دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 10:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صلاة الاستسقاء (1/9) [مشروعية صلاة الاستسقاء وحال النبي حين خرج لصلاتها]


بابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُتواضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا، فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كما يُصَلِّي في العِيدِ، لم يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هذه. رواهُ الخمسةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وأبو عَوَانةَ وابنُ حِبَّانَ.


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 10:45 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ

أَيْ: طَلَبُ سِقَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حُدُوثِ الْجَدْبِ.
أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ)).
1/479 - عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاضِعاً، مُتَبَذِّلاً، مُتَخَشِّعاً، مُتَرَسِّلاً، مُتَضَرِّعاً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ أَيْ: مِن الْمَدِينَةِ، (مُتَوَاضِعاً، مُتَبَذِّلاً): بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ فَذَالٍ مُعْجَمَةٍ؛ أَيْ: أَنَّهُ لابِسٌ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ.
وَالْمُرَادُ تَرْكُ الزِّينَةِ وَحُسْنِ الْهَيْئَةِ تَوَاضُعاً، وَإِظْهَاراً لِلْحَاجَةِ، (مُتَخَشِّعاً) الْخُشُوعُ فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ كَالْخُضُوعِ فِي الْبَدَنِ (مُتَرَسِّلاً) مِن التَّرْسِيلِ فِي الْمَشْيِ، وَهُوَ التَّأَنِّي وَعَدَمُ الْعَجَلَةِ (مُتَضَرِّعاً)، لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعاً مُتَضَرِّعاً. وَالتَّضَرُّعُ: التَّذَلُّلُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي السُّؤَالِ وَالرَّغْبَةِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ).
تَمامُهُ منْ لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ: وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ. فَأَفَادَ لَفْظُهُ أَنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ بَعْدَ الدُّعَاءِ. وَاللَّفْظُ الَّذِي أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ. (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ حِبَّانَ)، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّوَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ الصَّلاةِ لِلاسْتِسْقَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الآلُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لا يُصَلَّى لِلاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا شُرِعَ الدُّعَاءُ فَقَطْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِشَرْعِيَّةِ الصَّلاةِ؛ فَقَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّهَا كَصَلاةِ الْعِيدِ فِي تَكْبِيرِهَا وَقِرَاءَتِهَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ؛ عَمَلاً بِظَاهِرِ لَفْظِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لا صِفَةَ لَهُمَا زَائِدَةً عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِن الآلِ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَكَمَا يُفِيدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الآتِي قَرِيباً، وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ لا فِي الصِّفَةِ، وَيُبْعِدُهُ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِمَا سَبْعاً وَخَمْساً كَالْعِيدَيْنِ وَيَقْرَأُ بِـ(سَبِّحْ) وَ(هَلْ أَتَاكَ)، وَإِنْ كَانَ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ؛ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبَابِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بِالدُّعَاءِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّهُ شَكَا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ الْقَحْطَ، فَقَالَ: ((اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ وَقُولُوا: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ)). وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ صَلاةُ رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ تَرْكُهَا فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَقَدْ عَدَّ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ أَنْوَاعَ اسْتِسْقَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَالأَوَّلُ: خُرُوجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلاتُهُ وَخُطْبَتُهُ.
وَالثَّانِي: يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ.
الثَّالِثُ: اسْتِسْقَاؤُهُ عَلَى مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ، اسْتَسْقَى مُجَرَّداً فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ فِيهِ صَلاةٌ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ اسْتَسْقَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَفَعَ يَدَهُ وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ اسْتَسْقَى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيباً مِن الزَّوْرَاءِ، وَهِيَ خَارِجُ بَابِ الْمَسْجِدِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ اسْتَسْقَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ لَمَّا سَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إلَى الْمَاءِ.
وَأُغِيثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتَسْقَى فِيهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي الْخُطْبَةِ فِي الاسْتِسْقَاءِ، فَذَهَبَ الْهَادِي إلَى أَنَّهُ لا يَخْطُبُ فِيهِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " لَمْ يَخْطُبْ "، إلاَّ أَنَّهُ لا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْفِي الْخُطْبَةَ الْمُشَابِهَةَ لِخُطْبَتِهِمْ، وَذَكَرَ مَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَى الْمِنْبَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لا يَرْقَاهُ إلاَّ لِلْخُطْبَةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَخْطُبُ فِيهَا كَالْجُمُعَةِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الآتِي وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلاةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَذَهَبَ النَّاصِرُ وَجَمَاعَةٌ إلَى الأَوَّلِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ إلَى الثَّانِي؛ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِلاسْتِسْقَاءِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَ.
وَاسْتَدَلَّ الأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا لَفْظَهُ. وَجُمِعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الَّذِي بَدَأَ بِهِ هُوَ الدُّعَاءُ، فَعَبَّرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَن الدُّعَاءِ بِالْخُطْبَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْوِ الْخُطْبَةَ بَعْدَهَا، وَالرَّاوِي لِتَقْدِيمِ الصَّلاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَرْوِ الدُّعَاءَ قَبْلَهَا، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بابُ صلاةِ الاستسقاءِ

مقَدِّمَةٌ
الاستسقاءُ: طَلَبُ السقْيِ مِن اللَّهِ تعالى عندَ حُدوثِ القَحْطِ والجَدْبِ والتضَرُّرِ مِنْ ذلكَ، وقدْ يكونُ الاستسقاءُ بالدعاءِ الْمُجَرَّدِ، ويكونُ بالدعاءِ بعدَ الصلاةِ.
وأَفْضَلُهُ: أنْ يكونَ بصلاةِ ركعتَيْنِ تُصَلَّى كصلاةِ عيدٍ، في زمانِها ومكانِها، وتكبيرِها وقراءتِها، ثمَّ يَخْطُبُ بعدَها خُطبةً واحدةً؛ خُطبةَ صلاةِ العيدِ، بالافتتاحِ بالتكبيرِ والإكثارِ مِن الاستغفارِ والدعاءِ والصلاةِ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ويَدْعُونَ بالدعاءِ المأثورِ فيها.
قالَ بعضُهم: الاستسقاءُ ثلاثةُ أضْرُبَ:
أحدُها: صلاتُهم جماعةً أوْ فُرَادَى على الصفةِ المشروعةِ المخصوصةِ، وهذا أكْمَلُها.
الثاني: استسقاءُ الإمامِ يومَ الجمُعَةِ في خُطْبَتِها؛ اقتداءً بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ، ولأنَّ هذهِ هيَ الساعةُ التي تُرْجَى فيها إجابةُ الدعاءِ.
وهذا الضرْبُ مسْتَحَبٌّ إجماعاً، وعليهِ عَمَلُ المسلمينَ.
الثالثُ: دعاءُ المسلمينَ عَقِبَ صلواتِهم، وفي خَلَوَاتِهم، ولا نِزَاعَ في جوازِ الاستسقاءِ بالدعاءِ بلا صلاةٍ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: الأمورُ مُقَدَّرَةٌ بأسبابِها، ومِن الأسبابِ الدعاءُ، فمَتَى أَتَى العبدُ بالسبَبِ وقَعَ المقدورُ، وإنْ لم يَأْتِ بالسبَبِ انْتَفَى المقدورُ.
والدعاءُ مِنْ أَقْوَى الأسبابِ، فليسَ شيءٌ أنْفَعَ منهُ، فمَتَى أُلْهِمَ العبْدُ الدعاءَ، حَصَلَت الإجابةُ، وقدْ دَلَّ العقْلُ والنقْلُ وتجارُبُ الأُمَمِ على أنَّ التقَرُّبَ إلى اللَّهِ، وطَلَبَ مَرضاتِهِ، والبِرَّ والإحسانَ إلى خَلْقِهِ، مِنْ أعْظَمِ الأسبابِ الجالبةِ لكُلِّ خيرٍ، وأضدادُهَا مِنْ أكبَرِ الأسبابِ الجالبةِ لكلِّ شَرٍّ.
فما استُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ تعالى، واستُدْفِعَتْ نِقَمُهُ، بِمِثْلِ طاعتِهِ، والإحسانِ إلى خلْقِهِ.
والقرآنُ صريحٌ في تَرْتِيبِ الجزاءِ بالخيرِ والشرِّ، ومَنْ فَقِهَ هذهِ المسألةَ انْتَفَعَ بها، وقدْ يَتَخَلَّفُ أثَرُ الدعاءِ؛ إمَّا لضعْفِ الدعاءِ، بألاَّ يكونَ مَحبوباً إلى اللَّهِ؛ لِمَا فيهِ مِن الْعُدوانِ، وإمَّا لضعْفِ قلْبِ الداعي، وعَدَمِ إقبالِهِ على اللَّهِ وجَمعيَّتِهِ عليهِ وقتَ الدعاءِ.
وإمَّا لحصولِ المانِعِ مِن الإجابةِ؛ مِنْ أكْلِ الحرامِ، أو استيلاءِ الغَفلةِ والشهوةِ، فاللَّهُ لا يَقْبَلُهُ مِنْ قلْبٍ غافلٍ، واللَّهُ وَلِيُّ التوفيقِ.
وصلاةُ الاستسقاءِ عندَ وُجودِ سَبَبِها سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بإجماعِ العلماءِ؛ للأحاديثِ الصحيحة المستفيضةِ، التي منها ما في البخاريِّ (1012) ومسلمٍ (894) مِنْ حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ زيدٍ قالَ: " خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَستسقِي، فتَوَجَّهَ إلى القِبلةِ يَدْعُو، وحوَّلَ رِداءَهُ، ثمَّ صَلَّى ركعتَيْنِ، جَهَرَ فيهما بالقراءةِ ".
وأمَّا أبو حَنيفةَ فلم يَرَهَا صلاةً مَسنونةً، وقولُهُ مَحجوجٌ بالسُّنَّةِ الثابتةِ.
415- عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ مُتواضِعاً، مُتَبَذِّلاً، مُتَخَشِّعاً، مُتَرَسِّلاً، مُتَضَرِّعاً، فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كما يُصَلِّي في العِيدِ، لم يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هذهِ. رواهُ الخمسةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وأبو عَوَانةَ وابنُ حِبَّانَ.
* درجةُ الحديثِ:
الحديثُ صحيحٌ.
قالَ في التلخيصِ: رواهُ أحمدُ وأصحابُ السُّنَنِ وأبو عَوانةَ وابنُ حِبَّانَ والحاكِمُ والدارقُطنِيُّ والبيهقيُّ، كُلُّهم مِنْ حديثِ هشامِ بنِ إسحاقَ بنِ كِنانةَ عنْ أبيهِ عن ابنِ عبَّاسٍ، يَزيدُ بعضُهم على بعضٍ، وقالَ التِّرمذيُّ: حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ.
* مفرداتُ الحديثِ:
- مُتَوَاضِعاً: أيْ في ظاهِرِهِ، بالذُّلِّ والانكسارِ بينَ يَدَيِ اللَّهِ تعالى، فالتواضُعُ ضِدُّ التَّكَبُّرِ.
- مُتَبَذِّلاً: بالْمُثَنَّاةِ الفوقِيَّةِ فذالٍ مُعْجَمَةٍ، مِن التَّبَذُّلِ، وهوَ: تَرْكُ الزِّينَةِ على جِهَةِ التواضُعِ، فيَلْبَسُ ثوبَ البِذْلَةِ؛ بكسرِ الباءِ، وهيَ ثيابُ الْمِهْنَةِ والعمَلِ.
- مُتَخَشِّعاً: مُظْهِراً للخشوعِ في باطنِهِ وظاهِرِهِ، بخَفْضِ الصوتِ، وغَضِّ البصَرِ، والخضوعِ في القلْبِ والبَدَنِ.
- مُتَرَسِّلاً: مِن التَّرَسُّلِ في الْمَشْيِ؛ أيْ: مُتَأَنِّياً في مِشيتِهِ، عليهِ سِيمَا السكينةِ والوقارِ.
- مُتَضَرِّعاً: التضرُّعُ والتذَلُّلُ هوَ: المبالَغَةُ في السؤالِ والرغبةِ، وإظهارُ الضراعةِ، فيَلْحَقُ بأنواعِ الذكْرِ والدعاءِ.
مُتَوَاضِعاً إلخ.. كلُّ هذهِ الألفاظُ جاءَتْ بصيغةِ اسمِ الفاعلِ، ومنصوبةً على الحالِيَّةِ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- الاستسقاءُ يُقْصَدُ بهِ الدعاءُ والتضَرُّعُ بينَ يَدَيِ اللَّهِ تعالى، والانكسارُ والضعْفُ، وإظهارُ الفاقةِ والحاجةِ إليهِ تَبَارَكَ وتعالى؛ ولذا فإنَّهُ يَخْرُجُ إليها بحالةٍ مِن التواضُعِ في البَدَنِ، والتخَشُّعِ في القلْبِ، والتضرُّعِ باللسانِ، والتذَلُّلِ في الثيابِ والهيئةِ.
فهذهِ الحالُ أقْرَبُ إلى إجابةِ الدعاءِ، وقَبولِ النداءِ، وهكذا كانَ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يَخْرُجُ إليها؛ ليكونَ أُسوةً لأُمَّتِهِ.
2- دَلَّت الأحاديثُ الصحيحةُ الشهيرةُ على مَشروعِيَّةِ صلاةِ الاستسقاءِ، وهوَ قولُ جمهورِ السلَفِ والخلَفِ، عدا أبي حَنيفةَ، كما في مُصَنَّفِ ابنِ أبي شَيبةَ بسنَدٍ صحيحِ، ولأبي حنيفةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اجتهادُهُ في المسألةِ؛ لأنَّهُ وَرَدَت أحاديثُ فيها الاقتصارُ على الدعاءِ، لَكِنْ معَ هذا خالَفَهُ صَاحِبَاهُ، وَقَالا بالأحاديثِ الْمُثْبِتَةِ لصلاةِ الاستسقاءِ؛ كقولِ الْجُمهورِ، فتُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ كصلاةِ العيدِ مِنْ حيثُ وَقْتُها في الضُّحَى، ومكانُها في الصحراءِ، والتكبيرُ في صلاتِها وخُطبتِها، ولكنَّها خُطبةٌ واحدةٌ يَكْثُرُ فيها الدعاءُ والاستغفارُ.
3- قولُهُ: " لم يَخْطُبْ كخُطبتِهِ هذهِ " يُفْهَمُ منهُ أنْ يَخْطُبَ، ولكنَّها خُطبةٌ مغايِرَةٌ للخُطبةِ التي يُشيرُ إليها الرَّاوِي، مِنْ حيثُ الموضوعُ.
فالأفْضَلُ هوَ التقَيُّدُ بموضوعِ الْخُطبةِ التي كانَ يَخْطُبُها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ لأنَّها أنْسَبُ للمَقامِ، وقدْ جاءَ في لَفْظِ أبي داوُدَ: " ولَكِنْ لم يَزَلْ في الدعاءِ والتضَرُّعِ والتكبيرِ ".
فهذا هوَ المناسِبُ للحالِ؛ لأنَّ المُسْتَسْقِينَ خَرَجُوا لطلَبِ الغَيْثِ والسَّقْيِ، وأفضَلُ وسيلةٍ إليهِ الدعاءُ والاستغفارُ.
4- قالَ ابنُ الْقَيِّمِ: وليسَ لها نداءٌ الْبَتَّةَ. قالَ الشيخُ: وقياسُها على الكسوفِ فاسدُ الاعتبارِ.
قالَ مُحَرِّرُهُ: وتُخَالِفُ صلاةَ العيدَ في أنَّهُ لا وقتَ لصلاتِها، والأَوْلَى أنْ يكونَ وقتَ صلاةِ العيدِ، ولا خِلافَ في أنَّها لا تُفْعَلُ في وقتِ النهْيِ، إلاَّ أنَّها تُوَافِقُ صلاةَ العيدِ مِنْ حيثُ العدَدُ، والتكبيراتُ الزَّوَائدُ، والجهْرُ بالقراءةِ.
* خِلافُ العُلماءِ:
اختلفَ العلماءُ في الْخُطبةِ؛ فالمشهورُ مِنْ مَذْهَبِ الإمامِ أحمدَ أنَّ صلاةَ الاستسقاءِ لها خُطبةٌ؛ لِمَا رَوَى أبو دَاودَ وغيرُهُ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ يَصِفُ خُطبةَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: " وَلَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِهِ هذهِ ".
قالَ في شرْحِ الْمُفْرَدَاتِ: هذا الصحيحُ مِن الْمَذْهَبِ، وعليهِ جماهيرُ الأصحابِ، وبهِ قالَ عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وهوَ مِن الْمُفْرَدَاتِ.
وذهَبَ الإمامانِ مالكٌ والشافعيُّ إلى أنَّ المشروعَ خُطبتانِ، وهوَ روايَةٌ عن الإمامِ أحمدَ، واختارَهُ جماعةٌ مِن الأصحابِ؛ منهم الْخِرَقِيُّ وابنُ حامِدٍ، والأمْرُ واسعٌ، ولكنَّ الاتِّبَاعَ أَوْلَى.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صلاة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir