.
المعنى( التفسير) : فإنَّهم أَثْبتوا لهما السحرَ بطريق تأكيديٍّ من طرفيه،( كما قال السمين الحلبي)
وجه الاستشكال:
1- ولكنهم استشكلُوها من حيث خَطُّ المصحفِ.
2- ورود غيرها من القراءات المتواترة.
حجة أبو عمرو و عيسى في اتباع هذه القراءة :
1- احتجا بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أن هناك خطأ في القرآن و ما رويَ عن عثمان أن هناك لحنًا ستقيمه العرب ذكر ذلك عددًا من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و غيرهم .
2- أن القياس هو أن هذا هو إعراب المثنى،كما قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي (ت ٣٧٠ هـ): لأنّ تثنية المنصوب، والمجرور بالياء فى لغة فصحاء العرب .
*وقد كان يقرأنها كذلك لكن اللفظ في الكتاب كما هو ( هذن دون ألف)، كما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري (المتوفى: 209هـ -و لعل هذا في المصاحف قبل التنقيط و التشكيل -.
«إنّ هذين لساحران» فى اللفظ وكتب «هذان» كما يزيدون وينقصون فى الكتاب واللفظ صواب، و قال ذلك ابن جرير أيضا في تفسيره.( مجاز القرآن ،ج2/20-23).
قال ابن جرير (310) وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس: إن هذين لساحران في اللفظ، وكتب هذان كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب
و هي اللغة العالية التي يتكلم بها جماهير العرب كما ذكر محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور ، و قال صاحب الكشاف: قرأ أبو عمرو (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) على الجهة الظاهرة المكشوفة.
قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ
قال الشاطبي وَهذَيْنِ فِي هذَانِ "حَـ"ـجَّ وَثِقْلُهُ،.. "دَ"نا فَاجْمَعُوا صِلْ وَافْتَحِ الْميمَ "حُـ"ـوَّلا
أي: وقرأ أبو عمرو "إن هذين" بنصب "هذين"؛ لأنه اسم "إن" فهذه قراءة جلية أيضا فلهذا قال: حج؛ أي: غلب في حجته لذلك (إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفوائد : (وكان أبو عمرو إماما في العربية فقرأ بما يعرف من العربية: [إن هذين لساحران] وقد ذُكر أن له سلفاً في هذه القراءة وهو الظن به: أنه لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه.\
قال الفراء(207) وقرأ أبو عمرو " إن " بتشديد النون " هذين " بالياء على الأصل و قال ولست أشتهي عَلَى (أن أخالف «8» الكتاب(معاني القرآن، ج2/183-184
و لم يجز الزجاج القراءة بها لمخالفتها رسم المصحف ،لأن اتباعه سنة. ( [معاني القرآن و إعرابه: 3/361،360] .
و قد بين السمين الحلبي في كتابه علوم الكتاب المكنون الاستشكال في رسم المصحف ؛وذلك أنَّ رَسْمَه «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ، فإثباتُه بالياءِ زيادةٌ على خطِّ المصحفِ ، قال أبو عبيد: «رأيتُهما في الإِمام مصحفِ عثمان» هذن «ليس فيها ألفٌ، وهكذا رأيتُ رفعَ الاثنين في ذلك المصحفِ بإسقاط الألفِ، وإذا كتبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء، ولا يُسْقِطونها» .
قلت: وهذا لا ينبغي أَنْ يُرَدَّ به على أبي عمرو، وكم جاء في الرسم أشياءُ خارجةٌ عن القياسِ، وقد نَصُّوا هم أنه لا يجوزُ القراءةُ بها فليكنْ هذا منها، أعني ممَّا خَرَجَ عن القياس.
فإن قلتَ: ما نَقَلْتَه عن أبي عبيد مشتركُ الإِلزامِ بين أبي عمروٍ وغيرِه، فإنهم كما اعترضوا عليه بزيادةِ الياء يُعْترض عليهم بزيادةِ الألفِ: فإنَّ الألفَ ثابتةٌ في قراءتِهم، ساقطةٌ من خَطِّ المصحفِ. فالجواب ما تقدَّم مِنْ قولِ أبي عبيدٍ أنهم رآهم يُسْقِطون الألفَ مِنْ رفع الاثنين، فإذا كتُبوا النصبَ والخفضَ كتبُوه بالياء.
و يرد على الحجة الأولى تعقب العلماء لأقوال عثمان بن عفان و عائشة رضي الله عنهما بالنقد و التحليل.
الأقوال التي رويت عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه :
- أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحب و ابن أشتة كما في الاتقان للسيوطي و ابن مجاهد كما في الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني بألفاظ متقاربة من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي: قد أحسنتم وأجملتم، أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها .
- وأخرج ابن أبي داود والداني في كتابه المقنع والباقلاني في الانتصار لصحة نقل القرآن من طريق عمران بن داور القطان عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن عبد الله بن فطيمة عن يحى ابن يعمر عن عثمان مثله.
- و روى مثله ابن مجاهد كما الانتصار لصحة نقل القرآن للباقلاني من طريق أبو عمرو بن العلاء عن قتادة عن عثمان
- أخرج أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن و ابن ابي داود في كتاب المصاحف و الداني في كتابه المقنع بألفاظ متقاربة من طريق عكرمة الطائي عن عثمان لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا.
و قد عقب أبو عمرو الداني على رواياته في المقنع في رسم مصاحف ما ملخصه بتصرف:
1- حكم الداني عما روى عن عثمان أنه لا تقوم به حجة :
1- لتخليط إسناده و اضطراب ألفاظه و لأن إسناده مرسل فابن يعمر و عكرمة لم يسمعا من عثمان .
2- نكارة المتن في حق عثمان رضي الله عنه وذلك لمكانته في الإسلام و لأنه يُعارض ما قام جمع القرآن بسببه في عهده بإزالة الخلاف و توحيد المصاحف و رسالته لابن مسعود أن يقرأ بحرف قريش و يترك غيره،و كل ذلك لمنع أسباب الخلاف بين المسلمين في القرآن ، كما أن مثل هذا القول يكون سببًا في الطعن فيمن جمع و فيمن نقل ، فكيف يترك فيه لحنًا رآه؟
و قد أول الداني ما رواه عن عثمان رضي الله عنه إن صح أنه المراد التلاوة دون الرسم.
و ووجه أبو عمرو الداني قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر لو كان الكتاب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف فقال: معناه أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الالفاظ المخالفة لذلك اذ كانت قريش ومن ولي نَسْخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة وسلكوا فيها تلك الطريقة ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك فلو انهما وليتا من امر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والانصار لرستما جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه اذ ذلك هو المعهود عندهما والذي جرى عليه استعمالها هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق.
و هذه الأسباب مما اتفق عليها إجمالًا و تفصيلًا علماء اللغة و علماء القراءات و التفسير.
و من أمثلة ذلك:
- أن ا بن خالويه الهمذاني أرجع معنى لحنًا في ما روي عن عثمان أنه الخروج من لغة إلى لغة. فقول عثمان:نجد فى مصاحفكم لحنا، لم يرد اللّحن الذى لا يجوز البتّة، ولكنّه أراد الخروج من لغة إلى لغة؛ لأنّ القرآن نزل بلغة قريش، لا بلغة بلحرث بن كعب. ألم تسمع أنّ عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بلغه أنّ ابن مسعود يقرئ الناس بلغة هذيل «عتّى حين» بالعين فكتب إليه: أمّا بعد، فإذا ورد عليك كتابى فأقرئ النّاس بلغة هذا الحىّ من قريش. وكلّ قد ذهب مذهبا، والحمد لله واجتهدوا.
- و عزى علم الدين علي بن محمد السخاوي قول أبو عمرو: «ما وجدت في القرآن لحنا غير {إن هذن} و{أكن من الصلحين}» ، أنه من الظن ، كما أنه يرى أن الرواية عن عثمان غير ثابتة و متنها لا يليق بمثل عمر.». فتح الوصيد: 2/1102
و قال ابن تيمية في مجموع الفوائد: قَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: {الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَطَأٌ - بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ هُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْقُدْوَةُ فَكَيْفَ يَتْرُكُونَ شَيْئًا يُصْلِحُهُ غَيْرُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ هَذَا إلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: حَدِيثُ عُثْمَانَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَمُحَالٍ أَنْ يُؤَخِّرَ عُثْمَانُ شَيْئًا لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. قُلْت: وَمِمَّا يُبَيِّنُ كَذِبَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِيهِ فَإِنَّمَا رَأَى ذَلِكَ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْمَصَاحِفِ اتَّفَقَتْ عَلَى الْغَلَطِ وَعُثْمَانُ قَدْ رَآهُ فِي جَمِيعِهَا وَسَكَتَ: فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَشَرْعًا: مِنْ الَّذِينَ كَتَبُوا وَمِنْ عُثْمَانَ ثُمَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ وَصَلَتْ إلَيْهِمْ الْمَصَاحِفُ وَرَأَوْا مَا فِيهَا وَهُمْ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ فِيهِ لَحْنًا.
- و قال السيوطي في الاتقان: وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
الأقوال عن عائشة رضي الله عنها :
- روى أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة عن لَحْنِ القرآن: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، و{إن هذان لساحران}؛ فقالت: «يا ابن أختي، هذا عَمَلُ الكُتَّاب، أخطأوا في الكِتَاب».
ورواه عمر بن شبّة من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن: إن هذان لساحران، وقوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} ، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، وأشباه ذلك فقالت: «أي بني إنَّ الكتاب يخطئون»
قال أبو عمرو الداني في كتابه حدثنا الخاقاني قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أَبيه قال سأَلتُ عائشة رضي الله عنها عن لحن اُلقرآن عن قول الله عز وجل " إن هذين لسحرن " وعن قوله " والمقيمين اُلصلوة والمؤتون الزكوة " وعن قوله تبارك وتعلى " اِنّ الذين ءامنوا والذين هادوا..والصبئون " فقالت ياابن اختي عمل الكتاب اخطئوا في الكتاب
و قد تأول الداني هذه الرواية فقال: تأويله ظاهر وذلك إن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم التي تزاد فيها لمعنى وتنقصى منها لأخر تأكيداً للبيان وطلبا للخفّة وانما سأله فيه عن حروف من القراءة المختلفة الالفاظ المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي اذن الله عز وجل لنبيّه عليه السلام ولاُمّته في القراءة بها.
و قال: كذلك الخطأ على جهة الاتّساع في الاخبار وطريق المجاز في العبارة اذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما وخارجا عن اختيارهما وكان الأوجه والأولى عندهما الأكثر والافشى لديهما لا على وجه الحقيقية والتحصيل والقطع.
و قال: على إن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظيم محلّها وجليل قدرها واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لّحنت الصحابة وخطأت الكتبة وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضهم الذي لا يجهل ولا ينكر هذا مالا يسوغ ولا يجوز. .( في كتابه المقنع 120-122)
-و قال السمين الحلبي في تأويل ما نقل عن عائشة رضي الله عنها و غيرها : يَعْنُون أنه كان مِنْ حقه أن يكتبَه بالياءِ فلم يفعلْ، فلم يقرَأْه الناسُ إلاَّ بالياءِ على الصوابِ.
-قال السيوطي في الاتقان: أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الأحرف المذكور لَا يُطَابِقُهُ فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا " أَخْطَئُوا " أَيْ فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ فَيَعْنِي بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى.
-و قالَ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في الإتقان : وهَذا مُشْكِلٌ جِدًّا إذْ كَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحابَةِ أوَّلًا أنَّهم يَلْحَنُونَ في الكَلامِ فَضْلًا عَنِ القُرْآنِ وهُمُ الفُصَحاءُ اللَّدُّ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثانِيًا الغَلَطُ في القُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَما أنْزِلُ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في حِفْظِهِ وضَبْطِهِ وإتْقانِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثالِثًا اجْتِماعُهم كُلُّهم عَلى الخَطَأِ وكِتابَتِهِ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ ورُجُوعِهِمْ عَنْهُ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ خامِسًا الِاسْتِمْرارُ عَلى الخُطا وهو مَرْوِيٌّ بِالتَّواتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ ولَوْ ساغَ مِثْلَ ذَلِكَ لارْتَفَعَ الوُثُوقُ بِالقُرْآنِ.
قال الشيخ عبد العزيز الداخل في دورة جمع القرآن : هذا الأثر إسناده في ظاهره صحيح، فقد رواه عن هشام بن عروة رجلان هما: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعلي بن مسهر؛ فبرئت عهدة أبي معاوية من التفرّد به كما أعلّه به بعضهم، وإن كان أبو معاوية قد انتقد بسبب اضطراب بعض حديثه، لكنّه قد توبع في هذا الأثر، وتابَعَه ثقة ثبت وهو علي بن مسهر
ومتنه منكر جداً، يبعد أن يصدر عن مثل عائشة رضي الله عنها، وهي تقرأ هذه الآيات كما يقرؤها المسلمون، وتعلم أنَّ الأصل في القراءة الرواية مشافهة، وتعلم أيضاً أنّ كتابة المصاحف كانت عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وأن الذين انتدبوا لكتابته ومراجعته جماعة يستحيل تواطؤهم على الخطأ واللحن.
و قال : من رووا هذا الحديث عن هشام عراقيّان، وحديث العراقيين عن هشام بن عروة متكلّم فيه.
وقال :قال يعقوب بن شيبة: (هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه بما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه
و قال هذا الحديث مما أخطأ فيه هشام بن عروة؛ فرواه عن أبيه من غير ذكر الواسطة.
وهذه العلّة مع نكارة المتن كافية في ردّه.
وعلى فرض صحة المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها فالجواب عنه أن تخطئتها للكتّاب اجتهاد منها إذْ تركوا القراءة التي كانت تقرأ بها وتعرفها واختاروا غيرها، وقولهم مقدّم على قولها في ذلك، لكثرتهم واجتماعهم وشدّة عنايتهم بالقراءة والإقراء.
و للخروج من هذا الاشكال قال السيوطي أن ابن اشتة َّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} و " إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " سَوَاءٌ لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ: {وَالصَّابِئُونَ} مَكَانَ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بحرف مثل الصلاة والزكاة والحياة.
-و رد السيوطي هذا الرأي فقال: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ
<<
 -قال الألوسي في روح المعاني بعدما ذكر ما قاله السيوطي و رأي الأنباري في تضعييف الروايات : والَّذِي أجْنَحُ أنا إلَيْهِ والعاصِمُ هو اللَّهُ تَعالى تَضْعِيفُ جَمِيعِ ما ورَدَ مِمّا فِيهِ طَعْنٌ بِالمُتَواتِرِ ولَمْ يَقْبَلْ تَأْوِيلًا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ ويَقْبَلُهُ الذَّوْقُ وإنْ صَحَّحَهُ مَن صَحَّحَهُ. والطَّعْنُ في الرُّواةِ أهْوَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الطَّعْنِ بِالأئِمَّةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا القُرْآنَ العَظِيمَ الَّذِي وصَلَ إلَيْنا بِالتَّواتُرِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ولَمْ يَأْلُوا جُهْدًا في إتْقانِهِ وحِفْظِهِ.
وقَدْ ذَكَرَ أهْلُ المُصْطَلَحِ أنَّ مِمّا يُدْرَكُ بِهِ وضْعُ الخَبَرِ ما يُؤْخَذُ مِن حالِ المَرْوِيِّ كَأنْ يَكُونَ مُناقِضًا لِنَصِّ القُرْآنِ أوِ السُّنَّةِ المُتَواتِرَةِ أوِ الإجْماعِ القَطْعِيِّ أوْ صَرِيحِ العَقْلِ حَيْثُ لا يَقْبَلْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ التَّأْوِيلَ أوْ لَمْ يَحْتَمِلْ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنهُ يَزُولُ بِهِ المَحْذُورُ فَلَوْ قالَ قائِلٌ بِوَضْعِ بَعْضِ هاتِيكَ الأخْبارِ لَمْ يَبْعُدْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المؤلف:8/ 533- 536).
و مما سبق يتيبن أن لا حجة لأبو عمرو و عيسى فيما بنوا عليه اعتقادهم بوجود خطأ في القرآن ، ترتب عليه إنكارهم ما عليه رسم المصحف.
و الرد على حجة أبو عمرو البصري و عيسى في انكار القراءة بالقراءات التي فيها( هذان) بالألف نشرع في بيان هذه القراءات و أوجهها و مدى موافقتها للعربية، و فيها الرد الوافي على أبو عمرو و عيسى .
2- القراءة ( إن هذان لساحران) بسكون نون إن و ألف هذان و إن هذان لساحران ؛ بسكون النون و ألف هذان و تشديد نون ساحران:
الإعراب على قولين:
1- القول الأول : إن بمعنى ما ( ما هذان إلا ساحران)، ونافية واللام بمعنى (إلا) عند الكوفيين نحو: {إن نظنك لمن الكاذبين} [الشعراء: 186] ، ذكر ذلك : محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور ، محمد بن أحمد الموصلي ، أبو شامة الدمشقي، السخاوي.
و هذه اللغة هي لغة صحيحة عبر عن هذا الأمر أبو منصور الأزهري فقال :وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.
عبر ابن حيان و السمين عن هذا التقدير ب( الكوفيين يزعمون)، و قال السمين وهو خلافٌ مشهورٌ وقد وافقَ تخريجُهم هنا قراءةَ بعضِهم «ما هذانِ إلاَّ ساحران.
و قال السيوطي في الاتقان : أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ " إِنْ " فَهُوَ إِنْكَارٌ.
قال الألوسي : قالَ الكُوفِيُّونَ: إنْ نافِيَةٌ واللّامُ بِمَعْنى إلّا أيْ ما هَذانِ إلّا ساحِرانِ. ويُؤَيِّدُهُ أنَّهُ قُرِئَ كَذَلِكَ. وفي رِوايَةٍ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ قُرى ( إنْ هَذانِ إلّا ساحِرانِ ) . وقُرِئَ ( إنْ ذانِ ) بِدُونِ هاءِ التَّنْبِيهِ ( إلّا ساحِرانِ ) . وعَزاها ابْنُ خالَوَيْهِ إلى عَبْدِ اللَّهِ وبَعْضُهم إلى أُبَيٍّ وهي تُؤَيِّدُ ذَلِكَ أيْضًا. وقُرِئَ ( إنْ ذانِ لَساحِرانِ ) بِإسْقاطِ هاءِ التَّنْبِيهِ فَقَطْ.
المعنى: توكيد كونهما ساحران ( الاستثناء بعد النفي يفيد التوكيد و قصر الصفة )
القول الثاني: {إن} مخففة من الثقيلة ألغيت من العمل، و اللام فارقة بينها و بين التي تكون في معنى ما ؛ و ذلك عند البصريين كما ذكر السخاوي و الموصلي .
و قال الأخفش الأوسط، و ابن جرير: وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى ما.
 قال الزجاج في معاني القرآن و إعرابه(311) : روي عن الخليل: "إن هذان لساحران" بالتخفيف، قال: والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
قال مكي القيسي (المتوفى: 437هـ) : فَهِيَ قِرَاءَة حَسَنَة لِأَنَّهُ أصلح الاعراب وَلم يُخَالف الْخط.
و استحسن تقدير الكوفيين أن لا بمعنى إلا فقال عنه( فَهُوَ من أحسن شَيْء لأَنهم يقدرُونَ إِن الْخَفِيفَة بِمَعْنى مَا وَاللَّام بِمَعْنى إِلَّا فتقدير الْكَلَام مَا هَذَانِ إِلَّا ساحران فَلَا خلل فِي هَذَا التَّقْدِير إِلّا َ مَا ادعوهُ أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى إِلَّا (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466).
المعنى: توكيد خبر أنهما ساحران
و توجيه قراءة ابن كثير بتشديد نون هاذان على أوجه هي:
- الوجه الأول قاله الموصلي(235) للدلالة على بعد المشار إليهما .
-قال ابن زنجلة(403) في كتابه حجة القراءات(وقرأ ابن كثير {إن} بالتخفيف {هذان} بالتشديد و {إن} تكون أيضا بمعنى ما والأ في هذان هذا ان فحذف الألف وجعل التشديد عوضا من الألف المحذوفة التي كانت في هذا ومن العرب من إذا حذف عوض ومنهم من إذا حذف لم يعوض فمن عوض آثر تمام الكلمة ومن لم يعوض آثر التخفيف ومثل ذلك في تصغير مغتسل منهم من يقول مغيسل فلم يعوض ومنهم من يقول مغيسيل فعوض من التاء ياء.( 456)
و الوجه الثالث:قاله الألوسي (المتوفى: 1270هـ):قال هو عَلى خِلافِ القِياسِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الأسْماءِ المُتَمَكِّنَةِ وغَيْرِها.
عبر عنها أبو منصور الأزهري فقال : وتشديد النون من (هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة.
و قد وصف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي قراءة حفص و ابن كثير بأنها قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها.
و وصف السمين الحلبي في كتابه و الدمياطي: قراءةُ ابنِ كثير وحفص أنها أوضحُ القراءاتِ معنىً ولفظاً وخَطَّاً.
و أضاف السمين :وافَقَتْ خَطَّ المصحفِ؛ فإن الرسم «هذن» بدونِ ألفٍ ولا ياءٍ.
و هذا الإعراب يحتاج لبيان :
• وجه تخفيف إن و تركها العمل:
- قال فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ):
أمّا اللُّغَةُ الظّاهِرَةُ وهي تَرْكُ إعْمالِ ”إنِ“ الخَفِيفَةِ دالَّةٌ عَلى أنَّ الشَّبَهَ اللَّفْظِيَّ في ”إنَّ“ الثَّقِيلَةِ أحَدُ جُزْأيِ العِلَّةِ في حَقِّ عَمَلِها وعِنْدَ الخِفَّةِ زالَ الشَّبَهُ فَلَمْ تَعْمَلْ بِخِلافِ السُّكُونِ فَإنَّهُ عامِلٌ بِمَعْناهُ لِكَوْنِهِ فِعْلًا مَحْضًا ولا عِبْرَةَ لِلَفْظِهِ ( للاستزادة في تفصيل القاعدة يُرجع لتفسير الرازي ).
- و قال ابن حيان أثير الدين الأندلسي و السمين الحلبي :أن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم( تُهمل) نحو: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ}، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا}، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر، واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية؛ هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}، {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} و عبر السمين عن هذا الوجه(ولَمَّا أُهْمِلَتْ كما هو الأفصحُ مِنْ وجهيها خِيْفَ التباسُها بالنافية فجيء باللامِ فارقةً في الخبر.
وقال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي : و مبينًا أن دخول لام الابتداء أو دخول إلا هو مما يُجَوز تخفيف نون إن و إسكانها.( مجاز القرآن ،ج2/20-23) بتصرف.
- و الاعتراض على هذا الإعراب بسبب أن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يَعْتَرِضهُ على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ يقدر أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة ارْتَفع مَا بعْدهَا بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر لنَقص بنائها فَرجع مَا بعْدهَا الى أَصله وَاللَّام لَا تدخل فِي خبر ابْتِدَاء أَتَى على أصلة إِلَّا فِي شعر، ذكره ابن خالويه في كتابه إعراب القراءات السبعة و عللها و أجاب عليه فقال : أنّ من العرب من يدخل لام التّأكيد فى خبر المبتدأ، فيقول زيد لأخوك. وهى لغة مستقيمة، قال الشّاعر : -
خالى لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وقال آخر:
أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه
و أضاف أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي وجهًا آخرًا فقال: بِأنَّها دَخَلَتْ بَعْدَ إنْ هَذِهِ لِشَبَهِها بِإنَّ المُؤَكِّدَةِ لَفْظًا كَما زِيدَتْ إنْ بَعْدَ ما المَصْدَرِيَّةِ لِمُشابَهَتِها لِلنّافِيَةِ في قَوْلِهِ:
ورَجِّ الفَتى لِلْخَيْرِ ما إنْ رَأيْتَهُ ∗∗∗ عَلى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزالُ يَزِيدُ

- قال محمد الطاهر بن عاشور (1393 هـ :
وقَرَأهُ حَفْصٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ نُونِ (إنْ) مُسَكَّنَةً عَلى أنَّها مُخَفَّفَةُ (إنَّ) المُشَدَّدَةِ. ووَجْهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ اسْمُ (إنِ) المُخَفَّفَةِ ضَمِيرَ شَأْنٍ مَحْذُوفًا عَلى المَشْهُورِ. وتَكُونُ اللّامُ في (﴿لَساحِرانِ﴾) اللّامَ الفارِقَةَ بَيْنَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ وبَيْنَ (إنِ) النّافِيَةِ.
القراءة الثالثة: على القراءة المشهورة: إنَ هذان لساحران ، بتشديد النون
قال القرطبي (671) في تفسيره : وافقوا المصحف وخالفوا الإعراب - و هذا ظاهرًا و على القياس فقد بين كثير من العلماء أن هذه القراءة لها أوجه إعرابية توافق اللغة و ليست منكرة كما ذكر أبو عمرو و عيسى .
اختلفت الوجوه التي قالها العلماء منهم من ذكر أنهم ثلاثة و منهم من قال أنهم ستة و منهم من ذكر توجيهات دون أخرى و نجمعهم بإذن الله هنا ) :
1- القول الأول أن يكون إن بمعنى نعم:
- المعنى :
1- نعم هذانِ لهُما سَاحِران، قاله الزجاج( 311) ، و يكن إعرابه: هذان مبتدأ و ساحران خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما.
قال ابن زنجلة(403)في كتابه حجة القراءات ( قال قطرب يجوز أن يكون المعنى أجل فيكون المعنى والله أعلم {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى} قالوا أجل تصديقا من بعضهم لبعض ثم قالوا {هذان لساحران} ويجوز أن يكون اللام داخلة في الخبر على التوكيدئ( ٤٥٥)
- 2- نعم هذان لساحران ؛ فيكونا مبتدأ و خبر؛ قاله المبرد و إسماعيل القاضي ،ذكر ذلك عنهم ابن خالويه.
وقال عنه الزجاج :أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد
كما حكى الكسائي عن عاصم قال العرب: تأتي بإن بمعنى نعم، وحكى سيبويه: أن «إن» تأتي بمعنى أجل ، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق يذهبان ، ذكر ذلك النحاس في كتابه إعراب القرآن.
قال بشر بن هلال: أن إن هنا تكون بمعنى الابتداء و الإيجاب ؛فتعمل فيما يليها و لا تعمل فيما بعدها ( ترفع الخبر ) ذكر ذلك عنه أبو عبيدة المثني، وقال هذا من المجاز الذي يؤيده قول العرب ، و ألا ترى أنهم يرفعون المشرك و استدل بأشعار من أقوال العرب منها :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّى وقيّار بها لغريب (مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و مما يُستدل به على صحة هذه القراءة ما ذكره أبو عبيدة المثني عن رفع الملائكة على شركة الابتداء في «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» ولا يعملون فيها «إن» ، و ما نسبه إلى الفصحاء من المحرمين قولهم: إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك «.( مجاز القرآن ،ج2/20-23)
و ذكر مثل هذا الاستشهاد أبو جعفر النحاس( 338) حيث أخرج عن لي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره يقول: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ثم يقول: أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص» ، و هو ما استشهد به علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ( فتح الوصيد) و قال : هذا أوضح دليل على صحة هذه القراءة.
و قال أبو عبيدة المثني: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية في النحو إن الحمد لله بالنصب إلا أن العرب تجعل «إن» في معنى نعم كأنه أراد: نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبتها بنعم.
و بنا على ما ذُكِر من لغة العرب جَوز النحاس هذا التقدير و استدرك عليه بما يُستشكل فيه فقال :أن هذا القول أحسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما قال: إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا يكاد يقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم.
و قد قال ابن الحاجب في "الأمالي": "إنْ" بمعنى "نعم": شاذ ،ذكر ذلك عنه الطيببي قال شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي (المتوفى: 743 هـ):
و مما عورض به هذا القول:
1- عدمُ ثبوتِ «إنَّ» بمعنى نعم أو ندرة وروده.
2- دخولُ اللامِ على خبرِ المبتدأ غيرِ المؤكَّد ب «إنَّ» المكسورةِ، لأَنَّ مثلَه لا يقعُ إلاَّ ضرورةً رأى مكي القيسي ( 437) أن هذا القول َفِيه بعد لدُخُول اللَّام فِي الْخَبَر وَذَلِكَ لَا يكون الا فِي شعر كَقَوْلِه ... أم الْحُلَيْس لعجوز شهر بِهِ ... ترْضى من اللَّحْم بِعظم الرقبه ...
وَكَانَ وَجه الْكَلَام لأم الْحُلَيْس عَجُوز وَكَذَلِكَ كَانَ وَجه الْكَلَام فِي الْآيَة ان حملت ان على معنى نعم إِن لهذان ساحران كَمَا تَقول نعم لهذان ساحران وَنعم لمُحَمد رَسُول الله وَفِي تَأَخّر اللَّام مَعَ لفظ ان بعض الْقُوَّة على نعم.
3- و من الاعتراضات أيضًا سياق الكلام.
و الرد على الاعتراض الأول و الثاني مترابط و ممن فصل في الرد على هذا الاعتراض فخر الدين الرازي و الالوسي:
فذكرا وجه الاعتراض قائلاً: اللّامُ لا تَدْخُلُ في الخَبَرِ عَلى الِاسْتِحْسانِ إلّا إذا كانَتْ ”إنَّ“ داخِلَةً في المُبْتَدَأِ، فَأمّا إذا لَمْ تَدْخُلْ ”إنَّ“ عَلى المُبْتَدَأِ فَمَحَلُّ اللّامِ المُبْتَدَأُ إذْ يُقالُ: لَزَيْدٌ أعْلَمُ مِن عَمْرٍو، ولا يُقالُ: زَيْدٌ لَأعْلَمُ مِن عَمْرٍو.
و الرد على هذا الاعتراض هو الرد على كل من رد هذا التقدير و خاصة الفارسي و ابن الجني.
ذكر كلًا من الرازي في تفسيره و الطيبي في حاشية الكشاف تفصيلًا لاعتراضات على أبو علي الفارسي في الإغفال و تلميذه ابْنُ جِنِّي على قول الزجاج، و هي من وجوه:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ أنَّ المُبْتَدَأ إنَّما يَجُوزُ حَذْفُهُ لَوْ كانَ أمْرًا مَعْلُومًا جَلِيًّا ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ في حَذْفِهِ مَعَ الجَهْلِ بِهِ ضَرْبٌ مِن تَكْلِيفِ عِلْمِ الغَيْبِ لِلْمُخاطَبِ، وإذا كانَ مَعْرُوفًا فَقَدِ اسْتَغْنى بِمَعْرِفَتِهِ عَنْ تَأْكِيدِهِ بِاللّامِ لِأنَّ التَّأْكِيدَ إنَّما يَحْتاجُ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنِ العِلْمُ بِهِ حاصِلًا.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الحَذْفَ مِن بابِ الِاخْتِصارِ، والتَّأْكِيدَ مِن بابِ الإطْنابِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما غَيْرُ جائِزٍ، ولِأنَّ ذِكْرَ المُؤَكَّدِ وحَذْفَ التَّأْكِيدِ أحْسَنُ في العُقُولِ مِنَ العَكْسِ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: امْتِناعُ أصْحابِنا البَصْرِيِّينَ مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ العائِدِ عَلى المُبْتَدَأِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ فَلا يُجِيزُونَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، عَلى أنْ يُجْعَلَ النَّفْسُ تَوْكِيدًا لِلْهاءِ المُؤَكِّدَةِ المُقَدَّرَةِ في ”ضَرَبْتُ“ أيْ ضَرَبْتُهُ؛ لِأنَّ الحَذْفَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ التَّحْقِيقِ والعِلْمِ بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِهِ فَكَذا هَهُنا.
الوَجْهُ الرّابِعُ: أنَّ جَمِيعَ النَّحْوِيِّينَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً ولَوْ كانَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ جائِزًا لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، ولَما حَمَلُوا الكَلامَ عَلَيْهِ عَلى الِاضْطِرارِ إذا وجَدُوا لَهُ وجْهًا ظاهِرًا.
ويُمْكِنُ الجَوابُ عَنِ اعْتِراضِ ابْنِ جِنِّي
1- بِأنَّهُ إنَّما حَسُنَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ لِأنَّ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وهو قَوْلُهُ: ”هَذانِ“ أمّا لَوْ حُذِفَ التَّأْكِيدُ فَلَيْسَ في اللَّفْظِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلا جَرَمَ كانَ حَذْفُ المُبْتَدَأِ أوْلى مِن حَذْفِ التَّأْكِيدِ،
2- وأمّا امْتِناعُهم مِن تَأْكِيدِ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِمْ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ، فَذاكَ إنَّما كانَ لِأنَّ إسْنادَ الفِعْلِ إلى المُظْهَرِ أوْلى مِن إسْنادِهِ إلى المُضْمَرِ، فَإذا قالَ: زَيْدٌ ضَرَبْتُ نَفْسَهُ كانَ قَوْلُهُ: ”نَفْسَهُ“ مَفْعُولًا، فَلا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ، فَتَأْكِيدُ المَحْذُوفِ إنَّما امْتَنَعَ هَهُنا لِهَذِهِ العِلَّةِ، لا لِأنَّ تَأْكِيدَ المَحْذُوفِ مُطْلَقًا مُمْتَنِعٌ،
3- وأمّا قَوْلُهُ: النَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا قَوْلَ الشّاعِرِ:
أمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ
عَلى أنَّ الشّاعِرَ أدْخَلَ اللّامَ عَلى الخَبَرِ ضَرُورَةً، فَلَوْ جازَ ما قالَهُ الزَّجّاجُ لَما عَدَلَ عَنْهُ النَّحْوِيُّونَ، فَهَذا اعْتِراضٌ في نِهايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأنَّ ذُهُولَ المُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذا الوَجْهِ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ باطِلًا، فَما أكْثَرَ ما ذَهَلَ المُتَقَدِّمُ عَنْهُ وأدْرَكَهُ المُتَأخِّرُ فَهَذا تَمامُ الكَلامِ في شَرْحِ هَذا.
و ختم الطيبي رده ب(وكفى بدخول اللام شاهد صدقٍ، ما روي عن أفصح من نطق بالضاد من قوله: "أغبطُ أوليائي عندي، لمؤمنٌ خفيفُ الحاذ". أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه، عن أبي أمامة.
(تفسير الرازي ، فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) ، 10/ 197-200 ).
و أجاب أبي حيان على مقالة أبو علي و ابن جني : بِأنَّ الحَذْفَ لِقِيامِ القَرِينَةِ والِاسْتِغْناءِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ والتَّأْكِيدُ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ لا لِلْمَحْذُوفِ والحَمْلُ في البَيْتِ مُمْكِنٌ أيْضًا واقْتِصارُهم فِيهِ عَلى الضَّرُورَةِ ذُهُولٌ وكَمْ تَرَكَ الأوَّلُ لِلْآخَرِ، واجْتِماعُ الإيجازِ والإطْنابِ مَعَ اخْتِلافِ الوَجْهِ غَيْرُ مُحالٍ. وأصْدَقُ شاهِدٍ عَلى دُخُولِ اللّامِ في مِثْلِ هَذا الكَلامِ ما رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وأحْمَدُ وابْنُ ماجَهْ ( أغْبَطُ أوْلِيائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الحاذِ ) نَعَمْ لا نِزاعَ في شُذُوذِ هَذا الحَذْفِ اسْتِعْمالًا وقِياسًا.
وقد استحسن الألوسي الاستدلال بقول ابن الزبير فقال: والجَيِّدُ الِاسْتِدْلالُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لِمَن قالَ لَهُ: لَعَنَ اللَّهُ ناقَةً حَمَلَتْنِي إلَيْكَ إنْ وراكِبُها إذْ قَدْ قِيلَ: في البَيْتِ إنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ إنْ فِيهِ بِمَعْنى نَعَمْ والهاءُ لِلسَّكْتِ بَلْ هي النّاصِبَةُ والهاءُ ضَمِيرٌ مَنصُوبٌ بِها والخَبَرُ مَحْذُوفٌ أيْ إنَّهُ كَذَلِكَ ولا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّها في الخَبَرِ كَذَلِكَ وحُذِفَ الجُزْءانِ لِأنَّ حَذْفَ الجُزْأيْنِ جَمِيعًا لا يَجُوزُ
قال ابن حيان في تفسيره : وَقِيلَ إِنْ بِمَعْنَى نَعَمْ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ فَتُحْمَلُ الآية عليه.
3-من الاعتراضات على أن إن بمعنى نعم : سياق الكلام و يتبين ذلك من قول أبو حيان الأندلسي ؛ ضَعَّفَ هَذا الوَجْهَ بِأنَّ كَوْنَها بِمَعْنى نَعَمْ لَمْ يَثْبُتْ، أوْ هو نادِرٌ وعَلى تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ مِن غَيْرِ نُدْرَةٍ لَيْسَ قَبْلَها ما يَقْتَضِي جَوابًا حَتّى تَقَعَ نَعَمْ في جَوابِهِ).
حيث استبعد قول من قال ِأنَّهُ يُفْهَمُ مِن صَدْرِ الكَلامِ أنَّ مِنهم مَن قالَ: هُما ساحِرانِ فَصَدَقَ وقِيلَ: نَعَمْ بَعِيدٌ. ومِثْلُهُ القَوْلُ بِأنَّ ذَلِكَ تَصْدِيقٌ لِما يُفْهَمُ مِن قَوْلِ فِرْعَوْنَ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى﴾
و مع استبعاد أبي حيان لكون السياق لا يؤيد منى إن أنه نعم كان الطاهر بن عاشور ممن يقول بموافقة السياق فعبر عن هذا القول أنه أظهر الأقوال في توجيه إن و أن هذا من استعمالات إن و وجه معنى الآية فقال: أيِ اتَّبَعُوا لَمّا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أمْرُهم بَعْدَ النَّجْوى ، و قال : وعَلى هَذا التَّوْجِيهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى (﴿إنَّ هَذانِ لَساحِرانِ﴾) حِكايَةً لِمَقالِ فَرِيقٍ مِنَ المُتَنازِعِينَ، وهو الفَرِيقُ الَّذِي قَبِلَ هَذا الرَّأْيَ لِأنَّ حَرْفَ الجَوابِ يَقْتَضِي كَلامًا سَبَقَهُ.
و عبر عن توجيه الزجاج: أنه من مبتكراته .
و فسر دخول اللام على الخبر :أنه إمّا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الخَبَرِ جُمْلَةً حُذِفَ مُبْتَدَأُها وهو مَدْخُولُ اللّامِ في التَّقْدِيرِ، ووُجُودُ اللّامِ يُنْبِئُ بِأنَّ الجُمْلَةَ الَّتِي وقَعَتْ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الإشارَةِ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ؛ وإمّا عَلى رَأْيِ مَن يُجِيزُ دُخُولَ اللّامِ عَلى خَبَرِ المُبْتَدَأِ في غَيْرِ الضَّرُورَةِ.

2- القول الثاني : أن هذا على لغة بني الحارث بن كعب؛ يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.
قاله كلًا من : أبو زيد والكسائي والأخفش والفراء

و قال أبو جعفر النحاس في كتابه إعراب القرآن: والقول الثاني من أحسن ما حملت عليه الآية إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني.
و اعتبرها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه الهمذاني النحوي الشافعي : لغة شاذة لا تدخل القرآن و قال فلمّا كانت الكتابة فى المصحف بالألف (إنّ هذان) حمله بعضهم على هذه اللّغة.
وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: هي لُغَةٌ لِبَنِي الحارِثِ بْنِ كَعْبٍ وافَقَتْها لُغَةُ قُرَيْشٍ، كما ذكر ابن الجوزي في تفسيره .
و أيد فخر الدين الرازي ، هذا القول و عبر عن ذلك القول : وهو الأقْوى .
- و بين محمد بن أحمد الموصلي في كتابه (كنز المعاني) و أبو زيد- كما قال السمين الحلبي في كتابه الدر المصون) وجه هذه اللغة بأنهم يقلبون كل ياء ساكنة إذا انفتح ما قبلها ألفًا و يجعلون المثنى كالمقصورِ فيُثْبِتون ألفاً في جميع أحواله، ويُقَدِّرون إعرابَه بالحركاتِ،.(كنز المعاني: 2/435) (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون ، 8/ 63-68 ).
- و اختاره أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): و قال :واختارها أبو عبيد وقال: لا يجوز لأحد مفارقة الكتاب وما اجتمعت عليه الأمة، قلتُ: مدار الأقوال المنقولة عنهم في ذلك على وجهين؛ أحدهما: أن يكون هذان اسما؛ لأن، والآخر: أن يكون مبتدأ فإن كان اسما لـ "أن" فلا يتوجه إلا على أنه لغة لبعض العرب يقولون هذان في الرفع والنصب والجر كما يلفظون بسائر الأسماء المقصورة، كعصى وموسى، وكذا ما معناه التثنية نحو كلا [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/373]
- و اختاره ابن حيان أثير الدين الأندلسي كما ذكر في تفسيره و قال : وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقْلِبُ كُلَّ يَاءٍ يَنْفَتِحُ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا.
و ممن اختار هذا الوجه الألوسي في روح المعاني و قال: وهو أجْوَدُ الوُجُوهِ وأوْجَهُها، واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ وابْنُ مالِكٍ والأخْفَشُ وأبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ وجَماعَةٌ.
و قال الألوسي : أنَّها النّاصِبَةُ واسْمُ الإشارَةِ اسْمُها: واللّامُ لامُ الِابْتِداءِ و( ساحِرانِ ) خَبَرُها ومَجِيءُ اسْمِ الإشارَةِ بِالألِفِ مَعَ أنَّهُ مَنصُوبٌ جارٍ عَلى لُغَةِ بَعْضِ العَرَبِ مِن إجْراءِ المُثَنّى بِالألِفِ دائِمًا .
و لم يردها الطاهر ابن عاشور و قال وهي لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ في الأدَبِ العَرَبِيِّ ولَها شَواهِدُ كَثِيرَةٌ.
3- القول الثالث: الألف (من هَذَا دِعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنّيت زدتُ عليها نونًا ثُمَّ تركت الألف) ثابتة عَلَى حالِها لا تزول عَلَى كل حال كما قالت العرب (الَّذِي) ثُمَّ زادوا نونًا تدل عَلَى الجماع، فقالوا: الَّذِينَ فِي رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) فِي رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون)؛ قاله الفراء و ذكره النحاس في كتابه إعراب القرآن .
(معاني القرآن، ج2/183-184)
القول الرابع: شبهت الألف في قولك: هذان بالألف في يفعلان، فلم تغير؛ قاله أبو جعفر النحاس و ذكره احتمالًا فخر الدين الرازي في تفسيره و بينه فقال : و يُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الألِفُ في هَذا مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ، والحَرْفُ الَّذِي يَكُونُ مِن جَوْهَرِ الكَلِمَةِ لا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ والجَمْعِ؛ لِأنَّ ما بِالذّاتِ لا يَزُولُ بِالعَرَضِ فَهَذا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أنْ لا يَجُوزَ أنْ يُقالَ: ”إنَّ هَذَيْنِ“ فَلَمّا جَوَّزْناهُ فَلا أقَلَّ مِن أنْ يُجَوَّزَ مَعَهُ أنْ يُقالَ: إنْ هَذانِ.
4- القول الخامس: الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى: إنه هذان لساحران: نسبه أبو إسحاق الزجاج و أبي حيان الأندلسي و الألوسي إلى النحويين القدماءز
و قدره مكي القيسي في إعراب القراءات السبع و عللها و أبي حيان في تفسيره ( انه هَذَانِ لساحران ) كَمَا تَقول إِنَّه زيد منطلق وَهُوَ قَول حسن لَوْلَا أَن دُخُول اللَّام فِي الْخَبَر يبعد (إعراب القراءات السبع وعللها، 2/466)
و قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ):في اللام أنها إما أن تكون زائدة أو أريد بها التقديم
- و التقدير لهذان ساحران.
- و ذكر السمين الحلبي وجه إعرابها فقال: أنَّ اسمَها ضميرُ الشأنِ محذوفٌ، والجملةُ من المبتدأ والخبرِبعدَه في محلِّ رفعٍ خبراً ل «إنَّ» ، التقديرُ: إنَّه، أي: الأمرُ والشأنُ.
- وذكر كلًا من السمين الحلبي و أبي حيان :أن هذا القول قد ضُعِّفَ بوجهين،
أحدهما: حَذْفُ اسمِ «إن» ، وهو غيرُ جائزٍ إلاَّ في شعرٍ، بشرطِ أَنْ لا تباشرَ «إنَّ» فعلاً كقولِه:
إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يوماً ... يَلْقَ فيها جَآذراً وظِباءَ.
و بين الألوسي سبب عدم جواز الحذف فقال : ضَعُفَ بِأنَّ ضَمِيرَ الشَّأْنِ مَوْضُوعٌ لِتَقْوِيَةِ الكَلامِ وما كانَ كَذَلِكَ لا يُناسِبُهُ الحَذْفُ والمَسْمُوعُ مِن حَذْفِهِ كَما في قَوْلِهِ:
إنَّ مَن لامَ في بَنِي بِنْتِ حَسّا ∗∗∗ نَ ألُمْهُ وأعُصِهِ في الخُطُوبِ
وقَوْلِهِ:
إنَّ مَن يَدْخُلِ الكَنِيسَةَ يَوْمًا ∗∗∗ يَلْقَ فِيها جَآذِرًا وظِباءَ
ضَرُورَةٌ أوْ شاذٌّ إلّا في بابِ أنِ المَفْتُوحَةِ إذا خُفِّفَتْ فاسْتَسْهَلُوهُ لِوُرُودِهِ في كَلامٍ بُنِيَ عَلى التَّخْفِيفِ فَحُذِفَ تَبَعًا لِحَذْفِ النُّونِ ولِأنَّهُ لَوْ ذُكِرَ لَوَجَبَ التَّشْدِيدُ إذِ الضَّمائِرُ تَرُدُّ الأشْياءَ إلى أُصُولِها.
والثاني: دخولُ اللام في الخبرِ.
*وقد أجابَ الزجَّاج بأنها داخلةٌ على مبتدأ محذوفٍ تقديرُه: لهما ساحران. وهذا قد استحسنه شيخُه المبردُ، أعني جوابَه بذلك.
وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ شَيْخُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ.
*و قال محمود بن عبد الرحيم الصافي 1376 هجري:
(إن) مخفّفة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف ، (هذان) مبتدأ في محلّ رفع مبنيّ على الألف، (اللام) لام الابتداء (ساحران) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هما (يريدان) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون
وجملة: «إن (هـ) هذان لساحران» في محلّ نصب مقول القول
وجملة: «هذان ل (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر إن المخفّفة.
وجملة: « (هما) ساحران» في محلّ رفع خبر المبتدأ (هذان(لجدول في إعراب القرآن(16/885-886)

5- القول السادس: قال أبو جعفر: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: هذا في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب أن لا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك بالقول به حتى يؤنس به، فقلت: فيقول القاضي «به» حتى يؤنس به فتبسم.
و قال مكي القيسي : وَقيل إِن الْمُبْهم لما لم يظْهر فِيهِ اعراب فِي الْوَاحِد وَلَا فِي الْجمع جرت التَّثْنِيَة على ذَلِك فَأتي بِالْألف على كل حَال.
و ذكر الطيبي و الألوسي قول ابن الحاجب في "الأمالي": وهذه القراءة مشكلة، وأخرها أن (هذان) مبني لأنه من أسماء الإشارة، فجاء في الرفع والنصب والجر على حالٍ واحدة، وهي لغةٌ واضحةٌ،ومما يُقويها أن اختلاف الصيغ في اللغة الأخرى ليس إعراباً في التحقيق، لوجود علة البناء من غير معارض؛ لأن العلة في هذا وهؤلاء كونها اسم إشارة.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي: فَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ؛ بَلْ وَلَا لُغَةُ سَائِرِ الْعَرَبِ: أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ إذَا ثُنِّيَتْ بِالْيَاءِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ النُّحَاةِ قِيَاسًا جَعَلُوا بَابَ التَّثْنِيَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ كَمَا هُوَ فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَاهِدٌ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالُوهُ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَوْ خَفْضٍ إلَّا هَذَا وَلَفْظُهُ (هَذَانِ فَهَذَا نَقْلٌ ثَابِتٌ مُتَوَاتِرٌ لَفْظًا وَرَسْمًا.
و ذكر الألوسي: قول ابْنُ هِشامٍ: وعَلى هَذا فَقِراءَةُ هَذانِ أقْيَسُ إذِ الأصْلُ في المَبْنِيِّ أنْ لا تَخْتَلِفَ صِيغَتُهُ مَعَ أنَّ فِيها مُناسَبَةً لِألِفِ ( ساحِرانِ ) ا هـ.
7- القول السابع : قال سيبويه: اعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زائدتان الأولى منهما حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون يكون في الرفع ألفا، والرفع لا يكون إلا إعرابا، وقد جعله سيبويه رفعا فصح أنه إعراب.
وبين السيرافي قوله: " الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب " يعني الأولى ألف أو ياء فأيهما كان فهو حرف المد واللين، وهو حرف الإعراب، يعني حرف المد واللين الذي ذكر هو حرف الإعراب. شرح كتاب سيبويه المؤلف: أبو سعيد السيرافي الحسن بن عبد الله بن المرزبان (المتوفى: 368 هـ) ( 1/135)
و قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل أن لا يتغير إن هذان، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جل وعز: استحوذ عليهم الشيطان [المجادلة: 19] ولم يقل: استحاذ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبين أنها الأصل، وهذا بين جدا (3/ 331-332، إعراب القرآن)
و بين محمد بن القاسم الأنباري ذلك أن الأصل في ألف التثنية أن تكون/كعصا و رحا، في الرفع و النصب و الجر على صورة واحدة،لان الحركة مقدرة ،كما هي في ألف عصا و رحا، و لكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب و الجر حرصًا على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد\ من البيان،ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل و نصبها بعد المفعول، و هذا المعنى لا يتأتى بالتثنية،لو قلت :ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان ،لم تتغير الصفة فجاء قوله(إن هذان لساحران) على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما (استحوذ ) على ذلك.
(البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري، 933)
ِ.8- القول ثامن:
قال عبد القاهر: «(ها): تنبيهٌ، و(ذا): إشارةٌ، زيد على ذلك ألف ونون، فاجتمع ألفان، فلا بد من الحذف، فلم يمكن حذف ألف (ذا)، لأنها كلمة على حرفين، فحذفت ألف التثنية، وبقيت النون دالة عليها. وألف (ذا)، لا تنقلب».
قال فخر الدين الرازي في الجواب قالَ الفَرّاءُ: هَذا أصْلُهُ ”ذا“ زِيدَتِ الهاءُ لِأنَّ ”ذا“ كَلِمَةٌ مَنقُوصَةٌ فَكُمِّلَتْ بِالهاءِ عِنْدَ التَّنْبِيهِ، وزِيدَتْ ألِفًا لِلتَّثْنِيَةِ فَصارَتْ هَذاانِ فاجْتَمَعَ ساكِنانِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ فاحْتِيجَ إلى حَذْفِ واحِدٍ، ولا يُمْكِنُ حَذْفُ ألِفِ الأصْلِ لِأنَّ أصْلَ الكَلِمَةِ مَنقُوصَةٌ فَلا تُجْعَلُ أنْقَصَ فَحُذِفَ ألِفُ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّ النُّونَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلا جَرَمَ لَمْ تَعْمَلْ ”إنَّ“ لِأنَّ عَمَلَها في ألِفِ التَّثْنِيَةِ، وقالَ آخَرُونَ: الألِفُ الباقِي إمّا ألِفُ الأصْلِ أوْ ألِفُ التَّثْنِيَةِ. فَإنْ كانَ الباقِي ألِفَ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُها لِأنَّ العامِلَ الخارِجِيَّ لا يَتَصَرَّفُ في ذاتِ الكَلِمَةِ، وإنْ كانَ الباقِي ألِفَ التَّثْنِيَةِ فَلا شَكَّ أنَّهم أنابُوها مَنابَ ألِفِ الأصْلِ، وعِوَضُ الأصْلِ أصْلٌ لا مَحالَةَ، فَهَذا الألِفُ أصْلٌ فَلا يَجُوزُ حَذْفُهُ ويَرْجِعُ حاصِلُ هَذا إلى الجَوابِ الأوَّل.
- ثُمَّ قالَ الفَرّاءُ وذَلِكَ وإنْ كانَ قَلِيلًا أقْيَسُ لِأنَّ ما قَبْلَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ مَفْتُوحٌ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ ما بَعْدَهُ ألِفًا، ولَوْ كانَ ما بَعْدَهُ ياءً يَنْبَغِي أنْ تَنْقَلِبَ ألِفًا لِانْفِتاحِ ما قَبْلَها، وقُطْرُبٌ ذَكَرَ أنَّهم يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِرارًا إلى الألِفِ الَّتِي هي أخَفُّ حُرُوفِ المَدِّ، هَذا أقْوى الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ.
- قال محمد بن أحمد الموصلي (ت: 656هـ):
إن الأصل (هذا) زيد الياء والنون عليها، فاجتمع ساكنان، فحذفت الياء، إذ لم يمكن حذف الأول لاختلال الكلمة بها، لأنها على حرفين .
9- القول التاسع: قال السمين الحلبي و أبي حيان في تفسيره و السيوطي في الإتقان:
أنَّ اسمَها ضميرُ القصةِ وهو «ها» التي قبل «ذان» وليست ب «ها» التي للتنبيهِ الداخلةِ على أسماءِ الإِشارةِ، والتقدير: إنَّ القصةَ ذانِ لساحران. وقد رَدُّوا هذا من وجهين، أحدهما: من جهةِ الخَطِّ، وهو أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن تُكتبَ «إنها» فيصِلوا الضميرَ بالحرفِ قبلَه كقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار} [الحج: 46] فكَتْبُهم إياها مفصولةً من «إنَّ» متصلةً باسمِ الإِشارة يمنع كونَها ضميراً، وهو واضح. الثاني: أنَّه يؤدِّي إلى دخولِ لامِ الابتداءِ في الخبرِ غيرِ المنسوخِ. وقد يُجاب عنه بما تقدَّم.
قال الألوسي 1270: أنَّها النّاصِبَةُ وهاءُ ضَمِيرِ القِصَّةِ اسْمُها وجُمْلَةُ (ذانِ لَساحِرانِ) خَبَرُها، وضَعُفَ بِأنَّهُ يَقْتَضِي وصْلَ ها بِإنْ مِن إثْباتِ الألِفِ وفَصْلِ ها مِن ( ذانِ ) في الرَّسْمِ وما في المُصْحَفِ لَيْسَ كَذَلِكَ، ومَعَ ذَلِكَ يَرِدُ بَحْثُ دُخُولِ اللّامِ.
10- القول العاشر: قال الألوسي: 1270 :أنَّ إنْ مُلْغاةٌ وإنْ كانَتْ مُشَدَّدَةً حَمْلًا لَها عَلى المُخَفَّفَةِ وذَلِكَ كَما أعْمَلْتَ المُخَفَّفَةَ حَمْلًا لَها عَلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّ كُلا لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ أوْ حَطًّا لِرُتْبَتِها عَنِ الفِعْلِ لِأنَّ عَمَلَها لَيْسَ بِالأصالَةِ بَلْ بِالشَّبَهِ لَهُ وما بَعْدَها مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى وفِيهِ أنَّ هَذا الإلْغاءَ لَمْ يُرَ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ وهو مَحَلُّ النِّزاعِ وبَحْثُ اللّامِ فِيهِ بِحالِهِ.

- قال أبو منصور الأزهري في كتابه معاني القراءات : وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا حجة( لم يذكر جميع ما ذكرنا من الوجوه بل عددًا منها) .
- وقال القاضي محمد ابن عطية الأندلسي في تفسيره : وهذه الأقوال معترضة، إلا ما قيل من أنها لغة، و"إن" بمعنى: أجل ونعم، أو "إن" في الكلام ضمير.
- و قد ضعف العكبري في كتابه التبيان في إعراب القرآن عددًا من هذه الأقوال: منها أنها بمعنى نعم، وما بعدها مبتدأ وخبر. والثاني: إن فيها ضمير الشأن محذوفا، وما بعدها مبتدأ وخبر أيضا. وكلا الوجهين ضعيف من أجل اللام التي في الخبر ; وإنما يجيء مثل ذلك في ضرورة الشعر، و ضعف القول هي مخففة من الثقيلة، وهو ضعيف أيضا( 2/895).
و ضعف أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي في كتابه إبراز المعاني من حرز الأأماني أقوال منها( "إن": بمعنى نعم فهي أيضا لغة قليلة الاستعمال ويلزم منه شذوذ إدخال لام التوكيد في الخبر كما سبق، وإن حملت على حذف ضمير الشأن فهو أيضا ضعيف ويضعفه أيضا اللام في الخبر وقراءة هذين بالياء ووجهها ظاهر من جهة اللغة الفصيحة لكنها على مخالفة ظاهر الرسم، فليس الأقوى من جهة الرسم واللغة معا إلا القراءة بتخفيف إن ورفع هذان، والله المستعان). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/378
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوي : وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَجَاءَ اسْمًا مُبْتَدَأً: اسْمُ (إنَّ) وَكَانَ مَجِيئُهُ بِالْأَلِفِ أَحْسَنَ فِي اللَّفْظِ مِنْ قَوْلِنَا: " إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ " لِأَنَّ الْأَلِفَ أَخَفُّ مِنْ الْيَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ بِالْأَلِفِ فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ بِالْأَلْفِ كَانَ أَتَمَّ مُنَاسِبَةً وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ بِالْيَاءِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَيْسَ فِي الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ دَقِيقَةٌ وَاَلَّذِينَ استشكلوا هَذَا إنَّمَا استشكلوه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَمَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ يُعْرَفُ ضَعْفُ الْقِيَاسِ.

الدراسة:
بالنظر لما سبق يتبين لنا:
1- هذه الروايات الثلاث مما صح نقله،( كما قال النحاس في كتابه إعراب القرآن: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة) ، و لا اعتبار لما قاله أبو عمرو عن رده الرواية (بهذان) (لما تم ذكره في بيان خطأ ما اعتمده من حجج)، أما قول الزجاج أنه لا يجيز الرواية بهذين ، فذلك مرجعه لأنه لا يجوز القراءة بما يخالف مصحف الإمام ، فهذا الحكم عام و فيه إجماع من العلماء بذلك.
2- ما وقع فيه أبو عمرو و عيسى كان سببه ما اختصره و بينه ابن تيمية في رسالته: إجراء القياس، و الذي بما ذكرنا قد تبين خطأوه، فلقراءة هذان أوجه لغوية إعرابية موافقة للعربية و قد أقرها علماء أجلاء، و لم يكتفوا بذلك بل فصلوا و بينوا.
3- نقل القرآن كان مشافهة ثم تلته الكتابة، وما وافق رسم المصحف العثماني يتلى به، و ما خالفها وإن صح فلا يذكر إلا في معرض التعلم أو لزيادة معنى أو لبيانه، فمنه ما نُسخ و منه ما تركه عثمان رضي الله عنه و اكتفى بغيره، و ما كتب في مصحف الإمام تلقته الأمة بالقبول.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير و التنوير :
وإن المصحف الإمام ما رسمُوه إلاّ اتّباعاً لأشهر القراءات المسموعة المروية من زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقرّاء أصحابه ، فإن حفظ القرآن في صدور القرّاء أقدم من كتابته في المصاحف ، وما كتب في أصول المصاحف إلاّ من حفظ الكاتِبين ، وما كُتب المصحف الإمام إلا من مجموع محفوظ الحُفاظ وما كتبه كتاب الوحي في مدة نزول الوحي .
قال الشيخ عبد العزيز الداخل: ونحن لا ننكر أن تكون تلك الأحرف قد قرئت على قراءات أخرى قرأت بها عائشة وقرأ بها ابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، لكنّ المصير إلى القراءة التي على مقتضى الرسم العثماني واجب لتقرر الإجماع على ترك الإقراء بما خالف المصحف الإمام، والأقوال المهجورة لا تقدح في صحّة الإجماع.
والمجزوم به أنّ القراءة الموافقة للرسم العثماني صحيحة لغةً لا لحنَ فيها، وهي مقدّمة على غيرها لاختيار قرّاء الصحابة لها على غيرها؛ فإنّ ما تركوه قد يتطرّق إليه احتمال النسخ، وما أثبتوه فغير منسوخ التلاوة،
و نخلص في هذه المسألة أن القراءة المشهورة ( إن هذان لساحران ) هي الأولى بالاتباع ؛ فهي قراءة متواترة ، وافقت رسم المصحف، لها وجه في اللغة العربية، كما قال الزجاج أن اتباع رسم المصحف سنة، و لا يجوز القراءة بغيرها، و لإعراب ( إن هذان لساحران) أوجه إعرابية مختلفة كما بينا، منها ما يؤيد بعضها البعض، و منها ما يستقل بذاته لكنه له توجيهه المقبول لدى العلماء.
و قد جمع ابن جرير في ترجيحه عددًا منها يقوي أحدهم الآخر و يؤيده فقال في تفسيره: والصواب من القراءة في ذلك عندنا(إنّ) بتشديد نونها، وهذان بالألف لإجماع الحجة من القرّاء عليه، وأنه كذلك هو في خطّ المصحف، ووجهه إذا قرئ كذلك مشابهته الذين إذ زادوا على الذي النون، وأقرّ في جميع الأحوال الإعراب على حالة واحدة، فكذلك (إنَّ هَذَانِ) زيدت على هذا نون وأقرّ في جميع أحوال الإعراب على حال واحدة، وهي لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وزبيد، ومن وليهم من قبائل اليمن.
و هذا الترجيح لا يمنع باقي الأوجه الإعرابية التي ذكرنا لما ترجح عند أصحابها من أدلة ، كما سبق و بينا؛ كما ترجح عند الزجاج اختياره لأن إن بمعنى نعم ، أو من ترجح لديه عدم العمل بإن.
هذا ما يسر الله و أرى أنه لا زال يحتاج لعمل ، نسأل الله التوفيق و السداد.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir